
اللاجئون الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة الـ77 بتجديد التمسك بالعودة ورفض التوطين
شهدت المخيمات الفلسطينية في لبنان فعاليات حاشدة بمناسبة الذكرى الـ77 للنكبة، تأكيدًا على تمسك الفلسطينيين بثوابتهم الوطنية وحقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هُجّروا منها عام 1948، ورفضًا لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، خاصة في ظل استمرار حرب الإبادة "الإسرائيلية" على الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
وشارك عشرات الفلسطينيين في مخيم نهر البارد شمالي لبنان، يوم الأربعاء 14 أيار/مايو 2025، في وقفة احتجاجية رفضًا لمحاولات إلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". ونظّمت الفعالية أمام مكتب مدير خدمات الوكالة في المخيم، بدعوة من منظمة التحرير الفلسطينية – دائرة شؤون اللاجئين، واللجان الشعبية الفلسطينية، وبمشاركة ممثلين عن الفصائل واللجنة الشعبية وعدد من أبناء المخيم.
وفي كلمة ألقاها أبو نزار خضر باسم اللجان الشعبية، اعتبر أن نكبة فلسطين جريمة مستمرة، وليست مجرد ذكرى، وأدان سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها المجتمع الدولي في دعمه المتواصل للكيان الصهيوني رغم جرائمه. وطالب بوقف العدوان على غزة، ورفع الحصار، وإدخال المساعدات، ودعم صمود الشعب الفلسطيني.
كما دعا خضر إلى دعم "أونروا" ماليًا، واستكمال إعمار مخيم نهر البارد، وتحسين خدمات المياه والصحة، ورفع نسبة تغطية العلاج إلى 100%، إلى جانب تفعيل برنامج الشؤون الاجتماعية، ودفع مستحقات الفئات المهمشة، وإطلاق برنامج طوارئ في المخيمات، وتوسيع فرص العمل، وضمان حقوق عمال الآثار الموقوفين تعسفيًا.
وشدد على ضرورة إقرار الحقوق الإنسانية للفلسطينيين في لبنان، وعلى رأسها حق التملك والعمل، بما يصون كرامتهم ويعزز صمودهم. https://www.facebook.com/share/p/1FgwEsSHxP
من جهته، ألقى جورج عبدالرحيم كلمة باسم الفصائل الفلسطينية، شدد فيها على أن النكبة ليست حدثًا ماضيًا، بل مأساة مستمرة، بدأت بتهجير 750 ألف فلسطيني عام 1948 وسرقة ممتلكاتهم، ولا تزال مستمرة اليوم من خلال العدوان الجاري على غزة ومحاولات اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم.
وأكد على أهمية الحفاظ على الهوية الفلسطينية في مواجهة محاولات الطمس، والتمسك بخيار النضال والعودة، مشيرًا إلى أن الأمل في العودة لا يزال حيًا، وأن المخيمات ستبقى رموزًا للصمود.
كما جدد التأكيد على أهمية بقاء "أونروا" ورفض أي تقليص في خدماتها أو تغيير في وظيفتها، داعيًا الأمم المتحدة إلى زيادة تمويلها باعتبارها شاهدًا على قضية اللاجئين وحق العودة.
مخيم عين الحلوة: وحدة الصف في وجه مشاريع التوطين
وفي مخيم عين الحلوة، نُظّمت وقفة غضب حاشدة بدعوة من دائرة شؤون اللاجئين واللجان الشعبية في منطقة صيدا، إحياءً للذكرى، وتأكيدًا على وحدة الصف الفلسطيني في الوطن والشتات.
وفي كلمته، شدد أبو إياد الشعلان، عضو قيادة حركة "فتح" في لبنان، على أن النكبة جرح مفتوح ونضال مستمر، مؤكدًا التمسك بحق العودة ورفض مشاريع التوطين، ومشيدًا بالزيارة المرتقبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى لبنان، معتبرها رسالة دعم للاجئين.
