
تتار القرم... تاريخ من التقلبات السياسية والاجتماعية
كانت خانية القرم التي أُسست في القرن الخامس عشر دولة متعددة القوميات والمذاهب، عاش فيها: تتار القرم، واليهود القراؤون، والكريمشاك، والأوروم (أحفاد الهيلينيين)، وأحفاد القوط، والأرمن، وشينجن القرم (أو الأورمانشيلي). ونشأ في تلك الفترة نظام فريد من التوازن والتوافق والتسامح، أسهم في نشوء مجتمع قرمي مميز. واستندت السياسة الدينية والعرقية لخانية القرم إلى مبادئ الإسلام.
ايضاً شهد عصر خانية القرم ازدهاراً في ثقافة تتار القرم وفنونهم وأدبهم. وكان عاشق عمر الشاعر الكلاسيكي في شعر تتار القرم في ذلك العصر. أما أهم معلم معماري باقٍ من ذلك العصر فهو قصر الخان في باختشيساراي (عاصمة القرم في العصور الوسطى).
الامبراطورة كاترين الثانية (مجلة "هي")
طوال القرن الثامن عشر، أصبحت خانية القرم «ورقة مساومة» في اللعبة الجيوسياسية الشرسة بين تركيا وروسيا، وفي نهاية القرن وقعت في منطقة النفوذ الروسي. وعام 1783، نتيجة انتصار روسيا على الإمبراطورية العثمانية، احتلت روسيا القرم أولاً ثم ضمتها إليها. وشكّل هذا بداية حقبة سوداء في تاريخ تتار القرم.
وحقاً، شكلت حرب القرم انتهاكاً مباشراً لمعاهدة كوتشوك كاينارجا للسلام. رافق ضم القرم انتهاكات عديدة لحقوق وحريات السكان المحليين. كما وقع تقويض الدولة المستقلة لتتار القرم بقيادة شاجين جيراي.
تحول ضم الإمبراطورة الروسية كاترين الثانية لشبه الجزيرة إلى كارثة على السكان المحليين التتار؛ إذ طُردوا من أراضيهم التي صودرت، بما فيها أراضٍ كانت تحت تصرف المساجد. بل، وحوّل الروس مزارعي القرم الأحرار إلى أقنان، وهو ما أجبر مئات الآلاف من تتار القرم على الفرار واللجوء إلى الإمبراطورية العثمانية. «الحرب الثقافية» شُنت على تتار القرم بأمر من السلطات الإمبراطورية، فهُدمت المساجد والمقابر القديمة. وهكذا باتوا للمرة الأولى أقلية في وطنهم، وحل مكانهم المستوطنون الروس والأوكرانيون.
مع حلول بداية القرن العشرين كانت للحرب الأهلية في روسيا عواقب وخيمة على تتار القرم. فعام 1917، بعد «ثورة فبراير» انعقد أول كورولتاي (مؤتمر) لشعب تتار القرم، وأعلن مسار إنشاء جمهورية القرم الشعبية المستقلة متعددة الجنسيات. يومذاك قاد العملية نعمان جليبيدجيان، وهو سياسي وشخصية عامة وعضو في لجنة صياغة دستور جمهورية القرم الشعبية.
ومن ثم أقرّ مجلس النواب (الكورولتاي) مشروع الدستور الذي قدمته اللجنة، وأعلن تأسيس جمهورية القرم الشعبية، دافع نعمان جليبيدجيان عن المساواة بين جميع سكان شبه جزيرة القرم. وكتب: «مهمتنا هي بناء دولة مثل سويسرا. شعوب القرم باقة رائعة، وكل شعب يحتاج إلى حقوق وظروف متساوية، لأننا يجب أن نسير جنباً إلى جنب».
لكن «ثورة أكتوبر» في روسيا وصعود البلاشفة - الذين لم يعترفوا بحكومة تتار القرم - إلى السلطة، قوضا وجود جمهورية القرم الشعبية الناشئة. ويوم 26 يناير (كانون الثاني) 1918، بدأت وحدات البلاشفة المسلحة من سيفاستوبول عمليات عسكرية نشطة. أُطيح خلالها بحكومة تتار القرم، وانتهت بإعدام جليبيدجيان، ورمي جثته في البحر الأسود.
ولكن عام 1921، أسست جمهورية القرم السوفياتية الذاتية الحكم كجزء من جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية. وكانت اللغتان الرسميتان فيها هما الروسية وتتار القرم، وتألفت القيادة العليا بشكل رئيسي من تتار القرم. ولكن فترة الانتعاش القصيرة للحياة الوطنية، قمعها الزعيم البلشفي جوزيف ستالين عام 1937. ووفقاً لتعداد عام 1939، بلغ عدد تتار القرم في شبه جزيرة القرم 220 ألف نسمة نسمة، أي ما يعادل 20 في المائة فقط من إجمالي سكان شبه الجزيرة.
