logo
المحامي بشار محمد البطـوش يكتب: الشيكـات بعـد حزيـران 2025، ومنهجيـة تقييـم الأثـر التنظيمـي أو التشريعـي

المحامي بشار محمد البطـوش يكتب: الشيكـات بعـد حزيـران 2025، ومنهجيـة تقييـم الأثـر التنظيمـي أو التشريعـي

أقر البرلمان القانون المعدل رقم 10 لسنة 2022 لتعديل قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، حيث نشر بعدد الجريدة الرسمية 5796 تاريخ 25/5/2022 على الصفحة 3591، وجاء فيه:
1- يعمل به بعد مرور 30 يوم من تاريخ نشره، بحيث أصبح ساري المفعول إعتباراً من تاريخ 24/6/2022.
2- تضمن القانون المعدل تعديلات على مواد وردت بقانون العقوبات، مع إختلاف بميعاد سريان مفعولها، وعلى النحو التالي:
 تعديلات تعتبر سارية من تاريخ نفاذ القانون المعدل، أي من تاريخ 24/6/2022.
 تعديلات سوف تسري بعد مرور 3 سنوات من تاريخ نفاذ القانون المعدل في 24/6/2022، بحيث يبدء سريانها من تاريخ 24/6/2025، وهذه التعديلات تتعلق بجرائم الشيكات.
مضمون القانون الحالي:
إن المادة 421 بقانون العقوبات - قبل التعديل - تعاقب بالحبس مدة سنة، وبغرامة من 100 إلى 200 دينار، على الأفعال التالية:
1- إصدار شيك ليس له مقابل وفاء قائم وقابل للصرف.
2- السحب بعد إصدار الشيك لكامل المقابل لوفائه أو بعضه، بحيث لا يفي الباقي بقيمته.
3- إصدار أمر للمسحوب عليه (البنك) بالإمتناع عن صرف الشيك بغير الحالات التي يجيزها القانون.
4- تظهير شيك للغير أو إعطاء شيك مستحق الدفع لحامله مع العلم بأنه بلا رصيد، أو بأنه غير قابل للصرف
5- تحرير شيك أو التوقيع عليه بصورة تمنع صرفه .
ولا يجوز للمحكمة عند الأخذ بالأسباب المخففة تخفيض مدة الحبس عن 3 أشهر والغرامة عن 50 دينار، ولا يجوز إستبدال الحبس بالغرامة وبحال إستيفاء قيمة الشيك أو إسقاط الحق الشخصي، تستوفى غرامة للخزينة 5% من قيمة الشيك مهما بلغ عدد المحكوم عليهم تتراوح بين 100 إلى 5 آلاف دينار حتى بعد صدور الحكم، أو إكتسابه الدرجة القطعية، وتحسب الغرامة بحال تعدد الشيكات على أساس مجموع قيمتها، وقد إشترط القانون لمنح الحماية الجزائية للشيكات ما يلي:
1- أن تكون محررة بإستخدام نماذج البنوك، فالشيكات المكتبية غير مشمولة بالحماية رغم أنها كانت مشمولة سابقاً.
2- أن يكون الشيك مقدم إلى البنك للوفاء بالتاريخ المبين فيه، أو خلال 6 أشهر تلي ذلك التاريخ.
وأما الشيكات الصادرة عن الأشخاص الإعتبارية؛ بيّن القانون بأنه إذا حُـرر الشيك من المفوض بالتوقيع عنها، فيكون مسؤولاً جزائياً بصفته فاعلاً للجريمة، متى ما توافرت أركانها، وبغض النظر عن نوع الشركة.
مضمون القانون المعدل:
تضمنت المادة 34 بالقانون المعدل رقم 10 لسنة 2022 إضافة فقرة جديدة للمادة 421 أعلاه بالنص التالي (لا تسري أحكام هذه المادة على الشيكات الصادرة بعد ثلاث سنوات من نفاذ أحكام هذا القانون المعدل).
عرفت المادة 123/ج من قانون التجارة رقم 12 لسنة 1966 الشيك بأنه (محرر مكتوب وفق شرائط مذكورة في القانون ويتضمن أمراً صادراً من شخص هو الساحب إلى شخص آخر يكون معرفاً وهو المسحوب عليه بأن يدفع لشخص ثالث أو لأمره أو لحامل الشيك وهو المستفيد مبلغاً معيناً بمجرد الإطلاع على الشيك).
وفقاً للتعديل الجديد؛ فالتجريم الخاص بالأفعال المذكورة بالمادة 421 بقانون العقوبات لن يسري على الشيكات الصادرة بعد تاريخ 24/6/2025 بحيث زال عنها عقوبة الحبس والغرامة، وبهذا، ألغيت جرائم شيكات وفقاً لقانون العقوبات المعدل رقم 10 لسنة 2022.
وهنا ننوه إلى أمرين:
الأمر الأول: إن زوال الحماية الجزائية عن الشيك، لن يؤثر على أحكامه كورقة تجارية وأداة وفاء وفقاً لقانون التجارة رقم 12 لسنة 1966، ولن يلغي جرائم الشيكات والعقوبات المفروضة عليها الواردة بقانون التجارة بالمادة 275، والمتضمنة الأفعال المعاقب عليها بالغرامة ومنها: (وضع تاريخ غير صحيح في الشيك)، و(سحب شيك على غير مصرف)، و(كتابة المظهر الأول للشيك أو حامله تاريخاً لاحقاً لتاريخ تظهيره أو تقديمه)، و(إصدار شيك ليس له مقابل وفاء كامل وسابق لإصداره)، و(إصدار شيك لم يدون فيه مكان إنشائه أو دون تاريخ، وتسري العقوبة نفسها على المظهر الأول للشيك أو حامله إذا خلا الشيك من بيان مكان إنشائه أو تاريخه، وعلى كل من أوفى مثل هذا الشيك أو تسلمه على سبيل المقاصة)، والأفعال الواردة بالمادتين 276 و277 وهي (مخالفة البنوك إلتزاماتها عند إصدار دفاتر شيكات وذكر إسم العميل عليها)، و(التصريح بأرصدة أقل مما لديها للعملاء).
الأمر الثاني: إن رفع الحماية الجزائية عن الشيك، لا يمنع من جواز الحبس التنفيذي (المدني) وفق قانون التنفيذ وتعديلاته رقم 25 لسنة 2007، لأن الشيك كورقة تجارية قابلة للتداول؛ تعتبر سند تنفيذي وفقاً للمادة 6/ج من القانون، شريطة أن لا تقل قيمة الشيك عن 5 آلاف دينار وفقاً لمفهوم المخالفة للمادة 23/ب/3 بقانون التنفيذ، ومدة الحبس أقصاها 60 يوم بالسنة الواحدة وفقاً للمادة 22/ج بالقانون، وإن قل المبلغ عن ذلك، فلا يجوز الحبس ويصار لوسائل التنفيذ الأخرى كالحجز والمنع من السفر، وهذا إجتهادي من تحليل النصوص القانونية، فالشيك ورقة تجارية تتمتع بكفاية ذاتية وفقاً للإجتهاد القضائي سواء المحلي أو المقارن، فهي ليست إلتزام تعاقدي، ومثالها الشيكات التي توقع وفقاً لتسويات دائرة ضريبة الدخل والمبيعات مع المكلفين، فهي ليست ناشئة عن تعاملات تعاقدية، فمردها سداد دين عام وفقاً للتشريعات الضريبية، أو الشيكات التي أصلها فعل ضار كحادث سير وغيرها، وبالتالي تكون غـيـر مشمولة بحالات منع الحبس التنفيذي وفقاً للمادة 22/و/1 من قانون التنفيذ، ما لم يرى قضائنا الموقرة خلاف ذلك بإجتهاد جديد، ولكل مجتهد نصيب.
وهنا يتسائل البعض، ما هو البديل عن الشيك لضمان الحقوق بإعتباره أداة وفاء تقوم مقام المال ومحمية جزائياً بالحبس والغرامة، فهو يختلف عن باقي الأوراق التجارية المستخدمة كأدوات إئتمان، فوظائفها مختلفة ما يستتبع تباين الأحكام، وإختلاف الحماية. كذلك، فليس الجميع يملك عقارات أو منقولات لرهنها للحصول على الإئتمان، أو الوفاء بالحقوق المترتبة عليه، خاصة مع تعزيز إستراتيجية الشمول المالي التي كانت سلاح ذو حدين، فقد مكنت الكافة من الحصول على الإئتمان بيسر، بالمقابل، أنتجت آلاف الغارمين أما لتعثر مشاريعهم لقلة خبرتهم بإدارتها، أو لإساءة إستخدام التمويل الممنوح لهم.
إن فلسفة التشريعات بأنها تعكس الحاجة المجتمعية، وتسعى لتحقيق توازن بين المخاطبين فيها، دون الإنحياز لطرف على حساب الآخر، وبذات الوقت، تتضمن جزاءات كفيلة بالتنفيذ، بما يحقيق الغاية المرجوه منها، والأسباب الموجبه لها.
إننا لا ننكر حاجة التجارة للتعامل بالدفع المؤجل بظل الظروق الإقتصادية، وإنخفاض السيولة النقدية، فهناك وسائل تسمح بذلك مثل الكمبيالات، وبواليص التحصيل، وسندات السحب، والسندات لحاملها، لكن الإفراط بإستخدام الشيك كأداة دفع مؤجل، وشيكات التأمين كونه محمي جزائياً، فرغم أن ذلك وفر ضمانة بين المتعاملين، لكنه أظهر تداول وكيانات إقتصادية وهمية بالغالب غير قائمة على تدفقات نقدية فعلية، ولا تعكس قيمة الأصول لديها، أو تعبر بصدق عن معدلات النمو وفقاً للمؤشرات الإقتصادية، ولتعذر الكثير عن الوفاء بالتواريخ المؤجلة؛ تعثرت تلك المشاريع، تبعه زيادة بالشيكات المرتجعة، وإرتفاع بجرائم الشيكات، وتضخم بأعداد المحكومين بالسجون.
لهذا، فما آل إليه حال الشيك ليس بسبب التشريعات أو الظروف الإقتصادية، إنما بسبب سوء إستخدامه، وإن من شأن زوال الحماية الجزائية عنه إضعاف قوته بالتعامل، كونه حاز على ثقة المتعاملين فيه لسنوات، ويقوم مقام النقد بسرعة التداول. وعلى أي حال، فالجميع منح 3 سنوات لمرحلة ما بعد إلغاء جرائم الشيكات، فالتشريع الجديد أصبح واجب التطبيق بغض النظر عن كفاية تلك المدة أم لا للتعايش مع التوجه الجديد؛ سيما وأن الوضع الإقتصادي يعوم على الشيكات منذ سنوات طويلة، وهي أساس تداول النقد والسلع والخدمات، وضمان الحقوق بظل الحماية الجزائية الممنوحة لها.
تقرير الشركة الأردنية لأنظمة الدفع والتقاص لشهر نيسان 2025
وصل إجمالي قيمة الشيكات المتداولة في نظام المقاصة الإلكترونية للشيكات خلال الثلاثة أشهر (شباط، وآذار، ونيسان) إلى 9.78 مليار دينار، وأن قيمة الشيكات المرتجعة منها 285 مليون دينار. علماً بأن هذا العدد لا يشمل الشيكات المقدمة للصرف مباشرة للبنوك وتعاد لأي سبب، فلا يوجد إحصائيات دقيقة تبيّن عددها أو قيمتها.
