
إسرائيل بين نشوة الهجوم الأميركي وصدمة الرد الإيراني
بعد الهجوم الذي شنته الطائرات الأميركية على المواقع النووية الإيرانية الثلاثة: فوردو ونطنز وأصفهان، سيطرت حالة من النشوة على الوضع الداخلي في إسرائيل، وسط دعوات من مسؤولين عسكريين وسياسيين ومحللين إلى التريث في انتظار ما سيسفر عنه الرد الإيراني الذي جاء سريعا.
وكتب المحلل السياسي جدعون ليفي مقالا في صحيفة هآرتس "يعشق الإسرائيليون الحروب، لا سيما عند بدايتها، لم تكن هناك حرب قط إلا وهتفت لها إسرائيل، ولم تكن هناك حرب قط إلا وانتهت بالدموع".
وتابع أن مناحيم بيغن دخل حرب لبنان في حالة من النشوة، وخرج منها مكتئبا سريريا "وهناك احتمال كبير أن يكون الأمر نفسه نهاية الحرب مع إيران، لدينا بالفعل بداية مبهجة لكن قد تتحول إلى اكتئاب مع إطلاق صفارات الإنذار التي دفعت الملايين إلى الملاجئ، ومع الدمار والقتلى".
وأطلق المعلقون والمحللون مجموعة من التساؤلات حول جدوى الحرب على إيران حتى بمشاركة أميركية.
تساؤلات وشكوك
أشار رئيس الوزراء السابق إيهود باراك -في مقال نشرته هآرتس أمس- لحالة النشوة التي سيطرت على الفضاء العام وما تبعها من حالة ارتباك بسبب الضربات الإيرانية، واعتبرها أنها سابقة لأوانها، وقال إن "جو النشوة السائد في الشوارع سابق لأوانه وبعيد عن الواقع".
وتابع باراك أنه كما أشار رئيس الأركان إيال زامير "يجب أن نحافظ على التواضع والتواصل الدقيق مع الواقع، إننا نواجه بالفعل اختبارا صعبا وطويلا ومؤلما".
وفي صحيفة يديعوت أحرونوت، اعتبر المحلل السياسي ناداف إيال أن الحروب لا تقاس بالبدايات بل النتائج، ودعا مجلس الوزراء إلى التفكير في كيفية إنهاء الحرب. كما طرح المحلل السياسي أري شافيت تساؤلات وشكوكا أخرى، عبر فيها عن مخاوفه من الرد الإيراني محذرا من أن تقدم طهران على "انتحار خطير" وقال "نحن في واقع غير مسبوق، ونسير على أرض لم يمشِ عليها أحد".
وكتب المحلل العسكري رون يشاي في نفس الصحيفة "إلى أن تتضح نتائج الهجمات الأميركية، فالأهم هو طبيعة الرد العسكري والسياسي الإيراني" متسائلا: هل سينفذ الإيرانيون تهديداتهم المتعلقة بمضيق هرمز والقواعد والمنشآت النفطية الأميركية، وهل سيبذلون جهدا لإطلاق صواريخ على إسرائيل، أم سيفضلون الجلوس على طاولة المفاوضات؟ هل سيؤدي هذا إلى إطالة أمد الحرب أم تقصيرها؟
إعلان
ومن جهتها، قالت آنا بارسكي المراسلة السياسية لصحيفة معاريف إنه بعد الضربة الأميركية تبدأ الأسئلة الجوهرية: هل تم تعطيل المنشآت التي تم استهدافها بشكل كامل؟ كما تبرز تساؤلات أعمق ذات طابع إستراتيجي عن كيفية الرد الإيراني، وهل نحن على أعتاب حرب متصاعدة طويلة الأمد قد تخرج عن السيطرة؟
وطرح عدد من الكتاب والمحللين العسكريين أسئلة عديدة تُمكن إجاباتها من فهم مدى مساهمة الهجوم الأميركي في تحقيق أهداف الحرب في تعطيل البرنامج النووي الإيراني.
إستراتيجية الخروج؟
ومن الأسئلة المركزية -التي سيطرت على كتابات وتعليقات المحللين والمختصين- تساؤلات عن إستراتيجية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للخروج من الحرب مع إيران.
