
استراتيجية التجويع في غزّة... الأزمة الإنسانية بين القانون الدولي والإغاثة المخصخصة
التجويع سلاحَ حرب
تبعاً للقلق العالمي الذي رافق الآثار المدمّرة للحروب، يحظر القانون الدولي الإنساني حظراً باتاً استخدام التجويع أداةً في الحروب، ويشترط حماية وصول المدنيين إلى الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية. تصبح هذه الواجبات القانونية أشدّ صرامةً في حالات الاحتلال أو الحصار، حين يكون المدنيون على نحو خاصّ أكثر عرضة للحرمان.
يجبر المدنيون للوصول إلى مواقع توزيع الغذاء لمؤسسة غزّة الإنسانية على دخول مناطق طُلب منهم سابقاً إخلاؤها
في أوقات الصراعات المسلّحة، يستدعي القانون الدولي الإنساني حماية المدنيين وتوفير الإغاثة. ثمّة أحكامٌ رئيسةٌ فيه كذلك تضمن ألا يُحرَم المدنيون من الغذاء أو الوصول إليه. على سبيل المثال، تحظر المادة 53 استخدام التجويع أداة حرب، إذ يستتيع ذلك التعمّد. حجب الغذاء والماء في أثناء فترات الحصار، تدمير المواد الغذائية والإمدادات، وتعطيل إنتاج وتوزيع الغذاء عمداً... كلّها تقع تحت نطاق التعمّد. المادّة 54 أيضاً، تحمي الأصول الضرورية من أجل البقاء، بما في ذلك المزارع، والمياه، والبنى التحتية، ومرافق الغذاء. المادة 55، زيادة على ذلك، تفرض على الأطراف المنخرطة في الحرب تسهيل الوصول السريع إلى المساعدات الإنسانية للمدنيين، ومن دون عوائق. تلك القواعد، المعترف بها من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تنطبق على جميع النزاعات المسلّحة، بما في ذلك غير الدولية منها، وهي ملزمة لجميع الأطراف. وإسرائيل، بصفتها طرفاً في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، مُلزمة بهذه القواعد. وبموجب اتفاقية جنيف الرابعة، تُلزم إسرائيل كذلك بضمان توفير الإمدادات الأساسية للسكّان المدنيين الخاضعين لسيطرتها أو احتلالها. كما تُلزمها تلك الاتفاقية بضمان توفير الإمدادات الغذائية والطبّية للسكّان، وتوريد المواد الضرورية في حال عدم كفاية المصادر المحلّية. وفي حال نقص الإمدادات الكافية لسكّان الأراضي المحتلة، فلِزامٌ على إسرائيل، بوصفها قوة احتلال، الموافقة على برامج الإغاثة الإنسانية وتسهيلها بجميع الوسائل المتاحة.
بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن إسرائيل ليست طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تظلّ لهذه المحكمة ولاية قضائية على قطاع غزّة والضفة الغربية والقدس بعد انضمام فلسطين إليها في عام 2015. وبموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي، فإن استخدام تجويع المدنيين عمداً أسلوباً من أساليب الحرب، بما في ذلك حرمانهم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم، أو عرقلة إمدادات الإغاثة عمداً، يُعرّف صراحةً على أنه جريمة حرب. يجرّم نظام روما أيضاً ممارسات عديدة، بما في ذلك القتل العمد، والقتل العمد الذي يتسبّب في معاناة شديدة أو إصابة خطيرة للجسم أو الصحّة، واستغلال المدنيين لتحصين مناطق معيّنة محصّنة من العمليات العسكرية (دروعاً بشريةً مثلاً). من هنا، فإن الطبيعة المُتعمَّدة والمنهجية للأفعال التي ترتكبها إسرائيل قد تدعم تصنيفها جرائم ضدّ الإنسانية بموجب المادة 7 من نظام روما، بما في ذلك الإبادة، والاضطهاد، وسواها من الأعمال اللاإنسانية التي تسبّب معاناة شديدة أو إصابات جسيمة. يتأسّس نظام روما الأساسي (ويتفرّع من) على نظام "الانتهاكات الجسيمة" لاتفاقيات جنيف، كما هو موضّح في المادة 147 من اتفاقيته الرابعة. وبالإضافة إلى ما ينتج من ذلك من مسؤولية جنائية، فإن هذه الانتهاكات تُفعّل أيضاً مبدأ الولاية القضائية العالمية، والذي يُلزم أيّ دولة طرف في اتفاقيات جنيف بالبحث عن (وملاحقة)، أو تسليم الأفراد المشتبه في ارتكابهم لهذه الجرائم، بغضّ النظر عن جنسيتهم أو مكان وقوع الجريمة.
