
الذكاء الاصطناعي كقوة ناعمة: إعادة رسم خرائط النفوذ
لقد تحول الذكاء الاصطناعي من مجرد تقنية إلى أداة قوة ناعمة قادرة على التغلغل في عمق الوعي العام، ولم يعد التأثير الثقافي والدبلوماسي يعتمد فقط على الإعلام أو التعليم أو اللغة، بل أصبح الذكاء الاصطناعي لاعباً أساسياً في تشكيل المواقف، وتحديد السلوك السياسي، وتعزيز النفوذ من دون الحاجة لاستخدام القوة التقليدية.
القوة الناعمة، كما صاغها الباحث جوزيف ناي، تقوم على القدرة على الإقناع والجذب، بدلاً من الإكراه واليوم، يستخدم الذكاء الاصطناعي هذه القاعدة ليعيد صياغة مفاهيم التأثير فمن خلال المنصات الرقمية، ومواقع التواصل، والتطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تقديم المحتوى، بات من الممكن توجيه الرأي العام والتأثير على المزاج الشعبي بطرق غير مباشرة لكن فعالة.
من يتابع مقاطع الفيديو التي تظهر له، أو المقالات التي تقترح عليه يومياً، قد لا يدرك أن الذكاء الاصطناعي هو الذي يختار له هذه المحتويات، وهنا تكمن القوة الناعمة للذكاء الاصطناعي في التأثير من دون أن يشعر المتلقي بأنه تحت تأثير.
الذكاء الصناعي وإعادة رسم خرائط النفوذ
الولايات المتحدة، تعتبر من أبرز الدول التي توظف الذكاء الاصطناعي ضمن أدوات سياستها الخارجية، حيث تصدر أنظمة وتقنيات تعتمد عليه لتعزيز حضورها العالمي والصين بدورها تسعى لنشر نموذجها القائم على الذكاء الاصطناعي المرتبط بالرقابة والتنظيم، في حين تستخدم روسيا الذكاء الاصطناعي في دعم إستراتيجيات المعلومات الموجهة.
هذه الدول الكبرى لا تخوض صراعاً تقليدياً، بل تخوض سباق ثورة ناعمة تكمن في الذكاء الاصطناعي هدفه السيطرة على مساحات أكبر من العقول، وليس من الأرض فقط.
لقد تغير تعريف النفوذ الدولي، فبدلاً من السيطرة على المضائق والموانئ، أصبح النفوذ يقاس بمدى قدرة الدولة على التأثير في الفضاء الرقمي العالمي. الذكاء الاصطناعي أصبح أداة لبناء صورة الدولة، ونشر ثقافتها، وتعزيز مصالحها من خلال تقديم نموذج جذاب يبنى على التحليل، والتوجيه، وتكييف الرسائل مع كل جمهور على حدة.
بالنسبة لدول الخليج، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة إستراتيجية لصياغة هيمنة ناعمة جديدة تتناسب مع مكانتها الاقتصادية والثقافية فمع وجود استثمارات ضخمة في مجالات التقنية، ومبادرات وطنية متقدمة في الذكاء الاصطناعي، يمكن لدول الخليج أن تنشئ منصات إعلامية وثقافية توصل صوتها إلى العالم، بعيداً عن القوالب الغربية الجاهزة.
لكن التحدي يكمن في أن تكون هذه المشاريع مبنية على رؤية مستقلة، وأن تخدم مصالح المجتمعات المحلية قبل أن تكون مجرد نسخ من تجارب عالمية مستوردة.
إذن الذكاء الاصطناعي ليس تقنية فقط، بل أداة قوة ناعمة، تعيد ترتيب العلاقات بين الدول، وتمنح النفوذ لمن يحسن استخدامها وفي زمن تتراجع فيه الجغرافيا أمام التكنولوجيا، لم تعد الدول بحاجة لاحتلال أراض لتكون مؤثرة، بل يكفيها أن تكون حاضرة في عقل المستخدم وشاشته اليومية.
إنه عصر جديد من النفوذ... لا يمارس من خلال الجيوش، بل من خلال الذكاء الاصطناعي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 6 ساعات
- عكاظ
جرائم في الذكاء الاصطناعي!
