logo
"نوكيا" شجرة فنلندا المتجذرة

"نوكيا" شجرة فنلندا المتجذرة

الجزيرة٠٧-٠٥-٢٠٢٥

الفنلنديون لا يعتبرون نوكيا مجرد شركة، بل يرونها سردية وطنية، بدأت كورقة في النهر، وتحولت إلى جذر ضرب عميقا في الأرض. وبين الصعود المدوي والسقوط المؤلم، تروي لنا نوكيا قصة أمة قررت أن تربّي التكنولوجيا كما تُربّى الغابات: برعاية، وبطء، وبُعد نظر.
فشركة الهواتف الفنلندية لم تولد من شريحة إلكترونية، بل من شجرة. فقد تأسست عام 1865 على ضفاف نهر "نوكيافيرتا" كمصنع لإنتاج الورق، ثم تنقلت بين الصناعات: المطاط، الكابلات، وحتى الأحذية. لكن كل هذه الفروع كانت تبحث عن هدف واحد يصلح كجذع لهذه الشجرة وهو "الاتصال". في أواخر القرن العشرين، قررت الشركة أن تصغي لنداء المستقبل، فدخلت عالم الهواتف المحمولة، لا كمصنّع تقني فقط، بل كصوت لبلد بأكمله.
العالم يتحدث من خلال فنلندا
لم تكن نوكيا تصنع الهواتف فحسب، بل كانت تصنع صلة، فكرة، وطنًا متصلًا ببعضه البعض. في التسعينيات، بينما كان العالم يكتشف معنى الاتصال المحمول، كانت نوكيا تكتب شعارها على شاشة كل هاتف "نصل الناس" (Connecting People). لم يكن مجرد شعار تسويقي، بل كان بيانًا وطنيًا لفنلندا التي اختارت أن تربط العالم بهويتها عبر التكنولوجيا.
بحلول عام 1998، أصبحت نوكيا أكبر شركة هواتف محمولة في العالم، وبلغت حصتها السوقية أكثر من 40% بحلول عام 2006. لكنها لم تكن ظاهرة اقتصادية فقط، بل ظاهرة اجتماعية وثقافية.
نوكيا أصبحت أكبر شركة مصنّعة للهواتف المحمولة في العالم عام 1998 بعد أن تجاوزت موتورولا، وبلغت حصتها السوقية قرابة 40% في ذروة نجاحها منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، وتحديدًا بين 2006 و2007.
بلغت مساهمة نوكيا في الناتج المحلي الإجمالي الفنلندي حوالي 3.1% في ذروتها عام 2000، كما أسهمت نوكيا بنحو 20-22% من إجمالي الصادرات الفنلندية في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.
وهيمنت نوكيا كانت تهيمن بشكل كبير على البورصة الفنلندية في تلك الفترة، حيث وُصفت بأنها "أعلى شركة من حيث القيمة في أوروبا" عام 2000، وتشير بعض المصادر إلى أن نوكيا أسهمت بحوالي 23% من ضرائب الشركات في فنلندا في ذروتها.
نوكيا كانت تمثل قلب الاقتصاد الفنلندي، وكان لمقرها في مدينة إسبو رمزية كبيرة، كما أن الشركة استقطبت معظم خريجي الهندسة في فنلندا، وأسهمت في بناء هوية تكنولوجية للبلاد، ووظفت أكثر من 132,000 موظف حول العالم، يحملون الشعار نفسه.