وبحسب ناحوم برنيع المحلل السياسي بصحيفة يديعوت أحرونوت، فإن نتنياهو ثابت على أمر واحد أنه "ليس لديه إستراتيجية للخروج، لا في غزة، ولا في تجنيد الحريديم، ولا في إيران، طوال مسيرته المهنية، طلب أغلى الأطباق، ظانًا أن شخصًا آخر سيدفع الفاتورة".
ووصف البروفيسور أساف ميداني الباحث في السياسات والقانون بجامعة أكسفورد حالة القلق داخل المجتمع الإسرائيلي، بقوله "تحت السطح، بدأ القلق يتصاعد، يتزايد عدد الإسرائيليين الذين يتساءلون: ما أهداف الحرب؟ هل من إستراتيجية لليوم التالي؟"
ولم تتوقف الشكوك بجدوى الحرب أو أهدافها الخيالية، بل كان بعضها موجها لحكومة نتنياهو وأهدافها من الحرب، وتساءلت الكاتبة دانييلا لندن ديكل في صحيفة يديعوت أحرونوت "هل يمكننا الوثوق بمجلس وزراء مكون من فاسدين ومجرمين ومديرين فاشلين أثبتوا بالفعل عدم كفاءتهم في القضايا الموكلة إليهم؟
وتناول الكاتب أوري مسغاف في صحيفة هآرتس أبعاد الحرب ضد إيران من وجهة نظر نتنياهو وشركائه من اليمين المتطرف ، فقال "تخوض الدول والشعوب حربًا شاملة حديثة، بهتافات الفرح وشعور بالراحة والتحرر، ولا يختلف الإسرائيليون في هذا عن دول العالم، ربما باستثناء مزيج فريدٍ مُصطنع هنا بين التضحية والمسيحانية، وجنون العظمة والجنون".
حرب استنزاف
ويأتي الهجوم الأميركي في ظل استنزاف واضح للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وقد حذّرت واشنطن في وقت سابق من هذا الأسبوع من أن مخزون صواريخ "حيتس" الإسرائيلية الاعتراضية يوشك على النفاد.
وفي الساعات الأخيرة، حذّر مسؤول أميركي -في حديث مع صحيفة وول ستريت جورنال- من أن صواريخ "حيتس-3″ قد تنفد خلال أسابيع، إذا لم تنتهِ الحرب، فهناك خطر من نفاد المخزون".
ونقل يؤاف زيتون المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت قلق الأميركيين أنفسهم بشأن مخزوناتهم من الصواريخ الاعتراضية، فالإمدادات المُحوّلة إلى الحرب مع إيران والشرق الأوسط عمومًا تأتي على حساب تلك التي ستكون متاحة لواشنطن في حال نشوب صراع أوسع، ربما مع الصين.
وصرح ضابط أميركي عمل في الشرق الأوسط بقوله "نحن قلقون بشأن عدد الصواريخ المتبقية لمعركة متقدمة، ستبدأ صواريخ "إس إم-3″ (SM-3) بالنفاد بهذا المعدل، مما يُقلل من احتياطاتها للمعركة الحركية القادمة".
منجزات الحرب
ويكشف استطلاع للرأي -نشره معهد دراسات الأمن القومي في 17 يونيو/حزيران- تأييد نحو 73% من المشاركين بالاستطلاع الهجوم الإسرائيلي على إيران مقارنة بـ18% يعارضونه، إلا أن نحو 47% يرون أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك خطة لإنهاء الحملة ضد إيران مقارنة بنحو 41% يعتقدون أن لديها خطة.
ورغم المشاركة الأميركية، لا يزال الإسرائيليون يشككون في الحصول على المنجزات النهائية للحرب، والتي أعلن عنها نتنياهو وعلى رأسها إسقاط النظام الإيراني وتدمير البرنامج النووي.
ومما يزيد من مخاوفهم مشاهد الخسائر والدمار التي رآها في المواقع الحيوية والعسكرية بالمدن التي استهدفتها الهجمات الصاروخية الإيرانية، بعد نجاحها في تجاوز طبقات الدفاع الجوي الإسرائيلي.
ووفقًا للإعلان الإيراني، فقد استهدفت الهجمات مطار بن غوريون، ومركز الأبحاث البيولوجية، بالإضافة إلى قواعد الدعم والقيادة والسيطرة التابعة للجيش الإسرائيلي على مختلف المستويات.
