logo
لماذا تخلت روسيا عن إيران في حربها مع إسرائيل؟

لماذا تخلت روسيا عن إيران في حربها مع إسرائيل؟

الجزيرةمنذ 4 ساعات

على مدار 12 يوما، تبادلت إيران وإسرائيل الضربات الجوية والصاروخية حتى إعلان وقف إطلاق النار بين الطرفين. كانت إسرائيل هي مَن بدأت بشن هجومها العدواني بدعوى تحييد خطر البرنامج النووي الإيراني، لكن ضرباتها الجوية متعددة الأهداف، وحملة الاغتيالات التي طالت كبار المسؤولين العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، أشارت إلى أهداف أوسع من ذلك تصل إلى حد تغيير النظام، وهو ما أفصح عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ضمنيا بدعوة الشعب الإيراني للثورة على النظام، وتلويحه بإمكانية اغتيال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وبعد تردد لأيام، حسمت الولايات المتحدة موقفها بالتدخل مباشرة في الحرب وعدم الاكتفاء بتقديم الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل. وفي فجر يوم 22 يونيو/حزيران الحالي، شن الجيش الأميركي ضربات بالغة القوة ضد ثلاث منشآت نووية إيرانية هي فوردو ونطنز وأصفهان، وهو الهجوم الذي ردت عليه طهران باستهداف قاعدة العديد في قطر.
ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، يبدو أن إيران نجت من مخطط أوسع وأثبتت قدرتها على الصمود، بل وعلى الرد بترسانة صاروخية متطورة، رغم الأضرار البالغة التي ضربت صفوفها القيادية وبنيتها التحتية النووية والعسكرية. لكن ما يلفت النظر في هذه المواجهة أن إيران وقفت فيها بمفردها تقريبا، ولم تتلقَ دعما حقيقيا يُذكر من حلفائها الافتراضيين وفي مقدمتهم موسكو.
كان سقف الموقف الروسي تجاه الحرب منخفضا جدا بالنظر إلى التحالف الوثيق بين الروس والإيرانيين خلال السنوات الأخيرة. لقد اكتفى بوتين والمسؤولون الروس بالإدانة الرسمية للعدوان الإسرائيلي، ولم يُظهروا علامات حول نيتهم تقديم دعم فعلي، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات. فلماذا اختارت موسكو عدم التورط في المواجهة والتخلي "عمليا" عن حليف مهم يتعرض لكل تلك الضربات؟ رغم أن مصدرا على صلة بوزارة الخارجية الروسية قال لصحيفة "الغارديان" البريطانية إنه إذا انهار النظام الإيراني الحالي فستكون تلك كارثة وضربة قاصمة لسُمعة روسيا عالميا، خاصة بعد نجاح الثورة السورية في الإطاحة ببشار الأسد حليف روسيا الذي دفعت موسكو -بصحبة إيران نفسها- ثمنا باهظا لعقد كامل من الزمن من أجل تثبيت عرشه وبقاء نظامه.
هل روسيا حليف "متخاذل"؟
لم تكن لهجة روسيا في الأحداث الأخيرة متوقعة بالنسبة للكثيرين ممن انتظروا سماع عبارات تهديد رنانة من الرئيس الروسي ومسؤوليه، والأهم ربما توقعوا دعما عسكريا روسيا مؤثرا لطهران، خاصة أن موسكو لا تحتمل أن تخسر "حليفا" جديدا في الشرق الأوسط بحجم إيران بعد أشهر من سقوط بشار الأسد، لكن روسيا آثرت أن تكون لهجتها أكثر ميلا للاتزان، مقتنعة بأن الدور الذي يمكن أن تلعبه هو دور الناصح والمصلح والوسيط بين المتخاصمين.
أدانت روسيا تصرفات إسرائيل، وأعربت عن تعازيها لقيادة وشعب جمهورية إيران الإسلامية لما وقع من خسائر بشرية عديدة، بحسب بيان نُشر على موقع الكرملين الإلكتروني في أعقاب انطلاق العملية الإسرائيلية، كما أوضحت روسيا موقفها الذي يرى في العدوان الإسرائيلي انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وكذلك أدان الرئيس الروسي في مكالمته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب العملية الإسرائيلية.
