
المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين..تحية مستحقة
حيدر المكاشفي
بدأت أزمة اللاجئين السودانين الاخيرة (هناك موجات لجؤ سابقة) كما معلوم منذ اندلاع حرب القذارة والنتانة منتصف أبريل 2023، وبسبب زيادة العنف وتفاقم الاوضاع الانسانية، اضطر ملايين السودانيين لمغادرة ديارهم ومساكنهم طلبا للأمن والأمان والسلامة، وتوزعوا مابين نازحين داخل البلاد ولاجئين بدول الجوار مثل مصر وتشاد ودولة جنوب السودان واثيوبيا ويوغندا وكينيا وليبيا وافريقيا الوسطى، وماتزال هذه الحرب الكارثية التي قاربت عامها الثاني وتتأهب لولوج الثالث بكل بشاعتها وشراستها، تدفع كل يوم بالمزيد من النازحين واللاجئين، وبالارقام والشواهد والادلة الميدانية التي لا تكذب بلغ الحال بالسودانيين جراء هذه الحرب مبلغا غير مسبوق في كل الحروب، حيث أنتجت أكبر أزمة إنسانية وأكثرها تدميرا في العالم. فبالإضافة إلى الموت المجاني والمجاعة وتفشي الأوبئة وتدمير البنية التحتية، وغير ذلك من الانتهاكات لحقوق الانسان الأساسية، فإن ما يعادل ثلثي السكان، بحسب تقرير لليونسكو منهم 16 مليون طفل، سيحتاجون هذا العام إلى مساعدات إنسانية، وثلاثة ملايين طفل دون سن الخامسة معرضون للموت بسبب تفشي الأمراض المميتة، وأن 16.5 مليون طفل، أي جيل كامل تقريبا، أصبحوا فاقدي التربية في المدراس، وحولي 12.1 مليون امرأة وفتاة وعددا متزايدا من الرجال والفتيان والأطفال معرضون لخطر العنف الجنسي المنتشر في السودان اليوم. ويقول التقرير إن «العنف الجنسي في السودان يُستخدم لإذلال شعب بأكمله وإرهابه والسيطرة عليه وتفريقه وإعادة توطينه قسرا» وأن الصدمة التي يعاني منها الأطفال جراء ما يصيبهم من أذى جسدي ونفسي ستخلف ندوبا عميقة لن تنتهي بتوقيع وقف إطلاق النار أو اتفاق سلام. وأن كل هذه الانتهاكات تحدث في السودان وهو يشهد انهيارا لسيادة القانون وإفلاتا تاما من العقاب. وتؤكد مجريات هذه الحرب التي يتساقط فيها يوميا عشرات المدنيين العزل وتدمر فيها الممتلكات العامة والخاصة أنها حرب على الناس والمتضرر الوحيد منها هم المواطنين، وأن العنف ضد المدنيين ليس مجرد نتيجة ثانوية للصراع، بل هو جوهر شن هذه الحرب في جميع أنحاء السودان! وأن الآثار المدمرة للحرب تتفاقم بسبب القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية إما عمدا أو نتيجة للشلل البيروقراطي أو إنعدام الأمن أو انهيار الحكم، وهكذا يظل المدنيون في السودان بلا حماية، يتعرضون للقصف والحصار والاغتصاب والتشريد، وهم محرومون من الطعام والرعاية الطبية والكرامة، ولكن بعد كل هذا الانهيار شبه التام للدولة ورغم كل الكوارث والماسي والفواجع، الا ان المجتمع السوداني لم ينهار ولم يتفكك وبقي صامدا ومتماسكا، ونهض وشمر السواعد لملأ الفراغ الذى تركته الدولة من خلال اقامة المطابخ العامة المعروفة محليا ب(التكايا) ولجان الخدمات وأطباء الطوارئ ومجموعة مناصرة اللاجئين ووقفة المغتربين..