جرائم ترتكب بواسطة الذكاء الاصطناعي تعد خطراً كبيراً على المجتمعات في ظل التطور التكنولوجي الذي تسارعت وتيرته، وساعد في ظهور العديد من الجرائم الحديثة أو ما يطلق عليه «جرائم المستقبل». وهي لم تكن معلومة منذ سنوات مضت، إذ مكّن الذكاء الاصطناعي من تطوير قدرات تصل خطورتها إلى بناء خبرة ذاتية تمكنها من اتخاذ القرارات وتنفيذ الجرائم باحترافية عالية. وساهمت محركات الذكاء الاصطناعي، في توفر الأدوات المدعومة التي تمكّن عصابات الاحتيال من تنفيذ جرائمها عبر المحركات في «الشبكة المظلمة»، ما يمكّن المجرمين من تحقيق أهدافهم الخبيثة، عبر رسائل بريد إلكتروني متطورة وبرامج تحاكي الواقع وأخرى تسقط الضحايا دون وعي، فهي مخصصة للتصيّد الاحتيالي بتطوير برامج ضارة مصممة خصيصاً لتجنب كشفها وتجاوز الإجراءات وتعزيز فاعلية هجماتهم الاحتيالية وإنجاحها. التزييف العميق للصوت أكد رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الدكتور عبدالمجيد البنيان، أن الذكاء الاصطناعي بات يمثل أولوية دولية لما له وما سيكون له في المستقبل من انعكاسات كبيرة ستُغير من شكل العالم، وقال: لم يَعُدّ خافياً عن العيان السباق الدولي المحموم لتطوير وامتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ بهدف التفوق في هذا المجال لما ستوفره من مزايا قوة نسبية محتملة في المستقبل. وسيُهيمن هذا السباق المحموم على المشهد الدولي، وسيستمر لفترة من الزمن، مُحَذراً من المخاطر الكبيرة المرتبطة بهذا الأمر، مثل استخدام هذه التقنيات من قِبَل عصابات الجريمة المنظمة، إذ أشار تقرير صادر أخيراً، إلى أن 85% من أساليب الجريمة السيبرانية استفادت من التقنيات المتقدمة للذكاء الاصطناعي، فضلاً عن المخاطر البيئية المحتملة؛ بسبب استهلاك المياه والكهرباء الضخم الذي تتطلبه الشركات المطورة لهذه التقنيات. وأضاف البنيان أن هناك تحديات أخلاقية كبيرة محتملة، تتطلب اهتمام الجميع للتعامل معها ووضع التشريعات المناسبة واتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهتها قبل وقوعها. وبيّن أن جامعة نايف وضعت الذكاء الاصطناعي على رأس أولويات خطتها الإستراتيجية 2029م، وأنشأت مركزاً متخصصاً للذكاء الاصطناعي الأمني، واستقطبت مجموعة من الخبراء من حول العالم، وأطلقت برنامجاً للماجستير في ذات المجال، ووفّرت برامج تدريبية متخصصة لإعداد القدرات البشرية العربية في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته الأمنية، كما طوّرت عدداً من التقنيات المبتكرة التي تعتمد على هذه التقنية مثل الكشف عن التزييف العميق للصوت باللغة العربية. تحذير من المقاطع المفبركة حذّر إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ عبدالرحمن السديس، في خطبة الجمعة، من الاختراقات الإلكترونية بشتى صورها وأنواعها، وجرائم الذكاء الاصطناعي الذي أصبح متاحاً للجميع، وجرائم وسائل التواصل الاجتماعي كالابتزاز والتشهير والمقاطع المفبركة وبثّ الشائعات. وشدد على أنه يجب مواجهة هذه الأنشطة الإجرامية صفاً واحداً في وجه كل من يحاول زعزعة الأمن المجتمعي، بشق الصف وإحداث الفرقة والخلل، وبثّ الشائعات، والكذب بمقاطع مكذوبة، أو أقوال منتحلة. وأشار إلى أن الأمن المجتمعي بات ضرورة حتمية؛ لمعرفة أساليب النصب والاحتيال، وكيفية التعامل معها والوقاية منها، ووقاية المجتمع من الجرائم المستحدثة التي تنتهك الحقوق وتستهدف الدين والأنفس والعقول والأعراض والأموال، محذراً البعض من أن يكونوا أدوات أو مطايا للأعداء. أنظمة قوية وحماية فائقة أكد رئيس نيابة