
الانتخابات البلدية تحت التأثير السوروسي
كتبت جوزيان الحاج موسى في 'نداء الوطن':
مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في لبنان، تكشف المعركة الانتخابية عن وجه خفي أكثر خطورة من مجرد التنافس المحلي، هو اختراق المال السياسي الأجنبي لبعض اللوائح والمرشحين تحت شعارات مدنية ذكية. وتشير مصادر موثوقة إلى أن بعض المجموعات المدنية التي تصدّرت المشهد السياسي مؤخراً، استفادت سابقاً من تمويلات مشبوهة مرتبطة بمؤسسة «المجتمع المفتوح» ( أوبن سوسايتي) التي يرأسها الملياردير الأميركي من أصل مجري جورج سوروس.
هذه اللوائح، التي ترفع رايات «مكافحة الفساد» و«الشفافية»، تخوض الانتخابات مستخدمة الخطاب ذاته الذي روّجت له خلال موجات الحراك الشعبي بين 2015 و 2019 ، لكنها تتجنب الإفصاح الكامل عن مصادر دعمها، ما يثير علامات استفهام حول حقيقة أجنداتها. وفي وقت يتنافس فيه مرشحون من مختلف الأطياف على المقاعد البلدية، يبرز قلق واسع من وجود دعم مشبوه لعدد من هذه اللوائح. وتأتي في طليعة هذه الجهات الداعمة مؤسسة (أوبن سوسايتي) ، التي لم يقتصر نشاطها على دعم المنظمات المدنية، بل تعدّى إلى التأثير على السياسات المحلية في العديد من الدول.
ليست مؤامرة… هذه هي الحقيقة
رغم غياب أدلة قانونية صريحة، تتحدث تقارير استخباراتية أوروبية عن «شبكات تأثير» تقودها شخصيات مالية نافذة، تعمل على تمرير معلومات اقتصادية حساسة لشبكات مضاربة عالمية. ويُخشى من أن يكون هذا النوع من «الفساد المنظّم» – الذي يصعب رصده وتوثيقه – هو الأخطر في عالم المال الحديث.
لا يقتصر نشاط سوروس على لبنان فقط، ولم يكن اسم جورج سوروس يوماً عابراً في أسواق المال أو في أروقة السياسة العالمية والعربية واللبنانية. فهذا المستثمر والملياردير الأميركي، والذي اشتهر بـ«الرجل الذي كسر بنك إنكلترا»، تحول إلى شخصية محورية في نظريات المؤامرة والاتهامات بالفساد والتدخل في شؤون الدول، من أوروبا إلى الشرق الأوسط. ففي 16 ايلول 1992، أصبح سوروس رمزاً للقوة المطلقة للأسواق المالية حين راهن بمليارات الدولارات على انخفاض الجنيه الإسترليني في ما عُرف لاحقًا بـ«الأربعاء الأسود». وتمكّن من جني أكثر من مليار دولار في يوم واحد، وأُجبر بنك إنكلترا على سحب عملته من آلية أسعار الصرف الأوروبية. أما في مصر، فكان لسوروس دور بارز في دعم منظمات حقوقية اعتُبرت جزءاً من شبكة أوسع تهدف إلى فرض النموذج الغربي في إدارة الدول العربية، ما أدى إلى خلق بيئة سياسية أكثر انسجاماً مع سياسات الغرب، ما أحدث توترات داخلية.
وفي تونس، تزامن دعم سوروس مع تعزيز الحركات المدنية التي روجت لمفاهيم الليبرالية، ما أثار تساؤلات حول مدى توافق هذه الأفكار مع الواقع الاجتماعي والسياسي المحلي.