في ديسمبر/ كانون الأول 2019، فتح مكتب المدّعي العام للمحكمة الجنائيّة، رسميّاً، تحقيقاً رسميّاً بخصوص جرائم حرب مدّعاة أو جرائم ضدّ الإنسانية اقترفت في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وفي نوفمبر/ كانون الثاني 2024، أصدرت مذكّرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، بتهم استخدام المجاعة أداة في الحرب، والقتل العمد للمدنيين. بحلول فبراير/ شباط 2025، أكّدت التحقيقات في شأن فلسطين تتواصل على وجه السرعة، وأن مذكّرات الاعتقال لا تزال سارية. أخذاً بمبدأ الولاية القضائية العالمية، كلّ الدول الأعضاء، بما في ذلك معظم الدول الأوروبية، ملزمة قانوناً بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. يشمل هذا تنفيذ أوامر اعتقال، وضمان ألا يجد الأفراد المشتبه بهم في ارتكاب جرائم دولية منتجعاً آمناً أو حصانة.
أثارت عمليات مؤسّسة غزّة الإنسانية مخاوف جدية، وتتهمها أكثر من 170 منظّمة غير حكومية بأنها تعمل بما يخالف القانون الدولي الإنساني
خصخصة الإغاثة: أزمة في حيادية العمل الإنساني
في مايو/ أيار الماضي (2025)، وفي ظلّ حصار كامل على دخول المساعدات إلى غزّة، جرى إطلاق "مؤسّسة غزّة الإنسانية" بديلاً من جهود الإغاثة الإنسانية التقليدية، وبمزاعم أنها تقدّم الغذاء "بأمان وبشكل مباشر". يقع المقرّ الرئيس للمؤسّسة في ولاية ديلاوير الأميركية، وكان لها فرع في سويسرا حُلَّ لاحقاً لأسباب إدارية، منها الفشل في الامتثال لمعايير الشفافية وعدم الالتزام باللوائح التنظيمية السويسرية. يتولّى إدارة المؤسّسة حالياً المدير التنفيذي المؤقّت جون أكري، خلفاً لجيك وود الذي استقال من منصبه، بسبب ما وصفه بعدم قدرة المؤسّسة على الالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني، متمثّلة في الحياد، وعدم التحيّز، والاستقلالية. بموجب القانون الدولي الإنساني، يجب أن يلتزم العمل الإنساني التزاماً صارماً بهذه المبادئ كما صكّت في المادة 60 من الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات جنيف، التي تنصّ على ضرورة استخدام الإغاثة لأغراض إنسانية خالصة، وتحظر استخدامها لأيّ أهداف سياسية أو عسكرية أو تجارية. كذلك، تفترض المادة المشتركة الثالثة، والبروتوكول الإضافي الأول - المادة 70، وكلاهما يمثّل القانون الدولي العرفي، أن تُقدَّم الإغاثة الإنسانية من جهات محايدة ومستقلة، تحظى بقبول جميع أطراف النزاع.
