
د. رعد محمود التل : هي حرب "استنزاف اقتصادي" أيضاً (2-2)
أخبارنا :
تدخل الحرب بين إيران ودولة الاحتلال مرحلة غير مسبوقة من التصعيد، تتجاوز حدود المواجهة العسكرية إلى صراع استنزاف اقتصادي واسع النطاق، يمتد أثره إلى ما هو أبعد من حدود الجغرافيا. فهذه الحرب، التي تدور في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية لإمدادات الطاقة والتجارة العالمية، لا تقتصر كلفتها على الجبهات القتالية، بل تُلقي بظلال ثقيلة على الأسواق، والنمو، والاستقرار المالي، وميزانيات الدول. وفي ظل التداخل بين الجغرافيا الاقتصادية والسياسة الإقليمية، يبدو أن هذه المواجهة ستعيد رسم التوازنات في المنطقة، وقد تشعل سلسلة من الأزمات في أسعار الطاقة والتضخم والاستثمار، لا تمس أطراف النزاع وحدهم، بل تمتد إلى الاقتصاد العالمي بأسره.
فكلفة الحرب تقدر بين إيران ودولة الاحتلال بنحو مليار دولار يوميًا لكل طرف، ومع استمرارها لفترة أطول قد تصل لكلف عالية جدا (الكلفة الإجمالية 150 مليار دولار لثلاثة شهور يعادل تقريبًا36% من الناتج المحلي لإيران وربع الناتج المحلي لدولة الاحتلال)، ما يعني أن الحرب لا يمكن أن تستمر دون أن تترك أثراً عميقاً طويل الأمد في الاقتصادين. في المقابل، تبقى أسواق النفط هادئة نسبيًا رغم وقوع الحرب في منطقة مسؤولة عن 30% من إنتاج النفط العالمي و17% من إنتاج الغاز. فقد استقر سعر برميل النفط عند 74 دولارًا تقريباً، وهو ما يعكس استقرار العرض من دول مثل السعودية والإمارات وروسيا، ويقلل من تأثير الحرب على المدى القصير. لكن، إذا ما تطورت المواجهة إلى تعطيل طرق الملاحة في مضيق هرمز أو استهداف منشآت نفطية في الخليج، فإن الأسواق ستواجه اضطرابًا كبيرًا، مما قد يدفع الأسعار إلى مستويات تتجاوز 100 دولار، ويؤثر على النمو العالمي.
بالنسبة للغاز الطبيعي، فالتطورات الأخيرة تشير إلى أن هذه الحرب قد تتسبب في اندلاع أزمة غاز عالمية، خصوصًا في أوروبا. فقد ارتفعت أسعار الغاز هناك بنسبة تقارب 15%، بما يعادل 4 دولارات إضافية لكل مليون وحدة حرارية. وتلوح في الأفق تحذيرات من أن الأسعار قد تقفز إلى 25 دولارًا في حال تعطّل مرور الغاز عبر مضيق هرمز، وهو ما قد يضع أوروبا أمام أزمة طاقة حادة خلال ذروة الشتاء المقبل. فمنذ وقف الاعتماد على الغاز الروسي، باتت أوروبا تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي المسال القادم من دول الخليج، والذي يمر معظمه عبر المضيق. أما على مستوى التخزين، فلا تبدو الأوضاع مطمئنة، إذ لا تتجاوز مستويات تخزين الغاز في ألمانيا – أكبر اقتصاد أوروبي – نسبة 49% فقط، وهي نسبة مقلقة إذا استمرت الاضطرابات الجيوسياسية.
إيران تنتج سنوياً نحو 275 مليار متر مكعب من الغاز تصدر منه كميات محدودة بسبب العقوبات، وأبرز الصادرات الايرانية تتجه الى تركيا والتي استوردت نحو 7 مليارات متر مكعب العام الماضي، وبالتالي أي اضطراب في هذه الامدادات سيدفع باتجاه زيادة المنافسين على الطلب في سوق الغاز العالمي. اما بالنسبة للغاز الطبيعي الذي يتم ضخه الى الاردن ومصر من حقول الغاز البحرية والذي انخفض انتاجها بنحو الثلث مع بدء الحرب ما يخلق فجوة جديدة في إمدادات الشرق الاوسط.
ويقدر تقرير البنك الدولي (أبريل 2025) أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستحقق نموًا بنسبة 2.6% هذا العام، على أن ترتفع إلى3.7% في 2026 و4.1% في 2027، مستفيدة من زيادة الإنتاج النفطي والتوسع في الاستثمارات. لكن استمرار الحرب قد يقلب هذه التوقعات، ويؤدي إلى تباطؤ النمو في الدول غير النفطية وارتفاع كلفة التأمين والنقل، وتأجيل مشاريع استثمارية ضخمة في قطاعات مثل اللوجستيات والطاقة والتكنولوجيا.
