تيسير ابراهيم الملاجي يكتب: الجندي الذي لم ينكسر أمام الجراح وإرث خالد في ذاكرة الوطن
سلامة حامد الملاجي الجحاوشة
(ابوابراهيم)
من مواليد عام 1941 أحد أبناء قبيلة بني صخر العريقة التي عرفت بمواقفها الوطنية ووقوفها صفاً واحداً دفاعاً عن الأردن وفلسطين.
ومن رحم هذه القبيلة التي أنجبت الرجال المخلصين خرج الملاجي ليحمل سلاحه في صفوف الجيش العربي الأردني مدافعاً عن الأرض والمقدسات.
الخدمة العسكرية في فلسطين
خدم الملاجي في صفوف الجيش العربي في أرض فلسطين متنقلاً بين معسكرات الجيش الأردني في القدس وجنين وغيرهما حيث كان الأردنيون يرابطون جنباً إلى جنب مع أبناء فلسطين للدفاع عن الأرض المقدسة.
كانت تلك الفترة مليئة بالتحديات وشهدت مواجهات عسكرية جسيمة أثبت فيها الجنود العرب صمودهم وشجاعتهم.
المشاركة في حرب حزيران 1967
في حرب حزيران عام 1967 كان الملاجي يخدم في الخطوط الأمامية.
وأثناء إحدى الغارات الجوية العنيفة التي شنها العدو على الأهداف العسكرية الأردنية خلال حرب حزيران في محاولة لتدمير الآليات والتحصينات وشل قدرة الجيش العربي على الصمود أصيب الملاجي إصابة بالغة.
كانت الغارة قوية ومدمرة أُبلغ على إثرها عن استشهاده.
لكن مشيئة الله أبقته حياً بعد أن تعرض لـ بتر جزئي في يده من الرسغ ليكون شاهداً على قسوة المعركة وعظمة الصمود الأردني في وجه العدوان.
تجربة طبية فريدة
بعد ان تعرض لبتر جزئي في يده من الرسغ أصبح الملاجي شاهداً على تجربة طبية نادرة في ذلك الوقت فقد زرعت يده داخل بطنه لمدة قاربت السنة في محاولة لإبقائها حية حتى تعود إلى مكانها الطبيعي.
ورغم ضعف احتمالية النجاح إلا أن العملية نجحت بفضل الله وبإشراف فريق من الأطباء البريطانيين الذين تابعوا حالته بدقة.
رعاية ملكية خاصة
كان لجراح الملاجي صدى واسع إذ حظي باهتمام جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه وولي عهده آنذاك الأمير الحسن بن طلال حيث زاراه خلال فترة العلاج ليكون مثالاً على رعاية القيادة لأبنائها واهتمامها بجرحى الوطن.
من ساحات الجهاد إلى ميادين العمل
بعد نجاح العملية وخضوعه لبرامج التأهيل والعمليات التجميلية صدر أمر ملكي بتوظيفه في قسم شؤون الموظفين في الملكية الأردنية عام 1970 حيث عمل بإخلاص وتفان حتى إحالته إلى التقاعد.
وبذلك انتقل من ساحات القتال إلى ساحات العمل والعطاء مضرباً مثالاً في الوفاء والجدية.
الرحيل والخلود
رحل سلامة حامد الملاجي إلى جوار ربه عام 2009 في 15 رمضان وشهدت جنازته حضوراً مهيباً عبر عن محبة الناس له وتقديرهم لتضحياته.
وكان من بين من قدموا واجب العزاء رئيس الديوان الملكي آنذاك معالي ناصر اللوزي وأمين عام الديوان صخر العجلوني ورئيس الوزراء الأسبق عبدالكريم الكباريتي إضافة إلى جمع من رجالات الأردن الأوفياء.
وتكريماً لمسيرته وتضحياته أصدر أمين عمان الأسبق عمر المعاني قراراً بتسمية شارع رئيسي باسمه تخليداً لذكراه ليبقى اسمه حاضراً في وجدان الناس وذاكرة الوطن.
إرث خالد
سلامة حامد الملاجي لم ينل شرف الشهادة في الميدان لكنه نال شرف الجهاد في سبيل الله والوطن.
قصته تبقى حاضرة لتروي لنا كيف قدم جيل كامل من الأردنيين التضحيات الغالية دفاعاً عن الأرض والعرض.
لقد جسد الملاجي بصلابته وصبره روح الجندي الأردني الذي لا ينكسر أمام الجراح بل يجعل من إصابته وسام عز.