أثارت عمليات مؤسّسة غزّة الإنسانية تلك مخاوف جدية، إذ تتهمها أكثر من 170 منظّمة غير حكومية بأنها تعمل بما يخالف القانون الدولي الإنساني، وتطالب بإغلاقها. اليوم، وبدلاً من 400 نقطة توزيع مساعدات غير عسكرية كانت تشرف عليها الأمم المتحدة، تشغّل مؤسّسة غزّة الإنسانية أربع نقاط توزيع محصّنة، مزوّدة بنقاط تفتيش بيومترية، تقع في مناطق نزاع نشطة، وتخدم نحو مليوني فلسطيني في جنوب غزّة، بعيداً عن أماكن وجود نازحين عديدين. هذا النقاط، الموصوفة بأنها "مصائد موت"، مؤمّنة بقوات مسلّحة تفيد تقارير عن استخدامها الرصاص، والقنابل الصوتية، ورذاذ الفلفل. تقع مواقع توزيع الغذاء التابعة للمؤسّسة في مناطق الإخلاء، ما يعني أن المدنيين الباحثين عن الطعام يُجبرون على الدخول إلى مناطق طُلب منهم سابقاً مغادرتها. بوصفها أُنشئت لتجاوز قنوات الأمم المتحدة الإنسانية المستقلة وخبرائها، تعمد تلك المؤسّسة إلى إجبار المدنيين على قطع مسافات طويلة من أجل الوصول إلى المساعدات، غالباً عبر مناطق خطرة، ما يُقصي الفئات الضعيفة من استحقاق الإغاثة. وبين نهاية مايو/ أيار حتى أواخر يوليو/ تموز، قُتل أكثر من ألف فلسطيني على يد قوات الأمن الإسرائيلية، كما تفيد تقارير، في أثناء محاولتهم الوصول إلى مواقع توزيع الغذاء التابعة للمؤسسة، وكثيرون آخرون أصيبوا. هذا القتل وقع أيضاً داخل مواقع تخضع لحراسة أمنية من قِبل المؤسّسة نفسها، إلا أن المؤسّسة تصرّ على أنها غير مسؤولة عن أي حالات وفاة تقع خارج حدود منشآتها.
يشغّل مؤسّسة غزّة الإنسانية، خارج آليات التنسيق الإنساني المقرّرة، التقاء الخدمات اللوجستية العسكرية والتمويل الخاصّ بدلاً من المبادئ الإنسانية
بدعم وترويج من إسرائيل والولايات المتحدة، تعتمد مؤسّسة غزّة الإنسانية على شركات أمنية ولوجستية خاصّة لإيصال المساعدات إلى داخل قطاع غزّة. تفيد التقارير بأن من بين هذه الشركات UG Solutions وSafe Reach Solutions، وقد تأسّست الأخيرة على يد فيليب ف. رايلي، وهو ضابط سابق في الوحدات شبه العسكرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وقد عمل أيضاً في شركة Constellis - الشركة الأمّ لشركة بلاك ووتر العسكرية الخاصة. حتى الآن، لم تكشف مؤسّسة غزّة الإنسانية قائمة الجهات المانحة لها، ولم تفصح عن تقاريرها المالية، كما رفضت الإفصاح عن الحكومة التي قدّمت لها مائة مليون دولار تمويلاً أساسيّاً، رغم أن تقارير تفيد بأن التمويل مصدره الحكومة الإسرائيلية نفسها. أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في شهر يوليو الماضي، بعد وقوع مئات القتلى المبلّغ عنهم، أنها ستتبرّع بمبلغ 30 مليون دولار للمؤسّسة، وقد أُصدر هذا الدعم من دون مراجعات محاسبية معتادة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أو التحقّق من الجهات المرتبطة بالإرهاب. وبالإضافة إلى توزيع الغذاء، تعمل المؤسّسة على مشروع بمليارات الدولارات لإنشاء "مخيّمات عبور" داخل غزّة وخارجها، تسوّقها تحت مسمّى "مناطق عبور إنسانية". وتشير تقارير إلى أن ثمّة مصالح استثمارية من القطاع الخاص متورّطة مالياً في عمليات المؤسّسة، ما يثير تساؤلاتٍ جدّية بشأن الدوافع التجارية الكامنة وراء عملية إيصال المساعدات. تمثّل هذه المحاذير تهديداً بتحويل الإغاثة الإنسانية إلى خدمة انتقائية مسيّسة بدلاً من أن تكون التزاماً قانونياً عالمياً قائماً على المبادئ الإنسانية؛ وكما أشارت المقرّرة الخاصّة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، فإن "الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل مستمرّة... لأنها تدرّ الأرباح لكثيرين".
على ذلك، مؤسّسة غزّة الإنسانية كيان خاص مُسجَّل محلّياً، لا يتمتّع بأيّ صفة قانونية دولية، ولا يخضع لأيّ تفويض بموجب أيّ معاهدة. وعلى عكس الجهات الفاعلة الإنسانية التقليدية، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، تعمل هذه المؤسّسة خارج آليات التنسيق الإنساني المقرّرة، ويشغّلها التقاء الخدمات اللوجستية العسكرية والتمويل الخاصّ، بدلاً من المبادئ الإنسانية. هذا الحضور لشركات الأمن والخدمات اللوجستية الخاصّة، بما فيها تلك التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأجهزة العسكرية والاستخباراتية، يُرسي "منطقاً ربحياً يُعطي الأولوية للأمن" في بيئة يقتضيها القانون الدولي الإنساني غير معسكرة ومستقلّةً.
