
المغرب: تضامن واسع مع المقررة الأممية المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين وحملة لترشيحها إلى جائزة نوبل للسلام
وأدان حزب «العدالة والتنمية» المعارض ما يتعرض له مسؤولون أمميون وفاعلون حقوقيون دوليون من ضغوط وترهيب من الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية، لإجبارهم على التنكر لمسؤولياتهم والتخلي عن إنسانيتهم، وحملهم على التواطؤ مع مجرمي الحرب والتستر على جرائم الاحتلال والتشريع للإفلات من العقاب. وبهذا الخصوص، أدان الحزب الإسلامي، في بيان تلقت «القدس العربي» نسخة منه، ما تعرضت له فرانشيسكا ألبانيز، بعد رفع تقريرها للدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف تحت عنوان: «من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية»، والذي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك تورط «مؤسسة غزة الإنسانية الأمريكية» في قتل أكثر من 800 فلسطيني وهم يحاولون الوصول إلى المساعدات، وتحول هذه المؤسسة إلى «مصيدة موت» واعتبارها «فخ موت مصمماً لقتل أو تهجير الفلسطينيين من أرضهم»، تحت غطاء توزيع المساعدات الإنسانية في غزة.
وخصصت حركة «التوحيد الإصلاح» بياناً استنكارياً صادراً عن لجنتها الحقوقية، أدانت فيه «إقدام الإدارة الأمريكية على فرض عقوبات جائرة وغير مسبوقة في حق ألبانيز، بسبب مواقفها الجريئة والمبدئية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفضحها لجرائم الاحتلال الصهيوني. معتبرة تلك العقوبات «انتهاكاً صارخاً لأبسط القواعد الناظمة للعمل الأممي، ومحاولة بائسة لترهيب كل من يتجرأ على قول كلمة حق في وجه الإجرام الصهيوني».
وقالت في بيان اطلعت «القدس العربي» عليه، «إن هذه العقوبات التي جاءت في سياق تصاعد الضغوط على كل الأصوات الحرة داخل المنظومة الأممية، تمثل مساساً خطيراً باستقلالية آليات الأمم المتحدة، وانتهاكاً سافراً لمبدأ الحماية الدولية للمقررين الأمميين، كما تشكل سابقة تهدد مصداقية العمل الأممي في مجال حقوق الإنسان».
وبعد أن استحضرت مواقف فرانشيسكا ألبانيز في نصرة الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، وفي دعم المساعي القانونية لمساءلة مجرمي الحرب من قادة الاحتلال الصهيوني أمام المحكمة الجنائية الدولية، عبّرت الحركة عن إدانتها «الشديدة» للعقوبات الأمريكية، واعتبرتها «انتهاكاً صارخاً لأبسط القواعد الناظمة للعمل الأممي، ومحاولة بائسة لترهيب كل من يتجرأ على قول كلمة حق في وجه الإجرام الصهيوني».
كما أعلنت الحركة تضامنها الكامل مع المقررة الأممية، وتثمينها لمواقفها الحقوقية النزيهة، وجهودها في كشف معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، ودعوتها لاستمرار عملها دون خوف أو ابتزاز؛ داعية
الأمم المتحدة والأمين العام وكل الجهات الحقوقية الحرة إلى «التحرك العاجل من أجل وضع حد لهذه الانتهاكات الأمريكية المتكررة التي تستهدف استقلالية المنظومة الدولية».
وتوقفت الحركة في بيانها الاستنكاري عند «جرائم الاحتلال الصهيوني المتواصلة في غزة وسائر الأراضي المحتلة، ولدعم الإدارة الأمريكية اللامشروط لهذه الجرائم، مجددة رفضها المطلق لها، ومطالبتها بوقف كل أشكال الدعم السياسي والعسكري لكيان غاصب مجرم».
ودعت في هذا السياق كل «القوى الحية في المغرب والعالم إلى توسيع دائرة التضامن مع الشعب الفلسطيني، وإلى مضاعفة الجهود لمواجهة مسار التطبيع، والتصدي لكل محاولات اختراق المشروع الصهيوني لبلادنا».
وفي بيان مماثل اطلعت عليه «القدس العربي»، أدانت «الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب» بأشد العبارات السلوكيات التي وصفتها بـ «العدوانية للإدارة الأمريكية وتهديداتها الترهيبية، البلطجية، ضد المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز».
