د. خالد السُليمي يكتب : الهجمات الإسرائيلية الموسعة على إيران: ضرب القواعد النووية واغتيال القادة والعلماء
بقلم :
الهجمات الإسرائيلية الموسعة على إيران: ضرب القواعد النووية واغتيال القادة والعلماء
تداعيات الزلزال العسكري... وسبل نجاة الأردن من العاصفة المقبلة
اشتعال المنطقة – ضربة البداية في ساحة الشرق المُلتهبة
في لحظة تاريخية حاسمة، شهد الشرق الأوسط تحولاً دراماتيكياً بعد قيام إسرائيل بشن هجمات جوية موسعة على منشآت نووية إيرانية في نطنز وأراك وفوردو، بالتزامن مع عمليات نوعية استهدفت قادة بارزين في الحرس الثوري وعلماء من الصف الأول في البرنامج النووي الإيراني، هذه الضربة غير المسبوقة شكّلت زلزالاً سياسياً وعسكرياً مدوّياً، معلنةً بدء فصل جديد من المواجهة الكبرى، التصعيد لم يعد احتمالاً... بل أصبح واقعاً متدحرجاً، فهل هي حرب كسر عظم؟ أم محاولة إسرائيلية لتحقيق نصر استباقي قبل اكتمال المشروع النووي الإيراني؟ وما دور واشنطن في هذا التصعيد؟ الأجوبة تبدأ من اللهب الممتد شرقاً وغرباً، وربما لا تنتهي إلا برسم خريطة جديدة للمنطقة.
حجم الضربة الإسرائيلية وتفاصيل العمليات الخاصة
العملية لم تكن ضربة جوية تقليدية، بل جاءت كخطة مركبة جمعت بين هجمات سيبرانية عطّلت الدفاعات الإيرانية، وغارات بطائرات F-35 وصواريخ "سبايك" بعيدة المدى، وعمليات إنزال محدودة نفذتها وحدات كوماندوز على الأرض في العمق الإيراني، ووفق مصادر أمنية، شُنّت الهجمات من قواعد جوية في النقب وقبرص، بالتنسيق مع وحدات استطلاع إلكتروني أمريكية، نُفذت الاغتيالات عبر طائرات دون طيار وانفجارات موجهة استهدفت سيارات ومقار إقامة محصّنة، اللافت أن إسرائيل اعتمدت على عنصر المباغتة وسرعة التنفيذ، ما منع إيران من تفعيل شبكاتها المضادة بسرعة، وهو ما زاد من حجم الخسائر المادية والبشرية في صفوف القيادات العليا.
استهداف البرنامج النووي – نتائج ومضاعفات
منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم تعرضت لأضرار جسيمة، حسب صور الأقمار الصناعية التي أظهرت أعمدة دخان كثيف وتدميراً في البنية التحتية تحت الأرض. أما منشأة فوردو الجبلية، فرغم صعوبتها الجغرافية، تلقت ضربات دقيقة عبر قنابل خارقة للتحصينات، خسرت إيران وفق تقديرات أولية ما نسبته 60% من قدرتها على تخصيب اليورانيوم في المرحلة الحالية، وهو ما يُعيد برنامجها النووي سنوات إلى الوراء، وقد ترافق ذلك مع اغتيال شخصيات مثل د. محسن فخري زاده (مكرراً برمزية الضربة)، والعقيد عزيز كاظمي من وحدة الهندسة النووية، ما خلق فراغاً عملياتياً يصعب تعويضه سريعاً.
