
تفصيل مقلق لا ينبغي تجاهله في الصراع الإسرائيلي
جاك سترو - (الإندبندنت) 2025/6/19
الخطر المتصاعد بين إيران وإسرائيل قد يفجر نزاعاً لا يمكن التنبؤ بمآلاته، وسط غياب دعم فعلي لطهران حتى من أقرب حلفائها، وتردد باكستان والصين وروسيا عن التدخل. العمل العسكري لن يوقف البرنامج النووي الإيراني، والحل الوحيد هو اتفاق جديد يعيد آليات التفتيش الدولي ويمنع الانزلاق نحو التصعيد. اضافة اعلان
* * *
سُئلت كثيراً، خلال الأيام الماضية، عما إذا كنت أذكر فترة كانت بمثل هذا القدر من الخطورة الذي نشعر به اليوم. نعم، أزمة الصواريخ الكوبية في تشرين الأول (أكتوبر) 1962. كانت تلك الأزمة مرعبة للعالم بأسره، حيث وقفت القوتان العظميان؛ الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وجهاً لوجه. وكنتُ مرتعباً بحق. وبعد 13 يوماً، حين بدا أن العالم يحبس أنفاسه فعلاً، تم حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية.
أما في ما يتعلق بالسؤال المطروح اليوم وبخطر اندلاع كارثة نووية نخشاها جميعاً -سواء كانت وجودية أو غير ذلك- فإن العنف هو بحد ذاته فوضى. ونادراً ما تسير الحروب وفقاً للخطط المرسومة لها. ويُظهر لنا التاريخ أن خطأً بسيطاً نسبياً يرتكبه قائد ميداني قد يشعل أحياناً شرارة كارثة شاملة. ولهذا، لا شيء مؤكداً بشأن الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل.
هل تنبري باكستان -وغيرها من دول المنطقة- لدعم إيران في صراعها ضد إسرائيل كما أفادت الأنباء يوم الاثنين؟
بصراحة، أرى أن احتمال تدخل باكستان، أو أي من الدول المسلمة الرئيسية، أو روسيا أو الصين، عسكرياً في هذا الصراع، ضعيف جداً. أما التلميحات الصادرة يوم الاثنين حول احتمال استخدام باكستان لترسانتها النووية ضد إسرائيل إذا ما استخدمت الأخيرة السلاح النووي ضد إيران، فلم تصدر عن أي متحدث رسمي باكستاني، بل جاءت على لسان الجنرال محسن رضائي من الحرس الثوري الإيراني في مقابلة تلفزيونية أجريت في طهران.
لم يؤكد أي مصدر رسمي في باكستان هذه الادعاءات بعد. كما أن احتمال استخدام إسرائيل للسلاح النووي ضد إيران ضئيل، إن لم نقل معدوما. من شبه المؤكد أن يُعارض دونالد ترمب مثل هذه الخطوة، بالإضافة إلى أن تفوق إسرائيل العسكري في هذا الصراع كبير بما يكفي لدرجة أنها لن تضطر حتى إلى التفكير فيها. وقد باتت إيران نفسها قريبة من امتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي، لكنها لم تفعل ذلك بعد.
ورد يوم الأحد أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قال في اجتماع لحكومته: "نتوقع من الدول الإسلامية ودول المنطقة (الشرق الأوسط) أن تتخذ موقفاً واضحاً وحازماً وفعالاً ضد عدوان الصهاينة وداعميهم".
ولكن حتى لو أقدمت إسرائيل على هجوم مجنون كهذا، فهل تنضم إليها باكستان؟ من شبه المؤكد أنها لن تفعل. إن باكستان هي جارة إيران، لكن العلاقات بين الدولتين لم تكن في أفضل حالاتها في الفترة الأخيرة، وسيكون استخدام القادة العسكريين الباكستانيين أي أسلحة نووية دعماً لإيران جنوناً محضاً، حيث لا بد أن تلقى هذه الخطوة معارضة شديدة من الولايات المتحدة، وهي داعم مالي أساسي لباكستان، ومن الصين، حليف باكستان الأهم والقديم.
