
كيف تمدد ناسا عمر المركبات الفضائية بين النجوم؟
لم يكن إعلان وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" إطفاءها أجهزة (فوياجر) لتمديد عمر مركبتين فضائيتين بين النجوم مجرد خبر نشره موقع بوابة "مايكروسوفت" للأخبار نقلاً عن موقع "سبيس دوت كوم" العلمي، بل مثل نقطة فارقة خصوصاً مع إزاحة الستار عن أسباب هذه الخطوة.
وكالة "ناسا" أفصحت عن أن الوكالة الحكومية الأميركية اتخذت هذا القرار من أجل توفير الطاقة لمزيد من الاستكشاف في الفضاء، وعلق مديرو هذا المشروع على ذلك بقولهم، "كل يوم قد يكون آخر يوم لنا هناك".
وفي التفاصيل يتولى مهندسو "ناسا" مهمة إيقاف تشغيل أداتين للتأكد من أن المركبة الفضائية المزدوجة "فوياجر 1" و"فوياجر 2"، يمكنهما مواصلة استكشاف الفضاء خارج حدود النظام الشمسي. وأكدت الوكالة الحكومية الأميركية أنها تقوم بذلك العمل كتدبير احترازي هدفه الرئيس هو توفير الطاقة لمزيد من الاستكشافات بين النجوم.
وحسب المصدر ذاته فإن مهندسي المهمة في مختبر الدفع النفاث المعروف اختصاراً (جيه بي أل) التابع لوكالة الفضاء الأميركية عطلوا تجربة النظام الفرعي للأشعة الكونية في (فوياجر 1) في الـ25 من فبراير (شباط) الماضي، وأنهم سيغلقون في الـ24 من مارس (آذار) الجاري، أداة الجسيمات المشحونة المنخفضة الطاقة على متن (فوياجر 2).
نجم في الفضاء
بدورها وصفت مديرة مشروع (فوياجر) في مختبر الدفع النفاث التابع لـ"ناسا" سوزان دود، هذا المشروع العريق بأنه كان يشبه نجماً موسيقياً شهيراً بين مشاريع وكالة الفضاء، وكتبت تقول "لقد كان (فوياجر) من نجوم موسيقى الروك في الفضاء السحيق منذ إطلاقه، ونريد أن نبقيه على هذا النحو لأطول فترة ممكنة، لكن الطاقة الكهربائية تنفد، وإذا لم نُوقف تشغيل بعض الأدوات على نجم فوياجر الآن، فإنه من المحتمل ألا يكون لدى المركبتين سوى بضعة أشهر أخرى من الطاقة قبل أن نضطر إلى إعلان نهاية المهمة".
يذكر أن (فوياجر1) و(فوياجر 2) أطلقا عام 1977، وحملت المركبتان المجموعة نفسها المكونة من 10 محركات، ووصلتا إلى الفضاء بين النجوم في عامي 2012 و2018 على التوالي، إذ يعمل كل منهما على إمدادات الطاقة المتضائلة.
وقطعت المركبتان الفضائيتان معاً مسافة 29 مليار ميل لتصبحا أبعد الأجسام الفضائية التي صنعها الإنسان عن الأرض، وفي تعليق على صورة نشرتها "ناسا" على موقع مختبر الدفع النفاث في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا قالت الوكالة، "ستتمكن الأجسام التي يصنعها الإنسان من الارتقاء بجمع العلوم إلى أبعد من ذلك، وذلك بفضل تدابير الحفاظ على الطاقة هذه".
في هذا السياق نقلت صحف عالمية عن موقع "ناسا" بعض تفاصيل القصة التي كتبها روبرت لي لموقع "سبيس دوت كوم"، وأكد فيها أن الأدوات التي ظلت تعمل بعد التحليق الكوكبي الأخير هي تلك التي اعتبرها الفريق العلمي مهمة لدراسة غلاف النظام الشمسي، وهي فقاعة واقية من الرياح الشمسية والمجالات المغناطيسية التي أنشأتها الشمس، إذ وصلت (فوياجر1) إلى حافة الغلاف الشمسي وبداية الفضاء بين النجوم عام 2012، فيما وصلت (فوياجر 2) إلى الحدود ذاتها عام 2018، ووفق الكاتب الصحافي لي فإنه لم تعمل أية مركبة فضائية أخرى من صنع الإنسان في الفضاء بين النجوم بالطريقة ذاتها.