ومع هذا، ليست "مؤسّسة غزّة الإنسانية" محصّنة عن القانون؛ إذ يفيد مبدأ التواطؤ المؤسّسي بأن الشركات قد تُعتبر مساهمة أو متواطئة في انتهاكات ترتكبها الدول. كذلك، ينصّ القانون الجنائي الدولي على أن التواطؤ المباشر يتطلّب مشاركة متعمدة، وهو أيضاً لا يشترط وجود نيّة لإلحاق الضرر، بل يكفي العلم بالآثار الضارة المتوقّعة. ومن الممكن القول إن الآثار الضارّة التي تلحق بالسكّان الفلسطينيين الذين يعانون من الجوع كانت متوقّعةً نتيجةً لطبيعة تصميم مؤسّسة غزّة الإنسانية وطريقة عملها. تبعاً لذلك، فإن أيّ كيان تجاري أو رجل أعمال يقدّم دعماً متعمّداً لدولة تنتهك القانون الدولي العرفي من شأنه أن يكون متواطئاً في هذا الانتهاك. ولا يُشترط أن يكون لدى الشريك المؤسّسي رغبة في ارتكاب الجريمة الأصلية حتى يُعد مسؤولاً، ومن ثمّ فإن الشركة أو المسؤول التنفيذي فيها قد يُعتبر متواطئاً في ارتكاب جرائم دولية إذا قرّر المشاركة من خلال تقديم المساعدة في تنفيذ الأفعال التي ترتكبها دولة إسرائيل؛ وكانت هذه المساعدة مساهمة في ارتكاب تلك الجرائم. ويُعد الدعم المباشر، سواء عبر المشاركة الفعلية أو توفير الوسائل الأساسية لتنفيذ الجريمة، أساساً لتحميل الأفراد المعنيين المسؤولية الجنائية الدولية. من هنا، فقد تضع طريقة تصميم مؤسّسة غزّة الإنسانية القائمين عليها وعملها تحت طائلة التواطؤ في جرائم دولية ترتكبها القوات الإسرائيلية.
قُتل أكثر من ألف فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية محاولين الوصول إلى مواقع التوزيع التابعة للمؤسّسة
خاتمة
قد يكون الوضع الراهن في غزّة بمثابة نقطة تحوّل للقانون الدولي الإنساني. الفشل في احترامه وفرض أحكامه قد يجرّ بنتائج ممتدّة الأثر في ما يتّصل بمستقبل الصراعات العسكرية. الحصار المتواصل، والمنع المتعمّد للغذاء، والوقود، والغوث الإنساني، تظهر قلّة اعتبار للقانون الدولي الإنساني منذرةً بالخطر. هي تكشف أيضاً أزمةً بنيويةً أعمق: انهيار الحياد في توفير الغوث الإنساني لمصلحة النموذج المخصخص والمُعسكر، ممثّلاً في حالة مؤسّسة غزّة الإنسانية؛ وهو ما من شأنه أن يقضم الحاجز الفاصل ما بين المساعدة الإنسانية والاستراتيجيا العسكرية. منع الإمدادات الغذائية التجارية، تدمير المرافق الزراعية، استبدال شبكات الغوث المحايد بالمبادرات الخاصّة المسيّسة، ذلك كلّه ينتهك الالتزامات الإنسانية، وكذلك يفكّك بشكل فعّال الدور الحمائيّ للقانون الدولي الإنساني. استخدام التجويع سلاحاً، وتعطيل المساعدات، واستهداف المدنيين في النقاط التي يتوفّر فيها الغذاء، ليست محضَ خيارات سياسية؛ بل جرائم حرب تقع تحت طائلة الملاحقة القضائية. زيادة على ذلك، فإن عمليات "مؤسّسة غزّة الإنسانية"، واستخدام متعاقدين أميركيين من القطاع الخاصّ وقوات أمن بصلات وثيقة مع الجيش الإسرائيلي، قد ترقى إلى التواطؤ في جرائم حرب وانتهاك القانون الدولي الإنساني. اليوم، تجري المساءلة القانونية على عدّة جبهات، من التحقيقات الجارية في المحكمة الجنائية الدولية بخصوص جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية المحتملة، إلى محاضر قضية الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية؛ وهذا يؤكّد وجود توافق متنامٍ على أن المعايير الدولية الجوهرية يجري انتهاكها على نطاق ممنهج.
