
هل فشل مشروع ريفييرا ترامب في غزة؟
قبل شهرين تقريبا، طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطته لتهجير أكثر من مليوني فلسطيني من غزة إلى دول مجاورة بحجة استحالة العيش فيها بعد الدمار الواسع الذي ألحقته بها إسرائيل، وتحويل المنطقة المحاصرة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، مثيرا "صدمة" في المنطقة والعالم، وتساؤلات عن قابلية الخطة للتطبيق.
وعلى الرغم من تراجع حالة الصخب التي أثارها إقليميا ودوليا، تستمر ارتدادات المقترح مع استئناف إسرائيل الحرب على القطاع في 18 مارس/آذار بشراسة أكبر وبدعم أميركي صريح، وتحت عنوان كبير، وهو الضغط على حركة حماس لحملها على تقديم تنازلات في ما يتعلق بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها.
وعلى مدى أسابيع، تواترت تصريحات ترامب وعكست ما بدا تصميما منه على إنفاذ خطة "إعادة توطين" فلسطينيي غزة وجعل المنطقة ملكية أميركية طويلة الأجل، وصدرت أحدث التصريحات الثلاثاء حين وصف غزة بأنها "منطقة عقارات مهمة ورائعة"، قائلا إن وجود "قوة سلام" هناك كالولايات المتحدة تسيطر وتمتلك القطاع سيكون أمرا جيدا، وفق تعبيره.
بيد أن الرئيس الأميركي بدا قبل ذلك، في فبراير/شباط ثم في مارس/آذار، وكأنه تراجع خطوة للوراء عن خطته لطرد فلسطينيي غزة من دون إمكانية العودة إليها، حين قال إنه لن يفرضها وسيكتفي بالتوصية بها، وإن أحدا لن يُطرد من القطاع، بعد أن كان يقول إن الولايات المتحدة ستسيطر على القطاع وسيرحل سكانه إلى مصر والأردن.
وربما خلص ترامب إلى هذا الاستنتاج بعد أن عاين رفض مبدأ التهجير الذي عبّرت عنه الدول العربية مجتمعة في قمة القاهرة التي عقدت في الرابع من مارس/آذار، وشهدت إقرار الخطة المصرية لإعادة قطاع غزة بقيمة 53 مليار دولار، وذلك ضمن موجة من الاستهجان الدولي لهذا المقترح (مقترح ترامب) الذي وصفته دول وهيئات دولية بأنه مناف للقوانين الدولية.
وكانت مصر والأردن -المستهدفتان مباشرة بفكرة إعادة التوطين- قد رفضتا بشدة مرارا المقترح الأميركي الذي لقي أيضا معارضة كبيرة من قوى غربية أخرى عديدة داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه ومن الأمم المتحدة.
ومع أنه لم يصدر حتى الآن تصريح رسمي بالتراجع عن المقترح، إلا أن بعض التقارير الإعلامية تنسب إلى مقربين من الرئيس الأميركي أنه تخلى عن مشروع "ريفييرا الشرق الأوسط" في غزة، ولعلّ موقفه المعدّل الذي عبر عنه في مارس/آذار بعدم طرد أحد من سكان القطاع، كان مدفوعا بآراء من داخل إدارته بعدم واقعية مقترح إعادة التوطين.
وفي المقابل، سارع الإسرائيليون لالتقاط المقترح ورأوا فيه فرصة سانحة للتخلص من "صداع غزة"، خاصة في ظل الدعم المطلق من الإدارة الجمهورية الحالية.
وبالنسبة إلى المحللين، فإن خطة ترامب، محكوم عليها بالفشل، أو هي تواجه -في الحد الأدنى- تحديات كبيرة، على الرغم من أن إسرائيل تحاول من خلال التصعيد الحالي أن تجد سبيلا لتنفيذها عن طريق المجازر، ما أمكنها ذلك.
في أوائل فبراير/شباط الماضي، فاجأ الرئيس الأميركي العالم، وحتى كثيرين داخل إدارته، حين طرح خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض نقل سكان غزة إلى مصر والأردن، وذلك تحت دعاوى "إنسانية" مفادها إخراجهم من الجحيم إلى رغد العيش في أمكان أخرى.
