logo
في خصوصية الهوية الجنوبية وآليات اليمننة.. قراءة في دراسة المحامي علي هيثم الغريب: الجنوب العربي مرجعية الأرض والهوية والتاريخ

في خصوصية الهوية الجنوبية وآليات اليمننة.. قراءة في دراسة المحامي علي هيثم الغريب: الجنوب العربي مرجعية الأرض والهوية والتاريخ

اليمن الآنمنذ 3 أيام

يُعدُّ المحامي علي هيثم الغريب من أبرز الذين تناولوا موضوع الهوية الجنوبية ومحاولات اليمننة التي تعرض لها، وذلك في مقالة بحثية مهمة نشرها أول مرة في صحيفة (عدن الغد)، في مطلع سنة 2014، ثم في مجلة (فنار عدن الثقافية)، الصادرة عن اتحاد أدباء وكتاب الجنوب، وذلك بعنوان (الجنوب العربي مرجعية الأرض والهوية والتاريخ).
في مستهل بحثه يعرّف علي هيثم الغريب الهوية على النحو الآتي: "الهوية امتداد للتاريخ والحضارة، وهي قيم وخصائص تمر في تفاعل ونمو وازدهار في إطار الجغرافيا الواحدة. والهوية تُعرَّف أيضا باعتبارها شعوراً جمعيًّا لأمةٍ أو لشعبٍ ما، يرتبط ببعضهِ مصيراً ووجوداً، حيث تشكل الهوية مجموع السمات الروحية والفكرية والعاطفية الخاصة التي تميز مجتمعاً بعينه، وطرائق الحياة ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات وطرائق الإنتاج الاقتصادي والثقافي".
وفيما يتعل بخصوصية هوية الجنوب العربي كتب المحامي علي هيثم الغريب "كان الجنوب العربي قبل أن تحتله القوات العسكرية البريطانية في بداية عام 1839 مقسماً من الناحية الإدارية بين سلطنات ومشيخات؛ شأنه شأن الدول العربية كافة. حيث كانت تلك السلطنات والمشيخات تعيش داخل جغرافيا واحدة إدارةً وحدوداً وتاريخاً، ومستقلة عن محيطها العربي عموماً واليمني خصوصاً، شأنها في ذلك شأن محيطها العربي (عمان والسعودية واليمن والإمارات والكويت وقطر والبحرين)."
ويؤكد الغريب "أن هوية الجنوب العربي ارتبطت بالجغرافيا والأرض والتاريخ والمذهب الواحد الذي عرفه الجنوب منذ الأحباش والفرس والرومان والهولنديين، ومروراً بثوراته المعروفة في القرن العشرين ضد الاستعمار البريطاني، وانتهاءً بأهم إنجاز للثورة الجنوبية المعاصرة في ستينيات القرن ذاته عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سبعة قرارات دولية باسم الجنوب العربي (1963-1967م)".
ويذكّرنا الغريب بالهجمات التي تعرض الجنوب العربي على مدى التاريخ لاحتلاله ومسخ هويته الجغرافية والثقافية. ومن تلك الهجمات "الغزوات التي تعرض لها من طرف جارته (الدولة القاسمية) قبل 500 عام، وهو مشروع استهدفه في وجوده الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي الحضاري والإنساني بشكل عام".
