
بعيداً عن المدرسة ووسط الحرب، كيف يكافح أطفال غزة للبقاء؟
BBC
يبلغ زكريا من العمر 11 عاماً، ويعيش في غزة. ويُعتقد أنه رأى آلاف الجثث، منذ أن بدأت الحرب.
وبينما يذهب الأطفال في سنه غالبا إلى المدرسة، يعمل زكريا متطوعا في مستشفى الأقصى، أحد المستشفيات القليلة، التي لا تزال تعمل في غزة.
وعندما تتوقف سيارات الإسعاف التي تحمل ضحايا الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" أمام المستشفى، يشق زكريا طريقه بين جموع الناس، لاستقبال الجرحى ونقلهم إلى الداخل من أجل العلاج.
وبعد لحظات تجده يركض في الممرات وهو يدفع نقالة. ثم تراه يحمل طفلا صغيرا إلى قاعة الطوارئ.
العديد من زملائه في المدرسة قتلوا منذ أن بدأ النزاع، ووجوده في المستشفى يجعله شاهداً على مناظر مروعة. ويقول إنه رأى أمامه ذات مرة بعد غارة إسرائيلية، طفلا يحترق حتى الموت.
وقال للمصور: "ربما رأيت 5 آلاف جثة على الأقل. شاهدتهم بأم عيني".
زكريا أحد الأطفال والشباب الذين قضينا 9 أشهر في متابعتهم لتصوير شريط وثائقي لبي بي سي بعنوان: "غزة، كيف تبقى على قيد الحياة في الحرب".
أخرجت الفيلم مع زميلي يوسف حماش من لندن، لأن إسرائيل منعت الصحفيين الدوليين من دخول قطاع غزة وتغطية الأحداث بشكل مستقل، منذ أن بدأت الحرب قبل 16 شهراً.
BBC
ومن أجل جمع المشاهد والحوارات، وظفنا مصورين اثنين يعيشان في غزة، هما أمجد الفيومي، وإبراهيم أبو عشيبة. وكنا نتواصل معهم بانتظام عبر الرسائل النصية، والمكالمات عبر الانترنت، وشبكات الهاتف النقال.
وأردنا من خلال هذا الشريط الوثائقي أن نصور للناس الحياة اليومية، التي يعيشها أهل غزة، وهم يحاولون النجاة بأنفسهم من أهوال هذا النزاع، وانتهينا من التصوير منذ أسابيع قليلة، في اليوم الذي بدأ فيه وقف إطلاق النار الحالي.
ركزنا التصوير على ثلاثة أطفال وامرأة شابة لديها مولود جديد، وهم ضحايا هذه الحرب، التي توقفت يوم 19 يناير 2025، عندما دخل اتفاق الإفراج عن الرهائن بين "حماس" وإسرائيل حيز التنفيذ.
وقتل أكثر من 48200 شخص في غزة خلال الهجمات الإسرائيلية - وفق وزارة الصحة في غزة - التي بدأت بعد هجمات عناصر من حماس على إسرائيل يوم 7 أكتوبر عام 2023، وقتل فيها 1200 شخص واحتجز 251 كرهائن، وفق السلطات الإسرائيلية.
وجرى التصوير عموما في جنوب ووسط غزة، وهي منطقة خصصتها إسرائيل على أنها "منطقة إنسانية"، وطلبت من الفلسطينيين الذهاب إليها من أجل سلامتهم. وعلى الرغم من ذلك تعرضت المنطقة للقصف 100 مرة تقريباً، منذ مايو 2024 ويناير 2025، بحسب تحليل لقسم تقصي الحقائق في بي بي سي، فيما تقول إسرائيل إنها كانت تستهدف مقاتلي حركة "حماس" هناك.
BBC
أردنا أن نعرف أين يجد الأطفال الطعام، وأين ينامون، وماذا يفعلون لشغل أنفسهم، وهو يحاولون البقاء على قيد الحياة.
ويروي الفيلم قصة عبد الله، البالغ من العمر 13 عاما، الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة لأنه درس في مدرسة بريطانية في غزة قبل الحرب، وهو الآن يبذل قصارى جهده لمواصلة تعليمه.
