
سياسات ترامب تقلّص حركة السياحة إلى الولايات المتحدة
في وقت علّق فيه العاملون في قطاع السياحة الأميركي آمالهم على عام 2025 ليكون نقطة انطلاق للتعافي من الأضرار الاقتصادية التي خلّفتها جائحة كورونا، جاءت الإحصائيات لتكشف عن تراجع ملحوظ في أعداد السياح الدوليين مقارنة بالعام الماضي.
ورغم تأكيدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن السياحة في البلاد تشهد انتعاشًا ملحوظًا، فإن المعنيين بالقطاع السياحي يخالفونه الرأي، مشيرين إلى أن هذا التراجع يرتبط بشكل مباشر بعدد من السياسات التي تبنّتها إدارته.
في مقدمة تلك السياسات رفع الرسوم الجمركية وتشديد إجراءات الهجرة والرقابة على الحدود، وهي خطوات أثرت سلبًا على تدفق الزائرين وأسهمت في تراجع الولايات المتحدة كوجهة سياحية دولية.
"كندا ليست للبيع"
تشهد العلاقات السياسية بين كندا والولايات المتحدة واحدة من أكثر مراحلها توترًا في العقود الأخيرة انعكست مباشرة على السياحة التي لطالما شكّلت أحد أبرز وجوه التعاون بين البلدين.
ففي ظل التصريحات المتصاعدة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتحديدًا دعوته المتكررة لضم كندا كـ"ولاية رقم 51″ لبلاده، تراجعت أعداد الكنديين المسافرين إلى الولايات المتحدة بشكل حاد، وسط استياء شعبي كبير.
وكان رئيس الوزراء الكندي السابق، جاستن ترودو ، أكّد في وقت سابق أن "كندا لن تكون على الإطلاق جزءًا من الولايات المتحدة" ودعا مواطنيه في فبراير/شباط الماضي إلى اختيار بلادهم كوجهة رئيسية لخططهم السياحية. حديث ترودو فسّره مراقبون على أنه دعوة مباشرة لمقاطعة السفر إلى الولايات المتحدة التي كانت وجهة سياحية مفضلة.
أما ترامب، فلم يتوقف عن استغلال أي مناسبة منذ عودته إلى البيت الأبيض ، لتكرار عرضه بضم كندا للولايات المتحدة. أحدثُها كان خلال استقباله في البيت الأبيض لرئيس الوزراء الكندي الجديد، مارك كارني ، الثلاثاء الماضي، حينما قال "ما زلت اعتقد أن كندا يجب أن تكون الولاية رقم 51". الرد الكندي جاء سريعا وقاطعا من كارني الذي أكد قائلا "بلادنا ليست للبيع".
الكنديون يتخلون عن أميركا كوجهة سفر
وأصدرت الحكومة الكندية في مارس/آذار الماضي تحذيرا لمواطنيها بشأن السفر إلى الولايات المتحدة، بعد إعلان الأخيرة ابتداءً من هذا الشهر عن إجراءات جديدة تقضي بتسجيل الأجانب الذين تزيد أعمارهم عن 14 عاما إن استمرت إقامتهم داخل الأراضي الأميركية لأكثر من شهر.
ويشمل ذلك الكنديين الذين كان بإمكانهم سابقا الإقامة حتى 6 أشهر بدون تأشيرة، مما أثار مخاوف تتعلق بالخصوصية، وأعطى مؤشرا إضافيا على الانزلاق المستمر في العلاقات.
البيانات الأخيرة لهيئة الإحصاء الكندية، كشفت عن انخفاض عدد المسافرين الكنديين عبر المنافذ البرية إلى الولايات المتحدة بنسبة 32% في مارس/آذار 2025، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، بينما سجّل السفر عبر الطيران تراجعا بنسبة 13.5%. كما تراجعت الحجوزات المسبقة للرحلات الجوية من الولايات المتحدة إلى كندا للفترة الممتدة من أبريل/نيسان إلى سبتمبر/أيلول القادم بأكثر من 70%.