واتهم سوروس بالتدخل في الشؤون الداخلية لتركيا عبر مؤسساته الخيرية وصناديقه الاستثمارية. خلال احتجاجات «غيزي بارك» عام 2013 حيث اتهمه الرئيس رجب طيب أردوغان بتأجيج الفوضى السياسية والاقتصادية. ولاحقاً، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية عام 2018، حمّله أردوغان مسؤولية المضاربة على الليرة لإضعاف موقفه السياسي. وفي ظل تصاعد الاتهامات بالتدخل وزعزعة الاستقرار، أغلقت مؤسسة «المجتمع المفتوح» فروعها في تركيا. كما وصف الناشط عثمان كافالا، المسجون بتهمة دعم احتجاجات «غيزي»، بأنه «سوروس تركيا»، ما يعكس استمرار الجدل حول دور سوروس وتأثيره في الداخل التركي.
من الواضح أن سوروس استخدم شبكة من المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإعلامية لتحقيق تأثير على سياسات بعض الدول، عبر تقديم دعم مشروط يهدف إلى خلق مشهد سياسي يتماشى مع مصالح الغرب، خصوصاً في ظل الفوضى التي أعقبت «الربيع العربي».
الأجندات الخفية
مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في لبنان، تتجدّد التساؤلات حول حجم التأثير المحتمل للتمويل الخارجي. فهل ستبقى هذه الانتخابات ساحة تنافس محلي صرف، أم ستتحوّل إلى جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تغيير معالم السياسة اللبنانية تحت ضغط قوى خارجية؟ يرى بعض الخبراء أن هذا الاستحقاق قد يشهد مواجهة بين أطراف داخلية مدعومة خارجياً، بما يهدّد استقرار البلاد ويضعها أمام مخاطر حقيقية.
وفي ظل استمرار تدخل المؤسسات المموّلة من الخارج، يبقى السؤال الأساسي: هل ستبقى الانتخابات البلدية تعبيراً صادقاً عن إرادة الشعب اللبناني، أم ستُستخدم كأداة لتنفيذ أجندات تتنافى مع المصلحة الوطنية؟
تكمن الخشية في أن تتحوّل الانتخابات البلدية، وفق النموذج السوروسي، إلى بروفة تمهيدية للانتخابات النيابية المقبلة، التي يُعدّ التدخّل فيها تغيّراً مفصلياً في المشهد السياسي اللبناني، عبر السعي إلى الإمساك بمفاصل الدولة. وبالتالي، فإن مصدر القلق لا يقتصر على البعد البلدي، بل يتعدّاه إلى ما هو أبعد وأخطر: تحويل هذه الانتخابات إلى محطة أولى ضمن مسار يستهدف قلب التوازنات الوطنية في الاستحقاق النيابي المقبل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 41 دقائق
- النهار
معركة ترامب وجامعة هارفارد… حتى محادثات "سيغنال" مطلوبة للتحقيق!
تستمرّ فصول المواجهة بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجامعة هارفارد المرموقة التي تجد نفسها في مأزق بين رفضها الامتثال لطلب إرسال السجلات والبيانات التفصيلية التي تطلبها السلطات وبين خطر خسارة امتيازاتها التاريخية وحرية مجتمعها الأكاديمي. ورأت صحيفة "نيويورك تايمز" أنّ محاولة الإدارة جمع كميات هائلة من البيانات الخاصة بالطلاب جبهة جديدة في حملة الرئيس ترامب "للقضاء على أي معارضة