
ميرتس يصدم أوروبا قبل روسيا... أخيراً لحظة ‘تسايتنفنده‘؟
المفاجآت مستمرّة مع المستشار الألماني فريدريتش ميرتس. أو على الأقل، الإعلان عنها. صحيحٌ أن لا معلومات واضحة عن "مذكرة التفاهم" بين ألمانيا وأوكرانيا لتطوير صواريخ بعيدة المدى. هل هي تحجب حقيقة أنّ برلين سترسل صواريخ "تاوروس" إلى كييف إنّما بدون إحداث جلبة حول الموضوع؟ أم أنّها فعلاً محدودة بالدّعم الماليّ وربّما التكنولوجي مع إبقاء نقل الصواريخ البارزة خارج المعادلة؟
حتى لو صحّ التفسير الأضيق نطاقاً، وهو المرجّح حالياً، فالقفزة النوعيّة في السياسة الخارجيّة الألمانيّة لا تخطئها عين. في الواقع، تحدّثت "بيلد" الألمانية عن أنّ برلين ستدعم تطوير أوكرانيا لصواريخ جوّالة تعمل عليها كييف، ويصل مداها إلى 2500 كيلومتر. لكن ثمّة حدث أكثر يقيناً لفت الأنظار أيضاً. إعلان ألمانيا الأسبوع الماضي نشر 5 آلاف جندي بشكل دائم في ليتوانيا. كانت هذه الخطوة الأولى من نوعها لألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية.
"هذا يومٌ تاريخي"
هو تعبير الرئيس الليتواني غيتاناس ناوسيدا. كان لدى ألمانيا نحو 250 جندي خلال الخريف الماضي في البلاد، ومن المتوقّع أن يصبح لواء الدبابات الـ 45 بكامل جاهزيته وعديده بحلول 2027. قال ميرتس في 22 أيار/مايو خلال زيارته العاصمة الليتوانيّة: "حماية فيلنيوس من حماية برلين". هكذا أنهى ميرتس، إلى حد كبير، الحاجز النفسيّ بين أوروبا الغربيّة وأوروبا الشرقيّة على مستوى النظرة إلى التهديد الروسيّ. ليس هذا وحسب. أنهى ميرتس أيضاً سياسة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي بذلت كامل جهدها لتحسين العلاقات التجاريّة مع روسيا، بالرغم من اعتراضات أوكرانيا ومعها الجناح الشرقي للناتو.
بالرّغم من أنّ ميرتس وميركل ينتميان إلى الحزب نفسه، "الحزب الديموقراطيّ المسيحيّ"، طبعت علاقتهما توترات عدة. لم تكن الخلافات السياسية العامة، مثل الهجرة، موضع التباين وحسب. في مطلع الألفية الحالية، أقالته ميركل من رئاسة نواب الحزب في البوندستاغ بعد الخسارة الانتخابية سنة 2002. ولم يعد إلى الساحة السياسية إلا بعد نهاية حقبة المستشارة السابقة. يبدو أنّ ميرتس يحقّق انتقامه الخاص على مستويات عدّة.
النقطة الثانية الجريئة في إعلان ميرتس هي أنّ ليتوانيا تحاذي مقاطعة كالينينغراد الروسيّة وممر سوالكي الذي يربط المقاطعة ببيلاروسيا، الحليفة التاريخية لروسيا. يعدّ هذا الممرّ من أكثر النقاط القابلة للاشتعال بين الناتو وروسيا. بالتالي، تقول ألمانيا إنّها جادّة في تحمّل جزء من مسؤوليّة الدفاع عن الجناح الشرقيّ للحلف. وكانت كالينينغراد، كونيغسبرغ سابقاً، عاصمة للدولة البروسيّة. ضمّها الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية وهاجر الألمان منها في تلك الحقبة بشكل كبير. لا يعني هذا أنّ برلين تسعى إلى إعادة ترسيم الخرائط والمطالبة بمدينتها القديمة، لكن من غير المرّجح أن تتجاهل عيونُ بعض المؤرّخين هذه الرمزيّة.
"نوع مختلف من الألمان"
بالتأكيد، لن يكون 5 آلاف جندي قادرين بمفردهم على وقف تقدّم القوّات الروسيّة، لكنّ المؤكّد أيضاً أنّ وجودهم سيكون أكثر من معنوي. فقد يخدم انتشارهم أيضاً كـ "سلك تعثّر"، وهو الترجمة الحرفية لمصطلح (tripwire force) الذي يفيد بإطلاق ردّ على مستوى أوروبي أوسع في حال اصطدمت روسيا بتلك القوات. إذاً، تتحمّس ألمانيا للدفاع عن أمن أوروبا وتحمّس معها سائر الشركاء.
