
كيف ضاع ترامب في المتاهة اليمنية؟
حتى الآن لا تزال الأهداف الإستراتيجية لحرب ترامب في اليمن غامضة. في المحادثة الشهيرة على تطبيق سيغنال كتب وزير الدفاع الأميركي قائلًا إن الأمر لا يتعلق بالحوثيين، بل باستعادة قدرة الردع، ومن أجل فتح الممرات المائية. حتى نائب الرئيس جيه دي فانس لم يصدّق حكاية الممرات المائية تلك، وكتب محذرًا – في المكان نفسه – من إنقاذ الأوروبيين مرّة أخرى.
ماذا يريد ترامب من حربه في اليمن؟ حاول كيث جونسون في مقالة له على فورن بوليسي في الثاني والعشرين من أبريل/ نيسان تقديم إجابة متعددة الطبقات عن هذا السؤال الغامض.
يعتقد ترامب أن بمقدوره النجاح في المسائل التي أخفق فيها بايدن، من ذلك حماية التجارة الدولية، وتفكيك المحور الإيراني المعقد. ولكن هل ثمّة من داعٍ، حقًّا، لفتح الممرات البحرية؟ في تقدير جونسون فإن ما فعله ترامب بالتجارة الدولية، والطرق البحرية، أخطر مما فعله الحوثيون. وإنه في لحظة تصدع التجارة الدولية وهبوط أسعار الناقلات فإن فتح الممرات البحرية لا يشكل أولوية للعالم.
ثمّة أمر خطر في اللعبة كلّها، فإذا كانت إدارة ترامب تريد أن تستعرض قدرتها العسكرية كي ترسل إلى الصين رسالة مفادها لا تفكّروا باحتلال تايوان، فإن أداءها الباهت في اليمن سيؤدي إلى نتائج عكسية، كما يعتقد جونسون.
استعادة الردع، كما كتبها وزير الدفاع في تعليقاته على سيغنال، تبدو الجزء المفهوم في الإستراتيجية الأميركية في اليمن. تواجه هذه الإستراتيجية تعقيدات بالغة الصعوبة بالنظر إلى افتقارها لإستراتيجية خروج في المدى المنظور.
فلا معنى لأي ردع تنجزه قوة هائلة كالولايات المتحدة الأميركية في أرض مهملة من أراضي العالم، كاليمن، ما لم تنتهِ المعركة بزوال المنظومة الحوثية واختفائها، أو على الأقل تفككها على طريقة حزب الله.
هذا الهدف يبدو غاية في الصعوبة ما لم يأخذ شكل حرب هجينة، داخلية وخارجية، وما لم تتراجع القوات الأميركية خطوة إلى الوراء لتأخذ شكل غطاء جوي لحليف قوي يحرك طاقته البشرية على الأرض.
بعد عام كامل من الضربات الأميركية- البريطانية على الأهداف الحوثية صعّد ترامب من العمل العسكري ضد العدو نفسه، معتقدًا أن بمقدوره كسب المعارك التي أخفق فيها سلفه.
إلى جانب المعركة في اليمن يخوض ترامب، على المسرح الدولي، معارك تستعصي على الحصر، ويبدو تركيزه مشتّتًا، حتى إن وزارة دفاعه لا تقدم أي إيجازات لوسائل الإعلام عن حالة الحرب في اليمن. ترامب المحاصر بضوضاء قادمة من كل مكان، وبملفات داخلية وخارجية مربكة، ينتظر خبرًا سعيدًا من اليمن ينهي به مغامرته تلك.
في بلاد شديدة التعقيد مثل اليمن، وأمام جماعة واسعة الخبرة مع الحروب الهجينة كالحوثيين، فإن أخطر ما قد يقدم عليه ترامب هو أن يعهد بتلك الحرب لمجموعة من الضباط والبيروقراطيين ظانًّا أنها ستكون حربًا خاطفة، فبلاده تملك الكثير من "الصواريخ الرائعة" بحسب كلماته.
كان بايدن وفريقه يدركون خطورة التحدي الذي يمثله الحوثيون، فهم "سريعون في إنتاج وسائل قتالية رخيصة وفعّالة، إن لم تكن بنفس جودة ما تنتجه الولايات المتحدة فهي جيدة بما يكفي لتؤثر على سير المعركة" كما قال سوليفان- مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن- أمام مجموعة من المراسلين الصحفيين في يناير/ كانون الثاني الماضي.