وتعكس هذه المخاوف تغير في الرسائل التي ينقلها المستوى السياسي والأمني للجمهور الإسرائيلي من بداية العدوان بأنها ستكون أياما، وتحولت لأسبوع أو عدة أسابيع لتصبح -حسب بيان للجيش الإسرائيلي السبت- فترة طويلة مطالبا الجبهة الداخلية بالاستعداد.
وألقى رئيس الأركان إيال زامير كلمةً أمام الجمهور الإسرائيلي -الجمعة- مؤكدًا ضرورة "الاستعداد لحملة متواصلة" في إيران.
وشدد الدكتور ميخائيل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز ديان في جامعة تل أبيب -في مقال في يديعوت أحرونوت- على ضرورة تجنب الأوهام التي لا تُعقّد الوضع فحسب، بل تُحيد أيضًا عن الأهداف الرئيسية للحرب، مثل الانشغال المتزايد بإسقاط النظام الإيراني، بينما يجب أن تبقى الأنظار مُنصبّة على القضية النووية.
ونشر معهد دراسات الأمن القومي "آي إن إس إس" (INSS) تحليلًا للخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور راز زيمت، أشار فيه إلى أن القيادة الإيرانية حققت عددًا من الإنجازات المؤكدة حتى الآن، ولخصها بالنقاط التالية:
لقد تضرر البرنامج النووي بالفعل، لكن الضرر ليس حرجا، خاصة طالما لم تتضرر منشأة التخصيب في فوردو.
أشار إلى أنه لا يوجد في الوقت الحالي تهديد حقيقي ومباشر للاستقرار الداخلي للنظام، الذي لا يزال يُظهر تماسكًا وعزيمة وحيوية، بل ويصطف في وجه التهديد الخارجي ولا يُظهر معارضة للنظام، ويبدو أن موقف الجمهور متأثر إلى حد كبير بصور الدمار في الأحياء السكنية التي تضررت من الهجمات الإسرائيلية، مما يُسهم في الواقع في التماسك الداخلي وتعزيز الشعور بالتضامن الوطني.
نجح النظام الإيراني في إلحاق بعض الضرر بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، وتستثمر الحكومة الإيرانية توثيق الأضرار في إسرائيل للتأكيد على الرواية العامة بشأن قدرتها على التعامل بنجاح مع إسرائيل بمرور الوقت وإلحاق أضرار جسيمة بها.
وشكك المختص في الشأن الإسرائيلي مأمون أبو عامر في قدرة إسرائيل والولايات المتحدة على إسقاط نظام الحكم في إيران بدون وجود قوات برية على الأراضي الإيرانية.
وقارن أبو عامر الحالة الإيرانية ب غزو العراق من قبل أميركا وحلفائها عام 2003، وقال إن النظام الإيراني سيبقى متماسكا والمحاولات لاستهداف قدرات الحكم الإيراني واستغلال الأقليات الإثنية والقومية فشلت في الثورة ضد الحكومة لأن الهجوم الإسرائيلي عزز الوحدة الداخلية والشعور الوطني أمام التهديد الخارجي.
ويتفق معه مختار حداد (رئيس تحرير صحيفة الوفاق الإيرانية) من ضعف قدرة إسرائيل وأميركا على إسقاط النظام الإيراني، فالعدوان الإسرائيلي دفع جميع ألوان الطيف السياسي الإيراني للوقوف صفا واحدا وراء الحكومة، وأفشلت مخططات لإثارة القلاقل الداخلية، وتسببت الهجمات العدائية حالة كبيرة جدا من الوحدة الوطنية.
القنبلة النووية
وحذر المعلقون الإسرائيليون من أن الحرب والمشاركة الأميركية لن تنهي البرنامج النوي الإيراني، بل قد تدفع طهران لبناء حالة من الردع عبر الإعلان عن امتلاك قنبلة نووية.
وقال باراك في صحيفة هآرتس "عام 2018، عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي، بتحريض إسرائيلي، كانت إيران على بُعد 18 شهرا تقريبا من القنبلة النووية. أما الآن، فهي في حالة حرجة. ضربنا منشآت مادية للبرنامج النووي لكننا لم ولن نؤجل قدرتها على امتلاك أسلحة نووية لأكثر من بضعة أسابيع. وهذا لأن لديهم مواد انشطارية تكفي لنحو 10 قنابل، ولديهم المعرفة اللازمة لبنائها، وقد بُني الجيل التالي من المنشآت بالفعل على عمق 800 متر، والحقيقة أنه حتى الأميركيون لا يستطيعون تأجيل وصول الإيرانيين إلى الأسلحة النووية لأكثر من بضعة أشهر".