ثمة ترتيب أوراق جارٍ في أوروبا مع انسحاب أميركا التدريجي من القارة. يبدو أنّ من يملك المال أكثر يقوم بملء الفراغ. صدرت دراسة تشير إلى أنّ أوروبا ستحتاج إلى تريليون دولار للتعويض عن الغياب العسكريّ الأميركي. ألمانيا جاهزة للمساهمة الماليّة، لكن أيضاً العسكريّة. إذاً ليس من يملك المال فقط، بل الجرأة أيضاً. ميرتس يصدم بعض الأوروبيين المرتابين قليلاً من تاريخ ألمانيا، قبل أن يصدم الروس. ألم تحتلّ ألمانيا ليتوانيا نفسها في الحرب العالميّة الثانية؟ إدموند كوليكوسكاس، 87 عاماً، هرب من ليتوانيا قبيل الاجتياح حين كان في السادسة من عمره. لكنّه عاد إلى بلاده سنة 1994. عندما سألته "نيويورك تايمز" مؤخراً عن خشيته المحتملة من وجود الألمان على أراضيه، أجاب: "هذا نوع مختلف من الألمان".
لكنّ الألمان اليوم لا يختلفون عمّا كانوا عليه قبل 80 عاماً فقط، بل حتى عمّا كانوا عليه قبل 8 أعوام. لقد أصبحوا، على مستوى النخبة الحاكمة بالحدّ الأدنى، أكثر تفهّماً لهواجس أوروبا الشرقية، وكذلك، أكثر مراعاة لتلك الهواجس في تحرّكاتهم. وميرتس ينقل وتيرة التحرّك الألمانيّ إلى مستوى مختلف.
بشكل كبير، كانت "تسايتنفنده"، أو "نقطة التحول" الألمانيّة، كلاماً لشولتس. مع ميرتس، ينقلب الكلام فعلاً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ 30 دقائق
- LBCI
المستشار الألماني الجديد يلتقي ترامب في واشنطن يوم الخميس
أعلن متحدث باسم الحكومة الألمانية أن المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس سيسافر إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الخميس المقبل. وستكون هذه أول زيارة يقوم بها ميرتس إلى الولايات المتحدة منذ توليه منصبه في السادس من أيار، وتأتي وسط توتر شديد بين الشركاء عبر الأطلسي بسبب التجارة والحرب الأوكرانية.


صيدا أون لاين
منذ 2 ساعات
- صيدا أون لاين
"زودة" الـ150 دولاراً.. هل هي إيجابية؟
الزيادات التي تم إقرارها خلال جلسة الحكومة، الخميس، للعسكريين دون سواهم، فتحت باب تحركات الشارع أمام الموظفين الآخرين، سواء المعلمين أو الموظفين المدنيين بمختلف مسمياتهم. هؤلاء لم يحصلوا على أي زيادة، علماً أن الحكومة، بالخطوات التي اتخذتها لتمويل إنفاقها على تحسينات رواتب العسكريين من خلال ضريبة على البنزين والمازوت، تستطيع تحسين كافة رواتب القطاع العام تدريجياً، ذلك أن إيرادات يوم واحد من ضريبة المحروقات تمنح الدولة 16 مليون دولاراً، ما يعني 480 مليون دولار شهرياً، وفق ما ذكر "لبنان24" في تقريرٍ سابق له. (للإطلاع على التقرير.. إضغط هنا) لا يرى مصدر إقتصادي خطوة ضريبة الـ100 ألف ليرة "سيئة"، فالمواطن لن يشعر بها كثيراً، فقيمتها لا تساوي شيئاً أمام التضخم الكبير، وإن كان هذا المبلغ يساوي تمويلاً جيداً لتحسين الرواتب، فالمواطن سيقبل به. المصدر ذاته حذر من أن "التفرقة" بين الموظفين سترتد سلباً على الإنتاجية التي تعطلت كثيراً، موضحاً أن رواتب معظم موظفي الدولة لم تتجاوز الـ700 دولاراً بالحد الأقصى، ما يفرص تحسينات فعلية لأن المبالغ التي يتقاضاها هؤلاء ، والعسكريون أيضاً، لا يمكن أن تكون كفيلة لمعيشة جيدة. إزاء ذلك، فإن التحركات في الشارع ستكون منصبة لتوحيد الزيادة لجميع الموظفين والمتقاعدين، لكن المصدر قال إن الحكومة قد تختبر إيرادات الضريبة لتبني على الشيء مقتضاه، ولترى حجم الأموال الآتية عنها، وعندها قد تتحقق التحسينات تلقائياً بمعزل عن أي سلسلة رتب ورواتب جديدة. وعليه، يبقى أمل الموظفين في تحسين رواتبهم التي لا تكفيهم حتى منتصف الشهر. هنا، يقول أحد موظفي المالية وهو من المتعاقدين: "كنا نأملُ الحصول على "زودة" مع العسكريين لأن الأوضاع صعبة، ولكن ذلك بات مؤجلاً.. الرواتب لا تكفينا علماً أننا ملزمون بالذهاب إلى الوظيفة معظم أيام الأسبوع". وتابع: "خطة التحسين يجب أن تشمل تحقيق العدالة بين جميع الموظفين علماً أن سلسلة الرتب والرواتب الجديدة المفترض السعي لإقرارها، يجب أن تراعي كل ذلك". وختم: "ما يحكى في روابط الموظفين أن الضغط سيتواصل باتجاه الحكومة للنظر في أوضاعنا، ونتأمل خيراً لأن الإجحاف مرفوض تماماً".