وفي عام 2003، أطلقت نوكيا هاتفها الأسطوري نوكيا 1100 (Nokia 1100)، الذي بيع منه أكثر من 250 مليون وحدة، ليصبح الهاتف الأكثر مبيعًا في التاريخ. هاتف بلا كاميرا، بلا إنترنت، لكنه حمل ما لم تحمله الهواتف الذكية اليوم: وعدٌ بالثقة، وبطارية تكفيك لأيام، وشاشة.
نوكيا في تلك اللحظة لم تكن شركة، بل كانت فنلندا مختزلة في جهاز: صغيرة، بسيطة، موثوقة، وتربط العالم بصمت.
السقوط: حين خذلت التكنولوجيا أصحاب البدايات
لم تسقط نوكيا لأن منتجها سيئ. سقطت لأنها تأخرت في طرح السؤال الصحيح: هل الهاتف ما زال جهازًا للاتصال فقط؟
فبينما كانت شركة آبل تقرأ المستقبل على شاشة تعمل باللمس، كانت نوكيا لا تزال تفتخر بأزرارها المتينة ونغمات رسائلها الشهيرة. وكأنها تظن أن التاريخ يتوقف عند من بدأه أولًا.
إعلان
تمسكت نوكيا بنظام التشغيل سمبيان (Symbian)، النظام الذي صنع مجدها في البداية، لكنه سرعان ما أصبح عبئًا أمام البساطة والأناقة التي قدمها كل من أي أو أس وأندرويد. وعوضًا عن التحوّل الجريء، دخلت في شراكة متأخرة مع مايكروسوفت ، في محاولة يائسة للحاق بركب الهواتف الذكية.
في عام 2011، تراجعت حصتها في سوق الهواتف الذكية من 33% إلى 14%. وبعد عامين فقط، باعت قسم الهواتف المحمولة بالكامل إلى مايكروسوفت. لم يكن مجرد بيع لخط إنتاج، بل كان بمثابة خلع الشعار من قلب الجهاز، وتوقيع شهادة وفاة لحقبة كاملة.
نوكيا، التي كانت تُعرف بصوت الرسالة ونغمة البداية المألوفة، انسحبت من المشهد فجأة. الهاتف الذي كان حاضرًا في جيب كل يد، أصبح فجأة في ذاكرة كل شخص.
التحوّل: مهاجر هندي غير مسار الشركة
عندما سقطت نوكيا من سماء الهواتف، لم يكن السؤال: "متى ستعود؟" بل: "من يجرؤ على أن يعيد بناءها؟" وكان الجواب: رجل من خارج الغابة الفنلندية، اسمه راجيف سوري.
ولد سوري في الهند، وتدرّج في نوكيا بهدوء لا يُرى، حتى أصبح في عام 2014 أول غير فنلندي يتولى منصب الرئيس التنفيذي للشركة. لم يكن مهندسًا للأجهزة، بل استراتيجيًا يفهم أن المستقبل لا يُصنع في اليد، بل في الخفاء، حيث تُبنى الشبكات وتُرسم خرائط العالم الرقمي.
وفي عام 2015، قاد سوري واحدة من أعقد عمليات الاندماج في تاريخ التكنولوجيا: استحواذ نوكيا على شركة لكاتل- لوسينت (Alcatel-Lucent) الفرنسية، وضم مختبرات بيل لابس (Bell Labs) الشهيرة والتي تعود لمخترع الهاتف أبراهام بيل والتي لديها في تاريخها أكثر من 13 مخترعا حائزًاعلى نوبل.
لم تكن الصفقة مجرد توسع. كانت إعلانًا صامتًا أن نوكيا ستعيد كتابة مصيرها، لا من خلال الشاشة، بل من خلال ما وراءها.
وقد قالها سوري بوضوح:
"سنكون العمود الفقري لعالم متصل. الهواتف تتغير كل عام، لكن الشبكات تبقى لأجيال."