ويرى مراقبون أن الرسوم الجمركية الباهظة على المنتجات الكندية، دفعت مجموعة من الكنديين لإعادة النظر في زياراتهم إلى الأسواق الأميركية وتقليص الارتباط بها، بعد أن كان التسوق يشكل نشاطا ترفيهيا رئيسيا في وجهاتهم داخل الولايات المتحدة.
ووفقا لتقديرات جمعية السفر الأميركية، فإن انخفاضا بنسبة 10% فقط في أعداد الزوار الكنديين قد يكلف الاقتصاد الأميركي ما يصل إلى 2.1 مليار دولار سنويا. وأكد جيف فريمان، الرئيس والمدير التنفيذي للجمعية، أن السياح الكنديين ينفقون في عطلاتهم 3 أضعاف ما ينفقه المواطن الأميركي، وهو ما يجعلهم "عنصرا حيويا في الإنفاق السياحي".
إجراءات تُربك الأوروبيين
على غرار الكنديين، بات الأوروبيون أكثر ترددا في زيارة الولايات المتحدة كوجهة سياحية، بعد أن شهدت الأشهر الأخيرة تشديدا في إجراءات الدخول، أدى لحالات احتجاز وترحيل طالت بعض الزوار الأوروبيين، حتى من حاملي التأشيرات والإقامات القانونية.
فمنذ اللحظة الأولى لأدائه القسم الدستوري، شرع الرئيس الأميركي في إصدار أوامر تنفيذية صارمة تتعلق بالهجرة، أفضت إلى تكثيف الحملات على المهاجرين غير النظاميين، وتشديد الرقابة على التأشيرات، وتوسيع التدقيق الأمني عند المنافذ الحدودية والمطارات، بما في ذلك المسافرون القادمون من دول صديقة.
وكان من أبرز حالات الترحيل، ما نشرته وكالة فرانس برس في مارس/آذار الماضي بشأن منع عالم فرنسي من دخول الولايات المتحدة، رغم تلقيه دعوة رسمية للمشاركة في مؤتمر علمي بولاية تكساس. وبحسب الوكالة، خضع العالم لتفتيش دقيق عند وصوله، وعُثر في هاتفه على رسائل خاصة ينتقد فيها سياسة ترامب تجاه العلماء. إلا أن تريشيا ماكلولين، مساعدة وزير الأمن الداخلي الأميركي، نفت ذلك، مؤكدة أن القرار استند إلى "حيازته معلومات محمية من مؤسسة بحثية أميركية، وهو ما يشكل مخالفة لاتفاقية عدم الإفصاح".
صحيفة فايننشال تايمز نقلت أن شركة الخطوط الجوية الفرنسية سجلت انخفاضا بنسبة 2.4% في الحجوزات من أوروبا إلى الولايات المتحدة في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران، بينما شهدت الحجوزات الأميركية إلى أوروبا ارتفاعا بلغ 2.1%. وفي وقت سابق حدّثت الحكومة البريطانية إرشادات السفر، محذّرة مواطنيها من إمكانية "الاعتقال أو الاحتجاز في حال مخالفة" القواعد، وشددت على أن السلطات الأميركية تطبق هذه القواعد بصرامة.
ألمانيا بدورها أصدرت تحذيرا جاء في أعقاب احتجاز مواطن ألماني يحمل إقامة دائمة في الولايات المتحدة لأكثر من أسبوع قبل أن يتم ترحيله، رغم امتلاكه الوثائق القانونية الكاملة. التحذير الألماني أوضح أن "الحصول على التأشيرة لا يضمن الدخول إلى الولايات المتحدة".
ولايات تخسر زوارها
مع تزايد المؤشرات السلبية لانكماش قطاع السياحة الدولي في الولايات المتحدة، بدأت الولايات الأكثر اعتمادا على هذا القطاع في استشعار تداعيات التراجع على اقتصاداتها المحلية، وفي مقدمتها ولاية كاليفورنيا. حاكم الولاية، غافين نيوسوم، أصدر بيانا الأسبوع الماضي حذر فيه من التهديد الذي يواجه قطاع السياحة الذي يدعم أكثر من مليون وظيفة، ويضخ مليارات الدولارات في خزينة الولاية كل عام.
