
اليمن وغزة.. قصة تحول موازين القوى في البحر الأحمر!!
إن التحدي اليمني يمثل نقطة تحول مفصلية في فهم طبيعة الصراعات المعاصرة. فها هنا، نرى قوة فاعلة، بموارد عسكرية قد تبدو محدودة مقارنة بالقوى العالمية العظمى، تنجح في تنفيذ عمليات بحرية متواصلة تحقق نجاحات عملياتية مذهلة. هذا المشهد يجسد قدرة فائقة على خوض حرب غير متكافئة ضد خصوم يتفوقون تكنولوجيا، كالقوات البحرية الامريكية وحلفائها. إنه نسف للاعتقاد السائد بأن التفوق التكنولوجي المطلق يترجم حتما إلى سيطرة عسكرية لا جدال فيها، خاصة في البيئات البحرية المعقدة. هذا الواقع يؤكد أن التكتيكات المبتكرة منخفضة التكلفة يمكنها أن تشل دفاعات باهظة الثمن وعالية التقنية، مما يدفع إلى إعادة تقييم شاملة للعقائد البحرية على مستوى العالم.
بدأت مشاركة اليمن في هذا الصراع، التي جاءت استجابة مباشرة لحرب غزة وتضامنا مع الشعب الفلسطيني، بالكثير من التشكك في الأوساط الدولية. لكن سرعان ما تبدد هذا التشكك ليحل محله قلق عميق مع تصاعد وتيرة وفعالية العمليات اليمنية في البحر الأحمر. لم تكن هذه العمليات مجرد حوادث متفرقة، بل تطورت إلى استراتيجية مدروسة ومتصاعدة، تُبرز إسنادا مشروعا لمظلومية غزة في الإطار العام للقضية الفلسطينية ضد الكيان الإسرائيلي الغاصب للأرض والسيادة الفلسطينية بغير وجه حق. إنه موقف ديني وواجب إنساني وأخلاقي لنصرة الحق الفلسطيني ضد الإجرام الصهيوني الذي ترتكبه العصابات الصهيونية وداعموها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية كبريطانيا وفرنسا.
وعلى مستوى تطور التصعيد البحري، تتوالى التقارير لتتحدث عن 'المرحلة الرابعة من التصعيد البحري اليمني ضد السفن المرتبطة بإسرائيل'. هذا النهج المرحلي يكشف عن استراتيجية متعمدة ومحسوبة، أبعد ما تكون عن الهجمات العشوائية. فكل مرحلة من هذه العمليات بُنيت على سابقتها، حيث تم صقل التكتيكات وتوسيع نطاق الأهداف وزيادة الحدة، مما يدل على قدرة فائقة على التكيف وعمق استراتيجي. هذا التطور المستمر يعكس تصميما لا يتزعزع على الحفاظ على الضغط وإظهار قدرة استثنائية على الابتكار في مواجهة التدابير المضادة الدولية. وقد أكدت صحيفة 'فايننشال تايمز' أن البيان العسكري اليمني الأخير يمثل نقطة تحول جديدة في مجريات الصراع البحري، ويطرح تساؤلات جدية حول قدرة القوى الدولية على التعامل مع هذا التصعيد المتنامي.
لقد وظفت القوات اليمنية 'تكتيكات عسكرية محددة' أثبتت فعاليتها بشكل لافت. من أبرز الأمثلة على هذه النجاحات العملياتية 'غرق سفينتي إيتيرنيتي سي (Eternity C) وماجيك سيز (Magic Seas)'. كانت هذه الحوادث ذات أهمية بالغة، حيث أشار محللون عسكريون أمريكيون إلى أن العمليات السابقة، بما فيها إغراق هاتين السفينتين، مثلت مؤشرا واضحا على التحول النوعي في الأداء العسكري والعملياتي للقوات البحرية اليمنية. والمثير للدهشة، أن سفينة 'إيترنيتي سي' غرقت دون أي محاولة أمريكية أو غربية لمساعدتها، رغم أن عملية استهدافها وإغراقها استمرت 16 ساعة كاملة، في مشهد يعكس عجزا واضحا.