ويرى الغريب أن "الوجود الواقعي لهوية الجنوب العربي يواجه إرادة المشروع اليمني الذي أراد أن يجعل من الجنوب وطناً بدون هوية ليتم تسليمه لهوية افتراضية ليس لها تاريخ، هي اليمن التي تأسست كدولة عام 1918/ 1922. والهوية اليمنية ما كان يمكن أن يحتاجها الشعب اليمني عام 1922 لولا خروج الأتراك بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية 1918م، التي استدعت مثل هذه الهوية لإنقاذ اليمن من الحروب المذهبية والتمزق القبلي. وقامت اليمن بحدود تلك الدولة، ورسمت مع الجنوب العربي حدودها الدولية، ووقعت مع سلاطين الجنوب عليها، مثلما وقعت مع المملكة العربية ترسيم الحدود عام 1934".
ثمّ يتناول المحامي الغريب الآليات التي اتبعها اليمنيون ليمننة الجنوب العرب قبيل وبعد رحيل البريطانيين في 30 نوفمبر 1967، حيث يكتب "شارك اليمنيون الذين جاؤوا بعد الاستقلال (30 نوفمبر 1967م) بنشاط في مختلف الأحزاب والجمعيات النقابات العمالية في عدن؛ التي تشكلت في فترات التحرر الوطني من الاستعمار البريطاني، وتبنوا أفكارها القومية والأممية غير الإصلاحية، وشعورهم بالانتماء لليمن انطبع بطابع خاص، طابع الانتماء إلى أرض ووطن محددين هو اليمن".
ويربط الغريب إحدى آليات اليمننة، التي برزت تسمية الدولة الوليدة التي حلت محل حكومة اتحاد الجنوب العربي في 30 نوفمبر 1967 بتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني سنة 1978 قائلا: "تركت مسألة التنازل عن الهوية الجنوبية في تسمية الدولة الجنوبية الوليدة آثاراً قوية على الحركة الوطنية الجنوبية، وأشعرتها بعزلتها وسهل إضعافها أو التخلص منها. وأهم هذه الصدمات: التخلص من اسم "الجنوبية" (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) بعد الانقلاب على الرئيسين قحطان الشعبي وسالم ربيع علي، وانهيار الحكم الجنوبي الذي كان يجسد من خلال سلاطين الجنوب ومشايخه وأحزابه وتنظيماته السياسية التي لم تستطع الصمود أمام المد القومي والأممي في الجنوب. في تلك الظروف، انعقد المؤتمر التأسيسي للحزب الاشتراكي اليمني عام 1978م، ولأول مرة لم يشر المؤتمر إلى الهوية الجنوبية، كما طالب بالوحدة مع اليمن، بل دعا هذا المؤتمر لأول مرة إلى "تشكيل حكومة يمنية في الجنوب"؛ ولذلك فإنه بالإمكان اعتبار هذا المؤتمر نقطة الانطلاق العملية ليمننة الجنوب العربي".
كما يرى الغريب أن تفاعل بعض الأصوات الخارجية مع تيار يمننة الجنوب العربي يرتبط في الحقيقة بتأييدها للأفكار القومية أو تخوفها منها، قهو يكتب: "مما لا شك فيه أن هوية (اليمننة) في الجنوب قد نشأت وتبلورت بفعل تفاعل عوامل خارجية، وتفاعلها مع عوامل داخلية، خاصة الهويات المضادة. وفي هذا الإطار. وكان تيار "اليمننة" ينطلق من نفس الأفكار القومية، ولكنه يصل إلى نتائج مختلفة معها؛ فكان يرى – انطلاقًا من أن اليمن مدعومة من الدول العربية والغربية - أن بقاء الجنوب جزءاً من اليمن سيجعل من المعقول الضغط من أجل نشر الثورة في الجزيرة العربية". ولكن اليمن (الجمهورية العربية اليمنية) ظلت محتفظة بهويتها ورافضة أن تعطي الجنوبيين العائشين في صنعاء وثيقة يمنية، أيام الحكم الملكي كان يطبع على جواز سفر المواطن الجنوبي ختم خاص بالجنوبيين (حامل هذا الجواز من أبناء الجنوب العربي)، وبعد ثورة سبتمبر 1962م كان نظام الجمهورية العربية اليمنية يمنح المواطن الجنوبي هوية "جنوبي مقيم". وظلت تلك الوثائق تستعمل في التعامل مع المواطنين الجنوبيين لتعني غير اليمنيين إلى عام 1990".