الاحتيال المالي في النيابة العامة الدكتور نايف الواكد، أن تصدّر السعودية مؤشر الأمن السيبراني العالمي لعام 2024م، يعكس قوة الأنظمة الإلكترونية الحكومية وحمايتها الفائقة، مؤكداً عدم تسجيل أي جريمة احتيال مالي ناتجة عن اختراق الأنظمة السيبرانية للبلاد، في حين كانت الجرائم المسجلة نتيجة استغلال الجناة البيانات الشخصية للضحايا. وأوضح أن نيابات الاحتيال المالي تعمل باستمرار على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في جميع مناطق السعودية، لتلقي البلاغات من جهات الضبط الجنائي، مضيفاً أن الإبلاغ الفوري للشرطة والبنك يعد خطوة حاسمة لضمان استرداد الأموال التي تم الاستيلاء عليها ومنع تحويلها للخارج. ونوّه بأن السعودية أقل من المتوسط العالمي في جرائم الاحتيال المالي، التي بلغ حجمها عالمياً 6.5 تريليون دولار عام 2021م، ويزداد نمواً بنسبة 15%، مع توقعات بأن يصل إلى 10.5 تريليون دولار في 2025م. وعدّ الواكد بيانات المواطنين في الخدمات الحكومية؛ مثل «أبشر» و«النفاذ الوطني» خطاً أحمر، مطالباً الجميع بتوخي الحذر، وعدم مشاركة رموز التحقق أو البيانات الشخصية مع أي جهة غير موثوقة، إذ إن المحتال يمكنه الوصول حتى مع وجود جدار حماية قوي إذا كان بحوزته المفتاح، وهو بياناتك الشخصية. جرائم موجبة للتوقيف أوضح المحامي عبدالعزيز بن دبشي، أن جرائم الاحتيال المالي من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، وتتضمن جانبين؛ هما الحق العام والحق الخاص في المطالبة بعودة المبالغ المالية التي حصل عليها المحتال في جريمته. وأضاف أن الممارسات التي من شأنها الجناية على أموال الآخرين بالاحتيال عليهم وسرقتها تقع تحت طائلة المساءلة الجزائية المشددة، وتستوجب عقوبات ما بين السجن والغرامة، فضلاً عن إبعاد غير السعوديين عن البلاد عقوبةً تبعيةً عقب تنفيذ العقوبة في الحقين الخاص والعام. وأوضح أن عقوبة النصب والاحتيال تنص على السجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مليوني ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل شخص يرتكب أيّاً من الجرائم المعلوماتية المصنفة؛ ومنها الاستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول أو على سند، أو توقيع هذا السند وذلك عن طريق الاحتيال، أو اتخاذ اسم كاذب أو انتحال صفة غير صحيحة. وبين أن المادة الخامسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية نصت على السجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مليوني ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ لكل شخص يقوم بالاستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول أو على سند، أو توقيع هذا السند، وذلك عن طريق الاحتيال، أو اتخاذ اسم كاذب، أو انتحال صفة غير صحيحة. جرائم عميقة ومعقدة الباحث خبير الأمن السيبراني محمد السريع، عرّف جرائم الذكاء الاصطناعي بأنها جرائم ترتكب باستخدام التقنية، وغالبها جرائم تقليدية مثل الاحتيال والقرصنة، إضافة إلى جرائم جديدة مستحدثة مثل التزييف العميق والهجمات السيبرانية المعقدة. وقسّم السريع أنواع جرائم الذكاء الاصطناعي إلى جرائم الاحتيال والقرصنة عبر إنشاء رسائل تصيّد احتيالي أكثر إقناعاً، أو لاختراق الأنظمة الأمنية للشركات والمؤسسات، وجرائم التزييف العميق لإنشاء مقاطع فيديو أو تسجيلات صوتية مزيفة (تزييف عميق) لأشخاص، مما قد يؤدي إلى تشويه سمعتهم أو التسبب في ضرر مالي أو معنوي لهم. ومن تلك الجرائم الهجمات السيبرانية، إذ يستخدم الذكاء الاصطناعي لتطوير هجمات سيبرانية