إعلان
راجيف سوري لم يُعد نوكيا فقط إلى السوق، بل أعاد تعريفها. جعلها تتحدث لغة المستقبل، لا بصوت عالٍ، بل عبر اتصال لا ينقطع.
الجيل الخامس: حين تتكلّم الشبكات عن الموثوقية
في عالم تُقاس فيه القيمة بالسرعة، لم تعد الشبكة مجرد وسيلة اتصال، بل حدودًا وطنية خفية. وكل برج إرسال هو نقطة تماس بين التكنولوجيا والسيادة.
في هذا العالم، وجدت نوكيا نفسها في سباق لم تخطط له، لكنه يحدد مصيرها: سباق تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات.
المنافسة لم تكن تقنية فحسب، بل سياسية. وعلى الضفة الأخرى تقف هواوي، محاطة بشكوك العالم، لكنها تمتلك سرعة وموارد أما نوكيا، فاختارت طريقًا أصعب وهو طريق الثقة والشفافية التي تحملها.
فبعد استحواذها على لكاتل- لوسينت، ركّزت نوكيا على بناء منظومة متكاملة تعتمد على شراكات مفتوحة وأكواد شفافة، وتحظى بقبول واسع لدى الحكومات الغربية التي تبحث عن بدائل موثوقة لحلول هواوي.
في 2024 وحده، أنفقت نوكيا أكثر من 3.1 مليار يورو على البحث والتطوير، ما جعلها لاعبًا أساسيًا في مشاريع البنية التحتية لشبكات 5G في أوروبا، وأجزاء من أمريكا الشمالية وآسيا.
لكن القصة ليست مجرد أرقام. نوكيا تراهن على شيء آخر: أن العالم المتّصل لا يحتاج إلى الأرخص، بل إلى الأوثق. أن السرعة يجب أن تكون مصحوبة بمعيار أخلاقي. أن البنية التحتية لا تُبنى فقط بالكابلات، بل بالقيم.
في زمن أصبحت فيه الشبكات مسرحًا للتجسس والاختراقات والهندسة العكسية، تبني نوكيا شبكاتها على وعدٍ بسيط: "نحن لا نراقبكم. نحن نربطكم."
الغابة لا تموت، هي فقط تغيّر شكلها
في فنلندا، حيث تتكلم الطبيعة بهدوء، وحيث تبقى الأشجار واقفة حتى بعد سقوطها، تعلّمت نوكيا قانون البقاء: لا تقاوم التغيير، بل كن جزءًا منه.
من نهر صغير حمل اسمها، إلى ملايين الأيدي التي حملت هواتفها، ثم إلى الشبكات التي لا تُرى ولكن يُبنى عليها كل شيء… كانت نوكيا دائمًا هناك، وإن تغيّرت هيئتها.
لم تعد في جيب المستخدمين، لكنها في كل مكان، في القطارات التي تصل في موعدها، في الموانئ التي لا تتوقف، في المستشفيات التي لا تحتمل خطأ في الإشارة، وفي المدن التي تحلم أن تصبح أذكى دون أن تفقد إنسانيتها.
نوكيا لم تكن قصة عن التكنولوجيا فقط، بل عن التجدد، ففي عالم يبحث عن الجديد، اختارت نوكيا أن تعود إلى ما تعرفه جيدًا: أن تكون الجذر الذي لا يُرى… لكنه يُبقي الشجرة حيّة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مؤسس "بلومبيرغ الإعلامية": قطر نموذج اقتصادي رائد
مؤسس "بلومبيرغ الإعلامية": قطر نموذج اقتصادي رائد

