logo
قنبلة سجين تتطاير شظاياها فوق عواصم الإقليم

قنبلة سجين تتطاير شظاياها فوق عواصم الإقليم

الجزيرة٠٥-٠٣-٢٠٢٥

من معزله القصيّ، فوق جزيرة إمرالي الصغيرة في أطراف بحر مرمرة، فجّر السجين الأشهر عبدالله أوجلان، قنبلةً من العيار الثقيل، سيكون لها تداعيات وارتدادات تتخطى الجغرافيا التركية لتطاول الإقليم.
وستُحدث شظاياها تبدلات في توازنات القوى الكردية في دول الانتشار، وتعيد ترتيب أولوياتها ومقارباتها، ومعها ستتغير مقاربات ورهانات قوى إقليمية ودولية، بالذات في الحواضن الأربعة لما بات يعرف بـ"المسألة الكردية".
من بين الزعامات الثلاثة التي توزعت عليها الحركة الكردية في المنطقة: طالباني، البارزاني، وأوجلان، يتميز الأخير، بزعامة كاريزمية، عابرة للحدود.
تأثيرات مؤسس حزب العمال الكردستاني قبل خمسة عقود، تضرب جذورًا عميقة في أوساط كردية سورية، وعراقية وإيرانية، فضلًا عن نفوذه الوازن في مغتربات الأكراد وشتاتهم.
ومن هنا يمكن التكهن، بأن الرسالة التي وجهها الرجل إلى حزبه، ستتردد أصداؤها في جنبات المكونات والكيانات الكردية في مختلف الأرجاء، وهذا ما يبعث على ارتياح البعض ويثير قلق البعض.
والرسالة بما تضمنته من أفكار، هي حصيلة مراجعات ممتدة وعميقة، أجراها الرجل في محبسه (1999 – حتى اليوم)، وقد تضمنت كتبٌ عدة أنجزها في سجنه، بعضًا من فصول هذه المراجعات، قرّبته من مفهوم "الأمة الديمقراطية"، وخففته من الخطاب القومي الحاد، بما يستبطن، أو يُشتق منه، مشاريع انفصالية، تحت مسميات عدة: الفدرالية، تقرير المصير، الإدارة الذاتية، وأحيانًا "اللامركزية الموسّعة".
عبدالله أوجلان، اليساري، الماركسي – اللينيني سابقًا، يدعو في رسالته، لا إلى وقف إطلاق النار، أو هدنة مؤقتة، كما سبق له أن فعل، بل إلى إسقاط السلاح ونبذ العنف، وإنهاء نهج "الكفاح المسلح" وأدواته، بل ويطالب بحل الحزب "PKK" (تأسس عام 1978)، ومواصلة العمل السياسي تحت مسميات متخففة من إرث ذلك الحزب. ذلكم تطور نوعي وعامل تغيير إستراتيجي "Game Changer"، سيكون له ما بعده.
القصة باختصار
مع صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة السلطة في العام 2002، بدا أن صفحة جديدة في العلاقات التركية – الكردية الداخلية قد فُتحت. لم تعد "المسألة الكردية" مسيّجة بالتابوهات. أصبحت عنوانًا على بساط، تتفق بشأنه الآراء وتفترق. بخلاف ما كان عليه الحال من قبل.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، أذكر أنه في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1998، كنت في زيارة أولى لأنقرة، بدعوة من "خارجيتها"، وصادف أن التوقيع على اتفاق أضنة قد تم بعد وصولي بأيام قلائل.
وأثناء اجتماع مع وزير الخارجية التركية آنذاك، إسماعيل جيم، سألت مرافقتي من الخارجية ممازحًا: ما الموضوعات المحظور طرحها في لقاءاتي مع المسؤولين الأتراك، بالذات "الجنرالات" منهم؟ قالت أنصح بألا تسأل عن دور الجيش في السياسة، ولا عن المسألة الكردية، وهي النصيحة التي لم ألتزم بها على أية حال، بل حرصت على إثارة المسألتين، في كل لقاء أجريته خلال الأسبوعين اللذين استغرقتهما الزيارة.
بدا أن حزب العدالة والتنمية "AKP"، لديه فائض مشتركات مع أكراد بلاده، بما لا يقارن مع أسلافه، من علمانيين وقوميين وجنرالات، تعاقبوا على حكم البلاد لسنوات وعقود مديدة. وبدأنا نشهد سنوات انفراج رافقت سنوات صعود الحزب وامتلاء صناديق الاقتراع بالأصوات المؤيدة له.
إلى أن وصلنا إلى انتخابات يونيو/ حزيران عام 2015، التي لم يتمكن بنتيجتها الحزب من الفوز بعددٍ كافٍ من المقاعد لتشكيل حكومة جديدة، فتقرر إجراء انتخابات مبكرة في نوفمبر/ تشرين الثاني من السنة ذاتها، وبالتحالف مع الحركة القومية التركية بزعامة دولت بهتشلي، المعروف بمواقفه المناهضة للحركة الكردية، ليبدأ بعدها فصل من المواجهة العنيفة في جنوب شرق الأناضول وديار بكر وجوارها، ولتعود العلاقات التركية – الكردية إلى سابق عهود الأزمة والتأزم.
لكن ذلك لم يمنع أكراد البلاد، من خوض غمار الانتخابات العامة، وتشكيل أحزاب سياسية، وتحقيق مكتسبات انتخابية، جعلت منهم في مراحل معينة "بيضة قبّان" وازنة. ولم تَحُل الاعتقالات والملاحقات لنوابهم ورؤساء بلدياتهم، دون استمرار حضورهم في الحياة السياسية، وإن كان على "حبل مشدود".
نقطة تحوّل