إن هذه العمليات تبرز ثورة في حرب البحار من حيث الفعالية والتكلفة. فقوات اليمن، التي يُفترض أنها ذات ميزانيات محدودة، تنفذ 'عمليات ناجحة' و'تصعيدات' ضد أهداف عالية القيمة (سفن تجارية) وتتحدى القوات البحرية المتقدمة. هذا يسلط الضوء على التأثير غير المتناسب للأسلحة غير المتكافئة وغير المكلفة نسبيا (الطائرات المسيرة والصواريخ والقوارب الصغيرة) مقابل الأصول البحرية التقليدية والشحن التجاري الأكثر تكلفة بكثير.
علاوة على ذلك، فإن الإشارة إلى 'المرحلة الرابعة من التصعيد البحري اليمني' تعني حملة مستمرة ومتطورة. هذا يدل على أن اليمن لا يكتفي بالرد، بل ينفذ استراتيجية طويلة الأمد، ويتعلم ويكيف تكتيكاته بمرور الوقت. هذا يظهر صبرا استراتيجيا وقدرة على الابتكار المستمر في مواجهة الضغوط الدولية والتدابير المضادة. بل ويشير إلى خصم مرن وعازم، قادر على الحفاظ على الضغط لفترات طويلة، وهو تحدٍ كبير للاستجابات العسكرية التقليدية التي غالبا ما تسعى إلى نتائج سريعة وحاسمة. هذا يتحدى الافتراض بأن الجهات الفاعلة الأقل تقدما من الناحية التكنولوجية لا يمكنها الحفاظ على حملات عسكرية معقدة. إنه يسلط الضوء على أهمية العوامل غير المادية مثل الإرادة السياسية والدعم الشعبي والقدرة على التكيف الاستراتيجي في الصراعات المطولة.
تصف 'وسائل الإعلام الدولية والإسرائيلية' (مثل فايننشال تايمز، يو إس إن آي نيوز، جيروزاليم بوست، لويدز ليست، نيوز إسرائيل) التحول في موازين القوى الإقليمية والفشل المتصور للردع الأمريكي بسبب الإجراءات اليمنية. فعلى الرغم من الاستجابة الأمريكية الأولية، مثل عملية 'حارس الازدهار' واستخدام أصول بحرية كبيرة، استمرت الهجمات، مما أدى إلى هذا التصور بفشل الردع. وقد أقر معهد البحرية الأميركي (USNI News) بأن واشنطن لم تعد تحتفظ بأي وجود عسكري مباشر في البحر الأحمر منذ الأسبوع الماضي، في تطور يعكس تراجعا واضحا في القدرة الأميركية على الردع. وهو ما يشير إلى أن الوجود العسكري وحده لا يكفي لضمان الأمن في مواجهة التهديدات غير المتكافئة.
يكشف تحليل 'الوضع المعترف به للوجود البحري الأمريكي في البحر الأحمر وكيف يقارن بالاستجابات الأولية للتهديدات اليمنية' عن تطور في الموقف الأمريكي. فقد نقل USNI News عن محللين عسكريين أمريكيين أن غياب السفن الأمريكية من البحر الأحمر يمنح اليمن بيئة أكثر تساهلاً للتحرك، ويعزز من قدرة قوات صنعاء على تنفيذ هجمات موجعة دون خشية من أي ردع أمريكي أو غربي مباشر. هذا يشير إلى بيئة ديناميكية وربما صعبة للعمليات البحرية الأمريكية.