بدوره، أشار خالد فرحات، عضو اللجان الشعبية المركزية، إلى أن النكبة مثّلت بداية المأساة الفلسطينية، وقال : "نلتقي اليوم في مخيم عين الحلوة، لنحيي الذكرى 77 للنكبة، التي شكلت بداية المأساة الفلسطينية الكبرى، يوم اقتُلِع شعبنا من أرضه على يد العصابات الصهيونية التي مارست كل أدوات الإرهاب والقتل والتدمير لفرض مشروع الإحلال والتهجير".
وأضاف: "إن استمرار العدوان على شعبنا ما كان ليحدث لولا الدعم الأمريكي المطلق، وصمت المجتمع الدولي، وتخاذل بعض الأنظمة العربية التي فضلت مصالحها على حساب قضايا الأمة. كما أن الانقسام الفلسطيني يزيد من تعقيد الواقع، ويضعف الموقف الوطني في مواجهة الاحتلال، لذا فإن الوحدة الوطنية باتت ضرورة لا تحتمل التأجيل".
واختتمت الوقفة بترديد شعارات وطنية ورفع الأعلام الفلسطينية، وسط تأكيد على أن العودة حق لا يسقط بالتقادم.
مخيم المية ومية: التمسك بالثوابت والذاكرة
وفي مخيم المية ومية، نُظّمت وقفة جماهيرية رفعت فيها الأعلام الفلسطينية، ورددت الهتافات الرافضة لمشاريع التوطين والمتمسكة بحق العودة.
وفي كلمته، اعتبر موسى النمر، عضو قيادة حركة "فتح"، أن نكبة 1948 لا تزال مستمرة من خلال حرب الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة، مشددًا على التمسك بالثوابت ورفض تصفية القضية.
أما سعيد مراد، عضو لجنة المتابعة المركزية للجان الشعبية، فأكد أن النكبة تحوّلت إلى مصدر صمود ومقاومة رغم الخسارة، وأن الشعب الفلسطيني لم ينكسر. واختتمت الوقفة بأناشيد وطنية وهتافات أكدت على استمرار النضال من أجل العودة.
إحياء ذكرى النكبة 77 في مخيم المية ومية بمدينة صيدا، جنوبي لبنان
إحياء ذكرى النكبة في مخيمات بيروت
وشهدت المخيمات الفلسطينية في بيروت سلسلة فعاليات إحياء الذكرى عند الساعة 12 ظهرًا، بدعوة من منظمة التحرير الفلسطينية – دائرة شؤون اللاجئين، واللجان الشعبية، استنكارًا لحرب الإبادة الصهيونية في القدس والضفة وغزة.
كما أعلن عن تنظيم أنشطة متنوعة في هذه المخيمات خلال أسبوع النكبة، لتجديد التمسك بالحقوق الوطنية، وعلى رأسها حق العودة كحق قانوني وإنساني.
وكانت قيادة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان دعت في بيان لها، إلى تحويل ذكرى النكبة إلى محطة لتجديد الوحدة الوطنية، وتوحيد الجهود في مواجهة الجرائم "الإسرائيلية" ومشاريع التصفية والتهجير بحق الشعب الفلسطيني.
وأكدت أن النكبة مستمرة بفصولها، وأن ما يجري في غزة هو نكبة جديدة عبر حرب إبادة ممنهجة، تسببت باستشهاد أو إصابة أو فقدان ربع مليون فلسطيني، وتدمير أكثر من 80% من مباني القطاع، بدعم أميركي وتواطؤ دولي.
ودعت إلى الالتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية وتكريس الوحدة، وترتيب الأولويات الوطنية، وعلى رأسها إنهاء العدوان، وضمان دخول المساعدات، وانسحاب الاحتلال الكامل من غزة.
تحالف القوى الفلسطينية في لبنان: النكبة مستمرة والمقاومة السبيل لنيل الحقوق
وفي السياق، أصدرت قيادة تحالف القوى الفلسطينية في لبنان بيانًا سياسيًا، أكدت فيه أن القضية تمر في أخطر مراحلها منذ نكبة العام 1948، بفعل الدعم الغربي للاحتلال والمجازر التي شردت الفلسطينيين.
واعتبر البيان أن ذكرى النكبة تتزامن مع "معركة طوفان الأقصى" التي تخوضها المقاومة في غزة، واصفًا إياها بـ"الانتصار التاريخي" في وجه التهجير والتهويد، ومؤكدًا على وحدة الشعب والميدان، ودعم محور المقاومة.