لأجندته السياسية". وتهدف هذه الاستراتيجية إلى "إعادة تشكيل نظام التعليم العالي، الذي يراه معادياً للمحافظين، من خلال القضاء على ما وصفه بمعاداة السامية في الحرم الجامعي، وسياسات التنوع والتحوُّل الجنسي، التي يقول إنها متجذّرة في أيديولوجيا الوعي الزائف (Woke)". في المقابل، تؤكّد جامعة هارفارد أنها قدّمت كل البيانات المطلوبة بموجب القانون، وأن حملة الضغط المتواصلة التي تمارسها الإدارة، بما في ذلك إلغاء مليارات الدولارات من المنح الفدرالية المخصصة للأبحاث، تعد بمثابة محاولة للاستيلاء على الجامعة، وإجبارها على تغيير ما تُدرّسه ومن توظّفه. ويجادل محامو هارفارد بأنّ للجامعات والكليات "حقاً دستورياً في إدارة المجتمع الأكاديمي وتقييم التعليم والبحث بحرّية من دون تدخّل حكومي"، مشيرين إلى سوابق قضائية تحمي "ليس فقط الطلاب والأساتذة، بل المؤسسات التي تحتضنهم أيضاً". وقال آدم غولدستين، مدير المبادرات الاستراتيجية في مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير، وهي مجموعة معنية بحرية التعبير، إنّ هارفارد يبدو أنها امتثلت للقانون الفيدرالي، لكنه أشار إلى المأزق الذي تواجهه الجامعة. وأوضح قائلاً للصحيفة: "إذا لم ترسل هارفارد السجلات، فستخسر تأشيرات الطلاب"، لكن إذا أرسلتها، فقد تكون بذلك تنتهك قانون الخصوصية الفيدرالي وتخاطر بفقدان التمويل الفيدرالي. إلى ذلك، رأت الصحيفة أنّ حملة إدارة ترامب للحصول على البيانات باتت سمة بارزة في العديد من التحقيقات التي تستهدف هارفارد وغيرها من الجامعات النخبوية. إلّا أنّ الدعوى القضائية الثانية التي رفعتها هارفارد ضد الإدارة خلال شهرين، تؤكّد أن الغاية النهائية للإدارة ليست الحصول على بيانات الطلاب. وقال ترامب للصحافيين يوم الجمعة، في البيت الأبيض، إنّ إدارته تدرس منع جامعات أخرى، إلى جانب هارفارد، من تسجيل طلاب دوليين. كما جدّد انتقاده لجامعة هارفارد بسبب احتفاظها بصندوق استثماري تبلغ قيمته 53 مليار دولار، في وقت يضطر فيه بعض الطلاب إلى أخذ قروض لتغطية رسوم سنوية تقترب من 60 ألف دولار. (يُذكر أن طلاب هارفارد من العائلات التي لا يتجاوز دخلها السنوي 200 ألف دولار لن يضطروا لدفع رسوم دراسية بدءاً من هذا الخريف). وقال ترامب: "على هارفارد أن تُغيّر نهجها". وتواجه هارفارد أيضاً تحقيقات فتحت خلال الأسابيع الأخيرة من قبل وزارتي العدل والتعليم، تطالب بالحصول على كمية ضخمة من الوثائق والبيانات. وفي وقت سابق من هذا الشهر، فعّلت وزارة العدل صلاحياتها بموجب "قانون الادعاءات الكاذبة"، وهو قانون صُمّم لمعاقبة من يحتال على الحكومة. وطالبت الوزارة بالحصول على سجلات، وتصريحات مكتوبة، وشهادات مُحلّفة من هارفارد بشأن سياساتها في القبول الجامعي. من دون توجيه اتهام مباشر بارتكاب أي مخالفة، طلبت الوزارة أيضاً جميع الوثائق والمراسلات