ورغم الألم ظل ثابتاً حتى آخر عمره حاملاً بين يديه (التي عادت إلى الحياة بمعجزة طبية) شهادة على أن العزيمة أقوى من المستحيل.
رحم الله سلامة حامد الملاجي وجعل سيرته نبراساً للأجيال ودليلاً على أن التضحية في سبيل الوطن لا تنتهي عند حدود المعركة بل تمتد لتصبح إرثاً خالداً في ذاكرة الأمة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 5 ساعات
- أخبارنا
بشار جرار : حرارة الإيمان
أخبارنا : كلما صادفت شاكيا من حر أو متذمرا من برد، همست بأذنه: لا عليك، ما هي إلا «حرارة الإيمان وبرود اليقين». عادة ما أقدّم شطرا على الآخر حسب الموسم -صيفا أم شتاءً- فالرسالة واحدة. الشاكي من الطبيعي زيادة على الحدود المقبولة اجتماعيا، يشار إليه بتهمة شائعة موغلة في القدم في بعض المجتمعات أو أفراد بعينهم موجودين في محيطنا الاجتماعي، أينما كان حلنا وترحالنا. ثمة أناس مهووسون بالشكوى، مدمنون على التذمر، «لا يعجبهم العجب، ولا الصيام برجب»! من يقفون على النقيض ليسوا بأفضل حال، بعضهم يهوّن الأمر بتفسيرات وتأويلات «ما أنزل الله بها من سلطان»، وكأن القائل مازال طالبا في علوم الأحياء أو الطبيعة، يجيب على سؤال: «علل ما يلي»! فيهوّن الحر القاتل بضرورات إنضاج البطيخ والتين والصبر (الصبّار)! ويقلل من خطورة البرد الذي «يقصّ المسمار»، بالحاجة إلى القضاء بالتبريد والانجماد على البكتيريا والفيروسات والطُُّفَيْليّات، فضلا عن تنشيط الدورة الدموية وإطالة العمر، حيث يحرص المبررون على الإشارة إلى أن سكان المناطق الباردة والجبلية أطول عمرا وأكثر صحة وعافية، حتى يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، فيشطح مقتحما على «مونتسِكيو» نظريته بأن سكان المناطق الباردة أقل ميلا إلى العنف رغم ما عانته البشرية من ويلات «الفايكينغز» والمغول بكل أهوالها وفظائعها من بينهم، الطاغية الدموي هولاكو الذي يرى فيه البعض «بطلا مغوارا»، على جرائم الحرب وفساد الحكم الذي طبعت عهده البائد. سواء أكان الأمر مجرد أحوال طقس أو حتى تغيرا مناخيا، تعامل أجدادنا مع قسوة كل منها باقتدار. الحل ليس «بالمكيّف» بل بالقدرة على التكيف الشامل والنوعي والمستدام، وتلك ميزة أصيلة لدى الإنسان الذي جبله الله سبحانه على الحرص على البقاء وبقاء النوع والاستمرار في الحياة، وسخّر له جلت قدرته الأشياء كلها لخدمته. من مشاهدات بسيطة بالإمكان القول ودون حاجة إلى دراسات وخلوات ومؤتمرات، بأن بعض الأمور بحاجة إلى إعادة نظر لغايت التكيف مع الواقع، سواء أكان ما نشهده عالميا تحولات مناخية، أم مجرد تغيرات عابرة بالإمكان التكيف معها، وقتيا ومكانيا. عرف أجدادنا كيف يطورون مساكنهم ومدنهم وأزياءهم بما يتكيف مع الطقس والمناخ معا، وإلا لما بقينا ولما احتفظنا بتراثنا العريق حتى يومنا هذا، في عصر التنظير والعمل نحو مدن ذكية! كل واقيات الشمس من مراهم وألبسة خاصة، ومكيفات السيارات والمباني، لن تكون فعالة والأهم صحية، لو لم نحسن التعامل مع ما يعرف بالطقس المتطرف «إكستريم وذر». التطرف -بردا، حرا، غبارا، عواصف رعدية، أمطارا طوفانية، سيولا جارفة- أيا كان يتطلب وعيا فرديا، فمجتمعيا، فمؤسسيا. الكثير من الأمور مرتبطة بالتعزيل الموسمي. فلكل موسم أثاثه، ولبسه ومأكله ومشربه. هذا ليس ترفا ولا علاقة لمستوى الدخل به. ليس المقصود أثاثا شتويا وآخر صيفيا، المقصود أن إبان الجو الحار من المفيد