الجزيرة

timeمنذ 13 دقائق

  • الجزيرة

مؤسس "بلومبيرغ الإعلامية": قطر نموذج اقتصادي رائد

وصف مؤسس مجموعة بلومبيرغ الإعلامية، مايكل بلومبيرغ، قطر بأنها "نموذج اقتصادي رائد وقوة إيجابية للاستقرار والسلام ولديها رؤية استشرافية للمستقبل". وقال ضمن فعاليات منتدى قطر الاقتصادي إن قطر تمثل قوة إيجابية للاستقرار والتفكير على المدى البعيد، بما في ذلك رؤيتها الاستشرافية في مجال الطاقة، مشيرا إلى أن دولة قطر"من الأوائل في تصدير الغاز الطبيعي المسال في العالم وتستثمر المليارات في الطاقة المتجددة داخل الدولة وخارجها، وهذه الريادة الاقتصادية والنظرة الاستشرافية يجب أن تكون مصدر إلهام للدول الأخرى". وأشاد مؤسس مجموعة بلومبيرغ الإعلامية بدور قطر ودبلوماسيتها النشطة لحل النزاعات وتسوية الخلافات، وقال "ثمة عمل دبلوماسي يجري هنا قد لا يراه الناس، من خلاله تبذل قطر مساعيها لمساعدة الأطراف المتنازعة على التواصل والحوار وهو ما يسهم في جعل العالم مكانا أفضل". ونوّه بلومبيرغ بالشراكة بين دولة قطر ومجموعة بلومبيرغ الإعلامية في تنظيم منتدى قطر الاقتصادي الذي يجمع هذا العام نحو 2500 مشارك من دول مختلفة من أنحاء العالم. وأشار إلى أن المنتدى يعقد في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات اقتصادية وانعداما للاستقرار الذي يؤدي إلى تقلبات في الأسواق، فضلا عن تداعيات الحرب التجارية العالمية وانعدام اليقين، بالإضافة إلى الصراعات العسكرية المستمرة وتداعيات الأزمة المناخية التي تزداد كلفتها يوميا. ويشهد منتدى قطر الاقتصادي بالتعاون مع بلومبيرغ، الذي يعقد هذا العام تحت شعار "الطريق إلى 2030: تحويل الاقتصاد العالمي"، مشاركة عالمية واسعة لتبادل الرؤى والأفكار حول أبرز القضايا الاقتصادية الراهنة على المستويين العالمي والإقليمي وأبرزها: الجغرافيا السياسية، والعولمة والتجارة، وأمن الطاقة، والتطورات التكنولوجية، وآفاق الأعمال والاستثمار، بالإضافة إلى الرياضة والترفيه. تعاون تركي قطري أكد وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك ترحيب بلاده بالاستثمارات القطرية في القطاعات كافة، مشددا على أهمية التعاون بين الجانبين من خلال إنشاء مشاريع مشتركة سواء في قطر أو تركيا أو وجهات خارجية مثل أفريقيا وشرق آسيا وغيرها من الأسواق الناشئة. جاء ذلك خلال اجتماع عقده اليوم مع عضو مجلس إدارة غرفة قطر ، المهندس علي بن عبد اللطيف المسند. واستعرض الجانبان سبل تعزيز التعاون بين البلدين في المجالات التجارية والاقتصادية، ومناخ الاستثمار والفرص المتاحة، وإمكانية إقامة تحالفات تجارية بين الشركات القطرية والتركية. وشارك شيمشك في جلسة ضمن منتدى قطر الاقتصادي حملت عنوان "خارطة النمو العالمية: كيف يرى وزراء المالية والاقتصاد مستقبل الاقتصاد العالمي؟". التبادل التجاري وأوضح المسند أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ نحو 4.18 مليارات ريال (1.14 مليار دولار) في عام 2024، من بينها صادرات قطرية بقيمة 1.5 مليار ريال (410.57 ملايين دولار) وواردات من تركيا بقيمة 2.6 مليار ريال (711.66 مليون دولار). ولفت إلى وجود أكثر من 140 شركة تركية تستثمر في السوق القطرية منها 16 شركة برأس مال تركي 100%، وباقي الشركات تستثمر بشراكة مع شركات قطرية في قطاعات مختلفة. وأعرب عن تطلع غرفة قطر إلى أن يستفيد القطاع الخاص من الفرص والمبادرات المتاحة بين الطرفين لتحقيق مزيد من التطور والنمو في التعاون والشراكة بين الشركات القطرية والتركية في سائر القطاعات.