وقالت الشبكة إن إعلان حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عن فرض هذه العقوبات ضد المسؤولة الأممية هو «محاولة جديدة لترهيبها وتطويعها، ولثنيها أساساً عن الدعوة لمساءلة شركات وشخصيات صهيونية أمام المحكمة الجنائية الدولية»؛ لافتة إلى أن ذلك «أثار قلق الأمين العام للأمم المتحدة واستنكار العديد من المسؤولين الأمميين الآخرين الذين اعتبروا الأمر سابقة خطيرة تهدد منظومة حقوق الإنسان على المستوى العالمي».
وفي رأي الشبكة، فإن «هذا السلوك العدواني والبلطجي الخطير للإدارة الأمريكية»، يؤكد «مرة أخرى تعاملها المتعالي والمتعجرف تجاه المسؤولين الأمميين والمؤسسات الأممية والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني».
وشددت الشبكة على إدانتها لهذا القرار الأمريكي «العدواني الجديد» الذي اعتبرته «ممارسة بلطجية تفضح بشكل ملموس مستوى الانحدار السياسي والأخلاقي والطابع الفاشي الذي وصلت إليه الإدارة الأمريكية في حماية مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني ومجرمو الحرب المرتبطون به من مؤسسات وأشخاص».
كما أعلنت عن تضامنها «التام» مع المقررة الأممية، وتثمينها «لكل المواقف المشرفة التي عبرت عنها العديد من الجهات والمسؤولين الأمميين تنديداً بهذا القرار الأمريكي الأخرق»، ودعوتها «لأوسع اصطفاف عالمي ضد ما أصبحت تشكله الفاشية الأمريكية وحليفتها الصهيونية من خطر ومن حالة شاذة عالمياً على كل المستويات».
وصلة بالموضوع، جددت الشبكة تنديدها بحرب الإبادة التي يواصل اقترافها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني «بدعم لا محدود من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، مع الدعوة لتقوية كل أشكال الدعم لصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، ولكل جبهات المقاومة ضد المخطط الإمبريالي، الصهيوني ـ الأمريكي بالمنطقة».
ولم يفتها التعبير عن الإدانة المتجددة «لكل أوجه التطبيع مع الكيان الصهيوني»، كما نادت بـ «تكثيف وتقوية مختلف أشكال النضال المتواصلة ضده، إلى حين إسقاطه وتخليص المغرب من عاره، وصيانة الأجيال القادمة من مخاطر الاختراقات الصهيونية المدمرة لمقومات كياننا الوطني على كل الواجهات».
وجاء إعلان الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رسمي عن فرض عقوبات على المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز، عقب تقارير للمسؤولة الأممية دعت فيها إلى مُساءلة المتورطين في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك شركات عالمية متورطة في دعم ما وصفته بـ «اقتصاد الإبادة الجماعية» كما وثقت فيها عمليات القتل والتدمير الواسعة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
تضامن شعبي واسع
وخلف القرار ردود فعل مستنكرة في الأوساط الإعلامية والحقوقية والثقافية المغربية، إذ كتبت الصحافية والناقدة سعيدة شريف تدوينة على «الفيسبوك»، جاء فيها: «فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مقررة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيز، لأنها دافعت عن غزة، ولا توجد طريقة أبلغ للتعبير عن الموقف الحقيقي للعالم من منحها هي والأطباء الذين يعملون في غزة جائزة نوبل للسلام». وأضافت أن «ترشيحات فرانشيسكا للجائزة تتزايد، وتحتاج إلى تضامن شعبي واسع يدفع باتجاه هذا الاعتراف العالمي بمواقفها الجريئة، لذا وجب التوقيع على العريضة».