لكن من المؤسف، بالنسبة للرئيس الإيراني المحاصر، أن جل ما فعله حلفاء إيران السابقون، مثل روسيا والصين، حتى الآن، هو إصدار بيانات شكلية تندد بعدوان إسرائيل. نعم، أعربت دول المنطقة عن قلقها المتزايد ودعت إلى ضبط النفس، ولكن الأمور لم تتعد ذلك.
في لبنان، أعلن الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم "تأييده للجمهورية الإسلامية الإيرانية في حقوقها وموقفها، وفي كل ما تتخذه من خطوات وإجراءات للدفاع عن نفسها وعن اختياراتها السياسية". لكن ما يلفت نظري حقاً هو غياب أي تحرك فعلي لدعم إيران بعد هذه التصريحات. من الواضح أن "حزب الله" لا يرغب في التورط.
قبل إسقاطه في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كان من الممكن أن يُشكل الرئيس السوري بشار الأسد حليفاً قوياً لإيران، لكن نظامه لم يعد قائماً. أما حركة "حماس"، فهي اليوم أضعف بكثير مما كانت عليه سابقاً. وحدهم الحوثيون في اليمن يبدون حتى الآن على استعداد لاتخاذ خطوات عسكرية ملموسة دعماً لإيران، على الرغم من أن الضرر الذي قد يُلحقونه -ولا سيما من خلال عرقلة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن- قد يكون بالغاً، مع ما قد يترتب عليه من ارتفاع في أسعار النفط.
ما هي المواقع الأخرى التي قد تتعرض لهجوم مباشر؟ تمتلك بريطانيا قاعدتين عسكريتين مهمتين في "مناطق سيادتها" في قبرص، ولدينا منشأة للدعم البحري في البحرين. كما تحتفظ المملكة المتحدة بوجود عسكري في بعض دول الشرق الأوسط مثل السعودية وعُمان والإمارات. وقد تتعرض لهجوم من إيران أو وكلائها من أجل جر المملكة المتحدة إلى الحرب مباشرة.
لكنني على يقين من أن كل قاعدة تتخذ خطوات مناسبة لتعزيز أمنها، ومن الصعب كذلك أن نرى أي فائدة قد تكسبها إيران من أي هجوم.
إحدى المفارقات الساحرة في إيران (وأعترف أنني مدمن عليها، إدماناً لا يُعرف له علاج)، هي أنه على الرغم من أن من يفرط في التعبير عن رأيه قد ينتهي به الأمر بسهولة في سجن إيفين سيئ السمعة في طهران، فإن هناك مع ذلك تنوعاً ملحوظاً في الآراء التي تُنشر في الصحافة الإيرانية أو على صفحات المدونين الشجعان.
في الوقت الذي كانت فيه الصحف الإيرانية تنشر الإدانات المتوقعة لـ"الكيان الصهيوني" -إذ يرفض المتشددون التلفظ بكلمة "إسرائيل"- وحلفائه الغربيين، بمن فيهم الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، كان يجري في المقابل ما هو أكثر إثارة للانتباه ويستحق التوقف عنده. كان يدور بالتوازي مع هذا الخطاب نقاش عام مفاجئ جداً، يتناول ما إذا كان ينبغي على إيران الاستمرار في المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق نووي جديد. وفي هذا الإطار، اعتبرت الصحيفة المعتدلة "آرمان ملي" المفاوضات مع الولايات المتحدة "مؤشر قوة"؛ فيما حثت الصحيفة المحافظة "جمهوري إسلامي"، على ضرورة الاستمرار بالمفاوضات مع الولايات المتحدة.
غير أن مسألة ما إذا كانت أي مفاوضات أو صفقات قد تقترحها إدارة ترمب سترى النور تبقى موضع نقاش. وما يميز الصراع الحالي -ويجعله أكثر مدعاة للقلق- مقارنة بأزمة العام 1962، هو أن أيًا من الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي كان يسعى إلى القضاء التام على الدولة الأخرى.
منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، غذى القادة الدينيون والعسكريون في إيران مشاعر كراهية شديدة ولا عقلانية حتى تجاه مجرد فكرة وجود إسرائيل. صحيح أن تأسيس إسرائيل في العام 1948 كان مثيراً للجدل -لكن هذا ينطبق على العديد من الدول الأخرى أيضاً. والأمم المتحدة تعترف بإسرائيل تماماً كما تعترف بإيران. ومن المأساوي للشعب الإيراني أنه يدفع الآن ثمناً باهظاً نتيجة هذا الوهم الجنوني لمرشده الأعلى الذي ينكر حق دولة أخرى، عضو في الأمم المتحدة، في الوجود.
سوف تتمكن إسرائيل من تأخير البرنامج النووي الإيراني، لكن العمل العسكري وحده لن يمحو المعرفة والمهارات التي راكمها العلماء النوويون الإيرانيون. والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي التوصل إلى اتفاق نووي جديد، يتضمن تفتيشاً دقيقاً تقوم به الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إن دونالد ترامب محق في اقتراحه أن هناك ما هو "أفضل من وقف إطلاق النار" بين إسرائيل وإيران. وبالنسبة للإيرانيين، فإن اتفاقاً جاداً هو السبيل الوحيد للخروج من دوامة الهلاك التي زجهم فيها قادتهم قصيرو النظر.
لكن المفارقة الكبرى هي أن الصفقة الجدية التي يسعى إليها ترامب حالياً كانت موجودة بالفعل، وقد أبرمتها الولايات المتحدة نفسها في العام 2015، وهي "خطة العمل الشاملة المشتركة". ويقال إن بنيامين نتنياهو هو الذي أقنع دونالد ترامب في العام 2018 بالانسحاب من ذلك الاتفاق، وهو ما مكن المتشددين في إيران (وهم معارضون دائمون لأي صفقة) من العمل على تخصيب اليورانيوم إلى المستويات المطلوبة لصناعة قنبلة نووية.
*جاك سترو John Whitaker "Jack" Straw: سياسي بريطاني بارز من حزب العمال، برز اسمه في السياسة البريطانية خلال فترة حكم توني بلير، حيث تولى مناصب وزارية رفيعة عدة، أبرزها وزير الداخلية (1997-2001)، ثم وزير الخارجية (2001-2006)، وكان أحد أبرز الداعمين لغزو العراق في العام 2003، ما جعله موضع جدل واسع داخليًا وخارجيًا. شغل لاحقًا منصبي زعيم مجلس العموم، ووزير العدل واللورد المستشار في حكومة غوردون براون. عُرف بمواقفه المؤيدة للعلاقات البريطانية-الأميركية، لكنه انتقد لاحقًا بعض السياسات الإسرائيلية. أصدر مذكراته السياسية في العام 2012 بعنوان "موقف الرجل الأخير" Last Man Standing، دافع فيها عن قراراته في الحكم، لا سيما بشأن العراق. وهو أيضًا مؤلف كتاب "المهمة الإنجليزية: فهم إيران وسبب تشكيكها في بريطانيا".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 24 دقائق
- البوابة
بعد تقرير سري أميركي حول "ضرب نووي إيران".. ترامب يوضح
شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوما حادا على وسائل إعلام وصفها بـ "الكاذبة"، مؤكداً أنه "لم يتم نقل أي شيء من منشآت إيران النووية قبل ضرباتنا"، في إشارة إلى الضربات التي استهدفت منشآت إيران النووية، الأحد الماضي، في فوردو وأصفهان ونطنز. وعقب مؤتمر صحافي لوزير الدفاع بيت هيغسيث ورئيس الأركان الأميركي دان كين والذي تم فيه استعراض تفاصيل العملية، كتب ترامب عبر "تروث سوشيال" واصفا المؤتمر بأنه "كان واحدا من أعظم المؤتمرات الصحافية وأكثرها احترافية وتأكيدًا رأيتها في حياتي! على "الأخبار الكاذبة" طرد كل من شارك في هذه الحملة الشرسة، والاعتذار لمحاربينا العظماء، وللجميع!". وأضاف