المتأثرون (إيجاباً وسلباً) من رفع الحماية الجزائية عن الشيكات
لو بحثنا بالمستفيدين من ذلك؛ نجد بأن الدولة تأتي بالطليعة بتوفير كلف إعاشة النزلاء بالسجون وتتبع المجرمين من قبل الضابطة العدلية، فعلى فرض دقة المعلومات؛ فكلفت النزيل الواحد تبلغ 750 دينار، ونسب الإكتظاظ بالسجون 143% من القدرة الإستيعابية حسب التصريح الأمني أمام اللجنة المالية بمجلس النواب عام 2022؟ ولكن كيف تم إحتساب هذا الرقم؟ وكم هي نسب المحكومين بقضايا الشيكات من العدد الإجمالي للنزلاء؟ وكم كلفتهم برقم محدد؟ وكم الوفر المالي على الخزينة كمؤشر متوقع جراء ذلك؟.
وأما المستفيد التالي، فهو مؤسسة القضاء، وذلك بالتخلص من آلاف الدعاوى الجزائية التي تتراكم سنوياً، وما تشكله من عبء على الكادر القضائي والإداري بالمحاكم. يليها، المدينين سواء معتادي المماطلة بالسداد، أو الممتنعين كلياً عن الوفاء بالحقوق المترتبة عليهم، فقد زال ما كان يخيفهم من عقوبة الحبس وغرامة.
بالمقابل، آلا يوجد متأثرين سلباً من رفع الحماية الجزائية وبدرجات مختلفة من حيث التأثير؟.
ماذا عن الدائنين، وحماية حقوقهم؟، وماذا عن جهات الإقراض؟، أليس من المتوقع أن تبالغ بطلب الضمانات لتحصيل حقوقها؟.
حتى الدولة نفسها، ألم تخسر مورد مالي جراء الرسوم المدفوعة بجرائم الشيكات؟، وغرامة الـ 5% التي يحكم بها للخزينة بتلك القضايا، وتتراوح بين 100 إلى 5000 دينار ؟ فكم بلغت خسارتها بالأرقام؟
أليس قطاع المحامين متأثر بزوال التوكيل بجرائم الشيكات؛ بخسارة مدخول كان متحقق له؟ ألم تتأثر صناديق نقابة المحامين بخسارة رسوم إبراز الوكالات بتلك الدعاوى؟ فكم حصيلة ذلك؟
هل خسرت البنوك مبالغ كانت تستوفيها مقابل ختم الشيك المرتجع؟ وهل سيتراجع الطلب على دفاتر شيكات من قبل التجار، وإنخفاض الطلب على طباعتها ما يوثر على كوادر ومبيعات المطابع؟ يتبعه تراجع الطلب من مستوردي الأحبار والورق المخصص لطباعة دفاتر الشيكات؟، وبالتالي تراجع مبيعاتهم وإنخفاض الربحية؟ مما يؤدي لتراجع عوائد الدولة من الرسوم والجمارك والضرائب بالنتيجة؟
وعلى صعيد متصل، وبعد رفع الحماية الجزائية عن الشيك، هل ستزداد جرائم إستيفاء الحق بالذات؟ أو الإستعانة بالغير لتحصيل الحقوق (البلطجة)؟، وما يستتبع ذلك من كلف قانونية وأمنية ومجتمعية؟.
وماذا عن الوضع الإقتصادي؟، هل الجميع قادر على التعامل بالكاش والنقد المعجل؟، وهل الوضع الجديد سيؤدي لفلترة التجار وبقاء الأكثر ملاءة؟، هل سيؤدي ذلك لإغلاق منشاءات معتمدة على البيع والشراء بالذمم والشيكات المؤجلة (صغار التجار) أمام الإصرار على التعامل بالنقد؟، ما تأثير ذلك على معدلات النمو والركود الإقتصادي؟، وهل سوف ينتج عن ذلك أسر بلا عمل أو دخل، ولجوئهم لصندوق المعونة الوطنية والكلف الجديدة على الخزينة تبعاً لذلك؟، ما هي الضمانات الجديدة المعتبرة لضمان الحقوق؟ وما أهمية السجل الإئتماني وتصنيف العملاء والإستعلام المصرفي؟، وإمكانية تفعيل قانون المعلومات الإئتمانية المؤقت رقم 15 لسنة 2010؟، وقانون ضمان الحقوق بالأموال المنقولة رقم 20 لسنة 2018؟.
كذلك، أليس الكثير من التبليغات التي تتم للخصم بجرائم الشيكات تنشر بالصحف الأوسع، وأمام إلغاء تلك الجريمة، لن يكون هناك تبليغات، ما يؤدي لتراجع النشر وربحية الصحف، وتراجع الضرائب المستحقة عليها للخزينة؟، إضافة لتراجع عوائد نقابة الصحفيين من نسبة 1% من قيمة الإعلانات المنشورة (المادة 55/أ/3 من قانون النقابة)، وهي بملايين الدنانير؟.
وغيرها من الآثار التي تطال كل المتعاملين بالشيكات. لذا، فالحلول يجب أن تكون منصفة قدر الإمكان للجميع وتراعي المصلحة العامة، فهذه المواضيع وغيرها، تحتاج للمناقشة من خلال إجراء دراسات محايدة، وأرقام دقيقة للأثر المترتب عليها، بحيث تقدم للحكومة، أو من قبل الحكومة للبرلمان، لإتخاذ القرار المناسب لرفع الحماية الجزائية عن الشيكات كلياً أو جزئياً، أو تخفيض العقوبات، أو إستبدالها، أو الإبقاء عليها، أو فرض قيود معينة على ممارسة المدين لحقوقه المدنية، أو تقرير ضمانات نوعية لصالح الدائن، أو عدم التدخل، بحيث يشارك بإعداد ذلك خبراء من مختلف القطاعات، وغرف التجارة والصناعة، وأكاديميين، وبيوت الخبرة، والبنوك، والنقابات، بما فيه الدولة بسلطاتها الثلاث، فالكل متأثر بالتعديلات التشريعية.
هل أجرت الدولة دراسات شاملة ومعلنة قبل رفع الحماية الجزائية عن الشيك؟
في حدود ما نشر للعموم، فالجواب لا، فالموضوع إقتصر على نشر مشروع القانون المعدل، والأسباب الموجبة له، وتبرير ذلك بعبارات مقتضبة محصولها؛ إن ذلك سيوقف الشيكات المؤجلة، ويعيد إستخدام الشيك كأداة وفاء، بما يظهر الحجم الحقيقي للمبيعات والمشتريات، وأن جريمة شيك بلا رصيد هي الأكثر إنتشاراً بالمحاكم بما يكلف الدولة كثير من الوقت والمال بمراحل التوقيف والتقاضي والحبس.
فمع كل الإحترام لهذه التبريرات، فهي كلام عام مجرد، فهي يجب أن تقوم على دراسات وأرقام دقيقة معلنة للجميع، ومدعمة بأدلة محايدة، سيما، وأنه هناك من يستطيع الرد على الحكومة بالحجة والبرهان، لو تم الإستماع له في حينه.
فالقول بأن رفع الحماية الجزائية عن الشيك سيوقف الشيكات المؤجلة، ويظهر الحجم الحقيقي للتجارة، يحتاج لدراسات عن حجم التعامل قبل وبعد التعامل بالشيكات كأداة وفاء وإئتمان؟، وهذا من الصعوبة رصده بعد سنين طويلة من التعامل بالشيك بشتى أشكاله؟، بالمقابل، ليس بالضرورة حصر التعامل بالشيكات بالعمل التجاري، فهو يستخدم لغايات أخرى.
وعن القول بأن جريمة الشيك هي الأكثر إنتشاراً بالمحاكم، يحتاج لوقفه، فلو رجعنا لعينة من تقارير السنوية للمجلس القضائي الأردني، فحسب تقرير المجلس لعام 2023، كون تقرير العام 2024 لم يكن متاحاً للعموم حتى تاريخه، لنجد أن العدد الإجمالي للدعاوى الواردة لمحاكم الدرجة الأولى بالمملكة بلغ 327613 دعوى، كان نصيب محاكم الصلح منها نسبة 85,9%، ومحاكم البداية 8,7% (صفحة 29 بالتقرير)، وبلغ عدد الدعاوى الصلحية 281388 دعوى، منها 179932 دعوى جزائية، و63893 دعوى مدنية، و37563 دعوى تجارية (صفحة 63 بالتقرير)، علماً بأن الشيك يمكن أن يأخذ وصف أي من تلك الدعوى تبعاً لطبيعة الدعوى المقدمة به، وبجميع الأحوال، فالتقرير لم يبيّن بدقه حصة دعاوى الشيكات من الأرقام المذكورة؟ ولم يرد بملاحق التقرير ذكر لعدد جرائم الشيكات المسجلة لدى المحاكم، حتى يصار للقول بأنها الأكثر إنتشاراً فيها؟!.
منهجية (تقييم الأثر التنظيمي أو التشريعي) (Regulatory or Legislative Impact Assessment).
نشير هنا لموضوع غاية بالأهمية؛ ففي الممارسات التشريعية الدولية الفضلى، يوجد ما يسمى بمنهجية (تقييم الأثر التنظيمي أو التشريعي)، والتي تعتبر متطلب ضروري بالعملية التشريعية وتطوير بيئة الأعمال، حيث تهدف لتجويد الصناعة التشريعية، والسياسات العامة بالدولة، من خلال التركيز بشكل أكبر على تحديد الفوائد، والتكاليف في تقييم الأثر.
فجوهر هذه المنهجية يقوم على دراسة كيفية التعامل مع المواضيع الوطنية (القانونية والإجتماعية والإقتصادية والمالية وغيرها)، بحيث يشارك بإعدادها مراكز متخصصة، وخبراء محايدين من مختلف المجالات، كما لو كان الموضوع مثلاً (الشيكات المرتجعة، تسول الأطفال، تراجع الإستثمار، إرتفاع عنف الأحداث، زيادة حوادث السير، إنتشار الأكياس البلاستيكية بالبيئة، إمتداد عقود الإيجار القديمة، العقوبات البديلة، وغيرها)، بحيث يتم تشخيص المشكلة، وتحديد أسبابها، والأدلة على وجودها، والنتائج المترتبة عليها، والبدائل المقترحة لمواجهتها، والآثار المترتبة لكل مقترح، والمخاطر المحتملة، والإيجابيات والسلبيات، والكلف على الخزينة، والمتأثرين بالمقترح (الفائزون والخاسرون)، ويتم نشر النتائج للعموم للحصول على تغذية مجتمعية راجعة، ثم يتم إعداد إستراتيجية تشاور (Consultation Strategy) مع الخبراء وأصحاب المصالح (Stockholders)، للوصول للخيار الأمثل للتدخل، والذي يتجسد بأحد الخيارات التالية، ثم يلي ذلك خطة التنفيذ، وأخيراً المتابعة والتقييم، والخيارات هي:
1- إقرار تشريع جديد عن السلطة التشريعية.