إيران بعد الضربة – الغضب المنظم واستراتيجية "الردّ الكبير"
ردة الفعل الإيرانية كانت سريعة ومُعبّرة عن عمق الصدمة، لكنها أيضاً تعكس استراتيجية معدّة مسبقاً: إطلاق عشرات الصواريخ الباليستية متوسطة المدى نحو قواعد أمريكية في العراق والخليج، وتحريك ميليشياتها في لبنان وسوريا والعراق واليمن للبدء بردود منسقة، اغتيال شخصيات بارزة مثل العالم النووي محسن رضائي واللواء أحمد شاهين فجّر غضباً شعبياً ورسمياً في طهران، سرعان ما تُرجم إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى وإغلاق مضيق هرمز، إيران اليوم لا تكتفي بتلقي الضربات، بل تُعلن بوضوح أن زمن "الصبر الاستراتيجي" انتهى، وأن المنطقة ستدفع الثمن جماعياً.
إسرائيل – من الضربة المحدودة إلى عقيدة الاجتثاث الشامل
إسرائيل لم تكتفِ بتوجيه ضربة واحدة، بل أعلنت، ضمنياً، تدشين "عقيدة الاجتثاث النووي"، التي تقوم على تدمير شامل للبنية التحتية النووية والعلمية الإيرانية قبل أن تبلغ مرحلة "اللا عودة"، الغارات شملت منشآت ومخازن ومراكز أبحاث، وبعضها تمّ عبر طائرات شبح وصواريخ فرط صوتية، وفق تقارير استخبارية غربية، كما اغتالت فرق "سيريت متكال" و"الموساد" عناصر رئيسية في برنامج التخصيب النووي الإيراني، إسرائيل تُعلن اليوم أنها لن تنتظر ضربة نووية محتملة، بل تبادر لإزالة الخطر من جذوره، حتى لو أدى ذلك إلى إشعال الجبهات كلها.
الدور الأمريكي – دعم لوجستي واستخباراتي دون بصمة مباشرة
رغم نفي رسمي أولي من واشنطن بالمشاركة في الضربة، فإن المؤشرات تشير إلى دعم استخباري أمريكي عميق، يتضمن تحديد مواقع القيادات ومراكز الاتصال الإيرانية، كما حلّقت طائرات الاستطلاع الأمريكية من طراز (RC-135 Rivet Joint) فوق الخليج قبل الضربة بـ 48 ساعة، وزارة الدفاع الأمريكية عززت قواتها في قاعدة العديد بقطر، وأرسلت حاملات طائرات إلى بحر العرب تحسباً لأي توسع محتمل في الرد الإيراني، ومع ذلك، فإن البيت الأبيض يحاول إدارة التوازن الصعب بين دعم إسرائيل واحتواء التدهور الإقليمي، وسط مخاوف من استهداف مصالح أمريكية في العراق وسوريا أو حتى الخليج..
احتمالات توسع الحرب – الجبهات المفتوحة
حزب الله أعلن أن مقاتليه باتوا في حالة استنفار قصوى، وأن أي هجوم على لبنان سيقابل برد مضاعف. في المقابل، أغلقت إسرائيل المجال الجوي فوق شمالها، واستدعت 35 ألف جندي احتياط تحسباً لهجمات بالصواريخ من الجنوب اللبناني، في العراق، تحركت فصائل مدعومة من طهران باتجاه قواعد أمريكية غرب الأنبار، بينما شهد اليمن تصعيداً غير مسبوق من قبل الحوثيين الذين أعلنوا نيتهم ضرب أهداف سعودية وإماراتية رداً على "العدوان الصهيوني"، هذه المؤشرات تدل على أن الحرب قد تتحول إلى مواجهة متعددة الجبهات، يختلط فيها التكتيكي بالإيديولوجي، ما يفتح الباب لفوضى شاملة قد تستمر شهوراً.
الانفجار الإقليمي – نيران متقاطعة وتوسع جغرافي للهجمات
الضربات الإسرائيلية فجّرت ساحة اشتباك متعددة الجبهات: صواريخ على تل أبيب من الجنوب اللبناني، هجمات بطائرات مسيرة من العراق، قصف لمناطق الجولان المحتلة، واشتباكات محدودة على الحدود السورية – الإسرائيلية، "حزب الله" دخل المعركة جزئياً، في حين رفعت الحوثيون من وتيرة تهديداتهم لمضيق باب المندب، المنطقة تترنح على حافة الحرب الإقليمية الشاملة، والأسواق العالمية شهدت فوراً ارتفاعاً جنونياً في أسعار النفط، وارتباكاً في مؤشرات البورصة، وبدء موجات نزوح داخلية في بعض المناطق الحدودية.