لقد تناول الكثيرون تجربة التكايا وأطباء الطوارئ ولجان الخدمات ومساهمات المغتربين، هذه التجارب العظيمة التي نهضت بدور كبير في تغطية وسد الفراغ الذي خلفته الدولة نتيجة لعجزها أو لا مبالاتها بمعاناة الناس والاستماع لأناتهم وتوجعاتهم أو الاثنين معا، غير ان هناك تجربة في مجال الدعم والمؤازرة والمناصرة الانسانية تستحق الانتباه لها والتنويه بها ودعمها وتشجيعها، هي تجربة المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين، فقد تكونت هذه المجموعة فيما اذكر نهايات العام الماضي 2024 بجمهورية مصر، وبدأت التجربة بمجموعة خيرة من أبناء الوطن ممن يمتلكون حساسية عالية تجاه القضايا الانسانية وحقوق الانسان الأساسية، وبدأت التجربة بمبادرة شتاء دافئ بتوزيع عدة ألوف من البطانيات على اللاجئين السودانيين بمصر، وكان على رأس هذه المبادرة كل من البروف صديق تاور والاستاذ صلاح جلال والمصروسودانية الاستاذة أسماء الحسيني (الشريفية)، وربما اخرون فليعذروني لعدم ذكرهم، ومن هذه المبادرة انطلقت وانداحت مبادرات ومشاريع اخرى تم تنفيذها بنجاح كبير، وقامت التجربة بالاساس على العمل الجماعي وتكامل الادوار، ونجحت فيه بشكل كبير..واسمحوا لي هنا وبمناسبة الحديث عن المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين السودانيين، ان انقل لكم ما كتبه باختصار مدير المكتب التنفيذي للمجموعة عنها.. (تعلمون منذ أن تنادينا لهذا الواجب الوطنى ونحن نعمل معاً بروح الفريق وقدرات الجماعة ، يد وسط الناس والأخرى فى البناء والتأسيس للمجموعة هذه التحركات البسيطة والمتعددة التى إنجرناها معاُ من مبادرة شتاء دافئ بتوزيع عدة ألوف من البطانيات على اللاجئين السودانيين بمصر، وسلة الصائم وسط اللاجئين فى مصر وشرق تشاد إلى الإفطارات الجماعية فى شرق تشاد ويوغندا وأثيوبيا وتأسيس المراكز الصحية فى شرق تشاد والمنصة الأليكترونية للأطباء الأختصاصيين، الغرض من كل هذا النشاط رسالة أساسية للمجتمع السودانى عامة نحن معاً مهما كانت الظروف يد واحدة إذا إنهارت الدولة ووصلت لمرحلة العجز التام تجاه مواطنيها نقوم بكل ذلك لنقول ونثبت للواقع صحيح فشلت الدولة ولكن لم يفشل المجتمع فى مواجهة تحدياته ومهمتنا الأساسية ليست إشباع الناس وحمايتهم فقط ولكن المهم إستنهاض روح التحدى والمقاومة فى المجتمع على مستوى القواعد الشعبية وتنظيمه ليمسك بأطراف مأزقه التاريخى ويبقى على قدر التحدى كلنا معا سنعبر وننتصر التحية لكم أولاد وبنات السودان فى الداخل والخارج وأنتم تقدمون النموذج والمثال للمقاومة المدنية، سنختم هذه المناشط بمناشدتكم جميعا تحصيل زكاة الفطر من مجتمعاتكم الصغيرة وإرسالها لأطفال اللاجئين فى المعسكرات وسيتم صرفها بإشراف المشايخ وفق مصارفها الشرعية لتتوافق الشعيرة مع الحاجة الإنسانية لنعطى الأمل ونهب الفرح للأطفال فى معسكرات اللجوء وأسرهم المتعففة التحويلات لنفس العناوين السابقة لأهل الخير2، التى سنقوم بإعادة نشرها عليكم ونعلن لكم بأننا نتقبل زكاة الفطر إلى يوم ٢٨ رمضان فقط لنضمن وصولها فى موعدها لمستحقيها)..ولكم انتم ايضا في المجموعة تحية مستحقة..