2- إصدار تشريع أدنى، كنظام أو تعليمات أو قرار عن السلطة التنفيذية.
3- إعتماد سياسة أو إستراتيجية أو برنامج حكومي معين.
4- تفعيل أدوات أو جهات تنظيمية موجودة من قبل، فلا حاجة لأي جديد.
5- خيار عدم التدخل وترك الأمر على ما هو عليه، إن كان من شأن التدخل، مفاقمة المشكلة بدلاً من حلها، أو التخفيف منها.
وهنا نشير للورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك الصادرة عام 2016، فقد تضمنت ما يشكل توجيه ملكي لإعتماد منهجية تقييم الأثر بما يتصل بالقضايا العامة، وجاء فيها (يجب على مؤسساتنا وضع رؤية واضحة، وخارطة طريق، وأهداف محددة، تمكن هذه المؤسسات من تحقيق أهدافها وقياس نسبة الإنجاز والأثــــر، للوصول إلى أرقى معايير النزاهة والشفافية، وأعلى مستويات الخدمة للمواطنين).
ومن خبرتنا بالعمل على منهجية تقييم الأثر التنظيمي والتشريعي بالتعاون مع جامعة ولاية نيويورك (The State University of New York – SUNY)، والإتحاد الدولي للقانون والتنمية في واشنطن (آيكلاد) (International Consortium for Law and Development - ICLAD)، فهذه المنهجية تحقق أهداف عديدة، منها:
1- إنضاج التشريعات والسياسات العامة بالدراسة والتحليل المعمق.
2- ديمومة التطبيق، وتلافي التعديلات المتسرعة.
3- مراعاة الأولويات الوطنية.
4- الإستفادة من التجارب الدولية بمجال التطوير التشريعي.
5- تحقيق الأسباب الموجبة للتشريع أو السياسة محل البحث.
6- تفادي المخاطر المحتملة بالمستقبل.
7- زيادة الرضى الشعبي عن التشريعات والبرامج الحكومية، خاصة التشريعات الإقتصادية والإجتماعية لإتصالها المباشر بالإستثمار والمواطنين.
إن هذه الدراسة يتم إعدادها بمراحل مبكرة، لتكون ضمن الوثائق التشريعية أمام المشرع، أو صاحب القرار الحكومي، أو الفريق الإقتصادي (Think Tank)، فتوفر لهم أرضية تحليلة خصبة، ومعلومات وفيرة، بما يساهم بتحديد التوجه الوطني الأمثل بعد إنضاجه بمراكز البحث، لضمان ديمومته لأطول فترة، ضمن إطار عمل مؤسسي عابر ومستمر رغم تغيير الشخوص، كما هو الحال بالرؤى الملكية للتحديث الإقتصادي والسياسي والإداري، التي تعتبر عابرة بين الحكومات التنفيذ وبإشراف ملكي، وهنا يمكن القول؛ بأن منهجية تقييم الأثر، يمكن أن يكون لها دور رئيس بما يتصل بهذه الروى الثلاث.
وقد لا يقتصر الأمر على الدراسات التي تعدها الحكومة، فقد يرى البرلمان ضرورة إعداد دراسات نظيرة تفند التوجه الحكومي لتمرير التشريع، أو سياسة عامة، فهذا يتصل بعمله بمجال الرقابة البرلمانية والتشريع.
وبحال غياب هذه الدراسات، فالتوجهات ستكون مبينة غالباً على رغبات شخصية، ومعلومات عشوائية، بغياب التشاور مع الخبراء، وعدم تغطية جوانب الموضوع، وإفراز حلول منقوصة، تنعكس على ديمومتها، وتخضع للتعديل بإستمرار، بما يفاقم المشكلة أو يرحلها.
من هي الجهة التي يمكن أن تعد دراسة تقييم الأثر التشريعي أو التنظيمي؟
بالممارسات الدولية المثلى، يوجد مراكز بحثية محايدة متخصصة، تضم خبراء، ولديها تعاون مع جامعات، ومؤسسات إحصائية ومسح إجتماعي، بحيث يمكن للحكومة التعاون معها لإنتاج دراسة متوازنة وشاملة، وكذلك يمكن أن يكون هناك كيانات متخصصة أما تابعة للحكومة، أو للبرلمان يمكنها القيام بذلك. فماذا عن المملكة الأردنية الهاشمية؟.
فمن مشاركتي بمناقشة بعض التشريعات التي عرضت على ديوان التشريع والرأي برئاسة الوزراء، فإن الديوان؛ وإن كان يضم خبراء قانونيين ولغويين نجلهم ونقدرهم، ولكنه يخلو من خبراء بمجالات أخرى سواء إقتصادية أو إجتماعية أو مالية، وإن تم الإستئناس برأي وزارة المالية؛ فيكون عادة لبيان الأثر المالي المحتمل لأي تشريع جديد على الخزينة وأثره على الإيرادات والنفقات العامة، وحتى نشر مشاريع التشريعات على الموقع الإلكتروني للديوان، فهو غير كافٍ أو يحقق الغاية بشكل كامل، وبالمثال يتضح المقال، فأول مشروع (نظام مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص لعام 2014)، لم ينشر على الموقع الإلكتروني للديوان رغم أهميته؟!.
كذلك، فالتشريعات المرسلة لديوان التشريع والرأي لإقرارها سواء أكان مصدرها حكومي أو خاص، فإن ما ورد فيه يعبر عن وجهة نظر الجهة صاحبة التشريع، وليس بالضرورة أنها إستمعت للرأي المقابل، وهذا ما ثبت بالواقع، لهذا، يبقى التشريع بحاجة للرأي الآخر، بما يحقق الرضا المجتمعي بأعلى قدر ممكن. لهذا، فرغم أهمية دور الديوان بالعملية التشريعية، ولكنه لا يستطيع لوحده إعداد دراسات تقييم الأثر التنظيمي والتشريعي، ولا حتى الجهات صاحبة التشريع.
أما عن البرلمان (السلطة التشريعية)؛ فرغم دوره الرئيس والهام بإقرار التشريعات، ولكن حسب علمي من واقع المشاركة بتقديم دعم قانوني والإستشاري لعدد من السادة النواب والأعيان سابقاً، فإنه لا يتوفر فيه جهات متخصصة بإعداد تلك الدراسات، وإن كان فيه باحثين مقدرين لمعاونة المشرعين على عملها بمجال التشريع والرقابة بحال الطلب.
ما هو المأمول الآن من الحكومة أو البرلمان؟
الجديد بهذا المقام؛ بأنه حسناً فعلت الحكومة حديثاً بإقرار (نظام التنظيم الجيد وتقييم الأثر للتشريعات والسياسات رقم 16 لسنة 2025)، رغبة منها بمواكبة الصناعة التشريعية المثلى، ورغم أن ذلك جاء متأخراً، ولكن أن تأتي متاخراً خير من أن لا تأتي، فمنهجية دراسة الأثر موجودة منذ عشرات السنين بدول العالم المتقدمة، حيث تم إستحداث وحدة متخصصة برئاسة الوزراء معنية بدعم عمليات رسم السياسات وصنع القرار بمجلس الوزراء، والتحقق من التنظيم الجيد للتشريعات والسياسات، ومراجعة وتدقيق دراسات تقييم الأثر المقدمة من أي وزارة أو دائرة أو هيئة أو مجلس أو مؤسسة عامة أو رسمية، أو أي جهة يقرر مجلس الوزراء خضوعها لهذا النظام.
لذا، فأمام الجدال المجتمعي حول رفع الحماية الجزائية عن الشيكات، والأثر المتوقع لذلك على القطاعات ذات العلاقة، وليس آخرها النقاش الذي تم بشهر 4/2025 للقانون المعدل لقانون العقوبات لسنة 2022 المتضمن إلغاء جرائم الشيكات، من قبل لجنة مشتركة بمجلس الأعيان، بحضور ممثلين عن وزارة العدل، والبنك المركزي، والمجلس القضائي، ودائرة تنفيذ عمان، ونقابة المحامين، وجمعية البنوك، وغرفة تجارة عمان.
فيمكن اللجوء لهذا النظام، وتكليف الوحدة المعنية برئاسة الوزراء سواء بطلب من مجلس الوزراء وفقاً للمادة 11/ب من النظام، أو بطلب برلماني من خلال الحكومة وفقاً لأحكام الدستور والنظام الداخلي للمجلس لسنة 2013؛ لتتولى إجراء دراسة تقييم الأثر اللاحق لموضوع رفع الحماية الجزائية عن الشيكات، تناقش بحيادية كافة المواضيع ذات العلاقة، ومدى إرتباطها بالتشريعات الأخرى بالشراكة مع القطاع الخاص، وخبراء من مختلف التخصصات، طالما لم يتم إجراء دراسة تقييم الأثر المسبق قبل ثلاث سنوات عندما أقر القانون المعدل، فهذا يساهم بتحديد مدى الحاجة لمراجعة التشريع من عدمه، وكفاءته للتعامل مع موضوع جدلي بالمجتمع، سواء بالوقت الراهن، أو الإنتظار فترة بعد تطبيقه، لربما تعود الدولة عن ذلك، وتظهر بدائل أخرى بما يخدم الصالح العام.
فالدول تراجع تشريعاتها وفقاً للمستجدات، وتجربة دولة الكويت ليست عنا ببعيد، ففي عام 2020 تم تعديل قانون وألغي حبس المدين لعدم السداد، وفي عام 2025 تم إعادة الحبس، معللةً ذلك بحماية الإقتصاد الوطني وتحسين المناخ الإستثماري، وتعزيز الثقة بسيادة القانون والمؤسسات القضائية ومكافحة التنصل من سداد الديون، وإقامة التوازن بين حق الدائن بإقتضاء حقه، وبين المدين الذي لا تفي ذمته المالية بإلتزاماته دون أن يداخل ذلك تدليساً بحقيقة مركزه المالي، كذلك بدولة الإمارات العربية عام 2022، تم إعادة النظر بجرائم الشيكات جزئياً، حيث تم إلغاء عقوبة الحبس مع بقاء عقوبة الغرامة 10% من قيمة الشيك بحيث لا تقل عن آلف درهم ولا تزيد عن قيمة الشيك، وإبقاء عقوبات صارمة لجرائم منها: حالات الغش، كإصدار أمر للبنك بعدم صرف الشيك دون مبرر، وإغلاق الحساب قبل صرف الشيك أو سحب الرصيد أو كان الحساب مجمد، وتزوير الشيكات واستعمالها؛ وذلك بالحبس مدة من 6 أشهر ولغاية سنتين، وغرامة لا تقل عن 10% من قيمة الشيك بحيث لا تقل عن 5 آلاف درهم ولا تزيد على ضعف قيمة الشيك، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
المحامي والمستشار القانوني
بشــار محمــد البطــوش
Basharkj@gmail.com