إن المعارك اليمنية مع القوات البحرية الأمريكية أو مع تحالفاتها كـ'حارس الازدهار' بالشراكة مع البحرية البريطانية وغيرها من الدول، لم تكن اعتداءً، بل جاءت نتيجة تدخل غير مشروع في المياه الإقليمية اليمنية في مهمة غير إنسانية، وهي حماية الملاحة الإسرائيلية من الإجراءات اليمنية التي اتخذتها على مياهها الإقليمية. ما قام به اليمنيون هو بسط السيادة اليمنية على مياههم الإقليمية ولم يعتدوا على أحد، ولم يتسببوا في أي تداعيات أمنية على الملاحة الدولية غير تلك المتجهة من وإلى موانئ فلسطين المحتلة.
لقد أبرزت وسائل الإعلام المتنوعة، بما في ذلك تلك التي عادة ما تكون متحالفة مع المصالح الغربية أو الإسرائيلية، التحدي الذي يواجه المصداقية الأمريكية. فقد اعتبر بعض الخبراء الأمنيين أن الولايات المتحدة لم تتمكن من تأمين حماية فعّالة للسفن الإسرائيلية، ما يعكس فشلا في ردع التصعيد اليمني. وقد سلطت صحيفة 'جيروزاليم بوست' الضوء على حادثة غرق السفينة Eternity C كـ'جرس إنذار قاسٍ' لقطاع الشحن العالمي. هذا التوافق الإعلامي يعكس إدراكا واسعا لتآكل النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة الحيوية.
على الرغم من الوجود البحري الأمريكي الكبير والنية المعلنة لتأمين الملاحة، تستمر الإجراءات اليمنية، وتشير التقارير الإعلامية إلى 'فشل متصور للردع الأمريكي'. هذا يدل على أن الولايات المتحدة، على الرغم من قوتها العسكرية، لم تتمكن من ضمان 'حرية الملاحة' بشكل كامل في ممر مائي عالمي حاسم ضد جهة فاعلة هي اليمن. هذا يتحدى ركيزة أساسية لإبراز القوة العالمية الأمريكية ودورها المزعوم كضامن للنظام الدولي. إنه يشير إلى أن القوة العسكرية الأمريكية، على الرغم من كونها هائلة، ليست مطلقة ويمكن تحديها بفعالية في سياقات محددة وغير متكافئة. هذا قد يشجع قوى إقليمية أخرى على تأكيد المزيد من السيطرة على مجالاتها البحرية.
علاوة على ذلك، فإن الوجود البحري الأمريكي في البحر الأحمر قد يختلف إلى معضلة 'الإرهاق الزائد': فحتى أقوى الجيوش لديها موارد محدودة. فالانغماس في صراع مطول ومنخفض الحدة في منطقة واحدة يحد من قدرتها على الاستجابة لأزمات أخرى أو إبراز القوة في أماكن أخرى. هذا يمكن أن يكشف عن نقاط ضعف في مناطق استراتيجية أخرى أو يقلل من القدرة على الانتشار العالمي السريع. قد ينظر الخصوم بشكل متزايد إلى مثل هذه الاشتباكات المطولة كاستراتيجية قابلة للتطبيق لتقييد القوى المتفوقة وإرهاقها، وتحويل التركيز من المواجهة العسكرية المباشرة إلى حرب استنزاف للموارد والإرادة السياسية. هذا يمكن أن يعيد تشكيل المنافسة الاستراتيجية.
ضربة اليمن للعمق الإسرائيلي
إن ما تختص به العمليات اليمنية في البحر الأحمر هو منع وصول أي سفينة إلى موانئ فلسطين المحتلة، وبالتالي فإن الأضرار الاقتصادية تتركز بشكل خاص على الكيان الإسرائيلي، دون المساس بالملاحة الدولية الأخرى. إيلات، الميناء الإسرائيلي الجنوبي، هي شريان اقتصادي استراتيجي يربطها بآسيا وأفريقيا، وتلعب دورا حيويا في تجارتها. لقد أثر الحصار البحري في البحر الأحمر بشكل مباشر على هذا الشريان الاقتصادي الحيوي.