المتعلّقة بآلية تقييم طلبات القبول الجامعي في هارفارد. كما طالبت بجميع النقاشات الداخلية المتعلقة بقرار المحكمة العليا الذي ألغى العمل ببرامج "التمييز الإيجابي"، بالإضافة إلى كل ما يتعلق بتطبيق الجامعة لهذا القرار. وطلبت الوزارة من هارفارد كذلك تقديم جميع الرسائل النصّية، والبريد الإلكتروني، ومحادثات "سيغنال"، وغيرها من المراسلات الخاصة بموظفين حاليين أو سابقين ناقشوا أوامر ترامب التنفيذية في وقت سابق من هذا العام، والتي ألغت سياسات دعم الأقليات، وأنهت دعم الحكومة لبرامج التنوع والعدالة والشمول. وقد جاء هذا الطلب الشامل بعد عشرة أيام فقط من مطالبة وزارة التعليم بالحصول على بيانات وموظفين مرتبطين بسياسات القبول في الجامعة. أما التحقيق الثاني الذي فتحته الوزارة في 17 نيسان، فقد تضمّن طلبا للسجلات امتد لثلاث صفحات، من دون توجيه اتهام محدد بسوء السلوك، سوى إشارة عامة إلى "الإفصاح غير الكامل وغير الدقيق" عن التمويل الأجنبي. وأكّدت الجامعة أنّها تمتثل لمتطلبات الإبلاغ في هذا الشأن. كما تواجه هارفارد أيضاً تحقيقات من قبل وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، ولجنة تكافؤ فرص العمل، وفريق العمل التابع للإدارة بشأن معاداة السامية. وقد بدأت جميع هذه التحقيقات منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض. ولا تزال هذه التحقيقات جارية. لكن مسؤولي الأمن الداخلي قرّروا يوم الخميس أنّ جهودهم لجمع بيانات الطلاب قد وصلت إلى نهايتها عندما أعلنوا أن الوزارة ستحظر على هارفارد تسجيل الطلاب الدوليين. غير أن وثائق المحكمة تُظهر أن هارفارد قدّمت بعض المعلومات، حتى مع تأكيد محامي الجامعة أن أجزاءً أخرى من الطلب تجاوزت قواعد برنامج تأشيرة الطلاب. ففي 16 نيسان/ أبريل، أرسلت وزيرة الأمن القومي كريستي نوم رسالتها الأولى إلى هارفارد مطالبةً بسجلات طلابية تندرج تحت ثمانية معايير محدّدة. وردّت الجامعة بتقديم سجلات تخص آلاف الطلاب الدوليين، وقالت إن ذلك كان مطلوبا قانوناً. وقد ردّ المستشار العام للوزارة، جوزيف ن. مازارا، بعد سبعة أيام قائلاً إنّ البيانات "لا تُلبي بالكامل طلب الوزيرة". ثم كرّر طلب نوم بالحصول على معلومات عن أي طالب دولي تورّط في أنشطة غير قانونية أو خطيرة، أو قام بتهديد طلاب أو أساتذة، أو شارك في "انتهاك حقوق" الآخرين داخل الحرم الجامعي. وفي 13 أيار/ مايو، كتب ستيف بَنل، محامي هارفارد، والذي شغل سابقاً منصب المستشار العام لوزارة الأمن الداخلي ورئيس قسم الجنايات في مكتب الادعاء الأميركي بواشنطن، رسالة إلكترونية إلى مازارا يسأله فيها عن اللائحة التي يستند إليها من بين الـ200 صفحة التي تشكل قواعد الهجرة الفيدرالية، والتي تجبر الجامعة على تسليم سجلات تأديبية. فردّ عليه مازارا في اليوم التالي قائلاً: "نحن نطلب السجلات بموجب كل صلاحياتنا. شكراً لك".

