logo
مجموعة الأزمات: غزة تقترب من الجوع الجماعي وشروط إعلان المجاعة متحققة

مجموعة الأزمات: غزة تقترب من الجوع الجماعي وشروط إعلان المجاعة متحققة

الجزيرةمنذ 7 أيام
حذرت مجموعة الأزمات الدولية من أن ملامح المجاعة الكاملة بدأت تتجسد على الأرض في قطاع غزة ، وسط تصاعد خطر الجوع الجماعي ووصول الأوضاع الإنسانية إلى مرحلة حرجة غير مسبوقة، نتيجة فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا مطبقا على غزة منذ مارس/آذار الماضي.
وقال الخبيران في مجموعة الأزمات روبرت بليتشر وكريس نيوتن إن تقارير الأمم المتحدة تؤكد أن المجاعة أصبحت شبه حتمية ما لم يحدث تدخل فوري وشامل، معتبرين أن السياسات الإسرائيلية المفروضة على القطاع قد تكون بلغت نهايتها المأساوية، بعد أن تحوّلت سياسة تقييد الإمدادات إلى كارثة إنسانية فعلية.
وجاء في تقرير للمجموعة -نشر اليوم الخميس على موقعها، بعنوان "غزة تواجه أسوأ مراحل المجاعة"- أن البيانات الأخيرة تشير إلى أن قطاع غزة تجاوز اثنين من أصل 3 معايير أساسية تعتمدها الأمم المتحدة لإعلان المجاعة، مما يؤكد أن الكارثة لم تعد مجرد احتمال، بل واقع يتفاقم يوما بعد آخر.
خطر الجوع الجماعي
وأكد الخبيران أن سياسة تقييد الإمدادات المفروضة على غزة أوصلت القطاع إلى نقطة النهاية المأساوية، وأن المجاعة لم تعد احتمالا بعيدا بل صارت واقعا يتكشف مع ارتفاع أعداد الوفيات نتيجة الجوع.
ونقلت المجموعة عن نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) التابع للأمم المتحدة تحذيرا صريحا في 29 يوليو/تموز الجاري، يشير إلى أن غزة تسير بسرعة نحو المجاعة، وأن لجنة مراجعة المجاعة (FRC) التابعة للأمم المتحدة اعتبرت وقوع المجاعة "حتميا" في حال لم يتم التدخل فورا.
وبيّن تقرير المجموعة -استنادا إلى تقييمات رسمية صدرت في مايو/أيار الماضي- أن نظام توزيع المساعدات القائم على التنسيق الأميركي-الإسرائيلي من خلال ما يعرف بمؤسسة غزة الإنسانية لم ينجح في حماية السكان من الجوع الجماعي، بل كان من شأنه أن يزيد تفاقم الكارثة.
وأكد محللا المجموعة أن هذا النظام لم يُجرب مسبقا، وجاء في وقت ذروة التدهور الإنساني، مما حوّل نقاط توزيع المساعدات إلى بؤر للفوضى والعنف ومصائد للموت تحت أنظار القوات الإسرائيلية ، بينما تُرك شمال قطاع غزة يواجه الانهيار الكامل بسبب تركيز المساعدات في الجنوب.
ومؤسسة غزة الإنسانية شركة أميركية يقع مقرها في جنيف بسويسرا، وتأسست في فبراير/شباط 2025، وهدفها المعلن هو ضمان وصول المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة من دون وقوعها في أيدي عناصر المقاومة، لكنها منذ بدء عملها تعرضت لانتقادات كثيرة من قبل الأمم المتحدة وغيرها بسبب الفوضى والعنف وعمليات التدافع الناتجة عن قلة الإمدادات ووجود القوات الإسرائيلية التي تطلق النار على الناس.
مؤشرات إعلان المجاعة
