logo
رصاصة في واشنطنستان

رصاصة في واشنطنستان

ما حدث في واشنطن ليس حادثًا معزولًا، بل صدى متأخر لانفجارٍ أكبر وقع قبل أكثر من عقدين في نيويورك.
لم تتغير المعادلة منذ 11 أيلول/ سبتمبر 2001، فقط تغيرت الواجهة من الطائرات إلى المسدسات، من تنظيم القاعدة إلى ذئاب منفردة تتغذى على خطاب الإسلام السياسي المزخرف بشعارات المظلومية، بين التفجير الإرهابي الأول والرصاصة الأخيرة، ضاعت فرصة العالم العربي في تجديد خطابه الديني، وتردّد الغرب في مواجهة الجماعات التي تحتقر ديمقراطيته وتتغذى على قوانينه.
ما جرى في واشنطن هو ببساطة نسخة مكررة، وإن كانت مصغّرة، من 11 سبتمبر 2001، نفس الجذر العقائدي، ونفس التبرير السياسي المغلف بالشعارات، ونفس التساهل القاتل من قبل الغرب مع حاملي خطاب الكراهية تحت لافتة "الحقوق والحريات"، وبين التاريخين مسافة زمنية كافية كان يُفترض أن تكون مساحة للتعلم. لكن لا العرب جددوا خطابهم الديني، ولا الغرب جفّف منابع الإرهاب.
بالعكس، تمددت المدن الغربية من لندن إلى أمستردام فباريس وواشنطن، لتحمل أسماء يطلقها العرب في مجالسهم لندنستان، أمستردامستان، باريستان، وواشنطنستان، مدن باتت تنتج خطاب الكراهية باسم الإسلام، لا من كهوف قندرهار وتورا برا في أفغانستان، بل من قلب المساجد المرخّصة، والمنظمات غير الحكومية، وصفوف الجامعات.
القاتل في واشنطن لم يكن بحاجة إلى تعليمات من قيادة، يكفي أنه تربّى في مناخ أيديولوجي سمح بخلط فلسطين بالإرهاب، والحرية بالذبح، الكلمة التي أطلقها قبل الرصاص ليست زلّة لسان، بل اختصار لعقود من التحريض باسم "قضية عادلة" خُطفت منذ زمن طويل على يد الإسلام السياسي.
وهنا تحديدًا يحضر تحذير مبكر وشجاع أطلقه وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، قال الرجل ما لم يجرؤ كثيرون على قوله: "الإخوان المسلمون أخطر من القاعدة وداعش"، لم تكن تلك مبالغة، بل حقيقة استشرافية، لأن الجماعة لا تطرق الأبواب بالديناميت، بل بالأوراق القانونية والمنابر الإعلامية، تتسلل كجمعية وتنتشر كفكر، وحين يحين الوقت، تُخرج من بين الصفوف من يضغط الزناد.
الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان لم يكتف بالتحذير من الفكر، بل نبّه بصراحة إلى أن استضافة جماعات الإسلام السياسي في الغرب تحت شعار حرية التعبير والديمقراطية، ستحوّل هذه الدول إلى حاضنات لخطاب الإرهاب والكراهية، وهذا تمامًا ما نراه يتحقق اليوم، حين تُطلَق النار من قلب العاصمة الأميركية باسم قضية مخطوفة وفكر ملوّث.
