تاريخ النشر: 31 أيار 2025
نهاية النهاية
من يتابع، وعن وعي لا عن عاطفة، ما وصلت إليه حركة حماس وما يقوله أهالي قطاع غزة عنها وعن قادتها، يدرك تماما أن الحركة قد أنهت نفسها بنفسها، لم يعد لها موطئ قدم في غزة. وهذا أمر ليس بالجديد لكن الحرب قد عجّلت به. منذ أن حكمت «حماس» قطاع غزة، ومارست ما مارسته ضد أبناء شعبها، وهو بالمناسبة شبيه بكل تلك الأسباب التي قالت إنها انقلبت ضدها، وهذا ما عبّر عنه الكثيرون في السرّ والعلن، وثار ضده الشباب في حركة اطلق عليها اسم «الحراك»، في تلك اللحظة كانت بداية النهاية. أما نهاية النهاية، فجاءت بعد سلسلة التصريحات التي اطلقها قادتها من خارج البلاد التي لم تأخذ بالحسبان معاناة الشعب جرّاء الحرب. ربما لن تنتهي «حماس» كفكر وأيديولوجيا، وسيبقى هناك من يؤيدها، وسيذكرها التاريخ، لكنها تماما كما الماركسية، أنهت نفسها بنفسها.
الرقص في العتمة
عندما اقرأ بيانات الفصائل الفلسطينية، وما اكثرها، وما اقل فعلها، لا أجد فيها إلا شعارات رنّانة، فهي تهدد وتحذر وتحمل المسؤولية دائما. فلا التهديد نافع، ولا التحذير نافع، ولا حتى تحميل المسؤولية نافع. الأدهى من ذلك أنها تعتقد أن أحداً ممن تتوعدهم وتحملهم المسؤولية يكترث لها. استمروا بالرقص في العتمة، ففي الحركة بركة، لكن تذكروا أنكم لستم على بال احد.
شطرا الوطن
بينما تدور معركة في الضفة الغربية بين أصحاب الملاحم، ونقابة اللحامين، ووزارة الاقتصاد الوطني حول أسعار اللحوم على أنواعها وما تشتهيه الأنفس منها، تدور معركة الأمعاء الخاوية في غزة. لست ضد معركة اللحوم في الضفة، لأن موضوع الأسعار في كل الأسواق يجب أن يثار وان يتم تحديدها، إلا أن ما يستفزني هو التوقيت. كان بالإمكان تأجيل هذا الأمر، أما المستهلك فبإمكانه العيش دون اكل اللحم لفترة، أصلاً هذا ما يوصي به الأطباء في كثير من الأحيان!
«أبو كلبشة» مرة أخرى
غادرت البلاد قبل 14 شهراً، وما زلت أتلقى رسائل من القرّاء حول قضية «كلبشة» المركبات، كما أشاهد العديد من الفيديوهات التي تتحدث عن الأمر. مشكلة لا تجد لها البلديات أي حلّ، واكثر ما يثر حفيظة المواطنين، ليس المخالفة بحد ذاتها، ولكن تصرفات الموظفين التي تؤدي في جميع الأحوال إلى مشادات كلامية واحتكاك قد يصل حدّ العراك. خلال تنقلي في بلدان مختلفة، وجدت أن جميعها يتبع نظام عدّادات الوقوف. لكن الفرق أن لا «كلبشة» ولا احتكاك بين موظف ومواطن. فالعملية تتم بكل بساطة، عدّاد يضع فيه المواطن النقود أو يدفع عن طريق تطبيق. وفي حال تجاوز المدة، يجد مخالفة على زجاج المركبة، دون استخدام «كلبشة»، ينطلق السائق ويمكنه دفع المخالفة نقداً أو عن طريق التطبيق، وإذا لم يفعل تزداد قيمة المخالفة بعد تحديد تاريخ معين للدفع.