يرى سوليفان أن بلاده وقعت في "معادلة سيئة للغاية"، إذ تستخدم صواريخ متقدمة لإسقاط مسيّرات رخيصة نسبيًا، وتطلق الكثير من المقذوفات الذكية التي ينتجها المتعاقدون الأميركيون ببطء شديد، لفرط تعقيدها.
قبل أن يصل ترامب إلى البيت الأبيض كانت الإدارة الأميركية قد بذلت جهدًا في سبيل احتواء القوة العسكرية الحوثية. خلال مؤتمر للبحرية الأميركية في أرلينغتون، فرجينيا، مطلع هذا العام قال الأدميرال بريندان مكلين أمام جمهور من ضباط البحرية الذين تجمعوا لمناقشة دروس صراع البحر الأحمر، إن سفن البحرية الأميركية أطلقت 120 صاروخًا من طراز SM-2، و80 صاروخًا من طراز SM-6، و20 صاروخًا من طراز SM-3.
تكلف صواريخ SM-2 حوالي مليونَي دولار للواحد، بينما تكلف صواريخ SM-6، القادرة على إسقاط صواريخ باليستية أثناء الطيران، حوالي 4 ملايين دولار لكل صاروخ. أما صاروخ SM-3، القادر على ضرب أهداف في الفضاء، فيتراوح سعره بين 9 ملايين و28 مليون دولار للواحد.
ثمة تخوف كبير من وضع وشيك ستعاني فيه البحرية الأميركية من عجز في الذخيرة الذكية. في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي أفصح صموئيل بابارو، قائد القيادة الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ، عن مخاوف حقيقية في رؤوس القادة، ولم تكُن العمليات العسكرية قد صُعّدت على النحو الكثيف الذي فعله ترامب.
إهدار السلاح الذكي في مطاردة الحوثيين قد يفرض "تكاليف على جاهزية أميركا للرد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي المنطقة الأكثر إجهادًا من حيث كمية وجودة الذخائر، لأن الصين هي الخصم المحتمل الأكثر قدرة في العالم" وفقًا لكلمات بابارو. ثمّة خصوم كبار، مثل الصين، تريد إدارة ترامب إقلاق سكينتهم من خلال استعراضها العسكري في اليمن.
سيكون من دواعي سرورهم ألا تصل تلك الرسالة أبدًا، وأن يتعثر الجيش الأميركي مرّة أخرى في بلاد جبلية. يبدو المشهد عامرًا بالسخرية والتناقض، فالجيش الذي ينزلق إلى وضع حرج في الإمداد في معركة "صغرى" ليس متوقعًا منه أن يقلق سكينة خصم يقف في أرضه، بين مصانعه وآلاته، ويصبو إلى استرجاع ما يعتقد أنها جزيرته الضالة.
إنتاج الذخيرة الذكية ليس بالأمر اليسير، كما أن إعادة ملء المخازن منها تتطلب وقتًا وجهدًا. وفقًا لمعهد بروكينغز فقد كان هناك 13 مقاولًا أميركيًا يصنعون صواريخ تكتيكية وقائمة واسعة من الأسلحة في العام 1990.
شجّعت الولايات المتحدة الأميركية على اندماج الشركات الصغرى مع الكبرى لتجد نفسها في العام 2020 أمام حقيقة إستراتيجية غير مريحة. فلم يعد هناك سوى ثلاثة متعاقدين يقومون بالمهمة، وهم: بوينغ، لوكهيد مارتن، وريثيون تكنولوجيز. المرونة التصنيعية التي امتلكتها أميركا قبل ثلث قرن من الزمن لم تعد قائمة الآن.
إلى أين ستمضي حرب ترامب في اليمن؟ يصعب تخيّل طريق للخروج أو صورة للنصر تشبع غرور القائد الأميركي الجديد الذي يعتقد أنه قادر على كسب المعارك التي تعثّر فيها سلفه.
