
من «الطائف» إلى قرار حصر السلاح... ثلاثة عقود من التعطيل والفرص الضائعة
بين مشاهد الجنوب بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي عام 2000، وصور الاشتباكات في شوارع بيروت في 7 مايو (أيار) 2008، وصولاً إلى يومنا هذا، ظلّ السلاح عنواناً جامعاً لكل تحوّلات لبنان الأمنية والسياسية، من مصطلاحات «المقاومة» إلى «الردع» إلى «الانقسام» العامودي الحاد.
في هذا السياق، يقول النائب مروان حمادة: «إن اتفاق الطائف وُقّع في وقت كانت فيه الميليشيات ناشطة على كل الجبهات وبين مختلف الطوائف»، لافتاً إلى أن مهام حكومة ما بعد الحرب الأهلية في تلك الحقبة كانت حلّ هذه المجموعات وجمع أسلحتها. وفيما يكشف عن تشكيل «لجنة وزارية برئاسة وزير الدفاع آنذاك ميشال المر وعضوية عبد الله الأمين وميشال سماحة وأنا شخصياً».
ويضيف حمادة لـ«الشرق الأوسط»: «سلّمت (حركة أمل) و(الحزب التقدمي الاشتراكي) سلاحهما للجيش اللبناني، أما القوات اللبنانية فرفضت التسليم داخلياً بسبب علاقتها المتوترة مع الجيش آنذاك، فجرى بيع أسلحتها الثقيلة إلى كرواتيا خلال حرب البلقان، بقرار من مجلس الوزراء وتحت إشراف رسمي».
ويتابع: «لكن الاستثناء الأبرز كان سلاح (حزب الله)، الذي أبقته الوصاية السورية بذريعة استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجنوب».
ويشرح: «في تلك الفترة كانت هناك مقاومة وطنية من أحزاب يسارية وفصائل فلسطينية، وأخرى إسلامية تأسست عام 1982 بدعم سوري - إيراني، وهي التي أصبحت (حزب الله). القرار السوري - الإيراني قضى بتصفية المقاومة الوطنية والفصائل الأخرى، حتى لم يبقَ سوى الحزب».
النائب مروان حمادة (الشرق الأوسط)
ويستعرض حمادة محطات بارزة تركت أثرها على مسار السلاح: عدوان 1993، وعدوان 1996 الذي أوقع أكثر من مائة قتيل، وانتهى بتفاهم نيسان (أبريل) برعاية فرنسية أميركية سورية لبنانية، لتحييد المدنيين عن العمليات العسكرية.
ويضيف: «استمر التفاهم حتى عام 2000، حين قررت إسرائيل الانسحاب من دون اتفاق، ما فتح باب المطالبة بانسحاب القوات السورية وحلّ الميليشيات، لكن دمشق رفضت ذلك متمسكة بذريعة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقرى السبع، وجرى الانتقال إلى شعارات أوسع مثل تحرير القدس، لتبرير استمرار السلاح وتطويره».
يشير حمادة إلى أنّ المعارضة المسيحية والدرزية، ولاحقاً جزء من الطائفة السنية بقيادة رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، رفعت سقف المطالبة بإنهاء الوصاية السورية ونزع سلاح «حزب الله». ويقول: «دفعنا الثمن باغتيالات متسلسلة بدأت بمحاولة اغتيالي في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعد صدور القرار 1559 الذي طالب بانسحاب القوات الأجنبية وحلّ الميليشيات».
ويرى أن هذه المرحلة دشنت أسلوب التعطيل السياسي، من انسحاب الوزراء الشيعة إلى رفض إنشاء المحكمة الدولية، وصولاً إلى موجة اغتيالات طالت شخصيات أمنية وسياسية، منها وسام عيد ووسام الحسن.
ويصف حمادة أزمة شبكة الاتصالات التابعة لـ«حزب الله» بأنها كانت الشرارة التي فجرت أحداث 7 مايو عام 2008: «رفعت كتاباً لمجلس الوزراء حول وجود شبكة اتصالات غير شرعية تغطي كامل الأراضي اللبنانية، فاندلعت مواجهات في بيروت والجبل. انتهت الأزمة باتفاق الدوحة الذي أرسى تنازلات ضربت روحية الطائف وأنتج رئيساً للجمهورية كان قائداً للجيش هو ميشال سليمان، لكنه عاد وتبنى خطة لحلّ الميليشيات».