إعلان
وفي محاولة استباقية لتفادي موجة الركود، أطلق نيوسوم حملة دعائية موجهة نحو السوق الكندية، تهدف إلى إعادة جذب السياح من الشمال. وتضمنت الحملة مقطع فيديو نشره الحاكم على منصة "إكس" خاطب فيه الكنديين قائلا "أنتم تعلمون من يحاول إثارة المشاكل في واشنطن العاصمة، لكن لا تَدَعوا ذلك يفسد خططكم لقضاء عطلة على الشاطئ".
أما في ولاية نيفادا، التي تُعد واحدة من أكثر 5 ولايات استقبالا للزوار الأجانب، فقد ارتفعت حدة القلق السياسي من عواقب تراجع عوائد السياحة على الأسر العاملة والشركات الصغيرة.
السيناتورة كاثرين كورتيز ماستو، الممثلة عن الولاية، عبّرت عن قلقها من تأثير الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على الاقتصاد المحلي، وطالبت في رسالتها الموجهة إلى عدد من المسؤولين، بتقديم خطة واضحة لتخفيف الضغوط الاقتصادية الناجمة عن هذه السياسات، مذكّرة بأن قطاع السفر والسياحة يمثل 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ويدعم أكثر من 15 مليون وظيفة على المستوى الوطني.
وفي الساحل الشرقي، تعيش مدينة نيويورك، أشهر وجهة سياحية في البلاد، حالة مشابهة من القلق. فوفقا لتقرير صدر عن هيئة السياحة والمؤتمرات في المدينة، من المتوقع أن تستقبل نيويورك 12.1 مليون مسافر أجنبي في عام 2025، بانخفاض كبير عن التقديرات السابقة التي بلغت 14.6 مليون. وأرجع مسؤولو المدينة الأمر إلى الرسوم الجمركية والسياسات المتشددة بشأن الهجرة.
قطاع الطيران والسفر يستنجد
وبعيدًا عن الحروب التجارية والرسوم الجمركية، تبرز مخاوف أخرى لدى المسافرين الدوليين إلى الولايات المتحدة، تتعلق بشكل مباشر بانتهاك الخصوصية الرقمية، المتمثلة في عمليات مصادرة الهواتف وأجهزة الحاسوب عند نقاط الدخول. ورغم أن السلطات الأميركية تبرّر هذه الإجراءات باعتبارها جزءًا من إجراءات أمنية موسّعة، إلا أن مراقبين يرون أن اتساع نطاق الفحص والتفتيش بدأ يُقلق الزائرين.
وتعززت هذه المخاوف عقب توقيف طلاب من أصول عربية، شاركوا في احتجاجات داخل الجامعات الأميركية ضد الحرب على غزة. خلّفت تلك الحوادث انطباعًا لدى الزوار المحتملين بأن إبداء التضامن مع قضايا إنسانية، حتى عبر الإعجاب بمنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قد يُعرّضهم للاحتجاز أو الترحيل وإن كانت لديهم تأشيرات سارية المفعول مما دفع كثيرين إلى إعادة التفكير في فكرة السفر.
وزارة الخارجية الأميركية أكدت بدورها أنها تُجري مراجعات مستمرة لوضع حاملي التأشيرات للتأكد من التزامهم بالقوانين الفدرالية وقواعد الهجرة. وأوضحت أنها تلغي التأشيرات وتُرحّل أصحابها عند وجود انتهاك. وشدد وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو على هذا التوجه في مقال نشره عبر فوكس نيوز، قال فيه "على حاملي تأشيرات الولايات المتحدة أن يعلموا بأن التدقيق الأمني لا ينتهي بمنح التأشيرة"، في إشارة إلى أن المراقبة مستمرة حتى بعد الدخول.
في هذا السياق، حذّر جيف فريمان، الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية السفر الأميركية، خلال شهادته أمام مجلس النواب في أبريل/نيسان الماضي، من أن الإجراءات "غير الفعالة" في نظام التأشيرات ونقاط التفتيش في المطارات، قد تُلحق ضررا مباشرا بقطاع السفر والطيران، في ظل استثمارات ضخمة تضخّها دول منافسة مثل الصين. ودعا فريمان إلى منح القطاع أولوية قصوى، واتخاذ خطوات فورية لتحسين تجربة السفر.