وأعاد مقترح دونالد ترامب بتهجير سكان غزة بذريعة إعادة إعمارها و"لتصبح منتجعا ساحليا دوليا تحت السيطرة الأميركية" فكرة سبق أن طرحها صهره جاريد كوشنر قبل عام.
إعلان
فقد قال كوشنر عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إنه "نزاع عقاري"، كما أن ترامب -الذي هو في الأصل من أثرياء العقارات- تحدث مرارا عن القطاع باعتباره "فرصة عقارية رائعة" عندما تسيطر عليه الولايات المتحدة.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن الرئيس عندما عرض خطته بشأن غزة، صدم مسؤولين كبارا في البيت الأبيض والحكومة.
ومارس ترامب ضغوطا كبيرة على مصر والأردن لتقبلا بالمقترح، وبدا "واثقا" من أنهما ستقبلان بفكرة توطين مئات الآلاف من المهجرين من غزة، لكن القاهرة وعمّان لم ترضخا على الرغم من أنهما واجهتا تلويحا بتعليق المساعدات الأميركية الحيوية المقدرة بمليارات الدولارات.
عوامل الفشل
ويرى محللون أن خطة ترامب لتهجير غزة والاستيلاء فشلت حتى الآن، أو هي في طريقها لذلك، لأنها في الأساس غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ لأسباب من أهمها وجود "جدار صد" عربي، وهو ما عبرت عنه مصر والأردن منفردتين والدول العربية مجتمعة في قمة القاهرة.
فمن دون تعاون الدول العربية، لا يمكن أن تنفذ الخطة، وذلك لأن هذه الدول ترى في تهجير الفلسطينيين إليها تهديدا لأمنها القومي، فضلا عن أن ذلك سيكون تصفية للقضية الفلسطينية.
وهناك عامل أخرى مهم -بحسب المحللين- وهو رفض فلسطينيي غزة للتهجير، وصمودهم على أرضهم، وهو ما عبروا عنه في خيامهم المتهالكة، على الرغم من المجازر التي ترتكب ضدهم وتدمير أجزاء كبيرة من القطاع خلال الحرب.
وفي السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا إن ما يتحدث عنه الرئيس الأميركي بشأن غزة لا يعد مشروعا، ويضيف أنه لا توجد حتى الآن أي خطوات عملية باتجاه تنفيذ الخطة، وأن كل ما يقال عن استضافة بعض الدول للفلسطينيين المهجرين لا يتجاوز الأحاديث المتفرقة.
ويتابع المحلل الفلسطيني -في حديث للجزيرة نت- أنه لا توجد رؤية أميركية واضحة في التعامل مع هذا الملف، وشبّه ما يجري الحديث عنه بإنشاء إدارة جو بايدن السابقة رصيفا عائما في غزة لتقديم المساعدات، ويعتبر أن ما يجري الآن ربما يكون امتدادا لتلك التجربة الفاشلة.
ويقول القرا إن هناك رفضا فلسطينيا وعربيا لهذا المشروع، ويصف الموقف الفلسطيني منه بالحاسم، كما يصف موقف مصر بأنه يتسم بصلابة واضحة، إذ اتخذت القاهرة خطوات فعلية لمنع التهجير، منها الإصرار على إغلاق معبر رفح في حال وجود تدخل إسرائيلي فيه، وعدم القبول بفرض حلول تتعارض مع السيادة الفلسطينية.
ويوضح أن الخطة العربية لإعمار غزة أثّرت بشكل ما على حماس واشنطن للمضي في خطوات عملية لتنفيذ مخطط التهجير.
كما يعتبر القرا أن الرؤية الأميركية لما يسمى ريفييرا الشرق الأوسط غير منطقية وغير قابلة للتطبيق، وتظهر أن الرئيس الأميركي وإدارته لا يدركان واقع غزة الحقيقي ربما نتيجة التضليل الإسرائيلي، أو بسبب طريقة تفكير ترامب التي لا تزال تجارية.
