
عناصر الأمن الفلسطيني بين التنسيق الأمني والمقاومة.. تصاعد العمليات الفردية يربك إسرائيل ويحرج السلطة
وطالبت سلطات الاحتلال السلطة الفلسطينية بفتح تحقيق لمعرفة حيثيات الهجوم، وما إذا كان المنفذان قد تصرفا بشكل فردي أم أنهما مرتبطان بفصائل المقاومة. يُشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي ينفّذ فيها منتسبون لأجهزة أمن السلطة عمليات مقاومة، فالقائمة طويلة، منذ سنوات، رغم التزام السلطة بتنسيق أمني صارم مع الاحتلال لملاحقة عناصر المقاومة وكبح هجماتها ومنع تنفيذها.
شرطة في النهار.. فدائيون في الليل
استغل الاحتلال هذه العملية لشن حملة تحريض ضد السلطة الفلسطينية، متّهماً إياها بتشجيع مثل هذه العمليات رغم استمرار التنسيق الأمني. وأفادت حركة "ريغافيم" الاستيطانية بأن 78 عنصراً على الأقل من أجهزة أمن السلطة شاركوا في هجمات فدائية منذ عام 2020، مشيرة إلى أن هؤلاء ليسوا مجرد متعاطفين مع فصائل المقاومة، بل يعملون بدوام كامل في الأجهزة الأمنية، ما يعني أن عنصراً أمنياً واحداً على الأقل ينفّذ، في المتوسط، عملية فدائية كل أسبوعين، تسفر عن مقتل جنود أو مستوطنين في الضفة، ووصفتهم الحركة بـ"الشرطة في النهار، الفدائيين في الليل".
ويمكن ربط تصاعد هذه العمليات بحالة التأييد الواسعة التي حظي بها هجوم "طوفان الأقصى" الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر 2023 على مستوطنات غلاف غزة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن 82% من فلسطينيي الضفة الغربية، ومن بينهم أفراد من الأجهزة الأمنية، يرون أن قرار تنفيذ الهجوم كان صائباً.
مأزق السلطة.. وواقع الضفة
سياسياً، تُلحق هذه الهجمات ضرراً بالسلطة الفلسطينية وقادتها، عند التأكد من أن منفّذيها هم أعضاء في أجهزتها الأمنية، في ظل ما تعكسه من حجم التأييد الشعبي الكبير لحماس في الضفة، وما تبثّه الحركة من دعوات تحريضية علنية لتنفيذ عمليات فدائية، وتوزيعها لملصقات ومنشورات تتضمن تعليمات مفصلة لكيفية تنفيذ هجمات.
وتصل هذه الدعوات إلى أفراد الأجهزة الأمنية أنفسهم، رغم إرادة قيادتهم السياسية والأمنية التي تسعى إلى منعهم من الانخراط فيها.
ومن الحوادث الأخيرة التي تُظهر موقف السلطة الرافض لانخراط عناصرها في العمل المسلح، محاولة أجهزتها الأمنية في طولكرم قبل أيام اعتقال ناشط بارز في حركة الجهاد الإسلامي، لكنه تمكن من الفرار. كما منعت قوات الأمن الفلسطينية مجموعة من المسلحين من دخول "قبر يوسف" في نابلس، الذي يعتبره المستوطنون مكاناً مقدساً، وتقوم الأجهزة الأمنية بحراسته. في حادثة أخرى، تبادل أفراد من أجهزة الأمن إطلاق النار مع مسلحين خلال جنازة مقاوم من جنين قتلته إسرائيل.
ردود فعل إسرائيلية غاضبة
ما تزال التقييمات الإسرائيلية للعمليات التي ينفذها عناصر الأمن الفلسطيني تُصنّفها على أنها هجمات فردية تقع ضمن إطار ما يُعرف بـ"الذئاب المنفردة"، وليست ظاهرة منظمة واسعة النطاق، رغم تصاعد المخاوف من توسعها، واستفادة فصائل المقاومة من هذه العناصر لتجنيدها في صفوفها، نظرًا لسهولة وصولهم إلى الأسلحة والوسائل القتالية، الأمر الذي يثير قلق الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية من تكرار هذه الهجمات وفق مبدأ "المحاكاة"، ما قد يقود إلى تصعيد خطير في طبيعة العمليات المقبلة.
وقد أدى تنامي انخراط أفراد من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في عمليات المقاومة إلى صدور ردود فعل غاضبة في الأوساط الإسرائيلية، يمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:
آفي ديختر ، عضو الكنيست عن حزب الليكود ووزير الأمن الداخلي ورئيس جهاز الشاباك الأسبق، زعم أن "إسرائيل لا يمكن أن تستمر في التغاضي عن عجز السلطة الفلسطينية في مواجهة العمليات الفدائية، لأنها تستغل حقيقة أن بقاءها يخدم مصلحة الاحتلال، ولذلك تتقاعس عن التحرك المنفرد ضد المنظمات المسلحة". وطالب بموقف أكثر حزمًا تجاهها.
يارون روزنثال ، رئيس مجلس مستوطنة "غوش عتصيون"، هاجم قوات الأمن الفلسطينية، قائلاً: "في اليوم الذي يستطيعون فيه، سيقتلوننا. اليوم لديهم مصلحة بذلك". وحذّر من الثقة بالفلسطينيين، معتبراً أن تعاون أجهزتهم الأمنية مع إسرائيل نابع من كراهيتهم لحماس، وليس حباً بالصهيونية.
مائير دويتش ، المدير التنفيذي لحركة "ريغافيم"، اعتبر أن "هذه المعطيات تكشف زيف الادعاء بأن السلطة الفلسطينية عنصر استقرار"، وهاجم المسؤولين الإسرائيليين الذين يرون فيها جهة معتدلة. وأضاف أن من يعتقد ذلك "شارك في وهم مشابه سبق هجوم 7 أكتوبر"، حين باغتت حماس إسرائيل بـ"طوفان الأقصى".
نماذج مشرّفة وسجل بطولي حافل
رغم التنسيق الأمني الذي تلتزم به السلطة الفلسطينية مع الاحتلال، شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من العمليات الفدائية نفذها عناصر من الأجهزة الأمنية، في تحدٍّ مباشر لتعليمات قيادتهم، وتعبيرًا عن انتمائهم الوطني وتأييدهم للمقاومة، وسط ترحيب شعبي واسع واعتبارهم نماذج مشرّفة، ما يؤكد فشل مشروع "الفلسطيني الجديد" الذي سعت الولايات المتحدة إلى هندسته عبر السلطة.
فيما يلي رصد لأبرز تلك العمليات:
منذ انتفاضة الأقصى (2001-2004):
شرطي فلسطيني يفتح النار على حافلة قرب مستوطنة "كرمي تسور".
ضابط في الاستخبارات العسكرية يهاجم حاجز الجلمة، ويقتل نائب قائد دورية "الناحال".
عام 2011:
سعود التيتي يهاجم موقعًا عسكريًا، ويستشهد.
أشرف الشيخ إبراهيم، ضابط في المخابرات، يُستشهد في اشتباك بجنين.