لو كنت مسؤولاً
ورأيت الخطأ أمام عيني لما مررت من أمامه دون تصويبه، ولو نبهني احد إليه لاستجبت وصححت الأمر، ولما بررت الأخطاء وبررت التباطؤ بتصحيحها. فأنا مسؤول، عيني يجب أن تكون ثاقبة وناقدة، وصدري يجب أن يكون متسعاً للملاحظات والانتقادات، ومسؤوليتي أن أعالج الأمور بحكمة ورويّة، على ألا تكون رويّتي هذه «على اقل من مهلي».
الشاطر أنا
أول ما اجيت ع كندا، كنت واقف بالصدفة بعيد حوالي خمسة متر عن الصراف الآلي لاحد البنوك، اجت ست وسألتني 'Are you next?' هزيت راسي مستغرب، كيف next وأنا واقف بعيد! المهم قلتلها 'please go ahead' فهي المسخمة فكرتني «جنتلمان» وشكرتني بحرارة. المهم من كل الموضوع إني فهمت تلقائيا لأني شاطر انه وعلشان الخصوصية لازم الواحد يترك مسافة بينه وبين الشخص اللي قبله لما يكون في حد بستخدم الـ ATM حتى ما يبصبص ع حسابه أو قديش سحب. قلت في عقلي هاي لو في بلادنا صارت، بتلاقي خمسة بدخلوا قدامك مفكرينك اهبل، لأنه ضروري تكون ملزق في اللي ع الماكنة، علشان لو احتاج مساعدة تساعده، وبالمرة ترضي فضولك تعرف شو عنده حسابات دولار ودينار وشيكل!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الايام
منذ 2 ساعات
- جريدة الايام
واشنطن ترفض رد "حماس" على مقترح ويتكوف للهدنة: عليها قبوله
عواصم - "الأيام"، وكالات: اعتبر المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إن رد حركة حماس على اقتراحه غير مقبول على الإطلاق داعيا الحركة إلى قبول اقتراح الإطار كأساس لمحادثات التقارب. وقال ويتكوف في منشور على منصة "إكس"، "تلقيتُ رد (حماس) على اقتراح الولايات المتحدة. إنه غير مقبول بتاتا، ولن يؤدي إلا إلى تراجعنا". وأضاف، "على (حماس) قبول مقترح الإطار الذي طرحناه كأساس لمحادثات التقارب، والتي يُمكننا البدء بها فورا، الأسبوع المقبل". وتابع ويتكوف، "هذه هي الطريقة الوحيدة لإبرام اتفاق وقف إطلاق نار لمدة 60 يوما خلال الأيام القادمة، يعود بموجبه نصف الأسرى الأحياء ونصف من توفوا إلى عائلاتهم، ويُمكننا من خلاله إجراء مفاوضات جوهرية في محادثات التقارب بحسن نية، سعيا للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار". وفي وقت سابق من أمس، أعلنت "حماس" أنّها سلّمت الوسطاء ردّها على الاقتراح الأميركي للهدنة، فيما أوضح مصدر في الحركة أن الردّ "إيجابي"، لكنه يشدد على "ضمان وقف دائم لإطلاق النار". ويتطابق عدد الرهائن الأحياء والأموات الذين أبدت "حماس" استعدادها لتسليمهم، مع العدد الذي تضمّنه الاقتراح الأميركي الذي تقدّم به الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. وأوضح مصدر في الحركة مطلع على سير المفاوضات، أن "(حماس) أبلغت الوسطاء بردها الرسمي مكتوبا، ويتضمّن ردا إيجابيا على مقترح ويتكوف، ولكن مع التأكيد على ضمان وقف دائم لإطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي الكامل والإفراج عن الأسرى العشرة على ثلاث دفعات". وفي بيان نُشر، امس، قالت "حماس"، إنّه في إطار الاتفاق، "سيتمّ إطلاق سراح عشرة من أسرى الاحتلال الأحياء لدى المقاومة، إضافة إلى تسليم ثمانية عشر جثمانا، مقابل عدد يُتّفق عليه من الأسرى الفلسطينيين". وأشار البيان إلى أن الهدف يبقى "وقفا دائما لإطلاق النار، وانسحابا شاملا من قطاع غزة، وضمان تدفّق المساعدات إلى شعبنا وأهلنا في القطاع". وبهذا الصدد، كشف مسؤول إسرائيلي رفيع مطلع على تفاصيل المفاوضات، عن أن رد "حماس" على المقترح، يتضمن