لقد أدت الإجراءات البحرية اليمنية إلى 'عواقب اقتصادية مباشرة على الاقتصاد الإسرائيلي'. وقد أقرت صحيفة 'كالكاليست' العبرية بأن 'إسرائيل' تعرضت لأزمة اقتصادية شديدة نتيجة الهجمات التي تشنها قوات صنعاء على السفن التجارية، حيث كان التأثير الفوري هو إجبار السفن على تغيير مسارها حول أفريقيا (رأس الرجاء الصالح)، مما أدى إلى زيادة أوقات العبور، وارتفاع تكاليف الوقود، وتضخم أقساط التأمين. أكد موقع 'نيوز إسرائيل' العبري أن التصعيد البحري 'سيقيّد سلاسل الإمداد من وإلى الموانئ الإسرائيلية، وسيكون له تأثير على السياحة البحرية'، وقد يدفع الشركات إلى العزوف عن الذهاب إلى إسرائيل. وحذرت مجلة 'لويدز ليست' البريطانية من تداعيات القرار اليمني الأخير على سوق الشحن العالمي المتصلة بالموانئ الفلسطينية المحتلة، واعتبرت هذا التهديد بمثابة 'مرحلة رعب جديدة' تشهدها حركة الملاحة في البحر الأحمر في هذا الاتجاه.
تجاوزت الآثار الاقتصادية المباشرة لتشمل 'عواقب اقتصادية غير مباشرة… خاصة في قطاعي البناء والعقارات'. فقد أفادت صحيفة 'كالكاليست' العبرية بأن الأزمة التي يعاني منها قطاع البناء ازدادت تعقيدا بسبب نقص العمالة وتأخر وصول المواد الخام نتيجة الهجمات البحرية اليمنية. من المتوقع أن تشهد 'إسرائيل' موجة واسعة من الإفلاسات، خاصة في قطاع التعمير والبناء. وقد سجلت تصاريح البناء انخفاضا بنسبة 35%، والشقق قيد الإنشاء بنسبة 12%، والشقق المكتملة بنسبة 21.5% خلال الربع الأول من عام 2025، لاسيما وقد بدأ الحديث عن الآلاف من الدعاوى القضائية التي قد يتقدم بها المشترون بسبب التأخيرات في تسليم المشاريع، مما يهدد بانهيار العديد من المطورين العقاريين.
كما أكد موقع 'نيوز إسرائيل' أن 'كلفة تأمين السفن العاملة قبالة الموانئ الإسرائيلية ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة'، متوقعا أن يسبب قرار التصعيد الأخير 'أضرارا جسيمة من مثل ارتفاع الأسعار، وتأخيرات كبيرة، وصعوبة في استيراد وتصدير البضائع'.
توضح هذه الأحداث كيف أن الإجراءات اليمنية، على الرغم من بعدها الجغرافي عن المراكز السكانية الرئيسية في فلسطين المحتلة، كان لها 'عواقب اقتصادية مباشرة وغير مباشرة'، مما أثر بشكل خاص على قطاعات مثل 'البناء والعقارات'. هذا يكشف عن الضعف الكامن في الاقتصادات التي تعتمد على نقاط الاختناق البحرية الحيوية، حتى لو كانت تتمتع باقتصادات محلية قوية.
هذا يجبر الدول على النظر في مرونة سلاسل الإمداد الخاصة بها والطرق التجارية البديلة المحتملة، مما يسلط الضوء على نقطة ضعف استراتيجية يمكن استغلالها من قبل الخصوم. هذا يحول التركيز من الدفاع العسكري البحت إلى الأمن الاقتصادي الشامل. يمكن أن يؤدي هذا إلى إعادة تقييم عالمية لتنويع سلاسل الإمداد ومرونتها، مع إعطاء الشركات والدول الأولوية لأمن النقل على الكفاءة المطلقة في التكلفة. قد يشجع أيضا الاستثمار في البنية التحتية للنقل البديلة (مثل الجسور البرية والسكك الحديدية) وربما يعيد تشكيل جغرافية التجارة العالمية.