سلسلة هجمات نفذها ضباط من الأمن الوطني والدفاع المدني، بينها تفجير سيارة مفخخة قرب "غوش عتصيون".
2012–2016:
إطلاق نار، ودهس، وطعن ضد جنود ومستوطنين، أبرزها عملية زراعة عبوة ناسفة في "بات يام" عام 2013، وهجوم على "مايان دوليف" عام 2015، واشتباك عند مستوطنة "بيت إيل" في 2016.
منذ عام 2019 وحتى 2025:
اشتباك داود الزبيدي، ضابط الأمن الوقائي، مع الجيش.
دعم زياد الرزاينة، شرطي الجمارك، لمقاومين نفذوا هجوم حوارة.
عملية استشهاد الضابطين علوي وعيسى عام 2021.
ضياء حمارشة، ضابط الأمن الوقائي، يقتل 5 مستوطنين في بني براك.
نجل الضابط فتحي حازم ينفذ عملية تل أبيب عام 2022.
تصاعد واضح في 2023–2025، مع تنفيذ عدة عمليات بإطلاق النار ضد جنود ومستوطنين، وارتقاء منفذيها، بينهم ضباط من الأمن الوطني والحرس الرئاسي والمخابرات.
الانخراط في كتائب المقاومة
رصدت أجهزة الأمن الإسرائيلية ظاهرة متزايدة لانضمام عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى فصائل المقاومة، مثل كتيبة جنين و عرين الأسود ، فضلًا عن كتائب شهداء الأقصى ، الجناح المسلح لحركة فتح، التي يفترض أنها حُلّت بقرار من الرئيس محمود عباس، وتم دمج أعضائها في أجهزة الأمن.
تثير هذه الظاهرة تساؤلات إسرائيلية متكررة حول جدوى تسليح السلطة الفلسطينية، إذ تمر جميع الأسلحة عبر موافقة الاحتلال، الذي يعرف أرقامها وسجلات مستخدميها، لكن هذه الأسلحة قد تقع في أيدي المقاومة أو تُستخدم من قِبل عناصر تنقلب قناعاتهم فجأة.
ورغم ذلك، تواصل بعض الأوساط الأمنية الإسرائيلية الدفاع عن تسليح أجهزة السلطة، بزعم أنها تستخدمها في اعتقال المقاومين وحماية أمن المستوطنين، رغم الإدراك الكامل لإمكانية تحول هؤلاء العناصر إلى مقاومين.
تأثير حرب غزة وتنامي شعبية حماس
تُظهر التحقيقات أن بعض الهجمات التي ينفذها عناصر من الأمن الفلسطيني تأتي كردود فعل شخصية، مثل استشهاد قريب أو تأثر بالعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، خاصة بعد مجازر حرب "طوفان الأقصى"، وانتشار صور الشهداء والدمار على وسائل التواصل.
رغم ذلك، تُلزم الاتفاقيات السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، بما يشمل تسليم مطلوبين وإنقاذ مستوطنين ضلّوا طريقهم، بل وتُنذر الجيش مسبقًا قبل اقتحام المدن، ما يعرّضها لحرج شعبي بالغ.
تحاول فصائل المقاومة تقويض هذا التعاون، وتسعى لإعادة سيناريو "إطلاق النار العكسي"، كما حدث في انتفاضة النفق 1996، وانتفاضة الأقصى، حين تحول سلاح الأجهزة إلى صدور الجنود الإسرائيليين.
ورغم أن عناصر المقاومة المنحدرين من الأجهزة الأمنية ما زالوا يشكلون نسبة صغيرة من إجمالي 30–40 ألف عنصر أمني، إلا أن تأثيرهم المعنوي والرمزي كبير، لا سيما مع تزايد الاعتقالات التي تنفذها السلطة ضد نشطاء المقاومة، وملاحقتها للمظاهرات المؤيدة لغزة، ومنعها لرايات حماس.
الخطاب الرسمي المرتبك
في كل مرة ينفذ عنصر أمني عملية ضد الاحتلال، تسارع السلطة إلى إبلاغ إسرائيل بأنه تصرف فردي لا علاقة له بالتنظيمات، وتتعامل معه بخطاب باهت أو تنكري، دون تبنٍّ رسمي أو حتى نعي واضح. وغالبًا ما تصف المنفذين بعبارات فضفاضة، بل وتشير أحيانًا إلى شكوك حول دوافعهم أو انتماءاتهم.
هذا التناقض يكشف ارتباكًا سياسيًا حادًا لدى السلطة، ويعرّي انفصامًا واضحًا بين قيادتها وقاعدتها الأمنية، إذ يبدو أن عناصر الأجهزة أنفسهم لم يعودوا يؤمنون بخطاب قيادتهم، ولا يثقون بجدوى التنسيق الأمني، وهو ما يشكل تهديدًا استراتيجيًا مستقبليًا لكل من السلطة والاحتلال على حدٍّ سواء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوست عربي
منذ 3 أيام
- بوست عربي
عناصر الأمن الفلسطيني بين التنسيق الأمني والمقاومة.. تصاعد العمليات الفردية يربك إسرائيل ويحرج السلطة
من جديد، نفّذ قبل أيام محمود عابد ومالك سالم، العنصران في أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، عملية فدائية تضمنت إطلاق نار وطعن ضد جنود الاحتلال في الضفة الغربية، وأسفرت عن مقتل أحدهم في مستوطنة "غوش عتصيون"، ما أثار غضب الاحتلال. وطالبت سلطات الاحتلال السلطة الفلسطينية بفتح تحقيق لمعرفة حيثيات الهجوم، وما إذا كان المنفذان قد تصرفا بشكل فردي أم أنهما مرتبطان بفصائل المقاومة. يُشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي ينفّذ فيها منتسبون لأجهزة أمن السلطة عمليات مقاومة، فالقائمة طويلة، منذ سنوات، رغم التزام السلطة بتنسيق أمني صارم مع الاحتلال لملاحقة عناصر المقاومة وكبح هجماتها ومنع تنفيذها. شرطة في النهار.. فدائيون في الليل استغل الاحتلال هذه العملية لشن حملة تحريض ضد السلطة الفلسطينية، متّهماً إياها بتشجيع مثل هذه العمليات رغم استمرار التنسيق الأمني. وأفادت حركة "ريغافيم" الاستيطانية بأن 78 عنصراً على الأقل من أجهزة أمن السلطة شاركوا في هجمات فدائية منذ عام 2020، مشيرة إلى أن هؤلاء ليسوا مجرد متعاطفين مع فصائل المقاومة، بل يعملون بدوام كامل في الأجهزة الأمنية، ما يعني أن عنصراً أمنياً واحداً على الأقل ينفّذ، في المتوسط، عملية فدائية كل أسبوعين، تسفر عن مقتل جنود أو مستوطنين في الضفة، ووصفتهم الحركة بـ"الشرطة في النهار، الفدائيين في الليل". ويمكن ربط تصاعد هذه العمليات بحالة التأييد الواسعة التي حظي بها هجوم "طوفان الأقصى" الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر 2023 على مستوطنات غلاف غزة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن 82% من فلسطينيي الضفة الغربية، ومن بينهم أفراد من الأجهزة الأمنية، يرون أن قرار تنفيذ الهجوم كان صائباً. مأزق السلطة.. وواقع الضفة سياسياً، تُلحق هذه الهجمات ضرراً بالسلطة الفلسطينية وقادتها، عند التأكد من أن منفّذيها هم أعضاء في أجهزتها الأمنية، في ظل ما تعكسه من حجم التأييد الشعبي الكبير لحماس في الضفة، وما تبثّه الحركة من دعوات تحريضية علنية لتنفيذ عمليات فدائية، وتوزيعها لملصقات ومنشورات تتضمن تعليمات مفصلة لكيفية تنفيذ هجمات. وتصل هذه الدعوات إلى أفراد الأجهزة الأمنية أنفسهم، رغم إرادة قيادتهم السياسية والأمنية التي تسعى إلى منعهم من الانخراط فيها. ومن الحوادث الأخيرة التي تُظهر موقف السلطة الرافض لانخراط عناصرها في العمل المسلح، محاولة أجهزتها الأمنية في طولكرم قبل أيام اعتقال ناشط بارز في حركة الجهاد الإسلامي، لكنه تمكن من الفرار. كما منعت قوات الأمن الفلسطينية مجموعة من المسلحين من دخول "قبر يوسف" في نابلس، الذي يعتبره المستوطنون مكاناً مقدساً، وتقوم الأجهزة الأمنية بحراسته. في حادثة أخرى، تبادل أفراد من أجهزة الأمن إطلاق النار مع مسلحين خلال جنازة مقاوم من جنين قتلته إسرائيل. ردود فعل إسرائيلية غاضبة ما تزال التقييمات الإسرائيلية للعمليات التي ينفذها عناصر الأمن الفلسطيني تُصنّفها على أنها هجمات فردية تقع ضمن إطار ما يُعرف بـ"الذئاب المنفردة"، وليست ظاهرة منظمة واسعة النطاق، رغم تصاعد المخاوف من توسعها، واستفادة فصائل المقاومة من هذه العناصر لتجنيدها في صفوفها، نظرًا لسهولة وصولهم إلى الأسلحة والوسائل القتالية، الأمر الذي يثير قلق الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية من تكرار هذه الهجمات وفق مبدأ "المحاكاة"، ما قد يقود إلى تصعيد خطير في طبيعة العمليات المقبلة. وقد أدى تنامي انخراط أفراد من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في عمليات المقاومة إلى صدور ردود فعل غاضبة في الأوساط الإسرائيلية، يمكن تلخيص أبرزها فيما يلي: آفي ديختر ، عضو الكنيست عن حزب الليكود ووزير الأمن الداخلي ورئيس جهاز الشاباك الأسبق، زعم أن "إسرائيل لا يمكن أن تستمر في التغاضي عن عجز السلطة الفلسطينية في مواجهة العمليات الفدائية، لأنها تستغل حقيقة أن بقاءها يخدم مصلحة الاحتلال، ولذلك تتقاعس عن التحرك المنفرد ضد المنظمات المسلحة". وطالب بموقف أكثر حزمًا تجاهها. يارون روزنثال ، رئيس مجلس مستوطنة "غوش عتصيون"، هاجم قوات الأمن الفلسطينية، قائلاً: "في اليوم الذي يستطيعون فيه، سيقتلوننا. اليوم لديهم مصلحة بذلك". وحذّر من الثقة بالفلسطينيين، معتبراً أن تعاون أجهزتهم الأمنية مع إسرائيل نابع من كراهيتهم لحماس، وليس حباً بالصهيونية. مائير دويتش ، المدير التنفيذي لحركة "ريغافيم"، اعتبر أن "هذه المعطيات تكشف زيف الادعاء بأن السلطة الفلسطينية عنصر استقرار"، وهاجم المسؤولين الإسرائيليين الذين يرون فيها جهة معتدلة. وأضاف أن من يعتقد ذلك "شارك في وهم مشابه سبق هجوم 7 أكتوبر"، حين باغتت حماس إسرائيل بـ"طوفان الأقصى". نماذج مشرّفة وسجل بطولي حافل رغم التنسيق الأمني الذي تلتزم به السلطة الفلسطينية مع الاحتلال، شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من العمليات الفدائية نفذها عناصر من الأجهزة الأمنية، في تحدٍّ مباشر لتعليمات قيادتهم، وتعبيرًا عن انتمائهم الوطني وتأييدهم للمقاومة، وسط ترحيب شعبي واسع واعتبارهم نماذج مشرّفة، ما يؤكد فشل مشروع "الفلسطيني الجديد" الذي سعت الولايات المتحدة إلى هندسته عبر السلطة. فيما يلي رصد لأبرز تلك العمليات: منذ انتفاضة الأقصى (2001-2004): شرطي فلسطيني يفتح النار على حافلة قرب مستوطنة "كرمي تسور". ضابط في الاستخبارات العسكرية يهاجم حاجز الجلمة، ويقتل نائب قائد دورية "الناحال". عام 2011: سعود التيتي يهاجم موقعًا عسكريًا، ويستشهد. أشرف الشيخ إبراهيم، ضابط في المخابرات، يُستشهد في اشتباك بجنين. سلسلة هجمات نفذها ضباط من الأمن الوطني والدفاع المدني، بينها تفجير سيارة مفخخة قرب "غوش عتصيون". 2012–2016: إطلاق نار، ودهس، وطعن ضد جنود ومستوطنين، أبرزها عملية زراعة عبوة ناسفة في "بات يام" عام 2013، وهجوم على "مايان دوليف" عام 2015، واشتباك عند مستوطنة "بيت إيل" في 2016. منذ عام 2019 وحتى 2025: اشتباك داود الزبيدي، ضابط الأمن الوقائي، مع الجيش. دعم زياد الرزاينة، شرطي الجمارك، لمقاومين نفذوا هجوم حوارة. عملية استشهاد الضابطين علوي وعيسى عام 2021. ضياء حمارشة، ضابط الأمن الوقائي، يقتل 5 مستوطنين في بني براك. نجل الضابط فتحي حازم ينفذ عملية تل أبيب عام 2022. تصاعد واضح في 2023–2025، مع تنفيذ عدة عمليات بإطلاق النار ضد جنود ومستوطنين، وارتقاء منفذيها، بينهم ضباط من الأمن الوطني والحرس الرئاسي والمخابرات. الانخراط في كتائب المقاومة رصدت أجهزة الأمن الإسرائيلية ظاهرة متزايدة لانضمام عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى فصائل المقاومة، مثل كتيبة جنين و عرين الأسود ، فضلًا عن كتائب شهداء الأقصى ، الجناح المسلح لحركة فتح، التي يفترض أنها حُلّت بقرار من الرئيس محمود عباس، وتم دمج أعضائها في أجهزة الأمن. تثير هذه الظاهرة تساؤلات إسرائيلية متكررة حول جدوى تسليح السلطة الفلسطينية، إذ تمر جميع الأسلحة عبر موافقة الاحتلال، الذي يعرف أرقامها وسجلات مستخدميها، لكن هذه الأسلحة قد تقع في أيدي المقاومة أو تُستخدم من قِبل عناصر تنقلب قناعاتهم فجأة. ورغم ذلك، تواصل بعض الأوساط الأمنية الإسرائيلية الدفاع عن تسليح أجهزة السلطة، بزعم أنها تستخدمها في اعتقال