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التغيير
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- التغيير
إحياء طقس (الرحمتات).. شكراً منظمة الحارسات
حيدر المكاشفي أحيت منظمة الحارسات طقس (الرحمتات) أواخر شهر رمضان وتحديدا في اخر يوم جمعة من الشهر الفضيل (تعرف بالجمعة اليتيمة) بكمبالا عاصمة يوغندا، وذلك باقامة احتفال خصصته لأطفال اللاجئين السودانيين المقيمين هناك، ولكن قبل الدخول في تفاصيل هذا الطقس السوداني الرمضاني الذي كان شائعا وسائدا وأوشك أن يندثر ان لم يكن قد اندثر فعلا، يجدر بنا الوقوف قليلا عند منظمة حارسات صاحبة هذه اللفتة البارعة، فمبلغ علمي أنها منظمة نسوية سودانية تأسست عام 2018من مجموعة من الناشطات السودانيات بهدف توسيع مشاركة النساء في الحراك الثوري الذي بدأ يتبلور وقتها وبدأت طلائعه في البروز، وكانت لها بصمتها على طريق إرساء تيار نسوي سوداني ديمقراطي جديد، كما كان لها سهم وافر وحضور مميز في حراك ثورة ديسمبر منذ أول تظاهرة دعا لها تجمع المهنيين، وكانت عضوات الحارسات ملتزمات وحريصات بالمشاركة الدائمة والمستمرة في كل المواكب والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي تتالت الى لحظة اسقاط النظام، وسجلت بذلك المنظمة اسمها باستحقاق وجدارة ضمن قائمة أيقونات الثورة، وقبل ذلك كان لها وجود مميز في ساحة اعتصام القيادة العامة، ومشاركتها في جميع فعاليات وأنشطة الاعتصام ونظمن العديد من الانشطة الخاصة بالنساء، حتى وقعت مجزرة القيادة البشعة والقذرة، ومن بعد ذلك عملت المنظمة على تخفيف الآثار النفسية والجسدية للناجيات والناجين من المجزرة، وكان للمنظمة ومايزال موقف واضح ومطالبة قوية ومستمرة حول ضرورة إصلاح مؤسسات الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتمسكها الصارم بقيم الحرية والسلام والعدالة وحقوق الانسان، وكان للمنظمة الكثير من المشاريع و البرامج التى ظلت تنظمها باستمرار مما يصعب الاحاطة بها في هذه العجالة حتى وقوع هذه الحرب اللعينة الفاجرة، ومنها هذه الفعالية التي نحن بصددها..فالتحية والتجلة والتقدير ل(الحارسات) على ما قدمن وظللن يقدمن حتى اليوم، وصمودهن وجسارتهن في تحمل ما واجهنه من أذى وعسف.. وعودة الى طقس الرحمتات الشعبي التراحمي التكافلي الذي عملت الحارسات على احيائه، نقول هو طقس سوداني كانت العديد من الاسر السودانية تحرص على اقامته في اخر جمعة من كل رمضان، وربما تكون له نظائر بمسميات أخرى وطرائق مختلفة وتواقيت مختلفة في بعض الدول العربية، ووفقا لسرديات شعبية سودانية، يتكون مصطلح (الرحمتات) من مقطعين هما (الرحمة) و (تأتي) أو (أتت) وبدمج المقطعين يصبح المصطلح (الرحمة أتت) أو (الرحمة تأتي) والذي تحور شعبيا الى (الرحمتات)، كما أن هناك تسميات أخرى لطقس الرحمتات مثل (عشاء الميتين) حيث يعتبرونه موسما للتصدق على أرواح الموتى من الاهل والأقارب ويطلقون عليه ايضا (الجمعة اليتيمة)، ففي هذه الجمعة تنكب الاسر التي تحرص على اقامة الرحمتات في عمل مأدبة كبيرة يدعى إليها الأرحام والأصدقاء والجيران مع التركيز بشكل خاص على الأطفال لتناول طعام إفطار رمضان، وهذه باختصار هي (الرحمتات) التي يحتسبون أجرها لموتاهم، وغير المأدبة هناك من يتصدق بالمال على الفقراء والمحتاجين. أما بالنسبة لنوعية الطعام المعد للرحمتات والذي يحظى به الأطفال بوجه خاص باعتبارهم نجوم الطقس، فهو في الغالب الاعم يتكون من اللحم والخبز والأرز، فيما يعرف محليا ب(الفتة)، بالاضافة الى تجهيز منقوع التمر أو الحلومر مشروب السودانيين المفضل في رمضان، وفي الماضي كانت الذبائح تنحر لأجل هذا اليوم، لكن مع تعقد الحياة وصعوبة الحال وتدهور الأوضاع الاقتصادية التي أثّرت كثيراً على قدرات الناس على الإنفاق، اقتصر طقس الرحمتات على شراء بعض اللحوم من السوق لطبخها أو تقديمها لحوم صدقة لروح المتوفين من الأسرة. ولما كان الأطفال هم نجوم تلك الليلة فهم المعنيين أكثر بمائدة الرحمتات حيث يتنقلون من بيت إلى آخر قارعين الطبول ومرددين أهازيج تراثية منغمة وداعين بالرحمة للموتى وطول الحياة لصانعات الموائد من الأمهات والجدات، ومن أغاني الأطفال في ليلة الرحمتات: تات..