ودعا البيان إلى جعل الذكرى "يوم غضب فلسطيني شامل" في الوطن والشتات، مجددًا التمسك بالمقاومة، وفي مقدمتها الكفاح المسلح، لاستعادة كامل الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس. واختُتم بالدعوة إلى أوسع مشاركة في فعاليات 15 أيار، والتأكيد على أن "من وقف مع فلسطين سيشارك في النصر".
ويُحيي الفلسطينيون في 15 أيار/مايو من كل عام ذكرى النكبة، التي تمثل لحظة تاريخية دامية في الوعي الجماعي الفلسطيني، حيث تعود إلى الأذهان مشاهد التهجير القسري الذي تعرض له نحو 750 ألف فلسطيني عام 1948، على يد العصابات الصهيونية، التي أسست على أنقاض قراهم ومدنهم كيان الاحتلال "الإسرائيلي".
وتُعد النكبة شاهدًا على مأساة مستمرة، بدأت بتهجير الفلسطينيين وسرقة أراضيهم وبيوتهم، وترافقت مع عشرات المجازر التي راح ضحيتها آلاف المدنيين، وتدمير ممنهج للقرى الفلسطينية. كما سعت سلطات الاحتلال منذ ذلك الحين إلى طمس الهوية الفلسطينية، عبر تغيير الأسماء الجغرافية، وتشويه المعالم الأصلية للأرض الفلسطينية.
ورغم مرور أكثر من سبعة عقود، لم تتوقف محاولات الاحتلال لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، حيث يرى كثيرون أن ما تتعرض له غزة والضفة الغربية اليوم من حروب إبادة وعمليات تهجير قسري يرقى إلى مستوى "نكبة ثانية"، في سياق تحالفات إقليمية ودولية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
وبمواجهة هذه المخاطر، يؤكد الفلسطينيون تمسكهم بحق العودة ورفضهم لكل مشاريع التوطين، مجددين نضالهم من أجل وطنهم وهويتهم حيث تتحول ذكرى النكبة سنويًا إلى محطة للتأكيد على أن العودة ليست خيارًا، بل حق ثابت لا يسقط بالتقادم، وأن النكبة باقية في الذاكرة حتى التحرير والعودة.
بوابة اللاجئين الفلسطينيين

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
عاجل- مقترح جديد لوقف إطلاق النار في غزة... ماذا يتضمن؟
أفادت "هيئة البث الإسرائيلية" نقلاً عن مصادر مطلعة، اليوم الخميس، بأن الإدارة الأميركية متفائلة جداً بشأن المقترح الذي تم تمريره إلى إسرائيل و"حماس". وبحسب المصادر، فإن "جوهر الخلاف يتمحور حول صيغة الضمانات الأميركية لحركة حماس". في السياق، كشفت "القناة 12 الإسرائيلية" أن المقترح الجديد الذي قدمه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف لإسرائيل و"حماس" يتناول الإفراج عن 9 أسرى أحياء و18 جثماناً سيتم تسليمهم على دفعتين خلال أسبوع واحد. وبحسب الاإعلام الإسرائيلي، فإن اقتراح ويتكوف يتضمن وقفاً للنار لمدة 60 يوماً لإجراء مفاوضات لإنهاء القتال. كما يتضمن توزيع المساعدات عبر الأمم المتحدة وليس عبر الشركة الأميركية. وأفاد الإعلام الإسرائيلي بأن اقتراح ويتكوف يتضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة خلال العملية الأخيرة، كما يشير إلى إمكانية استئناف القتال إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. إلى ذلك، ذكرت شبكة "أكسيوس" نقلًا عن مصادر مطلعة، أن البيت الأبيض يرى أن التوصل إلى اتفاق بشأن غزة بات قريباً، وقد يكون على بعد خطوات فقط من تحقيقه. وأفادت المصادر بأن الإدارة الأميركية متفائلة بإمكانية نجاح المبادرة الجديدة التي يقودها المستشار ستيف ويتكوف، والتي تهدف إلى سد الفجوات القائمة بين إسرائيل وحماس. وأعرب البيت الأبيض عن اعتقاده بأن هذه المبادرة قد تفضي قريباً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وربما تضع حدًا للحرب الجارية في قطاع غزة، في حال أبدى الطرفان – إسرائيل وحماس – قدراً من المرونة في مواقفهما.


