logo
السيارات الكهربائية في مصر... 3 تحديات تعرقل خطط التنمية

السيارات الكهربائية في مصر... 3 تحديات تعرقل خطط التنمية

النهار١٨-٠٢-٢٠٢٥

تواجه السيارات الكهربائية في مصر تحديات قوية تعيق انتشارها على نطاق واسع وقدرتها في التحول إلى خيار أساسي، وذلك على الرغم من الجهود الحكومية المبذولة والمبادرات التحفيزية لتقليل الاعتماد على الطاقة الأحفورية وتقليص الانبعاثات.
وتتمثل أبرز هذه التحديات بضعف البنية التحتية اللازمة لدعم السيارات الكهربائية، سواء من حيث عدد محطات الشحن أو كفاءتها، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الاستيراد وضعف الوعي المجتمعي بمزايا هذه السيارات؛ الأمر الذي يتطلّب حلولاً مبتكرة لضمان تحقيق نقلة نوعية في استخدام السيارات الكهربائية وتعزيز الاستدامة البيئية في مصر.
مؤشرات وأرقام
وبالنظر إلى خطط الحكومة المصريّة ومعدّلات إنجازها في قطاع السيارات الكهربائية، فقد وضعت الدولة قبل ثلاث سنوات هدفاً يقضي بإنشاء 3 آلاف محطة مزدوجة تضمّ 6 آلاف نقطة شحن خلال 18 شهراً.
وعلى الرغم من ذلك، كشفت النتائج عن تأخّر كبير على صعيد الجدول التنفيذي للخطة، حيث ما زال عدد محطات الشحن حالياً دون الـ 450 محطة، وهو ما يكشف عن طبيعة حجم التحدّيات القائمة أمام نمو القطاع وتحقيق المستهدفات التنمويّة.
تعقيباً على ذلك، يقول الخبير في اقتصاد الطاقة من لندن، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لـ"النهار" إن الاهتمام العالمي بالطاقة النظيفة المتجدّدة والاقتصاد الأخضر شهد زيادة كبيرة في السنوات الاخيرة أثناء أزمة وباء الكوفيد والحرب الروسية الأوكرانية وظهور أزمات لوجيستية واضطرابات سلاسل الإمدادت، فضلاً عن أزمة الطاقة الحادّة في أوروبا وحول العالم.
أضاف أن مصر كغيرها من الدول أطلقت مبادرات ومشاريع لتقليل الاعتماد على الطاقة الأحفورية وتقليص الانبعاثات في الأجواء وتحسين البيئة، ومن بين هذه المبادرات استخدام الغاز الطبيعي في وسائل النقل كبديل للبترول والديزل، وكذلك في تصنيع السيارات الكهربائية محلياً في مصر، عبر مفاوضات بين شركات تصنيع مركبات مصرية وشركات صينية بهدف تأسيس صناعة سيارات كهربائية وتجميعها في مصر لتلبية الطلب المحلي والتصدير إلى الأسواق المجاورة في أفريقيا والشرق الأوسط.