الغرب لم يأخذ هذا التحذير على محمل الجد، كان يراهن على "الاعتدال" في خطاب الجماعة، بينما كانت الأخيرة تبني شبكاتها داخل مؤسساته، الخطأ الأكبر كان ولا يزال في الفصل الوهمي بين "الإخوان المعتدلين" و"الإسلاميين المتطرفين"، كلهم أبناء النص ذاته، وإن اختلفت أدوات التنفيذ.
حادثة واشنطن لم تكن مفاجئة. بل كانت مسألة وقت فقط، الفشل في سن قوانين رادعة تحظر جماعة الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي هو المعضلة الكبرى، لا في أميركا وحدها بل في كل الدول التي لم تعترف بعد أن المعركة لم تعد فقط مع الإرهاب المسلح، بل مع الإرهاب الناعم الذي يبدأ بالتحريض وينتهي بالدم.
فرنسا بدأت تفهم ذلك متأخرة، لكنها تفهم، باريس اليوم تضع الإخوان في صلب تهديدها الأمني. تلاحق تمويلهم، وتُضيّق على نشاطهم في الضواحي، وتدرك أن السماح بوجودهم باسم الديمقراطية هو تفكيك ممنهج للنظام الجمهوري نفسه، أما واشنطن، فهي لا تزال في مرحلة الصدمة، تكتفي بالتنديد بعد كل حادثة، ثم تعود لاحتضان نفس المجموعات التي تُنَظِّر للعنف تحت عباءة الحرية.
الرئيس ترامب، في ولايته الأولى، كان قريبًا من تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية، تأخر القرار بفعل بيروقراطية الدولة العميقة، وضغوط مجموعات ضغط ودوائر إعلامية. اليوم، ومع عودته إلى البيت الأبيض، تُفتح النافذة مجددًا.
وهنا يأتي الدور الحقيقي للدول العربية المعتدلة، يجب أن لا نُضيّع الفرصة مجددًا، التنسيق مع إدارة ترامب يجب أن يذهب أبعد من مجرد تحالف أمني أو تبادل معلومات، نحن أمام لحظة سياسية تتيح تجريم جماعة الإخوان دوليًا، وتجفيف منابعها الفكرية، وفضح شبكة تمويلها العابرة للقارات.
ما بعد رصاصة واشنطن يجب أن يكون مختلفًا، لا مبرر بعد اليوم لتساهل قانوني أو تهاون سياسي مع منارات الفكر التحريضي، لا مفر من المواجهة الفكرية، القانونية، الأمنية، الإعلامية، مع من يحتكر الإسلام ليقيم خلافته على دماء اليهود والمسيحيين والمسلمين أنفسهم.
هذا المقال ليس صرخة غضب، بل إنذار مكرر لمن لم يستيقظ بعد، من لا يرى أن خطر الإسلام السياسي بات ماديًا، دمويًا، حاضرًا في شوارع العواصم الغربية، فهو إمّا أعمى أو متواطئ، رصاصة المتحف اليهودي ليست آخر الرصاصات ، بل مجرّد تذكير بأن النار لا تزال مشتعلة، وأننا نعيش تحت قنبلة موقوتة لا تنفجر فقط حين نسمع صوتها، بل حين نصمت طويلاً قبل أن نمنعها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أخطبوط مُدَمِر للأوطان.. خطة السيطرة خطوة خطوة.. باحثة فرنسية: لن يستطيع أحد أن ينكر ازدواجية خطاب الإخوان
أخطبوط مُدَمِر للأوطان.. خطة السيطرة خطوة خطوة.. باحثة فرنسية: لن يستطيع أحد أن ينكر ازدواجية خطاب الإخوان