وتحت عنوان «وقعوا على العريضة»، كتب محمد العوني، رئيس منظمة «حريات الإعلام والتعبير»، أن العقوبات الأمريكية على فرانشيسكا ألبانيز جاءت لأنها دافعت عن غزة. وأكد أنه «لا توجد طريقة أبلغ للتعبير عن الموقف الحقيقي للعالم من منحها هي والأطباء العاملين في غزة جائزة نوبل للسلام»، لافتاً إلى أن ترشيحات فرانشيسكا للجائزة تتزايد، و»نحتاج إلى تضامن شعبي واسع يدفع باتجاه هذا الاعتراف العالمي بمواقفها الجريئة». وجاء في عريضة التوقيع: «لقد استخدمت ألبانيز منصبها كمقررة مستقلة للدفاع عن المظلومين، والآن جاء دورنا للدفاع عنها. من خلال تحرك رمزي كالتوقيع على هذه العريضة من أجل إظهار الدعم الشعبي حول العالم لنيلها جائزة نوبل للسلام هي والأطباء الذين يعملون في غزة – للمساهمة في مواجهة التهديدات ومحاولات الترهيب ضدها». كما كتب الناقد المغربي بوجمعة العوفي تدوينة ورد فيها: «نظراً للعمل الجبار الذي تقوم به فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد حرب الإبادة الصهيونية على الفلسطينيين في غزة والقطاع، أدعو جميع صديقاتي وأصدقائي إلى تقاسم هذا المشور، (في إشارة إلى عريضة التوقيع) من أجل دعمها للحصول على جائزة نوبل للسلام».
أما المحامي المغربي والمتحدث باسم الفريق القانوني أمام الجنائية الدولية عبد المجيد مراري، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة «إفدي» الدولية لحقوق الإنسان، فقد نشر تدوينة تحت عنوان «أول مسؤولة أممية تعاقب بسبب عملها»، جاء فيها أن «قرار وزارة الخارجية الأمريكية فرض عقوبات على السيدة فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، اعتداء صارخ على استقلالية ونزاهة آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان». وأكد أنه «خرق صريح لاتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1946، التي تمنح لموظفي الأمم المتحدة حصانةً من الإجراءات القانونية أو الإدارية، وهو اعتداء فاضح على مبدأ عدم التمييز وحرية التعبير».
انتهاك للقانون الدولي
وذهب إلى القول «إن هذا القرار الأمريكي يمثل محاولة لترهيب وتخويف المقررين الخاصين بالأمم المتحدة ومنعهم من أداء مهامهم بحرية واستقلالية، وفقاً للمبادئ المتعلقة بحماية المقررين والممثلين الخاصين للأمم المتحدة»، كما أنه ـ وفق الخبير الحقوقي نفسه ـ «يهدد العمل الدولي لرصد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويُضعف ثقة الضحايا بالإجراءات الدولية التي تهدف إلى تحقيق العدالة والمساءلة، ويتناقض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه الولايات المتحدة وتعتبر طرفاً فيه»، وشدد على أن «العقوبات المفروضة على المقررة الأممية السيدة ألبانيز تمثل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني ومبادئ الأمم المتحدة، وتتعارض مع التزام الولايات المتحدة تجاه تعزيز وحماية حقوق الإنسان في العالم.
وأعرب عبد المجيد مرار عن إدانته الشديدة قرار وزارة الخارجية الأمريكية فرض عقوبات على المقررة الخاصة فرانشيسكا ألبانيز، معتبراً إياه «عملاً غير مبرر وغير قانوني». كما طالب بإلغاء هذه العقوبات فوراً، واحترام دور ووظيفة المقررين الخاصين بمجلس حقوق الإنسان، داعياً المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى التصدي لهذا النوع من التصعيد السياسي ضد آليات حقوق الإنسان الأممية، والتأكيد على أهمية استقلاليتها وحيادها. وختم تدوينته بالإعلان عن دعمه الكامل للمقررة الخاصة ومهنة التوثيق والتحقيق التي تقوم بها، داعياً إلى توفير الحماية لها ولجميع المقررين والنشطاء الذين يعملون في مجال حقوق الإنسان. وكتبت الناشطة الحقوقية نعيمة بن واكريم: «عقوبات أمريكية على فرانشيسكا ألبانيز لتوثيقها جرائم الاحتلال، شملت العقوبات تجميد أصولها وحظر دخولها إلى الأراضي الأمريكية». واعتبرت ألبانيز العقوبات محاولة لترهيبها، مؤكدة استمرارها في فضح كل انتهاكات الاحتلال والوقوف إلى جانب الضحايا الفلسطينيين. وأوضحت الناشطة المغربية أن هذه العقوبات تأتي بعد تقرير فضحت ألبانيز خلاله ألبانيز دور أكثر من ستين شركة أمريكية وإسرائيلية بدعم الإبادة، وهو ما اعتبرته الخارجية الأمريكية أنه «دفع للمحكمة الجنائية ضد أمريكا وإسرائيل».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ يوم واحد
- BBC عربية
اقتحامات واشتباكات وقتلى بسبب منصب بوزارة الزراعة في العراق
وجّه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بالتحقيق في الاعتداء على دائرة زراعة الكرخ ببغداد وذلك بعد مقتل 3 أشخاص، شرطي ومدني عنصر من كتائب حزب الله وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية.