في حين تساءل البروفيسور أساف ميداني: ماذا لو لم ننجح في القضاء على البرنامج النووي الإيراني؟ ماذا لو تجاوز الإيرانيون العتبة؟ ماذا لو امتلكوا أسلحة نووية -ليست نظرية وليست قيد التطوير- بل جاهزة للإطلاق؟ وإذا كان هذا هو الواقع بالفعل، فما احتمالات استغلالهم له؟ إنه سؤال يصعب طرحه بل وأصعب من ذلك الإجابة عنه.
وبين الدكتور راز زيمت بأن القيادة الإيرانية تسعى جاهدة للحفاظ على العديد من الإنجازات الرئيسية حتى بعد انتهاء الحرب، فبقاء النظام والرغبة في حمايته من التهديدات الداخلية والخارجية كان ولا يزال الهدف الأساسي لإيران، وينظر لبقاء البرنامج النووي على أنه "بوليصة تأمين" للحفاظ على وجود النظام، وبقاء الأصول الإستراتيجية الحيوية، بما في ذلك الصواريخ، والمعلومات الاستخباراتية، والقيادة والتحكم، بطريقة تُمكنها من مواجهة التحديات الأمنية المستقبلية.
ولا يعرف ما هي نقطة انطلاق نتنياهو، الذي قال في أحد تصريحاته بحسب برنيع "لقد أزلنا التهديد النووي الإيراني" وهذا التصريح لا أساس له من الصحة حتى الآن، بل على العكس، قد تستغل إيران الهجوم الإسرائيلي لكسر جدار الغموض رسميا والإعلان عن امتلاكها للقنبلة.
واستبعد رئيس تحرير صحيفة الوفاق نجاح الهجمات الإسرائيلية والأميركية على مقدرات إيران النووية في تدمير البرنامج النووي الذي يعتمد على قدرات الشباب الإيراني من علماء ومختصين، وقد فكرت طهران قبل الحرب في مواجهة هذه السيناريوهات ووضعت خطط طوارئ.
ولا يستبعد أبو عامر أن تلجأ إيران لخيار شمشوم (عليّ وعلى أعدائي) إذا وصلت لقناعة عدم مقدرتها على حماية شعبها ونظام حكمها ومقدراتها بسبب كثافة العدوان الأميركي الإسرائيلي حيث ستفتح النار على جميع الجبهات، وعلى إسرائيل وعلى المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
إغلاق الأجواء في قطر والبحرين والإمارات والكويت والعراق
أغلقت قطر والبحرين والإمارات والكويت والعراق أجواءها مؤقتا على ضوء التطورات الأمنية في المنطقة، مساء اليوم الاثنين، حيث بدأت إيران الرد على الهجوم الأميركي الذي استهدف منشآتها النووية. وقالت وزارة النقل العراقية للجزيرة إنه تقرر إغلاق الأجواء أمام حركة الطائرات بما في ذلك المنطقة الجنوبية. في الوقت نفسه، قالت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن الكويت أغلقت مجالها الجوي اعتبارا من اليوم وحتى إشعار آخر في ظل التطورات بالمنطقة. وأعلنت الخطوط الجوية الكويتية في منشور على منصة إكس أنه "نظرا لتطورات الأوضاع في المنطقة، تم وقف الرحلات المغادرة من الكويت مع استمرار متابعة الأجواء وتقييمها، على أن يتم الإعلان عن أية تحديثات بهذا الخصوص". وكذلك، أفادت وكالة رويترز بأن السلطات في البحرين والإمارات قررت إغلاق الأجواء مؤقتا. وفي وقت سابق، قالت الخارجية القطرية في بيان إنه "في إطار حرص دولة قطر على سلامة المواطنين والمقيمين والزائرين، تعلن الجهات المختصة عن إيقاف حركة الملاحة الجوية مؤقتا في أجواء الدولة". وقصفت إيران قاعدة العديد الأميركية في قطر، مساء اليوم الاثنين، في عملية سمتها "بشائر الفتح" ردا على الهجوم الأميركي الذي استهدف المنشآت النووية الإيرانية، بينما أعلنت الدوحة أن الدفاعات الجوية اعترضت الصواريخ الإيرانية بنجاح.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