وتوضح التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة أن قطاع غزة تجاوز 2 من أصل 3 مؤشرات أساسية لإعلان المجاعة رسميا، وحسب محللي مجموعة الأزمات الدولية فإن الكارثة أصبحت واقعا يعيشه الفلسطينيون في غزة.
وتقول مجموعة الأزمات إنه وفق أحدث بيانات نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، فإن ربع أسر غزة تعاني من فجوات حادة في استهلاك الغذاء، في حين لم تتعد النسبة 4% في أبريل/نيسان الماضي، وهو ما يفوق العتبة الأممية المحددة بـ20%.
كما بلغ معدل سوء التغذية الحاد لدى الأطفال في غزة 16.5% حسب قياس محيط منتصف الذراع مطلع يوليو/تموز الجاري، متجاوزا المستويات المعتمدة عالميا لتصنيف المجاعة.
أما المؤشر الثالث، المتعلق بعدد الوفيات اليومية غير العنيفة، فلا يزال من الصعب توثيقه رسميا نتيجة القيود الإسرائيلية على جمع البيانات، إلا أن تقارير المستشفيات المحلية أظهرت بوضوح وفاة عشرات من سكان القطاع بسبب الجوع، وارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه وانتشار الإسهال، مما يجعل التدهور متسارعا وخطيرا للغاية.
جذور الأزمة الإنسانية
وترجع مجموعة الأزمات الدولية جذور الكارثة الراهنة إلى سياسات ممنهجة يتبعها الاحتلال الإسرائيلي ، حيث أبقت أكثر من 2.1 مليون فلسطيني رهن الجوع المستمر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، عبر فرض 3 موجات متتالية من الحصار المشدد.
وأشارت المجموعة إلى أن التخفيفات الجزئية للقيود لم تتحقق إلا للرد على تحذيرات منظمات الأمم المتحدة مع تكرار المشهد في مارس/آذار ونوفمبر/تشرين الثاني 2024، ثم في مايو/أيار 2025، إلا أن كل دورة إغلاق جديدة كانت تدفع السكان نحو مزيد من الإنهاك والهشاشة.
كما لفت المحللان إلى تصريحات رسمية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تؤكد أن المساعدات الإنسانية كانت مجرد أداة ضغط لأجل نقل السكان نحو الجنوب، حيث يظهر الواقع أن وعود الإغاثة الشاملة لم تترجم فعليا على الأرض، وأن معظم ما حصل عليه السكان في الشمال هو الجوع والموت عند نقاط التوزيع القليلة تحت التهديد والفوضى.
ويخلص تقرير مجموعة الأزمات إلى أن كارثة الجوع الجماعي في غزة أصبحت حقيقة تتفاقم يوميا، وأن التعاطي الدولي مع الأزمة لم يرقَ بعد إلى مستوى خطورة الوضع. محذرا من أن أعداد الضحايا قد ترتفع بشكل مأساوي في الأسابيع المقبلة إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
يذكر أن نتنياهو أعلن في 27 يوليو/تموز الجاري عن تخفيف بعض القيود المتعلقة بوصول المساعدات للقطاع، وهو بذلك يعيد السيناريو المتكرر: استجابة شكلية للضغوط الدولية التي سرعان ما تتضح محدوديتها فعليا.
ولذلك يؤكد مراقبون أن غزة اليوم تقف على حافة الانهيار الكامل، ولا سبيل لوقف هذا الانحدار الكارثي سوى باستجابة إنسانية عاجلة وشاملة، تقودها الأمم المتحدة وتترافق مع وقف فوري للعمليات القتالية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لماذا انقلب نتنياهو على مسار المفاوضات وأين يتجه في غزة؟
لماذا انقلب نتنياهو على مسار المفاوضات وأين يتجه في غزة؟