مطالب تعتبرها إسرائيل بعيدة جدا عن موقفها، وترقى إلى إغلاق باب التفاوض. وبحسب المسؤول، فإن أبرز مطالب "حماس" تشمل: وقف إطلاق نار طويل الأمد قد يمتد لسبع سنوات، والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من المناطق التي دخلها منذ آذار الماضي، وإلغاء النموذج الإنساني الجديد الذي تُوزع المساعدات بموجبه عبر "صندوق دعم غزة" (GHF)، والعودة إلى آلية التوزيع السابقة. وقال المصدر، "هذه ليست إجابة، بل إغلاق تام لباب التفاوض". كما اعتبر مسؤولون في إسرائيل أن (حماس) "رفضت عمليا" المقترح، وقدّمت بديلا بشروط جديدة، لا تعتبرها تل أبيب قبولا حقيقيا، إذ تشدد على ضرورة الموافقة على المقترح بصيغته الأصلية دون شروط إضافية. ومن بين 251 شخصا خُطفوا خلال الهجوم في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، لا يزال 57 في غزة، أكد الجيش وفاة 34 منهم على الأقل. وتواجه إسرائيل ضغوطا دولية متزايدة بسبب الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة الذي تحوّل إلى ركام، وحيث تقول الأمم المتحدة، إن المساعدات التي سُمح بدخولها ليست سوى "قطرة في محيط" بعد حصار خانق لأكثر من شهرين. نص رد "حماس" على مقترح ويتكوف وحصلت "الجزيرة نت" على نسخة من رد حركة حماس على مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف للتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى. وفيما يأتي نص الرد الذي قدمته "حماس" في 31 أيار: "إطار عمل للتفاوض على اتفاق لوقف إطلاق نار دائم" المدة: وقف إطلاق نار لمدة 60 يوما. يضمن الرئيس ترامب التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار خلال الفترة المتفق عليها. إطلاق سراح الأسرى والجثامين الإسرائيليين: سيتم إطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين أحياء و18 جثمانا، على أن يتم إطلاق سراح 4 أسرى أحياء في اليوم الأول، وفي اليوم الثلاثين 2 من الأسرى الأحياء، وفي اليوم الستين 4 أسرى أحياء. أما الجثامين فيتم تسليم 6 في اليوم العاشر، وفي اليوم الثلاثين 6، وفي اليوم الخمسين 6. المساعدات والوضع الإنساني: سيتم إدخال المساعدات إلى غزة فور الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، وفق البروتوكول الإنساني الذي تضمنه اتفاق 19 كانون الثاني 2025، من خلال الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الأخرى بما فيها الهلال الأحمر. إعادة تأهيل البنية التحتية (الكهرباء، الماء، الصرف الصحي والاتصالات والطرق) وإدخال المواد اللازمة لها بما فيها مواد البناء، وإعادة تأهيل وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والمخابز في جميع مناطق القطاع. السماح لسكان القطاع بالسفر والعودة من وإلى قطاع غزة عبر معبر رفح دون أي قيود، وعودة حركة البضائع والتجارة. خلال فترة المفاوضات، يتم الانتهاء من إعداد الترتيبات والخطط لإعادة الإعمار للبيوت والمنشآت والبنية التحتية التي تم تدميرها خلال الحرب ودعم الفئات المتضررة من الحرب، على أن يتم البدء في تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة لمدة 3 إلى 5 سنوات تحت إشراف عدد من الدول والمنظمات بما في ذلك: مصر وقطر والأمم المتحدة. الأنشطة العسكرية الإسرائيلية: تتوقف جميع الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في غزة عند دخول هذه الاتفاقية حيز النفاذ. وخلال فترة وقف إطلاق النار، يوقف الطيران الجوي (العسكري والاستطلاعي) في