صوت لبنان
منذ 3 ساعات
- صوت لبنان
شري: إسرائيل تواصل العدوان وتحتل أراضي لبنانية... والمطلوب موقف وطني موحّد لا خطاب انقسام
أكد النائب أمين شري في لـ صوت كل لبنان عبر برنامج أحداث في حديث أن "العدو الإسرائيلي ما زال في حالة عدوان مستمر على لبنان منذ 27 تشرين الأول، رغم الاتفاق المعلن لتنفيذ القرار 1701"، مشيرًا إلى أن إسرائيل "تواصل خروقاتها، وتحتل أراضي لبنانية، وتمتنع عن تحرير الأسرى، وتعطّل عودة الحياة إلى الخط الحدودي". واعتبر شري أن "هذا الوضع يتطلّب موقفًا وطنيًا موحّدًا، لا سيما من الرؤساء الثلاثة ومن مختلف الكتل النيابية"، مضيفًا أن "لبنان لا يستطيع مواجهة إسرائيل بتشتّت داخلي، بل بوحدة موقف خلف الدولة اللبنانية وآلية تنفيذ البيان الوزاري". وحول موضوع سلاح المقاومة، شدد شري على أن "السلاح ليس أولوية اليوم كما يحاول البعض تصويره، بل هناك أولويات وطنية ملحّة تم تثبيتها في البيان الوزاري وفي خطاب القسم، أبرزها تحرير الأرض، وقف الاعتداءات، تحرير الأسرى، وإعادة إعمار المناطق المتضررة". وأضاف: "التركيز الإعلامي والسياسي الحصري على سلاح حزب الله يخدم فقط أجندة العدو الإسرائيلي، وهو انعكاس لضغوطات خارجية تُمارَس على بعض القوى الداخلية". وفي ما يخصّ ملف الإعمار، أوضح شري أن "الدولة لم تتخذ حتى الآن أي قرار رسمي لمعالجة آثار العدوان الإسرائيلي الأخير"، معتبرًا أن "ما يُطلب ليس تمويلاً فورياً، بل قراراً إدارياً يضع آلية للمسح والتعويض، كما حصل بعد عدوان تموز 2006 حين أقرّت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة آليات واضحة". وقال: "لدينا اليوم مئات العائلات التي تنتظر قراراً إدارياً فقط لتبدأ الجهات المختصة بمسح الأضرار، سواء مجلس الجنوب أو الهيئة العليا للإغاثة. هذا لا يحتاج إلى تمويل خارجي بل إلى جرأة في اتخاذ القرار". ولفت إلى أن "مثال الضاحية الجنوبية يوضح حجم الحاجة: هناك 143 مبنى تحتاج إلى ترميم إنشائي بكلفة 29 مليون دولار فقط، وهو مبلغ يُعتبر متواضعاً قياساً على كلفة الإيواء التي وصلت إلى 13 مليون دولار سنويًا". ورداً على سؤال حول العلاقة مع رئيس الحكومة نواف سلام، نفى شري وجود أي قطيعة، مؤكدًا أن "الرئيس سلام عنصر دستوري أساسي، والتواصل معه مستمر، رغم بعض التصريحات الإعلامية التي لم تكن في مكانها". وأضاف: "نحن كحزب الله منفتحون على الجميع، حتى خصومنا، ونلتقي معهم في الحكومة وفي مجلس النواب لتحقيق الأهداف الوطنية، خصوصاً في الملفات الإصلاحية والإنقاذية". ودعا شري الرئيس سلام إلى "الاستفادة من المنابر الإعلامية الدولية لتوجيه رسائل إلى المجتمع الدولي تُطالب بتنفيذ القرار 1701 من الجانب الإسرائيلي، بدل الاكتفاء برسائل مبطّنة توحي بوجود خلاف داخلي أو تراخي حكومي". وفي ختام مداخلته، أشار شري إلى أن "الحديث عن أجندات لحزب الله لا يستقيم أمام الوقائع"، موضحًا أن "العدو الإسرائيلي هو من يحمل الأجندة الأخطر، وهي تفريغ محيطه من أي قوة ردع، والهيمنة على المنطقة من الفرات إلى النيل، سواء اقتصاديًا أو أمنيًا أو سياسيًا". وختم قائلاً: "اللبنانيون يجب أن يواجهوا هذه الأجندة بموقف وطني متماسك، لا بخطاب انقسام داخلي يُستخدم فقط لتأمين مكاسب آنية على حساب الاستقرار والسيادة".