اقترب بايدن من الحوثيين عسكريًّا بحذر شديد، فهم يمثلون تحديًا صعبًا على نحو خاص، و"سيكونون سعداء بحرب موسعة مع الولايات المتحدة" كما قال سوليفان للمراسلين الصحفيين، وكان يدرك ما يقوله. أما ترامب فقال علانية إنه ذاهب إلى القضاء التام على الحوثيين، وليس فقط فتح الطرق البحرية.
انهار حلفاء إيران في مناطق أخرى، غير أن الحليف الحوثي يبدو مختلفًا عن الآخرين، وسيكون من الخطأ الاعتقاد بأن زواله بات أمرًا مفروغًا منه.
تعتقد إيميلي ميليكيان، الباحثة في مركز رفيق الحريري، في مقالتها على موقع المجلس الأطلسي أن ما يجعل الحوثيين تحديًا صعبًا على نحو خاص هو مرونتهم العملياتية، قدرتهم على التكيف الإستراتيجي، ونفوذهم العميق داخل اليمن. فضلًا عن "تغير الأولويات الإقليمية والرغبة في تجنّب التصعيد مع إيران".
إلحاق الهزيمة الحاسمة بهم، تعتقد ميليكيان، يتطلب مقاربة مركّبة تأخذ عناصر كثيرة في الحسبان، لا مجرّد إلقاء القنابل من الجو. ما لم يتحرك الظهير على الأرض، وهو هنا القوات المسلحة اليمنية، فثمّة فرصة أمام الحوثي لتجاوز سؤال البقاء.
تدعم قوى إقليمية تشكيلات عسكرية عديدة يداني تعدادها، بحسب مصدر عسكري يمني رفيع، المليون مقاتل. تتمتع تلك التشكيلات الواسعة بعنصر قاتل، فهي متناقضة ومتقاتلة، ولا يربطها رابط.
غير أن بمقدور ترامب دفع حلفائه إلى توحيد تلك الأشتات لتخوض معركة تحت سقف واحد، وهو أمر لا يزال حتى الآن خارج نطاق تفكير إدارة ترامب. على الأقل إذا أخذنا على محمل الجِد تصريحات وزير دفاعه حول عدم اكتراث وزارته بالمعركة اليمنية الداخلية.
حتى الآن لا يزال ترامب يعتقد أنه يملك خيوط اللعبة العسكرية الجارية في اليمن، ومن غير المرجّح أن قادته يضعون الحقائق أمامه كما هي، فهو قائد لا يحمل الكثير من الودّ تجاه الحقيقة.
مطلع القرن الراهن اعتقد بوش الابن أن امتلاء مخازن الذخيرة كافٍ لإحراز نصر حاسم في بلاد معقدة يقال لها أفغانستان. صارت تلك الحرب إلى الأطول في تاريخ أميركا، وبدلًا من "القضاء التام" على طالبان، فقد عادت الأخيرة لتحكم البلاد بعد 19 عامًا من الحرب ضد أميركا. وها هي تحكم كل أفغانستان مرّة أخرى، ولكن بسلاح أميركي هذه المرّة.
سمع القادة اليمنيون من حلفائهم العرب، مؤخرًا، كلمات لا لبس فيها. فما من أحد مستعد لخوض صراع إلى جانب حليف قد يغادر أرض المعركة غدًا وبلا سابق إنذار.
المثال الأوكراني في هذا السياق أكثر من كافٍ. بات العالم يدرك أن الولايات المتحدة تملك "صانعَ قرارٍ جريئًا وعدوانيًا بلا رحمة، يرغب بشدة في تحقيق النتيجة الأقوى، الأعلى، الأكثر لمعانًا، والأروع، ولا يفكر مرتين في الأضرار الجانبية التي سيتركها وراءه"، بحسب تحليل دان آدامز لشخصية ترامب في مقالة له على مجلة ذي أتلانتيك. وهذا اللون من القادة يذهب إلى المعركة ويعود، غالبًا، بالخسران.