أبعد من المساءلة، تعرّي غزّة هشاشة عملية إنفاذ القانون على المستوى الدولي في الصراعات الحديثة. هي تثير تساؤلاً أساسيّاً حول ما إذا كانت المعايير الدولية، مهما بلغت من الرسوخ، قابلة للإفراغ من مضمونها عبر الوقائيّة السياسية، والتطبيق الانتقائي، والتنصّل من المسؤولية عبر إحالتها إلى طرف آخر. ضمن هذه السياق، فإن الأمر لا يتّصل باحترام وتطبيق الالتزامات الإنسانية فقط، بل مصداقية القانون الدولي نفسه وشرعيته. حينما يجري بشكل منهجي، وعواقب محدودة، انتهاك المعايير التأسيسية التي تحظر التجويع، العقاب الجماعي، واستهداف المدنيين، فإن ذلك يقوّض الادّعاء بأن القانون الدولي يعمل بوصفه تقنيناً عالميّاً لإعمال القوّة. حتى يظلّ القانون الدولي الإنساني إطاراً ذا معنى، فإن ذلك لا يعتمد على التناسق الفقهي فقط، في مضامينه، ولكن أيضاً على الرغبة السياسية والنزاهة المؤسّسية في إنفاذه بشكل متناسق، وبحيادية، ومن دون استثناء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 7 ساعات
- العربي الجديد
لازاريني: التجويع في غزة نتيجة محاولات إسرائيل استبدال "أونروا"
قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني ، إنّ التجويع في قطاع غزة نتيجة لمحاولات إسرائيلية متعمّدة لاستبدال منظومة الأمم المتحدة بما يسمى "مؤسّسة غزة الإنسانية، ذات الدوافع السياسية"، وذلك في منشور على حسابه على منصة "إكس"، اليوم السبت، علق من خلاله على التجويع الإسرائيلي لغزة. وقال المسؤول الأممي إن الوضع تفاقم بعد منع "أونروا" من إدخال أي مساعدات إلى قطاع غزة منذ 5 أشهر. وشدّد لازاريني على أن "تهميش أونروا وإضعافها لا علاقة له بمزاعم تحويل مساعدات غزة إلى جماعات مسلّحة"، بل هو إجراء متعمد للضغط الجماعي ومعاقبة الفلسطينيين لمجرد عيشهم في القطاع، وأكد أن "المجاعة التي صنعها الإنسان بغزة نتيجة محاولات متعمدة لاستبدال منظومة الأمم المتحدة بما يسمى مؤسسة غزة الإنسانية ، ذات الدوافع السياسية". وبعيداً عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت تل أبيب منذ 27 مايو/ أيار الماضي، تنفيذ خطة توزيع مساعدات عبر ما يعرف بـ"مؤسّسة غزة للإغاثة الإنسانية"، وهي جهة مدعومة إسرائيلياً وأميركياً، لكنها مرفوضة أممياً. ويؤكد الفلسطينيون أن آلية توزيع مساعدات عبر "مؤسسة غزة الإنسانية"، تهدف إلى تجميعهم وإجبارهم على التهجير من أراضيهم، تمهيداً لإعادة احتلال غزة. وحمل لازاريني "مؤسسة غزة الإنسانية ذات الدوافع السياسية" مسؤولية ما يقرب من 1400 حالة موت جوعاً بين الفلسطينيين بغزة. The manmade famine in #Gaza has been largely shaped by the deliberate attempts to replace the UN coordinated humanitarian system through the politically motivated 'GHF'. It is a so called 'aid system' responsible for the killing of nearly 1,400 starving people. All has been… — Philippe Lazzarini (@UNLazzarini) August 2, 2025 وفي وقت سابق السبت، قالت وزارة الصحة بغزة إن حصيلة الضحايا المجوَّعين من منتظري المساعدات بلغت "ألفاً و422 شهيداً، وأكثر من 10 آلاف إصابة" منذ 27 مايو الماضي، واختتم المفوض العام لوكالة أونروا بالقول: "لا وقت لإضاعته بعد الآن، يجب اتخاذ قرار سياسي بفتح معابر غزة دون قيد أو شرط". أخبار التحديثات الحية برلين عن إيصال المساعدات إلى غزة: غير كافٍ ومنذ بدئها الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بالتوازي جريمة تجويع بحق فلسطينيي غزة، إذ شدّدت إجراءاتها في 2 مارس/ آذار الماضي، بإغلاق جميع المعابر أمام المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، ما تسبب بتفشّي المجاعة ووصول مؤشراتها إلى مستويات "كارثية". وخلفت الإبادة، بدعم أميركي، أكثر من 209 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين. (الأناضول، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 8 ساعات