بالإضافة إلى الخسائر المالية القابلة للقياس، يخلق التهديد المستمر والاضطراب بيئة من عدم اليقين الاقتصادي والقلق داخل إسرائيل. هذا التأثير النفسي يمكن أن يؤدي إلى تآكل ثقة المستهلك والمستثمر، وردع الاستثمار الأجنبي، وربما يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال، حتى لو كان الضرر الاقتصادي المباشر قابلاً للإدارة على المدى القصير. إنه شكل من أشكال الحرب الاقتصادية التي تستهدف المعنويات والتخطيط طويل الأجل. تهدف هذه الاستراتيجية إلى خلق ضغط داخلي على الكيان الإسرائيلي، مما قد يؤثر على قراراتها السياسية فيما يتعلق بالصراع في غزة، بل ويسلط الضوء على كيفية استخدام الضغط الاقتصادي كأداة استراتيجية في الصراعات، حتى بدون مواجهة عسكرية مباشرة على الأرض.
لم تقتصر تداعيات الإجراءات اليمنية في البحر الأحمر على الأبعاد العسكرية والاقتصادية، بل امتدت لتشمل تحولا عميقا في موازين القوى الجيوسياسية في المنطقة.
تصف 'وسائل الإعلام الدولية والإسرائيلية… التحول في موازين القوى الإقليمية'. وقد أكد خبراء أن ما يحدث الآن يعكس تحولا في موازين القوة في المنطقة، حيث أصبح اليمن طرفا فاعلاً قادرا على فرض معادلاته الاستراتيجية دون الخضوع للضغوط الدولية. ترفع الإجراءات اليمنية من الأهمية الاستراتيجية للفاعلين في الصراعات الإقليمية، مما يظهر قدرتهم على التأثير في الأحداث العالمية، وتأكيد تضاؤل النفوذ الأمريكي بما يظهر من ضعف وفشل الردع الأمريكي المزعوم ويضعف من مكانة الولايات المتحدة في المنطقة. تتجاوز 'التداعيات الجيوسياسية الأوسع للإجراءات اليمنية الأمن البحري لاسيما وقد أدت أزمة البحر الأحمر إلى ارتفاع تكاليف التأمين والمخاوف الأمنية للشحن العالمي، ليس فقط للسفن المرتبطة بإسرائيل.
إن الإجراءات اليمنية لها 'تداعيات جيوسياسية أوسع على الأمن البحري، وطرق الشحن الدولية'. هذا يعني أن البحر الأحمر لم يعد ممرا آمنا يمكن الاعتماد عليه، مما يجبر على تغيير مسارات كبيرة وزيادة التكاليف للتجارة العالمية. هذا يغير بشكل أساسي تصور الضعف لجميع نقاط الاختناق البحرية العالمية الحرجة (مثل مضيق هرمز، مضيق ملقا، قناة بنما). إنه يظهر أن القدرات المحدودة يمكن أن تحتجز التجارة العالمية رهينة، مما يجعل جميع الدول تعيد تقييم اعتمادها الاقتصادي والأمني على هذه الشرايين. هذا يمكن أن يؤدي إلى نظام تجاري عالمي أكثر تجزئة وأقل كفاءة. قد يحفز هذا تركيزا متجددا على التعاون الدولي للأمن البحري، ولكنه قد يؤدي أيضا إلى زيادة الوجود البحري والمنافسة في هذه المناطق الحيوية، مما يزيد من مخاطر سوء التقدير أو التصعيد بين القوى الكبرى. قد يكون عصر 'المشاعات البحرية العالمية غير المتنازع عليها' قد انتهى.