قطر تدين بشدة الهجوم الإيراني الذي استهدف قاعدة العديد
أدانت وزارة الخارجية القطرية بشدة الهجوم الذي استهدف مساء اليوم الاثنين قاعدة العديد الجوية من قبل الحرس الثوري الإيراني، وقالت إن الهجوم انتهاك صارخ لسيادة قطر ومجالها الجوي وللقانون الدولي. وأضافت قطر أنها تحتفظ بحق الرد المباشر بما يتناسب مع شكل وحجم الاعتداء السافر وما يتوافق والقانون الدولي. كما قالت إن دفاعات قطر الجوية أحبطت الهجوم وتصدت للصواريخ الإيرانية بنجاح، مشيرة إلى أنه سيصدر بيان حول ملابسات الهجوم، مؤكدة أن استمرار مثل هذه الأعمال العسكرية التصعيدية من شأنه أن يقوّض الأمن والاستقرار بالمنطقة. ودعت قطر إلى وقف فوري لكافة الأعمال العسكرية والعودة الجادة إلى طاولة المفاوضات والحوار. وقالت وزارة الخارجية القطرية إن قاعدة العديد كانت قد أخليت في وقت سابق وفقا للإجراءات الأمنية والاحترازية، وإنها اتخذت كل الإجراءات لضمان سلامة العاملين بالقاعدة من منتسبي القوات القطرية والصديقة. وأعلنت القوات المسلحة الإيرانية أن عملية الرد على الولايات المتحدة بدأت بعملية مشتركة للحرس الثوري والجيش، فيما قالت وكالة الأنباء الإيرانية إن هجوما بدأ على قواعد أميركية في قطر والعراق ضمن ما أسمته "عملية بشائر الفتح". وقالت وزارة الدفاع القطرية إن الدفاعات الجوية اعترضت هجمة صاروخية استهدفت قاعدة العديد الجوية، مضيفة "بفضل الله ويقظة القوات المسلحة والإجراءات الاحترازية لم ينتج عن الحادث أي وفيات أو إصابات".


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإيرانية والحداثة المناهضة للاستعمار
في خضم تصاعد التوتر العسكري غير المسبوق بين إسرائيل وإيران، شارك الأكاديمي والمفكر الإيراني حميد دباشي في بيان مفتوح وقعه مع عدد من المفكرين الإيرانيين المعارضين، أكدوا فيه أن الاختلاف مع السلطة لا يبرر الصمت في وجه "عدوان خارجي دموي". ودعوا إلى التكاتف والتعقل، وحذروا من تحول الأزمة إلى كارثة تمزق وحدة البلاد وتضاعف الانهيار الداخلي. حميد دباشي أستاذ الدراسات الإيرانية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك، والذي ولد في 15 يونيو/حزيران 1951 لعائلة من الطبقة العاملة في مدينة الأحواز جنوب غرب إيران، في محافظة خوزستان، تلقى تعليمه المبكر في مسقط رأسه وتعليمه الجامعي في طهران، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على درجة الدكتوراه المزدوجة في علم اجتماع الثقافة والدراسات الإسلامية من جامعة بنسلفانيا عام 1984، تلاها زمالة ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد. يعد دباشي ناقدا ثقافيا عالميا ومؤلفا حائزا على جوائز، وقد ترجمت كتبه ومقالاته إلى العديد من اللغات؛ حيث ألف 20 كتابا حول مواضيع تتراوح بين الدراسات الإيرانية والإسلام في العصور الوسطى والحديثة والأدب المقارن والسينما العالمية وفلسفة الفن، هذا الزخم في العطاء الأكاديمي يدعنا نتساءل عن تصوره وفلسفته حول إيران، لذا سنقدم من خلال هذا العرض أهم 4 كتب قدمها حميد دباشي والتي تكثف رؤيته متعددة المركبة لإيران، والتي يتحدى فيها التصورات السائدة، ويركز على هويتها المركبة والمستقلة عن السرديات الغربية والاستعمارية. "إيران: شعب مقاطع" يعد كتاب "إيران: شعب مقاطع " (Iran: A People Interrupted) الصادر عام 2007، لمؤلفه حميد دباشي عملا تحليليا وعاطفيا وجدليا في آن واحد؛ ويقدم دباشي في هذا الكتاب سردا موجزا للتاريخ الإيراني منذ أوائل القرن الـ19 إلى إيران اليوم؛ استثمر دباشي مهاراته التحليلية الثاقبة لوضع حجة قوية ضد وجهات النظر السائدة عن إيران في الغرب. وفي جوهر حجته، يرى دباشي أن المقاربات الغربية لإيران لطالما تلونت بافتراضات محاصرة بين "تقليد" رجعي و"حداثة" تقدمية، لكنه يجادل بأن الواقع الإيراني مغاير لذلك تماما؛ وإيران حسب دباشي في كتابه "إيران: شعب مقاطع " لديها أيديولوجيتها المميزة للحداثة، والتي تتعارض مع العديد من المثل الغربية. ولإثبات وجهة نظره، يعتمد دباشي على خبرته الطويلة في النقد الأدبي لتحليل العلاقة بين النخب الفكرية والسياسية في إيران على مدى قرنين من الزمان. وعليه قدم دباشي الأدلة الأساسية الداعمة لمنطقه، ووجد دباشي مرارا آثارا لمفهوم إيراني فريد للحداثة يتناقض تماما مع نظيره الغربي. ويصنف كتاب "إيران: شعب مقاطع" ضمن مجالين أكاديميين واسعين؛ مجال الدراسات ما بعد الكولونيالية والدراسات الإيرانية، ويهدف دباشي من خلال هذا العمل إلى تحدي التصنيف النمطي لإيران كدولة عالقة بين "تقليد محارب وحداثة غريبة"، ويدعو إلى تبني قراءة أكثر تاريخية، متعددة الأوجه ثقافيا، ومترسخة ماديا لإيران. ويرى أن هذا التصوير النمطي يخدم مصالح غربية ويسيء لتاريخ وثقافة المنطقة وليس فقط إيران. ويظهر الكتاب كيف تطورت "الحداثة المناهضة للاستعمار" بشكل طبيعي عبر الأجيال من خلال ما أنتجه المفكرين الإيرانيين، كما يبحث في كيفية استيعاب هذه الأفكار للمثل التي نشأت عن عصر التنوير، مثل "العصيان المدني"، لمواجهة القمع من الداخل والخارج، ويعتبر دباشي أن "الهدف الرئيسي من الحداثة الإيرانية على مدى الـ200 عام الماضية يتمثل في الكفاح المستمر ضد الهيمنة الاستعمارية والإمبريالية لمصيرنا". وتبرز أهمية كتاب "إيران: شعب مقاطع " في كونه من الأعمال الأولى التي أرخت لتطور الأفكار وفق مقاربة نقدية مناهضة للاستعمار ويوثق للتطور الفكري لإيران باللغة الإنجليزية، وقد نشر عام 2007، في وقت كانت فيه إيران تتصدر العناوين الدولية بسبب برنامجها النووي في حقبة محمود أحمدي نجاد. ويقدم هذا الكتاب دليلا قيما للعلماء والسياسيين، والدبلوماسيين الساعين لفهم أعمق للعقلية الإيرانية؛ حيث يكشف عن تاريخ فكري غني يرتكز على مقاومة القمع الداخلي والخارجي، ويؤكد على الإحساس العميق بالفخر الوطني لدى الإيرانيين، لذا يظل "إيران: شعب مقاطع" مساهمة أصيلة وقيمة في دراسة إيران، ويساعد في تفسير العديد من تصرفات إيران اليوم من خلال كشف تاريخها الفكري الغني المقاوم للقمع الداخلي والخارجي. "إيران: إعادة ميلاد أمة" يقدم كتاب حميد دباشي "إيران: إعادة ميلاد أمة" (Iran: The Rebirth of a Nation) الصادر عام 2016 تحليلا معمقا لإيران ليس كدولة قومية فحسب، بل كـ"أمة" ذات هوية متجذرة تتجاوز حدود الدول وأيديولوجياتها المتعاقبة؛ ويرى دباشي أن مفهوم "الأمة" الإيرانية متمايز عن "الدولة" الحاكمة، وأن هذا التباين التاريخي لا يضعف أيا منهما، بل يمنحهما قوة متبادلة بطريقة متناغمة. ويجادل دباشي بأن إيران كأمة لديها "حداثتها الخاصة المناهضة للاستعمار"، والتي