في الثاني والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أي قبل سقوط نظام الأسد بستة أسابيع، كان دولت بهتشلي أصدر نداءً اقترح فيه دعوة عبدالله أوجلان لمخاطبة البرلمان التركي، والإعلان عن وقف "الإرهاب" وحل حزبه.
يومها قُوبلت مبادرة زعيم الحركة القومية، بفيض من التساؤلات، لا سيما أنها تصدر عن واحدٍ من أكثر خصوم الحركة الكردية تشددًا، ما الذي يدور في الخفاء، وما هي أهداف المبادرة، ولماذا الآن، وهل هي منسّقة مع الشقيق الأكبر، حزب العدالة والتنمية والزعيم التركي رجب طيب أردوغان؟
لم تمضِ سوى 48 ساعة، حتى كان الإرهاب يضرب في أنقرة، مستهدفًا قلب الصناعة الدفاعية التركية، يومها ترددت الاتهامات بالسعي لإجهاض مبادرة بهتشلي، وقطع الطريق على المصالحة الوطنية، لتتجدد بعد ذلك العمليات الحربية التي طاولت جبال قنديل وأطراف العراق وسوريا.
لكن ما نفهمه من الرسالة القادمة من سجن إمرالي في السادس والعشرين من فبراير/ شباط الفائت، أو بالأحرى، ما نستنتجه من هذه الرسالة /القنبلة، أن قنوات التواصل بين الجانبين، لم تنقطع، برغم صخب المعارك وأصوات التفجيرات والغارات. وأحسب أن رسالة أوجلان، ليست سوى الجزء الظاهر من جبل جليد هذه الاتصالات و"التفاهمات"، أما جزؤُها الغاطس، فسيتكشّف في قادمات الأيام.
لم ينتظر المراقبون المتلهفون للتعرف على "استجابة" قيادة الحزب وقيادة قنديل لدعوة أوجلان طويلًا. الرد جاء سريعًا ومفصلًا، في بيان صادر عن اللجنة التنفيذية للحزب، عبّر من خلاله عن تأييده التام للمبادرة، مطالبًا سلطات أنقرة، بتسهيل انعقاد مؤتمر الحزب وبمشاركة "الأب الروحي" شخصيًا في أعماله، بعد إصدار ما يلزم من قرارات العفو والإفراج عن معتقلي الحزب وقياداته، وهذا يشمل معتقلي حزب الشعوب الديمقراطية، الذي يقبع زعيمه صلاح الدين ديمرطاش في السجن منذ عدة سنوات.
نحن إذن، أمام كرة بدأت بالتدحرج. ومن دون تهوين أو تهويل لحجم وصلابة العقبات والمعوّقات التي تحول دون إنجاز ملف "السلم الأهلي"، إلا أن جملة من البيئة الداخلية والجيوسياسية في تركيا ومحيطها، تدفع على الاعتقاد بأننا إزاء أكثر المحاولات جديّة لإغلاق ملف "المسألة الكردية" في تركيا، بكل ما قد يترتب من تداعيات على قضايا الكرد وأحوالهم في دول الجوار.
داخليًا؛ قال زعيم الحزب كلمته، واستجابت قيادته للنداء: إلقاء السلاح، إنهاء ظاهرة "الكفاح المسلح"، و"حل الحزب"، جملة التزامات من النوع غير القابلة للتراجع عنها إن حصلت "Irreversible"، والحزب استبدل غايات كفاحه التي تحمل معاني "الانفصال" و"الفدرالية" بمطالب الاندماج الكامل والمواطنة المتساوية، السلم الأهلي والمجتمع الديمقراطي. تلكم تطورات كفيلة بتبديد الخوف والقلق على سلامة الوحدة الترابية للبلاد، وسيادتها وسلامة نسيجها الاجتماعي.
في المقابل، تبدو الدولة التركية بحاجة لترتيب بيتها الداخلي، لمواجهة استحقاقات إقليمية تطل برأسها، وتحديدًا على حدودها الجنوبية، مع وجود "جيب كردي انفصالي"، لم يعد قادته يترددون في البوح باستعدادهم للتحالف مع "الشيطان/إسرائيل" إن هو مدّ لهم يد العون، وما قاله تلميحًا مظلوم عبدي (القائد العام لقوات قسد الكردية في سوريا)، سبق لإلهام أحمد (المسؤولة الحزبية الكردية في سوريا) أن قالته لـ"جيروزاليم بوست" تصريحًا.
أما حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ 23 عامًا، فقد خرج من آخر انتخابات في مارس/ آذار الماضي، بفوز غير مؤزّر، فيما زعيمه و"الأب الروحي" له، يواجه استحقاق الخروج من المسرح السياسي في ختام آخر ولاياته الرئاسية، المصادر في أنقرة، تتحدث عن مصلحة للحزب في تجديد حضوره الشعبي وقواعده الانتخابية لمواجهة الاستحقاقات القادمة، وعن رغبة زعيمه في تعديل الدستور، لتمكينه من ولاية رئاسية إضافية.
أزيد من أربعين عامًا من العنف المسلح، أزهقت أرواح أكثر من 40 ألف تركي وكردي، وعشرات المليارات من الدولارات، خسائر مادية. لا الحزب الكردي نجح في تحقيق أهدافه، بل بدا أنه يخسر مزيدًا من الأرض والقواعد والشعبية مؤخرًا، لا سيما بعد رحيل نظام الأسد إلى ذمّة التاريخ، ولا الدولة التركية تخلصت من شبح "الإرهاب" الذي قضّ مضاجعها.
تركيا تقف اليوم على عتبات مرحلة جديدة، عنوانها السلم الأهلي، وترتيب البيت الداخلي، وسد ثغرات الداخل؛ استعدادًا لتحديات الخارج.