القناة الثالثة والعشرون
منذ ساعة واحدة
- القناة الثالثة والعشرون
ما "كلمة السر" في تعافي سوريا من العقوبات؟
رجّح تقرير نشرته صحيفة "المونيتور" البريطانية أن يكون لرفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تأثير يفوق بكثير أي تخفيف للعقوبات من قبل دول أخرى، بشأن تعافي اقتصاد البلاد التي أنهكتها الحرب الأهلية على مدى أكثر من عقد. وأضاف التقرير أن التعافي الاقتصادي السوري يعتمد بدرجة كبيرة على التنسيق العالمي، رغم أن مفتاح هذا التعافي يبقى بيد واشنطن، التي تفرض عقوبات قاسية تشمل تدابير "ثانوية" تعرقل أي جهة أجنبية تحاول التعامل مع دمشق. وأوضح التقرير أن شركات القطاع الخاص حول العالم لن تبادر للاستثمار في سوريا أو التعامل معها قبل الحصول على إشارة واضحة من الولايات المتحدة، ما يجعل تخفيف العقوبات الأمريكية شرطًا ضروريًا لتفعيل أي عملية إعادة إعمار جدية. وتشمل العقوبات الأمريكية عقوبات ثانوية، فُرضت منذ يونيو/حزيران 2020، وتستهدف أي جهة أجنبية تتعامل مع الحكومة السورية أو تدخل في معاملات اقتصادية معها. وتعني هذه العقوبات أن الأفراد أو الكيانات التي تتعامل مع دمشق تواجه خطر التعرض لتجميد الأصول والعزل المالي، مما يفاقم عزلة سوريا ويشل قدرتها على التفاعل مع النظام المالي العالمي. ولم تُصدر واشنطن حتى الآن جدولاً زمنيًا لتخفيف هذه العقوبات، التي بدأت منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. وقد أشار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مايكل ميتشل إلى أن إلغاء هذه الإجراءات "يتطلب خطوات إدارية وتشريعية معقدة". يُذكر أن العقوبات الأمريكية والغربية فُرضت على سوريا بين عامي 2011 و2013؛ بسبب مزاعم بانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية. كما فرضت كندا، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، عقوبات مشابهة طالت قطاعات حيوية كالبنوك والطاقة والنقل، إلى جانب كيانات متهمة بالتورط في تجارة الكبتاغون غير المشروعة. عقوبات مشددة واقتصاد منهار أدت هذه العقوبات إلى انهيار كبير في الاقتصاد السوري، فقد انخفضت الصادرات من 18.4 مليار دولار عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار فقط بحلول 2021، بحسب بيانات البنك الدولي. وتحت ضغط العقوبات، ازدهرت تجارة الكبتاغون في سوريا، حتى أصبحت وفق البنك الدولي القطاع الاقتصادي الأعلى، بقيمة سوقية تُقدَّر بـ5.6 مليار دولار. حكومة جديدة وسط تحديات ضخمة وتسعى الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع إلى رفع العقوبات، في وقت تحاول فيه البلاد التعافي من عقود من الحكم الاستبدادي، ومن حرب أهلية بدأت عام 2011 وانتهت فعليًا في 2024. ورغم أن رفع العقوبات خطوة مهمة، فإن الصحيفة شددت على أن العملية لن تنجح من دون تنسيق متكامل بين أنظمة العقوبات الدولية، وإعادة ربط سوريا بالنظام المالي العالمي. وتُقدّر تكلفة إعادة إعمار سوريا بما يتراوح بين 250 و400 مليار دولار، وهي أرقام ضخمة تتطلب تدفقًا استثماريًا كبيرًا، لا يمكن تحقيقه من دون رفع القيود المالية والمصرفية المفروضة على دمشق. وفي حين يُتوقع أن يكون القطاعان المالي والطاقة أكبر المستفيدين من أي تخفيف للعقوبات الأمريكية، تبقى عودة سوريا إلى النظام المالي العالمي ضرورية لتلقي المساعدات، وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، وتمويل عمليات الطاقة. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


النهار
منذ 2 ساعات
- النهار
لماذا تخشى روسيا والصين "قبة" ترامب؟