وأما رناد، وعمرها 10 سنوات، فتنشر فيديوهات للطبخ على تيك توك، بمساعدة أختها الكبرى. وتحضران أنواعاً عديدة من الأكلات، على الرغم من أنهما لا تستطيعان الحصول على ما تحتاجانه من المكونات بسبب الحرب. ويتابعهما أكثر من مليون شخص.
وتابعنا أيضا قصة رانا البالغة من العمر 24 عاما، التي أنجبت طفلة قبل أوانها، وتعرضت للنزوح ثلاث مرات، وتعيش قرب المستشفى مع طفليها ووالديها.
كما يتطرق الفيلم الوثائقي، إلى قصص بعض الأطباء الذين يكافحون لإنقاذ الناس في مستشفى الأقصى، الذي وصفه أطباء بريطانيون أنه المستشفى الوحيد، الذي يعمل وسط غزة في يناير/كانون الثاني 2024.
في ذلك المستشفى وجدنا زكريا.
كل من يعمل في المستشفى يعرف هذا الطفل، وبطبيعة الحال لا يزال طفلا صغيرا، وليس مؤهلا للعمل في الإسعاف، ولكنه موجود باستمرار في انتظار فرصة لمساعدة الناس على أمل أن يحصل في المقابل على بعض الطعام أو بعض النقود.
في بعض الأحيان يساعد الصحفيين المحليين على حمل معداتهم، وأحيانا أخرى يساعد في نقل النقالات التي تحمل الجرحى أو الموتى.
وعندما تهدأ الأمور قليلا، يساعد في تنظيف سيارات الإسعاف من الدم والأوساخ.
لا يوجد مدرسة يذهب إليها، وهو الوحيد في عائلته الذي يكسب المال. ويقول إنه لم يبقى مع عائلته بسبب نقص الطعام، لذلك، أصبح يعيش لوحده في المستشفى، وينام في أي مكان. ليلة في قاعة الأشعة، وليلة أخرى في خيمة الصحفيين، أو في سيارة الإسعاف.
وفي كثير من الليالي كان ينام جائعا. وحاول العاملون بالمستشفى كثيراً إبعاده، لكنهم لم يستطيعوا.
ويحب زكريا العاملين في الإسعاف، ويريد أن يعتبروه جزءاً من فريقهم. يقول سعيد وأحد المسعفين، بينما يضم زكريا، إن الطفل ينزعج حين معاملته كصبي.
ويلاحظ أعضاء آخرون في الفريق اهتمام زكريا بعملهم وبالمرضى، ويحاولون تعليمه كيفية تركيب محلول وريدي لشخص مصاب.
وتقديرا منهم لجهوده، صنعوا له معاطف زرقاء على مقاسه، التي أصبح يفتخر بها كثيراً.
ولكن سعيد يريد أن يعيش زكريا بعضا من طفولته، ويظهر في الفيلم وهو يصحبه في جولة على الشاطئ.
BBC
يجلس زكريا تحت ظل شجرة، ويتناول الطعام الذي اشتراه له سعيد، ويقول الطفل: "الشاورما لذيذة"، بينما يمزح سعيد: "هذه المرة الوحيدة التي يسكت فيها الطفل".
ويخشى سعيد من أن زكريا قد شاهد الكثير من مشاهد الموت والدمار، لدرجة أنه قد لا يتمكن من التكييف مع الأطفال في سنه مرة أخرى.