ويرى الغريب أن الحراك الجنوبي يعدُّ تجسيدا حقيقيا لإرادة أبناء الجنوب في استعادة هويتهم، فهو قد شكل أول مسمار في نعش تيار اليمننة، ويضيف: "صار تيار اليمننة بعد انطلاقة الحراك الجنوبي السلمي في أضعف أحواله، وتراجعت برامجه السياسية الحزبية في الجنوب، لتستقر إما في سياسات نظام الاحتلال أو في سياسات أحزاب اللقاء المشترك اليمنية - وليس الجنوبية - فلم تكن هنالك مجابهة هامة بين الجنوبيين لشعارات الهوية الجنوبية، لا على الصعيد العملي، ولا حتى على الصعيد النظري أو السياسي. بل إن العديد من الحزبيين الجنوبيين المشهود لهم بوطنيتهم قد استجابوا للأمر الواقع، وانغمسوا فيه، واجتهدوا في تطويره ودفعه إلى الأمام. ويدل ذلك على ضبابية الوعي لدى أغلب المناضلين الجنوبيين، سواء كانوا حزبيين أو غير حزبيين، الذين لم تكن نضالاتهم السابقة متعارضة، بل كانت متقاطعة أحياناً ومترابطة أحياناً أخرى، مع النضالات القومية، إضافة إلى أنهم لم يمارسوا حكم أنفسهم بأنفسهم؛ ولذلك عندما احتل الجنوب عام 1994م من قبل اليمن، وعندما اشتدت وتيرة الحراك الثوري التحرري، كان - من جهة - يساورهم الشعور بأنهم يتنازلون عن حكم الحزب الاشتراكي للجنوب، و - من جهة أخرى - يساورهم شعور آخر بأن هويتهم وكيانهم فعلاً منفصل عن اليمن، وبالرغبة في الاستقلال، هوية لها عمقها التراثي، وامتيازاتها التاريخية، المادية منها والروحية".
واختتم المحامي علي هيثم الغريب مقالته البحثية بالتمييز بين ثلاثة عوامل ساعدت على صمود مقاومة أبناء الجنوب التيار اليمننة ومحاولات دفن الهوين الجنوبية، حيث كتب: "رغم محاولات دفن الهوية الجنوبية خلال نصف قرن من الزمن، وهذا الركام فوقها، فإن وعي الجنوبيين بهويتهم الجنوبية لم يمت. وقد ساعد على بقاء هذا الوعي حيًّا ثلاثة مكونات:
المكون الأول: التمييز وسوء المعاملة التي لقيها الجنوبيون النازحون إلى اليمن بحكم الصراعات الأيديولوجية في الجنوب، حيث كان الجنوبيون هم أكثر عرضة للتمييز. فقد كانوا، من الناحية القانونية، جنوبيين لهم كل حقوق الأجنبي، لا يحق لهم التوظيف في كل المجالات، وبخاصة في الجيش والأمن. لكن التمييز ضد الجنوبيين في صنعاء لم يدفعهم باتجاه البحث عن مدلولات سياسية يمنية، بل ظلوا متمسكين بتكويناتهم السياسية الجنوبية، وإحساسهم بجنوبيتهم، بل لم يطلبهم أحد من الحركات السياسية المعارضة للنظام في صنعاء، بل حددت لهم أماكن خاصة للعيش.
