توقف معامل الحجر في عرسال: 4500 عائلة بلا دخل
شكّل حجز الزينة المصنَّع في بلدة عرسال مورد رزق دائم لأبناء البلدة البقاعية، وأمّن لهم آلاف فرص العمل. ثبّتهم في قريتهم، بعدما كانوا في ستينيات القرن الماضي، ينزحون للعمل في بيروت، حيث يقطنون في أحزمة البؤس.
صناعة تلفظ أنفاسها
خبأت جبال عرسال في باطنها، ثروة طبيعيّة كبرى، بقيت مجهولة طويلًا، حتى اكتشفها لاجئ فلسطينيّ يُدعى أبو خالد اللحام، وَفِدَ إلى البلدة هارباً من الاحتلال الاسرائيلي، في ستينيّات القرن الماضي، حيث كان يعمل في مقالع وكسَّارات فلسطين. واليوم وبسبب الاحتلال وتوقف الإعمار، تجاهد هذه الصناعة من أجل البقاء، وربما تلفظ أنفاسها الأخيرة.
تعاني صناعة حجر الزينة الأمرين وتعاند من أجل البقاء. ويشرح نائب رئيس بلدية عرسال السابق نصرات رايد أن المعاناة بدأت عام 2014 عندما احتل المسلحون جرود البلدة. في ذلك الوقت، كان الذهاب إلى المقالع والمعامل ضربا من الجنون. ويقول: "في أوائل العام 2019 بدأنا بالتقاط الأنفاس، إذ انتهينا من عمليات ترميم المقالع للعودة إلى العمل. لكن انفجرت حينها الأزمة الاقتصادية وانهارت العملة، وتوقفت قروض الإسكان أيضاً. ثم جاءت موجة وباء كورونا وأبقتنا في البطالة لأكثر من سنة. ومؤخراً، جاءت الضربة القاضية بالعدوان الاسرائيلي على لبنان".
ودقّ رايد ناقوس الخطر، خوفًا من المقبل من الأيام، بعد توقف الانتاج بنسبة تقارب 90 في المئة. وأكد أنه من أصل 650 مقلعاً ومعملاَ فإن نحو خمسين معملاً فقط تعمل اليوم. وعليه فقد 4500 عامل مصدر رزقهم الوحيد، من دون توفر البديل. وعليه كل مفاصل الاقتصاد في عرسال متضَررة من محطة المحروقات إلى البقّال، وصاحب وسيلة النقل، والمدرسة.
ويضيف رايد أنّ ما تعيشه عرسال معاناة حقيقية بدأت تطال الجميع. كانت هذه الإشكالية مخفيّة بسبب اللجوء السوري. فقد حصل أبناء البلدة على بعض التقديمات من الدول والهيئات المانحة، على المستويات الصحية والتربوية والإغاثية. أما الآن، فقد توقفت هذه المساعدات.
مواصفات الصخر العرسالي
ما من منطقة لبنانية، لا تتزيَّن مبانيها وحدائقها بالحجر العرساليّ الخام، أو المصنّع أو المنحوت، بحسب مسعود عزّ الدّين. والأخير صاحب معمل ومقلع توقف عن العمل، ولجأ إلى افتتاح متجر لبيع السكاكر والدخان كي يؤمن معيشته.
ويشرح عز الدين نوعيَّة الحجر العرسالي ومواصفاته: يمتاز بالجودة والصلابة وألوانه متنوِّعة، منه الأبيض، والأسمر والأصفر، كذلك لونٌ يُسمَّى موج البحر. أهميته أنه لا يمتصّ المياه، ولا يخزّن الحرارة، ولا تنبت فيه الحشائش، لذلك يُستخدم كعازل أيضًا. أمّا من حيث الشكل فالعين أفضل شاهد، يقول عزالدين مشيراً إلى أن آلاف القصور والمدارس والمباني تَتَزَيَّن به على امتداد لبنان.