وقديمًا نقل المسعودي في مروج الذهب عن أمير أموي قوله "وكان غياب الأخبار عنّا من آكد أسباب زوال ملكنا". على أن الأمر، فيما يخص أميركا، لا يتعلق بزوال الملك، بل بما هو أقل من ذلك: بخسارة الحروب، المرّة تلو الأخرى

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المشهد اليمني الأول
منذ 2 ساعات
- المشهد اليمني الأول
الانقلاب الأمريكي والضغط الغربي.. أمريكا تحذر الاحتلال من اليمن والأخير يغرق في مستنقع غزة وحلفاؤه يعيدون حساباتهم
أطلقت الولايات المتحدة، اليوم الثلاثاء، تحذيرًا حادًا وغير مسبوق لحلفائها الإقليميين والدوليين بشأن تصعيدهم مع اليمن، في خطوة تُظهر مدى تعقيد الوضع الاستراتيجي في البحر الأحمر. وجاء التحذير بعد نحو عام من المواجهات المريرة بين القوات الأمريكية والحوثيين، حيث أنهت واشنطن سحب بوارجها من المنطقة، في مؤشر على اعترافها بالهزيمة النسبية في محاولة كسر الحصار الذي فرضته الجماعة على الممر المائي. القائم بأعمال رئيس عمليات الجيش الأمريكي أكد أن الحوثيين لم يعودوا قوة محلية 'بدائية'، بل أصبحوا تهديدًا حقيقيًا يصعب التعامل معه، وحاول في تصريحاته مقارنتهم بخصوم كبار مثل الصين، مشيرًا إلى ضرورة دراسة سلوكهم وعدم الاستخفاف بقدراتهم. هذه التصريحات التي نقلتها قناة الجزيرة، تأتي في توقيت حساس، حيث أعلن اليمن بدء مرحلة جديدة من التصعيد العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي عبر فرض حظر كامل على الملاحة البحرية إلى ميناء حيفا، وهو ميناء استراتيجي يبعد أكثر من 2300 كيلومتر عن الساحل اليمني، ما يدل على تطور كبير في القدرات الصاروخية والاستخباراتية للقوات المسلحة اليمنية. في موازاة ذلك، تحاول بريطانيا إعادة تموضعها في المحيط الهندي، عبر تحريك حاملة الطائرات 'ويلز' نحو المحيط الهادئ عبر مضيق باب المندب، وسط مخاوف متزايدة من تعرضها لهجمات قد تؤدي إلى غرقها، خاصة بعد تجارب سابقة مع صواريخ الحوثيين. ضغوط دولية تتزايد على الاحتلال الإسرائيلي في الوقت الذي يكثف فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة ويتوسع في عملياته العسكرية هناك، تصاعدت الضغوط الغربية على الكيان، حيث أعلنت بريطانيا تعليق جميع مفاوضات الشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل، واستدعاء سفيرتها في لندن لبحث الموقف. كما دخل الاتحاد الأوروبي في نقاشات جادة حول تعليق اتفاقية الشراكة مع الاحتلال بسبب انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان، وخاصة في قطاع غزة والضفة الغربية. فرنسا، التي كانت دائمًا إلى جانب إسرائيل ضمن حدود سياسة التوازن، انضمت إلى الدعوات الرسمية لتعليق الاتفاقية، وفق تصريحات وزير خارجيتها قبل الاجتماع الوزاري الأخير في بروكسل. وكان هذا التحرك مدعومًا من هولندا وإيرلندا، اللتين طالبتا بتحرك فوري لوقف التعاون مع دولة تمارس سياسات التطهير العرقي والإبادة الجماعية تحت أنظار العالم. وفي بيان مشترك، أعربت كل من بريطانيا وفرنسا وكندا عن رفضها للتصعيد الإسرائيلي المتواصل، وشددت على ضرورة إنهاء الحرب ورفع الحصار عن غزة ووقف التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وهددت باتخاذ إجراءات عملية إذا استمرت إسرائيل في مسارها الحالي. تناقض أمريكي يعكس الانقسام داخل الإدارة من جانبه، ظهرت تناقضات واضحة في الموقف الأمريكي، حيث ذكرت صحيفة 'واشنطن بوست' أن مسؤولين في الإدارة الأمريكية يتحدثون عن احتمال تخلي واشنطن عن دعمها الكامل لحكومة نتنياهو، بينما أكد البيت الأبيض في بيان رسمي أن العلاقة بين ترامب ونتنياهو 'ما