لا يعني ذلك للحظة واحدة، أن ليس ثمة متضررون من هذا المسار الجديد الذي بدأ يشق طريقه، وستبدي لنا قادمات الأيام فصولًا منه، لا نعرفها حتى اليوم.
هؤلاء لن يرفعوا الرايات البيضاء أمام قطار المصالحة، لكن يبدو أن قوة الزخم التي يتوفر عليها هذا المسار السياسي، ستكون كفيلة بإزالة هذه العقبات وتدوير الزوايا الحادة في مواقف وتوجهات المعارضين.
شظايا تتطاير
أكثر المتضررين من هذه التطورات المتسارعة، هم فريق "قسد" من أكراد سوريا، وهو فريق مركزي على أية حال، ويعتبر العمود الفقري للحركة الكردية في شمال سوريا. هم لم يفقدوا حليفًا مشاركًا وموثوقًا في الميدان فحسب، بل هم الأقرب لنهج حزب العمال الكردستاني وتوجهات زعامته التاريخية.
سيتعين على "قسد" بذل المزيد من الجهد لتبرير استمرارها في حمل السلاح، والتمسك بشروطها للاندماج في الجيش السوري الجديد. سيتعين عليها التخلي عن أحلامها في "الفدرالية" و"الإدارة الذاتية الموسعة" والتي تشفّ عن طموحات انفصالية لا يحد منها سوى المصاعب التي تعترض ترجمتها.
سيتعين عليها التخلي عن نهج الاستقواء بالأجنبي، أميركيًا كان أم إسرائيليًا، تلكم رهانات خائبة، تبدو سوريا الجديدة، وتركيا ما بعد المصالحة، في وضع أفضل لإحباط مراميها وأهدافها.
بيان أوجلان الذي قالت "قسد" إنها ليست معنية به، رسم سقوفًا لطموحات كرد سوريا وتطلعاتهم، ووضع قيودًا على أدوات كفاحهم ومستقبل خياراتهم المسلحة. وشق طريقًا سيساعد "قسد" على الاندماج بالدولة السورية، والعمل على "السلم الأهلي والمجتمع الديمقراطي".
بخلاف ذلك، ستكون الحركة الكردية عرضة لمسلسل من الانشقاقات لا يتوقف، وستقوى شوكة الكرد من أنصار المدرسة البارزانية، القريبة من أنقرة والحليفة لحزبها الحاكم، إذ من المتوقع أن تختل التوازنات في إقليم كردستان العراق كذلك، في غير صالح السليمانية والطالبانية، وهي كانت بدأت الاختلال في ضوء انكماش الدور الإيراني إثر "الطوفان"، وتنامي دور تركيا بعد الثامن من ديسمبر/ كانون الأول.
وأحسب أن إسرائيل هي ثاني أكبر الخاسرين من التطورات الأخيرة للمسألة الكردية في تركيا. لا لأنها تضع مشكلات كبرى في طريق ترجمة "حلف الأقليات" ودعوات نتنياهو – ساعر لحماية الأكراد فحسب، بل لأنها تجرد إسرائيل من ورقة يمكن أن تحركها ضد أنقرة، ما دام أن العلاقة بين البلدين، قد وضعت على سكة تصادم بعد أن كانت على سكة تعاون، كما يتّضح في التطورات المتلاحقة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
أما بالنسبة لإيران، فإن لرسالة أوجلان وقعًا مزدوجًا عليها، فمن جهة أولى، تخفف عنها عبء حركة كردية إيرانية، سياسية ومسلحة، أقل حضورًا من نظيراتها في دول الانتشار الكردي، وإن كانت تتسبب بصداع مزمن لطهران.
ومن جهة ثانية، فإن تقارير ما بعد انهيار نظام الأسد، كانت تتحدث عن رهان إيران على "قسد" لمقارعة النظام السوري الجديد، وهي تقارير لا يوجد ما يكفي من الأدلة على صدقيتها، سوى معلومات شحيحة، عن لقاءات في السليمانية جرت للبحث في هذا الموضوع.
واشنطن، الحاضر الأكبر في شمال شرق سوريا، استقبلت بيان أوجلان بترحيب رسمي، ذلك أن فكفكة العقد بين أنقرة وحزب العمال، مع ما قد تفضي من تراجع منسوب التوتر بين "قسد" و"أنقرة"، يمكن أن يسرع في تنفيذ مهمة سحب القوات الأميركية من تلك البقعة، وهي المهمة التي أخفق دونالد ترامب في إنجازها في ولايته الأولى، وربما يكون راغبًا في إنجازها في ولايته الثانية، وهو – أي ترامب – سبق أن أبدى ارتياحه لتنامي الدور التركي في سوريا، باعتبار أن ثمة "حليفًا موثوقًا" يمكن أن يتولى أمر سوريا، بخلاف إسرائيل، التي تخشى هذا الدور، لدرجة أنها بدأت تضغط للإبقاء على القواعد الروسية في سوريا، لعدم ترك الأخيرة نهبًا لنفوذ تركي متفرّد.
رسالة أوجلان، إن استجابت لها أنقرة، بصورة جذرية تلتقي مع جذريتها، فسترسم سقوفًا للحركات الكردية في الإقليم، لا يُنتظر معها، العودة للاستفتاء على مستقبل الإقليم في العراق، ولا بقاء "قسد" و"الإدارة الذاتية" خارج الدولة السورية، أو بموازاتها، ولن يكون ممكنًا بعدها، التفكير بأية ولادات من خارج رحم الدولة، لحركات انفصالية بدأت تطل برأسها الكريه من تحت مظلة "حلف الأقليات" بالزعامة والحماية الإسرائيليتين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مرشح الائتلاف الحاكم في بولندا يتقدم في الانتخابات
مرشح الائتلاف الحاكم في بولندا يتقدم في الانتخابات