عملية استخراج الحجر وتصنيعه شاقَّة ومتعبة، كما يصفها أبو علي الحجيري صاحب أحد المقالع. ويقول: "إنها أعمال شاقّة بكلّ معنى الكلمة، تبدأ من الصباح الباكر حتّى مغيب الشمس، جبال بأكملها نُقِبت بحثًا عن طبقات الصخر الصالحة للتصنيع".
ويشرح الحجيري طبيعة المشكلة الحالية بتوقف العمل. منذ العام 2005 اضطر أصحاب المقالع إلى إدخال نوعيّة معدّات جديدة مثل "البوكلين" و"الجنزور"، و"الحزّازة" والجرّافات الكبيرة، لتسهيل عمليات الحفر والحفظ على سلامة الصخر المنتج. وأسعار هذه المعدات تبدأ من 150 ألف دولار أميركي وتصل إلى 300 ألف دولار. لكنها اليوم متوقفة عن العمل ويأكلها الصدأ.
البحث عن أسواق خارجية
إيجابيّات وفوائد صناعة حجر الزينة كثيرة، بحسب الحجيري، الذي يقول: نعيش في بلدة حدوديّة نائية، بعيدة عن المؤسّسات والأسواق والوظائف. وفّرَت هذه المهنة فرص عمل وأبقتنا في بيوتنا بدل النزوح إلى بيروت أو الجبل، كما كان يحصل سابقًا. عززت المهنة من شأننا ورفعت من مستوى معيشتنا وحياتنا بشكل ملحوظ. لكن هذه الطمأنينة استمرت حتّى العام 2013، حين بدأت الأزمة السورية، وصولًا إلى ما نحن عليه اليوم".
بدوره يشرح أحد عمال المقالع حسين الفليطي (47 عامًا وأب لخمسة أطفال) عن المعاناة التي خلفتها أزمة توقف المعامل. ويقول فليطي: "نعيش معاناة كبيرة منذ الحرب السورية وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي. لقد بات أكبر همنا تأمين الطعام لأطفالنا. اضطرت ابنتي الكبرى ترك دراستها الجامعية في زحلة بسبب بطالتي. وحتّى الآن لم أسدد ربع أقساط المدارس لإخوتها. وما يسري عليّ يصيب كل زملائي العمال وهم بالآلاف".
تسويق البضائع هو التحدي الأبرز الذي تواجهه صناعة الحجر حاليًا. فالسوق المحلي مُتوَقف حتى إشعارٍ أخر. يضاف إلى ذلك استيراد الحجر المصري والسوري، الذي يشّكل تحدياً وجودياً لعرسال. ويؤكد عزّ الدّين أنَّ كلفة إنتاج المتر المكعب الواحد من حجر الزينة العرساليّ تتراوح بين 550 و600 دولار أمريكيّ. أما الحجر المصري والسوري فهو أقل جودة، ونوعيته رديئة، ومن الطبيعي أن يكون سعره أدنى في السوق. ويضاف إلى ذلك أن الضرائب على الحجر المستورد شبه رمزية.