قطاع غزة لمدة 10 ساعات يوميا، وخلال أيام تبادل الأسرى والمحتجزين تكون 12 ساعة. انسحاب القوات الإسرائيلية: في اليوم الأول، يتم إطلاق سراح 4 أسرى إسرائيليين أحياء، على أن تنسحب القوات الإسرائيلية إلى ما كانت عليه قبل 2 آذار 2025 في جميع مناطق قطاع غزة، وفق الخرائط التي نص عليها اتفاق 19 كانون الثاني 2025. المفاوضات: في اليوم الأول، ستبدأ المفاوضات غير المباشرة برعاية الوسطاء الضامنين لوقف إطلاق النار الدائم، حول المواضيع التالية: مفاتيح وشروط تبادل جميع الأسرى الإسرائيليين المتبقين، مقابل عدد يتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. إعلان وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الكلي للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة: بعد الاتفاق على تبادل الأسرى والجثامين المتبقين وقبل البدء بإجراءات التسليم يتم الإعلان عن وقف إطلاق النار الدائم وانسحاب القوات الإسرائيلية من كامل قطاع غزة. ترتيبات اليوم التالي في قطاع غزة وتتمثل في: مباشرة لجنة من تكنوقراط مستقلة إدارة كافة شؤون قطاع غزة فور بدء تنفيذ هذا الاتفاق بكامل الصلاحيات والمهام. وقف العمليات العسكرية المتبادلة (العدائية) بين الطرفين لمدة طويلة 5-7 سنوات بضمان الوسطاء (الولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر). إطلاق سراح الأسرى والجثامين الفلسطينيين: في مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين العشرة الأحياء والجثامين الـ18، يتم إطلاق سراح عدد يتفق عليه بين الطرفين من الأسرى والجثامين الفلسطينيين. يتم الإفراج عن الأسرى الأحياء والجثامين بالتزامن ووفق آلية يتفق عليها. وضع الأسرى والمحتجزين: في اليوم العاشر، تقدم "حماس" معلومات عن أعداد الأحياء والأموات لمن تبقى من الأسرى في طرف "حماس" والفصائل الفلسطينية، وفي المقابل، تقدم إسرائيل معلومات كاملة عن جميع الأسرى الأحياء والأموات ممن تم أسرهم من سكان قطاع غزة منذ يوم 7-10-2023. تلتزم "حماس" بضمان صحة ورعاية وأمن المحتجزين الإسرائيليين فور وقف إطلاق النار، بالمقابل تلتزم إسرائيل بضمان صحة ورعاية وأمن الأسرى والمحتجزين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية وفق القانون والأعراف الدولية. إطلاق سراح الأسرى المتبقين: ينبغي استكمال المفاوضات بشأن وقف إطلاق نار دائم في غضون 60 يوما. عند الاتفاق وبعد إعلان وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، سيتم إطلاق سراح الأسرى المتبقين (الأحياء والأموات) من قائمة الـ58 المقدمة من إسرائيل مقابل عدد يتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين. الضامنون: يضمن الوسطاء الضامنون (الولايات المتحدة، مصر، قطر) استمرار وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما، ويضمنون استمرار المفاوضات حتى التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار الدائم، مع استمرار وقف العمليات العسكرية ودخول المساعدات الإنسانية. المبعوث يترأس المفاوضات: سيأتي المبعوث الخاص ويتكوف إلى المنطقة لإتمام الاتفاق. وسيترأس المفاوضات. الرئيس ترامب: سيقوم الرئيس ترامب بالإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار شخصيا: إن الولايات المتحدة والرئيس ترامب ملتزمون بالعمل على ضمان استمرار المفاوضات بجدية لغاية التوصل لاتفاق نهائي.


جريدة الايام
منذ 10 ساعات
- جريدة الايام
الهدنة ... مرة أخرى درس الموازين ...!