التحالفات تتشكل – شرق أوسط وسيناريوهات ما بعد الضربة – فوضى ممتدة أم ترتيب جديد؟:
الضربة فتحت الباب أمام إعادة تشكيل التحالفات: بعض الدول دعمت إسرائيل علناً أو ضمنياً، وأخرى رفضت ما اعتبرته اعتداءً على سيادة إيران، تركيا تبنت موقفاً متردداً، بينما أطلقت روسيا تحذيراً من تصعيد غير محسوب، الصين دعت لضبط النفس ولكنها بدأت سراً بإجلاء بعض مستشاريها من طهران، المشهد يوحي بأن الشرق الأوسط دخل مرحلة شبيهة بما بعد غزو العراق، حيث تتغير خطوط النفوذ والتوازنات الإقليمية بسرعة. وهذا يفرض على الدول المتوسطة أن تعيد تقييم تحالفاتها واستراتيجياتها الدفاعية لتجنب أن تكون جزءاً من صراع الكبار، ومن أهم السيناريوهات المطروحة بعد هذا التصعيد تنقسم بين ثلاث احتمالا، وجميعها تحمل تهديداً مباشراً لاستقرار الأردن، وتهديداً غير مباشر للتوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
حرب إقليمية شاملة تجرّ إليها أطرافاً خليجية وربما تركيا.
حرب محدودة ومراقبة تستمر لأيام، ثم تُختم بتدخل دبلوماسي مكثّف.
حالة استنزاف مزمن عبر الوكلاء، تستمر لشهور في حرب عصابات وضربات متقطعة.
الأردن في عين العاصفة – التأثيرات والتحديات وسبع حلول استراتيجية لتجنب الكارثة
في ظل تصاعد احتمالات اندلاع مواجهة كبرى بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، يجد الأردن نفسه أمام لحظة استراتيجية حرجة تتطلب يقظة وطنية كاملة وقرارات قيادية دقيقة، فالمملكة، بحكم موقعها الجغرافي الفاصل بين الهلال الإيراني وامتداداته، وبين المصالح الغربية والإسرائيلية، قد تتحول إلى ساحة مرور أو هدف عرضي أو حتى حليف ضمنياً ضمن حسابات الحلفاء، ومع ازدياد المؤشرات الميدانية لاحتمال الحرب، فإن الأردن قد يواجه تحديات تشمل:
تهديد أمن الحدود الشرقية والشمالية من خلال عمليات تسلل أو هجمات صاروخية عشوائية.
اضطراب اقتصادي شامل نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والنقل والتوريد.
ضغوط خارجية للانخراط في الدعم اللوجستي أو التحالفات الأمنية.
تصاعد خطر العمليات الإرهابية من فلول جماعات متطرفة ترى في الفوضى بيئة ملائمة.
الأردن ورؤية النجاة في زمن الانفجار
لقد دخلت المنطقة فصلاً جديداً قد يعيد رسم حدود التأثير والنفوذ لعقود قادمة، وفي هذا المشهد المشتعل، يبرز الأردن كدولة قادرة على الصمود، والتوازن، وصنع القرار الحكيم في قلب العاصفة، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، وبحكمة تاريخية راكمتها التجارب، يملك الأردن فرصة تاريخية ليؤكد للعالم أنه ليس مجرد ساحة مرور أو متلقياً للقرارات الكبرى، بل طرف فاعل، واعٍ، مستعد، ومحَصّن، ولمواجهة هذا السيناريو الداهم، فإن القيادة الأردنية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، مطالبة بتبني سبع استراتيجيات رئيسية متكاملة لحماية الأردن، وتعزيز موقفه الإقليمي، وتحقيق أعلى درجات التحصين السياسي والعسكري والاقتصادي:
تحييد دبلوماسي استباقي. سياسة "الحياد النشط" عبر تكثيف التحركات الدبلوماسية عربياً ودولياً لتثبيت موقف الأردن كضامن للاستقرار.