ليبانون 24
منذ 3 ساعات
- ليبانون 24
"اليونيفيل": لسنا الطرف المنفّذ للقرار 1701 بل الداعم لتطبيقه
في وقت تترقّب فيه الأوساط ما ستؤول إليه مناقشات مجلس الأمن بشأن تجديد ولاية قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان في آب المقبل، تتزايد التساؤلات حول مصير "اليونيفيل" ودورها المستقبلي في الجنوب، وسط تقاطعات سياسية إقليمية ودولية غير مسبوقة. وفي حديث مع"نداء الوطن" قال المتحدث الرسمي باسم "اليونيفيل"، أندريا تيننتي ، إن اليونيفيل ليست في موقع قرار بل تنفيذ، ضمن حدود واضحة يرسمها القرار 1701. يؤكد تيننتي أن "البعثة تخرج من مرحلة نزاع استمر خمسة عشر شهراً، لكنها لا تزال في قلب التوتر، إذ إن الجيش الإسرائيلي يحتفظ بوجود عسكري في بعض مناطق الجنوب اللبناني، فيما لا تزال الأسلحة منتشرة، والجهود مستمرة في ما يتعلق بملف نزع السلاح". ويضيف: "تترافق الوقائع الميدانية مع ضغوط متزايدة من بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، بالإضافة إلى مقاربات مغايرة من كل من إسرائيل ولبنان". ويشدّد تيننتي على أن "لبنان يطالب بالإبقاء على المهمة وفق تفويضها الحالي، في حين تدعو أطراف أخرى إلى إدخال تعديلات. لكن القرار النهائي يعود إلى الأعضاء في مجلس الأمن، ونحن، كـ "يونيفيل"، لسنا طرفاً في هذه المداولات". وحول ما يُشاع عن تهديد باستخدام الفيتو، يوضح: "نسمع أحاديث غير رسمية، لكن لم نتلقّ أي إشارات رسمية حتى الآن. لا يزال أمامنا وقت طويل للنقاشات، ونحن حذرون في تصريحاتنا خلال هذه المرحلة". يردّ تيننتي بحزم على الانتقادات المتعلقة بعدم منع تسليح " حزب الله": "نحن لسنا الجهة المنفّذة للقرار 1701، بل نعمل لدعم الجيش اللبناني في تنفيذه. لا يمكننا الدخول إلى الممتلكات الخاصة أو مصادرة الأسلحة. وإذا عثرنا على أسلحة، نبلغ الجيش اللبناني، وهذا هو الحد الأقصى لصلاحياتنا". ويشير إلى أن: "الجنوب شهد بين 2006 و2023 واحدة من أطول فترات الاستقرار النسبي. ما حصل بعد تشرين الأول 2023 لا يلغي هذا الإنجاز". يؤكد تيننتي: "الجيش اللبناني شريكنا الاستراتيجي. هو ملتزم، لكنه بحاجة إلى دعم إضافي. نحن ننسّق معه كل تحركاتنا. صحيح أن البعض يمنع دورياتنا بحجّة غياب الجيش، لكن هذا غير دقيق. القرار 1701 يخولنا تنفيذ دوريات مستقلة". ويتابع: "لدينا نحو 10 آلاف جندي، بينما الجيش لديه عدد أقل بكثير. من المستحيل تنفيذ كل التحركات معًا، ولكن الهدف على المدى البعيد هو أن يتسلّم الجيش اللبناني المهام". يقول تيننتي: "في أيار وحده، حصلت عدة حوادث، لكنها ليست خارجة عن السياق العام. نحن ننفذ مئات الأنشطة يومياً، وبعض الحوادث ناتجة عن أعطال أو سوء فهم، وتُستغل أحياناً سياسياً أو إعلامياً. ويؤكد أن "الدعم من الجيش اللبناني والسلطات لا يزال موجوداً، وآخرهم قائد الجيش الذي عبّر عن دعمه الكامل لمهمتنا واستقلاليتها". ويشدد على أن المطلوب انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة، وعودة سلطة الدولة إلى الجنوب، ومن ثم الانتقال من وقف للأعمال العدائية إلى وقف إطلاق نار دائم". ويشير تيننتي إلى أن "اليونيفيل" هي "ثاني أكبر جهة توظيف في الجنوب بعد الدولة. نحن ندعم السكان بخدمات طبية وإنسانية، وننفّذ مشاريع بنى تحتية، ونشغّل شركات محلية. المجتمع المحلي لا يزال داعماً لنا". وبين الضغوط والوقائع الميدانية المتشابكة، تبرز ضرورة مراجعة تفويض "اليونيفيل" ضمن معادلة تضمن استقلالها العملياتي من دون المسّ بسيادة لبنان، وتحافظ على ثقة المجتمع الجنوبي دون التنازل عن مقتضيات القرار 1701. فـ"اليونيفيل"، كما يقول تيننتي، ليست ضامناً عسكرياً، بل "هي حكم جريح" لكنه حاضر، والبديل عن وجودها هو فراغ أمني خطير قد يفتح الأبواب أمام انفجار جديد، محلياً أو إقليمياً.