البوابة

timeمنذ ساعة واحدة

  • البوابة

أخطبوط مُدَمِر للأوطان.. خطة السيطرة خطوة خطوة.. باحثة فرنسية: لن يستطيع أحد أن ينكر ازدواجية خطاب الإخوان

بعد اتهامها بالتآمر وتهديدها بالقتل بسبب كتابها عن فى حوارها مع "لوبوان"، قالت: إن نشر هذه الوثيقة حدث مهم لأننا نملك هنا دليلًا على أن منظمة مسلمى فرنسا، التى كانت اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية سابقًا، ليست "قريبة" من جماعة الإخوان المسلمين، بل إنها هى جماعة الإخوان المسلمين نفسها. حتى الآن، كان أعضاء اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا ينكرون دائمًا عضويتهم فى الجماعة. مع هذه الوثيقة لا يوجد أى شك. إن اتحاد المنظمات الإسلامية الأوروبية (ومسلمى فرنسا هو فرع من اتحاد المنظمات الإسلامية الأوروبية) يمثل الأخونة السرية فى أوروبا. أكاديمية الإخوان قامت فلورنس بيرجود بلاكلر بتحليل أكاديمية المواهب، وهو دليل داخلى لمنظمة مسلمى فرنسا، صدر عام ٢٠١٧، فى ١٧٧ صفحة (نشرت "البوابة" تفاصيل هذا الدليل فى عددها الصادر الأحد الماضى ٢٥ مايو)، ويعد دليلًا قاطعًا على ازدواجية خطاب هذه المنظمة التى تدعى أنها مؤمنة بقيم الجمهورية فى حين تعمل على غسل أدمغة مؤيديها وغرس الأفكار المتطرفة فيهم. وترى أن هذا الدليل هو تعبير جديد عن الخطاب المزدوج الذى نددت به فى كتابها "الإخوان وشبكاتهم" الصادر عام ٢٠٢٣. وأكدت أن هذا الدليل يهدف إلى أن يكون بمثابة دعم لدوائر التدريب التابعة للأسرة، وهى الخلايا المحلية الأساسية لتنظيم الإخوان. وهى قسم من الشعبة، وهى بدورها قسم من المنطقة. حيث يجمع اتحاد الطلاب المسلمين ستة طلاب يجتمعون أسبوعيًا مع قائد لمناقشة قضايا دينية مختلفة، بدءًا من الموضوعات الدينية إلى القضايا السياسية، حسب المستوى. وهنا، أكاديمية المواهب تتوجه إلى الطلاب المبتدئين الذين تم تحديدهم من قبل الإخوان ليتم تجنيدهم وتدريبهم خلال سنتين إلى ثلاث سنوات. ولم يتم ذكر جماعة الإخوان المسلمين بالاسم مطلقًا، لكن إشاراتها موجودة فى كل مكان، بدءًا من يوسف القرضاوي، مؤسس المجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث، والذى كان يتولى تدريب جماعة الإخوان المسلمين فى أوروبا على أساس "فقه الأقليات". وأضافت الباحثة: يجب أن يكون لدى الشاب أو الفتاة خلفية فكرية معينة لقراءة هذا الدليل، ولكن أيضًا ميل إلى الانضباط والطاعة. وأكدت فلورنس بيرجود بلاكلر أن هذا دليل أولى لأفراد مختارين بعناية، يمتلكون القواعد الأساسية للإسلام وتعليمات الإخوان. تحتوى هذه الوثيقة الشاملة والتعليمية على أقسام مخصصة خصيصًا للمسلمين الأوروبيين، الذين يعيشون بالتالى فى سياق الأقلية، مع الاحتياطات اللغوية اللازمة لتجنب التسبب فى المشاكل. على سبيل المثال، بعد توضيح أن أفضل الأديان هو الإسلام وأنه من غير الممكن ممارسته جزئيًا لأن جميع مجالات الحياة تحكمها الشريعة الإسلامية، فإن الفقرة المخصصة للدرس الرابع عشر حول "حقوق الأقليات" تحدد أنه لا يمكن إقامة مجتمع إسلامى ككل، وتقول نصًا: "من الواضح أن المسلمين فى أوروبا أقلية، وبالتالى لن نتمكن من إقامة مجتمع يضع هذه القيم موضع التنفيذ ككل، ولكننا سنكون قادرين على إقامة مثال لمجتمع يعيش بين الآخرين، فى توافق بدون إثارة أى مشاكل، ويقدم نموذجًا متوازنًا ومستقرًا قادرًا على جلب قيمة مضافة حقيقية تتطور مع الزمن". وقد يبدو هذا الكلام مطمئنًا إلى حدٍ ما، ولكنه كما يقولون "وضع السم فى العسل" فالوثيقة تستمر فى القول بأن إصلاح المجتمع بأكمله أمر ضروري! حيث تنص على أن "المؤمن لا يسعى إلى إصلاح نفسه فحسب، بل يجب عليه أيضًا إصلاح أحبائه ومجتمعه المحيط به، ليكون إسلاميًا بالكامل"، وهذا نوع من التدرج، الذى يشير إلى فكرة التقدم خطوة خطوة فى تطبيق القواعد أو الواجبات أو الإصلاحات الدينية، سواء كانت فردية أو جماعية، وصولًا إلى ما نسميه "التمكين". وتمضى الباحثة فلورنس بيرجود بلاكلر قائلة: ألاحظ أن الوثيقة تركز على الأسرة فى سياق الأقليات. ويجب أن تلعب الدور الأول والأكثر سرية فى التلقين، ولهذا السبب تمنع الجماعة رسميًا "شبابها" من الزواج من أهل الكتاب (اليهود والمسيحيين)، رغم أن القرآن يسمح بذلك. وهنا يجب أن نفهم أن الأمر لا يتعلق بتحويل الأفراد واحدًا تلو الآخر ليصبحوا مسلمين، بل يتعلق بخلق مجتمع يحكمه الجانب المتشدد من الشريعة الإسلامية ويشمل المسيحيين واليهود الذين هم "أهل الذمة"، ولكن خاضع للشريعة الإسلامية. ثم يتحول بعض المسيحيين واليهود إن أمكن "بمحض إرادتهم" لأن وضع الذمى مؤلم ومهين ومكلف. كل هذا لا يمكن كتابته بوضوح، لأنه حينها يمكن اتهام الإخوان بالتآمر ضد الدولة أو التحريض على الثورة أو العنف أو التحريض عليها، وهو ما يعاقب عليه القانون. وبمجرد أن يكمل الفرد هذه الدورة التحضيرية التى تستغرق عامين أو ثلاثة أعوام، فإنه يستطيع تلقى دورات لاحقة، بما فى ذلك التدريب السياسى لتعلم كيفية تحويل المجتمع بشكل ملموس للغاية واستخدام تقنيات التأثير والتسلل والتغلغل. فلورنس بيرجود بلاكلر: الوثيقة الحكومية تؤكد تحليلى عن طبيعة الجماعة والذى تعرضت بسببه لاتهامات لا أساس لها من الصحة الباحثة فلورنس بيرجود بلاكلر عمار لصفر رئيس منظمة مسلمى فرنسا الإخوانية تهيئة العقول وترى الباحثة أن الفجوة هائلة وكبيرة مع الخطاب العام الذى قدمه عمار لصفر رئيس منظمة مسلمى فرنسا الذى أعلن على الملأ فى لوبورجيه عام ٢٠١٦: "ليس لدينا سوى شريعة واحدة، هى قوانين الجمهورية". وفى الواقع، فإن عمار لصفر لا يبتعد كثيرًا عن هذه الوثيقة. يجب أن يكون لديك أذن مدربة على الحديث المزدوج للإخوة لتتمكن من اكتشافه. لم يذكر الجمهورية الفرنسية، بل لعله كان يقصد الجمهورية "الإسلامية"! أليست إيران جمهورية إسلامية؟ إنه يلعب بالكلمات. وتؤكد أن "كل ما قرأته يتناسب جيدًا مع الثلاثية المهمة التى وصفتها فى كتابى الإخوان وشبكاتهم: رؤية، هوية، خطة". وتابعت: إن إقامة الخلافة هى الهدف الأسمى، ويجب أن يتم تحقيق هذا الإنجاز بطريقة منهجية. ويجب على كل عمل يقوم به كل مسلم أن يسعى إلى تحقيق هذا الهدف، وهذا ما يدرس ضمنًا بين الإخوان المسلمين، وهو ما يميز هذه الحركة عن غيرها من الحركات السلفية. إن مبدأ التدرج الذى يتبناه الإخوان يوضح أن العقول لا ترى شيئًا، لأن هذا التحول يتم بطريقة تلقائية للغاية. لكن الحواس ترى. نحن لم نعد نعيش فى نفس العالم الذى كنا نعيش فيه قبل ٣٠ عامًا. وردًا على سؤال حول اتهامها فى السابق بالتآمر لأنها استنكرت الخطاب المزدوج المستمر للإخوان المسلمين، قالت فلورنس بيرجود بلاكلر: لقد تعرضت بالفعل لاتهامات لا أساس لها من الصحة بالتآمر من قبل بعض زملائكم فى صحيفة لوموند وليبيراسيون ولاكروا بسبب تحليلى لما تظهره هذه الوثيقة بوضوح تام. الأمر الأكثر إثارة للسخرية هو أن هؤلاء الصحفيين أجروا مقابلات مع أكاديميين مقربين من الإخوان المسلمين من أجل استبعادي!.. ما دام