وعلى جانب آخر، نصحت روسيا الولايات المتحدة بألا تتدخل مباشرة في الصراع الدائر بين الطرفين، بعد أن انتشرت التقارير والمعلومات عن تدخل أميركي وشيك ضد إيران، مؤكدة أن هذا الهجوم -الذي لم يكن حدث وقتها- لربما يزعزع استقرار الشرق الأوسط على نحو جذري، بحسب ما صرح به سيرجي ريابكوف، نائب وزير خارجية روسيا، لوكالة "إنترفاكس" للأنباء. وكذلك استنكرت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بحسب مجلة "تايم" الأميركية، ضرب المنشآت النووية وسط غياب للقلق وصمت من المجتمع الدولي ومدعي حماية البيئة بحسب رأيها.
ومن ناحيته، أوضح بوتين بعد اندلاع الصراع أنه قدّم مقترحات للتوسط بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، لكنه حتى حين قال ذلك كان تعليقه "باردا سياسيا"، ويفتقر إلى الدعم المتوقع منه لإيران، إذ قال إنه لن يفرض شيئا على أحد، وإنه فقط سيقدم رؤيته للخروج من الأزمة، لكن القرار في النهاية سيكون في يد القيادة السياسية للدول المتنازعة.
وربما كان أحد التصريحات الروسية القليلة التي ظهرت فيها النبرة المرتفعة هو إعلان الكرملين أن محاولة تغيير النظام في إيران يُعد أمرا غير مقبول، إذ صرح ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، بأن روسيا سترد "بشكل سلبي للغاية" في حال اغتيال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، وأكد أن مثل هذا الأمر ينبغي ألا يكون الحديث عنه أو التفكير فيه مقبولا.
لكن حتى في تلك الحالة رفض بيسكوف -بحسب "سكاي نيوز"- أن يوضح التصرف الذي ستتخذه روسيا في حال اغتيال المرشد، وفضّل القول إن الرد سيكون قويا للغاية من داخل إيران، وبدأ يتحدث عن الأثر السلبي على المنطقة في حالة حدوث ذلك، إذ قال إن هذا سيؤدي إلى نشوب نزعات متطرفة داخل إيران، وإن على مَن يتحدثون عن قتل المرشد أن يستوعبوا ذلك ويضعوه في اعتبارهم، وأن يفهموا أنهم سيفتحون بذلك أبواب الشرور.
ومثله، كان تهديد الرئيس الروسي السابق ونائب مجلس الأمن الروسي الحالي دميتري ميدفيديف بأن دولا ثالثة قد تزود إيران بأسلحة نووية باهتا، حيث لم يفصح ميدفيديف عن هذه الدول، فيما امتنع المسؤولون الروس عن التعليق على هذا التصريح الذي انتقده الرئيس الأميركي ترامب.
في الواقع، كانت المنصة الألمانية "دويتش فيله" قد توقعت مثل هذا السلوك الروسي، وأن موسكو رغم كونها ترتبط بشراكة إستراتيجية مع طهران فإنها لن تقدم لها مساعدات عسكرية في حربها، وذلك رغم أن علاقة البلدين تطورت بشكل قوي للغاية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ووصل الأمر إلى حد اتهام الغرب لإيران بأنها مَن تزود روسيا بالذخائر وقذائف المدفعية وآلاف الطائرات بدون طيار التي تهاجم من خلالها البنية التحتية في أوكرانيا، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
هذا بالإضافة إلى كون البلدين شريكين في مجموعة البريكس التي تضم الدول غير الغربية ذات الاقتصادات الصاعدة، وهي المجموعة التي أسهمت روسيا بشكل كبير في تأسيسها، ويضاف إلى كل ذلك أن إيران واحدة من الدول القليلة المتبقية التي تكسر العزلة الروسية، إذ إنها تشاركها في كونها عرضة للعقوبات الغربية الشديدة.