بوابة اللاجئين
منذ 5 ساعات
- بوابة اللاجئين
السلاح الفلسطيني في لبنان.. من "الشرعية الثورية" إلى محور إشكالية "سيادية"
لا تزال بندقية الفلسطيني في لبنان محاصرة منذ أكثر من 50 عاماً، بسياقات ملتبسة ومعقدة، يمكن أن نحصرها بسؤالين: هل هي سلاح دفاع أم مصدر تهديد؟ هل هي بقايا ثورة أم عبء سيادي؟ فهذه الأسئلة اعتادت الدولة اللبنانية وكذلك المجتمع السياسي على طرحها، لتصبح المخيمات الفلسطينية، بما فيها من بشر وسلاح، مع كل أزمة، عنواناً جاهزاً لاتهامات متجددة، وأحياناً شماعة لتبرير الانقسامات أو التوترات الأمنية والسياسية في البلاد. لكن لا بد ان نجيب أولاً، ما هو السلاح الفلسطيني فعلاً؟ وكيف وصل إلى لبنان؟ ولماذا أصبح قضيّة تتجدد ولا تُحل بعد كل هذه العقود؟ الأهم، ما الذي يمثّله هذا السلاح لمجتمع لاجئين لم يحصل على الحد الأدنى من حقوقه الإنسانية والمدنية منذ نكبته؟ لهذا السلاح مسار تاريخي، وعلاقته متشابكة مع الدولة والمجتمع، وينم الجدل حوله عن الخلفيات السياسية والاجتماعية التي صنعت هذه الإشكالية، وأبقتها دون معالجة حقيقية. بين الثورة والوصمة: بداية الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان لم يكن السلاح الفلسطيني في لبنان نتاج خيار فردي، بل كان نتيجة مسار إقليمي معقّد فرضته تحولات كبرى بعد نكبة 1948 وتهجير الفلسطينيين من أرضهم ورميهم في دول الجوار والشتات، ثم نكسة 1967 التي أكملت فعل النكبة، ومع خروج منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن إثر أحداث "أيلول الأسود" عام 1970، وجدت المقاومة الفلسطينية، في لبنان، ملاذاً جديداً سرعان ما تحوّل إلى ساحة اشتباك سياسي وعسكري مع كيان الاحتلال. في اتفاق القاهرة عام 1969، الذي أبرمته الدولة اللبنانية برئاسة شارل الحلو، مع منظمة التحرير الفلسطينية برعاية مصرية برئاسة جمال عبد الناصر، حينذاك، أضفى شرعية قانونية على هذا الوجود، وجرى بموجبه تنظيم العمل الفلسطيني الفدائي وتحديد أطر تحركاته داخل المخيمات، وفي المناطق الحدودية، وجرى السماح للفلسطينيين بالمشاركة في "الكفاح المسلح" من لبنان، مع تأكيد الطرفين على احترام السيادة اللبنانية. ورغم أنّ هذا الاتفاق حظي بتأييد واسع في ذلك الوقت، وجرى إبرامه بمباركة من قوى اليمين اللبناني المسيحي، أشد القوى اعتراضاً على الوجود الفلسطيني في لبنان، ظل دائماً مادة خلافية بين من اعتبره ضمانة لحقوق الفلسطينيين، ومن رأى فيه تعدياً على سيادة الدولة اللبنانية. سلاح الكرامة والبقاء: وجهة نظر اللاجئ الفلسطيني أما داخل المخيمات، لم يكن السلاح مجرّد أداة قتال أو ضغط، بل تحوّل إلى عنصر نفسي واجتماعي له دلالة وجودية بالنسبة لمجتمع اللاجئين الذي يًصنّف على أنه الأكثر هشاشة في لبنان، حيث يعاني حرماناً كاملاً من الحقوق