خروج محدود
ويقول القرا إنه حتى لو حدث خروج للسكان من غزة، فسيكون محدودا لأسباب فردية تتعلق بمصالح شخصية كالسفر أو الدراسة أو العمل أو العلاج، وليس بدافع ترك القطاع، ويشير إلى أن إسرائيل تستغل هذا الوضع لتنفيذ خطوات تهدف للتهجير مثل ما يحدث حاليا في رفح.
من جانبه، يرى مصطفى إبراهيم، المحلل السياسي والكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية، أن المشروع الأميركي بشأن غزة لم يفشل بالكامل ولكنه يواجه تحديا كبيرا.
ويقول إبراهيم -في حديث للجزيرة نت- إنه لا يمكن الجزم بفشل المشروع لأن هناك محاولات إسرائيلية مستمرة لتحقيق الهدف منه، ولكن في المقابل هناك أيضا إصرار فلسطيني على الصمود ومواجهة هذا المخطط الذي يروج له الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويضيف أنه لعدم السماح بتمرير الخطة، يجب أن يكون هناك موقف فلسطيني موحد، وموقف عربي أقوى، خاصة من خلال الضغط على الولايات المتحدة.
ويشير المحلل الفلسطيني إلى أنه على الرغم من أن الموقف من خطة التهجير يعتبر إيجابيا حتى الآن، إلا أن هناك بعض التخوف من أن بعض الدول العربية قد تتساهل بهذا الشأن ولا تتخذ مواقف أكثر صلابة.
وفي حديث سابق للجزيرة، قال حسن خريشة نائب رئيس المجلس التشريعي إن الشعب الفلسطيني بعث بعد وقف إطلاق النار (الذي خرقته إسرائيل) رسالة واضحة بأنه باقٍ في أرضه، مشيرا إلى أن الفلسطينيين سيفشلون هذه الخطة بدعم من الدول العربية.
وفي غضون ذلك، جددت مصر اليوم الأربعاء رفضها لمخططات تهجير الفلسطينيين من أرضهم سواء بشكل دائم أو مؤقت.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الوطن
منذ 3 ساعات
- جريدة الوطن
رفع العقوبات الأميركية خطوة لتخفيف المعاناة
اسطنبول- الأناضول- اعتبرت دمشق، رفع واشنطن عقوبات عن البلاد «خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح للتخفيف من المعاناة الإنسانية والاقتصادية». وقالت وزارة الخارجية السورية، في بيان، أمس: «ترحب الجمهورية العربية السورية بالقرار الصادر عن الحكومة الأميركية، القاضي برفع عقوبات فُرضت على سوريا وشعبها لسنوات طويلة، والذي ينص على إصدار إعفاء من عقوبات إلزامية بموجب قانون قيصر، وتعميم ترخيص عام رقم 25 بشأن سوريا (CL)». وأضافت أن القرار الأميركي «خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح للتخفيف من المعاناة الإنسانية والاقتصادية». وتابعت: نؤمن بأن الحوار والدبلوماسية هما السبيل الأمثل لبناء علاقات متوازنة تحقق مصالح الشعوب، وتعزز الأمن والاستقرار في المنطقة. وشددت الخارجية السورية أن «المرحلة المقبلة ستكون مرحلة إعادة بناء ما دمره النظام البائد واستعادة مكانة سوريا الطبيعية في الإقليم والعالم». وأكدت أن سوريا تمد يدها لكل من يرغب في التعاون على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، كما أعربت عن تقديرها لجميع الدول والمؤسسات والشعوب التي وقفت إلى جانبها. والجمعة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصا عاما يوفر «تخفيفا فوريا» من العقوبات المفروضة على سوريا، تماشيا مع قرار الرئيس دونالد ترامب.