الصحفيون وصناع القرار وحتى الأكاديميون غير مدربين على معرفة ما يتحدثون عنه، فإنهم سيلعبون دور البلهاء المفيدين فى الابتعاد عن جماعة الإخوان المسلمين. أستطيع أن أقدم محاضراتى فى أى مكان تقريبًا، باستثناء الجامعة؛ لم يعد بإمكانى الوصول إلى الطلاب، وهذا يقلقنى كثيرًا. بعض المسئولين صامتون أو داعمون.. وقائع عديدة حول غض الطرف عن تسلل الإخوان داخل الجامعات الفرنسية إحدى الجامعات تلغى بحثًا عن الإسلاموية.. وبرامج أوروبية تمول مشروعات مرتبطة بالجماعة يحتل التعليم العالى موقع الصدارة فى نشاط الطلاب المنتمين لحركات الإسلام السياسى.. ترصد "لوبوان" فى هذا التقرير، وقائع تستر على نشاط المنتمين لتلك الحركات وبالأخص الإخوان المسلمين.. وهى وقائع قد ترقى إلى الدعم والمشاركة فى تقويض المجتمع الجامعى والبحثى فى فرنسا. لقد جمعت مجلة "لوبوان" شهادات من جميع أنحاء فرنسا.. فهل ينبغى لنا أن نتحدث عن تغلغل الإسلاميين فى الجامعات الفرنسية أم عن انجراف عفوي؟ وفى حين لا تزال هذه القضية تثير انقسام الرأى العام، فإن المؤشرات على وجود تنظيم منهجى تتراكم. إن عقيدة جماعة الإخوان المسلمين، وهى الحركة التى أسسها حسن البنا عام ١٩٢٨، تدعو حرفيًا إلى أسلمة المجتمعات من خلال التعليم والجمعيات والتأثير الثقافي. جامعة ليون ٢، مؤسسة هزتها بالفعل الرقابة على فابريس بالانش، الجغرافى المتخصص فى الشرق الأوسط، والذى قاطعه بعنف ناشطون إسلاميون خلال دورة فى أبريل. كان فابريس بالانش محقًا فى إدانة "التسلل الإسلامى من خلال مجموعات يسارية متطرفة" إلى داخل الجامعة، فى حين تم تنظيم أمسيات فى الحرم الجامعى لمدة شهر، دون أن ينزعج أحد... أما رئيسة الجامعة، إيزابيل فون بولتزينجسلوين، فقد فضلت إلقاء اللوم على بالانش، منددة بتصريحاته "التآمرية". ويزعم محيط الرئيسة أن التقارب الأيديولوجى بين بعض التيارات والحركات اليسارية المتطرفة المؤيدة للإسلام السياسى مجرد خيال "اخترعته عوالم هائمة". لكنها خيالات ملموسة بشكل متزايد. إن العاصفة التى تهز جامعة ليون ٢ ليست ظاهرة عابرة، بل إنها تضاف إلى سلسلة طويلة من الفضائح التى اندلعت بشكل متقطع فى الجامعات الفرنسية، فى جو من الصمت والإنكار. عروض أفلام مؤيدة للحجاب فى معهد العلوم السياسية فى باريس، وفعاليات دينية مكثفة فى ستراسبورج، وحملات ترهيب ضد أساتذة الجامعات فى جرونوبل وباريس وليون، واجتماعات ومؤتمرات معادية لليبرالية (أو تلك التى تكرم شخصيات قريبة من الإيديولوجية الإسلامية) فرضت فى تولوز ورين وليل... وفى نانتير، كما فى بانتيون سوربون، تمكنت جمعية يشتبه فى تمويلها لمنظمات إرهابية، وهى جمعية هيومانى تير Humani'Terre، من تنظيم عمليات التجنيد وتوزيع المواد الغذائية بكل راحة بال (تم مصادرة ٣٦ مليون يورو من مقرها، كجزء من تحقيق مفتوح بتهمة تمويل الإرهاب). وبعيدًا عن هذه الأحداث، فإن الأكاديميين القلائل الذين يجرؤون على التحدث يتحدثون عن أجواء ثقيلة، أصبحت خانقة فى بعض أقسام العلوم الإنسانية. مثل هذه الأستاذة من نانتير، التى تعترف بذهابها إلى قاعة محاضراتها وهى تشعر بتوتر شديد: "لعدة أشهر، استولى الطلاب على زوايا الجامعة حيث يصلون خمس مرات يوميًا، ويرمون السجاد على الأرض.. وتزايد عدد الطالبات اللواتى يرتدين النقاب، ويغطين أيديهن بالقفازات... من لا ترتدى النقاب والقفاز تتعرض لضغوط. أشعر وكأننى أهرب من هذا الضغط". عضو فى عصابة فرعها الرئيسى فى