بدوره، توقّع دين بيكر، كبير الاقتصاديين في مركز الأبحاث الاقتصادية والسياسية، استمرار تراجع حركة السفر الدولية إلى الولايات المتحدة، مشيرا بشكل خاص إلى الطلب المتراجع من الطلاب الدوليين، الذين بدؤوا يتجنبون القدوم بسبب مضايقات موظفي الهجرة والجمارك، وتزايد الشعور بعدم الأمان القانوني.
ومع ذلك، يرى بعض خبراء السياحة أن الوضع الحالي لا يشير إلى امتناع نهائي عن زيارة الولايات المتحدة، بل إلى تأجيل مؤقت في خطط السفر. ويُراهن هؤلاء على أن السياحة قد تستعيد عافيتها مع دخول موسم الصيف، الذي سيكون، برأيهم، مؤشرًا حاسمًا على ما إذا كان القطاع في حالة ركود فعلي أم يمر بمرحلة تذبذب مؤقتة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 27 دقائق
- الجزيرة
قادة بريطانيا وفرنسا وكندا: سنتخذ إجراءات إذا لم توقف إسرائيل هجومها بغزة وترفع القيود عن المساعدات
عاجل | بيان لقادة بريطانيا وفرنسا وكندا: سنتخذ إجراءات إذا لم توقف إسرائيل هجومها بغزة وترفع القيود عن المساعدات عاجل | بيان لقادة بريطانيا وفرنسا وكندا: نعارض توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وقد نتخذ إجراءات بينها العقوبات عاجل | بيان لقادة بريطانيا وفرنسا وكندا: رفض إسرائيل تقديم المساعدات الأساسية للمدنيين في غزة غير مقبول عاجل | بيان لقادة بريطانيا وفرنسا وكندا: نطالب إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في غزة والسماح الفوري بدخول المساعدات عاجل | بيان لقادة بريطانيا وفرنسا وكندا: إعلان إسرائيل السماح بدخول كمية ضئيلة من الغذاء إلى غزة غير كاف على الإطلاق عاجل | بيان لقادة بريطانيا وفرنسا وكندا: ندين اللغة البغيضة لبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية والتهديد بالترحيل القسري عاجل بيان لقادة بريطانيا وفرنسا وكندا: رفض إسرائيل تقديم المساعدات الأساسية للمدنيين في غزة غير مقبول عاجل | بيان لقادة بريطانيا وفرنسا وكندا: التهجير القسري انتهاك للقانون الإنساني الدولي. بيان لقادة بريطانيا وفرنسا وكندا: لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو أفعالها الفاضحة عاجل | بيان لقادة بريطانيا وفرنسا وكندا: لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو أفعالها الفاضحة التفاصيل بعد قليل..


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
بوتين لعب الشطرنج ببراعة في تركيا
في يوم الجمعة 17 مايو/ أيار 2025، اجتمعت وفود روسية وأوكرانية في إسطنبول في محاولة لإنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا. أظهرت المحادثات تباينًا واضحًا بين الطرفين؛ حيث بدت روسيا واثقة ومنهجية في طرحها، بينما ظهرت أوكرانيا مترددة وغير متماسكة. روسيا أوضحت موقفها بشأن تسوية محتملة منذ فترة طويلة، مع احتفاظها بغموض محسوب حول القضايا الإقليمية لاستخدامها كورقة ضغط. تسعى موسكو للعودة إلى اتفاقيات إسطنبول التي تعطلت في ربيع عام 2022؛ بسبب تدخلات المملكة المتحدة والولايات المتحدة، كما تطالب بالاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها منذ ذلك الحين، وربما أكثر، دون تحديد واضح لماهية هذه الأراضي. في المقابل، يبدو موقف التحالف المؤيد لأوكرانيا فوضويًا. تبنت الولايات المتحدة موقفًا شبه محايد، بينما تعمل أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون على منع واشنطن من الضغط على كييف لقبول سلام يعتبرونه سابقًا لأوانه وغير عادل. صرح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يوم الخميس بأن إدارة ترامب منفتحة على أي آلية يمكن أن تنهي الصراع. في الوقت نفسه، تصر أوكرانيا وشركاؤها الأوروبيون على وقف إطلاق نار لمدة 30 يومًا كشرط مسبق للدخول في محادثات السلام. قبل بدء المفاوضات في إسطنبول، أعلنت أوكرانيا أن وفدها لن يناقش أي شيء مع الروس حتى يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار. دعمت الدول الأوروبية هذا المطلب، مهددة بفرض عقوبات شديدة كانت مستعدة لتطبيقها. ظل ما إذا كانت أوكرانيا ستتخلى في النهاية عن هذا المطلب نقطة عدم يقين رئيسية مع بدء المحادثات المباشرة في إسطنبول بعد ظهر الجمعة. عندما خرج المفاوضون من مكان الاجتماع وواجهوا الصحافة، تركوا هذا السؤال دون إجابة. اتفق الطرفان على مواصلة المحادثات، لكن وقف إطلاق النار لا يزال مطروحًا على الطاولة – ربما كإجراء لحفظ ماء الوجه يبقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مشاركًا. من غير المرجح أن توافق روسيا على أي وقف لإطلاق النار حتى ترى مسارًا واضحًا نحو الاتفاق النهائي. لكن هدف لعبة وقف إطلاق النار كان واضحًا للغاية – خاصة لجمهورها المستهدف: إدارة دونالد ترامب. من الواضح أن وقف إطلاق النار يعمل ضد روسيا، التي تتمثل ورقتها التفاوضية الرئيسية في التقدم البطيء ولكن الثابت لقواتها على طول خط المواجهة الذي يزيد عن 1000 كيلومتر. كان المطلب الأوكراني والأوروبي مصممًا ليُرفض. الغرض الحقيقي منه هو إفشال المحادثات، ووضع ترامب في مواجهة بوتين، وإحياء الإستراتيجية طويلة الأمد المتمثلة في محاولة هزيمة روسيا من خلال مزيج من الدعم العسكري المعزز لأوكرانيا وفرض عقوبات اقتصادية جديدة على موسكو. هذه الإستراتيجية ليست جديدة، وقد كلفت أوكرانيا بالفعل الكثير على مدى السنوات الثلاث الماضية: فقدان أراضٍ شاسعة وبنية تحتية حيوية، ومقتل مئات الآلاف، ومغادرة 6.9 ملايين شخص، معظمهم من النساء والأطفال، البلاد، على الأرجح إلى الأبد. ردًا على ما تراه تلاعبًا، أرسلت روسيا وفدًا ذا مكانة سياسية أقل من المتوقع، لكنه يضم خبراء عسكريين ودبلوماسيين رفيعي المستوى قادرين على مناقشة جميع الجوانب الفنية لاتفاق محتمل. كانت رسالتها: موسكو مستعدة لمفاوضات جوهرية، إذا تجاوزت الإنذارات الشكلية. لم يتغير موقف روسيا بشأن ملامح التسوية منذ محادثات إسطنبول السابقة في ربيع عام 2022، عندما أصرت على أوكرانيا محايدة مع تحديد حجم جيشها. الاختلاف الوحيد الآن هو الأراضي؛ بموجب إطار عمل إسطنبول لعام 2022، كانت روسيا ستنسحب إلى خطوط الاتصال كما كانت قبل الغزو الشامل. الآن، تطالب بالأراضي التي تم الاستيلاء عليها منذ ذلك الحين، وتحتفظ بغموض إستراتيجي بشأن أجزاء من دونيتسك ولوهانسك وخيرسون وزابوريجيا التي لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية، وتستخدمها كورقة مساومة. منذ بدء الغزو الكامل، اعتبرت موسكو الاحتلال الإقليمي شكلًا من أشكال العقاب لما تراه تعنتًا أوكرانيًا. قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بصراحة يوم الخميس: "تنكمش الأراضي الأوكرانية في كل مرة ترفض فيها أوكرانيا المفاوضات". لكن الأراضي ليست الهدف الرئيسي للكرملين في أوكرانيا. الهدف المركزي هو رسم