تحصين الجبهة الداخلية أمنياً وعسكرياً. تفعيل خطط الطوارئ، وتعزيز التعاون الاستخباري، وتحديث منظومة الردع السريع.
مظلة دفاع جوي إقليمي. الانضمام إلى شبكة دفاع جوي مشتركة تحمي المجال الجوي الأردني من أي اختراقات محتملة.
إدارة إعلام الأزمة وقيادة وعي الشعب. توجيه الخطاب الإعلامي نحو التهدئة الواعية، والتصدي للشائعات، وتحشيد الرأي العام خلف الدولة.
تشكيل مجلس طوارئ اقتصادي. تأمين الاحتياطي الاستراتيجي من الوقود والغذاء، وضبط الأسواق، وتفعيل أدوات الدعم الموجه للفئات المتضررة.
التمسك بالقرار السيادي المستقل. منع استخدام الأراضي الأردنية كمنصة لأي عمل عسكري، وصيانة القرار الوطني المستقل في أحلك اللحظات.
إدارة تحالفات مرنة وذكية. بناء علاقات توازن إقليمي مع جميع القوى، واحتفاظ الأردن بدور الوسيط النزيه بدل الانخراط في الاستقطاب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشاهين
منذ 42 دقائق
- الشاهين
الجيش الإسرائيلي: قمنا بتصفية رئيس استخبارات القوات المسلحة وقائد صواريخ أرض-أرض في الحرس الثوري الإيراني
الشاهين الإخباري في تصعيد خطير، تبادلت إيران وإسرائيل ضربات جوية استهدفت مواقع عسكرية استراتيجية، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. فيما دعا ترامب دعا إيران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات. لا تزال إسرائيل وإيران تشنان ضربات جوية متبادلة استهدفت مواقع متعددة في كلا البلدين، في تصعيد خطير يُعد الأعنف منذ تصاعد التوترات بين الطرفين، وأسفرت الهجمات عن خسائر بشرية ومادية في صفوفهما. وأفاد التلفزيون الإيراني الرسمي بأن الدفاعات الجوية الإيرانية أسقطت طائرة مُسيّرة إسرائيلية فوق مدينة سلماس في محافظة أذربيجان الغربية، مشيرة إلى أن الطائرة كانت تقوم بمهام تجسسية على مواقع استراتيجية. من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه شن ضربات دقيقة ضد منشآت عسكرية في مدينة أصفهان الإيرانية، بما في ذلك مبنى لإنتاج اليورانيوم المعدني، وبنية تحتية لتحويل اليورانيوم المخصب، بالإضافة إلى مختبرات بحثية مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني. على الجانب الإيراني، أكدت وسائل إعلام رسمية أن الحرس الثوري الإيراني شن هجوما بصواريخ بالستية استهدف مواقع إسرائيلية، رداً على الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، دون الإفصاح عن طبيعة الأهداف أو النتائج المترتبة على الهجوم. في السياق، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن ثلاثة إسرائيليين قُتلوا وأصيب نحو 90 آخرين جراء سقوط صواريخ إيرانية على عدة مناطق إسرائيلية، فيما اضطر السكان إلى اللجوء إلى الملاجئ في أنحاء البلاد. وقال السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي إن الليلة كانت 'قاسية'، مشيراً إلى أنه اضطر للانتقال إلى ملجأ خمس مرات خلال الليل بسبب القصف الإيراني. بدوره، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال إن 'إيران كان بإمكانها تجنب كل هذا لو وافقت على إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة'، وأضاف: 'ما زال أمامهم الوقت ليعودوا إلى طاولة المفاوضات إذا كانوا يمتلكون شيئاً يمكن التفاوض عليه'. وتراقب الدول الكبرى في المنطقة والعالم التصعيد الجاري بقلق بالغ في ظل غياب أي مؤشرات على تهدئة فورية بين العدوّين اللدودين.