- العربي الجديد
180 دولة تجتمع في جنيف لوقف التلوث الناجم عن البلاستيك
يجتمع ممثلون لنحو 180 دولة في جنيف ، الثلاثاء، في محاولة جديدة لوضع أول معاهدة عالمية للقضاء على التلوث الناجم عن مادة البلاستيك من المحيطات إلى جسم الإنسان. وفي ضوء تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية، أُضيفت هذه الدورة من المفاوضات الحكومية الدولية (CIN5-2) وتستمر لعشرة أيام بعد فشل المحادثات في بوسان بكوريا الجنوبية في ديسمبر/كانون الأول. وحالت مجموعة من الدول المنتجة للنفط دون إحراز أي تقدم. وفي حال لم تُتخذ إجراءات، سيتضاعف استهلاك البلاستيك في العالم ثلاث مرات بحلول عام 2060 وفق توقعات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. ويتوقع أن تزداد النفايات البلاستيكية في التربة والمجاري المائية، من قمم الجبال إلى المحيطات، بنسبة 50% بحلول عام 2040، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) الذي يتولى أمانة المفاوضات الأممية. تدوير 10% من نفايات البلاستيك فقط ويُنتج كوكب الأرض حالياً 460 مليون طن من البلاستيك سنوياً، نصفها معد للاستخدام الأحادي، في حين يُعاد تدوير أقل من 10% من نفايات البلاستيك. وأظهرت دراسات حديثة أن البوليمرات بتحللها إلى جزيئات بلاستيكية دقيقة ونانوية تُلوث الأنظمة البيئية، وتدخل إلى دورة الإنسان الدموية وأعضائه. وانتقد فريق يضم 450 عالماً من 65 دولة يتابعون المباحثات، التداعيات التي لا تزال مجهولة على صحة الأجيال الحالية والمستقبلية. وعلى الرغم من تعقيدات المفاوضات التي تمسّ المصالح المتضاربة للمجتمع الحديث (المواد الكيميائية والتنمية الاقتصادية مقابل البيئة والصحة)، قالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، الدنماركية إنغر أندرسن، إنه "من الممكن إنهاء اجتماع جنيف بمعاهدة". و نشر الدبلوماسي الإكوادوري لويس فاياس فالديفييسو الذي يرأس النقاشات، مسودة نص بعد فشل محادثات بوسان، تتضمن أكثر من 300 نقطة خلافية ستحتاج إلى تفاوض حتى 14 أغسطس/آب قبل التوصل إلى معاهدة. ويشير سعيد حامد العضو في تحالف يضم 39 دولة جزرية، إلى أنّ أصعب النقاط الخلافية هي ما إذا كان ينبغي للمعاهدة أن تتضمن سقفاً لإنتاج المواد البلاستيكية الجديدة. وترفض الدول الغنية بالنفط مثل السعودية وإيران وروسيا هذا الطرح تماماً. وقال بيورن بيلير مدير شبكة المنظمات غير الحكومية "آيبن" ومقرها السويد، لـ"فرانس برس": "لا يريد أحد تمديداً إضافياً للمفاوضات (...) من الممكن أن يبرز هيكل معاهدة من النقاشات حتى لو ستكون بدون تمويل أو شجاعة أو روح". وأشار مصدر دبلوماسي طلب عدم كشف هويته إلى أنّ "السياق صعب، لأننا لا نستطيع أن نتجاهل تماماً ما يحدث في أماكن أخرى لجهة التعدّدية، وبالتالي الدور الجديد للولايات المتحدة أو مجموعة بريكس" بقيادة الصين وروسيا، ويلفت المصدر إلى أن "هذه القضايا تجذب على نحو كبير اهتمام البلدان