الجزيرة

timeمنذ 28 دقائق

  • الجزيرة

لماذا انقلب نتنياهو على مسار المفاوضات وأين يتجه في غزة؟

غزة- بينما كانت الأنظار تتجه نحو انفراجة محتملة في ملف تبادل الأسرى بعد أسابيع من المفاوضات المكثفة، فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – الوسطاء بتراجعه في اللحظة الأخيرة، رافعا سقف التصعيد بالحديث عن احتلال قطاع غزة مجددا. خطوة رآها مراقبون جزءا من سياسة المناورة المستمرة التي ينتهجها نتنياهو للهروب من الاستحقاقات الداخلية والضغط لتحصيل مزيد من التنازلات. ورغم ترقّب اجتماع المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) مساء الخميس، فإن أغلب التقديرات ترجّح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يوظف الموقف التفاوضي لخدمة أهداف سياسية داخلية، مرتبطة بمصالحه الشخصية والانتخابية، ويستخدمها للمناورة حتى اللحظة الأخيرة عله يستطيع أن ينتزع المزيد من التنازلات من حركة حماس. الهروب من المفاوضات من جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة -في حديثه للجزيرة نت- أن تراجع نتنياهو عن مفاوضات الصفقة التي قادها الوسطاء خلال الأسابيع الأخيرة يعود لجملة أسباب تتمثل في: اعتبارات سياسية داخلية، تحقق لنتنياهو الهروب من المحاسبة لأنه يدرك أن إتمام صفقة قد يعيد المشهد إلى مربع طرح "ما بعد الحرب"، وهو ما يفتح عليه أبواب التحقيق ولجان الفشل، خصوصا في ظل تعاظم النقد الداخلي. الحفاظ على تماسك الائتلاف، لأن أي صفقة تُفسّر أنها تنازل ل حماس قد تُفجّر الحكومة بفعل ضغط اليمين المتطرف، لذا فالتصعيد أسهل وأقل تكلفة سياسيا. تأجيل الاستحقاقات السياسية، لأن بقاء الحرب من دون حل يجمّد الدعوات لانتخابات مبكرة ويمنح نتنياهو الوقت لخلط الأوراق مجددا. اعتبارات أمنية وعسكرية، حيث يعتقد نتنياهو أن أي صفقة من دون إنجاز ميداني ملموس يحقق فيه "صورة نصر" تتمثل بإسقاط حكم حماس تُعد هزيمة، لذا يُفضّل الإبقاء على التصعيد بحثا عن ورقة قوة تُستخدم في التفاوض لاحقا. اعتبارات إستراتيجية وتكتيكية تشمل استخدام المفاوضات كغطاء، حيث كان نتنياهو يستخدمها أداة ضغط لتحصيل تنازلات، وما إن وصلت حماس إلى موقف ثابت من دون تراجع إضافي، توقف نتنياهو. ضرب الزخم الإيجابي بعدما شعر نتنياهو أن الوسطاء بدؤوا يتقاربون مع مقاربة فلسطينية قابلة للحياة، فانسحب حتى لا يُفرض عليه مسار تفاوضي جديد يُنهي الحرب تدريجيا. المناورة أمام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، ويندرج تحتها محاولة نتنياهو استثمار الدعم الأميركي الكبير له لتكريس وقائع ميدانية قبل أي تسوية مفروضة لاحقا من المجتمع الدولي. الضغط على حماس عبر التصعيد، لأن الهدف قد لا يكون الحرب الشاملة، بل جولة تضغط على الحركة وتعيدها إلى طاولة التفاوض بشروط إسرائيلية. سيناريوهات عسكرية من جانبه، يعتقد الباحث في الشأن الأمني والعسكري رامي أبو زبيدة -في حديث للجزيرة نت- أنه إذا أصرت حكومة الاحتلال على الذهاب نحو توسيع العمل العسكري في قطاع غزة فإن هناك 3 سيناريوهات متوقعة: إعلان تقسيم القطاع وفرض واقع تهجيري من خلال فصل مدينة غزة وشمالها عن باقي المناطق بإنشاء "منطقة عازلة" ومخيمات نزوح بدعم أميركي غير معلن، مع تصعيد الضغوط الجوية لتشجيع النزوح جنوبا، مقابل تسهيلات إنسانية في الجنوب. اجتياح بري لمركز قطاع غزة يركّز على مدينة غزة والمخيمات الوسطى بهدف البحث عن الأسرى، لكنه يحمل مخاطر كبيرة على الجنود الإسرائيليين واحتمال وقوعهم في كمائن ومعارك استنزاف في بيئة معقدة. إستراتيجية التآكل البطيء عبر ضربات جوية متواصلة، وإنزالات ميدانية محدودة، وضغوط إنسانية وسياسية متزامنة تهدف إلى إنهاك المقاومة، من دون الانجرار إلى مواجهة واسعة. ثقة الإسرائيليين تتآكل وفي خضم التهديدات الإسرائيلية، استطلع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي آراء الجمهور الإسرائيلي حول الأداء الأمني والسياسي في الحرب المستمرة منذ أكتوبر/تشرين أول 2023، حيث أظهر أن 61% منهم لا يعتقدون أن العمليات العسكرية في غزة ستعيد الأسرى، في حين يرى 25% من الجمهور فقط أن العمليات ستؤدي إلى هزيمة حماس وإعادة الأسرى، بينما يرى 52% منهم أن حكومة نتنياهو تعرقل التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى. ونشرت منصة شؤون عسكرية قراءة لنتائج الاستطلاع قالت فيها إن مؤشرات الاستطلاع تنسف جوهر العقيدة العسكرية الإسرائيلية المبنية على فرض الوقائع بالقوة واستعادة الأسرى من دون تنازلات، كما أن المقاومة نجحت في تثبيت معادلة استنزاف فاعلة، تجعل أي حسم مستحيلا، وتعزّز من مركزية خيار المقاومة لدى الفلسطينيين. وبحسب المنصة الإسرائيلية، فإن أي عملية عسكرية قادمة في غزة أو أي جبهة ستُقابل بسقف منخفض من التوقعات الشعبية، مما يقلّص حرية المناورة لدى الجيش، ويجعله عُرضة للضغط الشعبي والإعلامي في حال تكبّده خسائر من دون نتائج ملموسة. وتشير المنصة إلى أن الجيش يفقد تدريجيا مكانته "المقدسة" في الوعي الإسرائيلي، وهذا يعيد النقاش حول قدرته على الحسم، ويعزز مناخا متزايدا من فقدان الثقة بالمنظومة الأمنية برمّتها، وسيتحول الانقسام الداخلي الإسرائيلي، والتشظي المجتمعي، إلى ساحة جديدة للصراع، وهو ما تراهن عليه المقاومة وتراكم عليه نتائج حرب الاستنزاف.