أكثر تعقيداً وفعالية، مثل هجمات الفدية وهجمات تعطيل الخدمات. وشدد على أن التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي يمثل تحدياً كبيراً للجهات الأمنية والقانونية، وتصعب أحياناً مواكبة هذه التقنيات وتطوير إستراتيجيات فعالة لمكافحتها، ومن الصعب تحديد المسؤولية الجنائية في جرائم الذكاء الاصطناعي، خصوصاً في الحالات التي تستخدم فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل يصعب معها كشف موقع وجود المحتال كونه يستخدم معرفات وتقنيات يصعب معها تحديد موقع وجوده. وأكد الخبير السريع ضرورة أهمية مكافحة جرائم الذكاء الاصطناعي ورفع الوعي بخطورتها وتفعيل برامج الحماية والمكافحة لها وتعزيز الوعي ورفع درجات العلم والدراسة بها، فلا نمر بها مرور الكرام، بل يجب التوقف عندها والعناية بها وطرق كشفها والحماية منها. أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 7 ساعات
- الشرق الأوسط
اجتماع نادر بين مسؤولي فضاء أميركيين وروس بشأن القمر والمحطة الدولية
قالت وكالة الفضاء الروسية (روسكوسموس) إن شون دافي المدير المؤقت الجديد لإدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) عقد يوم الخميس اجتماعا نادرا وجها لوجه في فلوريدا مع رئيس وكالة الفضاء الروسية دميتري باكانوف وإنهما ناقشا التعاون بشأن القمر والحفاظ على العلاقة طويلة الأمد في ما يتعلق بمحطة الفضاء الدولية. ولم تتحدث ناسا علنا عن أول محادثة وجها لوجه بين رئيسها ورئيس وكالة الفضاء الروسية منذ عام 2018، كما رفضت التعليق على الاجتماع أو مشاركة أي تفاصيل عما تمت مناقشته. كان الاجتماع، الذي تزامن مع محاولة إطلاق طاقم مشترك من رواد الفضاء من فلوريدا إلى محطة الفضاء الدولية، لحظة مهمة في العلاقات الفضائية المتوترة بين واشنطن وموسكو، وخاصة بالنسبة لدافي، القائم بأعمال مدير ناسا والذي تم تعيينه في هذا الدور في يوليو (تموز) بينما يشرف أيضا على وزارة النقل. ونشرت روسكوسموس على تطبيق تلغرام مقطع فيديو للقاء بين دافي وباكانوف، وكل منهما محاط بالموظفين، في مركز كينيدي الفضائي التابع لوكالة ناسا إلى جانب فعاليات أخرى حيث يمكن رؤية باكانوف ووفده يتعاملون مع المسؤولين الأميركيين ويختلطون بهم. وقالت وكالة الفضاء الروسية في بيان إن «الطرفين ناقشا المزيد من العمل على محطة الفضاء الدولية، والتعاون في البرامج الخاصة بالقمر، والاستكشاف المشترك للفضاء العميق، ومواصلة التفاعل في مشاريع فضائية أخرى». ولم ترد روسكوسموس وناسا على أسئلة حول طبيعة البرامج الخاصة بالقمر أو المناقشات حول الفضاء العميق. وقد تعكس هذه المحادثات تحسنا في العلاقات بين برامج الفضاء المدنية في البلدين. كانت روسيا تخطط للمشاركة في برنامج أرتميس القمري الرائد التابع لناسا حتى غزوها أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وأدت الحرب إلى عزلة كبيرة لبرنامج الفضاء الروسي، والذي عزز منذ ذلك الحين الاستثمارات في الجهود الفضائية العسكرية بينما انهارت جميع مشاريع استكشاف الفضاء المشتركة مع الغرب تقريبا. وزار الوفد الروسي مركز جونسون الفضائي التابع لناسا في هيوستن يوم الأربعاء. وفي حين أدت التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب الحرب في أوكرانيا إلى الحد من الاتصال بين ناسا وروسكوسموس، فقد استمرت الوكالتان في مشاركة رحلات رواد الفضاء والتعاون في محطة الفضاء الدولية، وهي رمز للدبلوماسية العلمية يمتد عمره لخمسة وعشرين عاما.


عكاظ
منذ 8 ساعات
- عكاظ
الصحفيون على مائدة الذكاء الاصطناعي!