المكوّن الثاني: بقاء وتنامي وعي الجنوبيين بأهمية التمسك بهويتهم عبر انتشار الوعي العام بين الجنوبيين. فالجنوبيون الذين فقدوا أملاكهم في الجنوب جراء السياسات الخاطئة، وفقدوا وظائفهم جراء الصراعات السياسية، لم يبق أمامهم إلا الغربة لكسب العيش. وهناك، ومن خلال العمل وانفتاح آفاقهم، والتقاء الجنوبيين من كافة مناطق الجنوب، بل ومن كثير من البلدان الأجنبية معاً في مؤسسة اقتصادية واحدة، وفي تعاون واحد، تعزز وعيهم بجنوبيتهم، رغم اختلاف البيئات التي يعيشون فيها.
المكوّن الثالث: مواجهة الاحتلال اليمني بعد حرب 1994م، حيث إن احتلال اليمن للجنوب أنعش وعي الجنوبيين جميعاً بهويتهم الواحدة. وحتى الذين شاركوا بتسليم الجنوب عام 1990م أو الذين اشتركوا بحرب 1994م والذين قاسوا من حرب الإخوة في الجنوب طوال أعوام ما قبل إعلان مشروع الوحدة، اقتضت الضرورة مراجعة شاملة للماضي، حيث وجد الجنوبيون أنفسهم أمام عدوهم التاريخي وجهاً لوجه، يتعرضون للقتل والتدمير والانتقام الجماعي. وجاء التسامح والتصالح في 13 يناير 2006م في عدن تتويجاً لهذه المراجعة التاريخية، وأن الاحتلال اليمني يفرض عليهم المواجهة الجماعية. ونستطيع القول إن السنوات الأولى للحراك الجنوبي السلمي شهدت الإرهاصات الجدية الأولى لاستعادة الهوية الجنوبية، حيث بقيت فروع الأحزاب اليمنية في الجنوب متمسكة بالهوية اليمنية، وبعدد من الظواهر السياسية والمطالب الخاصة بها. وظلت اليمننة عائقًا أمام وحدة مكونات الحراك الثوري الجنوبي، التي عبرت عن نفسها عبر مؤسسات الاحتلال المختلفة والأحزاب اليمنية، ومع تصاعد الحراك الثوري استمر بعض تلك الفروع الحزبية في الجنوب، وعجز بعضها الآخر عن الاستمرار، وأصبح جزءاً من التاريخ.
وإذا كانت الهوية الوطنية لمعظم الشعوب تبلورت على شكل دول؛ مثل ما هي عليه الحال في الدول العربية الحديثة، فإن الهوية الجنوبية تبلورت على شكل تاريخ كهوية عربية، ومقاومة مناضلة للغزاة الأجانب لإثبات الوجود في مواجهة إرادة الاجتثاث والنفي، مما يجعل منها هوية عربية أصيلة ونضالية في جوهرها. ولذلك كان التعبير الأقوى عن الهوية الوطنية الجنوبية منذ الغزوات البرتغالية والقاسمية، وضد الاستعمار البريطاني. وكانت أقوى تعبير عن الهوية؛ إلا أن الأفكار القومية والأممية قاومتها بشكل مطلق، وشككت بتعبيرها عن الهوية الجنوبية. أما بقية القوى السياسية الجنوبية التي كانت قائمة في ستينيات القرن الماضي، وإن أجمعت على ضرورة التمسك بالهوية الجنوبية؛ وتعارضت في الرؤية فيما بينها حول العديد من المسائل، ومنها شكل النظام السياسي واسم الدولة، فإنها لم تختلف على الهوية والكيان الجنوبي مهما اختلفت تسمياته.
إن الشخصية الجنوبية أصبحت ضرورة دبلوماسية لمساعدة المجهود النضالي الدبلوماسي في المجالات الدولية، وأي خروج على مفهوم الهوية يعني بعثرة للجهد وتعطيلاً للوحدة الوطنية الجنوبية".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المكاشفة والاستجابة ، حينما تصنعان.. لحظة تحول فارقة( نماذج تاريخية)
المكاشفة والاستجابة ، حينما تصنعان.. لحظة تحول فارقة( نماذج تاريخية)