إيقاف أداة علوم البلازما
الصحافي المتخصص روبرت لي أكد أيضاً أنه خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وللحفاظ على الطاقة أوقف المشروع أداة علوم البلازما الخاصة بـ(فوياجر 2)، التي تقيس كمية البلازما - الذرات المشحونة كهربائياً - واتجاه تدفقها.
وأوضح أن الأداة جمعت بيانات محدودة فقط في الأعوام الأخيرة بسبب اتجاهها غير الموافق للاتجاه الذي تتدفق فيه البلازما في الفضاء بين النجوم، وبناء عليه أُوقف تشغيل أداة علوم البلازما الخاصة بـ(فوياجر1) منذ أعوام بسبب تدهور الأداء.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحت عنوان لافت هو (إرث العلوم بين النجوم) نشرت مواقع إخبارية عالمية مهتمة بالعلوم عامة وعلم الفضاء بخاصة معلومات دقيقة عن النظام الفرعي للأشعة الكونية الذي أُغلق في (فوياجر1) الأسبوع الماضي، وهو عبارة عن مجموعة من ثلاثة تلسكوبات مصممة لدراسة الأشعة الكونية، بما في ذلك البروتونات من المجرة والشمس، وذلك من خلال قياس طاقتها وتدفقها، إذ ساعدت البيانات من تلك التلسكوبات فريق فوياجر العلمي على تحديد متى وأين خرجت (فوياجر1) من الغلاف الشمسي.
جهاز آخر تقرر إلغاء تنشيطه
أما الجهاز المقرر إلغاء تنشيطه في وقت لاحق من (فوياجر 2) فهو يقيس الجسيمات المشحونة المنخفضة الطاقة والأيونات والإلكترونات والأشعة الكونية المختلفة التي تنشأ من نظامنا الشمسي ومجرتنا، ويتكون الجهاز من نظامين فرعيين هما تلسكوب الجسيمات منخفض الطاقة لقياسات الطاقة الأوسع، ومحلل الجسيمات المغناطيسية المنخفضة الطاقة لدراسات الغلاف المغناطيسي الأكثر تركيزاً.
ويستخدم كلا النظامين منصة دوارة بحيث يكون مجال الرؤية 360 درجة، وتُشغل المنصة بواسطة محرك متدرج يوفر نبضة 15.7 واط كل 192 ثانية، وجرى اختبار المحرك على 500 ألف خطوة وهو ما يكفي لضمان التشغيل المستمر من خلال مواجهات المهمة مع زحل، التي حدثت في أغسطس (آب) 1980 لمصلحة (فوياجر 2).
بحلول وقت يُلغى فيه تنشيطه على (فوياجر 2) سيكون المحرك قد أكمل أكثر من 8.5 مليون خطوة، وتعليقاً على ذلك قال عالم برنامج فوياجر في "ناسا" باتريك كوهن إن "المركبة الفضائية فوياجر تجاوزت مهمتها الأصلية لدراسة الكواكب الخارجية".
حديث كوهن تزامن مع نشر "ناسا" في واشنطن صورة علق عليها مقر الوكالة بقوله، "كل جزء من البيانات الإضافية التي جمعناها منذ ذلك الحين ليس فقط علماً إضافياً قيماً للفيزياء الشمسية، ولكنه أيضاً شهادة على الهندسة المثالية التي دخلت في فوياجر منذ 50 عاماً تقريباً واستمرت حتى يومنا هذا."