النامية"؛ إما لأنها منتجة للبلاستيك مع خطر التأثير الكبير على اقتصادها في حال تبني المعاهدة، أو لأنها تعاني من التلوث البلاستيكي وتطالب بالمساءلة. بيئة التحديثات الحية الاتحاد الأوروبي يوافق على كبح التلوث الناتج من حبيبات البلاستيك وخلال مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات في مدينة نيس، في يونيو/ حزيران، دعت 96 دولة إلى معاهدة طموحة تشمل هدف الحد من إنتاج البلاستيك واستهلاكه. وتقول رئيسة تحالف الدول الجزرية الصغيرة إيلين سيد "لا ينبغي أن تكون هذه المعاهدة، كما يطالب البعض في القطاع، مخصصة فقط لتمويل إدارة النفايات البلاستيكية". وقال غراهام فورسيز من منظمة غرينبيس "في هذه المفاوضات النهائية، على الحكومات أن تتصرف بما يخدم مصالح الشعوب وليس الأطراف الملوِّثة"، منتقداً الحضور الكبير لجماعات الضغط التابعة لقطاع الوقود الأحفوري على هامش المفاوضات. (فرانس برس)


القدس العربي
منذ 14 ساعات
- القدس العربي
خلية أزمة درزية في إسرائيل لدعم السويداء السورية
حملة خيرية لجمع مساعدات في جوليس لإرسالها إلى السويداء في سوريا، 28 يوليو 2025. رويترز جولس: في قرية جولس الهادئة في الجليل، يعمل متطوعون دروز إسرائيليون على تنظيم المساعدات لأبناء طائفتهم في سوريا، الذين عانوا من أعمال عنف طائفية دامية وقعت في أواخر تموز/يوليو. على أحد جدران المركز الاجتماعي في القرية، المجاور لضريح الزعيم الروحي للطائفة الدرزية الشيخ أمين طريف، الذي يُعد مزارًا لأبناء طائفة الموحدين، عُلِّق العلم الدرزي بألوانه الخمسة، إلى جانب لافتة كُتب عليها بالعبرية: 'خلية أزمة الطائفة الدرزية'. ويشهد المركز حركةً مكثفة، حيث ينشط المتطوعون بين مركز اتصال لجمع آخر المعلومات الواردة من سوريا، وركن لوجستي لتنسيق جمع المساعدات وتوزيعها، وخلية إعلامية تُدير حملة عبر الإنترنت للتوعية بمحنة الدروز هناك. وقال الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي الحالي للدروز في إسرائيل: 'أنشأنا غرفة عمليات هنا لمراقبة ما يحدث في السويداء، وفي جميع أنحاء المنطقة، حتى نتمكن من مساعدة إخواننا وأخواتنا هناك'. وشهدت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا، بدءًا من 13 تموز/يوليو، ولمدة أسبوع، اشتباكات بين مسلحين من البدو ومقاتلين دروز، قبل أن تتسع بدخول القوات الحكومية ومسلحين من العشائر إلى جانب البدو. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 1400 شخص، غالبيتهم من الدروز، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قبل أن يُعلن عن وقف لإطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 20 تموز/يوليو. ويتهم السكان السلطات بفرض 'حصار' على السويداء من خلال تقييد الحركة إليها، وانتشار القوات في مناطق عدة من المحافظة، وهو ما تنفيه دمشق. ولا يزال الطريق الرئيسي الذي يربط السويداء بدمشق مقطوعًا، مع تمركز مجموعات مسلحة موالية للسلطة، تمنع حركة المرور واستئناف النشاط التجاري، بحسب المرصد. Earlier this week, our President Mitch Aeder travelled to Julis, a Druze village in northern Israel, to meet with Sheikh Mowafak Tarif, the spiritual leader of the Druze community. He also visited the operations room and logistics center where all of the much-needed humanitarian… — Orthodox Union (@OrthodoxUnion) July 31, 2025 وأعرب طريف عن أسفه