المدنية، إضافة إلى صدمات تاريخية ونفسية جماعية من المجازر الدموية التي طالته على يد أطراف لبنانية، مثل مجازر تل الزعتر وصبرا وشاتيلا، لتصبح البندقية رمزا للكرامة، ورمزا لمعنى أن تكون فلسطينياً غير مستباح، أو تحمي نفسك من الاستباحة، في بيئة لا تزال تعتبره "جسماً غريباً" يجب التخلص منه. وساهم خطاب القوى اليمينية المسيحية اللبنانية، منذ السبعينيات، في ترسيخ هذه النظرة العدائية للاجئ الفلسطيني وعزله عن المجتمع والسياسة في البلاد، وجرى اعتباره خطراً على الكيان اللبناني، لا من حيث السلاح فحسب، بل أيضاً من حيث الديموغرافيا والثقافة. لم يبق هذا الخطاب، في الأطر النظرية والإعلامية، بل تَرجَم نفسه في مجازر وإبادات منظمة، كما فعل الاحتلال "الإسرائيلي" حين دعم حلفائه المحليين في مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982. وفي هذا السياق، تكشف اعترافات ضباط "إسرائيليين"، مثل الجنرال "عاموس جلعاد" قبل أعوام، بأن الغرض من السماح لميليشيات اليمين اللبناني بدخول المخيمات لم يكن فقط الرد العسكري، بل محو كامل للوجود الفلسطيني عبر الإبادة. ما بعد الحرب: إلغاء الاتفاق وتقييد السلاح بعد اجتياح لبنان عام 1982 وخروج منظمة التحرير الفلسطينية، بدأ العدّ التنازلي لاتفاق القاهرة، إلى أن ألغاه البرلمان اللبناني رسمياً عام 1987، ما أعاد العلاقة بين الدولة اللبنانية والفلسطينيين إلى نقطة الصفر، فلم يعد اللاجئ الفلسطيني يتمتع بأي اعتراف سياسي أو قانوني، وغدت المخيمات الفلسطينية بمثابة جزر معزولة في محيط رافض، محرومة من الخدمات، ومحصورة في إطار تهميش مقونن. أما السلاح، فبات محصوراً داخل المخيمات بشكل أساسي، دون أي دور استراتيجي، سواء على مستوى التوازنات الداخلية، أو في مواجهة الاحتلال "الإسرائيلي" عبر الحدود. وقد تمّت تصفية معظم الوجود المسلح الفلسطيني خارج المخيمات بعد اجتياح لبنان عام 1982 وخروج منظمة التحرير، وما تلاه من حرب المخيمات التي اندلعت بين أيار/مايو 1985 وتموز/يوليو 1988. حيث خاضت فيها حركة أمل، بدعم من نظام حافظ الأسد وفصائل فلسطينية موالية له، معارك عنيفة ضد قوات حركة "فتح" بقيادة ياسر عرفات ومقاتلي "المرابطون"، تركزت حول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت، وخاصة صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة. خلال تلك الفترة بقيت بعض القوى الفلسطينية وقواعدها العسكرية تحت مظلة "حزب الله"، الذي استفاد من خبراتها خلال مرحلة تأسيسه في مطلع الثمانينيات، ووظفها في إطار مشروعه. لكن معظم تلك القواعد والفصائل جرى تفكيكها تدريجياً بعد اتفاق الطائف، في سياق إنهاء ما تبقى من الوجود المسلح للثورة الفلسطينية في لبنان مطلع التسعينات. بينما استمر وجود قواعد محدودة لتنظيم "القيادة