التحليل الاقتصادي يُظهر بوضوح أن الحرب بين إيران ودولة الاحتلال تُضعف الطرفين وتفرض عليهما كُلفة عالية لا يمكن تعويضها بسهولة، سواء على مستوى المالية العامة أو استقرار الأسواق أو ثقة المستثمرين. ففي الوقت الذي يعتمد فيه كل طرف على أدواته الاستراتيجية (إيران عبر الجغرافيا والطاقة، ودولة الاحتلال عبر التقنية والدعم الغربي)، إلا أن كليهما يتحرك ضمن هامش ضيق جدًا من المناورة، بسبب الضغوط الاقتصادية المتراكمة.
ومع أن اقتصاد دولة الاحتلال يظهر تنوعًا وقدرة على الصمود على المدى القصير، فإن هشاشة الوضع الأمني والضغط على البنية الاجتماعية قد ينتج عنها ارتدادات طويلة الأمد. وفي المقابل، تبدو إيران غارقة في مزيج من العقوبات والتضخم وفقدان البدائل، تجعل من استمرار الحرب تهديدًا مباشرًا لاستقرارها الداخلي!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جهينة نيوز
منذ 30 دقائق
- جهينة نيوز
في قلب التصعيد ... النفط يتراجع والأسهم تصعد!
تاريخ النشر : 2025-06-23 - 09:34 pm في قلب التصعيد ... النفط يتراجع والأسهم تصعد! الأنباط - عمر الخطيب في مفارقة لافتة، تراجعت أسعار النفط بشكل حاد مساء اليوم، رغم التصعيد الجيوسياسي الخطير إثر الهجوم الإيراني على قاعدة "العديد" الأميركية في قطر، والذي كان يُتوقع أن يشعل الأسعار. فقد انخفضت العقود الآجلة لـ خام برنت بنسبة 5.7% لتسجل نحو 72.6 دولارا للبرميل، فيما هبط خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 5.8% إلى 69.6 دولار، وذلك حتى الساعة 9:55 مساءً بتوقيت دبي، بحسب بيانات "بلومبيرغ". ويأتي هذا الهبوط المفاجئ في وقت ارتفعت فيه مؤشرات الأسهم الأميركية، ما يعكس اضطرابا في حركة الأسواق وتوقعات المستثمرين حيال التطورات الجيوسياسية وسيناريوهات الإمدادات. تابعو جهينة نيوز على


العرب اليوم
منذ 34 دقائق
- العرب اليوم
العروبة الجديدة مجددًا!
يبدو أن الأخبار السارة فى بلادنا لا تفرح؛ وكثيرا ما تستبعد لكى يحل محلها الكثير من النميمة التى يجرى صياغتها فى عبارات «التوتر المخفى»، و«سباق اللقطة» والتنافس على «المنظر» ومن هو صاحب «النفوذ الإقليمى» المؤثر! الغريب أن ذلك يحدث فى وقت لم يعد فيه الإقليم مكافأة لأحد لأنه يعبر عن حالة من الثْقَل الاستراتيجى، وبقايا «الربيع العربى» المغدور؛ وحالة من التمزق والقلق والحروب الأبدية وتعرض الدول لأشباح الميليشيات التى دخلت من باب «المقاومة والممانعة» الذى يهدد الدول ويبدد الموارد ولا يحقق لا حرية ولا تعمير. «الخبر السار» وسط ذلك كله هو الاتفاق المصرى السعودى على إنشاء خط «القطار السريع» من شرم الشيخ المصرية إلى رأس الشيخ حامد السعودية مارا بجزيرة تيران من خلال جسر يربط بين آسيا وإفريقيا وما يربطهما من عرب. من الناحيتين «الجيوسياسية» و«الجيو اقتصادية» لا يختلف المشروع عن إنشاء «نفق المانش» أسفل القناة الإنجليزية رابطا بريا بين إنجلترا وفرنسا. كان النفق جزءا من المشروع الأوروبى للتكامل والاندماج والتواصل الجغرافى الذى استمر بوسائل كثيرة رغم الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى. القطار السريع والجسر العربى أو جسر الملك سلمان كما سمى من قبل إبان حزمة كبيرة من المشروعات التى اتفق عليها أثناء زيارة الملك لمصر عام ٢٠١٧. التكلفة تبلغ ٤ مليارات دولار، ويغطى الجسر ما بين ٧ و١٠ كيلومترات. الخبر لم يلق اهتماما كبيرا من وسائل إعلامية أدمنت اعتبار الأخبار الاقتصادية جزءا من «السياسات الدنيا» فى الأخبار والتعليقات؛ وهى أقل شأنا من «السياسات العليا»، حيث المذابح دائرة والاهتمامات بحركة المعارك جارية. ومع ذلك فإن ما يحدث داخل الدول العربية مهما كان تهافت التغطية الإعلامية لكل ما هو «جيو اقتصادى»، بينما هو فى النهاية ما سوف يعنى التأثير فى كل ما هو «جيو سياسى» و«جيو استراتيجى» أيضا. الخطوة لا تقف وحدها فى الساحة، وإنما هى شبكة من السياسات التى تربط ولا تفك وتكمل ولا تقسم، ومنها الشبكة الكهربائية التى تضمن الدوام الكهربى مهما كانت فروق التوقيت. هى المعبرة أيضا عن ثورة القطارات السريعة فى البلدين التى تشمل تحت الإنشاء فى مصر شبكة قطارات كهربائية سريعة بطول ٢٠٠٠ كيلومتر و٦٠ محطة تربط ما بين طابا والعريش، وما بين العلمين والعين السخنة. وفى السعودية يمتد قطار الحرمين السريع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ويعمل بسرعة تصل إلى ٣٠٠ كم/ ساعة. سياسة ربط الشبكات أولا تعبر عن المسار الإيجابى الذى تسير فيه رؤى ٢٠٣٠ المصرية والسعودية وما يقدمه الإعمار السعودى فى المنطقة الشرقية فى المملكة خاصة منطقة الشمال الغربى ومحافظة العلا التى تتلامس مع التوجه التنموى المصرى تجاه سيناء والشمال الشرقى. الحركة الجارية فى مجال النقل والمواصلات وبناء المدن لا تعبر الصحراوات فحسب وإنما تنقل البشر وتقرب المصالح وتخلق الدوافع نحو شكل من أشكال العروبة الجديدة ذات الطبيعة الإنتاجية. التقارب على هذا النحو له عوائده ووعوده بالنسبة للحركة السياحية والتجارية والإنتاجية عامة ليس فقط بين البلدين، وإنما بما يبشر به فور استقرار الأوضاع السياسية فى المشرق العربى من تدفقات فى اتجاه الشرق والغرب. وبينما التجارة المصرية السعودية قد زادت بنسبة ٢٩٪ خلال عام ٢٠٢٤، فإن امتداد الخطوط السريعة بين طابا والإسكندرية يدخل السعودية إلى قلب البحر الأبيض المتوسط. حركة القطارات السريعة تكمل شبكات أخرى منها خط «سوميد» الذى ينقل البترول من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط؛ ويكمل ستة أنفاق عظمى أسفل قناة السويس لا تكفل فقط التكامل بين الدلتا وسيناء فى مصر؛ وإنما أكثر من ذلك تفتح بابا واسعا للصادرات السعودية إلى أكبر أسواق العالم العربى فى وادى النيل. ويظهر ذلك فى حركة البشر والمنتجات، ويؤثر بشدة فى المناخ الاستثمارى بين البلدين وأكثر من ذلك بين مصر ومنطقة الخليج كلها، والسعودية وأوروبا. والواقع الآن أنه تعد الاستثمارات من الجوانب الحيوية فى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث بلغت قيمة الاستثمارات السعودية فى مصر نحو ٢٦ مليار دولار بعدد تجاوز الـ٨ آلاف شركة، فيما بلغت قيمة الاستثمارات المصرية فى السعودية نحو ٤ مليارات دولار بعدد فاق الـ٣ آلاف شركة. التكامل ما بين القدرة الاستثمارية السعودية والقدرة السوقية المصرية يشكل سوقا أوسع للاستهلاك والتكامل الصناعى والسياحى، وبابا واسعا نحو السيطرة العربية فى البحر الأحمر والدخول إلى عالم إفريقى واسع. هل آن الأوان الآن للإعلام العربى، خاصة المصرى والسعودى، لكى يبدأ طريقا آخر ينظر بتركيز واهتمام للأخبار السعيدة ونتائجها!.

سرايا الإخبارية
منذ ساعة واحدة
- سرايا الإخبارية
العقود الآجلة للخام الأميركي تهوي أكثر من 3 دولارات
سرايا - هوت العقود الآجلة للخام الأميركي، الثلاثاء إلى أدنى مستوى لها في أكثر من أسبوع بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاتفاق على وقف لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل، مما يهدئ المخاوف من تعطل للإمدادات في المنطقة. وانخفض سعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 3.05 دولار، أي 4.45%، إلى 65.46 دولار للبرميل، بعد أن سجل أدنى مستوى له منذ 11 حزيران في وقت سابق من الجلسة. وانخفض العقد بأكثر من 7% عند التسوية في الجلسة السابقة. أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين أن وقف إطلاق نار "كاملا وشاملا" بين إسرائيل وإيران سيدخل حيز التنفيذ، بهدف إنهاء التصعيد العسكري بين الجانبين. وأطلقت إسرائيل فجر الجمعة 13 حزيران 2025، هجوما واسع النطاق على إيران استهدف مواقع عسكرية ونووية؛ وأسفر عن مقتل قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين، مؤكدة امتلاك معلومات استخباراتية تفيد بأن البرنامج النووي الإيراني شارف على "نقطة اللاعودة". وردّت إيران التي تنفي نيتها تطوير أسلحة نووية، بإطلاق عشرات الصواريخ على إسرائيل، مؤكدة استهداف منشآت عسكرية. وفي 22 حزيران 2025، نفذ الجيش الأميركي "هجوما ناجحا جدا" على 3 مواقع نووية إيرانية، بينها منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض. وأعلنت إيران الاثنين 24 حزيران، استهداف قاعدة العديد في قطر بهجوم صاروخي ردا على استهدافالمواقع النووية الإيرانية، بينها منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض.