لذلك فإن معادلات الكم التكنولوجي للمسرح هي فيزياء غير ثابتة القوانين والمعادلات وقوانين الحتمية والسببية - كما أشرنا لذلك في المقالات السابقة" بل تبحث في العلاقة ما بين العلم والمنجز وهذا يدخلنا في الكم الضوئي لقياس كثافة الرؤيا وتدرجاتها في الحقل الرياضي والجبري،
إن المسرح الحديث بنظرياته وتقنياته الرقمية والإلكترونية ارتكز على إحداث التجارب في الرؤية البصرية في الآونة الأخيرة، لكي يواكب ذلك التقدم في علم الصورة - هو ما بدأ في الآونة الأخيرة في إحداث تجارب على الرؤية البصرية، ولكي يواكب علم الفيزياء هو ما تكرسة التجارب المسرحية في هذا الشأن.
"لذا فإن قوانين الفيزياء في المحيط الكوانتمي أصبحت هي القوى للمخيلة وجسيمات الفوتون وهو جزء لجزء في الأشعة البصرية لمكونات الرؤية".
بمعنى قياس الكثافة ومساحاتها الضوئية في جسيمات العرض".
التكنولوجيا في المسرح هي النواة في جسيمات التفاعلات القوية ما بين عناصر العرض "وتقسم ضمن فلسفة الكوانتم إلى اتحاد فيزيائي للعناصر ومعادلاتها والذي تشتغل قواه في تكنولوجيا الرؤيا وقراراتها وتسمى بالقيمة البلانكية وهي عناصر شاملة لقوانين الذرة والنواة وفيزياء الجزيئات وكذلك كعامل في تحديد العلاقة ما بين طاقة خطاب العرض وتردد انعكاساته طوال موجات العرض المستمرة، من خلال "المبدأ التراتبي".
إذا فالعرض المسرحي مركب بدقة متناهية ومؤلف من قيم جمالية لمعايير لا يمكن تفسيرها أو الوصول إلى جوهرها السحري، لذا فالمعادل الكمي لتكنولوجيا المسرح هو وجود متعال يتحرك في رسم فضاءات لمعادلات عرض فيزيائي سحري من خلال حركة الموجة للطاقة وهي ذبذبات موجية داخل محيط لا نهائي في المكون الصوري للعرض.
ولهذا القول وجهتا نظر في التلقي المسرحي، الأولى هي تخصص اثنان من الحواس في إدراكهما الضوء والصوت، والأخرى لا تتعادل أهميته من وجهة نظر الفيزيائي مع الضوء بلا حدث درامي.
وفي النظرية الكمية لمصطلح التكنولوجي في الفن هو الانطلاق من الجانب الآخر لمكون النص، بمعنى أن نجد طريقاً جديداً كي لا تستدير الثقافة والفنون وتتكرر داخل ثوابت كما أشار نيتشه بأن" كل شيء سيتكرر وسنرجع إلى بدايات الانطلاق".
ومن خلال الكم التكنولوجي في العرض لتحرك اشتغالاته من معادلات انطلوجية جديدة، انطلوجيا علم المسرح والتي ستكون نظرية جديدة قائمة على العلم.
"إن اشتغالات قوانين التكنولوجيا في المسرح تعمل على تفريغ المادة من ماديتها لطرح منظومة فلسفية جديدة تنطلق من فلسفة الكوانتم بحثاً عن الماورائية في المسرح والفن والأدب. وإن فيزياء الكم في الفن والأدب ستبقى حقولاً كثيرة، وستحول الكثير من الدراسات السابقة إلى توثيق تاريخي حيث ستغادر قراءات القرن الجديدة المنطلقة من الفلسفة الكوانتيمية -سطوة المعرفي والثابت إلى منطلقات قوانين العلم الحديثة"
فإذا ما سلمنا بأن المسرح الحديث في العالم الآن، يوجه تلك الغربة التي أشرنا إليها لفقدان الأنس المعرفي ولتطور التكنولوجيا الرقمية في وسائل الاتصال والتي لم يحظ المسرح منها بالكثير ولعدم تقدم أي من علماء الاتصال المسرحي بإقامة نظرية عربية تتسق وسيكلوجية المتلقي العربي. فنجد أن هرماس حين لاحظ خطر التنوع الثقافي، باعتباره يقود إلى ثقافة الهيمنة يقول :"إن الفرد، إذا ما أراد أن يصون ثقافته، عليه أن ينتج فيلسوفاً كبيراً مثل " كانت" ليعيد لم شتات هذا التنوع الثقافي نحو ثقافة واحدة تكون هي الثقافة المفتاح والأنموذج ".