العامة" المعروف بتبعيته لمخابرات النظام السوري، إلى جانب فصائل أخرى لا تملك امتداداً شعبياً واسعاً، بل اقتصرت على كونها ميليشيات معزولة كـ"فتح الانتفاضة". وقد جرى إغلاق آخر هذه القواعد في كانون الثاني/يناير 2025 بقرار من الجيش اللبناني، ليطوى بذلك فعلياً ملف الوجود المسلح الفلسطيني خارج المخيمات. اتفاق الطائف، الذي أعاد تشكيل لبنان ما بعد الحرب الأهلية، تجاهل بشكل شبه كامل قضية اللاجئين الفلسطينيين. لم تُطرح مسألة حقوقهم المدنية، ولا آليات إدماجهم، ولا حتى تنظيم وضع سلاحهم. بل تمّت معاملتهم كأمر واقع، على هامش الدولة، تحت إدارة أمنية صلبة، دون رؤية سياسية. سلاح الأزمة المستدامة: لماذا يُستدعى في الحاضر؟ يعود الحديث عن "سلاح المخيمات" إلى الواجهة من جديد، لا على خلفية واقعية سببتها مشكلاته للسيادة وللمجتمع اللبنانيين الغارق في أزمات في كل ركن من أركانه، بل ضمن لعبة التجاذب السياسي الداخلي اللبناني. فبعد الحرب الأخيرة بين حزب الله والاحتلال "الإسرائيلي" ومشاركة بعض القوى الفلسطينية في المعارك، برز الحديث عن "الخطر الفلسطيني"، وأُعيد توجيه الاتهامات لبعض الفصائل الفلسطينية بافتعال "مشكلات" على الحدود، ما يشي بمحاولة خلق "بعبع" فلسطيني جديد، تبرر به قوى لبنانية عجزها عن معالجة أزماتها البنيوية وانعكاساتها السياسة في ممارسة " السيادة"، وتحمله مسؤولية الاعتداءات " الإسرائيلية". وفي هذا، لا جديد يُذكر، فاليمين اللبناني الذي عجز لعقود عن إنتاج سياسة واضحة تجاه اللاجئ الفلسطيني، لا يزال يراه عبئاً سيادياً وديموغرافياً، ويطرح حلولاً أمنية تبدأ وتنتهي بالمخيم، دون أن تلامس جذور الأزمة وهي بوضوح: حرمان اللاجئين من أبسط الحقوق، ومعاملتهم كمقيمين مؤقتين في انتظار الترحيل. من هنا تظهر مسألة السلاح الفلسطيني في لبنان ليس كقضية أمنية بقدر ما هي انعكاس جديد في التعامل مع قضية اللاجئين، فكتلة اجتماعية كبيرة من اللاجئين متروكة بلا حقوق في العمل والتعليم والتملك، وبلا ضمان صحي، ولا آفاق للمستقبل لدى الكتلة الأكبر من شبانه، قد تصبح فيه البندقية تعبيرا عن رفض المجهول والمستقبل غير مضمون، وقضية حماية وكرامة في هذه الأحوال. بين من يرى هذا السلاح تهديداً لسيادة لبنان، ومن يراه سلاحاً لحماية مجتمع مهمش ومستضعف، تضيع الحقيقة بين الرؤى المتجادلة والمتساجلة في آن، لكن يبقى الأساس: لا يمكن الحديث عن نزع سلاح فلسطيني دون الحديث أولًا عن منح حقوق مدنية وإنسانية كاملة، فالسلاح الذي يحمي المخيمات من الاجتثاث، هو نفسه دليل على اغترابها داخل بلد لم يعترف بعد بوجودها كجزء من نسيجه. إن نزع فتيل هذه الإشكالية لا يبدأ من تفتيش الخنادق، بل من إصلاح القوانين، ومن الاعتراف بإنسانية اللاجئ الفلسطيني، قبل أي شيء آخر. بوابة اللاجئين الفلسطينيين