عام 1944، وبقرار من القيادة السوفياتية، تعرّض تتار القرم لترحيل عنيف وشامل من وطنهم التاريخي، وأُرسلوا إلى مناطق سوفياتية في آسيا الوسطى وسيبيريا وجبال الأورال. وكانت التهمة الموجهة لهم هي «التعاون مع نظام الاحتلال الألماني النازي» إبان الحرب العالمية الثانية. ووفقاً للبيانات الرسمية، رُحّل 193,865 فرداً من تتار القرم في تلك الحملة.
أيضاً، لأكثر من 50 سنة، حُذف اسم «تتار القرم» من الاستخدام العلمي والقانوني. وغُيرت جميع أسماء المواقع الجغرافية التي تشير إلى صلتها بتتار القرم، وفرضت حظراً على دراسة اللغة التتارية، وتطوير التقاليد الثقافية والوطنية.
لكن، عام 1989، أقرّ المجلس الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية بأن الترحيل «غير قانوني». وكان ذلك أول اعتراف رسمي بعد عقود من الاحتجاز القسري لتتار القرم في المنفى، سبق ذلك تاريخ طويل من النشاط السري المحاط بالمخاطر.
وابتداءً من عام 1967، بدأت أولى عائلات تتار القرم بالعودة إلى شبه الجزيرة في عمليات بطيئة وغير متسقة. وبين عامي1967 و1977، لم تستقر سوى 577 عائلة فيها.
بعدها بين تعدادي 1979و1989، زيادة عدد تتار القرم في شبه الجزيرة بمقدار 33 ألف نسمة وخلال 1989 عاد نحو 30 ألف شخص إضافي، وعموماً بلغت عمليات العودة إلى الوطن ذروتها في عامي 1990 و1991، عندما انتقلت نواة تتار القرم العرقية، التي كانت موزعة في أرجاء الاتحاد السوفياتي إلى شبه الجزيرة. وبحلول نهاية عام 1991 تجاوز العدد 150 ألفاً، وبات هؤلاء تلقائياً مع تفكك الدولة السوفياتية مواطنيين أوكرانيين.
ولقد كان الإرث التاريخي الثقيل في العلاقة مع روسيا أحد أسباب اصطفاف تتار القرم إلى جانب حكومة أوكرانيا ضد ما عدوه «غزواً روسياً جديداً» لوطنهم التاريخي عام 2014.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ 40 دقائق
- العربية
"إيروفلوت" الروسية تلغي 40 رحلة بسبب عطل أرجعه قراصنة لعملية اختراق
ألغت شركة الطيران الروسية "إيروفلوت" عشرات الرحلات، يوم الاثنين، بعد ما وصفته بعطل في أنظمتها المعلوماتية، وأعلنت مجموعة قرصنة مبهمة مسؤوليتها عما قالت إنه هجوم إلكتروني مُشل لسير العمل. ولم تُقدم شركة الطيران الوطنية مزيدًا من التفاصيل حول سبب المشكلة أو المدة التي سيستغرقها حلها. وجاء في بيان يُزعم أنه صادر عن مجموعة قرصنة تُدعى "سايلنت كرو" (Silent Crow) أن المجموعة نفذت العملية بالتعاون مع مجموعة بيلاروسية تُدعى "سايبربارتيزانز بي واي" (Cyberpartisans BY,)، وربط البيان الهجوم بالحرب في أوكرانيا، بحسب "رويترز". وسبق أن أعلنت "سايلنت كرو" مسؤوليتها عن هجوم على قاعدة بيانات عقارية روسية في يناير الماضي. وقالت "إيروفلوت" إنها ألغت أكثر من 40 رحلة بعد الإبلاغ عن عطل في أنظمتها المعلوماتية. ومنذ أن بدأت روسيا الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، اعتاد المسافرون في روسيا على اضطرابات الرحلات الجوية. ومع ذلك، عادةً ما كانت هذه التأخيرات ناجمة عن إغلاق مؤقت للمطارات بعد هجمات بطائرات مسيرة. وقالت "إيروفلوت" إن "المتخصصين يعملون حاليًا على تقليل التأثير على جدول الرحلات واستعادة عمليات الخدمة الطبيعية". ونشرت الشركة على تطبيق تليغرام قائمة بأكثر من 40 رحلة ملغاة إلى وجهات في جميع أنحاء روسيا، بالإضافة إلى العاصمة البيلاروسية مينسك والعاصمة الأرمينية يريفان. وحثت "إيروفلوت" المسافرين الذين أُلغيت رحلاتهم من مطار شيريميتيفو في موسكو على استعادة أمتعتهم المسجلة والمغادرة. وذكر إعلام محلي أن هناك فوضى في المطار، حيث اصطف الركاب في طوابير طويلة للخروج. وجاء في البيان الصادر باسم "سايلنت كرو" أن الهجوم الإلكتروني كان ثمرة عملية استمرت عامًا كاملًا، حيث تمكنت العملية من التغلغل بعمق في شبكة "إيروفلوت"، ودمرت 7,000 خادم، وسيطرت على الحواسيب الشخصية لموظفين بينهم مديرون كبار. ولم يقدم البيان أي دليل على هذه الادعاءات. وهدد البيان بالبدء قريبًا في نشر "البيانات الشخصية لجميع الروس الذين سبق لهم السفر جوًا مع إيروفلوت". ولا تزال "إيروفلوت" من بين أكبر 20 شركة طيران عالميًا من حيث عدد المسافرين رغم العقوبات المفروضة على روسيا. وفي عام 2024، بلغ عدد ركاب مجموعة إيروفلوت 55.3 مليون مسافر، وفقًا لموقع الشركة الإلكتروني.