تات الرحمتات أدونا تلات بلحات، تين تين…أدونا لحم ميتين، ومنها أيضا: الحارة ما مرقت ست الدوكة ما وقعت..قشاية قشاية ست الدوكة نساية..كبريتة كبريتة ست الدوكة عفريتة..ليمونة ليمونة ست الدوكة مجنونة..ويقصد بست الدوكة المرأة التي تقوم بتحضير الطعام. وعادة يقصد الأطفال المنازل التي سينعمون فيها بالطعام الوفير. وعند تأخر تقديم الوجبة للأطفال يصدحون بكل براءة: الحارة ما بردت..ست الدوكة ما فركت..صابونة صابونة ست الدوكة مجنونة..أدونا الحارة ولا نفوت ولا نكسر البيوت.. وبعد تلك هي الرحمتات التي أحيت طقسها منظمة الحارسات بعد ان كادت تندثر أو ربما تلاشت، فالكثير من الاجيال الصاعدة قد لا يعرفونها ولا يذكرونها بفعل الكثير من المتغيرات التي تسببت في تلاشي الكثير من الموروثات الثقافية والشعبية السودانية ومنها على سبيل المثال مؤسسة الحبوبة (الجدة) التي كانت تلعب دورا كبيرا ومؤثرا في تربية الاحفاد..وعموما ليس لنا الا ان نشكر منظمة الحارسات التي تشكل قضايا وهموم النساء محور اهتمامها على اللفتة والمبادرة الذكية واللماحة..


التغيير
٢٤-٠٣-٢٠٢٥
- التغيير
المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين..تحية مستحقة
حيدر المكاشفي بدأت أزمة اللاجئين السودانين الاخيرة (هناك موجات لجؤ سابقة) كما معلوم منذ اندلاع حرب القذارة والنتانة منتصف أبريل 2023، وبسبب زيادة العنف وتفاقم الاوضاع الانسانية، اضطر ملايين السودانيين لمغادرة ديارهم ومساكنهم طلبا للأمن والأمان والسلامة، وتوزعوا مابين نازحين داخل البلاد ولاجئين بدول الجوار مثل مصر وتشاد ودولة جنوب السودان واثيوبيا ويوغندا وكينيا وليبيا وافريقيا الوسطى، وماتزال هذه الحرب الكارثية التي قاربت عامها الثاني وتتأهب لولوج الثالث بكل بشاعتها وشراستها، تدفع كل يوم بالمزيد من النازحين واللاجئين، وبالارقام والشواهد والادلة الميدانية التي لا تكذب بلغ الحال بالسودانيين جراء هذه الحرب مبلغا غير مسبوق في كل الحروب، حيث أنتجت أكبر أزمة إنسانية وأكثرها تدميرا في العالم. فبالإضافة إلى الموت المجاني والمجاعة وتفشي الأوبئة وتدمير البنية التحتية، وغير ذلك من الانتهاكات لحقوق الانسان الأساسية، فإن ما يعادل ثلثي السكان، بحسب تقرير لليونسكو منهم 16 مليون طفل، سيحتاجون هذا العام إلى مساعدات إنسانية، وثلاثة ملايين طفل دون سن الخامسة معرضون للموت بسبب تفشي الأمراض المميتة، وأن 16.5 مليون طفل، أي جيل كامل تقريبا، أصبحوا فاقدي التربية في المدراس، وحولي 12.1 مليون امرأة وفتاة وعددا متزايدا من الرجال والفتيان والأطفال معرضون لخطر العنف الجنسي المنتشر في السودان اليوم. ويقول التقرير إن «العنف الجنسي في السودان يُستخدم لإذلال شعب بأكمله وإرهابه والسيطرة عليه وتفريقه وإعادة توطينه قسرا» وأن الصدمة التي يعاني منها الأطفال جراء ما يصيبهم من أذى جسدي ونفسي ستخلف ندوبا عميقة لن تنتهي بتوقيع وقف إطلاق النار أو اتفاق سلام. وأن كل هذه الانتهاكات تحدث في السودان وهو يشهد انهيارا لسيادة القانون وإفلاتا تاما من العقاب. وتؤكد مجريات هذه الحرب التي يتساقط فيها يوميا عشرات المدنيين العزل وتدمر فيها الممتلكات العامة والخاصة أنها حرب على الناس والمتضرر الوحيد منها هم المواطنين، وأن العنف ضد المدنيين ليس مجرد نتيجة ثانوية للصراع، بل هو جوهر شن هذه الحرب في جميع أنحاء السودان! وأن الآثار المدمرة للحرب تتفاقم بسبب القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية إما عمدا أو نتيجة للشلل البيروقراطي أو إنعدام الأمن أو انهيار الحكم، وهكذا يظل المدنيون في السودان بلا حماية، يتعرضون للقصف والحصار والاغتصاب والتشريد، وهم محرومون من الطعام والرعاية الطبية والكرامة، ولكن بعد كل هذا الانهيار شبه التام للدولة ورغم كل الكوارث والماسي والفواجع، الا ان المجتمع السوداني لم ينهار ولم يتفكك وبقي صامدا ومتماسكا، ونهض وشمر السواعد لملأ الفراغ الذى تركته الدولة من خلال اقامة المطابخ العامة المعروفة محليا ب(التكايا) ولجان الخدمات وأطباء الطوارئ ومجموعة مناصرة اللاجئين ووقفة المغتربين.. لقد تناول الكثيرون تجربة التكايا وأطباء الطوارئ ولجان الخدمات ومساهمات المغتربين، هذه التجارب العظيمة التي نهضت بدور كبير في تغطية وسد الفراغ الذي خلفته الدولة نتيجة لعجزها أو لا مبالاتها بمعاناة الناس والاستماع لأناتهم وتوجعاتهم أو الاثنين معا، غير ان هناك تجربة في مجال الدعم والمؤازرة والمناصرة الانسانية تستحق الانتباه لها والتنويه بها ودعمها وتشجيعها، هي تجربة المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين، فقد تكونت هذه المجموعة فيما اذكر نهايات العام الماضي 2024 بجمهورية مصر، وبدأت التجربة بمجموعة خيرة من أبناء الوطن ممن يمتلكون حساسية عالية تجاه القضايا الانسانية وحقوق الانسان الأساسية، وبدأت التجربة بمبادرة شتاء دافئ بتوزيع عدة ألوف من البطانيات على اللاجئين السودانيين بمصر، وكان على رأس هذه المبادرة كل من البروف صديق تاور والاستاذ صلاح جلال والمصروسودانية الاستاذة أسماء الحسيني (الشريفية)، وربما اخرون فليعذروني لعدم ذكرهم، ومن هذه المبادرة انطلقت وانداحت مبادرات ومشاريع اخرى تم تنفيذها بنجاح كبير، وقامت التجربة بالاساس على العمل الجماعي وتكامل الادوار، ونجحت فيه بشكل كبير..واسمحوا لي هنا وبمناسبة الحديث عن المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين السودانيين، ان انقل لكم ما كتبه باختصار مدير المكتب التنفيذي للمجموعة عنها.. (تعلمون منذ أن تنادينا لهذا الواجب الوطنى ونحن نعمل معاً بروح الفريق وقدرات الجماعة ، يد وسط الناس والأخرى فى البناء والتأسيس للمجموعة هذه التحركات البسيطة والمتعددة التى إنجرناها معاُ من مبادرة شتاء دافئ بتوزيع عدة ألوف من البطانيات على اللاجئين السودانيين بمصر، وسلة الصائم وسط اللاجئين فى مصر وشرق تشاد إلى الإفطارات الجماعية فى شرق تشاد ويوغندا وأثيوبيا وتأسيس المراكز الصحية فى شرق تشاد والمنصة الأليكترونية للأطباء الأختصاصيين، الغرض من كل هذا النشاط رسالة أساسية للمجتمع السودانى عامة نحن معاً مهما كانت الظروف يد واحدة إذا إنهارت الدولة ووصلت لمرحلة العجز التام تجاه مواطنيها نقوم بكل ذلك لنقول ونثبت للواقع صحيح فشلت الدولة ولكن لم يفشل المجتمع فى مواجهة تحدياته ومهمتنا الأساسية ليست إشباع الناس وحمايتهم فقط ولكن المهم إستنهاض روح التحدى والمقاومة فى المجتمع على مستوى القواعد الشعبية وتنظيمه ليمسك بأطراف مأزقه التاريخى ويبقى على قدر التحدى كلنا معا سنعبر وننتصر التحية لكم أولاد وبنات السودان فى الداخل والخارج وأنتم تقدمون النموذج والمثال للمقاومة المدنية، سنختم هذه المناشط بمناشدتكم جميعا تحصيل زكاة الفطر من مجتمعاتكم الصغيرة وإرسالها لأطفال اللاجئين فى المعسكرات وسيتم صرفها بإشراف المشايخ وفق مصارفها الشرعية لتتوافق الشعيرة مع الحاجة الإنسانية لنعطى الأمل ونهب الفرح للأطفال فى معسكرات اللجوء وأسرهم المتعففة التحويلات لنفس العناوين السابقة لأهل الخير2، التى سنقوم بإعادة نشرها عليكم ونعلن لكم بأننا نتقبل زكاة الفطر إلى يوم ٢٨ رمضان فقط لنضمن وصولها فى موعدها لمستحقيها)..ولكم انتم ايضا في المجموعة تحية مستحقة..