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مهم من الضمان بشأن استحقاق راتب الوفاة الطبيعية
مهم من الضمان بشأن استحقاق راتب الوفاة الطبيعية

رؤيا

timeمنذ 3 ساعات

  • رؤيا

مهم من الضمان بشأن استحقاق راتب الوفاة الطبيعية

الضمان الاجتماعي: يشترط لاستحقاق تقاعد الوفاة الطبيعية وجود 24 اشتراكًا فعليًا منها 6 متصلة وحدوث الوفاة خلال فترة الاشتراك أوضحت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي أنه يُشترط لاستحقاق راتب تقاعد الوفاة الطبيعية أن يكون للمؤمن عليه المتوفى فترة اشتراك فعلي بالضمان لمدة لا تقل عن 24 اشتراكاً من ضمنها 6 اشتراكات متصلة، وحدوث الوفاة خلال فترة اشتراكه بالضمان. وأضافت المؤسسة في بيان اليوم الاحد، إنه يُخصص هذا الراتب لورثة المؤمن عليه المستحقين من بداية الشهر الذي يتوفى فيه، ويُصرف كذلك لهم بدل نفقات جنازة بقيمة 700 دينار. وأكدت المؤسسة أن قانون الضمان الاجتماعي أتاح أيضاً تخصيص راتب تقاعد الوفاة الطبيعية لورثة المؤمن عليه الأردني المستحقين على الرغم من وفاته خارج الخدمة المشمولة بالضمان، شريطة أن يكون له مدة اشتراك سابقة لا تقل عن 120 اشتراكاً فعلياً بالضمان من ضمنها 12 اشتراكاً متصلاً، ولم يمضِ على انقطاعه عن الضمان أكثر من 60 شهراً من تاريخ إيقافه وحتى تاريخ حدوث الوفاة.