زالت قوية'، وأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن إسرائيل. وفي تصريح آخر، شدد المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط على دعم الإدارة لـ'هزيمة حماس'، لكن مبعوث ترامب الخاص بشؤون الرهائن أعرب عن استعداد الإدارة للنظر في أي مقترح من حماس يتضمن إطلاق سراح الأسرى. ورغم عدم وضوح ما إذا كانت هذه التصريحات تندرج ضمن محاولات إسرائيلية لتطمين الجمهور المحلي، أم أنها تعكس انقسامًا حقيقيًا داخل الإدارة الأمريكية، إلا أنها تشير إلى حالة من الارتباك تسود السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصراع في غزة. وبحسب مصادر إسرائيلية وأمريكية مطلعة، فإن ترامب يركز في الوقت الحالي على ثلاث أولويات واضحة: إنهاء الحرب، إعادة الرهائن المحتجزين في قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري، تمهيدًا لبدء إعادة إعمار القطاع. كل هذه التطورات تؤكد أن الدول الغربية، التي دعمت العدو الإسرائيلي بلا حدود، تجد نفسها الآن في مأزق حقيقي، نتيجة التصعيد غير المحسوب في قطاع غزة والانتهاكات المستمرة التي تخرق كل المواثيق الدولية. ومع عودة الاحتجاجات في أوروبا وأمريكا، والتي بدأت تضغط على الحكومات لتغيير مواقفها، يصبح واضحًا أن الدعم المطلق للكيان الصهيوني لم يعد مجديًا سياسيًا أو حتى أخلاقيًا.


منذ 2 ساعات
بوتين يعلن تفاصيل عن مكالمته الهاتفية مع ترامب
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الاثنين، انتهاء المحادثة الهاتفية مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب بعد أن استمرت أكثر من ساعتين. ووصف الرئيس الروسي المحادثة مع ترامب بأنها ذات معنى وصريحة ومفيدة للغاية، معربا عن امتنانه لترامب لمشاركة الولايات المتحدة في استئناف المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا. وقال بوتين: "روسيا تؤيد وقف الأعمال القتالية، لكن من الضروري تطوير أكثر المسارات فعالية نحو السلام"، لافتا إلى أن ترامب أعرب خلال المحادثة عن موقفه بشأن إنهاء الأعمال القتالية في أوكرانيا. وأوضح الرئيس الروسي أن وقف إطلاق النار في أوكرانيا لفترة زمنية معينة أمر ممكن إذا تم التوصل إلى الاتفاقات ذات الصلة، مشيرا إلى الحاجة لإيجاد حلول وسط تناسب جميع الأطراف. وقال: "اتفقنا مع رئيس الولايات المتحدة على أن روسيا ستقترح وهي مستعدة للعمل مع الجانب الأوكراني بشأن مذكرة بشأن معاهدة سلام مستقبلية محتملة مع تحديد عدد من المواقف، مثل مبادئ التسوية، وتوقيت اتفاق السلام المحتمل، وما إلى ذلك، بما في ذلك وقف إطلاق النار المحتمل لفترة معينة إذا تم التوصل إلى الاتفاقات ذات الصلة". وأشار بوتين حول استئناف المفاوضات مع أوكرانيا، قائلا: "بالمناسبة، استؤنفت الاتصالات بين المشاركين في الاجتماع والمفاوضات في إسطنبول، وهذا يعطي سببا للاعتقاد بأننا، بشكل عام، على الطريق الصحيح"، مشددا على أن "موقف روسيا بشأن الوضع في أوكرانيا واضح والأمر الرئيسي هو القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة". وفي وقت سابق اليوم، أفادت وسائل إعلام أمريكية نقلا عن البيت الأبيض أن المحادثة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين قد بدأت قبل لحظات. ويوم السبت أعلن ترامب أنه يخطط للتحدث بالهاتف مع نظيره الروسي يوم الاثنين، لمناقشة موضوع تسوية الصراع الأوكراني. وذكر ترامب أنه سيتواصل بعد ذلك مع فلاديمير زيلينسكي وزعماء دول حلف الناتو. معربا عن أمله في أن يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد محادثاته مع بوتين وزيلينسكي.