فرنسا، اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا (والذى أعيدت تسميته إلى مسلمى فرنسا)، تم إنشاؤه فى عام ١٩٨٣ من قبل طلاب المغرب العربي. تأسس فرعها الطلابى فى بوردو عام ١٩٨٩. أسسها فؤاد العلوى (الأمين العام المستقبلى لاتحاد الطلاب الإسلاميين فى فرنسا)، وغير اسمها فى عام ١٩٩٦ لتصبح الطلاب المسلمين فى فرنسا. ويؤكد أوليفييه فيال، مدير مركز الدراسات والبحوث الجامعية (سيرو)، أن "التاريخ مهم. لقد كان أحد أعضاء عصابة روبيكس، والذى تم القبض عليهم فى عام ١٩٩٦ وارتكب عمليات سطو لتمويل الجهاد، وكان على القائمة الخاصة بهم لانتخابات الجامعة". وتقدم منظمة الطلاب المسلمين فى فرنسا نفسها كمنظمة خيرية تهدف إلى "تسهيل اندماج الطلاب" و"تطبيع الوجود الإسلامى فى فرنسا". وهى تنظم حملات توعية، وبنوك طعام، وبطولات رياضية، وما إلى ذلك. وهى موجودة فى أكثر من ٢٥ جامعة، وهى عضو فى منتدى المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية الأوروبية المشتبه فى أنها الفرع الشبابى لاتحاد المنظمات الطلابية الإسلامية فى فرنسا وجماعة الإخوان المسلمين. ولكن فى حين تصفها العديد من الروايات بأنها "الذراع الطلابية لجماعة الإخوان المسلمين"، والمسؤولة عن "نشر فكر الإخوان" فى الجامعات، وفقًا لأحد أعضائها السابقين، فإن منظمة الطلاب المسلمين فى فرنسا تزعم: لسنا مرتبطين بأى شكل من الأشكال بهذه المنظمة المذكورة. وادعى رئيسها، كايود دامالا، قائلًا: "الغرض الوحيد من التقرير الفرنسى عن الإخوان هو تشويه سمعة عملنا، وهو جزء من خطاب عنصرى ومعادٍ للإسلام ندينه". لكن أوليفييه فيال يرد قائلًا: "كيف يمكننا وصف أيديولوجية ذاتية ومراوغة بطبيعتها؟.. لقد تمكنت منظمة الطلاب المسلمين فى فرنسا التابعة للإخوان من التكيف للبقاء فى الظل". طارق رمضان مازلنا نرصد التاريخ.. فى عام ١٩٩٧، ظهر طارق رمضان كضيف شرف فى المؤتمر الوطنى الثالث للاتحاد النسائى الأوروبى فى بيزانسون. وأعلنت المنظمات الطلابية اليسارية عن غضبها. وفى بيان صحفي، استنكرت "الضغوط التى تمارسها منظمة الطلاب المسلمين فى فرنسا على الطلبة من أصول مغاربية، وخاصة النصيحة المقدمة للفتيات الصغيرات بارتداء الحجاب". وفى الوقت نفسه، فى لندن، روج حزب العمال الاشتراكى التروتسكى لفكرة مفادها أن الإسلام السياسى يمكن أن يتطور إلى أشكال تقدمية ومعادية للإمبريالية متوافقة مع الاشتراكية الثورية. لقد تم استيراد هذه الاستراتيجية إلى فرنسا من قبل حركة الاشتراكية من الأسفل (SPEB)وهى قريبة من الحركات المناهضة للعولمة. انضم النائب عن حزب "فرنسا الأبية" دانييل أوبونو إلى الحركة فى عام ٢٠٠٠. وفى المنتدى الاجتماعى الأوروبى عام ٢٠٠٣، أحدث طارق رمضان ضجة كبيرة. وعلى الصعيد الطلابي، تشهد منظمة الطلاب المسلمين فى فرنسا صعودًا، إذ تمكنت من الفوز بـ١١ مقعدًا فى الانتخابات الجامعية عام ٢٠٠٢، بنسبة ٦.٤٪ من الأصوات. وبعد ذلك أصبحت الصحافة مهتمة بصلاتها بالحركة الصارمة.. ثم اختفت العلاقة من الرادار. "إنها متلازمة دراكولا: بمجرد إخراجهم إلى النور، اختفوا"، حسبما يلخص أوليفييه فيال. ويقول إن المنظمة تتبنى استراتيجية أكثر هدوءا. فابريس بالانش يوسف القرضاوى وسط قيادات منظمة مسلمى فرنسا الإخوانية "صورة أرشيفية" العمى السياسى فى عام ٢٠٠٣، ظهر مفهوم الإسلاموفوبيا كسلاح حرب. نُشر فى ١٨ سبتمبر من قبل عالم الاجتماع فى المركز الوطنى الفرنسى للبحث العلمى فينسنت جيسر (وهو ضيف منتظم، اليوم، فى