التغيير
١٦-٠١-٢٠٢٥
- التغيير
القتل على الهوية..أيام كالحة في تاريخ السودان
حيدر المكاشفي ان الذي حدث بعدة مناطق بولاية الجزيرة بعد استعادة عاصمتها مدني بواسطة الجيش والقوى المتحالفة معه، لهو قتل على الهوية وخارج اطار القانون بكل المقاييس وفي كل الشرعات والشرائع، ولست هنا بمعرض اعادة صور القتل والتنكيل وبقر البطون والالقاء في النيل، تلك الصور والفيديوهات الدموية البشعة التي طالت مجموعة من سكان الكنابي وغيرهم من مواطنين عزل، التي تدل على وحشية ولا انسانية من ولغوا فيها، اذ يكفي الناس ما اصابهم من أذى ونكد وألم عند مشاهدتهم لها في المرة الأولى، ولن نزيد أوجاعهم واذاهم مرة أخرى، فالقتل وبشاعة التنكيل الذي وقع على هؤلاء المواطنين العزل، يعكس النظرة العصبية المستعلية والتي كانت متغلغة في دماء وعروق العرب في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام أحق الحق وأبطل الباطل، وقرر أنه لا نصرة لظالم بمشاركته في الظلم لأن الأصل في الشريعة الاسلامية أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وعليه فلا يجوز لآحد من الناس أو جماعة منهم اضطهاد الآخرين بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو العرق أو أي سبب كان على النحو الذي حدث في بعض مناطق الجزيرة، لخروج ذلك عن أصول الإسلام، فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين، رجلا من الأنصار ــ أي ضربه على مؤخرته ــ ، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال دعوى الجاهلية» قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: «دعوها فإنها منتنة» فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم العقاب على الهوية بأنها خصلة منتنة وهي عبارة تدعو للتنفير من هذا الأمر، ومن جهة أخرى فان هؤلاء المواطنين العزل وبافتراض ان هناك شكوك حول دعمهم للمليشيا يعتبروا أسرى بعد القبض عليهم أحياء، فقائد المليشيا نفسه اذا قبض عليه حيا يعتبر اسير فما بالك بهؤلاء المواطنين العزل، والطامة الكبرى ان قتلة هؤلاء المواطنين لم يكتفوا بازهاق أرواحهم، بل مضوا شوطا أبعد في الخسة والدناءة بتصوير جثامينهم وعرضها على الجمهور متفاخرين ومكبرين الله على جرمهم الشنيع الذي حرمه الله، رغم أنهم كانوا أسرى لديهم ورغم ما تكفله كل الشرائع والمواثيق من حقوق للأسرى، إذ توجب كل الشرائع الدينية وعلى رأسها الاسلام والمواثيق الدولية كاتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب، معاملة إنسانية، تحفظ كرامتهم، وترعى حقوقهم، وتصون إنسانيتهم، حيث يعتبر الأسير من الفئات الضعيفة التي تستحق الشفقة والإحسان والرعاية، كما تقع مسؤوليته على الدولة، لا تحت سلطة الأفراد أو الوحدات العسكرية التي أسرتهم، وبخلاف المسؤوليات الفردية التي قد توجد، تكون الدولة مسؤولة عن المعاملة التي يلقاها الأسير، ويحظر على هذه الدولة أن تقترف أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، ويعتبر انتهاكا جسيما لهذه الاتفاقية، كما لا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني أو التجارب الطبية أو العلمية من أي نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية للأسير المعني أو لا يكون في مصلحته، وبالمثل يجب حماية أسرى الحرب في جميع الأوقات، وعلي الأخص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير..وعطفا على ما تقدم تكون حكومة الامر الواقع في بورتسودان وقيادة الجيش هي المسؤولة عن ارتكاب جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية باعدام هؤلاء الاسرى والتمثيل بهم خارج اطار القانون، وعليه يبقى المطلوب من حكومة الامر الواقع وقيادة الجيش، أن يكبحوا منسوبيهم ومليشياتهم الغادرة ويلجموها من التعدي على حدود الله والقانون، وقبل ذلك عليهم ان يتحملوا مسؤوليتهم الكاملة عن تلك الجرائم، ولن يعفيهم عن ذلك التبرير بأنها جرائم فردية كما جاء في بيان الجيش، وقد تكرر مثل هذا التبرير الفج كثيرا من قبل، حيث درجت كل الأجهزة النظامية من جيش وشرطة ومخابرات ومسلحي حركات، على تبرير ما يرتكبه منسوبوها من تجاوزات وتعديات وانتهاكات ضد مواطنيين عزل، بأنه تصرف فردي معزول ولا علاقة للمؤسسة به، ثم بعد هذا التبرير الفطير يعلنون على طريقة (عدي من وشك) توقيف المعتدين واخضاعهم للتحقيق توطئة لمحاكمتهم، وتنتهي القضية عند هذا الحد دون معاقبة المجرمين، ونقول مجرمين لأن ما يرتكبه هؤلاء هو جريمة مكتملة الأركان، بل ومركبة يقاضي عليها القانون العسكري والقانون الجنائي المدني أيضا، وكانت قد تكاثرت بشكل لافت ومقلق اعتداءات بعض الأفراد النظاميين على المواطنين المدنيين العزل، بل أن الاعتداءات على الأطباء لم تتوقف حتى بعد صدور القانون الذي يوفر الحماية للأطباء، ورغم ذلك كلما وقع اعتداء من نظامي على مدني أعزل، تخرج علينا المؤسسة التي يتبع لها هذا النظامي لتبرر الاعتداء بأنه (تصرف فردي لا علاقة للمؤسسة به)، ومن كثرة ما كررت الأجهزة النظامية هذا المبرر حتى صار بائخا وغير مبرر وغير مبرئ لذمة الاجهزة النظامية، وهذا ما يفرض على هذه الأجهزة أن تضبط تصرفات أفرادها وفقا للقانون، وأن تخصص لهم من بين دوراتها التدريبية دورات مكثفة عن حقوق الانسان، يتعلم فيها النظامي عدم الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة الانسانية، ويعرف كيف يصون حياة الناس وسلامتهم البدنية، وأن لا يأخذ القانون بيده حتى في حالة ضبط المجرمين.. الشاهد أن بلادنا عانت في تاريخها القريب عددا من ارتكاب جرائم على الهوية، نعرض هنا بعضها على سبيل المثال، منها ما عرف اصطلاحا ب(احداث الاثنين الاسود)، وكانت هذه الاحداث المأساوية البشعة وقعت في أعقاب مقتل جون قرنق في حادث الطائرة المشهور منتصف عام 2005، بعد وقت قصير من توقيع اتفاقية نيفاشا وتنصيب قرنق نائبا للرئيس، وقد أفجع موت قرنق قطاع واسع من الشعب السوداني وليس فقط الاخوة الجنوبيين، ولكن الاخوة الجنوبيين وبسسب صدمتهم من الحادث خرجوا زرافات ووحدانا الى الشوارع يضربون ويخربون ويحرقون كل ما يلاقيهم ويعتبرونه من الشمال ومن اهل الشمال، وكأن أهل الشمال هم من قتلوه، علما بأن الطائرة يوغندية وتحركت من مطار يوغندي ويقودها طاقم يوغندي، وكانت تلك الحشود الضخمة من الجنوبيين المؤيدين لقرنق الذين كانوا قد استقبلوه استقبال الأبطال عندما أصبح نائبا أول للرئيس، انتشروا في شوارع الخرطوم ملوحين بالسكاكين والقضبان الحديدية ونهبوا المتاجر وأشعلوا الحرائق واشتبكوا مع الشرطة، وكانوا يضربون كل من يرون أنه شمالي أو يشبه