الوكيل
منذ 2 ساعات
- الوكيل
هيئة الرقابة النووية السعودية: لا مؤشرات على تلوث في...
الوكيل الإخباري- اضافة اعلان أوضحت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية في السعودية الوضع البيئي في محيط محطتَي تخصيب اليورانيوم "نطنز" و"أصفهان" في طهران، جراء الهجوم الإسرائيلي الذي تعرّضت له إيران أمس الجمعة.وقالت الهيئة، في تغريدة نشرتها على حسابها الرسمي في منصة "إكس": "لا يوجد تلوث بيئي في محيط محطتي 'نطنز' و'أصفهان' لتخصيب اليورانيوم، بناءً على ما تلقّاه مركز عمليات الطوارئ النووية بهيئة الرقابة النووية والإشعاعية، في إطار اتفاقية التبليغ المبكر عن حادث نووي، من إحاطة من مركز الأحداث الطارئة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، عما ورده من الهيئة الرقابية النووية الإيرانية".وكان الجيش الإسرائيلي قد أكد، في وقت سابق، أنه استهدف محطة نطنز النووية الإيرانية في محافظة أصفهان، لتكون أحد الأهداف العديدة التي هاجمها ضمن عملية "الأسد الصاعد" التي أُطلقت فجر أمس الجمعة.كما أعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، الجمعة، أن الضربات الإسرائيلية تسبّبت بأضرار مادية في منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز، فيما أفادت القناة 12 الإسرائيلية بتدمير المنشأة المذكورة.وفي وقت سابق، أعلن بهروز كمالوندي، المتحدث الرسمي باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أن أضرارًا "محدودة" لحقت ببعض مناطق موقع تخصيب اليورانيوم في منشأة "فوردو"، جنوب طهران، جراء الهجوم الإسرائيلي.وشنّت إيران، ليل أمس وفجر اليوم السبت، عدة موجات من الإطلاقات الصاروخية باتجاه إسرائيل من الشمال حتى الجنوب، ردًا على هجوم إسرائيلي بدأ أمس الجمعة 13 يونيو، مستهدفًا منشآت نووية إيرانية وبنى تحتية عسكرية، ما أدى إلى مقتل قادة عسكريين وأمنيين بارزين، وعدد من علماء الذرة.وأدّت الضربات الصاروخية الإيرانية إلى مقتل 3 إسرائيليين في المجمل، وإصابة العشرات، بالإضافة إلى دمار هائل، لا سيما في تل أبيب وسط إسرائيل.

عمون
منذ 4 ساعات
- عمون
ضربات إسرائيل في عمق إيران: بين المطرقة النووية وسندان السياسة الدولية
في ظلّ ظلام الفجر البارد، انفجر صمت السماء الإيرانية بقذائفَ إسرائيليةٍ مُحدَّدةٍ، كأنها سكاكين جرّاحة تشقّ جسدَ الجغرافيا السياسية بلا رحمة. بدأت "عملية مطوّلة" – كما وصفتها تل أبيب – بضرباتٍ متلاحقةٍ استهدفتْ منشأة نطنز، حيث يُخصَّبُ اليورانيوم كقطرات زمنٍ تُجمَّعُ لصنع كابوسٍ نووي، ومصانعَ صواريخَ باليستيةً تنتظرُ إطلاقَها نحو أفقٍ مشحونٍ بالتهديد، ومطاراتٍ عسكريةً تحوّلتْ إلى رمادٍ تحت