حتى ساعة نشر هذا المقال يفترض أن تكون حركة حماس قد سلّمت ردها على مقترح الوسيط الأميركي ستيف ويتكوف الأخير، والذي وصفته بعض الأوصاف المقربة من حماس في اللحظة الأولى لتسلمه بالاستسلام قبل أن تدرك فداحةَ رفض المقترح وما تتحضر له إسرائيل والظروف المحيطة وحالة أهل غزة التي أصبحت تثير شفقة الكافر كما يقولون. لم يكن المقترح يخرج بهذا الشكل الذي يعكس المصالح الإسرائيلية لو كان الميدان يعطي نتائج مختلفة، فعبر التاريخ كانت الاتفاقيات وشروطها مجرد انعكاس لموازين القوى على الأرض، وما المفاوض سوى ممثل لتلك القوة، هذا ما حدث بين الجنرال ماك آرثر وإمبراطور اليابان الذي وقع على ورقة بيضاء واستسلام كامل بعد أن ضُربت بلاده بقنبلتين نوويتين حتى لا تكمل واشنطن حربها على كل مدن اليابان، وحصل هذا أيضاً عندما وقع الجنرال الفرنسي فيليب بيتان المنتصر في الحرب العالمية الأولى والمنهزم في الثانية، على وثيقة الاستسلام عندما كانت القوات الالمانية تطوي الأراضي الفرنسية بما فيها العاصمة. هذا هو التاريخ لا يسمح للنوايا أن تحدد مساره ولا الخطابات، لأن لديه حساباته الخاصة ومعادلاته الرياضية وأعداداً وخططاً وجيوشاً. فقد جاء مقترح ويتكوف بعد رفض إسرائيل لورقة كانت قد اعترضت عليها تل أبيب التي تشعر بفائض القوة التي تعكسها خطابات المسؤولين فيها، وأبرزهم خطابات نتنياهو المتبجحة وهو يستعرض كيف تمكنت قواته من تحطيم الإقليم، بدءاً من غزة ولبنان وانتهاء بسورية وتهديد ايران. وكان لا بد لهذه القوة أن تترجم نفسها كما كل نتائج حروب التاريخ. طار رون ديرمر وزير الشؤون الإستراتيجية وخازن أسرار نتنياهو إلى واشنطن لصياغة الاتفاق الذي يمكن أن تقبله اسرائيل، وهنا حدث ما يشبه نموذجاً مصغراً لصفقة القرن، أن تقوم اسرائيل بالصياغة وتتكفل واشنطن بالإخراج على هيئة وساطة. فموازين القوى بالنسبة لديرمر لا تسمح لأن تعطي لحماس متسعاً للتنفس، وأن القوة الإسرائيلية لا بد وأن تكون محشوةً في كل بند من بنود المقترح، وتلك طبيعة السياسة. وفي استخدام إسرائيل للغذاء كسلاح وما خلقته من مجاعة قاسية، وتهديدها بعملية كبيرة تم تجنيد 60 ألف جندي للقيام بها تقوم على إقامة معازل وفلترة سكان غزة، من خلال ممرات يمكن أن تفرز عناصر حركة حماس بما أسمتها بعربات جدعون. كل هذا وأكثر كان يصنع مناخات ضاغطة على حماس، وهي المناخات التي تشير لها اسرائيل باعتبارها تقف خلف مرونة الحركة التي لم تسارع برفض مقترح تم اعتبارُه في لحظة ما «استسلاماً»، لكن لموازين القوة كلمتها في علم