العربية
منذ 5 ساعات
- العربية
تسيير أولى الرحلات الجوية المباشرة بين موسكو وبيونغ يانغ منذ عقود
أعلنت السلطات الروسية أن روسيا ستبدأ، الأحد، تسيير رحلات جوية مباشرة للركاب من موسكو إلى بيونغ يانغ، عاصمة كوريا الشمالية، في إطار سعي البلدين، الحليفين السابقين في الكتلة الشيوعية، إلى تعزيز العلاقات بعد غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022. وتُعد هذه الخطوة أول تشغيل منتظم للرحلات بين العاصمتين منذ منتصف التسعينيات، وفقًا لمدونات طيران روسية، وذلك بعد استئناف خدمة السكك الحديدية للركاب بين موسكو وبيونغ يانغ في يونيو/حزيران، وهي رحلة تستغرق عشرة أيام. ومن المقرر أن تغادر أول رحلة من مطار شيريميتيفو الساعة السابعة مساءً (16:00 بتوقيت غرينتش)، وفقًا لجدول الرحلات في المطار، وفقا لـ"رويترز". وذكرت وكالة الأنباء الروسية الرسمية، الأحد، أن الرحلة، التي تستغرق ثماني ساعات، ستتم بطائرة من طراز "بوينغ 777-200 إي آر" بسعة 440 راكبًا، مشيرة إلى أن أسعار التذاكر تبدأ من 44,700 روبل (563 دولارًا)، وأن تذاكر الرحلة الأولى نُفدت سريعًا. وقد منحت هيئة الطيران المدني الروسية (روسافياتسيا) شركة "نوردويند إيرلاينز" إذنًا لتسيير رحلات بين موسكو وبيونغ يانغ بمعدل رحلتين أسبوعيًا. وأوضحت وزارة النقل في بيان أن الرحلات ستُسير مبدئيًا مرة واحدة شهريًا "بهدف بناء طلب مستقر". وتُعد هذه الرحلة الجوية أول خط طيران مباشر منتظم بين روسيا وكوريا الشمالية، إذ كان الخط الجوي الوحيد القائم يتمثل في رحلات شركة "إير كوريو" الكورية الشمالية إلى مدينة فلاديفوستوك في أقصى شرق روسيا، بمعدل ثلاث رحلات أسبوعيًا. وتتهم أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون كوريا الشمالية بتزويد روسيا بالمدفعية والصواريخ الباليستية، بينما تنفي كل من موسكو وبيونغ يانغ هذه الاتهامات.


الرياض
منذ 6 ساعات
- الرياض
بعد هجمات روسية على أوكرانياإقلاع طائرات بولندية وأخرى تابعة لحلفاء لحماية المجال الجوي
قالت القيادة العملياتية للقوات المسلحة البولندية اليوم الاثنين إن طائرات بولندية وأخرى تابعة لحلفاء أقلعت بشكل عاجل لحماية المجال الجوي البولندي، بعد أن شنت روسيا هجمات صاروخية استهدفت غرب أوكرانيا قرب الحدود مع بولندا. وأضافت القيادة في بيان "جرى إقلاع الطائرات التابعة لنا ولحلفائنا منذ الساعات الأولى من صباح اليوم. هذا النشاط قد يؤدي إلى زيادة ملحوظة في حركة الطيران في أجواء المنطقة، وقد يُسمع صوت الطائرات." وفي تمام الساعة 01:30 بتوقيت جرينتش، كانت صفارات الإنذار تدوي في معظم أنحاء أوكرانيا للتحذير من هجمات روسية بالصواريخ والطائرات المسيرة.