بيد أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تتلقى فيها إيران الدعم البارد من روسيا، فحين كانت الحرب في سوريا مشتعلة، كانت موسكو التي نشرت أنظمة الدفاع الجوي المتطورة في سوريا تسمح لدولة الاحتلال الإسرائيلي بضرب الميليشيات الإيرانية الموجودة في البلاد دون تفعيل لأنظمتها، وهو ما قُرئ بوصفه تخلٍّ واضح عن حليفها، بيد أن طهران كانت مضطرة لغض الطرف عنه بسبب المصالح المشتركة مع الروس في الجغرافيا السورية.
وبحسب تعبير منصة "آسيا تايمز"، فإن تغاضي روسيا حينها عن استهداف إسرائيل للإيرانيين في سوريا لم يكن سرا، ولكنه كان جزءا من اتفاق واسع بين إسرائيل وروسيا، يقضي بألا تتعرض دولة الاحتلال للمنشآت والأفراد الروس في سوريا آنذاك في مقابل ألا تستخدم روسيا أسلحتها لصد الهجمات الإسرائيلية على الإيرانيين في سوريا، وذهبت "آسيا تايمز" إلى ما هو أبعد من ذلك حينها بالقول إن روسيا كانت دائما حليفا غير موثوق لإيران، وفي عام 2010 على سبيل المثال لا الحصر رفضت روسيا بيع أنظمة الدفاع الجوي "إس-300" لطهران بسبب الضغوط التي مارستها عليها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
وفي أعقاب عملية " طوفان الأقصى" التي شنتها فصائل المقاومة الإسرائيلية ضد الاحتلال الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب الإسرائيلية اللاحقة على غزة، قالت الحكومة الإيرانية إنها أبرمت صفقة مع موسكو لتزويدها بطائرات مقاتلة من طراز سوخوي "سو-35″، وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز "مي-28″، وأنظمة دفاع جوي من طراز "إس-400″، وطائرات تدريب من طراز "ياك-130″، لكن طهران لم تحصل فعليا إلا على طائرات التدريب. وبحسب نيكول غرايفسكي، وهي زميلة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومؤلفة كتاب عن إيران وروسيا، فإن مشكلات الإنتاج والضغوط الدبلوماسية من دول الخليج الأخرى دفعت روسيا إلى حجب التقنيات الأكثر حساسية وقوة عن إيران.
أكثر من ذلك عندما دمرت الضربات الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2024 بعضا من أفضل أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية التي قدمها الروس، بدا أن موسكو إما غير قادرة وإما غير راغبة في استبدالها. وحتى الآن لم تتعهد روسيا بتعويض الأنظمة الإيرانية التي قصفتها إسرائيل خلال الحرب الحالية، رغم طلب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من موسكو تزويد أنظمة دفاع جوي جديدة ومساعدة في ترميم شبكة الطاقة النووية، وفقا لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال". وعندما سُئل بوتين عن سبب عدم إمداد روسيا إيران بالأسلحة لمواجهة الهجمات الإسرائيلية، قال إن اهتمام إيران بالمعدات الروسية قد تراجع، وإن إيران لم تُقدّم أي طلبات جديدة مُحددة.
وهنا يظهر السؤال: لماذا تتعامل روسيا مع حليفتها الإستراتيجية بهذه الطريقة وبتلك النبرة رغم أهمية إيران بالنسبة إليها؟ ولماذا بدا بوتين مترددا في دعم إيران في حربها وقبل ذلك في تزويد طهران باحتياجاتها من الأسلحة الروسية؟
أسرار الخذلان
من الواضح منذ فترة طويلة أن روسيا لن تدافع عن إيران عسكريا، لأنها ببساطة غير مستعدة للمخاطرة بمواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة من أجل إيران.
لقد وقّعت كلٌّ من إيران وروسيا معاهدة شراكة إستراتيجية شاملة في يناير/كانون الثاني الماضي، وصادق البرلمان الروسي عليها قبل شهرين من الآن، كما صادق عليها البرلمان الإيراني في 21 مايو/أيار الماضي. لكن رغم ذلك فإن تلك المعاهدة للدفاع المشترك لا تلزم روسيا ولا إيران بأن تساعد عسكريا حليفتها في حال هاجمتها قوة أخرى، وإنما يتوقف الالتزام على عدم مساعدة الدول المعتدية. ولكن بعيدا عن مسألة المعاهدة والتزاماتها، يبدو أن روسيا وجدت مصلحة ما في الحرب الإسرائيلية على إيران، أو على الأقل لم تجد دوافع كبيرة في التدخل بقوة لدعم حليفها.