ولسنا ممن يدعون إلى ثقافة الانكفاء على الذات بقدر ما نبحث عن أنس مفقود مع ثقافتنا أولاً ثم يأتي الأنس بالآخر، فثقافة الأنس هي ثقافة السلام مع النفس ومع الآخر" لم لا نذهب أبعد من ذلك ونجعل الثقافات تتآنس بعضها ببعض، لتنتج ما نسميه سعادة التسالم، أي البحث عن السلم النفسي المشترك".
هذا السلم المشترك لا يتأتى سوى بالسلم مع الذات والتراث والواقع ثم نبحث عن السلم المشترك مع الآخر. فثقافة النزوح هي ما جعلت الذات غير راضية وغير سعيدة بثقافة لم تمعن البحث في ثناياها. والمسرح هو الأداة الماصة لكل الفلسفات، فإذا خرج المسرح عن التلامس المعرفي مع الذات والهوية أصبح غريباً كما أتى!
فالمسرح في الوطن العربي سواء على مستوى الفرجة أو على مستوى العرض لم يتمخض عن نظرية عربية حديثة، باستثناء نظرية البعد الخامس في التلقي والمسرح، التي تهتم ببذل الطاقة في التلقي، لأن المسرح يقوم على الطاقة في التلقي، طاقة من مرسل وطاقة من متلقٍ، فإذا اتحدت هذه الطاقات تحدث المتعة والاسترخاء نتيجة للتخلص من الطاقة الزائدة، وهو ما أشار إليه أرسطو "التطهير" وإعطاء جرعة أكثر كثافة من التي يحتويها المتلقي "داوني بالتي هي الداء". وبما أن المشهد المسرحي يتكون من مادة وضوء فإن اتحاد المادة مع الضوء ينتج عن الطاقة. "فإن هذا الإتحاد النهائي لتصور الضوء والمادة في هو وحدة ذلك الكيان "الطاقة Energy".
هذه الطاقة هي التي تبعث على التوتر ثم الاسترخاء والمتعة، وفقد أثبت علماء التلقي ذلك الأثر القوي من اللون والضوء والتشكيل في الفراغ بالإضافة إلى الكلمة على المعرفة وعلى متعة التلقي لما لذلك من أثر سيكولوجي، وبالتالي أصبح المجال مفتوح لاستغلال التكنولوجيا في عوالم المسرح الصوَري.
"إن تكنولوجيا المسرح هي اشتغالات الحقل العلمي ومغادرة مناطق المنطق القديم من خلال الموجة والطاقة والجزئيات ومسارات الضوء لمكون اتصالي غامض من خلال الفيزياء، والميتافيزياء وتوليف طاقة متداخلة في فضاءات العرض والذي تشكله موجات أو سيل من ذبذبات موجبة".
ومما لا شك فيه أن المسرح هو المعين الأول لكل الفلسفات، وقد تبدى لنا ذلك فيما طرحناه من تلك الفلسفات وتجلياتها على المسرح في ضوء مقالاتنا السابقة، فإذا ظهرت لنا فلسفة كالكوانتم فإنه سيؤول بنا إلى تطور في تكنولوجيا المسرح نتاج ذلك التطور الهائل في اللغة المسرحية وجديدها وخاصة فيما بعد الحداثة، وتتجلى لنا هذه المحاولات في تجارب العرض المسرحي عند كل من جورجيو ستريهلر وروبرت ويلسون وروبرت ليباج، وقد كانت التكنولوجيا هي الأداة الرئيسة لتحقيق الحلم الفني لرؤى مخيلة الفنان المسرحي.
يقول صلاح القصب، وهو رائد مسرح الصورة إن : "العرض المسرحي وتكنولوجيته الكمية كل لا يتجزأ إذ أن كل جزء فيها مترابط.