تطورت بشكل طبيعي عبر قرنين من التفاعل بين مثقفي إيران؛ وهذه الحداثة بحسب دباشي ليست مجرد استنساخ للمفاهيم الغربية، بل هي رؤية أصيلة للحياة الحديثة تتشكل وفقا لشروط إيران الخاصة. والكتاب يستند إلى فكرة أن الوعي الوطني الإيراني قد توسع وتجاوز الحدود الوهمية التي فرضتها الدولة القومية ما بعد الاستعمار. ويسلط دباشي الضوء على حقيقة أن "الفضاء العام" الإيراني عبر تاريخه كان مسرحا للتعبير عن الإرادة الوطنية ومقاومة الأنظمة الحاكمة، سواء كانت ملكية أو دينية، ويؤكد أن هذه المساحة تتجاوز حدود الدولة الجغرافية وتتأثر بالحوارات الثقافية العالمية، مما يمنح الأمة الإيرانية قوة ومرونة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. ويطرح دباشي مفهوم "الحدس الجمالي للتجاوز" كقوة دافعة تمكن الأمة من إعادة اختراع نفسها وتجاوز قيود "العقل ما بعد الكولونيالي" و"الحداثة الاستعمارية"؛ هذا الحدس يتجلى في الفنون والآداب الإيرانية التي تمثل في نظر دباشي تعبيرا عن الروح الحقيقية للأمة، بمعزل عن الأيديولوجيات السياسية. ويرى دباشي بأن الشعر والسينما الإيرانية أدوات أساسية لفهم تطور الفكر الإيراني ومقاومته للقمع والتعبير عن الهوية الوطنية في مواجهة محاولات الهيمنة، سواء كانت داخلية أو خارجية، كما يرى أن هذه العلاقة المعقدة بين الأمة والدولة تجسد مفتاحا مهما لفهم إيران اليوم، وقوتها في المشهد الإقليمي والعالمي. "إيران بلا حدود" يركز كتاب حميد دباشي "إيران بلا حدود: نحو نقد الأمة ما بعد الاستعمارية" (Iran Without Borders: Towards a Critique of the Postcolonial Nation) الصادر عام 2016، على فكرة أن "إيران" كأمة محصورة بشكل مصطنع داخل حدودها ما بعد الاستعمارية المصطنعة، وهدف الكتاب إلى تفكيك الثنائيات الخاطئة، مثل "إسلامي/أصولي" مقابل "علماني"، و"التراث" مقابل "الحداثة"، أو "إيران" مقابل "الغرب"، والتي شوهت المجتمع الإيراني تاريخيا وقيدت خياله الأخلاقي. وبدلا من ذلك، يقترح الكتاب أن "الكونية العالمية"، التي يراها دباشي السمة الحقيقية للثقافة الإيرانية، والمتجذرة في ماضيها الإمبراطوري وتفاعلاتها العابرة للحدود الوطنية. وتتمثل الفكرة الرئيسية الأخرى في أن "الهوية الوطنية" الإيرانية كانت دائما عملية عابرة للحدود الوطنية وما بعد وطنية، وقد تشكلت من خلال التفاعل والتأثير الواسعين مع أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك الهند وآسيا الوسطى والعالمين العربي والعثماني وأوروبا. وتجلى ذلك في تبادل الأفكار والمنشورات، وسفر المثقفين والفنانين والساسة الإيرانية الذين غالبا ما عملوا خارج الحدود المادية لإيران. ويؤكد دباشي من خلاله كتابه أن الثقافة الإيرانية تتميز بـ"الكونية العالمية" المتأصلة ودينامية داخلية تتجاوز باستمرار القوميات الضيقة. ويتضح ذلك من خلال أمثلة مثل تأثير الشعراء العالميين (نيرودا، ماياكوفسكي، محمود درويش، هيوز) على الشعر الإيراني، والنجاح العالمي للسينما والفن الإيراني، والترابط التاريخي للحركات السياسية الإيرانية مع النضالات العالمية ضد الاستعمار. كما سلط الكتاب الضوء على أهمية هجرة العمال في تشكيل الطابع الكوني للمدن الإيرانية مثل الأحواز، متجاوزا مفاهيم السكان "الأصليين" ومؤكدا أن الهويات العرقية المصطنعة تتجاهل