تقليل محتويات المنزل -العفش غير الضروري- بما فيها تلك الأشياء الصغيرة التي يستهان بها، سيما ذات الأسطح والألوان القابضة للحرارة، لا العاكسة لها. كذلك استخدام التهوية الطبيعية بتأمين جريان مناسب للهواء والترطيب المتكرر البطيء بالمياه عبر منديل أو «بشكير»، وتفادي السكريات والنشويات، وإلى آخره من الأمور التوعوية التي تعلمناها من الدفاع المدني وإعلامنا الوطني ومدارسنا في مقتبل العمر. لكن العجيب هو إصرار البعض على التمسك بنمط من البناء مثلا الذي لم يعد عمليا حتى لا نقل ذكيا! لم الإصرار على السطح المسطح للمنازل، ما مشكلة البعض مع المثلثات بكرميد أم بالاسمنت المسلّح ذي السطح الانزلاقي، بحيث لا تتراكم المياه وتتسلل من الأعلى فتنخر الرطوبة و»تعشعش» في السقوف والأساسات والرئتين؟! ما المشكلة لدى البنّائين الأخيار في اعتماد الشقق الطابقية عوضا عن الإفراط في عددها بتشطيباتها «السوبر ديلوكس» إلى حد خسارة ميزات لا يمكن تعويضها أهمها حسن التهوية الطبيعية؟ ما ضير نقل تجربة من زاروا مدنا تعج وتضج بناطحات سحاب التي تعتليها -على أسطحها- حدائق أو بيوت بلاستكية للزراعة المنزلية نقلها إلى منازلنا الفارهة والمتواضعة على حد سواء؟ لم لا يعود بنا الحنين إلى بناء «الحوش» -الفِناء أو الساحة الداخلية- والسور الذي يحفظ الخصوصية و»تنكات السَّمنة» التي يعاد تدويرها لزراعة كل ما يلزم البيت ويسر ناظري أهله وزواره؟ مرة أخرى، ليس بالضرورة أن يكون المال عائقا. يفترض أن تقوم البنوك خاصة الوطنية بتشجيع البناء الذكي في مملكتنا العامرة، وقد كان لدينا وزارة اسمها «الإنشاء والتعمير». البناء الإنساني والعمراني هو الغاية، وليس الاسمنتي ولا السيبراني الافتراضي! اللهم حرارة الإيمان وبرود اليقين.. و»عَمِّرْها» بصوت الراحل النجم اللبناني الكبير وديع الصافي، رحمة الله عليه.

عمون
منذ 5 ساعات
- عمون
السكوت في مواضع الجهل حكمة .. والصمت عما لا نعلمه علم
في عالمٍ تتسابق فيه الأخبار لتصل إلى شاشاتنا قبل أن نلتقط أنفاسنا، تصبح المعلومة مثل شرارة صغير، إما أن تضيء الحقيقة أو تشعل نار الشائعات، وبين الحقيقة والزيف، يقف وعيك كخط الدفاع الأول، فالتأكد من صحة ما نسمع أو نقرأ قبل مشاركته ليس مجرد خيار، بل هو مسؤولية تحمي بها نفسك ومجتمعك من فوضى المعلومات المضللة حيث باتت الكلمات تُقال دون تدبر، والآراء تُطلق دون علم، والتصريحات تنتشر دون وعي بعواقبها، ومن هنا تبرز أهمية المثل العربي القديم "لا تهرف بما لا تعرف"، وهو تحذير صريح من إطلاق الأحكام أو الخوض في مواضيع لا نملك عنها المعرفة الكافية، إن هذه المقولة ليست مجرد حكمة شعبية، بل هي دعامة أساسية من دعامات التفكير النقدي، واحترام العقول، والمسؤولية الاجتماعية، وهذه العبارة تمنحك درسًا عميقًا في التواضع الفكري والصدق مع الذات أولا وثانيا مع الآخرين، وتعني بشكل مختصر أن لا تتكلم في ما تجهله، ولا تدّعِ المعرفة فيما ليس لك به دراية، وهي دعوة صريحة لأن يتحرى الإنسان الصدق فيما يقول، وأن يُحجم عن الخوض في أمور ليست من اختصاصه أو لا يملك عنها معرفة كافية. كثيرون يخلطون بين الحق في إبداء الرأي، والقدرة على تقديم المعرفة، فلكل إنسان الحق في أن يعبر عن مشاعره ومواقفه بالشكل الذي يراه مناسبا. وهناك أبعاد متعددة للمقولة وأثرها على المجتمعات، فعلى سليل المثال الفضاء الرقمي، والذي يعد ساحة مفتوحة للجميع، حيث يمكن لأي شخص أن يكتب أو يعلّق أو يُصدر أحكامًا حتى في أدق المواضيع كالصحة، والدين، والسياسة، والاقتصاد، وهنا تكمن الخطورة. فكم من شائعة بدأت بتغريدة؟ وكم من معلومة مغلوطة أدت إلى أزمة؟ أما في الحياة اليومية، فكثيرًا ما نسمع آراءً في المجالس أو الأحاديث العامة من أشخاص يتحدثون بثقة في مجالات لم يدرسوها، وكأنهم خبراء بها، فتجد من يصف دواءً، أو يحلل موقفًا سياسيًا، أو يُشخّص حالة نفسية، دون أي خلفية علمية، فمن المحزن جدا أن يكون هؤلاء الأشخاص بيننا. أما عن بيئة العمل فالموظف الذي يتحدث عن قرارات إدارية دون فهم، أو ينتقد سياسات دون تحليل منطقي، قد يسبب الإرباك وينشر السلبية بكل مكان ، فمن المهم جدا أن يعرف الشخص متى تنتهي حدوده ليتوقف حينها. وقال رسول الله ﷺ: "كفى بالمرء كذبًا أن يُحدّث بكل ما سمع"، وهذا الحديث الشريف يُجسد روح المثل: لا تتحدث إلا بما تعلم، ولا تردد إلا ما تثق بصدقه، وهو مبدأ أخلاقي رفيع يحث على الصدق والتحري. هناك أسبابا كثيرة للهرف دون معرفة، فالكثير يرغب في الظهور والتميز، التقليد الاجتماعي أو ضغط المجموعة، الجهل المركب (وهم المعرفة)، عدم التمييز بين الرأي والمعلومة، الثقة الزائدة بالنفس أو الغرور. أما عن النتائج السلبية للهرف تتمثل بنشر الجهل والشائعات، الإساءة للآخرين ، ضياع الحقيقة وسط الزيف والتشكيك، تشويه سمعة أشخاص أو مؤسسات، إضعاف ثقة المجتمع بالمصادر الحقيقية. إن مقولة "لا تهرف بما لا تعرف" ليست مجرد نصيحة، بل هي أسلوب حياة، في زمن امتلأ بالضجيج المعلوماتي، نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تحكيم العقل، والتحقق من كل كلمة قبل أن نطلقها، فالسكوت في مواضع الجهل حكمة، والصمت عن ما لا نعلمه علم، ودعونا نعيد لهذه القاعدة مكانتها، ونعلّمها للأجيال، ليكون حديثنا مبنيًا على علم، ونقاشاتنا قائمة على فهم، وكلامنا مرآة لعقولنا لا مجرد صدى لأهوائنا.

الدستور
منذ 7 ساعات
- الدستور
حرارة الإيمان
كلما صادفت شاكيا من حر أو متذمرا من برد، همست بأذنه: لا عليك، ما هي إلا «حرارة الإيمان وبرود اليقين». عادة ما أقدّم شطرا على الآخر حسب الموسم -صيفا أم شتاءً- فالرسالة واحدة.الشاكي من الطبيعي زيادة على الحدود المقبولة اجتماعيا، يشار إليه بتهمة شائعة موغلة في القدم في بعض المجتمعات أو أفراد بعينهم موجودين في محيطنا الاجتماعي، أينما كان حلنا وترحالنا. ثمة أناس مهووسون بالشكوى، مدمنون على التذمر، «لا يعجبهم العجب، ولا الصيام برجب»! من يقفون على النقيض ليسوا بأفضل حال، بعضهم يهوّن الأمر بتفسيرات وتأويلات «ما أنزل الله بها من سلطان»، وكأن القائل مازال طالبا في علوم الأحياء أو الطبيعة، يجيب على سؤال: «علل ما يلي»! فيهوّن الحر القاتل بضرورات إنضاج البطيخ والتين والصبر (الصبّار)! ويقلل من خطورة البرد الذي «يقصّ المسمار»، بالحاجة إلى القضاء بالتبريد والانجماد على البكتيريا والفيروسات والطُُّفَيْليّات، فضلا عن تنشيط الدورة الدموية وإطالة العمر، حيث يحرص المبررون على الإشارة إلى أن سكان المناطق الباردة والجبلية أطول عمرا وأكثر صحة وعافية، حتى يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، فيشطح مقتحما على «مونتسِكيو» نظريته بأن سكان المناطق الباردة أقل ميلا إلى العنف رغم ما عانته البشرية من ويلات «الفايكينغز» والمغول بكل أهوالها وفظائعها من بينهم، الطاغية الدموي هولاكو الذي يرى فيه البعض «بطلا مغوارا»، على جرائم الحرب وفساد الحكم الذي طبعت عهده البائد.