وأشار إلى أن تلك الجهود من المتوقع أن تؤتي ثمارها بحلول 2030، سواء على صعيد جذب الاستثمار الأجنبي ومشاريع تصنيع السيارات الكهربائية أم على مستوى توفير فرص للعمالة المحلية وتقليل الاستيراد وتخفيف أزمة العملة الصعبة، بشرط وضع حلول سريعة للتحدّيات القائمة أمام نمو القطاع.
إجراءات وحلول
تواصل الحكومة المصرية جهودها، بالتعاون مع شركات خاصة، للعمل على تطوير البنية التحتية اللازمة لشحن السيارات الكهربائية، التي تمثل أحد أبرز التحدّيات أمام نمو السيارات الكهربائية مع استهداف تركيب العديد من محطات الشحن في المدن الرئيسية وعلى الطرق السريعة، بالإضافة إلى استهداف مواصلة تقديم سلسلة من الحوافز لتشجيع استيراد واستخدام السيارات الكهربائية، بما في ذلك الإعفاءات الجمركية على السيارات الكهربائية المستوردة، والحملات التوعوية المستمرّة لزيادة قبول هذا النوع من السيارات.
يؤكد ما تقدّم الخبير في اقتصاد الطاقة من لندن، نهاد إسماعيل، في حديثه بشأن التحديات القائمة، على الرغم من الجهود المبذولة والمتمثلة بالتكلفة العالية للسيارة الكهربائية التي تُشكل رادعا أمام المستهلك، بالإضافة إلى نقص عدد نقاط الشحن الكهربائي.
ويضيف أن هناك أيضاً عوائق بيروقراطية وتنظيمية في الحصول على التراخيص والتسجيل، الأمر الذي يشكّل تحدياً أمام مستهدفات الحكومة المصرية على صعيد تلك الصناعة.
تتفق مع ذلك أستاذة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، في تصريحات خاصة لـ"النهار"، إذ تقول إنه على الرغم من وضع الحكومة المصرية استراتيجية للتحول الطاقوي تستهدف إنشاء 3 آلاف محطة مزدوجة، تضمّ 6 آلاف نقطة شحن، فإنه نتيجة الرياح المعاكسة عالمياً لم يتمّ الوصول إلى الأرقام المستهدفة.
وتضيف أن التحدّيات أمام نمو تلك الصناعة، والمتمثّلة بقلّة محطات الشحن والبنية التحتية، تتطلّب تنوّع مصادر الشركات العاملة في السوق المصرية، بالإضافة إلى مزيد من التسهيلات اللازمة لجلب الاستثمارات المباشرة في هذا المجال، بالإضافة إلى توسيع آلية الشحن السريع وإيجاد التمويل الميسّر لشراء هذا النوع من الاستثمارات، مع توسيع عمليات الشحن جغرافياً وتنويع مصادر الشواحن بخطط توسعية تواكب التطور في ملف التنمية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حرب إسرائيل وإيران: الشرق الأوسط على صفيح ساخن وأسواق الطاقة في مرمى النيران
حرب إسرائيل وإيران: الشرق الأوسط على صفيح ساخن وأسواق الطاقة في مرمى النيران