تكنولوجيا المسرح ترتيب لمعادلات هرمية لأفكار ورؤى وأطروحات مستقبلية تبحث هناك لا هنا وهي أشبه بماسحات الرنين النووي المغناطيسي القادرة على تتبع دورة ذرات معينة في اشتغالات تقنيات الرياضيات والإحصاء من أجل تحليل المعطيات وعلوم الكومبيوتر تدخلت في مناح عديدة لطرح انفتاحات لمعرفة جديدة بالكلية تنمو وتتطور لنتائج مهمة. فقد كانت الدراسات السابقة تقول بأن الصورة البصرية هي تقريباً صورة فوتوغرافية تتشكل على الشبكة وترسل كما هي إلى المخ حيث يقوم بتحليلها بهذه الطريقة ستكون مرحلة الإدراك الحسي ومرحلة الفهم منفصلتين. إن الشبكة أنسجة عصبية على تعقيد كبير وهي التي تقوم بتنفيذ التحليل المفصل للصور الواردة ومن خلالها سنتعرف على ما إذا كانت الصورة تحوي خطوطاً رأسية قطاعات أخرى تتعرف على الخطوط الأفقية وتبقى قطاعات عصبية أخرى تميز الألوان وشدة الضوء وشدة وتكوينات الحركة وهكذا تنقسم الصورة لحظياً إلى مكونات عديدة لإعادة تجميعها لكي يعيد المخ تشييد الشيء المرئي".
وبذلك يمكن الاستفادة من هذه النظرية في خلق مسرح رقمي تكنولوجي بصورة معاصرة في ضوء فلسفة الكوانتم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 4 أيام
- الشرق الأوسط
الأميركي الذي حدَّث القصيدة: «كن حديثاً»
ذهب عزرا باوند إلى البندقية يكتب الشعر بين قنواتها كما فعل اللورد بايرون من قبل. وأعطت حركة «شعر» فكرة غير دقيقة عن حياته ومكانته، ربما لنقص في الاطلاع على أعماله. في ثلاثينات القرن الماضي، أمسك عزرا باوند بمطرقة خشبية وضرب بها على الطاولة مخاطباً جميع أقرانه: كن حديثاً!. «نحن بحاجة إلى أشكال فنية جديدة»، يصرح أنطون تشيخوف في مسرحيته «النورس»: «الأشكال الجديدة مطلوبة، وإذا لم تكن متوفرة، فقد لا يكون لدينا شيء على الإطلاق». كانت المهمة إبداعية وتدميرية في الوقت نفسه، كما اقترح فريدريك نيتشه. كانت مهمة جعل الأمر حديثاً تعني المضي قدماً، وإيجاد طريق جديد. كان لا بد من تغيير كل شيء. الفلسفة التي تقوم عليها الفنون، والرؤية الأساسية التي تعبر عنها، والعلاقة بين الشكل والمضمون، والفنان والجمهور، والفرد المبدع والمجتمع. وكما أعلن نيتشه، كان لهذه الرحلة في المعرفة الفنية الحديثة مخاطرها العميقة. ينوي راسكولنيكوف، تلميذ دوستويفسكي، في رواية «الجريمة والعقاب»، أن يتحرر من حدود الفكر: «يبدو لي أن أكثر ما يخشاه المرء هو أن يخطو خطوة جديدة أو ينطق بكلمة جديدة». يخطو راسكولنيكوف الخطوة، وينطق بالكلمة، ويرتكب جريمة حديثة، ويجد عقاباً حديثاً. كانت أخطار الطريقة الحديثة ستصبح واضحة حتى بالنسبة لباوند. فقد كان باوند مغترباً في إيطاليا خلال الحرب العالمية الثانية، وخاب أمله لأن الرئيس روزفلت لم يطلب استشارته في المسائل الاقتصادية، والثقافية، والسياسية. انحاز إلى بينيتو موسوليني، الذي كانت له بالفعل بعض الآراء المستقبلية. أنهى باوند الحرب محتجزاً في قفص في بيزا من قبل الجيش الأميركي في انتظار توجيه تهمة الخيانة إليه في الولايات المتحدة. حتى إن هذا كان له منطق معين، إذ اعتبر باوند أن مهمة الفنان هي أن يكون ملهب العصر، وأن يخلق الثقافة من خلال التمرد على الثقافة. وبحلول نهاية حياته، كان باوند مستعداً للاعتراف بأن طموحه في تحويل سياسة الثقافة كان خطأً خطيراً، وهو خطأ يشكك في إنجازه الفني وفي الهدف من «صنع الجديد». مثل كثيرين غيره، ثار باوند ضد الحداثة، لكنه آمن بها. والاسم الذي صار يطلق على ذلك التحول الكبير في أشكال الفنون وروحها، وطبيعتها، الذي حدث في الفترة ما بين سبعينات القرن التاسع عشر، واندلاع الحرب العالمية الثانية. لقد كانت ثورة فنية عميقة حركت أوروبا بأكملها. ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى باوند نفسه. لقد كانت أزمة في تاريخ الإنسانية الغربية، ومحاولة عميقة لفهم وإدراك طبيعة الوجود الحديث. إلى اللقاء...