الرئيس الأميركي: "كانت السيارات والشاحنات الصغيرة في الموقع تابعة لعمال الخرسانة الذين يحاولون تغطية قمم الأعمدة. لم يُخرج أي شيء من المنشأة. سيستغرق نقلها وقتًا طويلاً، وخطيرًا للغاية، وثقيلًا جدًا ويصعب نقله!". وشنّ الرئيس دونالد ترامب هجوماً عنيفا على وسائل إعلام أميركية بعدما نشرت تقريرا سريا للاستخبارات الأميركية يشكك بفعالية الضربة العسكرية التي نفّذتها الولايات المتحدة دعما لإسرائيل، واستهدفت ثلاثة مواقع نووية في إيران هي فوردو (جنوب طهران) ونطنز وأصفهان. ومنذ تنفيذ تلك الضربات النوعية، يؤكد الرئيس ترامب ويكرر أنها أسفرت عن تدمير المنشآت النووية الثلاث بالكامل. لكنّ خبراء طرحوا احتمال أن تكون إيران قد استبقت الهجوم بإفراغ هذه المواقع النووية من مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب والبالغ حوالي 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%. وكانت وثيقة سرية نشرتها شبكة "سي إن إن" CNN، الثلاثاء، أشارت إلى أن الضربات الأميركية لم تؤدّ سوى إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر فقط، من دون تدميره بالكامل، وذلك خلافا لما دأب ترامب على قوله. وأثار نشر هذه الوثيقة غضب ترامب، الذي أعلن على وجه الخصوص أن وزير الدفاع بيت هيغسيث سيعقد مؤتمرا صحافيا، صباح الخميس، "للدفاع عن كرامة طيارينا الأميركيين العظماء". المصدر: العربية


رؤيا نيوز
منذ 29 دقائق
- رؤيا نيوز
بريطانيا تدين اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية
دانت وزارة الخارجية البريطانية 'الاعتداءات الشنیعة' التي نفذها مستوطنون متطرفون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها الاعتداءات التي استهدفت قرية كفر مالك أمس، وأسفرت عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين. وأكدت الخارجية البريطانية في تغريدة لها اليوم الخميس أن 'المدنيين تجب حمايتهم'، وشددت على ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الاعتداءات.


رؤيا نيوز
منذ 29 دقائق
- رؤيا نيوز
سموتريتش 'يفتح النار' على نتنياهو.. ما خفايا 'خطة السلام' في الشرق الأوسط؟
هاجم وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل ، رئيس الوزراء بنيامين ، للمرة الثانية خلال أقل من 24 ساعة، معلنًا رفضه لما يسمونه بـ'خطة السلام في الشرق الأوسط'. ووفق رد سموتريتش، 'إذا كانت خطة التطبيع غطاءً لامعًا لتهديدٍ وجوديٍّ متمثلٍ في تقسيم إسرائيل، وتسليم الأراضي للعدو، وإقامة دولةٍ فلسطينيةٍ إرهابيةٍ تفوق مساحة غزة بعشرين ضعفًا، وفي منطقةٍ تُسيطر جغرافيًا وطبوغرافيًا على معظم إسرائيل، فنحن نرفضها جميعا'. وتابع الوزير الإسرائيلي منتقدًا نتنياهو: 'ليكن واضحًا أنك لا تملك أي تفويض. لا حتى بالتلميح أو الكلام. إذا كانت هناك دول تريد السلام مقابل السلام، فليكن. إذا أرادت دولة فلسطينية، فلينسوا الأمر. لن يتحقق ذلك'، بحسب كلامه. وسبق أن قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، مساء اليوم الخميس، إن 'تل أبيب حققت انتصارًا كبيرًا في الصراع ضد إيران، وأكد أن هذه فرصة استراتيجية لتعزيز اتفاقيات السلام الإضافية'، مضيفًا 'الرب يبارك شعبه بالسلام'. وتابع نتنياهو 'إلى جانب إطلاق سراح رهائننا وهزيمة حماس، هناك فرصة سانحة لا ينبغي تفويتها. ولا ينبغي إضاعة يوم واحد'، وفق قوله.