المقاومين وحماية أمن المستوطنين، رغم الإدراك الكامل لإمكانية تحول هؤلاء العناصر إلى مقاومين. تأثير حرب غزة وتنامي شعبية حماس تُظهر التحقيقات أن بعض الهجمات التي ينفذها عناصر من الأمن الفلسطيني تأتي كردود فعل شخصية، مثل استشهاد قريب أو تأثر بالعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، خاصة بعد مجازر حرب "طوفان الأقصى"، وانتشار صور الشهداء والدمار على وسائل التواصل. رغم ذلك، تُلزم الاتفاقيات السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، بما يشمل تسليم مطلوبين وإنقاذ مستوطنين ضلّوا طريقهم، بل وتُنذر الجيش مسبقًا قبل اقتحام المدن، ما يعرّضها لحرج شعبي بالغ. تحاول فصائل المقاومة تقويض هذا التعاون، وتسعى لإعادة سيناريو "إطلاق النار العكسي"، كما حدث في انتفاضة النفق 1996، وانتفاضة الأقصى، حين تحول سلاح الأجهزة إلى صدور الجنود الإسرائيليين. ورغم أن عناصر المقاومة المنحدرين من الأجهزة الأمنية ما زالوا يشكلون نسبة صغيرة من إجمالي 30–40 ألف عنصر أمني، إلا أن تأثيرهم المعنوي والرمزي كبير، لا سيما مع تزايد الاعتقالات التي تنفذها السلطة ضد نشطاء المقاومة، وملاحقتها للمظاهرات المؤيدة لغزة، ومنعها لرايات حماس. الخطاب الرسمي المرتبك في كل مرة ينفذ عنصر أمني عملية ضد الاحتلال، تسارع السلطة إلى إبلاغ إسرائيل بأنه تصرف فردي لا علاقة له بالتنظيمات، وتتعامل معه بخطاب باهت أو تنكري، دون تبنٍّ رسمي أو حتى نعي واضح. وغالبًا ما تصف المنفذين بعبارات فضفاضة، بل وتشير أحيانًا إلى شكوك حول دوافعهم أو انتماءاتهم. هذا التناقض يكشف ارتباكًا سياسيًا حادًا لدى السلطة، ويعرّي انفصامًا واضحًا بين قيادتها وقاعدتها الأمنية، إذ يبدو أن عناصر الأجهزة أنفسهم لم يعودوا يؤمنون بخطاب قيادتهم، ولا يثقون بجدوى التنسيق الأمني، وهو ما يشكل تهديدًا استراتيجيًا مستقبليًا لكل من السلطة والاحتلال على حدٍّ سواء.


بوست عربي
منذ 3 أيام
- بوست عربي
من بيت حانون إلى خانيونس.. كيف تهز تكتيكات حماس الجديدة الجيش الإسرائيلي وتحوّل جنوده إلى فريسة؟
بعد 21 شهراً من القتال٬ تبدو معادلة الحرب في غزة التي يروج لها الإسرائيليون وكأنها انقلبت رأس على عقب: جيش مُجهّز بكامل التقنيات والعتاد يتنقّل بحذر في أرض تحوّلت إلى مصائد موت، وتنظيم محاصر يتغذى على مخلفات الذخائر ليحوّلها إلى أدوات قتل فتاكة للجنود الإسرائيليين. وبين كمين وآخر، تتآكل أهداف "إسرائيل" المعلنة، ويثبت أن القضاء على حماس لا يُقاس بعدد القتلى والاغتيالات لقادتها، بل بمدى قدرتها على مواصلة القتال في أصعب الظروف٬ وتوجيه لكمات موجعة للجيش الإسرائيلي وقيادته السياسية والعسكرية. ففي الوقت الذي أعلنت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي سيطرتها على أجزاء واسعة من قطاع غزة وتساوم بهذه الورقة فصائل المقاومة خلال المفاوضات الجارية لوقف القتال٬ كانت المقاومة الفلسطينية تُعدّ على مهلٍ "كمائن الموت" من بيت حانون شمالاً إلى خانيونس جنوباً ضمن ما يعرف بعمليات "حجارة داوود"٬ رداً على عملية الاحتلال الأخيرة "عربات جدعون". الهجمات المميتة المتكررة، التي تنفذها " خلايا صغيرة" من المقاتلين -كما يصفها المحللون الإسرائيليون- عبر تفجير عبوات ناسفة وزرع كمائن مُحكمة في عمق ما يفترض أنه مناطق خاضعة للجيش الإسرائيلي، كشفت عن تحوّل خطير في شكل المعركة خلال الأسابيع الأخيرة يؤدي إلى مقتل العشرات من الجنود. وبحسب محللين٬ يبدو أن الحرب أصبحت أقرب إلى معركة استنزاف ذكية، مرنة، ودموية، تُخاض من بين الأنقاض وتحت الأرض، عبر تفجيرات يعاد تدويرها ونيران مباغتة تنفذها مجموعات صغيرة المقاتلين. ويبدو أن هجمات خانيونس الأخيرة وهجوم بيت حانون المعقد الأخير٬ والذي استهدف وحدة "نيتسح يهودا" وأوقع نحو 20 جندياً بين قتيل وجريح٬ أصبحت جزءاً من نمط آخذ بالتصاعد، يُظهر كيف أعادت حركة حماس ترتيب صفوفها وتموضعها كتنظيم يدير حرب عصابات مكلفة، وقادر على توجيه عمليات قاتلة في اللحظة والمكان غير المتوقّعين. على مدى أسابيع، تكرّرت هذه الكمائن٬ عبوات تنفجر عند مرور القوات، نيران كثيفة تنهمر من مواقع خفية، لكن الجديد هو محاولات حماس لاختطاف جنود، وعمليات قتل مباشر من مسافة صفر٬ داخل ما يفترض أنه "مناطق مؤمّنة". وبينما تعلن إسرائيل مقتل قادة ومقاتلين من حماس، تستمر هذه الأخيرة في تجنيد عناصر جدد، وتُثبت يوماً بعد يوم أنها ما زالت تملك زمام المبادرة التكتيكية. بعد 21 شهراً من الحرب.. كمائن الموت تقلب موازين المعادلة على الأرض تقول شبكة CNN الأمريكية إن الكمائن الأخيرة في غزة كانت صادمة للإسرائيليين من حيث القوة المميتة والموقع وأثبتت أن حماس بعد كل الضربات التي تعرضت لها لم تهزم، بل باتت تلجأ إلى تكتيكات حرب العصابات باستخدام القوة المميتة. وتستشهد CNN بكمين بيت حانون الذي وقع ليلة الاثنين 7 يوليو/تموز 2025، حيث انفجرت قنبلة بمجموعة جنود من كتيبة "نيتسح يهودا" المتشددة٬ عبر طريق تستخدمه الدبابات والمركبات المدرعة على بعد ميل واحد من السياج الحدودي بين شمال غزة ومستوطنات الغلاف٬ حيث تم تفجير هذه القنبلة عن بعد. هرعت قوات إسرائيلية إضافية لمساعدة الجنود الذين وقعوا في الكمين٬ عندما انفجرت قنبلة ثانية، مُتحكّم بها عن بُعد أيضاً. وعندما انفجرت قنبلة ثالثة بعد لحظات، جاء ذلك مصحوباً بوابل من نيران الأسلحة الصغيرة من خلية تابعة لحماس كانت مختبئة في مكان قريب٬ وهو ما أوقع قوة قوامها 20 جندياً وضابطاً بين قتيل وجريح. وقع الهجوم في بيت حانون في الزاوية الشمالية الشرقية