و زكريا أيضا، يفكر في مرحلة ما بعد الطفولة، ويقول: "أريد أن أصبح مسعفاً، ولكن يجب أن أخرج من هنا أولا".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المدى
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- المدى
مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون الموت جوعاً في غزة
قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع، اليوم الاثنين، إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد، وإن نصف مليون شخص يواجهون الموت جوعاً، ووصف هذا بأنه 'تدهور كبير' منذ أحدث تقرير أصدره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وحلل أحدث تقييم صادر عن 'التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي' الفترة من أول أبريل (نيسان) إلى العاشر من مايو (أيار) من هذا العام، وأعطى توقعات للوضع حتى نهاية سبتمبر (أيلول). يأتي هذا بينما أغلقت عشرات المطابخ الخيرية (التكايا) في قطاع غزة أبوابها، الأسبوع الماضي، بسبب نقص الإمدادات مما أدى إلى قطع شريان الحياة عن مئات الآلاف من الأشخاص في انتكاسة أخرى للجهود المبذولة لمكافحة الجوع المتزايد في القطاع. كما أعلنت مؤسسة 'ورلد سنترال كيتشن' الخيرية، ومقرها الولايات المتحدة، نفاد المكونات اللازمة لتوفير الوجبات المجانية التي تشتد الحاجة لها، مضيفاً أن إسرائيل منعتها من جلب المساعدات. وتواجه إسرائيل ضغوطاً دولية متزايدة لرفع حصار المساعدات الذي فرضته في مارس (آذار) بعد انهيار وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة والذي أوقف القتال لمدة شهرين. وتتهم إسرائيل وكالات، بما في ذلك الأمم المتحدة، بالسماح لكميات كبيرة من المساعدات بالوقوع في أيدي حركة حماس. وتنفي حماس هذا الادعاء وتتهم إسرائيل باستخدام المجاعة كسلاح ضد السكان. وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة قد قال الأسبوع الماضي، إن أكثر من مليوني شخص، أي معظم سكان غزة، يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء، إذ اختفت المواد الغذائية في أسواق غزة. وارتفعت الأسعار إلى ما يتجاوز إمكانيات غالبية السكان خاصة أسعار الدقيق، الذي أصبح شحيحاً ويباع بحوالي 500 دولار للعبوة التي تزن 25 كيلوغراماً، مقارنة بسبعة دولارات في الماضي.


الرأي
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- الرأي
حقن نفسه بسم الأفاعي 18 عاماً... والنتيجة مذهلة!
عمد أميركي يُدعى تيم فريدي إلى حقن نفسه بسمّ الأفاعي لنحو عقدين من الزمن بهدف تطوير علاجات أفضل بالعالم، ما أدى إلى إنتاج جسمه مضاداً للسموم «غير مسبوق ولا مثيل له»، بحسب ما ذكره علماء في بحث جديد. فقد ثبت أن الأجسام المضادة الموجودة في دم تيم فريدي توفّر حماية من الجرعات القاتلة لعدد واسع من أنواع الأفاعي، وذلك في تجارب أُجريت على الحيوانات، بحسب قناة «BBC». وتحمَّل فريدي أكثر من 200 لدغة، بالإضافة إلى أكثر من 700 حقنة من السم أعدها بنفسه من بعض أكثر الثعابين فتكاً في العالم، بما فيها أنواع متعدّدة من المامبا والكوبرا والتايبان والكرايت. وقام فريدي بتوثيق الرحلة عبر «يوتيوب» وسعى في البداية، إلى بناء مناعة ذاتية لحماية نفسه خلال تعامله مع الأفاعي. إلا أن الميكانيكي السابق نجا من حالتي لدغ متتاليتين من الكوبرا، ليدرك أن جسده بدأ يكوّن مناعة حقيقية ضد السموم، فواصل