الجزيرة

timeمنذ 5 أيام

  • الجزيرة

مرشح الائتلاف الحاكم في بولندا يتقدم في الانتخابات

أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس الأحد، في بولندا تقدما طفيفا لمرشح حزب "المنصة المدنية الحاكم، رافاو تشاسكوفسكي، متبوعا بمنافسه المعارض كارول نفروفسكي. ويعني تقدم رافاو تشاسكوفسكي مرشح الائتلاف المدني الحاكم المنتمي إلى تيار الوسط بفارق ضئيل في الجولة الأولى، أنه سيواجه نافروتسكي، في جولة الإعادة المقرر تنظيمها في الأول من يونيو/حزيران لتحديد ما إذا كانت بولندا ستلتزم بالمسار المؤيد لأوروبا الذي حدده رئيس الوزراء دونالد توسك، أم ستقترب أكثر من القوميين المؤيدين للرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتوجه الناخبون البولنديون، البالغ عددهم نحو 29 مليون ناخب مسجل، إلى الانتخابات في ظل تجاذبات سياسية بين حكومة رئيس الوزراء دونالد توسك والمعارضة، لا سيما بشأن العلاقات بالاتحاد الأوروبي، وقوانين الإجهاض، وإصلاحات القضاء، والحرب الروسية على أوكرانيا. وجاءت الانتخابات -التي تنافس فيها 13 مرشحا- وسط صعود ملحوظ للأحزاب القومية وتيارات اليمين المتطرف والشعبوية الرافضة لإملاءات الاتحاد الأوروبي والدعم غير المشروط لأوكرانيا، ما يعقّد مهمة الحكومة قبل الجولة الثانية الحاسمة المقررة في الأول من يونيو/حزيران المقبل. ملفات وقضايا وتمحورت الحملة الانتخابية في بولندا، العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، بشكل كبير على السياسة الخارجية لتكشف عن تباين في الرؤى بشأن طبيعة علاقة بولندا بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لكن القضايا الاجتماعية لعبت أيضا دورا رئيسيا فيها، حيث وعد تشاسكوفسكي (53 عاما) بدعم الإجهاض وحقوق الشواذ. وكان حزب القانون والعدالة الداعم لناوروتسكي، على خلافات متكررة مع حلفاء بولندا الغربيين ومؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل بشأن مخاوف تتعلق بسيادة القانون، وخسر الحزب السلطة في 2023. ويُبدي ناوروتسكي (42 عاما) إعجابه ب دونالد ترامب ، وقال إن الرئيس الأميركي أخبره عندما استقبله في البيت الأبيض في وقت سابق هذا الشهر بـ"أنه سيفوز". وقد يكمن مفتاح الانتخابات عند أنصار سلاوفومير منتسن، المرشح اليميني المتطرف، الذي يحتل المرتبة الثالثة من الأصوات، إذا أدلوا بأصواتهم لصالح ناوروتسكي في الجولة الثانية. ويشكك منتسن في الاتحاد الأوروبي ويعارض بشدة الإجهاض والمهاجرين، وسبق أن اتهم مليون لاجئ أوكراني في البلاد باستغلال بولندا.

التوقيع باسم أوجلان.. لماذا ألقى حزب العمال الكردستاني سلاحه؟
التوقيع باسم أوجلان.. لماذا ألقى حزب العمال الكردستاني سلاحه؟