أخيراً شارك موقع "لايف ساينس" في نشر خبر "سبيس دوت كوم" ضمن صفحة استكشاف الفضاء، مؤكداً أن "ناسا" تغلق أجهزة فوياجر لإطالة عمر المركبتين الفضائيتين مع رسم توضيحي يوضح مسبار (فوياجر 2) على خلفية سديم ملونة مع نجوم بيضاء متوهجة. ويظهر هذا الرسم البياني الذي نقله الموقع عن وكالة ناسا مواقع المركبة الفضائية فوياجر التابعة لناسا في الفضاء بين النجوم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 16 ساعات
- الشرق السعودية
سامسونج تدخل سباق استكشاف الفضاء
بدأت شركة سامسونج (Samsung C&T Corp)، إجراء بحوث مبكرة ضمن مشروعها "المصنع الفضائي"، بهدف إنشاء منشأة متكاملة لإطلاق الصواريخ، وفق مصادر مطلعة. وبحسب تقرير لموقع KedGlobal الكوري، تجري الشركة الكورية مفاوضات مع قسم هندسة الطيران والفضاء في جامعة سول الوطنية، بهدف تأسيس مركز أبحاث وتطوير متخصص يُعنى ببناء منصة لإطلاق الصواريخ. ويُعد المشروع هو الأول من نوعه ضمن استراتيجية "سامسونج" لتوسيع نطاق أعمالها في قطاع الفضاء، الذي يعتبره الخبراء مجالاً واعداً لا يزال مفتوحاً أمام الشركات الجديدة، ويمنح كوريا الجنوبية فرصة لتحقيق ميزة تنافسية باعتبارها "الداخل الأول" في هذا السوق. وكانت "سامسونج إلكترونيكس" قد استقطبت، في وقت سابق من العام، عدداً من الخبراء في مجال الفضاء، لأول مرة في تاريخها، للعمل ضمن "سامسونج ريسيرش"، الذراع البحثية للمجموعة. ويرى متخصصون في قطاع الفضاء أن البنية التحتية الفضائية، بما في ذلك منصات الإطلاق ومكونات المركبات الفضائية، قد تمثل محرك النمو الجديد للاقتصاد الكوري الجنوبي، في الوقت الذي تسعى فيه البلاد للحاق بالقوى الفضائية الكبرى عالمياً. تعاون مع "ناسا" وفي تطور نوعي، وقّعت "سامسونج إلكترونيكس" في 7 مايو الجاري، اتفاقية تعاون مع "معهد كوريا لعلوم الفلك والفضاء" (KASI)، لتطوير حمولة ثانوية تُعرف باسم "K-Rad Cube"، وهي قمر اصطناعي صغير من طراز "CubeSat"، سيتم حمله ضمن رحلة اختبارية لمهمة "أرتميس 2" التابعة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا". وأوضح المعهد، في بيان، أن الاتفاقية تهدف إلى اختبار الجيل الجديد من أشباه الموصلات التي تطورها "سامسونج" داخلياً، في بيئة فضائية ذات إشعاع عالٍ، ضمن المدار الأرضي المرتفع. وفي السياق نفسه، أعلنت "إدارة برنامج اقتناء الدفاع" في كوريا الجنوبية (DAPA)، أنها ستعمل على توطين إنتاج خمسة أنواع من أشباه الموصلات الدفاعية المخصصة للفضاء، من بينها الدوائر المتكاملة الميكروية الأحادية (MMICs) وأجهزة الاستشعار الجيروسكوبية، لاستخدامها في الأقمار الاصطناعية وجيل جديد من المقاتلات. سوق خدمات الإطلاق الفضائي وتشير تقديرات شركة Precedence Research إلى أن سوق خدمات الإطلاق الفضائي في الولايات المتحدة سيشهد نمواً من 5.1 مليار