الإعلام يتغيّر بسرعة مذهلة، أسرع بكثير مما كنا نتخيل، يدفعه إلى هذا التحوّل التاريخي وقود قد يخرج عن السيطرة في أي وقت، وقود سريع التفاعل اسمه الذكاء الاصطناعي. لم يعد السؤال اليوم: «هل يؤثر الذكاء الاصطناعي على الإعلام؟».. بل أصبح «كيف سيعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل وجه الإعلام؟». قبل عشر سنوات من اليوم لم يكن من السهل أن نصدق أن تكتب خوارزمية تقرير صحافي وفق أعلى درجات المهنية، أو أن يُنتج روبوت صوتي نشرة إخبارية بصوت بشري خالص. أما اليوم، فقد أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) محررًا صحفيًا، ومخرجًا تلفزيونيًا، ومحللًا سياسيًا، وجمهورًا يتفاعل! «واشنطن بوست» المنصة الإعلامية العالمية التي يُقرأ محتواها يوميًا في كل بقاع هذا الكوكب تستخدم الآن خوارزمية تُدعى Heliograf لكتابة تقارير رياضية وسياسية بشكل لحظي. وآلاف الأخبار تُكتب كل عام بلا يد بشرية، لكنها لا تبدو آلية أو باردة، بل دقيقة، ومنسقة، وموجهة للجمهور الصحيح. وفي أقصى شرق العالم هناك محطة صينية اسمها Xinhua أطلقت أول مذيع ذكاء اصطناعي قبل ثماني سنوات، مذيع لا ينام، ولا يخطئ، ولا يغيب، ويُطل على الناس 24 ساعة في اليوم بنبرة صوت ثابتة ووجه لا يشيخ. تخيل أن خبرًا عاجلًا عن زلزال يضرب منطقة معينة، يُكتب خلال ثوانٍ، يُوزع على منصات التواصل، ويُترجم فورًا بلغات متعددة – كل ذلك بدون تدخل بشري. أما في مجال المونتاج، فيمكن للذكاء الاصطناعي خلال دقائق تحليل لقطات فيديو مدتها ساعات طويلة ومن ثم اختيار أفضل المقاطع لإنتاج قصة مرئية مدهشة، بينما يحتاج فيه الإنسان إلى ساعات وربما أيام للقيام بالمهمة نفسها! الأهم من ذلك أن الخوارزميات لا تنشر فقط، بل تعرف من أنت، وماذا تحب، ومتى تميل للقراءة أو المشاهدة، فالمحتوى الإعلامي اليوم أصبح مُفصّلًا بحسب شخصية المستخدم وتاريخه الرقمي، وحتى مزاجه اللحظي، إذ يتوقع الذكاء الاصطناعي الأخبار التي قد تهمك، ويقدمها لك بترتيب يزيد من احتمالية تفاعلك معها، مما يفتح الجدل حول قضية جديدة وتساؤل كبير هو: هل هذا ذكاء أم تلاعب؟ إنه تساؤل أخلاقي ما زال مطروحًا بقوة، لكن إجابته لن تغيّر في الواقع شيئًا. نحن أمام إعلام هجين، تلتقي فيه قدرات البشر بإمكانات الآلة. خوارزميات تكتب وتنشر، وصحفيون يفكرون ويحللون. ومن يملك مهارات التعامل الاحترافي مع الذكاء الاصطناعي، لا يملك فقط الأدوات، وإنما يملك أيضًا السيطرة على السرد، والزمن، والانتباه. وهنا، يجب أن يكون الذكاء البشري حاضرًا أكثر من أي وقت مضى. الصحفي اليوم ليس مهددًا بالانقراض كما قد يظن البعض، ولن يكون وجبة العشاء الأخيرة على مائدة الذكاء الاصطناعي، لكنه بحاجة إلى تطوير مهاراته في التعامل مع أدوات هذه التقنية، لأن من يجيد استخدام الأدوات باحتراف سيقفز قفزة مهنية هائلة، وسيصبح بلا شك أسرع، وأدق، وأكثر قدرة على تحليل البيانات وصناعة قصص عميقة ومؤثرة وأكثر نجاحًا وانتشارًا. علينا أن ندرك كإعلاميين ومهتمين أن توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام هو أكبر منعطف فلسفي وأخلاقي في تاريخ هذه المهنة.. منعطف يعيد تعريف معنى «الخبر»، و«الناشر»، و«المتلقي». إنه فرصة هائلة، وخطر كامن في الوقت ذاته، فهل نحن على استعداد للتعامل مع حقبة زمنية يحركها إعلام لا ينام، ولا يتردد، ولا ينسى؟ أم أننا سنكتشف – متأخرين – أننا وصلنا إلى الحفل بعد انصراف المدعوين لحفل آخر؟ أخبار ذات صلة