logo
تعلَّموا من إستونيا

تعلَّموا من إستونيا

شبكة النبأمنذ يوم واحد

المفارقة أن المواطن في (إستونيا) لا يقوم بزيارة المؤسسات؛ بل هي التي تزوره. وهو لا يملأ النماذج بنفسه؛ بل تُملأ له. لا يحتفظ بالأوراق؛ بل يُسجل كل شيء على خوادم الدولة. إنها أمةٌ بلا ورق، كما وصفتها الأمم المتحدة، ليس مطلوبًا من المواطن أن يُثبت للدولة هويته؛ إذ إن الدولة تعرفه بالفعل...
هل سمعتم بتلك الدولةِ الصغيرة التي همَّشتها الخرائط وغفل عنها نظر الناظرين؟ إنها دولة لا يُذكر اسمُها في أناشيد الفخر والمُباهاة، ولا تلمع صورتها في إعلانات السياحة الفخمة. هي هناك، في أقصى الشمال الأوروبي، ميكرو دولة تدعى (إستونيا) لكنها مخبأة كلؤلؤةٍ في محارة لا تراها جغرافيا البحر. ورغم ذلك تعيد لنا رونقها تكنولوجيا العصر وترفع ذكرَها، وتُعلي من شأنها.
إنها ليست مدينة الأضواء؛ بل مدينة الذكاء. لقد تفوَّقت رقميًّا على مدنٍ تسوّق نفسَها لنا يوميًّا، ولم تحتَجْ إلا إلى عقلٍ حر، وشبكة عنكبوتية، وقرار وطني لا تكتبه الطوائف. إنها دولة بالكاد تُرى على خريطة العالم؛ لم تختَر الحرب، ولا النفط، ولا مصانع الحديد؛ بل اختارت أن تصبح أول جمهورية رقمية في التاريخ وكان ذلك عام (1991)، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
بدأت من الصفر؛ دون بِنيةٍ تحتية، أو نظمٍ مالية متطورة، أو حتى شبكة هاتف قوية. ومع ذلك، قررت اتخاذ خطوةٍ ثورية: أن تُبنى كدولةٍ رقمية منذ اليوم الأول.
اليوم، في (إستونيا)، تُجرى 99 بالمئة من الخدمات الحكومية عبر الإنترنت؛ مما يجعل المواطن كأنه «شيفرة متحركة»، تتفاعل مع الدولة بشكلٍ لحظي، ودون الحاجة للأوراق أو البيروقراطية، يمكنه التصويت في الانتخابات، وتسجيل الزواج، وفتح الشركات، والحصول على وصفات الطبيب.
يمتلك كل مواطن إستوني بطاقة هوية رقمية ذكية، تُتيح له التوقيع الرقمي، والوصول إلى ملفه الطبي، وإدارة أعماله، ودفع الضرائب، وحتى التصويت في الانتخابات وهو جالس على الأريكة في منزله. هذه البطاقة ليست مجرد وثيقة؛ بل إنها أضحت نقطة الدخول إلى الدولة ذاتها.
المفارقة أن المواطن في (إستونيا) لا يقوم بزيارة المؤسسات؛ بل هي التي تزوره. وهو لا يملأ النماذج بنفسه؛ بل تُملأ له. لا يحتفظ بالأوراق؛ بل يُسجل كل شيء على خوادم الدولة. إنها أمةٌ بلا ورق، كما وصفتها الأمم المتحدة.
ليس مطلوبًا من المواطن أن يُثبت للدولة هويته؛ إذ إن الدولة تعرفه بالفعل. «المواطن لا يخدم الدولة؛ بل الدولة هي التي تخدم المواطن من خلال الخوارزميات»، فهو يمتلك أقوى بنية تحتية رقمية.
في عام (2005)، أحدثت (إستونيا) ضجة عالمية، حينما أصبحت أول دولة في التاريخ تسمح بالتصويت الإلكتروني الكامل. لم يكن ذلك تصويتًا تجريبيًّا؛ بل انتخابات وطنية حقيقية؛ حيث يُمكن للناخب الإدلاء بصوته من خلال حاسوبه.