الجزيرة

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

التوقيع باسم أوجلان.. لماذا ألقى حزب العمال الكردستاني سلاحه؟

في خطوة تاريخية، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) رسميًا اليوم عن حلّ نفسه وإنهاء الصراع المسلح مع الدولة التركية. يأتي هذا الإعلان ليضع نهاية لصراع مرير دام أكثر من أربعة عقود، خلف وراءه مأساة إنسانية قُدّر ضحاياها بأكثر من 40 ألف شخص، بالإضافة إلى دمار واسع وتكلفة باهظة على كافة الأصعدة. لكن، ما الذي يدفع حركة مسلحة ضاربة الجذور، ومتمرسة في حرب العصابات لعقود طويلة، إلى اتخاذ قرار جذري كهذا بحل نفسها وإلقاء السلاح؟ وماذا كان دور زعيمه التاريخي عبد الله أوجلان في ذلك؟ وهل يستطيع رجل سجين فعلا أن يصنع التاريخ؟ أسباب قرار الحل إن قرار حزب مسلح بحل نفسه، خاصة بعد عقود من القتال الشرس، ليس حدثًا عاديًا، بل يعكس بالضرورة تحولات عميقة وجذرية في البيئة السياسية والعسكرية والفكرية التي يعمل ضمنها. يمكن فهم الدوافع المحتملة وراء هذا القرار المفصلي من خلال تحليل عدة عوامل متداخلة: 1.العزلة الجيوسياسية وفقدان الحلفاء: لقد شهد حزب العمال الكردستاني تراجعًا ملحوظًا في الدعم الإقليمي والدولي خلال السنوات الأخيرة. نجحت الدبلوماسية التركية في بناء تحالفات وعقد تفاهمات مع قوى دولية مؤثرة (مثل روسيا والولايات المتحدة) ودول الجوار، مما أدى إلى تضييق الخناق على الحزب وخلق بيئة معادية لتحركاته. بالتوازي، أصبح المناخ الدولي، خصوصًا في حقبة ما بعد "الحرب على الإرهاب"، أقل تسامحًا بشكل عام مع الحركات المسلحة غير الحكومية، مما زاد من عزلة الحزب. إعلان 2.تلاشي حلم الدولة أو الحكم الذاتي عبر البندقية: على الرغم من عقود طويلة من الكفاح المسلح والتضحيات الجسيمة، لم يتمكن الحزب من تحقيق هدفه الأسمى المتمثل في إقامة دولة كردية مستقلة أو حتى فرض شكل من أشكال الحكم الذاتي المعترف به والمستدام داخل تركيا. ومع مرور الوقت، بدأت القناعة بجدوى الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لتحقيق الطموحات الكردية تتآكل، سواء داخل قيادة الحزب أو بين قواعده. 3.تطور الفكر القيادي.. نحو "الكونفدرالية الديمقراطية": شهدت الأفكار السياسية لزعيم الحزب التاريخي، عبد الله أوجلان، تطورًا ملحوظًا على مر السنين، حيث انتقل هذا الزعيم من الطرح الانفصالي الصريح إلى تبني مفهوم "الكونفيدرالية الديمقراطية"، وهو نموذج يركز على تحقيق حكم ذاتي ديمقراطي ضمن حدود الدول القائمة، بدلًا من السعي للانفصال. ولا شك أن هذا التحول الإيديولوجي العميق قد تغلغل في صفوف قيادة الحزب وأثر على توجهاتها الاستراتيجية، وساهم في تراجع منطق الحرب والقتال لصالح رؤى سياسية بديلة. 4.كلفة الصراع الباهظة والإرهاق المجتمعي: إن أربعة عقود من الصراع المستمر قد خلفت نزيفًا بشريًا ومعنويًا هائلاً لا يمكن تجاهله. آلاف المقاتلين فقدوا حياتهم، وعانت المجتمعات الكردية في مناطق الصراع من ويلات القمع والتهميش والنزوح والدمار. هذا الإرهاق المتراكم، والخسائر التي لا تعوض، ولّدت رغبة متزايدة لدى شرائح واسعة من المجتمع الكردي، وخصوصًا الأجيال الجديدة، في البحث عن السلام وإنهاء دوامة العنف. 5. استراتيجية الانتقال إلى المسار السياسي: قد يمثل قرار حل الجناح العسكري خطوة استراتيجية تهدف إلى الانتقال الكامل نحو العمل السياسي السلمي، حيث تسعى بعض الحركات المسلحة في مراحل معينة إلى اكتساب الشرعية السياسية والاندماج في العملية الديمقراطية كحزب سياسي معترف به. ويمتلك حزب العمال بالفعل حليفًا سياسيًا بارزًا في الساحة التركية، ممثلًا في حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) أو خلفائه، وقد تكون هذه الخطوة مقدمة لتركيز كل الجهود والطاقات على تعزيز هذا المسار السياسي بدلاً من العمل العسكري. 6.ضغوط القاعدة الشعبية وتغير الأولويات: لم تعد البيئة الكردية الداخلية كما كانت قبل عقود، فقد شهدت المجتمعات الكردية في تركيا، وحتى في سوريا والعراق، تحولات اجتماعية وفكرية، وارتفعت أصوات مؤثرة من داخلها تطالب بضرورة وقف النزاع المسلح والبحث عن آليات سلمية وديمقراطية لتحصيل الحقوق الثقافية والسياسية. ولعل هذا النوع من الضغط الداخلي من القواعد الشعبية يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في دفع القيادة نحو اتخاذ قرارات جذرية كالتي نشهدها اليوم. تأثير القرار على الأكراد في سوريا والعراق إن قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه وإلقاء السلاح لا يتوقف عند حدود العلاقة مع الدولة التركية، بل يحمل تداعيات عميقة على خارطة الكيانات الكردية الأخرى، خاصة في سوريا والعراق. فالحزب، رغم كل ما مرّ به، ظل يمثل العمود الفقري لفكرة "كردستان الواحدة" العابرة للحدود، وكان مصدر إلهام تنظيمي وعقائدي، وحتى حاميًا عسكريًا لبعض الكيانات الموازية. في سوريا، قد تجد "الإدارة الذاتية" الكردية في شمال شرق البلاد نفسها أكثر عزلة من أي وقت مضى. ف وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، والتي تعتبر الامتداد السوري لحزب العمال، تستمد كثيرًا من مشروعيتها الرمزية والعسكرية من العلاقة الفكرية والتنظيمية مع قنديل. ومع غياب الحزب الأم، قد تضطر تلك الوحدات إلى إعادة تعريف نفسها سياسيًا، إما