بورصة عمان تغلق تداولاتها على انخفاض نسبته 1.53 بالمئة
بورصة عمان تغلق تداولاتها على انخفاض نسبته 1.53 بالمئة

أخبارنا

timeمنذ 6 ساعات

  • أخبارنا

بورصة عمان تغلق تداولاتها على انخفاض نسبته 1.53 بالمئة

أخبارنا : أغلقت بورصة عمان، اليوم الأحد، تداولاتها على انخفاض نسبته 1.53 بالمئة الى مستوى 2635 نقطة. وبلغت كمية الأسهم المتداولة نحو 2.4 مليون سهم بقيمة إجمالية بلغت نحو 6.2 مليون دينار نتيجة تنفيذ 2677 صفقة. وفي مقارنة أسعار الإغلاق للشركات المتداولة أسهمها، تبين أن 65 شركة أظهرت انخفاضا في أسعار أسهمها، بينما ارتفعت أسعار أسهم 9 شركات، واستقرت أسعار أسهم 11 شركة أخرى.

الشيكـات بعـد حزيـران 2025، ومنهجيـة تقييـم الأثـر التنظيمـي أو التشريعـي
الشيكـات بعـد حزيـران 2025، ومنهجيـة تقييـم الأثـر التنظيمـي أو التشريعـي