بري ونصر الله في دردشة أثناء الحوار الوطني قبل حرب 2006 (كتاب البرزخ للنائب علي حسن خليل)
ويضيف حمادة: «قبلها بأشهر، طمأننا أمين عام (حزب الله) السابق حسن نصر الله أن الصيف سيكون هادئاً»، لكن «الحزب» نفذ عملية عبر الحدود أدت إلى حرب مدمرة استهدفت البنى التحتية من المطار إلى الجسور. الدمار هذا رممته دول الخليج؛ إذ يشير حمادة إلى أن «المملكة العربية السعودية وقطر أعادا إعمار الجنوب والضاحية، لكن السلاح بقي وارتبط أكثر بالمحور الإيراني».
النائب والوزير السابق بطرس حرب، أحد المشاركين في صياغة اتفاق الطائف، يقطع الشك باليقين بالقول: «الاتفاق نصّ بوضوح على حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة، من دون أي استثناءات. وكل ما يُقال عن أن الطائف أجاز استمرار سلاح المقاومة أو استثناه هو تزوير للتاريخ».
ويعتبر أن ما جرى لاحقاً كان نتيجة مباشرة لوصاية دمشق، التي «عطّلت التنفيذ وحمت وجود ميليشيات مسلّحة، وعلى رأسها (حزب الله)، بذريعة مقاومة الاحتلال، بينما كانت تحكم قبضتها على القرار السياسي والأمني اللبناني».
النائب السابق بطرس حرب (الشرق الأوسط)
وقال حرب في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «اتفاق الطائف جاء ليعيد السلاح إلى الدولة اللبنانية وحدها، ويقضي بحلّ جميع الميليشيات بلا استثناء، بما فيها السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها. ما حصل لاحقاً أن سوريا وضعت يدها على لبنان، وفرضت واقعاً سياسياً وأمنياً لم ينصّ عليه الطائف إطلاقاً، بل عطّلت تنفيذه، وحمت وجود ميليشيات مسلّحة، على رأسها (حزب الله)».
وأضاف: «حتى في المراحل التي تذرّع فيها البعض بالاحتلال الإسرائيلي للجنوب، لم يرد في نص الطائف أي بند يستثني سلاح فصيل أو جهة تحت هذه الحجة. النص واضح: على الدولة اتخاذ كل الإجراءات لتحرير الأرض، وهذا يعني أن الجيش اللبناني هو من يتولى هذه المهمة، لا أي طرف آخر».
يرى حمادة أن السلاح الفلسطيني تحوّل بدوره إلى جزء من شبكة النفوذ الإقليمي: «بعد أن كان بمعظمه تحت قيادة منظمة التحرير، دخل النفوذ السوري ثم الإيراني، وانضم إليه السلاح المتشدد كما في (فتح الإسلام) وبعض الفصائل التكفيرية في مخيم عين الحلوة، فتحول إلى مزيج من السلاح الفلسطيني والسوري والإيراني والتكفيري».