هل يستطيع مارك كارني إنقاذ الاقتصاد الكندي؟
هل يستطيع مارك كارني إنقاذ الاقتصاد الكندي؟

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

هل يستطيع مارك كارني إنقاذ الاقتصاد الكندي؟

كالغاري- أعلن رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني مؤخرًا عن تشكيل حكومته الجديدة، وسط توقعات مرتفعة بشأن قدرته على قيادة الاقتصاد الكندي نحو التعافي، وتحقيق النمو والاستقرار، في ظل أزمات سياسية واقتصادية عميقة يعاني منها تاسع أكبر اقتصاد في العالم. وتترقب الأوساط الشعبية، ولا سيما بين المهاجرين الجدد، قدرة كارني على مواجهة هذه الأزمات وتحقيق ما وعد به خلال حملته الانتخابية. وبعد إعلان تشكيلته الوزارية، أوضح كارني أن حكومته تستند إلى فريق أساسي مكلّف بإدارة العلاقات مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن هذا الفريق يعمل على تنفيذ التغيير الذي يتطلع إليه الكنديون ويستحقونه، مع التزامه بطرح أفكار جديدة، وجذب الاستثمارات، وبناء اقتصاد مرن قادر على الصمود أمام الصدمات المستقبلية. رجل إدارة الأزمات وفي ما يتعلق بقدرة كارني على إنقاذ الاقتصاد الكندي، يرى الدكتور عاطف قبرصي، أستاذ الاقتصاد في جامعة مكماستر، أن كارني يمتلك سجلًا حافلًا في التعامل مع الأزمات الاقتصادية، ويملك دراية عميقة بمقومات الاقتصاد الكندي واحتياجاته، إضافة إلى شبكة علاقات واسعة مع الدول الأوروبية وغيرها، وهو ما يُعزز قدرته على تطوير علاقات تجارية خارجية تفيد الاقتصاد الكندي. لكن قبرصي نبّه، في تصريحاته للجزيرة نت، إلى أن فتح أسواق جديدة ليس مهمة سهلة، بل يتطلب موارد ضخمة، خاصة وأن كندا تفتقر إلى البنية التحتية الضرورية لهذا التوسع التجاري. كما أشار إلى التحديات الداخلية، وخصوصًا النزعات الانفصالية المتزايدة في مقاطعتي ألبرتا وكيبيك، التي ستشكل تحديًا سياسيًا إضافيًا لكارني. وكان كارني قد أعلن في أكثر من مناسبة عزمه على إزالة الحواجز التجارية بين المقاطعات، والحد من الاعتماد الاقتصادي على الولايات المتحدة، وتعزيز الانفتاح على الأسواق العالمية، مؤكدًا في تصريحات صحفية أن "العلاقة التقليدية بين كندا والولايات المتحدة قد انتهت"، حسب تعبيره. وفرضت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة تعريفات جمركية بلغت 25% على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات الكندية، مما يُنذر بانخفاض صادرات كندا بنحو 15% بحلول عام 2026، بحسب تقديرات معهد "فريزر" الكندي. وقد يؤدي هذا الانخفاض إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب بالسوق الكندية. دعم مشروط من الخبراء من جانبه، أيّد مدين سلمان، مستشار الأمن المالي، ما ذهب إليه قبرصي، مشيرًا إلى أن كارني، بصفته محافظًا سابقًا لبنك كندا ثم بنك إنجلترا، يمتلك خبرة مالية واسعة تؤهله لإدارة هذه المرحلة الحرجة. بيد أن سلمان شدد، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، على أن كارني لا يملك "عصًا سحرية" لحل التحديات المتراكمة، وأن نجاحه يعتمد بشكل أساسي على تعاون البرلمان الفدرالي والأحزاب السياسية، لتخطي الإرث الثقيل الذي خلفته حكومة جاستن ترودو. وتواجه كندا حزمة من التحديات الداخلية، أبرزها ارتفاع تكاليف المعيشة، وغلاء السكن، و تضخم الأسعار، وهي أزمات أسهمت بشكل مباشر في تراجع شعبية الحكومة السابقة، وفاقمت مشاعر الغضب الشعبي، مما يضع مسؤوليات جسيمة على عاتق حكومة كارني الجديدة، التي وعدت باستثمارات ضخمة في قطاع الإسكان، وخفض الإنفاق العام. تهدئة التوترات الداخلية وفيما يخص أولويات الحكومة الجديدة، شدد سلمان على ضرورة إعطاء الأولوية