وبحسب "دويتش فيله" الألمانية، فإن الحرب الإسرائيلية في الواقع قد مثَّلت فرصة ذهبية لروسيا فيما يخص حربها المستمرة مع أوكرانيا، فانشغال القادة الأوروبيين والأميركيين مع إيران الآن، ما دام لم يصل إلى حد تهديد النظام فعليا، يقدم لروسيا خدمة مجانية بإبعاد أعينهم ولو قليلا عن الساحة الأوكرانية ذات الأولوية لموسكو، وبالفعل فقد انتهزت روسيا الموقف، بحسب المنصة الألمانية، وسددت هجوما هو الأشرس منذ شهور على كييف، وأسفر هذا الهجوم عن مقتل 14 شخصا وإصابة العشرات.
تُعد مسألة أوكرانيا من الأسباب الرئيسية لتفسير نبرة روسيا المنددة بحذر بما يحدث مع إيران، فبعيدا عن أن صرف انتباه الغرب عن أوكرانيا قليلا هو مصلحة روسية، هناك مسألة أخرى مهمة وهي أن روسيا تنظر إلى أوكرانيا باعتبارها حربها الأساسية في هذا العصر، والربح فيها هو هدفها الأول وربما الأخير حاليا، ومن ثم فهي مستغرقة تماما داخلها، ولن تغامر بالتضحية بها في مقابل تشتيت جهودها لمساعدة حلفاء آخرين أو الدخول في خصومات كبرى جديدة.
هذا الاهتمام الشديد بأوكرانيا دفع الروس إلى تقليص الدعم لحلفائهم الأبعد، وهو ما حدث على سبيل المثال مع أرمينيا، التي تربطها معاهدة دفاع مشترك مع روسيا، ولم تتلقَ أي مساعدة من موسكو حين هُوجمت قواتها في إقليم ناغورني قره باغ على يد قوات أذربيجان عام 2023. وقد سرّعت هذه الحرب تحول أرمينيا الجذري من التحالف مع موسكو إلى الشراكة مع الولايات المتحدة وفق "وول ستريت جورنال".
وبالمثل، عندما أُطيح بالأسد في سوريا العام الماضي، اكتفى بوتين بعرض اللجوء على الرئيس المخلوع وعائلته، ولم تتدخل روسيا للدعم بقوة رغم وجود قواتها بالفعل على الأراضي الروسية، ما يشير إلى أن روسيا باتت أقل رغبة في استثمار المزيد من الموارد في صراعات بعيدة عن محيطها الجغرافي.
على جانب آخر، تشير صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أنه رغم أن إيران قد زودت روسيا في الأشهر الأولى من حربها مع أوكرانيا بالآلاف من الطائرات المقاتلة بدون طيار، التي ساعدت موسكو في ضرب أهداف مهمة في مدن أوكرانية مختلفة، فضلا عن مساعدتها من خلال إرسال مدربين وخبراء إيرانيين لأعماق جبال الأورال بهدف إنشاء مؤسسة روسية تنتج الطائرات بدون طيار اعتمادا على الخبرة والتصميمات الإيرانية، فإن روسيا الآن لم تعد تعتمد على إيران بهذا الشكل في إنتاج الطائرات المسيرة، إذ بات لديها الخبرة الكافية لإنتاجها بنفسها محليا وبكميات كبيرة، وهي تستورد الآن مكونات تلك الطائرات من أماكن أخرى غير طهران، وهذا ما يجعل احتياج موسكو إلى طهران أقل في الوقت الحالي.
ليس هذا فحسب، بل يمكن القول إن روسيا تستفيد اقتصاديا على المدى القصير من الضربات على إيران، وبحسب مجلة "تايم" الأميركية فإن أسعار النفط الروسي قد ارتفعت نتيجة الأحداث في إيران بنسبة 15%، وهو أمر مهم للغاية ولو كان قصير المدى بالنسبة لروسيا، التي تريد التخفيف من الأعباء على ماليتها العامة المنهكة بسبب الحرب الأوكرانية، بل إن احتمالية تصاعد الحرب إلى درجة تنفيذ إيران لتهديداتها بإغلاق مضيق هرمز كان من الممكن أن ينعش المالية العامة الروسية أكثر وأكثر.