دولار في عام 2025، ليصل إلى 18.7 مليار دولار بحلول عام 2034، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 13.7%. وبحسب Seraphim Space، وهي شركة استثمار متخصصة في قطاع الفضاء، من المتوقع أن تصل القيمة السوقية لصناعة الفضاء عالمياً إلى تريليون دولار خلال العقد المقبل، مع دخول جهات غير تقليدية من خارج قطاع الفضاء للمساهمة في هذا النمو. ومنذ عام 2019، سجل قطاع خدمات الإطلاق الفضائي نمواً سنوياً بلغ متوسطه 10%، وفقاً لـ"رابطة صناعة الأقمار الاصطناعية" الأميركية. ميزة تنافسية كورية يرى خبراء أن كوريا الجنوبية تملك فرصاً واعدة لتصبح لاعباً رئيسياً في سوق بناء منصات الإطلاق الفضائية، مدفوعة بخبرتها الواسعة في تشييد الأبراج شاهقة الارتفاع، والمنشآت الصناعية المعقدة في البيئات القاسية، مثل القطب الشمالي والمياه العميقة. وفي خطوة تعكس الاهتمام المتزايد بالاستثمار في شركات الفضاء الناشئة، شاركت Samsung Venture Investment Co، يناير الماضي، في جولة تمويلية من الفئة المتأخرة بقيمة 170 مليون دولار لشركة "Loft Orbital"، وهي شركة أميركية ناشئة في مجال الأقمار الاصطناعية مقرها وادي السيليكون، وتضم ضمن عملائها "مايكروسوفت"، و"ناسا"، و"وكالة الفضاء الأوروبية"، و"BAE Systems" أكبر مقاول دفاعي في أوروبا. ومن المقرر أن تطلق "Loft Orbital" خلال العام الجاري عدة مجموعات من الأقمار الاصطناعية لمهام مراقبة الأرض.


الشرق الأوسط
منذ 17 ساعات
- الشرق الأوسط
المريخ كما لم نعرفه... أمطار وثلوج غيَّرت وجه الكوكب الأحمر
تفيد دراسة جديدة بأنَّ كوكب المريخ ربما شهد، في حقبة سحيقة، مناخاً دافئاً ورطباً نسبياً، ساعد على تساقط الأمطار والثلوج وجريان الأنهر، ما أسهم في تشكيل تضاريس تختلف جذرياً عن المشهد القاحل والمتجمّد الذي نعرفه اليوم. وتصوّرت الدراسة، التي نقلتها «الإندبندنت» عن مجلة «البحوث الجيوفيزيائية»، كوكباً أحمر تغذّت فيه مئات البحيرات من أنهر انحدرت عبر الوديان. ورغم الدلائل على وجود الماء على سطح المريخ منذ نحو 4 مليارات سنة، لا يزال مصدره موضع تساؤل. فنظريات تشير إلى أنَّ المريخ كان دائماً بارداً وجافاً، مغطّى بالثلوج، بينما تُرجّح أخرى أنه مرّ بفترات دفء قصيرة ساعدت على ذوبان القمم الجليدية التي غطّت مساحات شاسعة منه حتى خطّ الاستواء، فأنتجت ماءً جارياً لفترات متقطّعة. الدراسة الأخيرة اختبرت فرضيتَي «الدفء والرطوبة» مقابل «البرودة والجفاف»، مُستخدمةً محاكاة حاسوبية لدراسة كيفية تأثير المياه في سطح الكوكب قبل مليارات السنوات. وخلُص الباحثون إلى أنَّ أنماط الوديان ومنابع الأنهر الحالية قد تكون تشكّلت نتيجة لتساقطات مطرية أو ثلجية. فتقول إحدى المُشاركات في البحث من جامعة كولورادو في بولدر، أماندا ستيكل: «يمكنك أن تُطالع صوراً من (غوغل إيرث) لأماكن مثل