تجربته الاستثنائية. وقال: «تحوّل الأمر إلى أسلوب حياة. واصلتُ السعي بكل جهدي من أجل أشخاص يموتون بسبب لدغات الأفاعي». خطوة مهمة وقد تمثل مهمة فريدي، التي استمرت 18 عاماً، خطوة مهمة نحو إيجاد مضاد عالمي لجميع لدغات الأفاعي، التي تودي بحياة ما يصل إلى 140 ألف شخص سنوياً. إذ تُنتَج مضادات السموم حالياً عبر حقن حيوانات، مثل الخيول، بجرعات صغيرة من سم الأفاعي. ويُحارب جهازها المناعي السم ويُنتج أجساماً مضادة تستخرج لاحقاً لاستخدامها في العلاج. وكشف الرئيس التنفيذي لشركة «سينتيفاكس» للتكنولوجيا الحيوية، الدكتور جاكوب غلانفيل، تفاصيل لقائه بتيم فريدي. وقال: «قلت له في أول مكالمة: (قد يبدو الأمر غريباً، لكنني أريد الحصول على بعض من دمك)». بدوره، وافق فريدي، ونال المشروع الموافقة الأخلاقية، لأنه اقتصر فقط على أخذ عينات دم، من دون إعطائه مزيداً من السم. وطور باحثون أميركيون من شركة «سينتيفاكس»، مصلاً يُعالج سموم 19 نوعاً من أخطر الثعابين في العالم، بالاعتماد على أجسام مضادة نادرة، استخلصت من دم الرجل الأميركي. ووُصفت هذه الحماية بأنها «غير مسبوقة»، وفق الدكتور غلانفيل، الذي قال إنها «قد توفّر تغطية كاملة لفئات من الثعابين لا يتوافر لها حالياً أي مضادّ للسمّ». تطويرعلاج فعّال من جانبه، قال البروفسور بيتر كوونغ من جامعة كولومبيا، وأحد أعضاء فريق البحث: «أعتقد أننا خلال السنوات الـ10 أو الـ15 المقبلة سنتمكن من تطوير علاج فعّال ضدَّ كل فئة من هذه السموم». وتابع كوونغ: «إن الأجسام المضادّة التي طوّرها تيم استثنائية جداً... لقد علّم جهازه المناعي أن يتعرَّف على مجموعة واسعة من السموم». بدوره، قال فريدي، إنّ الوصول إلى هذه المرحلة يُشعره بالرضا: «أفعل شيئاً جيداً من أجل البشرية. أشعر بالفخر، إنه أمر رائع جداً».


الأنباء
٠٢-٠٣-٢٠٢٥
- الأنباء
هل يؤثر الصيام على إنتاجيتك في العمل؟
مع حلول شهر رمضان، تقوم العديد من الدول العربية والإسلامية بتقليص ساعات العمل، ما قد يساهم في شعور شائع بين الموظفين بتأجيل المهام إلى ما بعد الإفطار، وأحياناً إلى ما بعد انتهاء هذا الشهر. وأظهرت العديد من الدراسات تأثير الصوم على الدماغ والنشاط البدني، مما ينعكس مباشرة على أداء الموظفين في العمل. ورغم الفوائد التي تؤكدها الأبحاث العلمية حول دور الصوم في تعزيز التركيز والنشاط، يظل السؤال المهم: هل تنعكس هذه الفوائد فعلاً على أداء الموظفين خلال شهر رمضان؟ الصوم طريقك لزيادة التركيز وتحفيز طاقة دماغك أوضحت الدكتورة مي بدر الدين بدر، استشارية أمراض الدماغ والأعصاب، أن للصيام فوائد عظيمة على صحة الدماغ، حيث يساهم في زيادة الطاقة الدماغية، وتعزيز الإدراك، وتحسين التركيز. وذلك عكس الاعتقاد السائد بأن الصيام يؤدي إلى الإرهاق ويقلل من النشاط العقلي. وفي حديثها لبي بي سي أوضحت بدر الدين أن تأثير الصيام على الدماغ إيجابي للغاية. وأحد أبرز هذه التأثيرات هو أن الصيام يُدخل الدماغ في حالة التغذية "الكيتونية"، حيث يعتمد الدماغ على مادة الكيتون كمصدر للطاقة، مما يعزز التركيز ويحسن الأداء العقلي بشكل كبير. ويقصد بالتغذية الكيتونية، عملية انتاج الجسم لأحماض - الكيتونات - عندما يستخدم الدهون بدلاً من الكربوهيدرات كمصدر للطاقة، وهذا يحدث بسبب الجوع الناتج عن الصيام، مما يحفز الجسم على إنتاجها داخلياً. وأشارت بدر الدين إلى أن هذه