منذ 4 ساعات
سكان صنعاء يقبعون تحت طائلة الفقر وشعارات الحوثيين
في حين تغطي شعارات الحوثيين شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، يهيمن البؤس على السكان في المدينة، مع زيادة حدة الفقر، والنقص الشديد في حجم المساعدات الدولية التي تراجعت إلى أكثر من النصف للمرة الأولى منذ بداية الحرب التي أشعلها الحوثيون قبل عشرة أعوام. وفي حالة تستحضر نماذج من حكم الأنظمة العسكرية الأمنية التي كانت تطلق على نفسها «ثورية» في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، يلفت نظر الزائر للمدينة اللافتات الضخمة التي رُفعت في تقاطعات الشوارع والميادين العامة، التي تمجّد قادة الحوثيين والقيادات الإيرانية وأخرى من «حزب الله» اللبناني، الذين لقوا مصرعهم إما بضربات أميركية أو على يد الإسرائيليين. في المقابل، يتعامل الحوثيون بقسوة شديدة مع الموظفين المطالبين بصرف رواتبهم أو من ينتقد تفشي الفقر والجوع، ويتهم هؤلاء بأنهم «عملاء للأعداء». ووسط خطاب تعبوي يُلزم الموظفين والمجندين والسكان في أحياء صنعاء بحضور التظاهرة الأسبوعية التي يقيمها الحوثيون في ساحة العروض الرئيسة بالقرب من المجمع الرئاسي (ميدان السبعين). صور قاسم سليماني والمهندس تزاحم المتسولين في شوارع صنعاء (إعلام محلي) ويكون لزاماً على الحاضرين ترديد شعار الثورة الإيرانية والهتافات المنددة بأميركا، في حين يعتلي أحد قادة الجماعة المنصة للحديث بإسهاب عما يصفها بـ«البطولات الخارقة» وهزيمتهم للولايات المتحدة وإسرائيل. ويمتد هذا الخطاب إلى المساجد، حيث يُجزم الخطباء بأن الجيشين الأميركي والإسرائيلي يفرضان تعتيماً إعلامياً على هزيمتهما. تغطية على البؤس رصد نشطاء يمنيون تسجيلاً لأحد خطباء الحوثيين في مدينة إب وهو يُقسم بأن الجماعة، التي قطعت رواتب الموظفين منذ ثمانية أعوام، تمكنت من تدمير مقر جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، وأن حاملة الطائرات الأميركية أيزنهاور هربت من البحر الأحمر نتيجة ضرباتهم. وفي محاولة لتبرير قرار الحوثيين وتسويقه بمنع تصوير المواقع التي تستهدفها الضربات الإسرائيلية ومن قبلها الأميركية، وكذا منع الحديث عن عدد القتلى نتيجة تلك الضربات، يجزم الخطيب بأن الدولتين تمنعان أيضاً تصوير المواقع التي أُطلقت نحوها صواريخ ومسيَّرات الحوثيين؛ حتى لا يُفتضح أمرهما أمام العالم! مسن أنهكه البحث عما يُطعم به أسرته (إعلام محلي) وفي حين تروّج وسائل إعلام الحوثيين والمساجد عن نصر مزعوم على أميركا وإسرائيل، يسخر أحد سكان صنعاء واسمه الأول منصور من هذا الخطاب، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنها محاولة فاشلة من الحوثيين للتغطية على البؤس الذي يعيشه الناس والذي بات ظاهراً على الوجوه. ويشير منصور إلى أن الفقر اتسعت مساحته لتمتد إلى كل الأرصفة والتقاطعات وأبواب المساجد وبالقرب من المطاعم، حيث ينتشر الآلاف من الباحثين عن لقمة عيش في صورة لم تعرفها البلاد منذ الإطاحة بنظام الإمامة مطلع ستينات القرن الماضي. في حين يذهب ساكن آخر، وهو موظف حكومي ويدعى عبد الله، إلى التأكيد بأن الفقر والجهل والمرض تجثم حرفياً على المدينة، وأصبح يُشاهد في كل شارع وبيت، باستثناء قلة من الميسورين أو المستفيدين من الحرب، ويقول إنه يستحيل على شخص يعيش