سرايا القدس تقصف آليات وجنودا إسرائيليين توغلوا في خان يونس
سرايا القدس تقصف آليات وجنودا إسرائيليين توغلوا في خان يونس

الجزيرة

timeمنذ 28 دقائق

  • الجزيرة

سرايا القدس تقصف آليات وجنودا إسرائيليين توغلوا في خان يونس

بثت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي مشاهد لاستهداف مقاتليها جنودا وآليات إسرائيلية كانت تتوغل في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. وأظهرت المشاهد تثبيت مقاتلي السرايا منصات قذائف الهاون في منطقة مدمرة قبل أن تقصف قوات الاحتلال. وتأتي هذه الصور في الوقت الذي تتجه فيه إسرائيل إلى توسيع عملياتها العسكرية بهدف احتلال القطاع بشكل كامل، وهي خطوة يقول رئيس الأركان إيال زامير إنها ستكون "مصيدة إستراتيجية". وتواصل المقاومة استهداف آليات وجنود الاحتلال في مختلف مناطق القطاع، وذلك مع تعثر مفاوضات التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار.

هل ماتت النخوة العربية؟!
هل ماتت النخوة العربية؟!

الجزيرة

timeمنذ 30 دقائق

  • الجزيرة

هل ماتت النخوة العربية؟!