بالتقرب من النظام السوري، أو بمحاولة تقديم نفسها كشريك محلي في معركة بناء الدولة والاستقرار وليس كحركة انفصالية. وفي كلا الحالتين، ستزداد الضغوط التركية والأميركية عليها لتغيير خطابها وتركيبتها. أما في العراق، وتحديدًا في إقليم كردستان، فإن انسحاب حزب العمال من المعادلة سيفضي إلى إعادة رسم التوازنات داخل البيت الكردي. فالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني، الذي لطالما كان على خصومة مع PKK، سيجد فرصة لتعزيز هيمنته السياسية والأمنية، خاصة في المناطق الحدودية. لكن هذه الهيمنة قد لا تمر دون مقاومة داخلية، في ظل وجود قوى مدنية وقبلية تخشى ترك مصير القضية الكردية بيد جهة واحدة مرتبطة بعلاقات وثيقة مع أنقرة. هكذا، لا يُعد حلّ حزب العمال الكردستاني مجرد نهاية لمرحلة الكفاح المسلح، بل هو شرخ في فكرة كردستان السياسية نفسها. فالمركز الرمزي سيتلاشى، وتبقى الفروع تبحث عن معنى جديد لوجودها، في عالم تتغير فيه التحالفات السياسية وأحلام البشر. الزعيم المسجون يصنع التاريخ إن استجابة حزب العمال لنداء زعيمه المسجون عبد الله أوجلان، يثير تساؤلات عميقة حول مدى تأثير هذا الرجل الذي يقبع في زنزانة معزولة بجزيرة إيمرالي التركية منذ عام 1999. فكيف يمكن لسجين، محاط بعزلة حديدية، أن يصدر أمرًا بحلّ تنظيم مسلح ظل يقاتل الدولة التركية طيلة أكثر من أربعة عقود؟ وهل ما يزال أوجلان يحتفظ بتأثير حقيقي، أم أن اسمه يُستَعار لتغليف قرار استراتيجي بغطاء رمزي مريح؟ منذ تأسيس الحزب في سبعينيات القرن الماضي، لم يكن أوجلان مجرد زعيم سياسي أو عسكري، بل أصبح بمثابة المؤسس الروحي للعقيدة الكردية الجديدة التي تبنّاها الحزب. ومع الوقت تحوّل من ماركسي-لينيني إلى مُنظّر لفكرة "الكونفيدرالية الديمقراطية"، وهو نموذج يتجاوز الدولة القومية نحو حكم ذاتي شعبي لا مركزي. وقد أصبحت كتاباته تُوزع بين المعسكرات، وتُدرّس في أدبيات الحزب، وتُقرأ كما تُقرأ النصوص التأسيسية للحركات الكبرى. لذا، فإن تأثير أوجلان لا يحمل طابعًا تنظيميًا فقط، بل يحمل شرعية رمزية عميقة، لا غنى عنها للحزب في لحظاته المفصلية. السجين الذي لم يُقطع عن قواعده رغم أن أوجلان محتجز في عزلة صارمة منذ اختطافه في كينيا عام 1999، لم تنقطع صلته بالحزب بشكل كامل. على مدى السنوات، سُمح لمحاميه وأقاربه بزيارات متفرقة، كما نُقلت عنه رسائل عبر وسطاء محليين ودوليين. في الفترة التي عُرفت بـ"عملية السلام" بين عامي 2013 و2015، كان أوجلان يصدر بيانات تُتلى حرفيًا أمام المؤتمر الكردي في جبال قنديل، في دلالة على استمرار نفوذه الرمزي داخل التنظيم، حتى من وراء القضبان. إن الحزب اليوم لا يُدار من قبل أوجلان شخصيًا، بل من قبل قيادة جماعية مقيمة في جبال قنديل، تضم شخصيات بارزة مثل مراد قريلان، وجميل بايق. وهذه القيادة هي من تتخذ القرارات الفعلية، لكنها تدرك أن شرعية أي تحوّل جذري لا تكتمل إلا إذا نُسب إلى "القائد المؤسس". لذلك، عندما تقرر القيادة إنهاء الكفاح المسلح، فإنها لا تصوّره كانتكاسة أو هزيمة، بل كتحقّق لوصية القائد التاريخية. إن تبنّي نداء أوجلان أداة فعالة لاحتواء الانقسام الداخلي في صفوف الحزب، وضمان انتقال سلمي من البندقية إلى السياسة. وداخليًا، يمنح ذلك شعورًا بأن القرار استمرارٌ لطريق القائد لا خيانة له. أما خارجيًا، فإنه يرسل رسالة للمجتمع الدولي وتركيا مفادها أن الحزب لم يُهزم عسكريًا، بل قرر طي صفحة الحرب طوعًا، وهذا يُبقي على كرامته المعنوية ويزيد من فرص إدماجه في أي عملية سياسية مستقبلية. ورغم الغلاف العاطفي المحيط بنداء أوجلان، فإن قرار الحزب بحل نفسه جاء من منطلق استراتيجي. فالحزب يواجه ضغطًا عسكريًا غير مسبوق من تركيا، وتراجعًا في الدعم الإقليمي والدولي، وتغيرات في المزاج الكردي الشعبي، فضلًا عن تشابك مصالح القوى الكبرى (واشنطن، أنقرة، موسكو) في خريطة جديدة لا تتسع لحركات مسلحة خارج السيطرة. ومن هنا، لا يُستبعد أن تكون هناك تفاهمات غير معلنة، وربما حتى "صفقة سرية" تتعلق بمصير أوجلان نفسه. بكلمة واحدة، ما يزال أوجلان يؤثر في الحزب، لكن تأثيره هو تأثير المرجعية العليا لا القائد التنفيذي. غالبا إن القيادة الحالية اتخذت القرار، لكنها احتاجت إلى صوت أوجلان لتغلفه بالشرعية الرمزية. هكذا تُصاغ التحولات الكبرى في تاريخ الحركات المسلحة، على يد الجيل الجديد، لكن بأصوات الآباء المؤسسين. نهاية البندقية… وبداية سؤال الوجود إن إعلان حزب العمال الكردستاني عن حلّ نفسه لا يشكل فقط نقطة فاصلة في تاريخ الصراع الكردي–التركي، بل يطوي صفحة طويلة من النضال المسلح الذي ظل لعقود يؤسس الهوية الكردية في تخوم الجبال وبنادق المقاتلين. لقد اخترق القرار بنيان الرمز ذاته، حين نُسب إلى سجين يقبع في عزلة منذ ربع قرن، ليمنح الخطوة مظهرًا من الاستمرار لا الانهيار. إن قرار الحزب بالحل وإنهاء الكفاح المسلح هو نتيجة لتفاعل معقد بين ضغوط جيوسياسية، وإخفاقات عسكرية، وتحولات فكرية، وتكاليف إنسانية باهظة، وطموحات سياسية جديدة، وضغوط مجتمعية داخلية. ورغم أن الطريق نحو سلام دائم ومصالحة حقيقية قد يكون طويلًا وشائكًا، إلا أن هذه الخطوة تمثل منعطفًا تاريخيًا قد يفتح الباب أمام إمكانية بناء مستقبل مختلف للمنطقة، وقد تتغلب أخيرا لغة الحوار والسياسة على لغة السلاح والعنف.