خارج المدينة منذ 10 سنوات أن يتصور الحال والمأساة التي يعيشها السكان وكل مناطق سيطرة الجماعة الحوثية. منع الحوالات بالدولار بحسب ما أفاد به عاملون في قطاع الصرافة، فإن الحوثيين منعوا تسليم الحوالات الواردة إلى مناطق سيطرتهم بالدولار، وأنهم يقومون بجمع هذه التحويلات التي تُقدّر بنحو 3 مليارات دولار سنوياً لدى وكلاء شركات الصرافة في الخارج ثم يقومون باستخدامها في فتح اعتمادات لاستيراد الوقود عبر الشركات التي أسسها قادة الحوثيين؛ لأنهم لا يمتلكون السيولة اللازمة لفتح مثل تلك الاعتمادات. وطبقاً لهذه المصادر، فإن الحوثيين يصرّون على فرض سعر مُلزم للدولار الواحد بـ535 ريالاً يمنياً بينما سعره في مناطق سيطرة الحكومة تجاوز الـ2500 ريال وهو السعر الحقيقي بحسب تأكيدات تجار ومصادر في الغرفة التجارية تحدثت إليها «الشرق الأوسط». حوثويون خلال حشد في صنعاء يرفعون صور زعيمهم وصورتَي قاسم سليماني وحسن نصر الله (إ.ب.أ) وهذا الأمر يجعلهم - وفق المصادر - يستفيدون من هذا الفارق لأنهم لو أرادوا فتح اعتمادات مستندية سيكونون مُجبرين على شراء الدولار من مناطق سيطرة الحكومة بالسعر المختلف. وذكر سكان في مناطق سيطرة الحوثيين أن فرع البنك المركزي في صنعاء كان ألزم شركات الصرافة بتسليم الحوالات المالية بالريال السعودي، لكنه عاد مؤخراً عن هذا القرار، وألزم الشركات العاملة في مجال الصرافة والبنوك بتسليم الحوالات بالريال اليمني فقط. وأكد السكان أنه وفي حال أصر الشخص على استلام حوالاته بالريال السعودي، فإنه يُلزم بدفع فارق يصل إلى 2500 ريال يمني عن كل 100 ريال سعودي يتسلمها. وطبقاً لتأكيدات مصادر حكومية وأخرى عاملة في المجال الإنساني، فإن تحويلات المغتربين اليمنيين حالت دون تفشي المجاعة في البلاد، حيث يتولى المغتربون مسؤولية قطاع عريض من السكان كما تُشكّل تحويلاتهم أهم مصدر للعملة الصعبة تتجاوز عائدات تصدير النفط خلال السنوات الأخيرة. أنشطة منقذة يأتي الواقع المأساوي في مناطق سيطرة الحوثيين في وقت أكّد فيه صندوق اليمن الإنساني أنه على الرغم من الانخفاض الحاد في تمويل الجهات المانحة، فقد ظلت هناك آلية تمويل مرنة وموثوقة لدعم الأنشطة الحيوية المنقذة. وعلى مدار العام الماضي قال الصندوق الأممي إنه خصص 36.9 مليون دولار للوصول إلى أكثر من مليون شخص في تسع من المحافظات. عنصران حوثيان خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيم الجماعة (إ.ب.أ) وأوضح الصندوق في تقرير حديث أنه اتبع نهجاً تصاعدياً قائماً على أساس المناطق لتحديد الأولويات، مُمكّناً الجهات الفاعلة الأقرب إلى الأشخاص المتضررين من توجيه عملية تحديد الأولويات بفاعلية؛ وهو ما ساعد على ضمان مواءمة المخصصات بشكل مباشر مع الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، استناداً إلى معلومات كاملة من المجتمعات المحلية نفسها. كما حقق الصندوق الإنساني تقدماً ملحوظاً في تعزيز دعمه للجهات الفاعلة المحلية، حيث خُصص 70 في المائة من التمويل للمنظمات الإنسانية الوطنية، مقابل 44 في المائة في عام 2023. وإلى جانب جهود التدريب وبناء القدرات الكبيرة، مكّنت هذه المخصصات الشركاء اليمنيين؛ ما ضمن أن تكون التدخلات أكثر ملاءمة للسياق وأكثر استجابة لاحتياجات السكان المتضررين. وفق ما جاء في التقرير.