جنود لبنانيون في مواجهة متظاهرين مؤيدين لـ«حزب الله» في بيروت يوم 7 أغسطس خرجوا رفضاً لقرار نزع سلاح الحزب (أ.ف.ب)
وحول القرار الحكومي الأخير بحصر السلاح بيد الدولة، قال حرب: «نحن أمام خطوة جديدة على طريق استعادة القرار الوطني للمؤسسات الدستورية. لكن المسألة الآن أمام خيارين: إما أن يقرّر (حزب الله) الاندماج في الدولة اللبنانية ويتحول إلى حزب سياسي كسائر الأحزاب، وإما أن يبقى خاضعاً للتوجيهات الخارجية، ما قد يجر الويلات على لبنان ويدمر فرص تعافيه الاقتصادي والسياسي».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 40 دقائق
- عكاظ
بعد تغريدات مثيرة للجدل.. «غروك» يخسر عقود الحكومة الأمريكية
قررت الحكومة الأمريكية إلغاء خطتها السابقة لتوظيف روبوت الذكاء الاصطناعي «غروك» في تقديم خدماتها، وذلك بعد موجة تغريدات وصفت بأنها «معادية للسامية» نشرها الروبوت. وكانت شركة «إكس إيه آي» (xAI) تنوي تزويد موظفي الحكومة الأميركية ووكالاتها الفيدرالية بخدمات «غروك»، إلا أن التغريدات المثيرة للجدل حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، التي تضمنت صورًا نمطية عن النفوذ اليهودي ووصف إسرائيل بأنها «كيان استعماري عنصري»، دفعت الإدارة الأمريكية إلى التراجع. وعلى الرغم من أن موقع الشركة الخاص بالخدمات الحكومية لا يزال يحتوي على معلومات عن توفر «غروك» للموظفين، فإن قرار الحكومة يشير إلى احتدام المنافسة بين شركات الذكاء الاصطناعي، بما فيها «أوبن إيه آي» و«آنثروبيك»، التي تقدمان عروضاً مماثلة مقابل دولار واحد شهريًا للموظف. وكان «غروك» الأقرب للحصول على العقد قبل التغير الأخير، لكن الاعتراضات الداخلية والمحتوى المنشور أدى إلى فقدانه هذه الفرصة، بينما يركز إيلون ماسك وشركته الحالية على منافسة «شات جي بي تي» في الأسواق الرقمية. أخبار ذات صلة


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
خطاب أمين عام حزب الله
الجمعة الماضي قدم نعيم قاسم خطاباً نارياً توعد فيه بحرب أهلية في لبنان، إذا قامت الدولة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله، وهو القرار الذي اتخذ منذ أسبوعين في مجلس الوزراء اللبناني الرسمي ورسمت له مواعيد. الخطاب لم يقف هناك، ولكن أيضاً هدد بأن الوزارة اللبنانية الحالية هي (عميلة) كما قال، وهذا اتهام آخر لا يقل على التهديد الأول. أفضل ما يستطيع حزب الله أن يقدمه لإسرائيل من هدية في هذه المرحلة هو بدء حرب أهلية في لبنان، لأنها مناسبة سعيدة لإسرائيل، حيث ينصرف العالم لتغطية أحداث لبنان، وهي مهمة بسبب موقع لبنان الجغرافي والحضاري، وينسى هذا العالم ما يحدث في غزة من أهوال، وهنا تبدأ وسائل الإعلام العربية والغربية الحديث عن صراع القوى في لبنان، وأيضاً التدخل الخارجي المحتمل، وتعطيل الدولة اللبنانية، وينسى الإبادة الجماعية في غزة، فقد تغدو الأحداث هناك شيئاً تفصيلياً! كما أنها فرصة أخرى لإسرائيل للتدخل المباشر في لبنان، لأن هذه الحرب تقع مباشرة بجانب الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وتحتج بحماية أمنها. هل تهديد حزب الله الناري على لسان أمينه العام هو مناورة، أم هو حقيقة يجب حساب تبعاتها في المستقبل القريب؟ ذلك سؤال لا يمكن الإجابة عنه الآن، ولكن من الواضح أن ذلك الخطاب يراد به شيء من الردع لخطوات الحكومة اللبنانية. في الوقت نفسه الحكومة اللبنانية لم تظهر بعد أدوات رادعة أكبر، بما يمكن أن تحقق ميزة نسبية على الحزب. الواقع أن حزب الله لم يعد كما كان منذ أشهر خلت، فلم يعد هناك غطاء سوري أو ممر سوري من الممول الرئيس للحزب، هذا الطريق انقطع تقريباً، كما أن القوى الضاربة للحزب قد تم تهميشها، فالحرب التي دخلها الحزب مع إسرائيل أنهكته. ما هو لافت في الخطاب السابق للأمين العام لحزب الله، أنه يتحدث عن خروج إسرائيل من لبنان، أي من المناطق الباقية التي تحتلها، وهي مناطق صغيرة، إلا أن الأمر المعروف أن هذا الاحتلال جاء بسبب تدخل الحزب نفسه فيما سماه أمينه العام السابق بحرب الإسناد! من جهة أخرى يأتي هذا الخطاب بعد زيارة علي لاريجاني السريعة إلى لبنان، والتقى فيها سياسيين رسميين، وأيضاً أمين عام الحزب، فهل هذا التصعيد يدل على عدم نجاح زيارة الموفد إلى لبنان؟ وربما كان من المتوقع أن يقنع الحكومة اللبنانية بتأجيل البرنامج الزمني لنزع سلاح حزب الله الذي أقرته حتى آخر هذا العام أي ديسمبر 2025. ربما لو نجحت الزيارة في تأجيل المواعيد المضروبة من الحكومة اللبنانية، لأصبح ذلك نصراً تكتيكياً لحزب الله والقوى التي تسانده من خارج لبنان، لأن هذا التأجيل ممكن أيضاً أن يتبعه تأجيل آخر ثم تأجيل ثالث حتى تبقى الأمور كما هي، أي وجود سلاح خارج الدولة اللبنانية، وهي المعضلة التي واجهت لبنان في العقود الثلاثة الماضية على أقل تقدير وأقعدت الدولة اللبنانية عن القيام بمهماتها الطبيعية كدولة مستقلة ذات سيادة. من جانب آخر من الواضح أيضاً أن هناك قوى لبنانية بدأت تميل إلى غسل يدها من حزب الله، وإن كانت تؤيده في السابق، التأييد كان تكتيكياً لأسباب سياسية مرحلية، وأيضاً بوجود قوى مثل النظام السوري السابق الذي كان له مصلحة في بقاء السلاح في يد حزب الله، والهيمنة بشكل غير مباشر على لبنان. المتغيرات الدولية والإقليمية واضحة المعالم، وهي لا تصب في ميزان مصالح حزب الله التقليدية، فهل هذا الخطاب الناري من الأمين العام مغامرة غير محسوبة لتخريب لبنان؟ الكلمات التي استخدمها الأمين العام كانت واضحة (إما أن يبقى الحزب مسلحاً أو لا يبقى لبنان)!، أم هو من قبيل (بكاء البجعة)! التي تشدو به قبل أن تنفق؟


أرقام
منذ 2 ساعات
- أرقام
ترامب: أنا من أنهى 6 حروب ودمر المنشآت النووية الإيرانية
قال الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الإثنين، إنه تمكن من إنهاء 6 حروب خلال أشهر فقط من ولايته الثانية التي بدأت في يناير. وكتب "ترامب" في منشور عبر "تروث سوشيال": "تذكروا، أنا من فاوض وحرر مئات الرهائن الذين عادوا إلى إسرائيل وأمريكا". وأضاف: "أنا من أنهى 6 حروب في 6 أشهر فقط، وأنا من دمّر المنشآت النووية الإيرانية.. اِلعب للفوز أو لا تلعب من الأساس". ولم يوضح "ترامب" على الفور ما هي الحروب الست التي أنهاها، لكنه قبل أيام أعلن من البيت الأبيض توصل أرمينيا وأذربيجان إلى اتفاق سلام ينهي الصراع التاريخي بينهما. كما استضاف الأسبوع الماضي، الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" على أمل تسوية الصراع في أوكرانيا، لكن اللقاء لم يسفر عن اتفاق حقيقي، ويبدو أنه ستكون هناك جولات جديدة من التفاوض قبل الاستقرار على اتفاق بين جميع الأطراف. وتدخلت أمريكا في حرب الإثنى عشر يومًا بين إيران وإسرائيل في يونيو، حيث وجهت ضربات مباشرة للمنشآت النووية الإيرانية، قبل أن يعلن "ترامب" لاحقًا توصل الطرفان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وتوسط "ترامب" أيضًا في إنهاء الصراع التاريخي بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، كما أعلن في وقت سابق بدء محادثات بين تايلاند وكمبوديا بعد اشتباكات حدودية دامية، وأيضًا قال إنه أنهى الاشتباكات بين التي اندلعت بين الهند وباكستان لكن نيودلهي نفت ذلك.