السوسنة

timeمنذ 7 ساعات

  • السوسنة

الشيكـات بعـد حزيـران 2025، ومنهجيـة تقييـم الأثـر التنظيمـي أو التشريعـي

أقر البرلمان القانون المعدل رقم 10 لسنة 2022 لتعديل قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، حيث نشر بعدد الجريدة الرسمية 5796 تاريخ 25/5/2022 على الصفحة 3591، وجاء فيه:1- يعمل به بعد مرور 30 يوم من تاريخ نشره، بحيث أصبح ساري المفعول إعتباراً من تاريخ 24/6/2022.2- تضمن القانون المعدل تعديلات على مواد وردت بقانون العقوبات، مع إختلاف بميعاد سريان مفعولها، وعلى النحو التالي: تعديلات تعتبر سارية من تاريخ نفاذ القانون المعدل، أي من تاريخ 24/6/2022. تعديلات سوف تسري بعد مرور 3 سنوات من تاريخ نفاذ القانون المعدل في 24/6/2022، بحيث يبدء سريانها من تاريخ 24/6/2025، وهذه التعديلات تتعلق بجرائم الشيكات. مضمون القانون الحالي:إن المادة 421 بقانون العقوبات - قبل التعديل - تعاقب بالحبس مدة سنة، وبغرامة من 100 إلى 200 دينار، على الأفعال التالية:1- إصدار شيك ليس له مقابل وفاء قائم وقابل للصرف.2- السحب بعد إصدار الشيك لكامل المقابل لوفائه أو بعضه، بحيث لا يفي الباقي بقيمته.3- إصدار أمر للمسحوب عليه (البنك) بالإمتناع عن صرف الشيك بغير الحالات التي يجيزها القانون.4- تظهير شيك للغير أو إعطاء شيك مستحق الدفع لحامله مع العلم بأنه بلا رصيد، أو بأنه غير قابل للصرف 5- تحرير شيك أو التوقيع عليه بصورة تمنع صرفه .ولا يجوز للمحكمة عند الأخذ بالأسباب المخففة تخفيض مدة الحبس عن 3 أشهر والغرامة عن 50 دينار، ولا يجوز إستبدال الحبس بالغرامة وبحال إستيفاء قيمة الشيك أو إسقاط الحق الشخصي، تستوفى غرامة للخزينة 5% من قيمة الشيك مهما بلغ عدد المحكوم عليهم تتراوح بين 100 إلى 5 آلاف دينار حتى بعد صدور الحكم، أو إكتسابه الدرجة القطعية، وتحسب الغرامة بحال تعدد الشيكات على أساس مجموع قيمتها، وقد إشترط القانون لمنح الحماية الجزائية للشيكات ما يلي:1- أن تكون محررة بإستخدام نماذج البنوك، فالشيكات المكتبية غير مشمولة بالحماية رغم أنها كانت مشمولة سابقاً.2- أن يكون الشيك مقدم إلى البنك للوفاء بالتاريخ المبين فيه، أو خلال 6 أشهر تلي ذلك التاريخ.وأما الشيكات الصادرة عن الأشخاص الإعتبارية؛ بيّن القانون بأنه إذا حُـرر الشيك من المفوض بالتوقيع عنها، فيكون مسؤولاً جزائياً بصفته فاعلاً للجريمة، متى ما توافرت أركانها، وبغض النظر عن نوع الشركة. مضمون القانون المعدل:تضمنت المادة 34 بالقانون المعدل رقم 10 لسنة 2022 إضافة فقرة جديدة للمادة 421 أعلاه بالنص التالي (لا تسري أحكام هذه المادة على الشيكات الصادرة بعد ثلاث سنوات من نفاذ أحكام هذا القانون المعدل).عرفت المادة 123/ج من قانون التجارة رقم 12 لسنة 1966 الشيك بأنه (محرر مكتوب وفق شرائط مذكورة في القانون ويتضمن أمراً صادراً من شخص هو الساحب إلى شخص آخر يكون معرفاً وهو المسحوب عليه بأن يدفع لشخص ثالث أو لأمره أو لحامل الشيك وهو المستفيد مبلغاً معيناً بمجرد الإطلاع على الشيك).وفقاً للتعديل الجديد؛ فالتجريم الخاص بالأفعال المذكورة بالمادة 421 بقانون العقوبات لن يسري على الشيكات الصادرة بعد تاريخ 24/6/2025 بحيث زال عنها عقوبة الحبس والغرامة، وبهذا، ألغيت جرائم شيكات وفقاً لقانون العقوبات المعدل رقم 10 لسنة 2022.وهنا ننوه إلى أمرين:الأمر الأول: إن زوال الحماية الجزائية عن الشيك، لن يؤثر على أحكامه كورقة تجارية وأداة وفاء وفقاً لقانون التجارة رقم 12 لسنة 1966، ولن يلغي جرائم الشيكات والعقوبات المفروضة عليها الواردة بقانون التجارة بالمادة 275، والمتضمنة الأفعال المعاقب عليها بالغرامة ومنها: (وضع تاريخ غير صحيح في الشيك)، و(سحب شيك على غير مصرف)، و(كتابة المظهر الأول للشيك أو حامله تاريخاً لاحقاً لتاريخ تظهيره أو تقديمه)، و(إصدار شيك ليس له مقابل وفاء كامل وسابق لإصداره)، و(إصدار شيك لم يدون فيه مكان إنشائه أو دون تاريخ، وتسري العقوبة نفسها على المظهر الأول للشيك أو حامله إذا خلا الشيك من بيان مكان إنشائه أو تاريخه، وعلى كل من أوفى مثل هذا الشيك أو تسلمه على سبيل المقاصة)، والأفعال الواردة بالمادتين 276 و277 وهي (مخالفة البنوك إلتزاماتها عند إصدار دفاتر شيكات وذكر إسم العميل عليها)، و(التصريح بأرصدة أقل مما لديها للعملاء).الأمر الثاني: إن رفع الحماية الجزائية عن الشيك، لا يمنع من جواز الحبس التنفيذي (المدني) وفق قانون التنفيذ وتعديلاته رقم 25 لسنة 2007، لأن الشيك كورقة تجارية قابلة للتداول؛ تعتبر سند تنفيذي وفقاً للمادة 6/ج من القانون، شريطة أن لا تقل قيمة الشيك عن 5 آلاف دينار وفقاً لمفهوم المخالفة للمادة 23/ب/3 بقانون التنفيذ، ومدة الحبس أقصاها 60 يوم بالسنة الواحدة وفقاً للمادة 22/ج بالقانون، وإن قل المبلغ عن ذلك، فلا يجوز الحبس ويصار لوسائل التنفيذ الأخرى كالحجز والمنع من السفر، وهذا إجتهادي من تحليل النصوص القانونية، فالشيك ورقة تجارية تتمتع بكفاية ذاتية وفقاً للإجتهاد القضائي سواء المحلي أو المقارن، فهي ليست إلتزام تعاقدي، ومثالها الشيكات التي توقع وفقاً لتسويات دائرة ضريبة الدخل والمبيعات مع المكلفين، فهي ليست ناشئة عن تعاملات تعاقدية، فمردها سداد دين عام وفقاً للتشريعات الضريبية، أو الشيكات التي أصلها فعل ضار كحادث سير وغيرها، وبالتالي تكون غـيـر مشمولة بحالات منع الحبس التنفيذي وفقاً للمادة 22/و/1 من قانون التنفيذ، ما لم يرى قضائنا الموقرة خلاف ذلك بإجتهاد جديد، ولكل مجتهد نصيب.وهنا يتسائل البعض، ما هو البديل عن الشيك لضمان الحقوق بإعتباره أداة وفاء تقوم مقام المال ومحمية جزائياً بالحبس والغرامة، فهو يختلف عن باقي الأوراق التجارية المستخدمة كأدوات إئتمان، فوظائفها مختلفة ما يستتبع تباين الأحكام، وإختلاف الحماية. كذلك، فليس الجميع يملك عقارات أو منقولات لرهنها للحصول على الإئتمان، أو الوفاء بالحقوق المترتبة عليه، خاصة مع تعزيز إستراتيجية الشمول المالي التي كانت سلاح ذو حدين، فقد مكنت الكافة من الحصول على الإئتمان بيسر، بالمقابل، أنتجت آلاف الغارمين أما لتعثر مشاريعهم لقلة خبرتهم بإدارتها، أو لإساءة إستخدام التمويل الممنوح لهم.إن فلسفة التشريعات بأنها تعكس الحاجة المجتمعية، وتسعى لتحقيق توازن بين المخاطبين فيها، دون الإنحياز لطرف على حساب الآخر، وبذات الوقت، تتضمن جزاءات كفيلة بالتنفيذ، بما يحقيق الغاية المرجوه منها، والأسباب الموجبه لها.إننا لا ننكر حاجة التجارة للتعامل بالدفع المؤجل بظل الظروق الإقتصادية، وإنخفاض السيولة النقدية، فهناك وسائل تسمح بذلك مثل الكمبيالات، وبواليص التحصيل، وسندات السحب، والسندات لحاملها، لكن الإفراط بإستخدام الشيك كأداة دفع مؤجل، وشيكات التأمين كونه محمي جزائياً، فرغم أن ذلك وفر ضمانة بين المتعاملين، لكنه أظهر تداول وكيانات إقتصادية وهمية بالغالب غير قائمة على تدفقات نقدية فعلية، ولا تعكس قيمة الأصول لديها، أو تعبر بصدق عن معدلات النمو وفقاً للمؤشرات الإقتصادية، ولتعذر الكثير عن الوفاء بالتواريخ المؤجلة؛ تعثرت تلك المشاريع، تبعه زيادة بالشيكات المرتجعة، وإرتفاع بجرائم الشيكات، وتضخم بأعداد المحكومين بالسجون. لهذا، فما آل إليه حال الشيك ليس بسبب التشريعات أو الظروف الإقتصادية، إنما بسبب سوء إستخدامه، وإن من شأن زوال الحماية الجزائية عنه إضعاف قوته بالتعامل، كونه حاز على ثقة المتعاملين فيه لسنوات، ويقوم مقام النقد بسرعة التداول. وعلى أي حال، فالجميع منح 3 سنوات لمرحلة ما بعد إلغاء جرائم الشيكات، فالتشريع الجديد أصبح واجب التطبيق بغض النظر عن كفاية تلك المدة أم لا للتعايش مع التوجه الجديد؛ سيما وأن الوضع الإقتصادي يعوم على الشيكات منذ سنوات طويلة، وهي أساس تداول النقد والسلع والخدمات، وضمان الحقوق بظل الحماية الجزائية الممنوحة لها. تقرير الشركة الأردنية لأنظمة الدفع والتقاص لشهر نيسان 2025وصل إجمالي قيمة الشيكات المتداولة في نظام المقاصة الإلكترونية للشيكات خلال الثلاثة أشهر (شباط، وآذار، ونيسان) إلى 9.78 مليار دينار، وأن قيمة الشيكات المرتجعة منها 285 مليون دينار. علماً بأن هذا العدد لا يشمل الشيكات المقدمة للصرف مباشرة للبنوك وتعاد لأي سبب، فلا يوجد إحصائيات دقيقة تبيّن عددها أو قيمتها. المتأثرون (إيجاباً وسلباً) من رفع الحماية الجزائية عن الشيكاتلو بحثنا بالمستفيدين من ذلك؛ نجد بأن الدولة تأتي بالطليعة بتوفير كلف إعاشة النزلاء بالسجون وتتبع المجرمين من قبل الضابطة العدلية، فعلى فرض دقة المعلومات؛ فكلفت النزيل الواحد تبلغ 750 دينار، ونسب الإكتظاظ بالسجون 143% من القدرة الإستيعابية حسب التصريح الأمني أمام اللجنة المالية بمجلس النواب عام 2022؟ ولكن كيف تم إحتساب هذا الرقم؟ وكم هي نسب المحكومين بقضايا الشيكات من العدد الإجمالي للنزلاء؟ وكم كلفتهم برقم محدد؟ وكم الوفر المالي على الخزينة كمؤشر متوقع جراء ذلك؟.وأما المستفيد التالي، فهو مؤسسة القضاء، وذلك بالتخلص من آلاف الدعاوى الجزائية التي تتراكم سنوياً، وما تشكله من عبء على الكادر القضائي والإداري بالمحاكم. يليها، المدينين سواء معتادي المماطلة بالسداد، أو الممتنعين كلياً عن الوفاء بالحقوق المترتبة عليهم، فقد زال ما كان يخيفهم من عقوبة الحبس وغرامة. بالمقابل، آلا يوجد متأثرين سلباً من رفع الحماية الجزائية وبدرجات مختلفة من حيث التأثير؟. ماذا عن الدائنين، وحماية حقوقهم؟، وماذا عن جهات الإقراض؟، أليس من المتوقع أن تبالغ بطلب الضمانات لتحصيل حقوقها؟.حتى الدولة نفسها، ألم تخسر مورد مالي جراء الرسوم المدفوعة بجرائم الشيكات؟، وغرامة الـ 5% التي يحكم بها للخزينة بتلك القضايا، وتتراوح بين 100 إلى 5000 دينار ؟ فكم بلغت خسارتها بالأرقام؟ أليس قطاع المحامين متأثر بزوال التوكيل بجرائم الشيكات؛ بخسارة مدخول كان متحقق له؟ ألم تتأثر صناديق نقابة المحامين بخسارة رسوم إبراز الوكالات بتلك الدعاوى؟ فكم حصيلة ذلك؟هل خسرت البنوك مبالغ كانت تستوفيها مقابل ختم الشيك المرتجع؟ وهل سيتراجع الطلب على دفاتر شيكات من قبل التجار، وإنخفاض الطلب على طباعتها ما يوثر على كوادر ومبيعات المطابع؟ يتبعه تراجع الطلب من مستوردي الأحبار والورق المخصص لطباعة دفاتر الشيكات؟، وبالتالي تراجع مبيعاتهم وإنخفاض الربحية؟ مما يؤدي لتراجع عوائد الدولة من الرسوم والجمارك والضرائب بالنتيجة؟ وعلى صعيد متصل، وبعد رفع الحماية الجزائية عن الشيك، هل ستزداد جرائم إستيفاء الحق بالذات؟ أو الإستعانة بالغير لتحصيل الحقوق (البلطجة)؟، وما يستتبع ذلك من كلف قانونية وأمنية ومجتمعية؟.وماذا عن الوضع الإقتصادي؟، هل الجميع قادر على التعامل بالكاش والنقد المعجل؟، وهل الوضع الجديد سيؤدي لفلترة التجار وبقاء الأكثر ملاءة؟، هل سيؤدي ذلك لإغلاق منشاءات معتمدة على البيع والشراء بالذمم والشيكات المؤجلة (صغار التجار) أمام الإصرار على التعامل بالنقد؟، ما تأثير ذلك على معدلات النمو والركود الإقتصادي؟، وهل سوف ينتج عن ذلك أسر بلا عمل أو دخل، ولجوئهم لصندوق المعونة الوطنية والكلف الجديدة على الخزينة تبعاً لذلك؟، ما هي الضمانات الجديدة المعتبرة لضمان الحقوق؟ وما أهمية السجل الإئتماني وتصنيف العملاء والإستعلام المصرفي؟، وإمكانية تفعيل قانون المعلومات الإئتمانية المؤقت رقم 15 لسنة 2010؟، وقانون ضمان الحقوق بالأموال المنقولة رقم 20 لسنة 2018؟.كذلك، أليس الكثير من التبليغات التي تتم للخصم بجرائم الشيكات تنشر بالصحف الأوسع، وأمام إلغاء تلك الجريمة، لن يكون هناك تبليغات، ما يؤدي لتراجع النشر وربحية الصحف، وتراجع الضرائب المستحقة عليها للخزينة؟، إضافة لتراجع عوائد نقابة الصحفيين من نسبة 1% من قيمة الإعلانات المنشورة (المادة 55/أ/3 من قانون النقابة)، وهي بملايين الدنانير؟.وغيرها من الآثار التي تطال كل المتعاملين بالشيكات. لذا، فالحلول يجب أن تكون منصفة قدر الإمكان للجميع وتراعي المصلحة العامة، فهذه المواضيع وغيرها، تحتاج للمناقشة من خلال إجراء دراسات محايدة، وأرقام دقيقة للأثر المترتب عليها، بحيث تقدم للحكومة، أو من قبل الحكومة للبرلمان، لإتخاذ القرار المناسب لرفع الحماية الجزائية عن الشيكات كلياً أو جزئياً، أو تخفيض العقوبات، أو إستبدالها، أو الإبقاء عليها، أو فرض قيود معينة على ممارسة المدين لحقوقه المدنية، أو تقرير ضمانات نوعية لصالح الدائن، أو عدم التدخل، بحيث يشارك بإعداد ذلك خبراء من مختلف القطاعات، وغرف التجارة والصناعة، وأكاديميين، وبيوت الخبرة، والبنوك، والنقابات، بما فيه الدولة بسلطاتها الثلاث، فالكل متأثر بالتعديلات التشريعية. هل أجرت الدولة دراسات شاملة ومعلنة قبل رفع الحماية الجزائية عن الشيك؟في حدود ما نشر للعموم، فالجواب لا، فالموضوع إقتصر على نشر مشروع القانون المعدل، والأسباب الموجبة له، وتبرير ذلك بعبارات مقتضبة محصولها؛ إن ذلك سيوقف الشيكات المؤجلة، ويعيد إستخدام الشيك كأداة وفاء، بما يظهر الحجم الحقيقي للمبيعات والمشتريات، وأن جريمة شيك بلا رصيد هي الأكثر إنتشاراً بالمحاكم بما يكلف الدولة كثير من الوقت والمال بمراحل التوقيف والتقاضي والحبس.فمع كل الإحترام لهذه التبريرات، فهي كلام عام مجرد، فهي يجب أن تقوم على دراسات وأرقام دقيقة معلنة للجميع، ومدعمة بأدلة محايدة، سيما، وأنه هناك من يستطيع الرد على الحكومة بالحجة والبرهان، لو تم الإستماع له في حينه. فالقول بأن رفع الحماية الجزائية عن الشيك سيوقف الشيكات المؤجلة، ويظهر الحجم الحقيقي للتجارة، يحتاج لدراسات عن حجم التعامل قبل وبعد التعامل بالشيكات كأداة وفاء وإئتمان؟، وهذا من الصعوبة رصده بعد سنين طويلة من التعامل بالشيك بشتى أشكاله؟، بالمقابل، ليس بالضرورة حصر التعامل بالشيكات بالعمل التجاري، فهو يستخدم لغايات أخرى.وعن القول بأن جريمة الشيك هي الأكثر إنتشاراً بالمحاكم، يحتاج لوقفه، فلو رجعنا لعينة من تقارير السنوية للمجلس القضائي الأردني، فحسب تقرير المجلس لعام 2023، كون تقرير العام 2024 لم يكن متاحاً للعموم حتى تاريخه، لنجد أن العدد الإجمالي للدعاوى الواردة لمحاكم الدرجة الأولى بالمملكة بلغ 327613 دعوى، كان نصيب محاكم الصلح منها نسبة 85,9%، ومحاكم البداية 8,7% (صفحة 29 بالتقرير)، وبلغ عدد الدعاوى الصلحية 281388 دعوى، منها 179932 دعوى جزائية، و63893 دعوى مدنية، و37563 دعوى تجارية (صفحة 63 بالتقرير)، علماً بأن الشيك يمكن أن يأخذ وصف أي من تلك الدعوى تبعاً لطبيعة الدعوى المقدمة به، وبجميع الأحوال، فالتقرير لم يبيّن بدقه حصة دعاوى الشيكات من الأرقام المذكورة؟ ولم يرد بملاحق التقرير ذكر لعدد جرائم الشيكات المسجلة لدى المحاكم، حتى يصار للقول بأنها الأكثر إنتشاراً فيها؟!. منهجية (تقييم الأثر التنظيمي أو التشريعي) (Regulatory or Legislative Impact Assessment).نشير هنا لموضوع غاية بالأهمية؛ ففي الممارسات التشريعية الدولية الفضلى، يوجد ما يسمى بمنهجية (تقييم الأثر التنظيمي أو التشريعي)، والتي تعتبر متطلب ضروري بالعملية التشريعية وتطوير بيئة الأعمال، حيث تهدف لتجويد الصناعة التشريعية، والسياسات العامة بالدولة، من خلال التركيز بشكل أكبر على تحديد الفوائد، والتكاليف في تقييم الأثر. فجوهر هذه المنهجية يقوم على دراسة كيفية التعامل مع المواضيع الوطنية (القانونية والإجتماعية والإقتصادية والمالية وغيرها)، بحيث يشارك بإعدادها مراكز متخصصة، وخبراء محايدين من مختلف المجالات، كما لو كان الموضوع مثلاً (الشيكات المرتجعة، تسول الأطفال، تراجع الإستثمار، إرتفاع عنف الأحداث، زيادة حوادث السير، إنتشار الأكياس البلاستيكية بالبيئة، إمتداد عقود الإيجار القديمة، العقوبات البديلة، وغيرها)، بحيث يتم تشخيص المشكلة، وتحديد أسبابها، والأدلة على وجودها، والنتائج المترتبة عليها، والبدائل المقترحة لمواجهتها، والآثار المترتبة لكل مقترح، والمخاطر المحتملة، والإيجابيات والسلبيات، والكلف على الخزينة، والمتأثرين بالمقترح (الفائزون والخاسرون)، ويتم نشر النتائج للعموم للحصول على تغذية مجتمعية راجعة، ثم يتم إعداد إستراتيجية تشاور (Consultation Strategy) مع الخبراء وأصحاب المصالح (Stockholders)، للوصول للخيار الأمثل للتدخل، والذي يتجسد بأحد الخيارات التالية، ثم يلي ذلك خطة التنفيذ، وأخيراً المتابعة والتقييم، والخيارات هي:1- إقرار تشريع جديد عن السلطة التشريعية.2- إصدار تشريع أدنى، كنظام أو تعليمات أو قرار عن السلطة التنفيذية.3- إعتماد سياسة أو إستراتيجية أو برنامج حكومي معين.4- تفعيل أدوات أو جهات تنظيمية موجودة من قبل، فلا حاجة لأي جديد.5- خيار عدم التدخل وترك الأمر على ما هو عليه، إن كان من شأن التدخل، مفاقمة المشكلة بدلاً من حلها، أو التخفيف منها.