الشرق السعودية
منذ 7 أيام
- الشرق السعودية
نيتشه والموسيقى الجديدة: قوة تشحن العالم
تحتل الموسيقى موقعاً مركزياً في المشروع الفلسفي لدى نيتشه، فهي لا تعدّ فناً جمالياً ثانوياً، بل صدى للوجود نفسه، ووسيط ميتافيزيقي يتجاوز حدود اللغة والعقل، ليكشف عن إيقاع الحقيقة وعمقها الخفي. يستعرض الناقد والصحفي الفرنسي بيار لاسير في كتابه "أفكار نيتشه حول الموسيقى"، الصادر حديثاً عن دار الرافدين في بغداد، ترجمة علي شمس الدين، العلاقة العميقة والمعقّدة التي ربطت نيتشه بالموسيقى، منذ طفولته وحتى أيامه الأخيرة. يأتي الكتاب بلغة تتطلب تمعّناً وإعادة قراءة، لفهم ترابط الأفكار وتسلسلها. ففي مواضع عدّة، يشعر القارئ بشيء من التشتّت أو الغموض، ربما بسبب طبيعة الترجمة، أو نتيجة الأسلوب الذي اختاره الكاتب الأصلي لعرض مادته. ليست مجرد فن ترفيهي الموسيقى عند نيتشه ليست مجرّد فن ترفيهي يخاطب الذوق والمشاعر، بل تجربة وجودية تلامس الأصل، وتكشف التوتر العميق بين النظام والفوضى، بين الحلم والانفعال. الفن عند نيتشه، يمرّ عبر البوابة الإغريقية، حيث يتصارع الإلهان "أبولو" و"ديونيسوس"، لا كرمزين دينيين فحسب، بل كمبدأين جماليين يتجاذبان كل تجربة فنية. إذ يمثّل أبولو مبدأ النظام، والعقل والوضوح والشكل والشعر الملحمي، أي كل ما هو متّزن ومنضبط. أما ديونيسوس، فيرمز إلى الفوضى، والغريزة والسُكر والنشوة. التوتر الخلّاق بين هذين المبدأين، لا يقوم على الانفصال، بل على الانسجام الجدلي، ومن هذا التوتر وُلد الفن الإغريقي الأصيل، المتوازن بين الشكل والعاطفة. تأثّر نيتشه بعمق بهذا التوتر، انجذب إلى صوت الناي الديونيزوسي، لأنه رأى فيه تلك القوة الغامضة التي تسبق كل عقل وكل شكل. فهي محرك للوعي، وصوت يعبّر عن الكينونة قبل أن تتشكّل في قوالب الثقافة. ورأى في الفن الإغريقي مثالاً أعلى للجمال، لا يولد من الانسجام السطحي بل من الصراع. الموسيقى قوّة منذ كتابه المبكر "ولادة التراجيديا"، بدأ نيتشه برسم ملامح هذا التصوّر؛ حيث قدّم الموسيقى كقوة خلّاقة تعيد شحن العالم بالحياة والرهبة. لم تكن بالنسبة إليه، سعياً نحو الانسجام، بل خرقاً له، لحظة شعورية تتقدّم كل تشكّل ثقافي. من هنا، رسم صورة الفنان بوصفه الإله الأخير: لا يسنّ القوانين بل يخلقها، لا يهيمن بل يعاني ويبدع. في خلفية هذا التصوّر، يظل شوبنهاور حاضراً بقوّة. فقد تأثّر نيتشه بكتابه "العالم كإرادة وتمثّل"، وتبنّى منه تصوّراً ميتافيزيقياً للموسيقى، باعتبارها الفن الوحيد الذي لا يُحاكي، بل يُجسّد الإرادة مباشرة. إن كل نغمة، عند شوبنهاور، ليست تمثيلاً بل حضوراً، ومن هنا رآها نيتشه فناً روحياً بامتياز، قادراً على تجاوز الدين لا تمثيله، لأنه يواجه الألم والحياة من دون