ما البعدان الإستراتيجيان لزيارة السوداني إلى تركيا؟
ما البعدان الإستراتيجيان لزيارة السوداني إلى تركيا؟

الجزيرة

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

ما البعدان الإستراتيجيان لزيارة السوداني إلى تركيا؟

بغداد – مثّلت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى أنقرة أمس الخميس ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطوة جديدة نحو تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، إذ شملت المباحثات مجالات متنوعة من الأمن إلى الطاقة والمياه فضلا عن التنسيق في القضايا الإقليمية. وتعد هذه الزيارة هي الثالثة التي يجريها السوداني إلى تركيا خلال ترؤسه الحكومة العراقية بعد أن زارها سابقا في مارس/آذار 2024 وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بينما أجرى أردوغان زيارة رسمية للعراق في 22 أبريل/نيسان 2024 هي الأولى له منذ 13 عاما وقع فيها على اتفاق الإطار الإستراتيجي بين البلدين الذي يعد خارطة طريق نحو شراكة اقتصادية شاملة. بُعدان إستراتيجيان يؤكد باسم العوادي، المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، بأن الزيارة الأخيرة التي أجراها رئيس مجلس الوزراء العراقي إلى أنقرة حملت في طياتها بُعدين إستراتيجيين يصفهما بالمهمين، يتمثلان في بُعد سياسي وآخر فني. وقال العوادي للجزيرة نت، إن المباحثات تناولت في جانبها السياسي أبرز مستجدات وتطورات المنطقة، بما في ذلك الأوضاع في قطاع غزة و لبنان و سوريا ، بالإضافة إلى ملف المفاوضات الأميركية الإيرانية ومسألة حزب العمال الكردستاني ، وغيرها من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. أما على الصعيد الفني، فقد أكد أن اللقاءات الثنائية تركزت على تعزيز التعاون في الملف الأمني المشترك، ومناقشة قضية المياه الحيوية، ومتابعة مذكرات التفاهم التي تم توقيعها خلال زيارة الرئيس التركي إلى بغداد وزيارة السوداني إلى أنقرة. وشدد على أهمية تفعيل هذه المذكرات والانطلاق نحو تنفيذ بنودها، مشيرا إلى أن غالبية القضايا الفنية تم بحثها بشكل معمق من قبل المختصين المرافقين للوفد العراقي مع نظرائهم الأتراك. كما سلط العوادي الضوء على مشروع طريق التنمية الإستراتيجي، قائلا إنه يتجاوز البُعد المحلي والإقليمي ليصبح مشروعا عابرا للحدود، موضحا أن هذا المشروع يمثل المسار الثاني المكمل لمشروع ميناء الفاو الكبير، ويحظى بأهمية داخلية ملحة للعراق. كما أكد أن أهمية طريق التنمية تتعدى الإطار الإقليمي، حيث يهدف إلى ربط دول المنطقة بأوروبا، ليصبح ممرا حيويا للطاقة (النفط والغاز)، والبضائع (برا وسككا حديدية)، ونقل الطاقة الكهربائية، وكابلات الألياف الضوئية وسعات الإنترنت، فضلا عن تعزيز السياحة وتوطين الصناعات على امتداد مساره. ووصف العوادي طريق التنمية بأنه "هدف عملاق لا مثيل له في المنطقة"، مؤكدا حرص العراق على أن يكون هذا المشروع مشتركا وشاملا ومطمئنا لجميع الأطراف المعنية، وأن يُحدث نقلة نوعية في ترابط العلاقات بين دول المنطقة من خلال تعزيز المصالح المشتركة والاستثمارات المتبادلة. وأكد على أن تركيا تعد شريكا أساسيا ومكملا لهذا الطريق، كونها البوابة إلى أوروبا، مشددا على أنه لا يمكن لأي طرف في العراق أو تركيا التفكير في استخدام هذا المشروع كورقة ضغط على الطرف الآخر. إعلان ولفت العوادي إلى أن التفاهم وتقريب وجهات النظر والاتفاق على المسار العام للدول الفاعلة في المنطقة يصب في مصلحة الاستقرار الإقليمي الشامل، مشيرا إلى أن الزيارات المتبادلة وطرح القضايا العامة على أعلى المستويات، مع الاحترام المتبادل والنوايا الصادقة، ستكون عاملا مساهما في تحقيق الاستقرار في عموم المنطقة وإيجاد حلول متوازنة ومقبولة للأزمات المختلفة. ملف الطاقة من جانبه كشف وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، عن أبرز المحاور التي جرت مناقشتها والاتفاق عليها خلال الزيارة الرسمية للوفد العراقي إلى الجمهورية التركية. وقال حسين للجزيرة نت إن "الزيارة شهدت متابعة تنفيذ 26 مذكرة تفاهم تم توقيعها سابقا، حيث تم تقييم مدى الالتزام بتنفيذ هذه المذكرات، وتحديد الأسباب التي حالت دون تنفيذ بعضها"، مشيرا إلى أن "غالبية هذه المذكرات تم الالتزام بها وتنفيذها". وأضاف أنه "تم خلال الزيارة توقيع 8 مذكرات تفاهم جديدة، تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات"، مؤكدا