لحل الخلافات بين المقاطعات الكندية، وتقريب وجهات النظر، وإزالة القيود المفروضة على التجارة الداخلية، بالإضافة إلى أهمية تنفيذ مشاريع كبرى، مثل إنشاء خط أنابيب لنقل النفط والغاز بين ألبرتا وساسكاتشوان والساحلين الغربي والشرقي. كما أوصى بتنويع مصادر الاقتصاد، والتوسع في مجالات واعدة مثل الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، داعيًا في الوقت ذاته إلى مراجعة بعض القوانين البيئية التي يرى أنها تعيق استغلال موارد البلاد بكفاءة. بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور زياد الغزالي، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، أن الشعب الكندي اليوم أكثر تماسكًا من أي وقت مضى، بسبب التهديدات الأميركية بضم كندا اقتصاديًا، وتصاعد وتيرة فرض الرسوم الجمركية، معتبرًا أن نتائج الانتخابات الفدرالية الأخيرة تعكس هذا التماسك. ورأى الغزالي أن كارني قادر على مواجهة التحديات، لما يمتلكه من خبرات اقتصادية، وحنكة سياسية مكّنته من استقطاب الناخبين، مستفيدًا من التخبط الأميركي في السياسات التجارية، واعدًا بتقوية علاقات كندا مع الاتحاد الأوروبي، والصين، وأسواق جديدة. انتقادات لرؤيته الاقتصادية من جهة أخرى، قدّم خبير الخدمات المالية والرهن العقاري، أحمد جاد الله، رؤية نقدية لمقاربة كارني، واعتبر أن خططه شديدة الطموح وتفتقر إلى الواقعية، وتشبه إلى حد كبير مقاربات رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو. وأشار جاد الله، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، إلى أن حل أزمة السكن لا يمكن أن يبدأ بإعلان نية بناء وحدات سكنية جديدة، بل يتطلب أولًا معالجة مشاكل أساسية، مثل نقص العمالة، وارتفاع أسعار المواد الخام، وزيادة الضرائب، وتعقيدات تراخيص البناء، والبيروقراطية المصاحبة لها. وأوضح جاد الله أن رؤية كارني لتنويع الشراكات التجارية تفتقر إلى خطة تنفيذية واضحة، وفريق عمل متخصص للترويج للمنتج الكندي في الخارج، كما أنها لا تتضمن آلية فعالة لتفعيل دور الملحقيات التجارية في السفارات، من أجل تقليل التبعية للسوق الأميركي. إعلان وأشار إلى غياب حوافز ملموسة لدعم المصنعين والمصدّرين، أو لجذب الكفاءات من الخارج، الأمر الذي قد يعزز من تسرب العقول إلى الولايات المتحدة. ووصف جاد الله رؤية كارني الاقتصادية بأنها "مَركبَة رياضية أنيقة، لكنها بلا عجلات"، موضحًا أن كارني، رغم مكانته الكبيرة في الأوساط المالية ودوره في احتواء أزمة 2008-2009، لا يملك الأدوات الكافية لإحداث تغيير نوعي في الوضع الراهن، خصوصًا أن المؤشرات الاقتصادية الحالية لا تبعث على التفاؤل. أرقام وتوقعات وبحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى كندا بلغت في النصف الأول من عام 2024 نحو 28.2 مليار دولار أميركي، مقارنة بـ25.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2023. ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو خلال عام 2025 بمعدل يتراوح بين 3% و5%، مدفوعًا بزيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة النظيفة. انتظار شعبي مشوب بالحذر وفي المحصلة، يبدو أن الكنديين والمهاجرين الجدد يترقبون أداء حكومة مارك كارني في ظل ظروف استثنائية وتحديات غير مسبوقة. ورغم الإجماع النسبي على خبرته وقدراته القيادية، فإن تحقيق النجاح يتوقف على تهدئة التوترات الداخلية، والقدرة على التعامل مع الضغوط الأميركية، وبناء تحالفات إستراتيجية دولية. وستكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان كارني سيحول وعوده إلى واقع ملموس، أم أن حجم التحديات سيتجاوز قدراته وطموحاته.