مختبر ويلى بوفاليت فى ليون ٢)، وشرح ذلك فى كتيب "الإسلاموفوبيا الجديدة"، وهو كتيب يندد بأى انتقاد أو إدانة للطائفية باعتبارها "إسلاموفوبيا"، وكان موضوع حملة ترويجية مكثفة. وفى ٢٠ سبتمبر، تم تنظيم مؤتمر فى الجمعية الوطنية، وقامت منظمة الطلاب المسلمين فى فرنسا بتنظيم جولة جامعية للمؤلف. لقد تم قمع التنبيهات العديدة لفترة طويلة. فى عام ٢٠١٣، نشر المجلس الأعلى للتكامل تقريرًا دامغًا أشار إلى "أعمال التبشير، ورفض التعليم المختلط، والطعن فى محتوى التدريس".. لكن فرانسوا هولاند دفنه وأرسل زميلته الشابة، المديرة الحالية للمتحف الوطنى للهجرة، كونستانس ريفيير، "لتنظيف البيت" فى المجلس الأعلى. يتذكر أحد المشاركين قائلًا: "لقد طُلب من إليزابيث بادينتر التى أشرفت على إعداد التقرير الدامغ أن تتقدم باستقالتها، قبل أن يتم طردها". وبدلًا من ذلك، تم إنشاء مرصد للعلمانية، وأُسندت قيادته إلى جان لوى بيانكو، الذى سارع بعد هجمات عام ٢٠١٥ إلى ربط اسمه بمنصة وقعتها الجماعة ضد الإسلاموفوبيا فى فرنسا التى تم حلها الآن.. بصفته رئيسًا لجامعة التكنولوجيا الإسلامية فى سان دونى فى عام ٢٠١٢، يحتفظ صامويل مايول بذكريات مؤلمة عن المضايقات التى تعرض لها "وما زال يعانى منها"، كما يقول بسبب إغلاق غرفة صلاة سرية. يقول "لقد تلقيت آلاف التهديدات بالقتل، وأرسلوا لى صورة لى وقد تم اقتلاع عيني، وتم تحطيم نوافذ سيارتي" وأوقفه رئيس جامعته عن العمل واتهمه بأنه "وضع السجاد فى الأرض بنفسه لجعل الناس يصدقون ظاهرة غير موجودة". لكن التحقيق حقق له العدالة. أسلوب التخفى فى عام ٢٠٢٤، ظهرت منظمة الطلاب المسلمين فى فرنسا تحت اسم مخفف "Activate ton Crous"، والتى فازت بممثل منتخب فى ستراسبورج بنسبة ١٧٪ من الأصوات وكانت قريبة من ١٠٪ فى ليل ومونبلييه. "إن المرشحين يستهدفون مجموعات من الطلاب الأجانب - الجزائريين أو المغاربة - ويقومون بتوزيع منشورات خارج المساجد"، حسبما أفاد المندوب الوطنى لاتحاد الطلاب الجزائريين، إيفين لوكوز، وهو ما تنفيه الجمعية مرة أخرى. ومع ذلك، فى حين تنظم منظمة الطلاب المسلمين فى فرنسا بعض الأنشطة مع منظمة Humani'Terreالمشتبه فى تمويلها للإرهاب، فإن أعضاءها فى أغلب الأحيان يظلون تحت الرادار. يوضح أحد أعضاء الحكومة السابقين أن "كل شيء يبدأ بخطوات صغيرة.. تطلب إحدى الجمعيات غرفة، ثم تقوم بتحويلها إلى غرفة للصلاة. تتعرض الفتيات اللاتى لا يرتدين الحجاب للضغوط. مشاريع بحثية أوروبية تمول مشاريع مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. والكل يعتاد على ذلك. إنها استراتيجية الضفدع الذى غرق فى الماء البارد ويظل حيًا يتنفس". ما زلنا نرصد وقائع غض الطرف عن تلك الممارسات.. تم وقف بحث عن الإسلاموية فى جامعة فرنسية. واضطر الباحث برنارد روجييه إلى البحث عن تمويل من منطقة إيل دو فرانس لمواصلة عمله فى مجال الإسلاموية. فى ليون ٢ وليون ٣، رفضوا تخصيص غرفة لمؤتمر مع فابريس بالانش الذى احتج عليه طلاب إسلاميون. يقول وزير سابق: "إن حقيقة أن الأكاديميين لم يعودوا قادرين على التفكير فى ظل التطرف هى حقيقة كاشفة". يقول كزافييه لوران سلفادور، المؤلف المشارك لكتاب "فى مواجهة الظلامية المستيقظ"، الذى يدعو إلى سيطرة محكمة على الحسابات على تمويل الجمعيات ومراقبة التوظيف: "الوضع الحالى لم يعد من الممكن أن يستمر. يجب التصدى لهذا الانجراف". لمطالعة التقرير الفرنسي حول جماعة الإخوان.. طارق رمضان