لهذا الوضع، في وقت تتباطأ فيه عمليات إيصال المساعدات منذ وصول أول قافلة إنسانية في 20 تموز/يوليو، مع عودة الهدوء إلى السويداء، حيث أبلغت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن 'ظروف صعبة للغاية'، ورفوف خالية في المتاجر، وانقطاعات متكررة في التيار الكهربائي. وأفادت الأمم المتحدة بأن نحو 175 ألفًا من سكان السويداء نزحوا منها. جئنا على الفور في جولس، قال سليمان عامر، الذي اندفع للمساعدة: 'بمجرد أن سمعنا أن غرفة عمليات أُقيمت هنا، جئنا على الفور'. عاد المهندس البالغ من العمر 35 عامًا إلى المركز بعد يوم قضى فيه ست ساعات متواصلة في العمل التطوعي. وأوضح، وهو ينظر إلى خريطة السويداء، أن فريقه يساعد في 'جمع المعلومات وإجراء بعض الأبحاث… كم عدد القرى التي تعرضت للهجوم؟ كم عدد القتلى؟ وكم عدد المخطوفين؟' وتضم إسرائيل أكثر من 150 ألف درزي، بينهم نحو 23 ألفًا في الجولان المحتل. وتقدّم نفسها على أنها حامية لهذه الأقلية، وقد تدخلت في النزاع السوري، فشنّت في الأيام الأولى ضربات طالت القصر الرئاسي، ومقر هيئة الأركان في دمشق، وأهدافًا عسكرية في السويداء. ونظم دروز في إسرائيل تظاهرات طالبوا فيها الحكومة بالدفاع عن أبناء طائفتهم في سوريا، بل عبَر مئات منهم من الجولان إلى سوريا، رغم أن البلدين لا يزالان رسميًا في حالة حرب منذ عام 1967، تاريخ احتلال إسرائيل لجزء من هضبة الجولان، وخاضا آخر حرب عام 1973. وقال المتطوع أكرم، الذي أفصح عن اسمه الأول فقط لأسباب تتعلق بالخصوصية: 'أن تعيش كدرزي في إسرائيل، يعني أن تملك القدرة على التأثير… لأنها دولة ديمقراطية'. وندّد بقلة الاهتمام والدعم الدوليين، معربًا عن خشيته من أن القادة الجدد في سوريا 'لم يقطعوا صلتهم بماضيهم الجهادي'. وعلى جدران المركز، علّقت ملصقات للرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، الذي تولى السلطة بعد الإطاحة ببشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر، تصفه بأنه 'إرهابي يرتدي بدلة'، ما يعكس الخطاب الرسمي الإسرائيلي. في مستودع قريب، كان عشرات الأشخاص، بينهم إسرائيليون يهود ودروز متدينون ونساء درزيات، يعملون على تجهيز حزم مساعدات غذائية وحفاضات. 'إنسانية مشتركة' وقال الشيخ طريف: 'نقوم اليوم بإرسال المساعدات عبر الطائرات… وهناك مساعدات نشتريها ونرسلها عبر الهلال الأحمر'. ولم تتمكن وكالة فرانس برس من التأكد بشكل مستقل من كيفية وصول المساعدات الإسرائيلية إلى السويداء. وقد نشرت وزارة الصحة الإسرائيلية صورًا على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر صناديق مساعدات قيل إنها أُلقيت بالمظلات في المنطقة. ووصف أكرم، الذي أنهى مؤخرًا خدمته في الجيش الإسرائيلي، غرفة عمليات جولس بأنها 'نصف مدنية'، إذ يضم فريقها متطوعين يستخدمون خبراتهم العسكرية في جمع المعلومات والخدمات اللوجستية. ويقول بعض المحللين إن إسرائيل تستخدم قضية الدروز كذريعة لتحقيق هدف عسكري يتمثل في إبعاد القوات الحكومية السورية عن حدودها. لكن في جولس، يؤكد السكان المشاركون في العمل أنهم يقومون بذلك بدافع الشعور بالمسؤولية الجماعية. قالت طالبة شابة لم تذكر اسمها: 'حتى لو كان ذلك في بلد آخر، فهذا مجتمعنا'. أما الشيخ أنور حمودي، البالغ من العمر 62 عامًا، فقال: 'بسبب إنسانيتنا المشتركة، يجب علينا الوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم بقدر ما نستطيع'. (أ ف ب)