ويلفت عزالدين إلى عدم حماية الحجر الوطني، بسبب غياب التخطيط، وبسبب قوة وسطوة التجَّار المستوردين. في المقابل ثمة محاولة من أصحاب المقالع في عرسال لإيجاد أسواق خارجية. فقد عملنا على إرسال عيِّنات وصور وفيديوهات عن منتجاتنا إلى الخليج، وبعض الدول الأفريقية، آملين بفتح باب التصدير. وهذا يُشكّل بارقة أملٍ كبيرة تُنقِذ آلاف العائلات، ويعود بالنفع علينا وعلى الدولة أيضاً في حال نجحنا بالتصدير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


منذ 2 ساعات
"مؤشرات التعافي تتبلور"... جابر: المؤسسات الدولية تعود إلى لبنان
أكّد وزير المالية ياسين جابر أن "حركة الموفدين من صناديق ومؤسسات تمويلية أجنبية وعربية إلى لبنان، تُشكّل واحدة من المؤشرات الفعلية على بداية مرحلة التعافي بعد سنوات طويلة من الأزمات الخانقة". وقال: "التحول الحاصل في الاتجاهات والسياسات الخارجية باتجاه استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان ودوره، يبعث على التفاؤل. ونحن في وزارة المالية، ومع الحكومة، نعمل جاهدين على تثبيت هذه الثقة، عبر الانطلاق بسلسلة من الإصلاحات البنيوية والهيكلية الشفافة التي تطال القطاعين المالي والنقدي، إلى جانب تطوير البنى التحتية الأساسية من كهرباء واتصالات وغيرها". ولفت جابر إلى "أهمية التحديث والتطوير الرقمي، لما له من دور في خلق مناخات جاذبة للاستثمار، وإعادة تحريك عجلة الدورة الاقتصادية، وتأمين الحد المطلوب من الاستقرارَين الاقتصادي والاجتماعي". وكشف وزير المالية أن "عملية تحديث الإدارة وتطويرها في مختلف الوزارات والإدارات العامة هي اليوم موضوع بحث وتعاون بين وزارة المالية والبنك الدولي، بهدف الاستفادة من قرض بقيمة 150 مليون دولار لتوظيفه في هذا المسار. هذا المشروع سيساهم في تحسين أداء الإدارة العامة وتسهيل الخدمات المرتبطة بالمواطنين، ويعزّز الشفافية، ويحصّن المؤسسات من شبهات الفساد والإفساد". ورأى جابر أن "أي استقرار اقتصادي أو اجتماعي لن يكون مكتملًا ولا مضمونًا في ظل غياب الاستقرار الأمني"، مشدّدًا على "ضرورة أن تضغط الدول الضامنة لوقف إطلاق النار باتجاه تثبيته، بما يفتح المجال أمام إعادة الإعمار على المستويين الأمني والمادي". وكان الوزير جابر قد عقد سلسلة لقاءات إدارية ومالية، أبرزها اجتماع مع وفد من صندوق النقد الدولي برئاسة الممثل المقيم للصندوق في لبنان فردريكو ليما، في سياق متابعة اجتماعات الربيع التي انعقدت في واشنطن، وتحضيرًا لزيارة مرتقبة لوفد الصندوق إلى بيروت في نهاية الأسبوع الحالي. كما استقبل بعد الظهر وفدًا من صندوق أبو ظبي للتنمية، الذي أبلغه نية الصندوق واستعداده لتمويل عدد من المشاريع التنموية في لبنان، ما يعكس اتجاهًا دوليًا إيجابيًا لدعم الاستقرار التنموي في البلاد.


منذ 2 ساعات
جابر: على الدول الضامنة لوقف إطلاق النار الضغط لتثبيته ويجب فتح المجال أمام إعادة الإعمار
اعتبر وزير الماليّة ياسين جابر ، أنّ "حركة الموفدين من صناديق ومؤسّسات تمويليّة أجنبيّة وعربيّة إلى لبنان ، هي واحدة من مؤشّرات التّعافي، بعد سنين من الأزمات الخانقة"، مشيرًا إلى أنّ "ما يبعث على التّفاؤل، هو التّحوّل في الاتجاهات والسّياسات الخارجيّة نحو استعادة ثقة المجتمع الدّولي بلبنان ودوره، والّتي نجهد كوزارة للماليّة وحكومة لتثبيتها، عبر الانطلاق بإصلاحات بنيويّة وهيكليّة شفّافة تطال القطاعَين المالي والنّقدي، إلى جانب تحسين وتطوير البنى