الحالة تساعد في حماية الدماغ من بعض الأمراض المرتبطة بتدهور الخلايا العصبية مثل مرض الزهايمر. كما أن تقليل السكريات يساهم في تعزيز صحة الدماغ وإطالة عمره. بالإضافة إلى ذلك، يعمل الصيام على تعزيز عوامل نمو عصبية مثل "عامل نمو الأعصاب"، مما يساعد في تجديد الخلايا العصبية في الدماغ. ولفتت بدر الدين إلى أن العديد من الباحثين، بما في ذلك غير المسلمين، قد أجروا دراسات على الصيام لمدة 10 إلى 12 ساعة يومياً، وأظهرت هذه الأبحاث تأثيراً إيجابياً على العمر الدماغي، والقدرات العقلية، وقوة الاستيعاب، على عكس الاعتقاد السائد. ونشرت مجلة "نيورولوجي إنترناشونال" عام 2017 دراسة حول تأثير الصيام في رمضان على مستويات السيروتونين والدوبامين وعوامل النمو العصبي في الدماغ. وأظهرت الدراسة زيادة ملحوظة في مستويات السيروتونين (الذي يؤثر على المزاج وتنظيم الوظائف العصبية)، وBDNF (عامل النمو العصبي المشتق من الدماغ، الذي يعزز صحة خلايا الدماغ والنمو العصبي)، وNGF (عامل نمو الأعصاب، الذي يحفز نمو الأعصاب وصيانتها). وقد كانت هذه الزيادة ملحوظة خلال الشهر، وخاصة في اليوم التاسع والعشرين مقارنة باليوم الرابع عشر، مما يعكس التأثير الإيجابي للصيام على هذه العوامل العصبية بحسب الدراسة. لماذا يشعر البعض بانخفاض النشاط خلال شهر رمضان؟ ويشير إلى أنه بالرغم من تقليص ساعات العمل، تبقى طاقة العمال منخفضة في هذا الشهر. كما يلاحظ زيادة كبيرة في حالات الغياب. ويضيف: "نواجه صعوبة في تلبية احتياجات الزبائن بسبب انخفاض سرعة الإنتاج"، مشيراً إلى أنه قام بتعديل ساعات العمل وتحويل بعضها إلى المساء من أجل إنجاز الحد الأدنى من الأعمال المطلوبة. توضح أخصائية التغذية العلاجية فاتن النشاش أن الصيام يساهم في تنقية الجسم من السموم وتجديد الخلايا، مما يعزز التركيز والنشاط. ومع ذلك، يعود شعور بعض الأشخاص بالتعب وقلة التركيز خلال رمضان إلى العادات الغذائية غير الصحية والممارسات التي يتبعها البعض. تقول النشاش إن "المشكلة تكمن في عاداتنا خلال شهر رمضان"، وتضيف أنه فيما يتعلق بتفسير انخفاض النشاط والتركيز لدى البعض في هذا الشهر، تبدأ المشكلة من تناول كميات كبيرة من الطعام، خاصة الأطعمة الغنية بالسكر والدهون، بالإضافة إلى توزيع الوجبات بشكل غير متوازن. تعتبر أخصائية التغذية فاتن النشاش أن إلغاء وجبة السحور في رمضان من أبرز الأخطاء التي يرتكبها الكثيرون. إذ ترى أن السحور يعد مصدراً أساسياً للطاقة طوال اليوم، مما يساعد الجسم على الحفاظ على نشاطه وفعاليته. وعلى الرغم من ذلك، يختار العديد إلغاء السحور أو تناوله قبل ساعات من آذان الفجر، في حين أن الأفضل هو تأخيره ليكون قبيل الآذان مباشرة. تلفت النشاش أن كمية ونوعية الطعام التي نتناولها في رمضان غالبًا ما تكون غير صحية. فبالرغم من أن الصيام يساعد الجسم على التخلص من السموم وتجديد الخلايا، إلا أن إدخال الأطعمة غير الصحية في وجباتنا قد يحبط هذه الفوائد. فعندما تقتصر الوجبات على المقالي والشوربات الدسمة التي تحتوي على الكريمة بالإضافة إلى تناول كميات كبيرة من الطعام، قد لا نتمكن من تحقيق الفوائد المرجوة من الصيام. النقطة الثالثة التي تشير إليها النشاش هي الإفراط في تناول السكريات بعد الإفطار، مما يحول دون شعورنا بالفوائد الفعلية للصيام. أما بالنسبة لشرب الماء، فتؤكد النشاش أنه ضروري للغاية