النهار

timeمنذ 21 ساعات

  • النهار

حرب إسرائيل وإيران: الشرق الأوسط على صفيح ساخن وأسواق الطاقة في مرمى النيران

في خطوة مفاجئة تُنذر بتحولات جذرية في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، شنت إسرائيل ضربات جوية على أهداف داخل إيران، في تصعيد وُصف بأنه الأخطر منذ سنوات في النزاع المحتدم حول البرنامج النووي الإيراني. وبحسب موقع "أكسيوس" الأميركي، فإن العملية تمثل نقطة تحول لا تقتصر على الجانب العسكري أو السياسي، بل تمتد لتطال أحد أكثر الملفات حساسية واستراتيجية في المنطقة وهو ملف الطاقة. وكشفت التطورات الأخيرة تصاعداً خطيراً في وتيرة التوتر بين إسرائيل وإيران، حيث تبادلت الدولتان ضربات جوية مباشرة، أسفرت إحداها عن استهداف طائرة مسيرة إسرائيلية لمصفاة "فجر جم" الواقعة في القسم البري من المرحلة 14 بحقل بارس الجنوبي داخل الأراضي الإيرانية، مما أدى إلى انفجار ضخم في المصفاة، بحسب ما أفادت به وكالة تسنيم الإيرانية. وأضافت الوكالة أن الانفجار تسبب في اندلاع حريق في جزء من المصفاة، وفي المقابل، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، إغلاق حقل "ليفياثان" البحري مؤقتًا، وهو أكبر حقل للغاز الطبيعي في إسرائيل، وذلك على خلفية مخاوف أمنية، ومن المرجح أن تلقي هذه الأحداث بظلالها على استقرار إمدادات الغاز في المنطقة. وتأتي هذه التطورات في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية بين طهران وتل أبيب، ما يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل أمن الطاقة في المنطقة، لا سيما مع اقتراب نيران التصعيد من منشآت النفط والبنية التحتية الحيوية في إيران ودول الجوار. مستقبل الطاقة على صفيح ساخن هذا وتشير المعطيات الراهنة إلى أن الضربة الإسرائيلية مجرد بداية لسلسلة من السيناريوهات المتقلبة، التي سيكون لها أثر مباشر على إمدادات الطاقة وأسعار النفط والغاز في الأسواق الإقليمية والعالمية. ويكتسب هذا الملف بعداً أكثر خطورة في ظل قرار تحالف "أوبك+" بالمضي في زيادة إنتاج النفط في تموز (يوليو)، بمقدار 411 ألف برميل يومياً، وهي الزيادة ذاتها التي اعتُمدت في شهري أيار (مايو) وحزيران (يونيو)، في محاولة لاستعادة الحصة السوقية للتكتل. لكن الرياح قد لا تأتي بما تشتهي أوبك+، فمع تصاعد التوترات، وعودة العقوبات الأميركية على إيران إلى الواجهة، تصبح معادلة العرض والطلب في أسواق النفط أكثر هشاشة من أي وقت مضى. مشهد معقد.. وسيناريوهات مفتوحة وفي تعليقه على تطورات المشهد، يقول نهاد إسماعيل، الخبير في اقتصاديات الطاقة في لندن، في تصريحات خاصة لـ"النهار": "الإجابة على مستقبل هذه الأزمة تعتمد على السيناريوهات المحتملة: ومدى نطاق استهداف البنية التحتية للنفط والغاز الإيراني، ما قد يؤدي إلى تعطيل الإنتاج والتصدير؟". ويضيف: "تحول التصعيد إلى استهداف ناقلات النفط والغاز عبر مضيق هرمز، أو تدخل الحوثيون لإغلاق باب المندب، فإننا نتحدث عن أزمة نفطية عالمية قد تقفز بالأسعار إلى 130 دولاراً للبرميل أو أكثر". تأثيرات متسلسلة.. من الأسواق إلى الناقلات من جهته، يرى الباحث المتخصّص في شؤون الطاقة، عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة لـ"النهار"، أن تأثير الضربة على الأسواق جاري متابعة تداعياتها ومدى تأثيرها على تعطيل الملاحة في مضيق هرمز. ويضيف الشوبكي: "النفط ارتفع، ومع ذلك فإن أي تطور في اتجاه استهداف منصات الغاز أو تعطيل مضيق هرمز قد يرفع الأسعار إلى 100 دولار أو أكثر". ويوضح أن حركة الملاحة البحرية تراجعت بالفعل في أجواء إيران والعراق والأردن، كما بدأت بعض السفن التجارية في الابتعاد عن الخليج العربي بسبب ارتفاع تكاليف التأمين، ما يُنذر بتأثير محتمل على سلاسل التوريد والتجارة العالمية. ويضيف :"إيران في حالة صدمة بعد فقدان قيادات مهمة، ورد فعلها مؤشراً لتحديد المرحلة المقبلة، فإذا تم استهداف منشآت نفطية إسرائيلية كرد انتقامي، فإن الباب سيفتح على تصعيد شامل قد يُخرج الأزمة عن السيطرة". هل نحن أمام أزمة طاقة عابرة أم انهيار؟ ويبقى السؤال الرئيسي: هل ما نشهده اليوم أزمة مؤقتة يمكن احتواؤها؟ أم أن المنطقة تتجه نحو صراع طويل الأمد ستكون له تداعيات كارثية على اقتصادات أوبك والمنطقة العربية، وربما الاقتصاد العالمي بأسره؟ الخبراء يجمعون على أن استمرار العمليات العسكرية في منطقة تُنتج نسبة كبيرة من النفط العالمي قد يؤدي إلى دخول العالم مرحلة من الركود الاقتصادي، مع تقلبات عنيفة في الأسعار وارتفاع في تكلفة الاستيراد والتأمين والنقل.