أوهام. فاغنر والموسيقى في هذا السياق، كان لفاغنر أثر محوري في خيال نيتشه وتفكيره. رآه، في بداياته، مخلّصاً للفن الألماني، ولعالم ثقافي مأزوم، إذ لمس في موسيقاه الأولى عودة إلى الروح الديونيزوسية، إلى ذلك الصوت العميق الذي يخترق الفرد ليوقظ فيه الحلم الجمعي ويحرّك الغرائز. لم يكن إعجاب نيتشه بفاغنر فنياً فقط، بل اتخذ طابعاً مقدساً، إذ رآه نبياً لفن جديد يعيد إلى الموسيقى قداستها الميتافيزيقية. جاء اللقاء الأول بين نيتشه وفاغنر كمفصل حاسم، إذ رأى في الأخير تجسيداً حيّاً لأفكار شوبنهاور في الموسيقى. ففي أوبرا "تريستان وإيزولده"، شعر نيتشه أن الإرادة تتكلم بلغة الموسيقى، وأن الغريزة والموت والنشوة تنصهر في سيمفونية لا تُفسّر بل تُعاش. غير أن هذا الحلم لم يدم؛ فمع مرور الزمن تحوّل إلى كابوس، حين رأى نيتشه أن فاغنر لم يعد صوت الحياة، بل صوت الانحطاط. لقد صارت الموسيقى عند فاغنر، بحسب نيتشه، وسيلة دعائية تخدّر وتهيمن، في خدمة قومية مسيحية شمولية. لم يعد فاغنر، في نظره، ذلك الفنان الحر، بل أصبح أداة لسطوة أخلاقية وثقافية، لا تعبّر إلا عن الرداءة والانحلال. هكذا انهار مشروع الخلاص الجمالي. ساحةً للصراع الفلسفي عند هذه النقطة، انتقلت الموسيقى في تجربة نيتشه من كونها تجربة جمالية إلى ساحة للصراع الفلسفي. لم يكن يعارض الانفعال، بل الانفعال الفارغ؛ ولم يرفض التأثير، بل التأثير الذي لا يُحرّك الوعي بل يُخدّره. فالموسيقى العظيمة ليست ما يُسمع، بل ما يُعاش، ما يخترق وعي المتلقي، لا ما يُبهره بسطحية. لذلك، ظهرت عنده مفاهيم مثل "الانحطاط" و"النشاز"، لا كمفاهيم تقنية، بل كتشخيصات لحالة حضارية تنحدر، وتجعل من الموسيقى مرثية لعالم محتضر، بدل أن تكون نشيده. حتى بيتهوفن، الذي ألهم نيتشه في بداياته، لم يسلم من التقييم القاسي. فقد رآه لاحقاً موسيقياً جنائزياً، ينشد على أطلال أوروبا المنهارة، بدل أن يعيد إحياءها. فتحول الفن في نظره، من بوابة إلى المطلق، إلى صدى لحضارات لم يبقَ لها سوى ظلالها الباهتة في الذاكرة الجمعية. ومع ذلك، لم ينسحب نيتشه من عالم الموسيقى، بل صار أكثر قرباً منه، مشدداً على الحاجة إلى فن جديد: موسيقى تُفكر، لا تُفتن، تُحرر، لا تُخدّر، تخاطب الأعماق، لا تُسلّي. اللافت في معالجة نيتشه للموسيقى، ليس فقط جرأته في نقد الأسماء الكبرى، بل شجاعته في إعادة تعريف الجمال ذاته. فقد كان سبّاقاً في مهاجمة فن المتعة السهلة، وهنا يبدو نيتشه أقرب إلى الفنان منه إلى الفيلسوف؛ إذ لا ينظر إلى الجمال كمفهوم نظري بل كألم ناضج، كتجربة تحفر في الذات قبل أن تبهجها. من هذا المنظور، لم يكن نيتشه ناقداً للموسيقى، بقدر ما كان مناضلاً يطالبها الوفاء بوعدها: أن تكون صدى للوجود، وصوت الإرادة نفسها. الدعوة