اليمن الآن

timeمنذ يوم واحد

  • اليمن الآن

المكاشفة والاستجابة ، حينما تصنعان.. لحظة تحول فارقة( نماذج تاريخية)

* د/ ياسين سعيد نعمان: مكاشفة الشعوب ، التي لم تتعود على المكاشفة من قبل قياداتها ، تُعد عملية صعبة البداية ، وغالباً ما تصاحبها صدمات ، وأسئلة ، وردود أفعال متفاوته طابعها العام الاستنكار والتردد في استيعاب الحقيقة ، أو فهمها بمنطق عدم الثقة الذي تكرسه عهود من المراوغات التي تحلق حول الحقيقة ولا تكشفها للناس ، وهو ما يمكن تعريفه بالاستجابة . المكاشفة ، صعبة بسبب بطء الاستجابة من قبل الشعوب ، لكنها ما إن تبدأ فإنها لا تلبث أن تفتح جسورًا بين عقل الحاكم الذي كان مغلقًا على نخبة الحكم فقط ، وبين عقل عموم الشعب الذي فقد الثقة في ما يقوله الحاكم وراح يبحث عن الحقيقة في الاشاعة . تجارب الأمم كثيرة في هذه المسألة ، حيث كانت لحظات المكاشفة بمثابة لحظات تحول تاريخية في حياتها . -عندما تولى تشرشل رئاسة الوزراء عام ١٩٤٠ ، كانت بريطانيا في وضع كارثي ، فألقى خطابًا تاريخيًا قال فيه ' لا أعدكم بشيء سوى الدم والتعب والدموع والعرق ' . ورغم قساوة الخطاب فقد التفت حوله الأمة البريطانية ، واعتبر صدقه وشجاعته عاملًا أساسيًا في رفع الروح المعنوية للشعب . -في سنغافورة في الستينات من القرن الماضي، كان البلد فقيرًا ، وينقسم عرقيًا ، ولا يملك موارد . وفي خطاب شهير لرئيسه آنذاك 'لي كوان يو' قال ' هذه لحظة مؤلمة ، لايوجد لدينا مخزون من الطعام إلا لأيام قليلة ، لكن علينا أن نبني مستقبلنا بأيدينا' . بعدها كسب ثقة الشعب ، وقاد سنغافورة نحو واحدة من أسرع التحولات الاقتصادية . -فرانكلين روزفلت ، الرئيس الامريكي في الكساد الكبير عام ١٩٣٣ ، وكانت البلاد تغرق في الكساد العظيم ، قال في خطاب التنصيب ' الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف '. أثارت العبارة عاصفة من إدراك الأمة أنه لا خيار سوى إقتحام الصعب . -نيلسون مانديلا رفض تغذية مشاعر الانتقام التي كانت تغلي عند المضطهَدين السود ، قاوم النزعة العارمة بالانتقام ، صارح الشعب بأن بناء الوطن يتطلب التسامح وليس الثأر والكراهية . -امبراطور اليابان بعد الحرب العالمية الثانية ، كانت اليابان مهزومة ومدمرة بالكامل ، خرج الامبراطور يخاطب شعبه لأول مرة بصوته الحقيقي ( وكانوا يظنونه كائنًا مقدسًا لا يتكلم) .. أعلن الاستسلام ، وقال ' إن الحرب لم تَسِرْ كما كنا نتمنى ' ، احترم الناس جرأته ، وفتح الخطاب الباب لإعادة بناء اليابان . -في ألمانيا ، صارح ويلي برانت مستشار المانيا شعبه في أكثر من مناسبة بأن بلاده لن تستطيع تجاهل مسئوليتها عما فعله النظام النازي ، أعاد هذا الموقف الثقة في ألمانيا كدولة حديثة تتصالح مع ماضيها . -كوريا الجنوبية خاطب زعيمها كيم داي يونج الشعب أواخر التسعينات ' نحن في لحظة حرجة ، والحقيقة أن الدولة مفلسة'. لم يحبط الشعب ، لكنه حرك الديناميات النائمة والمعطلة فيه ، وحقق نهوضًا شاملًا . -جمال عبد الناصر بعد نكسة ١٩٦٧ خاطب الشعب بعد اعترافه بالهزيمة ، وتحمل المسئولية كاملة ، وأدرك أن الخطاب الثوري الذي كان يوجهه للشعب قد خانته ادارة السلطة يومذاك ، وقال بشجاعة' لقد قررت التنحي تمامًا ونهائيًا عن أي منصب رسمي'. كان الاعتراف رغم قسوته دليلًا على تحمل المسئولية ، وولد تعاطفًا شعبيًا واسعًا كان له أثر كببر في استيعاب الهزيمة ، واستعادة عجلة البناء. -ابو بكر الصديق رضي الله ، وفي أهم لحظة افتراق بين السماء وإدارة شئون الأرض حينما بلغ الناس وفاة النبي (صلعم) ، وما أصابهم من هلع وحيرة وتردد ، خطب في الناس قائلًا ' من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت '. كان لهذه العبارة وقع عظيم عند الناس أعادتهم إلى رشدهم وتوازنهم في أهم لحظات الانكسار . وهناك أمثلة كثيرة غيرها من التاريخ السياسي للمكاشفة ، وكيف أنها تحولت إلى قوة لاستعادة المبادرة وتحقيق الانتصارات . ووفقًا لما تقوله الوقائع فإن الشعوب التي لم تتعود المكاشفة من قادتها تحتاج إلى وقت طويل لتستجيب لها حين تأتي ، وتنخرط ، من ثم ، في عملية إعادة بناء العلاقة بين الخطاب السياسي وحراك الواقع . على اليمنيين أن يشجعوا خطاب المكاشفة مهما كان قاسيًا ، ويسبروا غور مضامينه لمعرفة ما يحيط بمعركتهم من مخاطر وما تتطلبه من مواقف ، لا من تضحيات فقط . ذلك هو الطريق الذي سلكته الشعوب والأمم لخلق لحظة التحول التاريخية . * سفير بلادنا لدى المملكة المتحدة

المكاشفة والاستجابة ، حينما تصنعان لحظة تحول فارقة( نماذج تاريخية)
المكاشفة والاستجابة ، حينما تصنعان لحظة تحول فارقة( نماذج تاريخية)