يوتاه، ثم تقارنها بصور المريخ لتجد تشابهاً لافتاً. يصعب إصدار أحكام قطعية، لكننا نرى هذه الوديان تبدأ من ارتفاعات واسعة النطاق، ويصعب تفسير ذلك بذوبان الجليد وحده». يدعم صور الأقمار الاصطناعية هذا التصوُّر أيضاً، إذ تُظهر شبكات من القنوات تتفرّع من المرتفعات القريبة من خطّ الاستواء، في نمط يُشبه جذور الأشجار، ويُعتقد أنها كانت تصبُّ في بحيرات أو حتى محيطات قديمة. تستكشف مركبة «بيرسيفيرانس» التابعة لوكالة «ناسا» حالياً موقع إحدى هذه البحيرات القديمة داخل فوهة يُرجح أنها استضافت نهراً رئيسياً قبل 4.1 إلى 3.7 مليار سنة، في العصر النوشياني. ويؤكد برايان هاينك، المُشارك في إعداد الدراسة: «لترسيب هذا النوع من الصخور، ثمة حاجة إلى مياه جارية بعمق أمتار». الكوكب الأحمر تغذَّت فيه مئات البحيرات (ناسا) واستخدم الفريق نموذجاً رقمياً لمحاكاة مشهد من سطح الكوكب بالقرب من خطّ الاستواء. أُضيفت إلى هذا النموذج مياه متخيَّلة ناتجة عن أمطار ذائبة أو غطاء جليدي، لتقييم تأثيرها في التضاريس عبر آلاف السنوات. أظهرت هذه المحاكاة تنوّعاً لافتاً: عند افتراض ذوبان القمم الجليدية، ظهرت منابع الوديان على ارتفاعات شاهقة، فيما أدّت سيناريوهات الأمطار إلى توزيع أوسع لتلك المنابع، من ارتفاعات منخفضة إلى ما يفوق 3350 متراً. وبينما بدت القمم الجليدية محدودة التأثير في نطاق ضيّق من الارتفاعات، فإنّ هطول الأمطار أتاح تشكُّل الوديان عبر مساحات أوسع. وعند مقارنة النتائج بالبيانات الحقيقية من مركبات «ناسا»، وجد الباحثون أنّ السيناريوهات التي تضمّنت هطول الأمطار تتطابق بشكل أوثق مع الكوكب الأحمر الحقيقي. ورغم أنّ الدراسة لا تقدّم «كلمة الفصل» في فَهْم مناخ المريخ القديم، فإنها تفتح باباً جديداً لفَهْم تطوّره. يقول هاينك: «بمجرّد توقُّف التآكل بفعل تدفُّق المياه، تجمَّد المريخ تقريباً في تلك اللحظة الزمنية، وربما لا يزال يحتفظ بوجه شبيه بالأرض كما كانت قبل 3.5 مليار سنة».


الشرق الأوسط
منذ 17 ساعات
- الشرق الأوسط
اكتشاف مجرّة أضخم من «درب التبانة» بـ11 مليار سنة
اكتشف علماء الفلك مجرةً ضخمة تُشبه إلى حدّ كبير مجرّتنا، «درب التبانة»، لجهة الشكل، لكنها تفوقها حجماً بكثير، ويعود تاريخها إلى فجر الكون قبل 11.1 مليار سنة. وتُقدّم هذه المجرّة التي أُطلق عليها اسم «J0107a»، لمحة عن زمن لم يكن عمر الكون فيه يتجاوز خُمس عمره الحالي. وكشفت عمليات الرصد التي أجراها مرصد «ألما» في جبال الأنديز بتشيلي، وتلسكوب «جيمس ويب» الفضائي التابع لوكالة «ناسا»، أنّ للمجرة بنيةً حلزونية مدهشة، مع وجود شريط مركزي من النجوم والغاز، وهي سمة تُميّز «درب التبانة». لكن أوجه الشبه تتوقّف عند هذا الحدّ، فمجرّة «J0107a» تتفوّق على مجرّتنا لجهة الحجم، إذ يزيد وزنها بأكثر من 10 أضعاف وزن «درب التبانة»، كما