سواء أكان الأمر مجرد أحوال طقس أو حتى تغيرا مناخيا، تعامل أجدادنا مع قسوة كل منها باقتدار. الحل ليس «بالمكيّف» بل بالقدرة على التكيف الشامل والنوعي والمستدام، وتلك ميزة أصيلة لدى الإنسان الذي جبله الله سبحانه على الحرص على البقاء وبقاء النوع والاستمرار في الحياة، وسخّر له جلت قدرته الأشياء كلها لخدمته.من مشاهدات بسيطة بالإمكان القول ودون حاجة إلى دراسات وخلوات ومؤتمرات، بأن بعض الأمور بحاجة إلى إعادة نظر لغايت التكيف مع الواقع، سواء أكان ما نشهده عالميا تحولات مناخية، أم مجرد تغيرات عابرة بالإمكان التكيف معها، وقتيا ومكانيا.عرف أجدادنا كيف يطورون مساكنهم ومدنهم وأزياءهم بما يتكيف مع الطقس والمناخ معا، وإلا لما بقينا ولما احتفظنا بتراثنا العريق حتى يومنا هذا، في عصر التنظير والعمل نحو مدن ذكية!كل واقيات الشمس من مراهم وألبسة خاصة، ومكيفات السيارات والمباني، لن تكون فعالة والأهم صحية، لو لم نحسن التعامل مع ما يعرف بالطقس المتطرف «إكستريم وذر». التطرف -بردا، حرا، غبارا، عواصف رعدية، أمطارا طوفانية، سيولا جارفة- أيا كان يتطلب وعيا فرديا، فمجتمعيا، فمؤسسيا.الكثير من الأمور مرتبطة بالتعزيل الموسمي. فلكل موسم أثاثه، ولبسه ومأكله ومشربه. هذا ليس ترفا ولا علاقة لمستوى الدخل به. ليس المقصود أثاثا شتويا وآخر صيفيا، المقصود أن إبان الجو الحار من المفيد تقليل محتويات المنزل -العفش غير الضروري- بما فيها تلك الأشياء الصغيرة التي يستهان بها، سيما ذات الأسطح والألوان القابضة للحرارة، لا العاكسة لها. كذلك استخدام التهوية الطبيعية بتأمين جريان مناسب للهواء والترطيب المتكرر البطيء بالمياه عبر منديل أو «بشكير»، وتفادي السكريات والنشويات، وإلى آخره من الأمور التوعوية التي تعلمناها من الدفاع المدني وإعلامنا الوطني ومدارسنا في مقتبل العمر.لكن العجيب هو إصرار البعض على التمسك بنمط من البناء مثلا الذي لم يعد عمليا حتى لا نقل ذكيا! لم الإصرار على السطح المسطح للمنازل، ما مشكلة البعض مع المثلثات بكرميد أم بالاسمنت المسلّح ذي السطح الانزلاقي، بحيث لا تتراكم المياه وتتسلل من الأعلى فتنخر الرطوبة و»تعشعش» في السقوف والأساسات والرئتين؟! ما المشكلة لدى البنّائين الأخيار في اعتماد الشقق الطابقية عوضا عن الإفراط في عددها بتشطيباتها «السوبر ديلوكس» إلى حد خسارة ميزات لا يمكن تعويضها أهمها حسن التهوية الطبيعية؟ ما ضير نقل تجربة من زاروا مدنا تعج وتضج بناطحات سحاب التي تعتليها -على أسطحها- حدائق أو بيوت بلاستكية للزراعة المنزلية نقلها إلى منازلنا الفارهة والمتواضعة على حد سواء؟ لم لا يعود بنا الحنين إلى بناء «الحوش» -الفِناء أو الساحة الداخلية- والسور الذي يحفظ الخصوصية و»تنكات السَّمنة» التي يعاد تدويرها لزراعة كل ما يلزم البيت ويسر ناظري أهله وزواره؟ مرة أخرى، ليس بالضرورة أن يكون المال عائقا. يفترض أن تقوم البنوك خاصة الوطنية بتشجيع البناء الذكي في مملكتنا العامرة، وقد كان لدينا وزارة اسمها «الإنشاء والتعمير». البناء الإنساني والعمراني هو الغاية، وليس الاسمنتي ولا السيبراني الافتراضي!اللهم حرارة الإيمان وبرود اليقين.. و»عَمِّرْها» بصوت الراحل النجم اللبناني الكبير وديع الصافي، رحمة الله عليه.