مركزية العمل في التكوين الحضري. ويؤكد أيضا كيف أظهرت الحركات العمالية التي تظهر تضامنا عابرا للحدود الوطنية بين العمال من مختلف الخلفيات، والتي تكون غالبا ضد الاستغلال الاستعماري والطغيان. ويقدم الكتاب نقدا لدراسات "الشتات" التقليدية، والتي يرى أنها غالبا ما تبالغ في تمجيد مفهوم "الوطن" و"المنفى"، ويجادل بأن مثل هذه المقاربات تميل إلى إضفاء طابع محلي وعزل الإبداع في الحدود الوطنية المصطنعة. الثورة في عالم ما بعد ديمقراطي يدرس كتاب حميد دباشي "إيران في ثورة: تطلعات ثورية في عالم ما بعد ديمقراطي" (Iran in Revolt: Revolutionary Aspirations in a Post-Democratic World) الصادر عام 2025، الانتفاضات الأخيرة في إيران، لا سيما "انتفاضة جينا" (أو انتفاضة مهسا أميني) عام 2022، متسائلا عن طبيعة الثورات في عالم اليوم الذي يصفه بـ"ما بعد الديمقراطي" ؛ يرى دباشي أن مفهوم "الديمقراطية" قد أصبح وهما كولونياليا، ومجرد حيلة للرأسمالية العالمية. ويجادل دباشي بأن هذه الانتفاضات، التي تقودها النساء الإيرانيات من جميع الطبقات والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، ليست مجرد احتجاجات دورية، بل هي مظاهر لثورة أعمق تحدث تدريجيا في عقلية الناس، وفي أسلوب حياتهم، وعلاقاتهم الاجتماعية. هذه الثورة التي يطلق عليها دباشي اسم "خيزش" (انتفاضة باللغة الفارسية)، لا تهدف بالضرورة إلى إسقاط نظام حكم واستبداله بآخر، بل إلى تفكيك مفهوم الدولة ذاته، وتعزيز حكم ذاتي على المستويات المحلية والشعبية. وينتقد دباشي التصورات السائدة في الغرب والتي تبناها بعض الأوساط الإيرانية المعارضة في الخارج، التي تحاول ربط هذه الانتفاضات بأجندات خارجية أو تصويرها كحنين لعودة النظام الملكي؛ حيث يؤكد أن مثل هذه المحاولات لا تفهم الطبيعة الحقيقية للحركة، التي هي أوسع وأكثر تعقيدا من مجرد تغيير نظام حكم. كما يجادل دباشي في الكتاب بأن الدولة القومية ما بعد الاستعمارية فقدت شرعيتها وأصبحت مجرد أداة للقمع بدلا من أن تكون آلية للرفاه الاجتماعي. هذا الفشل يفسر "الغضب الخام" الذي يدفع الانتفاضات المعاصرة. كما أظهرت "انتفاضة جينا" حسب دباشي الدور المحوري للمرأة الإيرانية التي تقود الاحتجاجات ضد اجبارية الحجاب وتطالب بالفرص الاقتصادية والحرية الاجتماعية والمشاركة السياسية. ويرى دباشي أن نضال المرأة هو ضد ذكورية وأبوية الدولة الحديثة. كما أكد دباشي في الدراسة على التعددية العرقية والثقافية واللغوية في إيران، وأعلن عن رفضه للقوميات العرقية الضيقة التي تسعى إلى تقسيم البلاد وانتقد بشدة "النشطاء المشاهير" في الفضاء السيبراني، حيث يرى أنهم يساهمون في تزييف الواقع وتحويل النضال الحقيقي إلى سلعة. كما يحذر من "المراقبة الرأسمالية" التي تستغل البيانات لتوجيه الاحتجاجات. كما يقترح الكتاب ظهور ما سماه بـ"اللاهوت الجديد" المتجاوز لثنائيات التقليدية بين "الإسلام" و "العلمانية" أو "الشرق" و "الغرب" والمتأصل في الوعي الجمعي للإيرانيين، ويعكس رفضا للإسلام السياسي في صيغته المتطرفة ويسعى إلى إيمان أكثر عالمية وإنسانية، ويختم برفضه الحازم لأي عودة لحكم سلالة الشاه بهلوي، ويرى أن هذه الحركة، المدعومة من قبل بعض الشتات الإيراني في الخارج، هي "فاشية صريحة" ونسخة أخرى للأنظمة القمعية.