لقطاع غزة، والتي يمكن رؤيتها بسهولة من مستوطنة سديروت الإسرائيلية، في منطقة كان من المفترض أن تكون تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية بالكامل. وخلص تحقيق عسكري إسرائيلي إلى أن خلية حماس زرعت القنابل خلال نحو 24 ساعة من الهجوم المعقد٬ وهو ما يُسلّط الضوء على تحوّل حماس نحو أساليب حرب العصابات المميتة بشكل متصاعد٬ رغم مرور 21 شهراً على القتال والإنهاك. ولكن حتى في ظلّ ضعفها وإرهاقها، واصلت حماس شنّ هجماتٍ قاتلة ضدّ القوات الإسرائيلية في القطاع. وطوال الحرب، اضطرّت القوات الإسرائيلية للعودة إلى أجزاءٍ من غزة مراتٍ عديدة، مع عودة حماس إلى الظهور في مناطق زعمت "إسرائيل" أنها "طهرتها" من المسلحين. وتُظهر سلسلة الهجمات الأخيرة في بيت حانون وشرق غزة وخانيونس أنّ هدف إسرائيل في القضاء على حماس لا يزال بعيد المنال٬ كما تقول CNN. تقول كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، إن هجوم بيت حانون وقع "في منطقة ظن الاحتلال أنها آمنة بعد أن لم يترك حجرا على حجر". ووصفت حماس في بيان لها الحرب بأنها "معركة استنزاف" تشنها ضد "إسرائيل"، حيث ستحاول من خلالها ضم المزيد من الجنود إلى قائمة أسراها خلال هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقالت حماس "حتى لو نجحت إسرائيل بأعجوبة في تحرير جنودها من الجحيم، فإنها قد تفشل لاحقا، مما يترك لنا المزيد من الأسرى". يوم الأربعاء، استهدف مسلحون من حماس مركبة هندسة عسكرية إسرائيلية في خانيونس، حيث أطلقوا قذيفة صاروخية وهاجموا المركبة بينما كان سائقها يحاول الفرار، كما يظهر في فيديو الهجوم الذي نشرته حماس. ووفقًا للجيش الإسرائيلي، حاول المسلحون اختطاف الجندي الذي فر مذعوراً ولم يقاوم، مما أدى إلى مقتله على الفور ومن مسافة صفر٬ وتم اغتنام أسلحته من قبل مقاتلي القسام. حماس درست تكتيكات الجيش الإسرائيلي بشكل جيد ومخزونها من المقاتلين لا ينضب وفقاً لخبراء عسكريين إسرائيليين استشهدت بهم صحيفة الغارديان البريطانية٬ فقد خضع مقاتلو حماس إلى "تحول عسكري" منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث انتقلوا من "قوة شبه تقليدية إلى قوة مناسبة لحرب العصابات". وقال جاي أفيعاد، المؤرخ العسكري السابق في جيش الدفاع الإسرائيلي والخبير في شؤون حماس، للصحيفة البريطانية: "إنها ساحة معركة بالغة التعقيد بالنسبة للجيش الإسرائيلي. حماس تستغل كل الأنقاض٬ إنهم خبراء في حرب العصابات، ويقاتلون إسرائيل منذ أكثر من 20 عاماً". يقول الإسرائيليون إن مخزون حماس من المقاتلين لا ينضب. ووفقاً لمسؤول إسرائيلي٬ جنّدت حماس مقاتلين جدد على الأرض، مما أدى إلى تعزيز صفوفها. وفي مارس/آذار الماضي، أفادت قناة "كان نيوز" الإسرائيلية العامة بأن حماس جنّدت "المئات" من المقاتلين الجاهزين للقتال والإغارة باستخدام شبكة الأنفاق تحت الأرض٬ وفقًا للجنرال المتقاعد إسرائيل زيف، الرئيس السابق لمديرية العمليات في جيش الدفاع الإسرائيلي. يقول زيف لشبكة "سي إن إن"٬ إن حماس كان لديها الوقت الكافي لدراسة كيفية عمل الجيش الإسرائيلي، وهم يستغلون ذلك لصالحهم. وأضاف: "حربهم مبنية على نقاط ضعفنا٬ إنهم لا يدافعون عن أرض الآن، بل يبحثون عن أهداف. إن الضغط على القوى البشرية العسكرية الإسرائيلية سمح لحماس باستغلال نقاط الضعف، حتى في حالتها المنهكة". لقد شهدت حماس تحولاً جذرياً خلال الآونة الأخيرة، إذ أصبحت تدير حرب عصابات ضمن خلايا صغيرة. ولديها وفرة من المتفجرات، معظمها من الذخائر التي ألقاها جيش الدفاع الإسرائيلي هناك وتم إعادة تدويرها بشكل جيد. هذه حرب عبوات ناسفة٬ حماس تُنشئ كمائن وتتخذ زمام المبادرة من خلال السيطرة على نقاط ضعف رئيسية، كما قال زيف. إن العمل كمجموعات لامركزية مستقلة صعّب على إسرائيل استهداف هيكل قيادي متماسك. في الشهر الماضي، صرّح مسؤول عسكري إسرائيلي لشبكة CNN بأن استهداف ما تبقى من حماس أصبح أكثر صعوبة. وأضاف المسؤول "أصبح من الصعب الآن تحقيق الأهداف التكتيكية للعملية العسكرية في غزة". تزعم "إسرائيل" أن حماس استنفدت منذ زمن طويل معظم ترسانتها الصاروخية، ولم تعد قادرة الآن على إطلاق سوى صواريخ متفرقة ذات تأثير شبه معدوم. لكن قدرتها على التنقل بين أنقاض غزة، مسلحة بعبوات ناسفة محلية الصنع مُنتقاة من عشرات الآلاف من الذخائر الإسرائيلية، حوّلت ركام القطاع المحاصر إلى مصدر صمود كبير. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها حماس في جنوب غزة من قبل العصابات المسلحة التي تحميها "إسرائيل"٬ فقد وجدت الجماعة المسلحة طريقة لمواصلة القتال، وفرضت ثمناً مميتاً مع كل أسبوع يمر دون وقف إطلاق النار. وحتى مع استمرار المحادثات في الدوحة وظهور بوادر تقدم، لا يزال وقف إطلاق النار بعيد المنال، إذ لم يتمكن الوسطاء حتى الآن من سد الفجوات الرئيسية بين الجانبين. وصرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن بأن "على حماس إلقاء سلاحها والتخلي عن قدراتها العسكرية والحكومية". لكن حماس لم تظهر أي استعداد لتقديم مثل هذه التنازلات في المفاوضات، والهجمات الأخيرة المميتة هي مؤشر على القوة التي لا تزال تتمتع بها. المقاومة تكثف جهودها أيضاً لاختطاف جنود جدد من الجيش الإسرائيلي في الوقت نفسه٬ يقول مايكل ميلشتاين الأكاديمي من جامعة تل أبيب لصحيفة الغارديان ٬ إن حركة حماس قد تزيد من محاولاتها لاختطاف جنود الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وأضاف رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب: "لا شك أن