وهنا نشير للورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك الصادرة عام 2016، فقد تضمنت ما يشكل توجيه ملكي لإعتماد منهجية تقييم الأثر بما يتصل بالقضايا العامة، وجاء فيها (يجب على مؤسساتنا وضع رؤية واضحة، وخارطة طريق، وأهداف محددة، تمكن هذه المؤسسات من تحقيق أهدافها وقياس نسبة الإنجاز والأثــــر، للوصول إلى أرقى معايير النزاهة والشفافية، وأعلى مستويات الخدمة للمواطنين).ومن خبرتنا بالعمل على منهجية تقييم الأثر التنظيمي والتشريعي بالتعاون مع جامعة ولاية نيويورك (The State University of New York – SUNY)، والإتحاد الدولي للقانون والتنمية في واشنطن (آيكلاد) (International Consortium for Law and Development - ICLAD)، فهذه المنهجية تحقق أهداف عديدة، منها:1- إنضاج التشريعات والسياسات العامة بالدراسة والتحليل المعمق.2- ديمومة التطبيق، وتلافي التعديلات المتسرعة.3- مراعاة الأولويات الوطنية.4- الإستفادة من التجارب الدولية بمجال التطوير التشريعي.5- تحقيق الأسباب الموجبة للتشريع أو السياسة محل البحث.6- تفادي المخاطر المحتملة بالمستقبل.7- زيادة الرضى الشعبي عن التشريعات والبرامج الحكومية، خاصة التشريعات الإقتصادية والإجتماعية لإتصالها المباشر بالإستثمار والمواطنين.إن هذه الدراسة يتم إعدادها بمراحل مبكرة، لتكون ضمن الوثائق التشريعية أمام المشرع، أو صاحب القرار الحكومي، أو الفريق الإقتصادي (Think Tank)، فتوفر لهم أرضية تحليلة خصبة، ومعلومات وفيرة، بما يساهم بتحديد التوجه الوطني الأمثل بعد إنضاجه بمراكز البحث، لضمان ديمومته لأطول فترة، ضمن إطار عمل مؤسسي عابر ومستمر رغم تغيير الشخوص، كما هو الحال بالرؤى الملكية للتحديث الإقتصادي والسياسي والإداري، التي تعتبر عابرة بين الحكومات التنفيذ وبإشراف ملكي، وهنا يمكن القول؛ بأن منهجية تقييم الأثر، يمكن أن يكون لها دور رئيس بما يتصل بهذه الروى الثلاث.وقد لا يقتصر الأمر على الدراسات التي تعدها الحكومة، فقد يرى البرلمان ضرورة إعداد دراسات نظيرة تفند التوجه الحكومي لتمرير التشريع، أو سياسة عامة، فهذا يتصل بعمله بمجال الرقابة البرلمانية والتشريع. وبحال غياب هذه الدراسات، فالتوجهات ستكون مبينة غالباً على رغبات شخصية، ومعلومات عشوائية، بغياب التشاور مع الخبراء، وعدم تغطية جوانب الموضوع، وإفراز حلول منقوصة، تنعكس على ديمومتها، وتخضع للتعديل بإستمرار، بما يفاقم المشكلة أو يرحلها. من هي الجهة التي يمكن أن تعد دراسة تقييم الأثر التشريعي أو التنظيمي؟بالممارسات الدولية المثلى، يوجد مراكز بحثية محايدة متخصصة، تضم خبراء، ولديها تعاون مع جامعات، ومؤسسات إحصائية ومسح إجتماعي، بحيث يمكن للحكومة التعاون معها لإنتاج دراسة متوازنة وشاملة، وكذلك يمكن أن يكون هناك كيانات متخصصة أما تابعة للحكومة، أو للبرلمان يمكنها القيام بذلك. فماذا عن المملكة الأردنية الهاشمية؟.فمن مشاركتي بمناقشة بعض التشريعات التي عرضت على ديوان التشريع والرأي برئاسة الوزراء، فإن الديوان؛ وإن كان يضم خبراء قانونيين ولغويين نجلهم ونقدرهم، ولكنه يخلو من خبراء بمجالات أخرى سواء إقتصادية أو إجتماعية أو مالية، وإن تم الإستئناس برأي وزارة المالية؛ فيكون عادة لبيان الأثر المالي المحتمل لأي تشريع جديد على الخزينة وأثره على الإيرادات والنفقات العامة، وحتى نشر مشاريع التشريعات على الموقع الإلكتروني للديوان، فهو غير كافٍ أو يحقق الغاية بشكل كامل، وبالمثال يتضح المقال، فأول مشروع (نظام مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص لعام 2014)، لم ينشر على الموقع الإلكتروني للديوان رغم أهميته؟!.كذلك، فالتشريعات المرسلة لديوان التشريع والرأي لإقرارها سواء أكان مصدرها حكومي أو خاص، فإن ما ورد فيه يعبر عن وجهة نظر الجهة صاحبة التشريع، وليس بالضرورة أنها إستمعت للرأي المقابل، وهذا ما ثبت بالواقع، لهذا، يبقى التشريع بحاجة للرأي الآخر، بما يحقق الرضا المجتمعي بأعلى قدر ممكن. لهذا، فرغم أهمية دور الديوان بالعملية التشريعية، ولكنه لا يستطيع لوحده إعداد دراسات تقييم الأثر التنظيمي والتشريعي، ولا حتى الجهات صاحبة التشريع.أما عن البرلمان (السلطة التشريعية)؛ فرغم دوره الرئيس والهام بإقرار التشريعات، ولكن حسب علمي من واقع المشاركة بتقديم دعم قانوني والإستشاري لعدد من السادة النواب والأعيان سابقاً، فإنه لا يتوفر فيه جهات متخصصة بإعداد تلك الدراسات، وإن كان فيه باحثين مقدرين لمعاونة المشرعين على عملها بمجال التشريع والرقابة بحال الطلب. ما هو المأمول الآن من الحكومة أو البرلمان؟الجديد بهذا المقام؛ بأنه حسناً فعلت الحكومة حديثاً بإقرار (نظام التنظيم الجيد وتقييم الأثر للتشريعات والسياسات رقم 16 لسنة 2025)، رغبة منها بمواكبة الصناعة التشريعية المثلى، ورغم أن ذلك جاء متأخراً، ولكن أن تأتي متاخراً خير من أن لا تأتي، فمنهجية دراسة الأثر موجودة منذ عشرات السنين بدول العالم المتقدمة، حيث تم إستحداث وحدة متخصصة برئاسة الوزراء معنية بدعم عمليات رسم السياسات وصنع القرار بمجلس الوزراء، والتحقق من التنظيم الجيد للتشريعات والسياسات، ومراجعة وتدقيق دراسات تقييم الأثر المقدمة من أي وزارة أو دائرة أو هيئة أو مجلس أو مؤسسة عامة أو رسمية، أو أي جهة يقرر مجلس الوزراء خضوعها لهذا النظام.لذا، فأمام الجدال المجتمعي حول رفع الحماية الجزائية عن الشيكات، والأثر المتوقع لذلك على القطاعات ذات العلاقة، وليس آخرها النقاش الذي تم بشهر 4/2025 للقانون المعدل لقانون العقوبات لسنة 2022 المتضمن إلغاء جرائم الشيكات، من قبل لجنة مشتركة بمجلس الأعيان، بحضور ممثلين عن وزارة العدل، والبنك المركزي، والمجلس القضائي، ودائرة تنفيذ عمان، ونقابة المحامين، وجمعية البنوك، وغرفة تجارة عمان.فيمكن اللجوء لهذا النظام، وتكليف الوحدة المعنية برئاسة الوزراء سواء بطلب من مجلس الوزراء وفقاً للمادة 11/ب من النظام، أو بطلب برلماني من خلال الحكومة وفقاً لأحكام الدستور والنظام الداخلي للمجلس لسنة 2013؛ لتتولى إجراء دراسة تقييم الأثر اللاحق لموضوع رفع الحماية الجزائية عن الشيكات، تناقش بحيادية كافة المواضيع ذات العلاقة، ومدى إرتباطها بالتشريعات الأخرى بالشراكة مع القطاع الخاص، وخبراء من مختلف التخصصات، طالما لم يتم إجراء دراسة تقييم الأثر المسبق قبل ثلاث سنوات عندما أقر القانون المعدل، فهذا يساهم بتحديد مدى الحاجة لمراجعة التشريع من عدمه، وكفاءته للتعامل مع موضوع جدلي بالمجتمع، سواء بالوقت الراهن، أو الإنتظار فترة بعد تطبيقه، لربما تعود الدولة عن ذلك، وتظهر بدائل أخرى بما يخدم الصالح العام.فالدول تراجع تشريعاتها وفقاً للمستجدات، وتجربة دولة الكويت ليست عنا ببعيد، ففي عام 2020 تم تعديل قانون وألغي حبس المدين لعدم السداد، وفي عام 2025 تم إعادة الحبس، معللةً ذلك بحماية الإقتصاد الوطني وتحسين المناخ الإستثماري، وتعزيز الثقة بسيادة القانون والمؤسسات القضائية ومكافحة التنصل من سداد الديون، وإقامة التوازن بين حق الدائن بإقتضاء حقه، وبين المدين الذي لا تفي ذمته المالية بإلتزاماته دون أن يداخل ذلك تدليساً بحقيقة مركزه المالي، كذلك بدولة الإمارات العربية عام 2022، تم إعادة النظر بجرائم الشيكات جزئياً، حيث تم إلغاء عقوبة الحبس مع بقاء عقوبة الغرامة 10% من قيمة الشيك بحيث لا تقل عن آلف درهم ولا تزيد عن قيمة الشيك، وإبقاء عقوبات صارمة لجرائم منها: حالات الغش، كإصدار أمر للبنك بعدم صرف الشيك دون مبرر، وإغلاق الحساب قبل صرف الشيك أو سحب الرصيد أو كان الحساب مجمد، وتزوير الشيكات واستعمالها؛ وذلك بالحبس مدة من 6 أشهر ولغاية سنتين، وغرامة لا تقل عن 10% من قيمة الشيك بحيث لا تقل عن 5 آلاف درهم ولا تزيد على ضعف قيمة الشيك، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store