الصراعات، وهو ما تترجمه اسرائيل المدججة وما لم تفهمه حركة حماس بعد. فالتاريخ لا يحمي من لا يجيدون قراءته، بل يعاقبهم بزيادة الخسارة، لأن هناك لحظة ما يجب التوقف فيها لوقف النزيف وتدارك ما يمكن تداركه، وإلا لكان الامر أشبه بانتحار لا نتيجة تُرجى منه سوى الرغبة في الموت، هروباً من مواجهة الحقائق. لن تقف الحرب بسبب ما تبقى من أسرى. فالظروف هي التي تحدد قيمة الأسرى كسلعة سياسية، أحياناً تصاب اسرائيل بالفزع والشلل لمجرد أسير واحد، وأحياناً ألف أسير لا يساوون شيئاً، هذا يتعلق بحجم تصور المجموعة عن نفسها، وفي هذه الحرب بلغ حجم القلق على إسرائيل حداً لم تبلغه منذ إقامتها، لتعتبر أنها تخوض حرباً وجودية. وفي هكذا حروب تهبط كثيراً أسهم الأسرى، ولو أدركت حماس ذلك مبكراً ربما لكانت الخسارات أقل، لكن التعاطي كان فادحاً مع السياسة بمنطق الرياضيات «الحفظ وليس الفهم» وبمعادلات جاهزة سقطت جميعاً في هذه الحرب. في هذه الحرب سقطت المقولات القديمة عن أن اسرائيل ضعيفة أمام الأسرى، أو أن اسرائيل لا تستطيع خوض حروب طويلة، أو أن اقتصاد اسرائيل لا يحتمل تجنيد الاحتياط من المعامل والمصانع لأشهر أو حتى لأسابيع. فكل حرب تختلف عن غيرها، لأن كل واحدة يحددها شعور الأطراف التي تخوضها بحجم خسارتها وكيف يمكن لها استعادة توازنها النفسي والسياسي. وفي هذه الحرب فقدت اسرائيل واحداً من أبرز مقومات الأمان لديها، وكان واضحاً أنها ستذهب بعيداً في استعادته، وأن الأسرى مجرد عارض على هامش الحدث الكبير وهذا ما حدث. لم تقدر حركة حماس بعد أن الحرب لن تتوقف إلا بإنهاء حكمها وقوتها في غزة، هذا قرار اسرائيلي أميركي وأوروبي وربما عربي أيضاً، يشعر أن الحركة جزء من الإخوان المسلمين بخطابها الذي يعادي النظم ولم يبخل بتوزيع اتهامات الخيانة والتشهير بالنظم العربية بهدف اسقاطها والحلول مكانها، بالإضافة الى أن ما قامت به الحركة أدخل الجميع في أزمة، ومن تدخل بها متضامناً دفع ثمناً كبيراً مثل حزب الله واليمن وحتى ايران البعيدة. تحاول الحركة تعديل المقترح المنحاز، لكن اسرائيل التي تشعر بفائض القوة وتدرك جيداً وضع حماس ستكون في وضع مريح، إما ان ترفض محملةً حماس المسؤولية، وإما أن تقبل باقتراح جزئي بالنهاية يعيد الأسرى ولا يوقف الحرب على كل الجهات. هي تكرار لحدث سابق لا يضع حداً للمجاعة والموت فإلى متى؟ هذا سؤال المليوني مواطن في غزة، يلقونه في وجه حماس التي لم تقرأ معادلات الصراع وتاريخ المعارك، وكما قال أحد قادتها السابقين: من لا يقرأ التاريخ لا يصلح للسياسة.