القدس العربي
منذ 2 أيام
- القدس العربي
الهند تنفي مجددا مزاعم ترامب بوساطته في وقف إطلاق النار مع باكستان
نيودلهي: نفت الهند مجددا أن تكون قد أنهت عملياتها العسكرية ضد باكستان في مايو/ أيار الماضي تحت أي ضغط خارجي، رافضة تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي زعم فيها أنه توسط لوقف إطلاق النار بين البلدين. وقال وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ، خلال مناقشة برلمانية حول الحملة العسكرية يوم الإثنين، إن 'أي ادعاء بخلاف ذلك لا أساس له على الإطلاق'. وكانت التوترات بين الجارتين النوويتين قد تصاعدت عقب هجوم إرهابي وقع في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية في 22 أبريل/ نيسان، وأسفر عن مقتل 26 شخصا، معظمهم من السياح الهنود. وردا على ذلك، شنت القوات الهندية ضربات ضد أهداف في باكستان بعد أسبوعين، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عبر الحدود وغارات جوية متبادلة. وبشكل مفاجئ، أعلنت الدولتان وقفا لإطلاق النار في 10 مايو/ أيار. وكان ترامب قد قال في حينه إنه ساعد في التوسط بين الجانبين، مستخدما السياسة التجارية للضغط عليهما من أجل إنهاء الأعمال العدائية، كما أعلن عزمه السعي إلى إيجاد حل طويل الأمد للنزاع حول كشمير، وكرر القول إنه يستحق جائزة نوبل للسلام على ما اعتبره وساطة ناجحة. في المقابل، قال سينج إن الهند أوقفت العملية العسكرية لأنها 'حققت أهدافها السياسية والعسكرية'، وهو ما يتماشى مع تصريحات سابقة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي أكد في يونيو/ حزيران أنه لم يكن هناك أي دور أمريكي، وأن وقف إطلاق النار تم التوصل إليه بشكل ثنائي. (د ب أ)


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- العربي الجديد
فرانشيسكا ألبانيز
منذ عام 2022، تشغل فرانشيسكا ألبانيز منصب المقرّرة الخاصّة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ضمن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. محامية إيطالية متخصّصة في القانون الدولي، عملت سابقاً في المفوّضية الأممية لشؤون اللاجئين، وتوجّه اهتمامها نحو تحليل أنماط العنف والتمييز، تركيباتٍ بنيويةً لا أحداثاً منفصلةً. لم يكن ظهور اسمها أخيراً نتيجةً لحملة إعلامية أو مواقفَ مثيرة، وإنما بسبب تقاريرها التي زعزعت منطقاً راسخاً في النظام الدولي، ليس بما كشفته من مضمون فقط، بل بكيفية قولها ما لا يُقال. في تقريرها أخيراً "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة"، رسمت ألبانيز خريطةً دقيقةً لاقتصاد قائم على القتل، يربط بين الهجمات العسكرية في غزّة والمصالح المالية لشركات غربية، تتقاطع أنشطتها مع دائرة العنف اليومي. استخدمت الوثيقة لغةً حقوقيةً صارمةً، ووضعت قائمةً صريحةً بمؤسّساتٍ متورّطةٍ في تمويل الإبادة أو الاستفادة منها. لم تترك الموضوع في مستوى الإدانة المجرّدة، بل نقلته إلى مستوى المساءلة القانونية المحتملة. جاءت ردّة فعل إدارة ترامب على التقرير في هيئة عقوبات شخصية، محاولة لتحويل النقاش من