إلى موسيقى جديدة غير أن الموسيقى الرومانتيكية الحديثة، وخصوصاً الألمانية منها، لم ترقَ إلى هذا المثال. فقد رآها نيتشه غريبة عن الروح الإغريقية، مخدّرة، تغري المشاعر السطحية، وتفتقر إلى البنية الصارمة. كانت، في نظره، أقرب إلى إدمان الحنين منها إلى نداء الوعي، وهاجمها بوصفها تجسيداً لانهيار الذوق، لأنها تهرب من الوضوح إلى التشويش، وتروّج لمتعة مائعة لا توقظ بل تُخدّر. من هنا، جاءت دعوته إلى الحذر من هذا الذوق، بل إلى تحريمه على النفس الطامحة إلى صفاء الفكر. لقد دعا إلى موسيقى جديدة، قويّة، نابعة من الجنوب، تتمتع بصحة فنية وروحية، وتثأر من الانهيار الرومانتيكي. ورغم هذا النقد العنيف، لم يعمد نيتشه إلى التخلي عن حلمه الشخصي بأن يكون مؤلفاً موسيقياً. فكتب مقطوعات موسيقية تجسّد رؤيته، مثل "صدى ليلة من ليالي سيلفستر"، التي طوّرها لاحقاً إلى "تأملات في المانفريدي"، ساعياً إلى تحويل ألمه الشخصي، إلى شكل فني يتجاوز السمع نحو نداء داخلي عميق. وعلى الرغم من التحوّلات، ظل نيتشه وفياً لفكرة جوهرية، مفادها أن الفن والموسيقى في صميمه، ليسا للزينة بل للحقيقة. كانت رؤيته للموسيقى ثورة على الذوق الكسول، وحلماً بموسيقى تنقذ الإنسان من الرداءة، لا تلهيه عنها.


صحيفة عاجل
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- صحيفة عاجل
المنتخب السعودي للفيزياء يفوز بـ6 جوائز دولية في أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025
حصد المنتخب السعودي للفيزياء (6) جوائز دولية، منها ميداليتان برونزيتان، و(4) شهادات تقدير، في أولمبياد الفيزياء الآسيوي (2025)، بنسخته الـ(25) التي تنظمها المملكة في مدينة الظهران من (4) حتى (12) مايو الجاري، بمشاركة (240) طالبًا وطالبة يمثلون (30) دولة. وفاز الطالبان مازن الشخص من إدارة تعليم الأحساء، وحسين الصالح من إدارة تعليم الرياض بميداليتين برونزيتين، فيما نال الطلاب فارس الغامدي، وفيصل المحيسن، من إدارة تعليم الرياض، ومحمد العرفج، وعلي آل حسن، من تعليم الشرقية (4) شهادات تقدير، ليرتفع رصيد المملكة في هذا الأولمبياد إلى (22) جائزة دولية. وتأتي مشاركة السعودية في أولمبياد الفيزياء الآسيوي ضمن برنامج موهبة للأولمبيادات الدولية وثمرة للجهود والعلاقة التكامليّة بين مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة" ووزارة التعليم، وبعد استعداد مكثف تلقى فيه الطلبة المتسابقون آلاف الساعات التدريبية في "موهبة". يُذكر أن النسخة الأولى من أولمبياد الفيزياء الآسيوي انطلقت عام (1999) في إندونيسيا بمشاركة (12) دولة، ووصلت بمرور الوقت إلى (30) دولة، ويُعد من أبرز المسابقات العلمية الدولية السنوية الموجهة لطلبة المرحلة الثانوية الموهوبين في الفيزياء.