تحقيق يكشف استثمار صناديق "خضراء" أوروبية بشركات ملوثة للبيئة
تحقيق يكشف استثمار صناديق "خضراء" أوروبية بشركات ملوثة للبيئة

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

تحقيق يكشف استثمار صناديق "خضراء" أوروبية بشركات ملوثة للبيئة

كشف تحقيق عن وجود صناديق استثمارية أوروبية "خضراء" تستثمر أكثر من 33 مليار دولار في شركات نفط وغاز كبرى، على الرغم من أن الوقود الأحفوري هو السبب الجذري لأزمة المناخ. وقد استخدمت بعض هذه الصناديق علامات تجارية مثل "النجوم العالمية المستدامة" و"مسار المناخ الأوروبي". وحلل التحقيق الذي أجرته فوكسيروب وصحيفة غارديان البريطانية ملكية شركات الوقود الأحفوري المدرجة في تقرير "كاربون ماجورز" خلال الربع الأخير من عام 2024، باستخدام منصة البيانات والتحليلات التابعة لمجموعة بورصة لندن. وخلص إلى أن الصناديق الخضراء تمتلك 33.5 مليار دولار في 37 شركة كبيرة للوقود الأحفوري. وحسب التحقيق، استُثمر أكثر من 18 مليار دولار -من بين الاستثمارات الأخرى- في أكبر 5 شركات ملوِّثة للبيئة، وهي "توتال إنرجيز"، و"شل"، و"إكسون موبيل"، و"شيفرون، و"بي بي". وتصدَّرت هذه الشركات تصنيف شركات الكربون الكبرى لعام 2023 في إنتاج النفط والغاز بين الشركات المملوكة للمساهمين. وشملت الاستثمارات الأخرى للصناديق التي تتبع لوائح الإفصاح عن التمويل المستدام بالاتحاد الأوروبي "إس إف دي آر" (SFDR) استثمارات في شركة التكسير الهيدروليكي الأميركية "ديفون إنرجي"، وشركة "سنكور" الكندية، وفقا لما كشفه التحقيق. ووُظِّفت استثمارات الوقود الأحفوري في صناديق خاضعة لقواعد "إس إف دي آر"، وتحديدا المادتين 8 و9، اللتين تتناولان على التوالي تعزيز الأهداف "البيئية أو الاجتماعية" و"الاستثمارات المستدامة". وقد استثمرت أكثر من 480 شركة استثمارية في هذا النوع من الاستثمارات، بما في ذلك أسهم في شركات الوقود الأحفوري. ووجد التحقيق أيضا أكثر من مليار دولار من الأسهم في شركات الوقود الأحفوري العملاقة الخمس في صناديق تستخدم الكلمات الرئيسية الخضراء في عناوينها في مارس/آذار 2025. واستثمر صندوق "مسار المناخ الأوروبي" التابع لشركة "ليغال آند جنرال لإدارة الاستثمارات" 88 مليون دولار في شركات "شل" و"بي بي" و"توتال إنرجيز". وبلغ إجمالي استثمارات "إل جي إم" 210 ملايين دولار في صناديق "خضراء". كما استثمر "صندوق روبيكو للنجوم العالمية المستدامة" 40 مليون دولار في شركة "توتال إنرجيز". وبلغ إجمالي استثمارات "روبيكو" في هذه الصناديق 207 ملايين دولار. واستثمر صندوق آخر وهو "وورلد إي إس جي" 43 مليون دولار في جميع شركات النفط الخمس الكبرى. ويُطلق على الصناديق التي تُعنى بالأهداف البيئية