مضمونه إلى صاحبه. لكن ما جرى لا يمكن قراءته تحرّكاً سياسياً عابراً، بقدر ما يعتبر (ويجب فهمه ضمن) منظومةً دفاعيةً أطلقها النظام الدولي عندما شعر بتهديد صادر من قلب النظام نفسه. لم تأتِ ألبانيز هنا من موقع احتجاجي خارجي، ولم تُقدّم نفسها صوتاً معارضاً، بل استخدمت شرعيّتها المؤسّسية لتقويض لعبة التوازن التي تُملي على الخبراء الدوليين ضبط نغمتهم بما لا يزعج المركز. لم تكتف ألبانيز بتقديم سردية مضادّة، بل زعزعت الانسجام الخطابي الذي يُتيح استمرار الجريمة تحت غطاء الحذر المؤسّسي الذي أدمنته البشرية في مواجهة توحّش الشركات الكُبرى. لم يكن موقفها انفعالاً أخلاقياً، بقدر ما كان ممارسةً دقيقةً للوظيفة الحقوقية بأقصى ما يمكن أن تحمله من دلالة. هي استخرجت من اللغة القانونية إمكاناتها القصوى، وربطت مفاهيم السيادة والربح والعنف ضمن شبكة من العلاقات القابلة للتفكيك والمحاسبة. تقاريرها لا تحتمل التجاهل، لأنّها تُصاغ في بنية تُغلق ممرّات الهروب، وتدفع السلطة إلى المواجهة المباشرة. حين تردّ السلطة بالعقوبات، فهي لا تستهدف إسكات صوت، بل ضبط حدود القول داخل المنظومة. ما يُعاقَب ليس فقط التقرير، وإنما النموذج الذي يجسّده: خطاب قانوني لا يُهادن، صادر من امرأة مستقلّة، لا تمرّ عبر شبكات المصالح، ولا تخضع لاعتبارات الجغرافيا السياسية. تلجأ السلطة في مثل هذه الحالات إلى الردع، لا لأنها تمتلك تفنيداً مضادّاً، بل لأنها تريد إعادة ترسيم ما يُعدُّ "معقولاً" داخل المجال الدولي. العقوبة هنا هي من أشكال تنظيم اللغة، محاولة أخيرة لإبقاء القانون تحت السيطرة. تقف فرانشيسكا ألبانيز اليوم باعتبارها نموذجاً نادراً للوضوح في زمن اختلطت فيه الحقائق بالخطابات المنمّقة. لا تدّعي البطولة، ولا تدّعي حتى انحيازاً للضحية، فتؤدّي مهمّتها فقط، بشرف وبجدّية لا تسمح للنظام بأن يُدير وجهه. حضورها الحقوقي ليس احتفالاً بالثبات، بقدر ما يشكّل ممارسةً ذكيةً للوظيفة الحقوقية في أقصى درجات صدقها الممكن. وسط بحر من التقارير الرمادية والمواقف المائعة، تخرج وثائقها أدلّةً يمكن البناء عليها، لا بوصفها رأياً، بل بنية معرفة قادرة على إنتاج أثر قانوني وواقعي. لهذا تستحق ألبانيز أكثر من ترشيح لجائزة نوبل للسلام. تستحق أن تُروى سرديةً قائمةً بذاتها، لا لأنها تخوض (شبه وحيدة) في موقعها معركةً ضدّ أنظمة كُبرى ونظام دولي متوحّش، بل لأنها أثبتت أن اللغة، حين تُستخدم بانضباط ومسؤولية، قادرة على فضح أكثر الشبكات تعقيداً. لهذا، يكفي أن تكون فرانشيسكا ألبانيز موجودةً بيننا كي نتذكّر أن البشرية، رغم كلّ ما أنتجته من خراب، ما زالت قادرةً على إنجاب امرأة تُعيد تعريف العدالة من داخل صلبها الصلب، لا قيمةً مثاليةً، بل حرفةً واعيةً، دقيقةً، لا تتراجع أمام فظاعة الواقع. وجودها نفسه حجّة لصالح الإنسان، شاهد نادر على أن اللغة حين تنجو من الاستعمال البليد، يمكنها أن تكون أداةَ مقاومة، وأن تكون امرأةً واحدةً، في هيئة دولية مثقلة بالتوازنات، وقادرةً على إعادة ترتيب الكفّة (ولو قليلاً) نحو العدالة، أو نحو محاولة العدالة.