أن "العلاقات الثنائية مع الجانب التركي تشهد تطورا ملحوظا يوما بعد يوم، وتغطي مجالات حيوية ذات أهمية إستراتيجية للبلدين". وفيما يتعلق بملف الطاقة، أوضح الوزير أن "المباحثات تركزت على القضايا الأساسية في هذا المجال، بما في ذلك تصدير النفط عبر الأنبوب النفطي الممتد من إقليم كردستان العراق إلى تركيا، ومسألة تجديد العقد الخاص بهذا الأنبوب، حيث تجري المفاوضات حول سبل التجديد"، كما تم التطرق إلى "مستقبل تصدير الغاز العراقي، واستيراد الغاز لتلبية احتياجات العراق في إنتاج الطاقة الكهربائية". وفي مجال الكهرباء، أشار حسين إلى "وجود اتفاق مبدئي لشراء 300 ميغاوات من تركيا، مع السعي لزيادة هذه الكمية إلى 600 ميغاوات في المستقبل القريب، وربما الوصول إلى 800 ميغاوات في مراحل لاحقة". أما فيما يتعلق بملف المياه، فقد أكد الوزير أن "الجانبين ناقشا التحديات التي تواجهها المنطقة بسبب سنة الجفاف والانخفاض الواضح في نسبة المياه في كل من تركيا والعراق"، مضيفا أنه "تم بحث سبل إدارة هذه المسألة، وبدء تنفيذ مشاريع مائية في العراق، تتضمن إدارة وحصر وخزن المياه، بمشاركة الشركات التركية". وتابع: كما تم التطرق إلى "آليات الدفع الخاصة بهذه المشاريع، سواء من خلال النفط أو تضمينها في الموازنة القادمة"، مشددا على أن "المباحثات الأساسية تركزت حول ملفات المياه والطاقة، بالإضافة إلى القضايا الأمنية، حيث تم التوصل إلى تفاهمات واضحة في هذا المجال". ملف المياه وفي نفس السياق، أكد وزير الموارد المائية العراقي، عون ذياب عبد الله، على الأهمية البالغة التي حظي بها ملف المياه خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الوفد العراقي برئاسة السوداني إلى الجمهورية التركية. وقال عبد الله للجزيرة نت إن "موضوع المياه كان حاضرا بقوة وبشكل محوري ضمن المواضيع التي طرحها رئيس مجلس الوزراء على الجانب التركي"، مشيرا إلى وجود "استجابة من الجانب التركي تجاه هذا الملف الهام، حيث تم شرح الظرف المائي الصعب الذي يمر به العراق، والذي يتجلى في سنة الجفاف الشديدة والمشاكل الحادة التي تواجه البلاد". كما أضاف أنه تم إطلاع الجانب التركي على "القرار الصعب الذي اتخذته الحكومة العراقية بمنع زراعة المحاصيل الصيفية بسبب شح المياه الحالية ومحدودية الكميات المتوفرة"، مشددا على أن هذا القرار، على الرغم من صعوبته، جاء انطلاقا من الحاجة الملحة للحفاظ على الموارد المائية المتاحة لتلبية الاحتياجات الأساسية خلال فصل الصيف القادم. وحذر الوزير من أن "العراق سيواجه صيفا صعبا في ظل هذه الظروف المائية الاستثنائية"، مؤكدا على أن "جهود وتعاون الجانب التركي معنا من أجل معالجة هذه التحديات الحيوية تعتبر ضرورية". إعلان وأعرب عبد الله عن تفاؤله بالاستجابة الإيجابية التي لمسها من الجانب التركي، قائلا: "كانت هناك استجابة إيجابية ووعدونا خيرا، ولدينا متابعة يومية لإيرادات المياه لمعرفة مدى الالتزام". القمة العربية خبير العلاقات الدولية طارق الزبيدي توقع أن تحمل زيارة السوداني إلى تركيا دعوة لأنقرة وطهران لحضور القمة العربية في بغداد كمراقبين أو ضيوف، نظرا لتأثيرهما في القضايا العربية. وتتأهب العاصمة العراقية بغداد لاستقبال وفود من 21 دولة عربية، للمشاركة بالقمة الـ34 لمجلس جامعة الدول العربية المقرر انعقادها في 17 مايو/أيار الجاري. وأشار الزبيدي خلال حديثه للجزيرة نت إلى الدور المحوري لكل من تركيا، كعضو في الناتو وذات موقع إستراتيجي، والعراق، بدوره الإقليمي وثرواته وعلاقاته القوية بجواره. وأوضح أن نجاح العراق في وساطات سابقة يعزز دوره كوسيط مقبول، وأن التعاون المتنامي بين بغداد وأنقرة، وإدراكهما لأهمية الحوار، سيحقق نتائج إيجابية، خاصة في ظل المصالح الاقتصادية المشتركة كمشروع طريق التنمية، كما لفت إلى حاجة الطرفين للتنسيق في ملفات أمنية واقتصادية. وبيّن أن التقارب العراقي التركي لن يؤثر على علاقات بغداد بواشنطن، لكنه قد يثير مخاوف لدى طهران، مؤكدا قدرة العراق على الحفاظ على توازن علاقاته مع جميع دول الجوار. وأشار الزبيدي إلى أن الزيارات المتبادلة وتوقيع مذكرات التفاهم يعكسان رغبة في تعزيز التعاون، وأن الحراك الدبلوماسي العراقي يهدف لتهيئة بيئة مناسبة لنجاح القمة العربية في بغداد، بما يعيد للعراق دوره المحوري إقليميا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store