جريدة الوطن
منذ 3 ساعات
- جريدة الوطن
تحذيرات من اقتحام مستوطنين لـ«الأقصى»
رام الله- الأناضول- حذر رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، أمس، من تداعيات مطالبات مجموعات دينية يهودية متطرفة، بفتح أبواب المسجد الأقصى بالقدس، واقتحامه، خلال «مسيرة الأعلام» الإسرائيلية المزمعة يومي 25 و26 مايو/ أيار الجاري. ومن المتوقع تنظيم المسيرة، غدا، وهي تحتفي بذكرى احتلال القدس الشرقية عام 1967، وتتخللها هتافات عنصرية ضد العرب، وعادة ما تتسبب بتوترات في المدينة. ويشارك في المسيرة آلاف الإسرائيليين اليمينيين، وتبدأ من القدس الغربية وتمر من باب العامود، أحد أبواب البلدة القديمة في القدس الشرقية. وبعدها تتجه المسيرة إلى شارع الواد في البلدة القديمة، وصولا إلى «حائط البراق»، الذي يسميه اليهود «الحائط الغربي». ويرفع المشاركون في المسيرة أعلاما إسرائيلية، ويرددون هتافات معادية للفلسطينيين والعرب، منها «الموت للعرب». وفي بيان، أكد فتوح أن مطالبات المجموعات اليهودية «تمثل اعتداء صارخا على قدسية المسجد الأقصى، ونسفا متعمدا للوضع القائم في القدس، ومحاولة لفرض أمر واقع تهويدي، واستفزازا لمشاعر الفلسطينيين وملايين المسلمين حول العالم». وأضاف أن «حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة، تسعى إلى جر المنطقة لصراع ديني، من خلال سياسات منظمة تستهدف إشعال فتنة لا تحمد عقباها». وشدد فتوح على أن «هذه الانتهاكات المتكررة بحق المسجد الأقصى، انتهاك للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، التي تعتبر القدس الشرقية بما فيها الأقصى، أرضا محتلة لا سيادة للاحتلال عليها». ودعا إلى «اتخاذ إجراءات دولية حازمة، والتأكيد على ضرورة احترام الوضع القانوني والتاريخي للقدس، ووقف جميع الإجراءات الأحادية التي تهدد السلام والاستقرار في المنطقة».


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
واشنطن "تدرس" تعليق بعض العقوبات على إيران
قالت صحيفة إسرائيلية إن الإدارة الأميركية تدرس إمكانية تعليق بعض العقوبات المفروضة على إيران، وذلك بعد يوم من احتضان العاصمة الإيطالية روما جولة جديدة من المحادثات النووية غير المباشرة بين واشنطن وطهران. ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مسؤول أميركي أن واشنطن عرضت اتفاقا تمهيديا تؤكد فيه إيران استعدادها للتخلي عن محاولة حيازة سلاح نووي، مضيفا أن إدرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب"لم تتنازل بمفاوضات روما عن مطلبنا بوقف إيران الكامل لتخصيب اليورانيوم على أرضها". واستضافت روما -يوم الجمعة الماضي- الجولة الخامسة من المفاوضات الإيرانية الأميركية غير المباشرة بشأن البرنامج النووي الإيراني التي تتوسط فيها سلطنة عُمان، والتي بدأت أولى جولاتها في مسقط يوم 12 أبريل/نيسان الماضي. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن جولة اليوم كانت الأكثر مهنية، ووضحنا فيها مواقفنا"، كما قالت الخارجية الإيرانية إن "المفاوضات مستمرة على مستوى الفرق الفنية، وويتكوف غادر بسبب رحلة طيرانه المجدولة مسبقا". وتعد هذه المحادثات أرفع مستوى للتواصل بين البلدين منذ الاتفاق الدولي المبرم مع طهران عام 2015 بشأن برنامجها النووي، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018 في الولاية الأولى للرئيس ترامب. وعقب ذلك، أعاد ترامب فرض عقوبات على إيران ، في إطار سياسة "الضغوط القصوى"، ويسعى حاليا إلى التفاوض على اتفاق جديد مع طهران التي تأمل رفع عقوبات مفروضة عليها تخنق اقتصادها، لكن مسألة تخصيب اليورانيوم ستكون النقطة الخلافية الرئيسة في المحادثات.