مباحثات إماراتية نمساوية تتناول «تعزيز العلاقات الاستراتيجية»
مباحثات إماراتية نمساوية تتناول «تعزيز العلاقات الاستراتيجية»

العين الإخبارية

timeمنذ 3 ساعات

  • العين الإخبارية

مباحثات إماراتية نمساوية تتناول «تعزيز العلاقات الاستراتيجية»

بحث الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، خلال اتصال هاتفي، مع بياتة ماينل رايزينجر، وزيرة خارجية النمسا، العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين. وهنأ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، خلال الاتصال، رايزينجر بمناسبة تعيينها وزيرة للخارجية في جمهورية النمسا، مؤكداً تطلعه إلى العمل مع معاليها لتعزيز مختلف مسارات التعاون الثنائي بين البلدين، بما يدعم خططهما التنموية وجهودهما المشتركة لتحقيق الازدهار المستدام لشعبيهما. aXA6IDEwMy4zLjIyNS4xNjUg جزيرة ام اند امز EE

شيخ الأزهر: الإعلام العربي مطالب بمواجهة تحديات أخلاقية كبرى
شيخ الأزهر: الإعلام العربي مطالب بمواجهة تحديات أخلاقية كبرى

صحيفة الخليج

timeمنذ 9 ساعات

  • صحيفة الخليج

شيخ الأزهر: الإعلام العربي مطالب بمواجهة تحديات أخلاقية كبرى

أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، الثلاثاء، أن الإعلام العربي اليوم مطالب بمواجهة تحديات أخلاقية كبرى، في ظل عالم يموج بالأزمات والاضطرابات الثقافية، محذراً من خطورة ما تبثه المنصات الرقمية من أفكار تشوّه الوعي وتغيب الشباب عن واقع أمتهم وتدفعهم نحو تقبل مفاهيم مغلوطة تخلط بين الفضيلة والرذيلة. استراتيجية إعلامية موحدة ودعا شيخ الأزهر خلال فعاليات اليوم الثاني من «قمة الإعلام العربي 2025» التي انطلقت في دبي، إلى استراتيجية إعلامية موحدة تحمي قيم الأمة وتتصدى للتحديات الأخلاقية. ووجه شيخ الأزهر الشريف، الشكر الجزيل إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وإلى نادي دبي للصحافة على التنظيم والدعوة، مشيداً بتنظيم هذا المحفل الإعلامي الكبير، ووصف الفعالية بمنصة حوار فكرية وإعلامية مهمة في العالم العربي والإسلامي. دور الإعلام في حماية الشباب وشدد على أهمية دور الإعلام في حماية الشباب العربي من حملات التضليل التي تتخفى خلف شعارات براقة كالحرية و«الحداثة»، والتي تسعى في جوهرها إلى طمس الهوية الثقافية والدينية للأمة، وإضعاف القيم الأسرية والمجتمعية. ووجه شيخ الأزهر الشريف، الشكر الجزيل إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وإلى نادي دبي للصحافة على التنظيم والدعوة، مشيداً بتنظيم هذا المحفل الإعلامي الكبير، ووصف الفعالية بمنصة حوار فكرية وإعلامية مهمة في العالم العربي والإسلامي. بث الكراهية وتناول فضيلته ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، ووصفها بأنها اختراع مغرض لتشويه صورة الإسلام، ووسيلة لبث الكراهية والتحريض ضد المسلمين، رغم أن الإسلام دين السلام والتسامح والعدالة، معرباً عن أسفه لكون بعض وسائل الإعلام الغربية لا تزال تروّج لصورة مغلوطة عن الإسلام والمسلمين، وبعض هذه الصور تسللت إلى الخطاب الإعلامي العربي ذاته، مما فاقم من حجم التحديات. تشويه المفاهيم الأخلاقية وحذّر شيخ الأزهر من خطر بعض القيم المستوردة التي تسعى لتقويض الأسرة وتشويه المفاهيم الاخلاقية، مثل الدعوات لتغيير شكل الأسرة الطبيعي، وترويج الإلحاد تحت راية الحريات، مؤكداً أن هذه التوجهات تمثل تهديداً مباشراً للهوية العربية والإسلامية، وتستوجب تصدياً إعلامياً واعياً ومسؤولاً. وأشار فضيلته إلى أهمية مواكبة التطور التقني في مجال الذكاء الاصطناعي، لكن ضمن أطر أخلاقية وإنسانية صارمة، مشيراً إلى مبادرة كان قد بدأها مع الراحل البابا فرنسيس لإصدار ميثاق عالمي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والتي أوشكت على الاكتمال، وأكد استمرار التواصل مع الفاتيكان لاستكمال هذا المشروع الحيوي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store