علاوة على ذلك، فإن الإجراءات اليمنية تحول 'موازين القوى الإقليمية' وتؤثر على 'ميزان القوى في الشرق الأوسط'، بينما تتحدى 'الردع الأمريكي'. هذا يسلط الضوء على فعالية نموذج 'تمكين الوكيل'، حيث يمكن لقوة كبرى (مثل إيران) تحقيق أهداف استراتيجية مهمة وتحدي المنافسين من خلال دعم منخفض التكلفة نسبيا لجهات فاعلة غير حكومية متحالفة، وتجنب المواجهة المباشرة. هذا يسمح بالإنكار والضغط الموزع. هذا النموذج يعقد السياسة الخارجية واستراتيجيات الدفاع التقليدية التي تركز على الدولة. فهو يجعل الإسناد صعبا، ويطمس خطوط المسؤولية، ويخلق شبكة معقدة من الصراعات المترابطة التي يصعب تخفيف تصعيدها أو حلها من خلال الدبلوماسية التقليدية أو الوسائل العسكرية. هذا يشير إلى مستقبل تتشكل فيه الصراعات الإقليمية بشكل متزايد من قبل جهات فاعلة غير حكومية مترابطة.
لقد أدت الإجراءات اليمنية في البحر الأحمر إلى تحدٍ جوهري للتسلسلات الهرمية العسكرية الراسخة وألحقت أضرارا اقتصادية كبيرة بالعدو الصهيوني. إن ظهور اليمن كلاعب قوي وغير متوقع في هذا المشهد كان بمثابة صدمة للنظام الدولي. لقد برز اليمن كقوة غيرت موازين معادلة القوة العالمية في المياه الإقليمية التي كانت أمريكا تفرض هيمنتها عليها بلا وجه مشروع، وأجبرتها على الانسحاب. هذا الظهور لم يأت من فراغ، وإنما نتيجة لمراحل تطور على كافة المستويات التقنية وفي ابتكار العديد من التكتيكات العسكرية التي أجبرت أكبر قوى الغطرسة الداعمة للإجرام الصهيوني على التراجع.
لقد كشفت الأزمة عن نقاط ضعف في الهيمنة العسكرية التقليدية، وأظهرت صعود الحرب غير المتكافئة كأداة استراتيجية قوية. تظهر الأزمة تحولا في 'موازين القوى الإقليمية' و'فشلا متصورا للردع الأمريكي'. هذا يعني أن القوة، التي كانت تتركز تقليديا في الدول الكبرى، تنتشر بشكل متزايد إلى الدول الأصغر، خاصة تلك المستعدة للمواجهة وتوظيف تكتيكات مبتكرة.
كما أن مظلومية غزة أدت إلى إجراءات إقليمية (اليمن في البحر الأحمر) كان لها 'عواقب اقتصادية مباشرة وغير مباشرة' على الكيان، مما يسلط الضوء على الترابط العميق للنظام العالمي. يمكن لنقطة اشتعال واحدة أن تؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل التي تؤثر على سلاسل الإمداد، وأسواق الطاقة، والتصورات الأمنية في جميع أنحاء العالم. هذا يعني ألا صراع يعتبر 'محليا' حقا بعد الآن، مما يتطلب نهجا أكثر شمولية وتكاملا للأمن العالمي، وأن أزمة البحر الأحمر هي صورة مصغرة لنظام عالمي متغير، حيث يمكن للرشاقة والابتكار والعزيمة الاستراتيجية أن تفوق القوة العسكرية المطلقة، بل ويجبر على إعادة معايرة ديناميكيات القوة على نطاق عالمي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر صح
منذ 2 أيام
- خبر صح
عراقجي يتحدى الغرب ويؤكد استمرار تخصيب اليورانيوم
صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن إيران لا تزال تحتفظ بقدرتها على تخصيب اليورانيوم، وأكد أن هذه التكنولوجيا 'لا يمكن تدميرها بالقصف'، كما أوضح أن بلاده تحتفظ بحقها الكامل في استئناف البرنامج النووي، مشددًا على أن توقيت وطريقة ذلك تعتمد على تطورات الأوضاع. عراقجي يتحدى الغرب ويؤكد استمرار تخصيب اليورانيوم مقال مقترح: شاب ينفجر ويقضي على ضابط روسي والتحقيقات تكشف تفاصيل الحادث الوقت ذاته إمكانية التوصل إلى اتفاق يُرضي الطرفين عبر الحوار وفي حديثه لصحيفة 'فايننشال تايمز'، التي نقلتها وكالة 'فارس'، أشار عراقجي إلى ضرورة أن تدرك الولايات المتحدة أن 'الوسائل العسكرية لن تنجح في القضاء على المعرفة النووية'، مؤكدًا في الوقت ذاته إمكانية الوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين من خلال الحوار. مقال له علاقة: مؤتمر حل الدولتين يشهد زخمًا كبيرًا واعتراف دول جديدة بفلسطين كما أشار إلى أن الهجمات العسكرية الأخيرة على إيران أثبتت فشل الخيار العسكري ضد البرنامج النووي، رغم الأضرار التي وصفها بـ'الجسيمة' التي لحقت ببعض المنشآت النووية، موضحًا أن بعض المواد النووية كانت موجودة في المواقع التي تعرضت للهجوم، دون أن يكشف عن تفاصيل حجم الخسائر. عراقجي: استمرار التصعيد سيقوّض فرص العودة إلى المفاوضات وحذر عراقجي من أن استمرار التصعيد سيقوّض فرص العودة إلى المفاوضات، مؤكدًا أن إيران لن تستأنف الحوار إلا إذا لمست نوايا صادقة من الجانب الأميركي للوصول إلى اتفاق متوازن، كما اعتبر أن تفعيل الدول الأوروبية لآلية الزناد يمثل نهاية دورها في مسار المفاوضات. وفيما يتعلق بتهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستهداف المنشآت النووية مجددًا إذا استأنفت طهران التخصيب، قال عراقجي: 'برنامجنا سلمي، ولا يوجد خيار عسكري ضده، وإذا كانت لديهم مخاوف، فالحل يكمن في التفاوض'.


خبر صح
منذ 3 أيام
- خبر صح
«عراقجي» يثير الشكوك مرة أخرى حول مصير اليورانيوم المخصب ومكان اختبائه
في مقابلة مثيرة مع صحيفة فايننشال تايمز، أشار وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى استمرار حالة الغموض حول مصير أكثر من 400 كيلوجرام من المواد النووية، وذلك بعد الضربات التي استهدفت منشآت نووية إيرانية في يونيو الماضي، بينما تتواصل الجهود لتقييم الأضرار التي خلفتها الغارات الأمريكية، أوضح عراقجي أن بعض المواقع المتضررة يصعب الوصول إليها، مما يجعل من المستحيل حتى الآن تقديم تقييم دقيق حول ما إذا كانت المواد النووية قد دُمّرت أو نُقلت سراً قبل الهجوم. «عراقجي» يثير الشكوك مرة أخرى حول مصير اليورانيوم المخصب ومكان اختبائه شوف كمان: بن غفير ينتقد ألمانيا بسبب قرار الاعتراف بدولة فلسطين تدابير لحماية اليورانيوم المخصب وعندما سُئل عن احتمال نقل اليورانيوم قبل القصف، أجاب عراقجي قائلاً: 'بعثت برسالة إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أوضحت فيها أننا قد نكون اتخذنا تدابير لحماية المواد، لكن لم أصرّح بشكل صريح أننا قمنا بنقلها'، هذه التصريحات الغامضة تفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت إيران قد أخفت المواد الحيوية تحسباً للهجوم أو أنها فشلت في تأمينها. مقال له علاقة: بن غفير يؤكد عدم التفاوض مع قتلة جنودنا ويدعو نتنياهو لسحب الوفد من الدوحة التكنولوجيا لا تُمحى بالقنابل وأضاف عراقجي أن المادة النووية 'ربما تكون قد تضررت أو دُمرت جزئياً'، لكن التقييم النهائي لم يُحسم بعد، كما أكد أن