حماس ستزيد من محاولاتها لاختطاف رهائن جدد، بما في ذلك جثث جنود قتلى". وحاولت حماس أسر الرقيب أول (احتياط) أبراهام أزولاي في خانيونس٬ لكن ظروف الميدان أفشلت ذلك. لكن تركيز حماس على هدف جديد يتمثل في أسر جندي من الجيش الإسرائيلي أثناء العمليات في قطاع غزة قد يوفر للحركة قوة ونفوذاً جديداً كبيرا خلال المفاوضات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى٬ فضلاً عن التأثير الكبير على الرأي العام في إسرائيل، حسبما أشارت صحيفة الغارديان. وقال المحلل السياسي عبد الجواد حمايل المقيم في رام الله لصحيفة "الغارديان": "قد تطلق حماس سراح الأسرى من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، على الأقل في الوقت الحالي ومبادلتهم، لكنها ستحاول أيضاً أسر المزيد من الجنود٬ وبالتالي فهي تشير إلى أن أي اتفاق لن يكون نهاية دائمة للصراع الشامل" . فيما أضاف محلل فلسطيني مقيم في قطر، لم يكشف عن اسمه، ومطلع على مناقشات حماس الاستراتيجية: "الأمر لا يقتصر على كسب ورقة رابحة في المفاوضات، بل هو جزء أساسي من المعركة النفسية مع إسرائيل.. تهدف حماس إلى تعزيز مقاتليها وإضعاف معنويات الجنود الإسرائيليين في غزة والمدنيين في إسرائيل". وأضاف: "حماس ربما لا تنشر سوى بضع مئات من المقاتلين في القطاع، لكن هذا يكفي لأغراضها الاستراتيجية٬ وهي حذرة للغاية ودقيقة في استخدام مواردها". وتقول صحيفة " إسرائيل هيوم" إن قلق الجيش الإسرائيلي يتزايد بالفعل من احتمالات اختطاف جنود في غزة٬ مشيرة أن حماس ستصعّد جهودها لاختطاف جنود. ووفقًا لمسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، "تحولت حماس إلى استراتيجية التضحية، حيث أظهرت جرأة أكبر بكثير ودخلت في قتال متلاحم تحاول خطف جنود". ونظراً للتقديرات بأن حماس ستكثف محاولات الاختطاف، صدرت تعليمات لقوات الجيش الإسرائيلي بالبقاء حذرين ويقظين٬ كما تقول الصحيفة العبرية. ومن المتوقع أن تسعى حماس لاستغلال أي نقاط ضعف ميدانية. ويُجري الجيش الإسرائيلي بانتظام جلسات استجواب بعد كل حادثة مقتل جنود لاستخلاص الدروس العملياتية ومنع تكرارها. إلا أن تكتيكات كتائب القسام المتطورة طرحت معضلات جديدة للقادة العسكريين. إحدى القضايا الرئيسية المطروحة للنقاش لدى قادة الجيش٬ هي إمكانية وكيفية الاستمرار في دخول المنازل الفلسطينية، إذ شملت الحوادث الأخيرة زرع متفجرات في المنازل، مما أدى إلى مقتل الجنود وانهيار هذه المباني عليهم. ومن نقاط الخلاف الأخرى كيفية حماية المركبات المدرعة باستخدام وحدات المشاة. فقد نجح المقاتلون في إتلاف مدرعات الجيش الإسرائيلي بزرع عبوات ناسفة فيها، وبينما يُفترض بقوات المشاة تأمين هذه المركبات، فإنها تُصبح هي نفسها عرضة للخطر عند انتشارها بالقرب منها أو داخلها. في نهاية المطاف، ينتظر الجيش الإسرائيلي توجيهات من القيادة السياسية بشأن المرحلة التالية من العمليات في غزة. حيث توشك استراتيجية الجيش الحالية، المسماة "عملية عربات جدعون"، على الانتهاء دون تحقيق أهدافها. "استمرار مقتل جنودنا يجب أن يدفعنا إلى وقف هذه الحرب" يقول الكاتب الإسرائيلي في صحيفة " هآرتس" جيرشون باسكن٬ إن الجنود الإسرائيليين الذين يقتلون على يد حماس في غزة وآخرهم الذين قضوا في كمين بيت حانون٬ "يجب أن يدفع موتهم الإسرائيليين إلى وقف هذه الحرب. هؤلاء لم يمتوا دفاعًا عنا، بل ماتوا دفاعًا عن ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لأن استمرار هذه الحرب ليس له هدف استراتيجي ولا غاية حقيقية". ويضيف باكسن أن "مقتل الجنود الإسرائيليين في الكمائن المستمرة كان هباءًا.. إنهم لا يدافعون عن الوطن٬ إنهم لا يحررون شيئًا. إنهم ليسوا شهداء. إنهم مجرد بيادق في لعبة شريرة يلعبها قادة لا يرحمون شعبهم"٫ في إشارة إلى نتنياهو وائتلافه الحاكم. مردفاً: "تستمر الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو في المخاطرة بأرواح جنودنا ورهائننا، مع علمهما بأن الغالبية العظمى من الإسرائيليين يريدون انتهاء هذه الحرب فورًا. لا يوجد أي مبرر عسكري استراتيجي لاستمرار الحرب". تظهر نتائج استطلاعات الرأي في "إسرائيل" مؤخراً تأييد 75% من الجمهور الإسرائيلي إنهاء الحرب في غزة والأعمال القتالية مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية. تأتي هذه النتائج بعد أن كشف استطلاع أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي في مايو/أيار الماضي عن انقسامات كبيرة لدى الجمهور الإسرائيلي بشأن غزة٬ حيث يعتقد ما يقرب من نصف الإسرائيليين أن عملية جيش الاحتلال الإسرائيلي الأخيرة، "عربات جدعون"، ستفشل في تحقيق أهداف إسرائيل المتمثلة في تدمير حماس أو استعادة الرهائن، أكثر من أولئك الذين يعتقدون أنها ستحقق أياً من الهدفين. وتقول صحيفة هآرتس" إنه من المنطقي أن معظم الإسرائيليين غير مقتنعين بنجاح هذه العملية بعد أن فشلت العمليات السابقة في غزة في تحقيق نفس الأهداف، بدءاً من اجتياح رفح في أبريل/نيسان 2024 ووصولاً إلى "خطة الجنرالات" أواخر عام 2024، التي نصت على حصار شامل لشمال القطاع وطرد السكان٬ وهي خطة لم يُعترف بها رسمياً قط، ولكنها نُفذت بحكم الأمر الواقع لفترة في غزة وتسببت بقتل آلاف الفلسطينيين. وتعزو الصحيفة سبب ارتفاع نسبة إنهاء القتال في غزة بين الإسرائيليين أن الحرب في غزة استمرت لفترة أطول مما ينبغي، وتكبد الجيش الإسرائيلي الكثير من الجنود٬ على عكس الاستطلاعات التي أجريت بعد أيام قليلة من بدء الحرب والتي عكست حالة من النشوة المبكرة والرغبة بالاستمرار بالقتال.