وطأة الضربات، وعشرينَ من قادة الحرس الثوري والعلماء النوويين الذين صاروا أرقاماً في سجلّ الموت المُعدّ مسبقاً. لم تكن الضربات مجرّدَ صاعقاتٍ عسكريةٍ عابرة، بل كانت رسالةً مكتوبةً بدماء التصعيد، ومُوقَّعةً بتواطؤ دوليٍ خفيّ. فقبل أيام، بدأت الإشاراتُ تلوحُ في الأفق: انسحابُ الدبلوماسيين الأمريكيين من العراق والخليج كطيورٍ تنذرُ بعاصفةٍ قادمة، ثمّ قرارُ الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي مزّقَ ورقةَ التزام إيران بملفّ عدم الانتشار، وكأنما كان الجميعُ ينتظرون إشارةَ البداية. وفي المشهد الدولي، انقسمتْ ردودُ الفعل كسكينٍ ذات حدّين: فمن جهةٍ، وقف الغربُ يُردّدُ كالمُرتّلين في جوقةٍ واحدةٍ أن "لإسرائيل حقّ الدفاع عن نفسها"، بينما نأى بنفسه – ببرودٍ دبلوماسي – عن أيّ تورّطٍ عسكريٍ مباشر. لكنّ التصريحاتِ الأمريكية، خاصةً تلك التي أطلقها ترامب كسهامٍ مُتعمَّدة، كشفتْ عن لعبةٍ أكبر: فالهجومُ "الناجح" – بحسب وصفه – لم يكن مجرّدَ ضربةٍ وقائية، بل رهاناً على أن تُجبرَ إيرانَ على الركوعِ إلى طاولة المفاوضات، حاملةً شروطَ واشنطن كأغلالٍ ذلّية. لقد جمع نتنياهو أوراقَ الضغطِ كشحّاذٍ محترفٍ يوزّعُ أوراقَ اللعبةِ على طاولةِ البيت الأبيض: مهلةُ الشهرين التي انتهتْ كساعةِ رملٍ أخيرة، قرارُ الوكالة الذرية كشرعيةٍ دوليةٍ مزيّفة، ورفعُ إيران نسبةَ التخصيب إلى 60% كفزّاعةٍ نوويةٍ يُلوّحُ بها في وجه العالم. كلّها عناصرُ صاغتْ سيناريو الضربةِ التي أرادها نتنياهو نصراً مُطلقاً: فإمّا أن تموتَ المفاوضاتُ تحت أنقاضِ المنشآت المُدمَّرة، أو أن تُدفنَ طهرانُ نفسُها تحت ركامِ المواجهة. الآن، ها هو البابُ يُوصَدُ على خيار ترامب الدبلوماسي، بينما يُفتحُ على مصراعيه أمام خيار الحرب. فإذا ما ردّت إيرانُ بغضبٍ، واستهدفتْ القواتَ الأمريكيةَ في الخليج، فستكون الشرارةَ التي تُحرقُ كلَّ حساباتِ الردع، وتُحوّلُ الضرباتِ المُوجَّهةَ إلى حربٍ شاملةٍ تُدخِلُ أمريكا وحلفاءَها كقطيعٍ تحت نارِ المواجهة. حينها، لن يعودَ الأمرُ مجرّدَ تدميرِ منشأةٍ نووية، بل سيكونُ مشروعاً كاملاً لاقتلاعِ النفوذ الإيراني من جذوره، وتحطيمِ عظامِه العسكرية، وربما ذبحِ النظامِ برمّته. وفي الخلفية، يبتسمُ نتنياهو. فبين أنقاضِ إيران، سيبني عرشاً جديداً للوحدة الإسرائيلية تحت قيادته، وينفضُ عن كتفيه غبارَ الضغوط الداخلية كفرعونٍ صغيرٍ يُمسكُ بمصيرِ أمّةٍ بأكملها. لكنّ السؤالَ الأكبرَ يظلُّ معلّقاً في الهواء: هل ستكونُ هذه الضرباتُ نهايةَ الكابوس النووي، أم بدايةَ كابوسٍ آخرَ أكثرَ دموية؟ فالتاريخُ لا يُحاكمُ بالنيّات، بل بالدماءِ التي تُراقُ على مذبحِ السياسة.