بالطبع لا يعني ذلك أن روسيا كانت تريد للحرب ضد إيران أن تستمر، أو أنها تريد فقدان حليفتها أو تدمير البنية التحتية العسكرية الإيرانية بشكل جسيم، لكن المقصود أن موسكو تجد نفسها عالقة وسط الكثير من التوازنات أثناء صنع قرارها بشأن إيران، التي اعتادت أن تعامل روسيا بصورة الند لا بصورة التابع مثل نظام بشار الأسد على سبيل المثال، وهذا ما أنتج إجمالا سياسة "إمساك العصا من المنتصف" التي يتبعها الكرملين إزاء العدوان الإسرائيلي والرد الإيراني.
إلى جانب ذلك فإن روسيا حريصة حاليا على علاقاتها المتحسنة نسبيا مع الولايات المتحدة في عهد ترامب، وبحسب ما صرح به مصدر روسي على صلة بوزارة الخارجية الروسية لـ"الغارديان" البريطانية، فإن روسيا حاليا لا تريد أن تشعل أي صراع مع ترامب من خلال مساندة إيران بأكثر مما ينبغي، وأقصى ما يمكن أن تفعله هو دفع الولايات المتحدة للعودة للمسار الدبلوماسي مع إيران، لكنها لن تصدر أي موقف أو دعم يعكر صفو علاقتها بإدارة الرئيس دونالد ترامب أو تجعله يغير موقفه من أوكرانيا.
على مستويات أكثر عمقا، تخلص صحيفة "ذي أتلانتيك" إلى أسباب أخرى يمكن أن تفسر سبب الدعم البارد والتنديد الخافت الذي تعاملت به روسيا مع الضربات الموجعة التي تلقتها طهران، فروسيا وضعت حدودا دائما لمدى دعمها للنظام الإيراني، ولطالما تباطأت في إعطاء الأسلحة والدفاعات المتقدمة التي تطلبها منها طهران، لأنها تعي تماما الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالتعاون العسكري مع النظام الإيراني، في وقت تستهدف فيه روسيا الحفاظ على علاقاتها مع الدول الخليجية، التي لا تزال ترى في النظام الإيراني تهديدا لها رغم تحسن العلاقات الخليجية الإيرانية مؤخرا، فضلا عن محاولات روسيا الحفاظ على علاقتها مع إسرائيل رغم ما يشوب تلك العلاقة من مشكلات بين فترة وأخرى خاصة في ظل الجذور التاريخية التي ينتسب إليها الكثير من يهود إسرائيل القادمين من الاتحاد السوفياتي في الهجرات المتعاقبة للاستيطان في فلسطين.
بالإضافة لكل ما سبق، فإن روسيا تستهدف التنسيق الدائم مع "أوبك" فيما يخص أسعار النفط، وكلها أسباب تجعل روسيا مراعية دائما لفكرة ألا تقدّم دعما لإيران يثير حفيظة الأطراف المختلفة في الشرق الأوسط.
مسألة أخرى لا تقل أهمية هي أن روسيا، رغم تحالفها مع إيران واتفاق البلدين على الخصومة مع الغرب وتحديه، فإنها في الواقع لم تتحمس أبدا بحسب "ذي أتلانتيك" لفكرة امتلاك إيران لسلاح نووي أو تجاوزها للعتبة النووية. فإيران مختلفة عن "سوريا الأسد"، وهي دولة طموحة لديها مشروعها الخاص ورؤيتها المستقلة وليست "جُرما" يدور في فلك الكرملين، ومن ثم فإن امتلاكها لأسلحة تضعها في مصاف الكبار عالميا يعني أنها ستصبح منافسة لروسيا، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن أيضا في آسيا الوسطى.
وأخيرا وليس آخرا، لربما يدرك بوتين أن أي مساعدة يقدمها لإيران دون مستوى التدخل الكامل، كما حدث في سوريا، لن تكون كافية لتغيير مسار الحرب، وربما تظهر موسكو بمظهر الضعف بدلا من أن تعزز صورتها، خاصة في ظل تعرض طهران "ومحورها" لانتكاسات كبيرة مؤخرا، ما يعني أن موسكو تخشى الرهان على "فرس خاسر" مجددا كما فعلت في سوريا. وبالنسبة لبوتين، فإن تكاليف التخلي عن حليف أقل من الضريبة المتوقعة لمغامرة عسكرية جديدة دون أي ضمانات لتحقيق النصر.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