العرب، وقتل من جراء هذا الشغب العشرات من المواطنين العزل الابرياء وحرقت عشرات السيارات والمحال، فاضطرت السلطات لفرض حظر التجوال، ولم تكد الخرطوم تلملم جراحها وتواري قتلاها اذا بغارة أخرى مضادة تندلع في اليوم التالي مباشرة ضد الجنوبيين وكل ما هو جنوبي فيما عرف اصطلاحا ب(احداث يوم الثلاثاء الاسود)، وحدث فيه للجنوبيين ذات الذي حدث منهم للشماليين، وكلا الحادثين الاسودين يندرجان تحت توصيف جرائم مرتكبة على الهوية، كما نذكر أيضا ما عرف اصطلاحا ب(غزوة أمدرمان) التي شنتها حركة العدل والمساوة بقيادة خليل ابراهيم الذي اغتيل لاحقا بضربة صاروخية نالت منه في احدى مناطق كردفان، فبعد دحر الغزوة عمدت السلطات لالقاء القبض على كل من يبدو من سحنته أو لهجته أنه من دارفور، واعتباره مجرما ونصيرا ومتعاونا وطابور خامس وخلية نائمة للعدل والمساواة، كما نذكر على ايام التظاهرات الثورية الحملة الشرسة التي شنتها السلطات الامنية ضد طلاب دارفور باعتبارهم عملاء وخونة وطابور خامس، ولكن الثوار بوعيهم انتبهوا لهذا الفعل الخسيس وانتجوا الهتاف الشهير (يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور)، وغير هذه الامثلة التي ذكرناها هناك العديد من الامثلة الاخرى التي تكشف مدى الاستهانة بارواح الناس وقتلهم بدم بارد خارج اطار القانون، وتقف على رأس هذه الامثلة ما يمكن تعريفه بالقتل على الهوية السياسية، ونعني حادثة فض الاعتصام البشعة التي ستظل الأكثر سوادا، وستبقى محفورة فى ذاكرة الأجيال تجترها في أسى جيلا بعد جيل، وستبقى تلك الجريمة النكراء وصمة لا تمحى وعارا لن يزول على القيادات العسكرية الذين احتمى بسوح قيادتهم العامة وأقاموا اعتصامهم حولها اولئك الشباب والشابات البواسل، لقد كانت عملية فض الاعتصام القذرة، جريمة مكتملة الاركان، خطط لها المجرمون السفاحون بعناية وكانوا فى كامل الاستعداد والجاهزية بالسلاح والعتاد، بينما كان الضحايا سلميين ومسالمين عزل، بل كانوا يستشعرون الأمان لكونهم فى استجارة من ظنوا انها قواتهم المسلحة حامية الارض والعرض، فتخير المجرمون القتلة ساعة السحر حين كان المعتصمون نيام وهم صيام لتنفيذ جريمتهم البشعة الانتقامية الدموية الشيطانية بلا رحمة ولا وازع من دين ولا أخلاق، وهذا ما يكشف أن هذه الجريمة لم تتم على عجل وانما بتخطيط وتنسيق وخطة محكمة وتأهيل وتهيئة للمنفذين حتى لا يرأفوا أو تأخذهم شفقة بالمعتصمين. فطاحوا فيهم تقتيلا وسحلا ودهسا واغتصابا لبعض الحرائر والقاء بعض الجثث فى مياه النيل وبعض آخر ما يزال فى عداد المفقودين لا يعرف حتى الان ان كانوا أمواتا فينعون أو أحياء يرجون، كما ان تاريخ النظام البائد القمعي مليء بجرائم القتل والسحل وازهاق الأرواح، اذ كان القتل هو أسهل الطرق التي كان يستخدمها النظام للبقاء في الحكم والتخلص من الخصوم ودفنهم بليل جماعات وفرادى، ومن هذه الجرائم الجريمة التي اصطلح على تسميتها (مجزرة العيلفون)، هذا غير العديد من جرائم القتل التي ولغ فيها النظام، نذكر منها على سبيل المثال مجزرة بورتسودان التي قتل فيها النظام اكثر من عشرين نفسا، وحادثة كجبار والاعوج بالنيل الابيض وغيرها من جرائم القتل واستسهال ازهاق الروح وليس بغريب عليهم ولا جديد الذي حدث في ولاية الجزيرة..