بوست عربي
منذ 4 أيام
- بوست عربي
'بقاؤه السياسي أهم'.. 6 مشاهد تُظهر كيف أطال نتنياهو أمد الحرب في غزة من أجل استمراره بالحكم
كشف تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كيف تعمد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إطالة أمد الحرب في غزة من أجل بقائه السياسي، وكيف أجهض فرص التوصل إلى صفقة لوقف الحرب وسط تهديدات أعضاء حكومته من وزراء اليمين المتطرف بإسقاط الحكومة في حال تم التوافق على هدنة مع حماس. وقال التحقيق: "يعتقد الكثيرون بشكل متزايد أن إسرائيل كان بإمكانها التوصل إلى اتفاق مبكر لإنهاء الحرب، ويتهمون نتنياهو – الذي يتمتع بالسلطة المطلقة على الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل – بمنع التوصل إلى هذا الاتفاق". وأضاف: "وجدنا أنه في المراحل الرئيسية من الحرب، أدت قرارات نتنياهو إلى إطالة أمد القتال في غزة لفترة أطول مما اعتبرته القيادة العسكرية الإسرائيلية العليا ضرورياً". ⭕️ #نتنياهو: مفاوضات إنهاء الحرب في غزة ستبدأ فوراً مع بداية وقف إطلاق النار، وإذا لم يتم نزع سلاح #حماس وتفكيك الحركة خلال فترة 60 يوماً، سنعود للقتال — عربي بوست (@arabic_post) July 10, 2025 وتابع: "لقد واصل الحرب في أبريل/نيسان ويوليو/تموز 2024، حتى عندما أخبره كبار الجنرالات أنه لا توجد ميزة عسكرية أخرى للاستمرار. وعندما بدا أن الزخم نحو وقف إطلاق النار يتزايد، نسب نتنياهو أهمية مفاجئة للأهداف العسكرية التي بدا في السابق أقل اهتماماً بالسعي إليها، مثل الاستيلاء على مدينة رفح الجنوبية واحتلال الحدود بين غزة ومصر لاحقاً. وعندما تم التوصل أخيراً إلى وقف إطلاق نار ممتد في يناير/كانون الثاني، انتهك الهدنة في مارس/آذار جزئياً للحفاظ على ائتلافه سليماً". وراجع التحقيق، الذي استند إلى مقابلات مع أكثر من 100 من المسؤولين في الولايات المتحدة وإسرائيل والعالم العربي، عشرات الوثائق، بما في ذلك محاضر اجتماعات الحكومة، والاتصالات بين المسؤولين، وسجلات المفاوضات، وخطط الحرب، وتقييمات الاستخبارات وسجلات المحاكم. ولم يكن التحقيق الذي نشرته الصحيفة الأمريكية الأول من نوعه الذي يشير إلى أن نتنياهو أفشل محاولات الوصول إلى صفقة لإنهاء الحرب في القطاع الفلسطيني المحاصر، حيث كانت صحيفة هآرتس العبرية نشرت تقريراً مماثلاً في يوليو/تموز 2024. يأتي ذلك بينما تزعم إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة مراراً وتكراراً بأن حماس هي من تقف عقبة أمام التوصل إلى تسوية بشأن الحرب في غزة، وهو ما تنفيه الحركة دوماً بشكل قاطع. كيف أطال نتنياهو أمد الحرب في غزة من أجل بقائه السياسي؟ استعرض تحقيق نيويورك تايمز عدداً من المشاهد التي تعكس حرص نتنياهو على بقاء ائتلافه السياسي قائماً حتى على حساب إطالة أمد الحرب في غزة، والتي توافق بعضاً منها مع ما رصدته صحيفة هآرتس العبرية، ومن أبرز هذه المشاهد: 1- أكتوبر/تشرين الأول 2023: بعد أن شنّت إسرائيل اجتياحاً برياً لقطاع غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ضغطت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، وكبار القادة الإسرائيليين على نتنياهو لبدء التخطيط لكيفية حكم غزة بعد هزيمة حماس. ومع ذلك، تجنب نتنياهو مراراً وتكراراً في اجتماعاته مع المسؤولين الأمريكيين مناقشة تفاصيل خطته النهائية في غزة. وعندما التقى مسؤولون دبلوماسيون ودفاعيون أمريكيون متوسطو المستوى بنظرائهم الإسرائيليين، وجدوا أن الحكومة الإسرائيلية منعت الإسرائيليين من مناقشة مستقبل غزة على المدى الطويل. وفي جلسات خاصة، قال الإسرائيليون إن نتنياهو يخشى أن تُزعزع هذه الخطط استقرار ائتلافه، وفقاً لنيويورك تايمز. فالحديث عن خطط ما بعد الحرب يعني مناقشة بدائل فلسطينية لحماس. لكن وزراء مثل وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، ايتمار بن غفير، رفضوا إعادة غزة إلى أي شكل من أشكال السيطرة الفلسطينية. وقال إيلان غولدنبرغ، مستشار نائبة الرئيس كامالا هاريس لشؤون الشرق الأوسط، والذي شارك في تلك المحادثات: "لم يكن نتنياهو مهتماً بإجراء محادثات جادة تتعلق باليوم التالي. وكان يمنع نظامه بأكمله من القيام بذلك لأنه كان يعلم أن ذلك سيفرض نوعاً من المحادثات حول سيطرة فلسطينية طويلة الأمد على غزة، مما قد يُسقط هذا الائتلاف". 2- أبريل/نيسان 2024: ألغى نتنياهو اتفاق هدنة في غزة كان من شأنه أن يضمن إطلاق سراح ما لا يقل عن 30 من الرهائن الإسرائيليين بسبب تهديد سموتريتش بإسقاط الحكومة. وبحسب نيويورك تايمز، فإن اقتراح الهدنة في غزة الذي أجهضه نتنياهو في أبريل/نيسان من العام الماضي كان سيخلق فرصة لإنهاء الحرب بشكل دائم وإطلاق سراح الرهائن المتبقين، على غرار الاتفاق الذي يجري مناقشته حالياً ضمن محادثات الدوحة. وذكرت نيويورك تايمز أن المضي قدماً في الاتفاق كان من شأنه أن يزيد من فرص التوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية التي كانت تبدي استعدادها لتسريع محادثات السلام مع إسرائيل إذا انتهت الحرب على غزة. ولكن إنهاء الحرب في ذلك الوقت كان يهدد بإسقاط حكومة نتنياهو، التي تضم وزراء من تيار اليمين المتطرف بقيادة سموتريتش وبن غفير، والذي كان يسعى إلى إنشاء مستوطنات في غزة وتطهير القطاع من أكبر عدد ممكن من سكانه الفلسطينيين. وأبقى نتنياهو خطة الهدنة بعيدة عن حكومته حتى اللحظة الأخيرة، على أمل