خط أحمر صارم ضد المزيد من التوسع العسكري الغربي بالقرب من حدوده، ومن هنا جاءت مطالبه بإعادة الوضع المحايد لأوكرانيا، وتقليص حجم قواتها المسلحة إلى الحد الأدنى. ومع ذلك، فإن موسكو منفتحة على فكرة انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي- ليس أقلها لأن هذا الاحتمال لا يزال غير مرجح للغاية، حيث ترى دول مثل بولندا وغيرها في أوروبا الشرقية أن القطاع الزراعي الأوكراني يشكل تهديدًا لاستقرارها الاقتصادي. بالنظر إلى الوضع الحالي في ساحة المعركة، لا يمكن أن تنتهي الحرب إلا بشروط روسية قاسية وغير عادلة كما قد تبدو، تؤكد المكاسب اليومية للقوات الروسية والخسائر الإقليمية البطيئة لأوكرانيا هذه النقطة. كل تأخير في محادثات السلام يؤدي إلى أوكرانيا أصغر. يتصرف بوتين كسياسي يمارس مناورة الشطرنج وبأقصى درجات الضغط التفاوضي حدة، تمامًا كما كان يفعل أولئك الذين أداروا سانت بطرسبرغ خلال سنواته السياسية التكوينية: كلما طال أمد مقاومتك، زادت فاتورتك. لكن التوصل إلى اتفاق بهذه الشروط سيكون صعبًا للغاية، على الأوكرانيين والأوروبيين، الذين تحملوا أيضًا تداعيات اقتصادية كبيرة من العقوبات المفروضة على روسيا. يطرح السؤال الحتمي: ما الذي قاتل ومات من أجله الأوكرانيون على مدى السنوات الثلاث الماضية؟ كان بإمكانهم تأمين صفقة أفضل بكثير بموجب اتفاقيات مينسك في عام 2015، أو حتى صفقة إسطنبول التي لم تنجح في عام 2022. ما أبقى أوكرانيا في القتال هو الوهم الذي غذاه المجمع الصناعي العسكري والعمليات النفسية على وسائل التواصل الاجتماعي بأن قوة نووية مثل روسيا يمكن هزيمتها بشكل حاسم. الخوف من أن يُكشف عنهم كمساهمين رئيسيين في معاناة أوكرانيا -إلى جانب روسيا- هو ما يدفع الآن السياسيين الأوروبيين إلى الاستمرار في تعميق الحفرة لأوكرانيا وقيادتها، بدلًا من الاعتراف (أو إعادة صياغة) الهزيمة في حرب، كما يقول الرئيس ترامب بحق، لم يكن ينبغي أن تحدث في المقام الأول. لكن جميع الأوراق تقريبًا مطروحة الآن على الطاولة. يتم التخلص من الأوهام واحدة تلو الأخرى. فكرة، طرحتها فرنسا والمملكة المتحدة، لنشر قوات الناتو في أوكرانيا تم التخلي عنها تقريبًا، لأنها ستصعد الصراع من حرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا. في غضون ذلك، يستعد الاتحاد الأوروبي لتقليل حصص التجارة المعفاة من الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية، والتي ساعدت في دعم اقتصاد أوكرانيا على مدى السنوات الثلاث الماضية. هذه علامة دالة على أن بروكسل لم تعد ترى استمرار الحرب كمسار واقعي للمضي قدمًا. أحد الجهود الأخيرة لتغيير مجرى الأحداث يجري في بحر البلطيق، حيث تحاول الدول الإسكندنافيّة ودول البلطيق فتح جبهة ثانية في حرب أوكرانيا من خلال استهداف ما يسمى بـ "أسطول الظل" الروسي – ناقلات النفط التي تساعد موسكو على التحايل على العقوبات الغربية. لكن المحاولة الأخيرة للصعود على متن إحدى هذه السفن انتهت بانتهاك طائرة مقاتلة روسية للمجال الجوي الإستوني – تحذير واضح لما قد يأتي بعد ذلك. الغرب غير مستعد لمواجهة مع روسيا، ناهيك عن الصراع النووي الذي من المؤكد تقريبًا أن يتبع. لكن لا يوجد نقص في الإستراتيجيات البديلة التي تحقق مكاسب للجميع. تقف أوكرانيا لتكسب أكثر من السلام بمجرد أن يتم ترسيخه بقوة. الخاسرون الحقيقيون سيكونون الطبقة السياسية والنخب الأمنية الذين استثمروا بكثافة في نتائج وهمية.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