أنّ معدل تكوّن النجوم فيها أعلى بنحو 300 مرّة. ورغم هذا النشاط الكبير والكتلة الضخمة، فإنها أكثر تماسكاً وأصغر حجماً من «درب التبانة». ويُثير اكتشاف مجرّة بهذه الضخامة والنضج في مرحلة مبكرة جداً من عمر الكون تساؤلات مثيرة حول سرعة تكوين المجرّات وطرائقها. وقال عالم الفلك شواو هوانغ، من المرصد الفلكي الوطني في اليابان، المؤلّف الرئيسي للدراسة التي نقلتها «الإندبندنت» عن مجلة «نيتشر»، إنّ هذه المجرّة «عملاقة مثل الوحش، وتتمتّع بمعدّل تكوين نجوم مرتفع جداً وكمية هائلة من الغاز، تفوق بكثير ما نراه في المجرّات الموجودة اليوم». ومن جانبه، قال المؤلّف المُشارك في الدراسة توشيكي سايتو، من جامعة شيزوكا اليابانية: «هذا الاكتشاف يطرح سؤالاً مهماً: كيف تشكّلت مجرّة بهذا الحجم الهائل في كون كان لا يزال في بداياته؟». وبينما ثمة اليوم بعض المجرّات التي تمرّ بمعدلات تكوين نجوم مماثلة لـ«J0107a»، فإنّ معظمها تقريباً في حالة اندماج أو تصادم مجري، وهو ما لم يُلاحظ في حالة هذه المجرّة. وأضاف سايتو: «كلاهما ضخم، ويمتلك بنية شريطية مماثلة، لكنّ مجرّة (درب التبانة) حظيت بوقت كافٍ لتطوير هذه البنية الضخمة، في حين لم تتح هذه الفرصة لـ(J0107a)». وقبل 13.8 مليار سنة، كانت المجرّات كيانات مضطربة وغنية بالغاز أكثر بكثير من المجرّات الحالية؛ وهي عوامل عزَّزت انفجارات شديدة لتكوين النجوم. ورغم أنّ المجرّات ذات البنية شديدة التنظيم، مثل الشكل الحلزوني لمجرّة «درب التبانة»، أصبحت شائعة اليوم، فإنّ هذه لم تكن الحال قبل 11.1 مليار سنة. وأوضح هوانغ: «مقارنة بالمجرّات العملاقة الأخرى في بدايات الكون المُبكرة التي غالباً ما تكون أشكالها مضطربة أو غير منتظمة، من غير المتوقَّع أن تبدو المجرّة (J0107a) مشابهة جداً للمجرّات الحلزونية الموجودة اليوم». وتابع: «قد يتطلّب هذا إعادة النظر في النظريات المتعلّقة بتكوُّن بنى المجرّات الحديثة». وكشف تلسكوب «جيمس ويب»، خلال تحليله المسافات الشاسعة للعودة إلى بدايات الكون، عن أنّ المجرّات ذات الشكل الحلزوني ظهرت في وقت أبكر بكثير مما كان يُعتقد، وتُعدّ المجرّة «J0107a» الآن واحدةً من أقدم الأمثلة المعروفة على المجرّات الحلزونية ذات الشريط. ويُعتَقد أن نحو ثلثَي المجرّات الحلزونية التي نراها اليوم تمتلك شريطاً مركزياً، يعمل «حاضنة نجمية»؛ إذ يجذب الغاز من الأذرع الحلزونية إلى مركز المجرّة، فيتجمع بعض هذا الغاز ليُشكّل سُحباً جزيئية تتقلَّص بفعل الجاذبية، حتى تُكوِّن مراكز صغيرة تسخن وتتحوَّل إلى نجوم جديدة. ويبلغ طول الشريط في «J0107a» نحو 50 ألف سنة ضوئية، وهي مسافة هائلة تُضيء على مدى ضخامة هذه المجرّة. وختم سايتو: «رغم أنّ (جيمس ويب) بات يدرس أشكال المجرّات الضخمة المبكرة بشكل مكثَّف مؤخراً، فإنّ فهمنا لديناميكياتها لا يزال ضعيفاً».