جريدة الايام
منذ 10 ساعات
- جريدة الايام
المفاوضات مقابل الطعام
ملاحظتان واجبتان في ظل تعثر مفاوضات التهدئة التي تمتد لأشهر الآن. قبل الخوض بأي شيء فأنا مثل كل الفلسطينيين في غزة وأولئك من غير مناضلي الكيبورد خارجها، ممن يقولون بوقف الحرب بأي ثمن للحفاظ على شعبنا وبقائه. الملاحظة الأولى مدخل فيما الثانية هي جوهر هذا المقال. الملاحظة الأولى تتعلق بإدارة المفاوضات. قلنا على هذه الصفحة إن نتنياهو يستخدم المفاوضات وسيلة لإطالة عمر الحرب كما لتحسين صورة إسرائيل أمام العالم، فبدلاً من أن يقال إن إسرائيل تقاتل يقال إنها تفاوض على إنهاء الحرب، وهو أمر يمكن استخدامه أيضاً لترويض الجبهة الداخلية. وفيما نجح في إطالة عمر الحرب وجعل المفاوضات بوابة أوسع لكسب المزيد من الوقت فإنه لم يتمكن من خداع العالم الذي بات أكثر قلقاً من تجاهل إسرائيل لكل المطالب الأممية بوقف الحرب أو بالتخفيف عن سكان قطاع غزة، من خلال وقف المجاعة والحرمان والسماح بإدخال المساعدات وفق الآليات المتبعة سابقاً، وليس عبر توظيف المساعدات لاستكمال التطهير العرقي وحرب الإبادة. يتعلق بهذا إصرار حماس على التفاوض مع الإدارة الأميركية واعتبار مجرد التفاوض معها بمثابة انتصار واختراق وليس تلاعباً من قبل إدارة رجل الأعمال ترامب (كل شيء سلعة، حتى العلاقة مع الشيطان) بحماس وتوظيفها لخدمة أجندة البيت الأبيض. لاحظوا كيف صارت حماس ترفض الشيء ثم تقبل به فترفضه إسرائيل، ويقوم ويتكوف بجر حماس للقبول بورقة غامضة يقدم لإسرائيل نسخة معدلة عنها تحافظ على تماسك حكومته فترفضها حماس فتبدو أمام العالم الجهة المعطلة. وفي حالات سابقة ربما كان آخرها أيضاً إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي حامل الجنسية الأميركية مقابل لا شيء فقط طمعاً في تعميق العلاقة مع واشنطن على حساب معاناة الناس في غزة، فإن حماس عكست عدم وعي بطبيعة القوى الدولية، فيما كان يجب أن تترك مثل هذه الملفات والعلاقات مع القوى الخارجية لجهة التمثيل الفلسطيني الشرعي، أي القيادة الفلسطينية. وفيما تواجه إسرائيل ضغوطاً دولية شديدة من أجل إنهاء الحرب فإنها تحاول تشتيت الانتباه على رفض الطرف الفلسطيني. إسرائيل تضع ألف عقبة من أجل أن تستمر الحرب ومن أجل أن تواصل الإبادة، لذلك فإن إنهاء الحرب هو انتصار للبقاء الفلسطيني، ولكن للأسف حماس لا ترى في البقاء الفلسطيني انتصاراً بل في بقائها. الملاحظة الثانية: نجح نتنياهو في «بيع» حماس طعم السلام الاقتصادي الذي قاتلت القيادة الفلسطينية بشراسة من أجل رفضه، وأظن أن كل ما تتعرض له السلطة من مضايقات من قبل دولة الاحتلال واقتطاعات من المقاصة سببه رفض الرئيس أبو مازن قبول الطرح الذي ابتدعه نتنياهو السلام مقابل الاقتصاد أو أن أسمى غايات الفلسطينيين هو تحسين شروط معيشتهم وتطوير أدوات حياتهم دون أن يكون لهم مطالب سياسية أو حقوقية، فهم ليسوا أكثر من مجموعة بشرية (يمكن تعريفها أنها فلسطينية) ولكن هذه «الفلسطنة» لا تشير إلى كيانية بل إلى هوية ثقافية وليست سياسية ولا حقوقية، وعليه فإن طموحهم لا يجب أن يتعدى كسب فؤاد إسرائيل من أجل أن تسمح لهم بالمزيد من الطعام والشراب والطرق والسفر وغير ذلك. إن جوهر السلام الاقتصادي قائم على نفي أي مطلب سياسي، وبالتالي ليس فقط نسف السردية الوطنية الفلسطينية حول الحق التاريخي وحول