واشنطن بوست: لماذا كان ترامب واثقا من أن إيران تطوّر قنبلة نووية؟
واشنطن بوست: لماذا كان ترامب واثقا من أن إيران تطوّر قنبلة نووية؟

الجزيرة

timeمنذ 14 دقائق

  • الجزيرة

واشنطن بوست: لماذا كان ترامب واثقا من أن إيران تطوّر قنبلة نووية؟

تناول الكاتب ديفيد إغناتيوس خلفيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالضغط من أجل وقف إطلاق النار بين إسرائيل و إيران ، مشيرا إلى أن ثقة ترامب في أن طهران تطوّر سلاحا نوويا تعود إلى معلومات استخباراتية إسرائيلية وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. استهل إغناتيوس مقاله، الذي نشرته واشنطن بوست الأميركية، بإيراد تصريح صادم لترامب قال فيه إن "الدولتين تتقاتلان منذ زمن طويل وبشدة لدرجة أنهما لا تعلمان ما الذي تفعلانه بحق الجحيم"، في إشارة إلى حالة الفوضى التي غرق فيها الصراع الإيراني الإسرائيلي قبل وقف إطلاق النار. ويشير إغناتيوس إلى أن المرحلة التالية ستكون التفاوض حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني ، مع تأكيد إسرائيل على ضرورة التوصل إلى اتفاق صارم يضمن منع طهران من تطوير قنبلة نووية في المستقبل. معلومات من إسرائيل ويكشف المقال عن أن ترامب تلقى معلومات حساسة من الجانب الإسرائيلي حول تجدد جهود إيران لتصنيع قنبلة نووية، رغم التقديرات الأميركية الرسمية التي قدمتها مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد في مارس/آذار الماضي. وكانت غابارد قد أكدت أن إيران لا تطوّر سلاحا نوويا حاليا. ويؤكد إغناتيوس أن المعلومات التي اطلع عليها شخصيا من المصادر الإسرائيلية، مدعومة بتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، توحي بأن التقدير الأميركي كان أكثر تحفظا مما ينبغي، وأن المعلومات الإسرائيلية قد تكون أكثر دقة. ويوضح المقال أن برنامج "أماد" الإيراني الذي بدأ مطلع الألفية كان يهدف إلى تطوير تقنيات حساسة مثل المفجرات النيوترونية ومولدات موجات الصدمة، وأن هذا البرنامج لم ينتهِ كما أُعلن، بل أعيد إطلاقه لاحقا تحت اسم "سبند" (SPND)، بقيادة العالم الإيراني محسن فخري زاده، الذي اغتالته إسرائيل في عام 2020. وفي تطور لافت، يورد إغناتيوس أن إسرائيل استهدفت مواقع رئيسية تابعة لهذا البرنامج في مجمع شريعتي بطهران وسنجريان قرب بارشين، ودمرت معدات ومختبرات وعلماء كانوا يعملون على تطوير ما يُعتقد أنه مشروع تسلح نووي سري. خبأت معلومات مهمة ويشير المقال إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت مؤخرا تقريرا يدين إيران ضمنا، مؤكدة أن الأخيرة لم تصرح بوجود مواد نووية أو أنشطة ذات صلة في مواقع مثل لافيزان شيان، وفارامين، وتورقوزآباد، وهو ما وصفه إغناتيوس بأنه لا يقل حدة عن الاتهامات التي وردت في الملف الاستخباراتي الإسرائيلي. ويختم إغناتيوس بالإشارة إلى التحدي الأكبر بعد الحرب، والمتمثل في تعقّب وتدمير 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي كمية كافية لإنتاج "قنبلة قذرة" خلال أسابيع، إن لم يتم السيطرة عليها. ورغم أن منشأة أصفهان، التي كان هذا اليورانيوم المخصب محفوظا فيها، تعرّضت للقصف، فإن تقارير أفادت بأن المخزون نُقل مسبقا. ويحذر إغناتيوس من أن الفتيل لا يزال مشتعلا، ما لم يتم العثور على هذه المادة وتفكيكها سريعا، محذرا من أن خطر القنبلة الإيرانية لم ينتهِ بعد، وأن أي اتفاق نووي قادم لا بد أن تكون به ضمانات صارمة لمنع إعادة تفعيل هذه الأنشطة في المستقبل.

وحدة إسرائيل بعد حرب إيران ليست كما قبلها
وحدة إسرائيل بعد حرب إيران ليست كما قبلها