السيارات الكهربائية في مصر... 3 تحديات تعرقل خطط التنمية
السيارات الكهربائية في مصر... 3 تحديات تعرقل خطط التنمية

النهار

time١٨-٠٢-٢٠٢٥

  • النهار

السيارات الكهربائية في مصر... 3 تحديات تعرقل خطط التنمية

تواجه السيارات الكهربائية في مصر تحديات قوية تعيق انتشارها على نطاق واسع وقدرتها في التحول إلى خيار أساسي، وذلك على الرغم من الجهود الحكومية المبذولة والمبادرات التحفيزية لتقليل الاعتماد على الطاقة الأحفورية وتقليص الانبعاثات. وتتمثل أبرز هذه التحديات بضعف البنية التحتية اللازمة لدعم السيارات الكهربائية، سواء من حيث عدد محطات الشحن أو كفاءتها، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الاستيراد وضعف الوعي المجتمعي بمزايا هذه السيارات؛ الأمر الذي يتطلّب حلولاً مبتكرة لضمان تحقيق نقلة نوعية في استخدام السيارات الكهربائية وتعزيز الاستدامة البيئية في مصر. مؤشرات وأرقام وبالنظر إلى خطط الحكومة المصريّة ومعدّلات إنجازها في قطاع السيارات الكهربائية، فقد وضعت الدولة قبل ثلاث سنوات هدفاً يقضي بإنشاء 3 آلاف محطة مزدوجة تضمّ 6 آلاف نقطة شحن خلال 18 شهراً. وعلى الرغم من ذلك، كشفت النتائج عن تأخّر كبير على صعيد الجدول التنفيذي للخطة، حيث ما زال عدد محطات الشحن حالياً دون الـ 450 محطة، وهو ما يكشف عن طبيعة حجم التحدّيات القائمة أمام نمو القطاع وتحقيق المستهدفات التنمويّة. تعقيباً على ذلك، يقول الخبير في اقتصاد الطاقة من لندن، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لـ"النهار" إن الاهتمام العالمي بالطاقة النظيفة المتجدّدة والاقتصاد الأخضر شهد زيادة كبيرة في السنوات الاخيرة أثناء أزمة وباء الكوفيد والحرب الروسية الأوكرانية وظهور أزمات لوجيستية واضطرابات سلاسل الإمدادت، فضلاً عن أزمة الطاقة الحادّة في أوروبا وحول العالم. أضاف أن مصر كغيرها من الدول أطلقت مبادرات ومشاريع لتقليل الاعتماد على الطاقة الأحفورية وتقليص الانبعاثات في الأجواء وتحسين البيئة، ومن بين هذه المبادرات استخدام الغاز الطبيعي في وسائل النقل كبديل للبترول والديزل، وكذلك في تصنيع السيارات الكهربائية محلياً في مصر، عبر مفاوضات بين شركات تصنيع مركبات مصرية وشركات صينية بهدف تأسيس صناعة سيارات كهربائية وتجميعها في مصر لتلبية الطلب المحلي والتصدير إلى الأسواق المجاورة في أفريقيا والشرق الأوسط. وأشار إلى أن تلك الجهود من المتوقع أن تؤتي ثمارها بحلول 2030، سواء على صعيد جذب الاستثمار الأجنبي ومشاريع تصنيع السيارات الكهربائية أم على مستوى توفير فرص للعمالة المحلية وتقليل الاستيراد وتخفيف أزمة العملة الصعبة، بشرط وضع حلول سريعة للتحدّيات القائمة أمام نمو القطاع. إجراءات وحلول تواصل الحكومة المصرية جهودها، بالتعاون مع شركات خاصة، للعمل على تطوير البنية التحتية اللازمة لشحن السيارات الكهربائية، التي تمثل أحد أبرز التحدّيات أمام نمو السيارات الكهربائية مع استهداف تركيب العديد من محطات الشحن في المدن الرئيسية وعلى الطرق السريعة، بالإضافة إلى استهداف مواصلة تقديم سلسلة من الحوافز لتشجيع استيراد واستخدام السيارات الكهربائية، بما في ذلك الإعفاءات الجمركية على السيارات الكهربائية المستوردة، والحملات التوعوية المستمرّة لزيادة قبول هذا النوع من السيارات. يؤكد ما تقدّم الخبير في اقتصاد الطاقة من لندن، نهاد إسماعيل، في حديثه بشأن التحديات القائمة، على الرغم من الجهود المبذولة والمتمثلة بالتكلفة العالية للسيارة الكهربائية التي تُشكل رادعا أمام المستهلك، بالإضافة إلى نقص عدد نقاط الشحن الكهربائي. ويضيف أن هناك أيضاً عوائق بيروقراطية وتنظيمية في الحصول على التراخيص والتسجيل، الأمر الذي يشكّل تحدياً أمام مستهدفات الحكومة المصرية على صعيد تلك الصناعة. تتفق مع ذلك أستاذة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، في تصريحات خاصة لـ"النهار"، إذ تقول إنه على الرغم من وضع الحكومة المصرية استراتيجية للتحول الطاقوي تستهدف إنشاء 3 آلاف محطة مزدوجة، تضمّ 6 آلاف نقطة شحن، فإنه نتيجة الرياح المعاكسة عالمياً لم يتمّ الوصول إلى الأرقام المستهدفة. وتضيف أن التحدّيات أمام نمو تلك الصناعة، والمتمثّلة بقلّة محطات الشحن والبنية التحتية، تتطلّب تنوّع مصادر الشركات العاملة في السوق المصرية، بالإضافة إلى مزيد من التسهيلات اللازمة لجلب الاستثمارات المباشرة في هذا المجال، بالإضافة إلى توسيع آلية الشحن السريع وإيجاد التمويل الميسّر لشراء هذا النوع من الاستثمارات، مع توسيع عمليات الشحن جغرافياً وتنويع مصادر الشواحن بخطط توسعية تواكب التطور في ملف التنمية.