رغم أن (إستونيا) لا تمتلك مواردَ طبيعيةً ضخمة؛ فإنها استطاعت أن تصدِّر برمجيات تفوق -في كميتها- ما تستورده من بضائع. فقد أوجدت بيئة فريدة تحتضن ريادة الأعمال التكنولوجية؛ مما جعلها تُلقَّب بـ «أرض الشركات الناشئة».
لا أدري هل سمعتم بهذه المعلومة أم لم تسمعوا بها من قبل: ذلك السكايب (Skype) وُلِدَ في (إستونيا)، حيث قام ببنائه فريقٌ إستوني، ثم باعوه لشركة [مايكروسوفت] مقابل 8.5 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، لديهم منصة التحويلات المالية الدولية «ترانسفير وايز» التي تُعرف اليوم باسم «وايز» (Wise)، والتي أسسها شابان من (إستونيا). وهي تُعد اليوم واحدةً من أنجح الشركات المالية الرقمية في العالم، وتُقَدَّر قيمتها السوقية بأكثر من عشرة مليارات دولار.
وهناك أيضًا «بولت» (Bolt)، المنافس الأوروبي الشرس لـ»أوبر»، والذي انطلق من شوارع تالين الصغيرة في (إستونيا)، ليغزو اليوم طرقات عشرات الدول حول العالم، وتُقدَّر قيمته السوقية بأكثر من ثمانية مليارات دولار.
اليوم، تشكل الصناعات الرقمية أكثر من 15بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لإستونيا، حيث تُقدَّر صادرات الخدمات الرقمية بأكثر من ثلاثة مليارات يورو سنويًّا، في دولةٍ لا يتجاوز عدد سكانها مليوناً ونصف المليون نسمة.
تُعد هذه الدولة هي الأولى في العالم التي تنقل نُسخًا من بياناتها الوطنية إلى خارج حدودها، وتؤسس سفاراتٍ رقمية، وأشهرها في لوكسمبورغ؛ حيث يتم تخزين نسخة احتياطية -كاملة-من كل شيء: بدءاً من سجلات المواليد، وصولاً إلى ملفات الأمان.
أصبح المعلمون في إستونيا أصدقاءً للبرمجيات، بدلاً من أن يكونوا خصومًا لها، حيث تُعد المدرسة بيئة (حاضنة) للتفكير الحاسوبي والريادة التكنولوجية، لذلك تقوم إستونيا بتعليم أطفالها البرمجة منذ سن السابعة، أي منذ الصف الأول الابتدائي.
لم تكن (إستونيا) بحاجة إلى مساحةٍ واسعة، ولا إلى نفط، ولا إلى جيوش ضخمة؛ فقد كانت تعرف أن سلاح القرن ليس هو الرمح أو الرصاص؛ بل هي البيانات، والخوارزميات، والعقول المدرَّبَة على التفكير الرقمي.
في (إستونيا)، لا تُوجد مدرسة للزعامة؛ يتخرّج فيها المالكي والعامري وعلاوي والحلبوسي والمشهداني والحكيم والسامرائي والجعفري…. وغيرهم!. لا تُوجد مقاعد محجوزة للعشائر، ولا تُوزع الحقائب بناءً على أساسٍ طائفي. هناك، لا يُصرّ البرلمان على التلاعب بالدستور، كما لا تُدار البلاد من خلال تطبيقات «الترضية الطائفية»!
في (إستونيا)، الكراسي لا تُورَّث، والخطابات لا تُنقَّح على يد مستشارين طائفيين؛ لأنهم -ببساطة- تركوا القيادةَ للتكنولوجيا، والولاءَ للكفاءة، والصوتَ للمواطن؛ لذا نهضت البلاد؛ لأنها لم تتورَّط في تمجيد الجهل والغيبيات، ولم تكن بحاجة إلى فتوى لتبيح استخدام الإنترنت.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بعد فقدان 42 ألف دولار من خرينة المرفأ… التحقيق مع مسؤولَين
بعد فقدان 42 ألف دولار من خرينة المرفأ… التحقيق مع مسؤولَين

الديار

timeمنذ 34 دقائق

  • الديار

بعد فقدان 42 ألف دولار من خرينة المرفأ… التحقيق مع مسؤولَين

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب صدر عن المديريّة العامّة لأمن الدولة – قسم الإعلام والتوجيه والعلاقات العامّة، البيان الآتي: حرصًا منها على مكافحة الفساد وصون المال العام، أوقفت المديرية العامة لأمن الدولة – مكتب مرفأ بيروت، مسؤولَين في المرفأ بعد توفر معطيات عن فقدان مبلغ 42 ألف دولار أميركي من الخزينة العامة بدل إيجارات. وخلال التحقيقات، أقرا بتحمّلهما المسؤولية الإدارية عن ضياع المبلغ. أجري المقتضى القانوني بحقهما بناء لإشارة القضاء المختص، وأُلزما بإعادة المبلغ إلى الخزينة العامة.

أسرار تكشف للمرة الاولى.. هذا ما تفعله الشركة الموزعة لمساعدات غزة
أسرار تكشف للمرة الاولى.. هذا ما تفعله الشركة الموزعة لمساعدات غزة

بيروت نيوز

timeمنذ 36 دقائق

  • بيروت نيوز

أسرار تكشف للمرة الاولى.. هذا ما تفعله الشركة الموزعة لمساعدات غزة

نقص الموظفين فيما قالت 'مؤسسة غزة الإنسانية' إن العمليات عادت إلى طبيعتها بعد الحادثة. لكن العديد من الانتقادات وجهت إلى 'سيف ريتش سوليوشنز' شركة الأمن الأميركية الخاصة المولجة تقديم المساعدات على الأرض، بسبب نقص الموظفين وعدم الاستعداد لمهمة معقدة كهذه، وفق ما أفادت صحيفة 'وول ستريت جورنال'. فماذا نعرف عن تلك الشركة؟ كشفت مراسلات داخلية أن شركة 'سيف ريتش سوليوشنز' (SRS)، تقوم أيضًا بمهام عسكرية استخباراتية بحتة، حسب ما نقلت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' كما بينت أن من مهامها تشغيل حواجز الطرق، وجمع ومعالجة البيانات البصرية من الكاميرات والطائرات المسيرة والأقمار الصناعية الإسرائيلية، واستخدامها لتحديد هوية عناصر حماس والأفراد المسلحين. كذلك أشارت المصادر إلى أنها تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لمثل هذا العمل الاستخباراتي، ومن المتوقع أن تعتمد على المعلومات التي يقدمها الجيش الإسرائيلي. وقد ألمحت تحقيقات نشرتها صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست هذا الأسبوع إلى أن إسرائيل تقف وراء مبادرة توزيع الغذاء في غزة – وهي مبادرة تشارك فيها SRS بشكل رئيسي – وأنه اتُخذت خطوات لإخفاء هذه الحقيقة. حملة توظيف عاجلة في حين أطلقت شركة SRS خلال الأيام الماضية حملة توظيف عاجلة في الولايات المتحدة من أجل استقطاب أفراد استخبارات ذوي خبرة في تحليل الصور. وفي محادثات داخلية، وصف موظف في الشركة التي تأسست أواخر عام 2023 – بأنها تعمل حصريًا في غزة. وقال إن الشركة تنمو بسرعة، وقارن ثقافتها بثقافة الشركات الناشئة، وهو وصف غير مألوف لشركة مُكلفة بمهمة حساسة وخطيرة كهذه. كما أضاف قائلا: 'نحن نركز على المساعدات الإنسانية والدعم اللوجستي، إلى جانب العديد من الجوانب الأمنية – مثل ضمان عدم تهريب حماس للأسلحة إلى مناطق محددة'. إلى ذلك، تبين أن شركة SRS التي أرسلت بالفعل عددًا من موظفيها إلى إسرائيل، تعمل على توظيف العشرات منهم بشكل عاجل، مع خطط لإرسالهم في أقرب وقت ممكن إلى غزة. ووفقًا لإعلانات التوظيف، يُشترط أن يكون المرشحون مواطنين أميركيين، وأن يلتزموا بالانتشار لمدة ثلاثة أشهر مع خيار التمديد إلى ستة أشهر، وأن تكون لديهم خبرة سابقة في أدوار استخباراتية ذات صلة أو في وحدات قتالية. فيما من المتوقع أن يعمل معظم المجندين داخل غزة أو من مراكز في بئر السبع، أو عسقلان، أو كرم أبو سالم، أو أشدود. كما سيتم تأمين كل دخول وخروج من غزة بتأمين مشدد من قِبل عسكريين سابقين، وفقًا لبيانات داخلية. عسكريون سابقون ومخابرات في حين قال مصدر من الشركة: 'معظم موظفينا من موظفي وكالة الأمن القومي (NSA) أو وكالة المخابرات المركزية (CIA) أو محللي استخبارات أو عسكريين سابقين'، وفق 'يديعوت أحرونوت'. إلا أنه لم يُعلّق على مسألة الأجر، بينما أشارت تقارير دولية مُتعددة، نقلاً عن عمليات شركة SRS خلال وقف إطلاق النار الأخير بغزة، إلى أن الشركة تُقدّم حوالي 1000 دولار أميركي يوميًا..

بعد فقدان 42 ألف دولار من خرينة المرفأ.. أمن الدولة يفتح تحقيقا مع مسؤولَين في مرفأ بيروت
بعد فقدان 42 ألف دولار من خرينة المرفأ.. أمن الدولة يفتح تحقيقا مع مسؤولَين في مرفأ بيروت

صيدا أون لاين

timeمنذ 43 دقائق

  • صيدا أون لاين

بعد فقدان 42 ألف دولار من خرينة المرفأ.. أمن الدولة يفتح تحقيقا مع مسؤولَين في مرفأ بيروت

صدر عن المديريّة العامّة لأمن الدولة – قسم الإعلام والتوجيه والعلاقات العامّة، البيان الآتي: حرصًا منها على مكافحة الفساد وصون المال العام، أوقفت المديرية العامة لأمن الدولة – مكتب مرفأ بيروت، مسؤولَين في المرفأ بعد توفر معطيات عن فقدان مبلغ 42 ألف دولار أميركي من الخزينة العامة بدل إيجارات. وخلال التحقيقات، أقرا بتحمّلهما المسؤولية الإدارية عن ضياع المبلغ. أجري المقتضى القانوني بحقهما بناء لإشارة القضاء المختص، وأُلزما بإعادة المبلغ إلى الخزينة العامة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store