اليمن الآن

timeمنذ 2 أيام

  • اليمن الآن

المكاشفة والاستجابة ، حينما تصنعان لحظة تحول فارقة( نماذج تاريخية)

الدكتور ياسين سعيد نعمان مكاشفة الشعوب ، التي لم تتعود على المكاشفة من قبل قياداتها ، تُعد عملية صعبة البداية ، وغالباً ما تصاحبها صدمات ، وأسئلة ، وردود أفعال متفاوته طابعها العام الاستنكار والتردد في استيعاب الحقيقة ، أو فهمها بمنطق عدم الثقة الذي تكرسه عهود من المراوغات التي تحلق حول الحقيقة ولا تكشفها للناس ، وهو ما يمكن تعريفه بالاستجابة . المكاشفة ، صعبة بسبب بطء الاستجابة من قبل الشعوب ، لكنها ما إن تبدأ فإنها لا تلبث أن تفتح جسورًا بين عقل الحاكم الذي كان مغلقًا على نخبة الحكم فقط ، وبين عقل عموم الشعب الذي فقد الثقة في ما يقوله الحاكم وراح يبحث عن الحقيقة في الاشاعة . تجارب الأمم كثيرة في هذه المسألة ، حيث كانت لحظات المكاشفة بمثابة لحظات تحول تاريخية في حياتها . -عندما تولى تشرشل رئاسة الوزراء عام ١٩٤٠ ، كانت بريطانيا في وضع كارثي ، فألقى خطابًا تاريخيًا قال فيه ' لا أعدكم بشيء سوى الدم والتعب والدموع والعرق ' . ورغم قساوة الخطاب فقد التفت حوله الأمة البريطانية ، واعتبر صدقه وشجاعته عاملًا أساسيًا في رفع الروح المعنوية للشعب . -في سنغافورة في الستينات من القرن الماضي، كان البلد فقيرًا ، وينقسم عرقيًا ، ولا يملك موارد . وفي خطاب شهير لرئيسه آنذاك 'لي كوان يو' قال ' هذه لحظة مؤلمة ، لايوجد لدينا مخزون من الطعام إلا لأيام قليلة ، لكن علينا أن نبني مستقبلنا بأيدينا' . بعدها كسب ثقة الشعب ، وقاد سنغافورة نحو واحدة من أسرع التحولات الاقتصادية . -فرانكلين روزفلت ، الرئيس الامريكي في الكساد الكبير عام ١٩٣٣ ، وكانت البلاد تغرق في الكساد العظيم ، قال في خطاب التنصيب ' الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف '. أثارت العبارة عاصفة من إدراك الأمة أنه لا خيار سوى إقتحام الصعب . -نيلسون مانديلا رفض تغذية مشاعر الانتقام التي كانت تغلي عند المضطهَدين السود ، قاوم النزعة العارمة بالانتقام ، صارح الشعب بأن بناء الوطن يتطلب التسامح وليس الثأر والكراهية . -امبراطور اليابان بعد الحرب العالمية الثانية ، كانت اليابان مهزومة ومدمرة بالكامل ، خرج الامبراطور يخاطب شعبه لأول مرة بصوته الحقيقي ( وكانوا يظنونه كائنًا مقدسًا لا يتكلم) .. أعلن الاستسلام ، وقال ' إن الحرب لم تَسِرْ كما كنا نتمنى ' ، احترم الناس جرأته ، وفتح الخطاب الباب لإعادة بناء اليابان . -في ألمانيا ، صارح ويلي برانت مستشار المانيا شعبه في أكثر من مناسبة بأن بلاده لن تستطيع تجاهل مسئوليتها عما فعله النظام النازي ، أعاد هذا الموقف الثقة في ألمانيا كدولة حديثة تتصالح مع ماضيها . -كوريا الجنوبية خاطب زعيمها كيم داي يونج الشعب أواخر التسعينات ' نحن في لحظة حرجة ، والحقيقة أن الدولة مفلسة'. لم يحبط الشعب ، لكنه حرك الديناميات النائمة والمعطلة فيه ، وحقق نهوضًا شاملًا . -جمال عبد الناصر بعد نكسة ١٩٦٧ خاطب الشعب بعد اعترافه بالهزيمة ، وتحمل المسئولية كاملة ، وأدرك أن الخطاب الثوري الذي كان يوجهه للشعب قد خانته ادارة السلطة يومذاك ، وقال بشجاعة' لقد قررت التنحي تمامًا ونهائيًا عن أي منصب رسمي'. كان الاعتراف رغم قسوته دليلًا على تحمل المسئولية ، وولد تعاطفًا شعبيًا واسعًا كان له أثر كببر في استيعاب الهزيمة ، واستعادة عجلة البناء. -ابو بكر الصديق رضي الله ، وفي أهم لحظة افتراق بين السماء وإدارة شئون الأرض حينما بلغ الناس وفاة النبي (صلعم) ، وما أصابهم من هلع وحيرة وتردد ، خطب في الناس قائلًا ' من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت '. كان لهذه العبارة وقع عظيم عند الناس أعادتهم إلى رشدهم وتوازنهم في أهم لحظات الانكسار . وهناك أمثلة كثيرة غيرها من التاريخ السياسي للمكاشفة ، وكيف أنها تحولت إلى قوة لاستعادة المبادرة وتحقيق الانتصارات . ووفقًا لما تقوله الوقائع فإن الشعوب التي لم تتعود المكاشفة من قادتها تحتاج إلى وقت طويل لتستجيب لها حين تأتي ، وتنخرط ، من ثم ، في عملية إعادة بناء العلاقة بين الخطاب السياسي وحراك الواقع . على اليمنيين أن يشجعوا خطاب المكاشفة مهما كان قاسيًا ، ويسبروا غور مضامينه لمعرفة ما يحيط بمعركتهم من مخاطر وما تتطلبه من مواقف ، لا من تضحيات فقط . ذلك هو الطريق الذي سلكته الشعوب والأمم لخلق لحظة التحول التاريخية . تعليقات الفيس بوك