تناقص مخزونات الغاز في أوروبا.. أزمة حادة وتبعات إيجابية على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
تناقص مخزونات الغاز في أوروبا.. أزمة حادة وتبعات إيجابية على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النهار

time٠٥-٠١-٢٠٢٥

  • النهار

تناقص مخزونات الغاز في أوروبا.. أزمة حادة وتبعات إيجابية على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

A+ A- تواجه قارة أوروبا أزمة طاقة حادة مثيرة للمخاوف في ضوء انخفاض مخزونات الغاز الطبيعي بصورة غير مسبوقة، خلال توقيت تكافح فيه للتأقلم مع تحديات جيوسياسية وبالتزامن مع بدء الشتاء، وتراجع الاعتماد على الغاز الروسي جراء الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة. وتأتي هذه الأزمة في وقت تتراجع فيه الواردات الأوروبية من الغاز المنقول بحراً، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي والاجتماعي في دول الاتحاد الأوروبي، ليعيد إلى الأذهان أزمة الطاقة التي عصفت بالقارة قبل نحو ثلاث سنوات، ويُفرض تحديات قوية تتطلب مزيداً من البدائل وحلولاً سريعة. ووفقاً لتقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن الاتحاد الأوروبي يقوم بإفراغ مرافق تخزين الغاز لديه بأسرع وتيرة منذ أزمة الطاقة قبل ثلاث سنوات، مع ارتفاع الطلب بسبب الطقس البارد وانخفاض الواردات المنقولة بحراً. وهو ما تؤكده بيانات من مؤسسة البنية التحتية للغاز في أوروبا، والتي كشفت عن انخفاض حجم الغاز في مواقع تخزين الغاز في الاتحاد الأوروبي بنحو 19 في المئة منذ نهاية أيلول (سبتمبر)، عند انتهاء موسم إعادة التعبئة في أسواق الغاز، حتى منتصف كانون الأول (ديسمبر). أزمة وارتفاعات متوقعة ويواجه المستهلكون والشركات في أوروبا أعباء اقتصادية متزايدة مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 47 في المئة هذا العام، ومع احتمال توقف تدفقات الغاز الروسي بداية 2025. ووفقاً لوكالة بلومبرغ العالمية، توجد زيادة بالفعل في أسعار العقود الآجلة، كما يشير بعض المتعاملين إلى أن توقف ضخ الغاز من روسيا يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بنحو 10 يورو لكل ميغاوات/ساعة مقارنة بالأسعار في حال استمرار الضخ كالمعتاد. وتعقيباً على ذلك، يقول الخبير في اقتصاديات الطاقة من لندن نهاد إسماعيل في تصريحات خاصة لـ"النهار" أن الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022، أحدث تغييراً كبيراً في أسواق الطاقة العالمية، خصوصاً مع استخدام روسيا تصدير الغاز الطبيعي سلاحاً وانخفاض واردات الغاز الروسية والعقوبات على روسيا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى توجه أوروبا نحو تنويع مصادر الطاقة وبناء مرافق وبنية تحتية لاستقبال الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، ومن مصادر أخرى مثل مصر وقطر وكازاخستان. أضاف أنه مع انخفاض المخزونات والدخول في فصل شتاء قاسي البرودة، تواجه أوروبا أزمة حقيقية على صعيد الأسعار العالية ونقص الإمدادات وتناقص المخزون