والاجتماعية والحوكمة اسم "إي إس جي" (ESG). وبلغت استثمارات "ستيت ستريت غلوبال أدفايزرز المملكة المتحدة" إجمالا 243 مليون دولار في الصناديق "الخضراء". وكانت المؤسسات المالية التي تمتلك أكبر حصص في الوقود الأحفوري في صناديقها من المادة 8 و9 وتلك التي تستخدم الكلمات المفتاحية الخضراء هي شركة "جي بي مورغان" لإدارة الأصول وشركتها التابعة في المملكة المتحدة بمبلغ 3.2 مليارات دولار، وشركة "دي دبليو إس" في ألمانيا بمبلغ 2.2 مليار دولار، وشركة "بلاك روك" لإدارة الاستثمارات في المملكة المتحدة، وشركة "بلاك روك أدفايزرز" في المملكة المتحدة بمبلغ 1.7 مليار دولار مجتمعة. تضليل مناخي وحسب التحقيق، يدّعي المستثمرون أن امتلاك حصة في شركة ما يسمح لهم بالتأثير على مساعيها لتحقيق أهداف المناخ. ومع ذلك لا توجد لدى أي شركة كبرى لإنتاج النفط والغاز خطط تتوافق مع أهداف المناخ الدولية، وقد خفّضت العديد من الشركات خططها في العام الماضي، وفقا لتقرير صادر عن موقع متتبع الكاربون العالمي "كاربون تراكر" في أبريل/نيسان الماضي. وقالت جورجيا رانزاتو، مديرة التمويل المستدام في هيئة النقل والبيئة الأوروبية: "بالنسبة لصندوق يدّعي أنه صديق للبيئة، فإن الاستثمار في شركات الوقود الأحفوري الكبرى يجب أن يكون خطا أحمر". وأضافت: "بما أن شركات النفط الكبرى لا تُسهم مساهمة فعالة في التحول في مجال الطاقة، فإن أي استثمار من قِبل صندوق صديق للبيئة في هذه الشركات يُعدّ في جوهره تضليلا بيئيا. ولمواجهة هذا الواقع بفعالية، تدعو هيئة النقل والبيئة ومنظمات أخرى إلى مراجعة جادة للتمويل المستدام بالاتحاد الأوروبي". من جهته، قال ريتشارد هيدي من معهد المساءلة المناخية: "من الشيطاني أن تستثمر البنوك ومديرو الأصول مليارات الدولارات في شركات الوقود الأحفوري الكبرى تحت عنوان "الاستثمار الأخضر"، عندما نحتاج إلى تسريع الاستثمارات في الطاقة غير الكربونية ومنخفضة الكربون، وفي كفاءة الكربون، وفي تقنيات إزالة الكربون " . وفي رده على التحقيق، قال متحدث باسم شركة بلاك روك لصحيفة غارديان: تُدار صناديق بلاك روك وفقا لأهدافها الاستثمارية، ووفقا للأنظمة السارية التي تُنظّم الاستثمار المستدام. وللمستثمرين الذين لديهم أهداف استثمارية في مجال إزالة الكربون، نُقدّم مجموعة من المنتجات التي تُتيح لهم هذا التعرض". كما صرّح متحدثٌ باسم شركة إدارة الأصول "روبيكو" بأن صندوق "النجوم العالمية المستدامة" التابع لها سيحذف كلمة "مستدامة" من اسمه، وأوضح أن بصمة الصندوق الكربونية أفضل بنسبة 20% مقارنة بمؤشر السوق، وأن الشركة لديها "تعاون مثمر ومكثف" مع شركة "توتال إنرجيز".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store