التّحتيّة الأساسية من كهرباء واتصالات وسواها". وأكّد "أهميّة العمل في مجال التّحديث والتّطوير الرّقمي، الّذي يوفّر بدوره مناخات جذب استثماريّة تعيد عجلة الدّورة الاقتصاديّة، ويوفّر الحدّ المطلوب من الاستقرارَين الاقتصادي والاجتماعي"، كاشفًا عن أنّ "عمليّة تحديث الإدارة وتطويرها في كل الوزارات والإدارات، هي موضوع بحث بين وزارة الماليّة والبنك الدّولي، للإفادة من قرض بقيمة 150 مليون دولار لتوظيفه في هذا المجال، الأمر الّذي يخدم الإدارة في تسيير شؤون النّاس وكل الشّؤون المرتبطة بعمل المؤسّسات والدّولة وتسهيلها، ويضفي عليها طابع الشّفافيّة ويحميها من سمة الفساد والإفساد". ولفت جابر إلى أنّ "أي استقرار اقتصادي أو اجتماعي لن يكتملا، ولن تكون لهما أي حصانة بغياب الاستقرار الأمني"، مشدّدًا في هذا الجانب على "ضرورة أن تضغط الدّول الضّامنة لوقف إطلاق النّار باتجاه تثبيته، وأن يُفتح المجال أمنيًّا ومادّيًّا أمام إعادة الإعمار". وكان وزير الماليّة قد التقى في مكتبه، وفدًا من صندوق النقد الدولي برئاسة الممثّل المقيم للصّندوق في لبنان فردريكو ليما، وذلك في إطار متابعة اجتماعات الرّبيع في واشنطن، وتحضيرًا لزيارة وفد الصّندوق إلى بيروت أواخر الأسبوع الحالي.

القناة الثالثة والعشرون
منذ 2 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
جابر: 150 مليون دولار من البنك الدولي لتحديث الإدارة في لبنان
اعتبر وزير المالية ياسين جابر أن حركة الموفدين من صناديق ومؤسسات تمويلية أجنبية وعربية إلى لبنان، هي واحدة من مؤشرات التعافي بعد سنين من الأزمات الخانقة. وقال إن ما يبعث على التفاؤل هو التحول في الإتجاهات والسياسات الخارجية نحو استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان ودوره، والتي نجهد كوزارة للمالية وحكومة لتثبيتها عبر الانطلاق باصلاحات بنيوية وهيكلية شفافة تطال القطاعين المالي والنقدي، الى جانب تحسين وتطوير البنى التحتية الاساسية من كهرباء واتصالات وسواها. مشيراً إلى أهمية العمل في مجال التحديث والتطوير الرقمي التي توفر بدورها مناخات جذب استثمارية تعيد عجلة الدورة الاقتصادية وتوفر الحد المطلوب من الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي. وكشف جابر عن ان عملية تحديث الادارة وتطويرها في كل الوزارات والادارات هي موضوع بحث بين وزارة المالية والبنك الدولي للافادة من قرض بقيمة ١٥٠ مليون دولار لتوظيفه في هذا المجال، الأمر الذي يخدم الادارة في تسيير شؤون الناس وكل الشؤون المرتبطة بعمل المؤسسات والدولة وتسهيلها، ويضفي عليها طابع الشفافية ويحميها من سمة الفساد والإفساد. ولفت جابر الى أن أي استقرار اقتصادي أو اجتماعي لن يكتملا، ولن تكون لهما أي حصانة بغياب الاستقرار الأمني، مشدداً في هذا الجانب على ضرورة أن تضغط الدول الضامنة لوقف إطلاق النار باتجاه تثبيته، وأن يُفتح المجال أمنياً ومادياً أمام إعادة الاعمار. الوزير جابر الذي كانت له اليوم لقاءات مكثفة ادارية ومالية، التقى وفداً من صندوق النقد الدولي برئاسة الممثل المقيم للصندوق في لبنان فردريكو ليما، وذلك في اطار متابعة اجتماعات الربيع في واشنطن، وتحضيراً لزيارة وفد الصندوق الى بيروت أواخر الأسبوع الحالي. وبعد الظهر التقى الوزير جابر وفداً من صندوق أبو ظبي للتنمية أطلعه على نية الصندوق واستعداده لتمويل عدد من المشاريع التنموية. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News