الجزيرة

timeمنذ 27 دقائق

  • الجزيرة

وحدة إسرائيل بعد حرب إيران ليست كما قبلها

القدس المحتلة- شهدت إسرائيل في بداية التصعيد العسكري مع إيران مرحلة من الإجماع الداخلي والسياسي الواسع، حيث توحَّدت غالبية القوى السياسية والمجتمعية خلف القيادة العسكرية والدبلوماسية لمواجهة طهران. وشكّل ذلك دعامة قوية لاستمرار العمليات العسكرية، ومنح الحكومة غطاء سياسيا واسعا عزَّز من قدرة إسرائيل على مواصلة المواجهة مع إيران خارج الحدود. لكن هذا الإجماع بدأ يتآكل تدريجيا مع تواصل الهجمات الجوية دون تحقيق الأهداف المعلنة، وفي مقدمتها تدمير المشروع النووي الإيراني والقضاء على قدرات طهران الصاروخية. ومع تكشف حجم الأضرار والدمار الذي لحق بالمباني والبنى التحتية، تصاعدت التساؤلات والانتقادات، مما أدى إلى تصدع في وحدة الموقف الداخلي وتزعزع الثقة في جدوى استمرار الحملة العسكرية. تصدع وخلاف بدأت الأزمة تتفاقم، بحسب التحليلات الإسرائيلية، مع تبادل الضربات المباشرة وغير المباشرة بين الطرفين، التي شملت عمليات اغتيال، وهجمات صاروخية وجوية في مناطق متعددة. ولعب الدعم الدولي، لا سيما الأميركي، دورا محوريا في تعزيز القدرات الإسرائيلية وضمان استمرار الحملة العسكرية ضد إيران، وساهم في الحفاظ على الحلف الإقليمي، لكن دون أن يحافظ ذلك على الإجماع الإسرائيلي الذي رافق منذ البداية العملية التي أُطلق عليها اسم " الأسد الصاعد". ومع مرور الوقت، بدأت علامات التوتر والتصدع تظهر على المشهد الداخلي الإسرائيلي، وأضحت الخسائر البشرية والمادية تؤثر سلبا على الرأي العام وعلى حصانة الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي بعثت بمؤشرات على عدم قدرتها الصمود قبالة الصواريخ الباليستية. وبرزت خلافات سياسية حادة بين الكتل المختلفة بشأن إستراتيجية التصعيد، خاصة مع استمرار الحرب وتأثيرها على الحياة اليومية والاقتصاد، وتصاعدت الانتقادات حول إدارة الحرب وتوزيع الموارد، مما أدى إلى تراجع الحماس العام ودعم بعض فئات المجتمع للقيادة الحالية. إعلان ومع تراجع الإجماع الداخلي حول الحرب على إيران وتأزُّم الأوضاع محليا، تحول التركيز العسكري والسياسي في إسرائيل من الجبهة الإيرانية إلى ساحة الحرب على غزة. وشهد القطاع، الذي تعتبره كافة قراءات المحللين والباحثين جبهة الحرب الرئيسية، تصعيدا جديدا من المقاومة الفلسطينية، قابله تجدد الهجمات الإسرائيلية، وقيام القيادة بإعادة توزيع الموارد وتحريك القوات للتعامل مع التهديد المتنامي من الداخل. تأزّم الداخل وفي خضم هذا المشهد المعقد، برز سؤال محوري حول ما إذا كانت القيادة الإسرائيلية تمتلك القدرة على ترميم التماسك الداخلي والتكيف مع واقع جديد تتشابك فيه التحديات العسكرية والسياسية على أكثر من جبهة؟ ويعزي الباحث بالشأن الإسرائيلي والمحلل السياسي صالح لطفي تراجع الإجماع الإسرائيلي حول الحرب ضد إيران إلى الصراع المتجدد في قطاع غزة، وتفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية داخل إسرائيل، مع تزايد الاحتجاجات والانتقادات تجاه الحكومة والقيادة العسكرية حيال تهميش ملف المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة. ويضيف لطفي أن "عدم تحقيق إسرائيل إنجازات عملية وواقعية من ضرب إيران زاد حالة الانقسام السياسي والاجتماعي، مما أثر على الاستقرار العام، مع زيادة التوترات في الضفة الغربية والقدس المحتلتين". ولفت إلى أن التطورات الحالية تظهر أن مرحلة الإجماع الإسرائيلي حول التصعيد مع إيران قد انتهت، وحل مكانها صراع داخلي معقّد، متوقعا "أن تستمر التحديات الأمنية والسياسية، مع احتمال تصاعد الصراعات في غزة والضفة، مما يفرض على إسرائيل مواجهة مستمرة على أكثر من جبهة". انعكاس للفشل وبعبارات "وحَّد الهجوم على إيران الشعب المنقسم، وظهر القائد في صورة المخلص"، افتتح أستاذ التاريخ الفخري في جامعة تل أبيب البروفيسور شلومو ساند، مقاله في صحيفة "هآرتس"، وسلّط فيه الضوء على التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها إسرائيل منذ انطلاق الهجوم على إيران في 13 يونيو/حزيران الجاري. ومع بداية العملية، يقول ساند "انقلب المشهد الداخلي رأسا على عقب، فقد اجتمعت أطياف المجتمع اليهودي، بكل تبايناتها، خلف الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو ، وامتد التعاطف ليشمل حتى أولئك الذين كانوا من أشد منتقديه". بدا وكأن "القائد العظيم"، كما يصف زاند، وجد لحظة الخلاص التي طالما سعى إليها، حين بدت فرص تحقيق "نصر كامل" في غزة بعيدة المنال، وبدأ الاستياء الشعبي في الداخل يتصاعد بفعل تعثر العمليات وتفاقم الخسائر البشرية. ولفت إلى أنه ووسط هذا الفشل والإخفاق وتفاقم الأزمات الداخلية قرر نتنياهو المضي قدما فيما بدا أنها حرب اختار توقيتها بعناية. ولم يكن الأمر سوى تتويج لحلم قديم طالما راوده: المواجهة المفتوحة مع إيران. وهكذا، تحوّل الفشل في غزة إلى فرصة لفتح جبهة جديدة تعيد توجيه الأنظار، وتجمد مؤقتا حالة الغضب الشعبي المتزايدة. ويرى ساند أن الردود الإسرائيلية اتسمت بنوع من الإجماع النادر، تغذيه قناعة مركزية مفادها أن "لا أحد غيرنا يجب أن يمتلك سلاحا نوويا في الشرق الأوسط". وفي خضم هذه المعطيات، تبقى نتائج المواجهة مع إيران غير واضحة. "وعليه، تراجع الإجماع الإسرائيلي الذي سعى نتنياهو لتوظيفه لدوافع سياسية وانتخابية". تآكل الإجماع وتحت عنوان "نتنياهو خدع نفسه.. فصدّقها: انتصار بلا أهداف وحرب تعيد غزة إلى الواجهة"، كتب الصحفي الإسرائيلي ميرون رابوبورت مقالا في الموقع الإلكتروني "سيحا ميكوميت"، تناول فيه تفاصيل الإجماع الإسرائيلي الواسع الذي رافق الأيام الأولى للهجوم الجوي على إيران. هذا الإجماع، يقول رابوبورت "الذي ظهر في بدايته كحالة وحدة وطنية نادرة"، سرعان ما بدأ في التآكل مع استمرار العمليات العسكرية وتراجع الآمال بتحقيق الأهداف المعلنة. ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، يضيف رابوبورت "اتضح أكثر فأكثر أن الأهداف التي تحدث عنها نتنياهو، من تدمير البرنامج النووي الإيراني إلى تقويض قدرات طهران الصاروخية، لم تتحقق فعليا"، مما كشف محدودية الإنجاز العسكري، وعمَّق الشكوك في جدوى هذه الحرب وجدولها السياسي. ولفت إلى أن الإعلام الإسرائيلي سارع للترويج لـ"نصر ساحق"، في مشهد ذكّر بأجواء 1967، لكنه يضيف أن خلف مشاعر الارتياح والفخر، "برزت سريعا شكوك عميقة"، فأهداف نتنياهو لم تتحقق فعليا، و"التهديد الإيراني" لم يُمحَ، بل عاد بصور مختلفة. وأوضح أن نتنياهو حاول استثمار اللحظة، لكنه لم يحصد مكاسب انتخابية حاسمة، فيما وُزّع الفضل في "النجاح" على الجيش أكثر منه. ومع عودة غزة للواجهة، ومقتل 7 جنود إسرائيليين في خان يونس ، انكشفت من جديد هشاشة رواية "الانتصار". وخلص رابوبورت إلى أن "الورقة الإيرانية استُهلكت، والضغط الدولي لإنهاء حرب غزة يتصاعد، أما إستراتيجية نتنياهو القائمة على القوة المجردة، فبدت عاجزة عن تقديم مخرج حقيقي. والنتيجة، نصر معلن دون نتائج سياسية، وواقع داخلي وخارجي أكثر تعقيدا".

خرق يوجب المحاسبة.. ناشطون يعلقون على قضية "عملاء" إسرائيل في إيران
خرق يوجب المحاسبة.. ناشطون يعلقون على قضية "عملاء" إسرائيل في إيران

الجزيرة

timeمنذ 27 دقائق

  • الجزيرة

خرق يوجب المحاسبة.. ناشطون يعلقون على قضية "عملاء" إسرائيل في إيران

شبكات اعتبر ناشطون على مواقع التواصل أن العدد الكبير من عملاء الموساد، الذين أعلنت السلطات الإيرانية توقيفهم خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل، دليل اختراق كبير، وطالبوا بمحاسبة المسؤولين قبل 'الخونة'. اقرأ المزيد

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store