يستفز مشروع "القبة الذهبية"، الذي يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنشاءه لحماية أراضي الولايات المتحدة، روسيا والصين. فالمشروع سيطلق سباقاً لتسليح الفضاء ويجبر موسكو وبكين على اللحاق به. يقول ترامب إن الغاية من "القبة الذهبية"، اعتراض الصواريخ والمسيّرات، التي يمكن أن تستهدف الأراضي الأميركية. وهي تجربة تحاكي مشروع الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان مع مبادرة الدفاع الاستراتيجي أو ما أطلق عليه في حينه "حرب النجوم". مشروع ريغان، شكل مساً بمعاهدات استراتيجية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، التي كانت قائمة على مبدأ التدمير المتبادل. أي أن لا أميركا ولا الاتحاد السوفياتي كان في إمكانه المبادرة إلى شن ضربة أولى، من دون أن يتلقى رداً. "حرب النجوم" كانت ترمي إلى توفير مظلة واقية من الصواريخ السوفياتية العابرة للقارات، قبل أن يصار إلى صرف النظر عن المشروع، نظراً إلى التشكيك بجدواه فضلاً عن التكاليف الباهظة التي يتطلبها. لكن المشروع ترك تأثيره على الاتحاد السوفياتي الذي كان مرغماً على زيادة موازنته الدفاعية لمجاراة الإجراء الأميركي، ما انعكس سلباً على الموازنة السوفياتية. وبذلك، شكل سباق التسلح الفضائي أحد الأسباب، التي قادت بطريقة غير مباشرة إلى انهيار الاتحاد السوفياتي. وبرغم أن الكرملين اعتبر أن "القبة الذهبية" شأن "سيادي" أميركي، لكنه أكد على أن التواصل مع واشنطن في شأنها يبقى "أمراً ضرورياً". وإذا كان الرد الروسي قد اتسم بشيء من التحفظ من دون إثارة ترامب، وذلك لأسباب تتعلق بالانفتاح الذي يبديه الرئيس الأميركي على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سياق السعي إلى وقف الحرب الروسية-الأوكرانية، فإن الموقف الصيني كان أكثر حدة، إذ اعتبرت بكين أن "القبة الذهبية" مشروع من شأنه "تقويض الاستقرار العالمي"، داعية الولايات المتحدة إلى التخلي عنه. و"قبة" ترامب يشبهها البعض بـ"القبة الحديدية" الإسرائيلية، مع فارق وظيفة كل من النظامين. "القبة" الإسرائيلية مخصصة للصواريخ قصيرة المدى والمسيّرت، بينما النظام الأميركي هدفه اعتراض الصواريخ البعيدة المدى. وبطيعة الحال، لا يوجد سوى لدى روسيا والصين وإلى حد ما كوريا الشمالية صواريخ يمكنها أن تطاول الأراضي الأميركية. وهذا السبب الذي يثير القلق لدى موسكو وبكين. أن تملك أميركا وسيلة لاعتراض الصواريخ التي تستهدفها، يعني تلقائياً أن في إمكانها أن تشن ضربة ضد روسيا أو ضد الصين، وتستطيع في الوقت نفسه صد الرد الآتي من هاتين الدولتين. وهذا ما يبعث على القلق، وسيجبر روسيا والصين على التفتيش عن وسائل إما لاختراق "القبة" الأميركية، أو الشروع في تشييد كل من الدولتين قبتين خاصتين بهما، تقيهما من الضربة الأميركية. في بعض النواحي، يعد مشروع "القبة الذهبية"، وكأنه نوع من التصعيد الأميركي في مواجهة الصين، التي تتهمها الولايات المتحدة بتطوير ترسانتها من الرؤوس النووية والصواريخ العابرة للقارات. وتصنف كل مراجعات الأمن القومي الأميركي الصادرة في السنوات الأخيرة، الصين كخطر استراتيجي أول، يهدد الولايات المتحدة على المدى البعيد. وترامب الذي تعهد بتعزيز الجيش الأميركي وزيادة قدراته، يأخذ في الاعتبار، احتمال اندلاع صدام عسكري مع الصين، بسبب جزيرة تايوان وبحر الصين الجنوبي. وبعد التصدي الصيني للحرب التجارية، التي أعلنها ترامب على الصين واضطراره للجلوس مع المسؤولين الصينيين والبحث معهم عن وسائل لتهدئة وول ستريت، يدفع الرئيس الأميركي نحو مشروع "القبة الذهبية"، على رغم كلفته العالية التي تصل إلى 175 مليار دولار بينما يقدرها البعض بما يزيد عن 500 مليار دولار. ومهما يكن من أمر، التنافس الدولي سواء كان تجارياً أم عسكرياً، فإنه يعرض العلاقات الدولية، ولا سيما بين القوى العظمى للتدهور والذهاب نحو سيناريوات غير متوقعة.