لديها، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وأشار إلى أن الأزمة التي تواجه أوروبا ليست كارثية أيضاً بسبب وجود مصادر لتوريد الغاز الطبيعي المسال من النروج والولايات المتحدة، ولكن لاتزال هناك حالة ترقب مع قدوم الرئيس المنتخب الجديد للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب واحتمال حدوث انفراج بشأن توريد متطلبات أوروبا من الغاز، بعد أن فرضت إدارة بايدن قيوداً على الإنتاج والتصدير لحماية البيئة والمناخ. وفي ظل هذا الواقع ومتطلبات البحث عن بدائل سريعة، تتجه أنظار قارة أوروبا خلال المرحلة الحالية إلى دول الخليج وشمال إفريقيا التي يُتوقع أن تلعب دوراً محورياً في تعويض النقص الأوروبي عبر زيادة صادراتها من الطاقة. ووفقاً لعدد من الخبراء والاقتصاديين في مجال الطاقة في تصريحات لـ"النهار"، فأن هذه التحولات لا تقتصر على الجانب الاقتصادي المتوقع بصورة إيجابية بشأن تحول بوصلة اهتمامات أوروبا إلى دول الخليج وإفريقيا لتعويض نقص مخزونها فحسب، بل تحمل انعكاسات استراتيجية قد تُعيد تشكيل خريطة العلاقات الدولية وأسواق الطاقة العالمية خلال الفترة المقبلة. وتوقع الخبراء استفادة عدد من الدول بالمنطقة وتسجيل طفرة بالنشاط التصديري لديها إلى أوروبا مثل الإمارات وقطر والجزائر ومصر. وهو ما يؤكده الخبير إسماعيل، بشأن انعكاسات الأزمة وتبعاتها على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي ستكون إيجابية في ضوء نقص الإمدادات والبحث عن بدائل سريعة لمواجهة تحديات تراجع المخزون. أضاف أن دول الإمارات وقطر ومصر من المتوقع أن يرتفع وتيرة التصدير لديها إلى قارة أوروبا خلال الأعوام القادمة لتلبية تلك المتطلبات، بالإضافة إلى دول أخرى في شمال أفريقيا مثل الجزائر والتي تصدر حالياً عبر خطوط أنابيب قائمة. وتوقع أن يدعم ذلك النشاط التصديري لتلك الدول معدلات نموها بقوة خلال 2025، وزيادة تدفقات الاستثمارات الخارجية إليها. وتتفق مع العوائد المرتقبة للمنطقة، أستاذة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، في تصريحات خاصة لـ"النهار" بشأن توجهات أوروبا الحالية للبحث عن مصالحها الاقتصادية وتحويل بوصلتها نحو دول الخليج وشمال إفريقيا، لتنقذ ما يمكن إنقاذه في ضوء تبعات الحرب الروسية - الأوكرانية وتناقص الإمدادات وتراجع المخزون. وأضافت إن توجهات القارة الأوروبية لا شك ستعود بالإيجاب على صادرات عدد من دول الخليج والمنطقة، في ضوء متطلبات القارة وتوقف الغاز الروسي الذي يضخ من خلال سلوفاكيا عبر أوكرانيا المتوقع مع بداية العام الجديد، ووسط تحذيرات ترامب التي تؤثر بشكل مباشر على أسعار الغاز. وأشارت أن ملف الصراع على الطاقة لن يتوقف حتى مع توقف الصراعات والحروب القائمة، في ضوء خطة الاتحاد الأوروبي الطويلة الأمد للاستغناء عن الغاز الروسى، مؤكدة أن شواهد المشهد الأوروبى تشير الى أن المخاطر الجيوسياسية واضطرابات إمدادات الطاقة مازالت مفتوحة وممتلئة مع انخفاض درجات الحرارة وتوقعات زيادة الطلب على الغاز.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store