عدن: قوات الأمن تمنع تظاهرة نسائية ووقف حركة المرور في المعلا
عدن: قوات الأمن تمنع تظاهرة نسائية ووقف حركة المرور في المعلا

اليمن الآن

timeمنذ 2 أيام

  • اليمن الآن

عدن: قوات الأمن تمنع تظاهرة نسائية ووقف حركة المرور في المعلا

يمن إيكو|أخبار: شهدت مديرية المعلا بمحافظة عدن، ظهر اليوم السبت، استنفاراً أمنياً مكثفاً في شارع الشهيد مدرم، على خلفية دعوات لتنظيم تظاهرة نسائية احتجاجية ضد التدهور المتسارع في الخدمات الأساسية وتفاقم الأوضاع المعيشية في المحافظة التي تسيطر عليها قوات المجلس الانتقالي، المدعوم من الإمارات. وحسب ما نقلته صحيفة 'عدن الغد' عن مصادر محلية وشهود عيان، ورصده موقع 'يمن إيكو'، فإن عشرات الجنود وبمشاركة قوة أمنية نسائية، بينهم جنود يحملون العصي، انتشروا، منذ ساعات الظهيرة، على امتداد الطريق الرئيسي في المعلا، وقامت بإغلاقه ومنع حركة المرور، بالتزامن مع محاولة عدد من النساء التجمع عصر اليوم في الموقع المحدد للوقفة، حيث تم تفريق المحتجات بالقوة ومنع استمرار التجمّع. وذكرت الصحيفة أنه: رغم الإجراءات الأمنية المشددة والانتشار الأمني المكثف الذي شهدته شوارع عدن، تمكنت مجموعة من النساء من تنظيم وقفة مفاجئة رفعت خلالها شعارات تندد بانهيار الخدمات الأساسية، وعلى رأسها أزمة الكهرباء والمياه وارتفاع الأسعار، في وقت يعيش فيه السكان أوضاعاً إنسانية صعبة. وفيما رددن شعارات تطالب بوضع حد لمعاناة المواطنين، اتهمت المحتجات السلطات المحلية بـ'التقاعس عن أداء واجباتها' في تحسين أوضاع السكان وإنقاذ المحافظة من الأزمات المتفاقمة. وتُعد هذه التظاهرة من بين التحركات المدنية التي دعت إليها ناشطات للمطالبة بتحسين الأوضاع في المحافظة، فيما يرى مراقبون أن منعها بهذا الشكل يعكس تصاعد التوتر بين الشارع والسلطات المحلية في ظل تفاقم الأزمات الخدمية والمعيشية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store