ملكية الأرض وحول طبيعة العلاقة مع الاحتلال بل أيضاً تعزيز نفي الوجود الفلسطيني بشكل كامل وتأكيد السردية المضادة بأن الفلسطينيين وجدوا خطأ في التاريخ، وهو خطأ اعترض مسار التاريخ التوراتي ولكن بدافع إنساني بحت لا بأس من التعامل معهم ضمن مطالب حياتية ضيقة وسلبهم أي توجهات أخرى، بل ومعاقبتهم إن هم فكروا بتبني أي توجهات سياسية. هكذا فإن السلام الاقتصادي ليس إلا نسفاً للحقوق الوطنية. في حالة غزة نجح نتنياهو في تحويل كل النقاش في المفاوضات مع حماس إلى نقاش حول المساعدات. وفيما لا يمكن فهم الكثير من مواقف حماس إن لم يكن أغلبها خاصة لمواطن من غزة عاش الحرب فإن إدارتها لملف المساعدات في غزة والسرقات التي تتم والفروقات التي يلاحظها الناس بين فئات المجتمع حيث يتلقى البعض المساعدات ويحظي بسخاء واضح فيما يحرم الآخرون، وبصرف النظر عن ما يمكن أن يقال حول ذلك فإن من يتحمل المسؤولية الكاملة حول ذلك هي الجهة الحاكمة في غزة، أي حماس، لأنها الجهة المسؤولة عن حياة الناس بوصفها سلطة الأمر الواقع هناك. ما أقوله إن حماس لم تقع في فخ نتنياهو فقط بل إنها تقوم بتزيين الفخ لنفسها أو لعل هذه المساعدات هي مدخلها للحكم ولمواصلة التحكم بحياة الناس. لم يعد الخلاف على مفتاح التبادل بمعنى عدد المنوي الإفراج عنهم، يبدو أن هذا لم يعد هم حماس، بل إن جل النقاش حول المساعدات وإدارتها، حتى الإعمار لم يعد مطروحاً بشكل كبير، وحول المسافة التي ينسحب منها الجيش. أيضاً موضوع انسحاب الجيش من غزة وهو أمر لا بد منه، ولكن ألم تخسر حماس المعركة والقتال، لا يمكن أن تقول إنها صمدت حين يجوب الجيش كل شوارع غزة بدباباته، وعليه فإن الحديث عن الانسحاب من غزة أمر مختلف في نتائج الحرب. ولكن مرة أخرى «حماس» تتعامل وكأن السابع من أكتوبر لم يحدث وأن العالم لم يتغير بعده. ولكن نتنياهو لم يعد يتحدث عن السلام مقابل الاقتصاد بل الأسرى مقابل الطعام. وأيضاً الطعام وفق طريقته التي تتم هندستها من أجل تفريغ قطاع غزة من سكانه. سلام المساعدات هذا عبارة عن تفريغ لكل فكرة الصراع وتحويله من صراع وطني إلى اقتتال حول الطعام وسبل توزيعه وآليات إدارته. كان الأجدر بحماس ألا تخوض في هذا النقاش، وكان الأجدر بها أن تعرف أن غاية أي نقاش حول الحرب هو إنهاؤها وليس البحث في ترتيبات اليوم التالي. مرة أخرى حماس تتخطى المطالب الوطنية ولا تتصرف إلا وفق مصلحة حزبية ضيقة خاصة بأجندتها كتنظيم مسؤول عن غزة فيما السؤال الوطني العام في مكان آخر. لاحظوا كيف أن النقاش كله بات حول غزة، وكيف قادت سياسات حماس إلى فصل النضال في غزة عن مجمل النضال الوطني الفلسطيني. لا أحد يطلب من أهل غزة أن يتحملوا وحدهم وزر القضية الفلسطينية ولكن لا أحد يقبل أن يكون ثمة صراع لأهل غزة منفصل عن النضال الوطني. وماذا كانت النتيجة؟ صراع أهل غزة من أجل المساعدات، وفي أحسن الحالات من أجل انسحاب الجيش إلى شرق شارع صلاح الدين الذي لم يكن موجوداً فيه قبل السابع من أكتوبر. وإذا كانت الأمور تقاس بالخواتيم فهذه هي خواتيم ما جرى. صار هم الناس هو أن تتوقف الحرب، وتدخل المساعدات حتى لو أشرف عليها الشيطان أفضل من أن يسرقها من يدعي الحفاظ عليها من باب «حاميها حراميها»، وأن يخرج الجيش ليس خارج غزة بل أن يعود إلى خطوط وقف إطلاق النار في كانون الثاني. هذا هو حالنا اليوم وهذا ما وصلنا إليه.