لصحة الجسم والدماغ، حيث يساعد على تحسين وظائف الجسم والتركيز والنشاط. ومع ذلك، يعاني العديد من الأشخاص في رمضان من عدم تناول كميات كافية من الماء بسبب ضيق الوقت خلال فترة الإفطار. وتشير إلى أن أحد الأخطاء الشائعة هو استبدال الماء بالعصائر. على الرغم من أن هذه المشروبات تعتبر سوائل، إلا أنها لا تفي بالغرض نفسه. العصائر تحتوي على كميات كبيرة من السكريات التي تؤثر سلباً على التركيز والنشاط. وبشكل عام، فإن عدم تناول السوائل بكميات كافية يعيق الجسم عن الشعور بالنشاط الكامل. وتؤكد النشاش أن ممارسة الرياضة والنوم يؤثران بشكل كبير على النشاط خلال رمضان، إذ يقل النشاط البدني بشكل ملحوظ ويتوقف البعض عن ممارسة التمارين الرياضية. حتى الأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة بشكل منتظم ينامون لفترات أطول، مما يؤدي إلى الخمول والتعب. أما بالنسبة للنوم، فإن الجسم يعتاد على روتين نوم محدد، ومع حلول رمضان يتغير هذا الروتين. ما يؤثر على ساعات النوم وجودتها، مما يجعل الموظفين يطلبون تأخير ساعات العمل بسبب قلة النوم ليلاً. "فرصة ذهبية" بالنسبة لأولئك الذين يعانون من صداع خلال فترة الصيام، فإن السبب يعود إلى أعراض الانسحاب للنيكوتين والكافيين. ولذلك، ينصح الخبراء بتقليل استهلاك هذه المواد تدريجياً قبل رمضان. تشير النشاش إلى أهمية التحضير لشهر رمضان، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعتمدون على النيكوتين والكافيين. وتوصي بتقليل كميات الكافيين تدريجياً قبل أسابيع من بداية رمضان، من خلال تقليل عدد مرات شرب القهوة وتأخيرها، حتى يتأقلم الجسم مع التغيير. وتعتبر النشاش شهر رمضان فرصة ذهبية للإقلاع عن التدخين، إذ يشكل "الكافيين والنيكوتين نوعاً من الإدمان"، ومن الصعب التوقف عنهما فجأة. تحرص العديد من المؤسسات والشركات على الحفاظ على إنتاجية الموظفين خلال هذا الشهر، حرصاً على استدامة مسار العمل باختلاف ما تقدمه هذا الشركات سواء كانت تعمل بالقطاع الخدمي أو غيره. يوضح خبير الموارد البشرية والتطوير المهني، محمد حزيّن، أهمية مراعاة خصوصية شهر رمضان لضمان استمرارية الإنتاج في الشركات. ويشدد على ضرورة تفهم كل حالة على حدة، سواء كان صاحب شركة أو مدير أو موظف موارد بشرية. ويضيف أن تعديل ساعات العمل يعد أمراً ضرورياً خلال هذا الشهر، حيث يتعين توفير مرونة تتناسب مع أنماط النوم والسهر المختلفة بين الموظفين. يوضح حزيّن أنه من المهم تقليل الاجتماعات الطويلة التي قد تزيد من صعوبة الصيام. كما أكد على أهمية استغلال ساعات العمل في بداية اليوم لتحقيق أقصى استفادة من طاقة الموظفين. وتطرق حزيّن إلى قضية الغياب والتأخير، مشيراً إلى أن هذه الأمور تعد طبيعية خلال رمضان. وينبغي على الشركات تقييم الأسباب وراء التأخير أو الغياب، مع ضرورة إعادة توزيع المهام بشكل مناسب وتقديم حوافز لتشجيع الموظفين على الالتزام. وأكد على ضرورة تجنب التساهل المفرط في التعامل مع التقصير، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة إذا كان التأخير أو التقصير متعمداً. أما بالنسبة للشركات الصناعية، يشير حزيّن إلى أنها تقوم بتعديل ساعات العمل لتتناسب مع طبيعة الموظفين في رمضان، مشيداً بتجربة بعض الشركات في تقليل ساعات العمل بناءً على الأداء، حيث يمكن أن يتبين أن الإنتاجية تبقى عالية رغم تقليل ساعات العمل.