تمريرها في اجتماع مجلس الوزراء قبل أن يتوفر لشركائه في الائتلاف اليميني المتطرف الوقت الكافي لتنسيق رد بشأنها. وقال التحقيق: "بينما كان مجلس الوزراء يناقش مسائل أخرى، سارع أحد مساعدي نتنياهو إلى قاعة الاجتماعات حاملاً وثيقة تُلخص موقف إسرائيل التفاوضي الجديد، ووضعها بهدوء أمام نتنياهو. قرأها قراءة أخيرة، مُعلقاً على نقاط مُختلفة بقلمه. وكان الطريق إلى الهدنة محفوفاً بالمخاطر، لكنه بدا مُستعداً للمضي قدماً". ولكن قبل أن يتمكن نتنياهو من عرض الاتفاق، دخل سموتريتش الغرفة وأعلن أنه "إذا تم طرح اتفاقية استسلام كهذه، فلن يكون لديك حكومة بعد الآن"، حسبما نقلت الصحيفة الأمريكية عن محاضر اجتماع مجلس الوزراء. وبعد أن أثار رد سموتريتش استياء نتنياهو، اضطر رئيس الوزراء للاختيار بين فرصة الهدنة وبقائه السياسي، وأكد لوزير المالية أن مثل هذه الخطة غير مطروحة على الطاولة. ثم همس رئيس الوزراء بهدوء لمستشاريه الأمنيين قائلاً: "لا تعرضوا الخطة". 3- يوليو/تموز 2024: وخلال المفاوضات التي جرت في شهر يوليو/تموز في روما، وقبل أن يتم تقديم المطالب الإسرائيلية الجديدة رسمياً، كان فريق التفاوض الإسرائيلي يجري محادثات مع الوسطاء حول انسحاب الجيش الإسرائيلي من ممر فيلادلفيا وتركيب آليات أمنية لمنع تهريب الأسلحة من مصر إلى غزة، وفقاً لأحد المسؤولين. إلا أن الوسطاء فوجئوا بسماع نتنياهو بعد ذلك يتحدث علناً عن الحاجة إلى بقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى أجل غير مسمى في الممر. ونقلت تقارير عن مسؤول قوله إن "المفاوضين الإسرائيليين كانوا يقولون للوسطاء شيئاً ما في الغرفة، ثم يقول نتنياهو العكس علناً". وقال مسؤولون أيضاً آنذاك إنه في حين شعر الوسطاء في الربيع بأن حماس هي العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق، فإن الإجماع الحالي هو أن نتنياهو أصبح العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق. 4- أغسطس/آب 2024: وخلال المفاوضات التي جرت في أغسطس/آب 2024، ذكرت تقارير نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين كبار أن نتنياهو رفض منح مفاوضيه مساحة كافية للتوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى في غزة ووقف إطلاق النار، رغم تصريحاته مع وزير الخارجية الأمريكي السابق، أنتوني بلينكن، بأنه ملتزم بالتوصل إلى اتفاق. وقبل يومين من عقد جولة مفاوضات في منتصف أغسطس/آب في الدوحة، كشفت وثائق استعرضتها صحيفة نيويورك تايمز أن إسرائيل كانت أقل مرونة في محادثات وقف إطلاق النار. ووفقاً للوثائق، فقد أضافت إسرائيل قائمة بشروط جديدة في أواخر شهر يوليو/تموز إلى وسطاء أمريكيين ومصريين وقطريين. وأوضحت الوثائق أن المناورات التي قامت بها حكومة نتنياهو خلف الكواليس كانت واسعة النطاق، وتشير إلى أن التوصل إلى اتفاق قد يكون بعيد المنال. 5- مارس/آذار 2025: وبحلول مارس/آذار 2025، تغيرت حسابات نتنياهو السياسية مجدداً. وهدد أعضاء الائتلاف اليهودي المتشدد بإسقاط الحكومة، غاضبين من عدم تقديم تنازلات لمجتمعهم في الميزانية الوطنية الجديدة. فيما عرض بن غفير العودة للحكومة بعدما كان قد استقال منها في أعقاب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة في يناير/كانون الثاني 2025، للحفاظ على تحالف نتنياهو، شريطة استئناف الحرب. وفي 18 مارس/أذار 2025، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي قصفاً مكثفاً على غزة، منتهكاً بذلك وقف إطلاق النار. وفي اليوم التالي، عاد بن غفير إلى الائتلاف وأُقرّت ميزانية نتنياهو لتنجو الحكومة وتستمر الحرب، وفق ما ذكرت نيويورك تايمز. 6- يونيو/حزيران 2025 وفي يونيو/حزيران، بدا أن جهود نتنياهو للحفاظ على ائتلافه في السلطة قد فشلت عندما بدا أن شركائه في الائتلاف من المتشددين الدينيين على وشك الإطاحة بالحكومة. وقد أثارت مسألة إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية غضب الأحزاب المتشددة، إذ لم تقم الحكومة بعد بإقرار قانون ينظم ذلك، بعد مرور عام على حكم المحكمة العليا بأن إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية ليس له أساس قانوني. وفي التاسع من يونيو/حزيران، وقبل يومين من التصويت على مشروع قانون مدعوم من المعارضة لحل الكنيست والدعوة إلى انتخابات مبكرة، استدعى نتنياهو موشيه غافني ــ الذي يقود فصيل "ديجل هاتورا" في حزب "يهودت هتوراة المتحدة" الأرثوذكسي المتطرف ــ لحضور اجتماع في مقر جيش الاحتلال الإسرائيلي في تل أبيب. وفي بداية الاجتماع، طلب نتنياهو من غافني التوقيع على اتفاقية سرية، وبعد ذلك تم إعطاؤه تفاصيل الهجوم الإسرائيلي المخطط له على الأهداف النووية والعسكرية الإيرانية، والذي سيتم إطلاقه بعد أربعة أيام، في 13 يونيو/حزيران. وبحسب نيويورك تايمز، غادر غافني الاجتماع وهو يشتبه في أن نتنياهو ربما كان يحاول التلاعب به للتخلي عن التهديد بحل الحكومة، لكنه كان قلقاً أيضاً من أنه إذا تم تمرير مشروع القانون، فقد يتعارض مع العملية الإسرائيلية المخطط لها في إيران. وفي نهاية المطاف، سحب فصيل "ديجل هاتوراه" دعمه لمشروع القانون الهادف إلى حل الكنيست، والذي فشل في جمع الأصوات الكافية للموافقة عليه. وقال إسرائيل كوهين، معلق إذاعي من أتباع التيار الحريدي ومقرب من غافني: "كانت خطة ضرب إيران هي الشيء الوحيد الذي منع الحريديم من حل الحكومة. وكان بيبي يعلم ذلك".