منظر الأطفال في غزة وهم يصارعون الموت جوعاً لا يصدَّق، لولا أن الصور شاهدة عليه، والمجازر تملأ الشاشات يوماً بعد آخر.. مئات الآلاف محاصرون بلا غذاء ولا ماء ولا دواء! المجاعة تفترس الشيوخ والأطفال، والقتل لا يستثني امرأةً ولا رضيعاً. ورغم كل ذلك، فإن المشهد العربي يبدو ساكناً، بلا حراك يُذكر، إلا من بيانات إدانة لم تعد تقنع أحداً، ولا تغير من واقع الحال شيئاً. إذا كانت الأنظمة قد خذلت، فإن الشعوب ما زالت حيّة.. الملايين الذين يخرجون في الشوارع رغم القمع، والذين يقاطعون رغم الحملات، والذين يُربّون أبناءهم على حبّ فلسطين رغم خذلان العالم، هؤلاء هم ما تبقى من نبض العروبة. لكن السؤال الكبير: إلى متى تبقى الشعوب وحدها؟ أمام ما يجري في غزة، يحق لنا أن نسأل بصراحة: هل ماتت النخوة العربية؟ ما زرعه الاستعمار من فرقة، منذ سايكس بيكو، سُقي لاحقاً بماء الخنوع السياسي. أما اليوم، فها نحن نعيش حصاد هذا الانقسام، بعدما تحولت فلسطين من قضية مقدسة إلى "ملف مزعج" في عيون بعض الأنظمة ما كشفته الحرب على غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ، تاريخ انطلاق الطوفان المبارك، وحتى اليوم، هو حجم الهشاشة السياسية والإنسانية في الموقف العربي! لم تعد فلسطين "القضية المركزية" كما يردد البعض، بل تحولت- في نظر كثير من الأنظمة- إلى ملف معقد يفضل تجنبه، أو- في أفضل الأحوال- أن يدار ضمن الحدود الدنيا، دون تجاوز "الخطوط الحمراء" التي ترسمها القوى الكبرى. أميركا لا تخفي انحيازها، وإسرائيل تمارس الإبادة بلا خشية من عقاب. أما العرب، فإن مواقفهم تراوحت بين التنديد الخجول والصمت الكامل، وكأن الدم الفلسطيني لا يمتّ إليهم بصلة ولا تربطهم به رابطة الانتماء والعروبة، أو كأنهم فقدوا القدرة على الفعل، أو حتى الرغبة فيه. ما نراه اليوم يؤكد ما حذَّر منه كثيرون سابقاً: أننا أصبحنا كغثاء السيل، لا وزن سياسي، ولا تأثير دولي، ولا هيبة تحفظ الحقوق أو تردع المعتدين. لا إسرائيل تحسب حساباً للغضب العربي، ولا أميركا تفكر مرتين قبل دعمها غير المشروط لآلة القتل. ما زرعه الاستعمار من فرقة، منذ سايكس بيكو، سُقي لاحقاً بماء الخنوع السياسي. أما اليوم، فها نحن نعيش حصاد هذا الانقسام، بعدما تحولت فلسطين من قضية مقدسة إلى "ملف مزعج" في عيون بعض الأنظمة. الانقسام، والتطبيع، والتذرع بـ"المصالح العليا"، كلها كانت تمهيداً لتجريدنا من القدرة على المواجهة، حتى بالكلمة. ما من مشهد أكثر قسوة من غزة وهي تباد يومياً، بينما القمم العربية تنعقد وتنفض دون أن يتغير شيء على الأرض.. بيانات الإدانة لم تعد تقنع أحداً، والمبادرات لم تعد تتجاوز المراوغة اللغوية. صمت القادة العرب -أو اكتفاؤهم بالحد الأدنى من المواقف الرمزية- كشف عجزاً لا يُغتفر، وتخلّياً لا يمكن تبريره. هل بات الولاء للتحالفات الدولية أهم من الوفاء لقضية الأمة! بعض العواصم فتحت الأبواب للتطبيع، وبعضها الآخر اختبأ خلف "الواقعية السياسية" و"التعقيدات الإقليمية"، بينما أطفال غزة يُدفنون تحت الركام. لم يُطلب من الزعماء العرب أن يعلنوا الحرب، لكن ما يُطلب هو موقف شريف، شجاع، يتناسب مع فداحة المشهد؛ فلا يعقل أن تستباح مدينة عربية بهذا الشكل، دون أن يكون للعرب وزن سياسي أو تحرك يجبر المعتدي على التوقف. الخذلان هذه المرة ليس صمتاً فقط، بل هو مشاركة غير مباشرة في الجريمة، تكون حين يتحول التواطؤ إلى سياسة، واللامبالاة إلى موقف. هذا الغياب العربي الرسمي لم يكن فقط فاضحاً، بل مفضوحاً، والتاريخ سيكتب هذا الفصل من الخذلان بحبر لا يجف. يبدو أن ما نشهده اليوم هو امتداد طبيعي لمرحلة بدأت منذ عقود؛ فمنذ نكبة 1948، والعرب يتحدثون عن "الحق الفلسطيني"، لكن معظمهم لم يتجاوز الشعارات. تغيرت الأنظمة، وتبدلت الخطابات، لكن التراجع ظل ثابتاً، بل تصاعدياً. قادتنا، حين فشلوا في ردع الاحتلال، بدؤوا في ترويض شعوبهم على قبول الأمر الواقع. أما اليوم، فقد بلغنا مرحلة جديدة: مرحلة التعامل مع فلسطين كملف محرِج، لا كقضية مقدسة… أصبح الفلسطيني يحمل وحده عبء مقاومة آلة عسكرية مدعومة دولياً، بينما تكتفي الأنظمة بالمراقبة، أو التبرير، أو ما هو أسوأ: التنسيق الأمني والسياسي خلف الكواليس. الأكثر إيلاماً من كل ما سبق هو الإحساس العام، الذي ترسخ في وجدان شعوبنا العربية، بأن الدم العربي لم يعد يُقلق أحداً، وأن الإنسان العربي هو الأرخص في بورصة السياسات الدولية… لا أحد يغضب لمجزرة، ولا يرتعش ضمير العالم لطفل يموت جوعاً في غزة، أو تحت أنقاض بيت في رفح، أو في خيمة باردة في خان يونس. بل إن السؤال الأخطر الذي يفرض نفسه: هل فقدنا إحساسنا بالكرامة؟ لقد صارت العروبة شعارات جوفاء، بعدما كانت تعني يوماً الانتصار للمظلوم، والدفاع عن الأرض والعِرض، ولو على حساب المصالح. النخوة العربية، أو ما تبقى منها، تموت كل يوم يُقتل فيه طفل فلسطيني دون رد، تموت كل مرة يُمنع فيها شريان الحياة عن غزة ويقابَل ذلك بتقاعس عربي رسمي، تموت حين يُترك الفلسطيني الأعزل يواجه آلة القتل وحده، بينما تُفتح العواصم للمهرجانات والاحتفالات وكأنه لا شيء يحدث. لقد تغير الكثير في وجدان هذه الأمة، لكن ما لا يجب أن يتغير هو إدراكنا بأن ما يجري في فلسطين ليس "أزمة إنسانية" فحسب، بل هو اختبار أخلاقي ووجودي للعرب جميعاً: أن نكون أو لا نكون.. إما أن نستعيد معنى الكرامة، أو نسلم بأننا شعوب بلا قضية، بلا صوت، بلا تأثير. لم يُكتب بعد الفصل الأخير من هذه الحرب.. لا يزال في الميدان رجال ونساء وأطفال يواجهون الجوع بالصمود، والموت بالأمل، والخذلان بالإيمان! لكن هؤلاء لا يستحقون فقط التعاطف، بل الفعل، يحتاجون أكثر من التغريدات والتصريحات، يحتاجون موقفاً يعيد للعروبة معناها، وللنخوة وزنها. فمن لم تهزه مجاعة غزة، ودماء أطفالها، ودموع أمهاتها، فليراجع إنسانيته أولاً، وعروبته ثانياً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store