الهجمات الإسرائيلية المتزامنة كانت لها تأثير مدمر على البنية التحتية النووية، لكنه شدد على أن 'التكنولوجيا لا تُمحى بالقنابل'، مؤكداً أن طهران لا تزال تمتلك المعرفة والخبراء والقدرة على إعادة بناء برنامجها النووي، رغم خسارتها 'عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي'. بين المطرقة والضغط الدولي.. البرنامج النووي الإيراني في مفترق الطرق لطالما كان برنامج إيران النووي محور نزاع طويل ومعقد بين طهران من جهة، والغرب وإسرائيل من جهة أخرى، يعود هذا التوتر إلى بداية الألفية، عندما بدأت الشكوك تحوم حول نوايا إيران في تخصيب اليورانيوم، والذي يُستخدم لأغراض سلمية ويمكن أيضاً تحويله لصناعة سلاح نووي، ورغم توقيع الاتفاق النووي عام 2015، الذي فرض قيوداً صارمة على برنامج إيران مقابل تخفيف العقوبات، إلا أن الولايات المتحدة انسحبت منه عام 2018 في عهد الرئيس ترامب، مما فتح الباب أمام تصعيد جديد. منذ ذلك الحين، كثفت طهران أنشطتها النووية وتجاوزت حدود التخصيب المنصوص عليها في الاتفاق، مما أثار قلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الأوروبية، وفي هذا السياق، تعتبر الضربات الأخيرة التي طالت المنشآت النووية الإيرانية والتي نُسبت إلى الولايات المتحدة وإسرائيل تصعيداً غير مسبوق يستهدف قلب البرنامج النووي الإيراني. المعرفة البشرية لكن تدمير البنية التحتية لا يعني بالضرورة القضاء على المشروع، كما أشار عراقجي، فإيران تراهن على 'المعرفة البشرية' والبنية العلمية التي تراكمت لديها لعقود، ومع ذلك، فإن اختفاء 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، وهي كمية كافية لصناعة قنبلة نووية واحدة على الأقل، يطرح تساؤلات كبرى، ليس فقط حول قدرتها على الرد أو إعادة البناء، بل أيضاً حول مدى شفافية البرنامج بأسره.


أهل مصر
منذ 3 أيام
- أهل مصر
عراقجي يكشف عن مصير اليورانيوم المخصب بعد القصف الأمريكي في يونيو الماضي
أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن مصير اليورانيوم المخصب بنسبة 60% لا يزال غير محسوم، وأنه كان مخزّنا في مواقع تعرضت للقصف الأمريكي. قال الوزير عراقجي في مقابلة أجرتها معه صحيفة "فايننشال تايمز" إن تقييم الأضرار جراء القصف الأمريكي للمنشآت النووية الإيرانية في يونيو الماضي "لا يزال جاريا"، مبينا أن الوصول إلى بعض المواقع المتضررة "صعب للغاية"، ما يترك مصير أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم في دائرة الغموض. وعند سؤاله عمّا إذا جرى نقل المواد النووية قبل الهجوم، أضاف عراقجي: "أرسلت رسالة إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، وقلت إننا ربما نتخذ تدابير لحماية المواد، لكن لم أقل إننا نقلناها فعلا". ولفت إلى أن اليورانيوم "ربما يكون قد تضرر أو دُمر جزئيا، لكن التقييم النهائي لم يُنجز بعد". وشدّد عراقجي أن الضربات الإسرائيلية أيضا ألحقت ضررا كبيرا بالمنشآت النووية الإيرانية، موضحا أن "التكنولوجيا لا يمكن تدميرها بالقنابل"، وقال:"نمتلك المعرفة والخبرة والعلماء. يمكننا إعادة البناء. صحيح أننا فقدنا كثيرا من أجهزة الطرد المركزي، لكننا ما زلنا قادرين على التخصيب".