كندا تعلق رسوما جمركية مضادة على الولايات المتحدة
علّقت كندا مؤقتا بعض الرسوم الجمركية المضادة التي فرضتها على الولايات المتحدة، ونفى وزير المال فرانسوا فيليب شامبين أمس الأحد تقارير تحدثت عن رفعها كاملة. وفرضت حكومة رئيس الوزراء الكندي مارك كارني رسوما جمركية مضادة على واردات بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة ردا على الرسوم الجمركية الأميركية على السلع الكندية. وانتخب كارني في 28 أبريل/نيسان الماضي على خلفية تعهده بمواجهة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وخلال الحملة الانتخابية مُنحت شركات صناعة السيارات مهلة شرط أن تحافظ على إنتاجها واستثماراتها في كندا. ورد ذلك في 7 مايو/أيار الجاري بالجريدة الرسمية للحكومة "كندا غازيت"، إلى جانب تعليق الرسوم الجمركية على المنتجات المستخدمة في معالجة وتغليف الأغذية والمشروبات، والصحة، والتصنيع، وأيضا المتعلقة بالأمن القومي والسلامة العامة. وذكرت مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس في تقرير هذا الأسبوع أن الإعفاءات شملت العديد من فئات المنتجات، لدرجة أن نسبة الرسوم الجمركية على الولايات المتحدة انخفضت فعليا إلى "ما يقارب الصفر". واستند زعيم المعارضة بيار بوالييفر إلى هذا التقرير الذي تناقلته وسائل إعلام على نطاق واسع، لاتهام كارني بـ"خفض الرسوم الجمركية الانتقامية بهدوء إلى ما يقارب الصفر من دون إخبار أحد"، ونفى شامبين صحة ذلك. وقال شامبين على منصة إكس "ردا على الرسوم الجمركية الأميركية أطلقت كندا أكبر رد على الإطلاق يشمل فرض رسوم جمركية بقيمة 60 مليار دولار على سلع للاستخدام النهائي، ولا يزال 70% من هذه الرسوم ساريا". وأكد مكتبه أن رد كندا على الرسوم الجمركية "كان مصمما للرد على الولايات المتحدة ، مع الحد من الضرر الاقتصادي على كندا". تعديل سلاسل التوريد وقالت أودري ميليت المتحدثة باسم شامبين إن الإعفاء من الرسوم الجمركية مُنح لمدة 6 أشهر، لإعطاء بعض الشركات الكندية "مزيدا من الوقت لتعديل سلاسل التوريد الخاصة بها وتقليل اعتمادها على الموردين الأميركيين". وأضافت أن كندا ما زالت تفرض رسوما جمركية على سلع أميركية بقيمة نحو 43 مليار دولار كندي (31 مليار دولار أميركي). وأمس الأحد، التقى كارني وجيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي في روما لمناقشة العلاقات التجارية بين بلديهما، بعد حضور القداس الافتتاحي للبابا ليو الـ14 في الفاتيكان. وبحسب بيان صادر عن مكتب كارني، ناقش المسؤولان "الضغوط التجارية والحاجة إلى بناء علاقة اقتصادية جديدة". وفي تصريح مقتضب، قال فانس إن الاجتماع ركز على المصالح والأهداف المشتركة للبلدين "بما في ذلك سياسات تجارية عادلة". وتوجه كندا البالغ عدد سكانها 41 مليون نسمة 3 أرباع صادراتها إلى الولايات المتحدة، ويُظهر أحدث تقرير للوظائف أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب تُلحق الضرر بالاقتصاد الكندي. وفرض الرئيس الأميركي رسوما جمركية بنسبة 25% على سلع كندا الواردة إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى رسوم على قطاعات محددة مثل السيارات والصلب والألمنيوم، لكنه علق بعضها في انتظار إجراء مفاوضات.