
استخلاص المعادن من المحلول الملحي ومستقبل الإدارة المتكاملة للموارد
غير أن هذه الرؤية التحويلية لاستخلاص المعادن من المحلول الملحي، وإن كانت واعدة، إلا أنها تصطدم بجملة من التحديات التي تشمل الجوانب التقنية، وقابلية التوسع، وديناميكيات السوق المتقلبة. فبينما برهنت المشاريع التجريبية على جدوى استخلاص المعادن الثمينة من المحلول الملحي، يظل توسيع نطاق هذه الحلول لتلبية متطلبات العمليات الصناعية الكبرى عقبة تقنية واقتصادية رئيسية. لذا، تُعد التطورات في الاستخلاص فائق الدقة، وتعزيز كفاءة الطاقة للعمليات، وتحسين حلقات إعادة التدوير، عناصر حاسمة. وهذا يستدعي إطلاق مبادرات بحث وتطوير مكثفة تهدف إلى خفض استهلاك الطاقة وتحسين معدلات الاستخلاص، لضمان أن تكون التطبيقات واسعة النطاق مجدية اقتصادياً ومستدامة بيئياً. علاوة على ذلك، تفرض ديناميكيات أسواق المعادن تحديات جمة، حيث يؤدي تقلب الأسعار إلى تعقيد التخطيط طويل الأجل للمشاريع. ويتطلب تجاوز الفجوة بين استقرار اتفاقيات شراء المياه طويلة الأجل وتقلب إيرادات المعادن، تطوير نماذج مالية مبتكرة، وترتيبات فعالة لتقاسم المخاطر، وهياكل تعاقدية مرنة قادرة على استيعاب تقلبات السوق.
ولا يقتصر النجاح على الجوانب التقنية والمالية فحسب، بل يرتكز أيضاً على إرساء شراكات متينة ومتعددة القطاعات. فدمج استخلاص المعادن من المحلول الملحي ضمن البنية التحتية المائية الحالية يستلزم تطوير نماذج أعمال طويلة الأجل أكثر ابتكاراً وتعقيداً. هذه النماذج يجب أن توفق ببراعة بين موثوقية عقود إمداد المياه الصالحة للشرب وبين الإيرادات المحتملة من استخلاص المعادن، وذلك عبر آليات مثل اتفاقيات الشراء التي تتضمن آليات تسعير متغيرة للمعادن، بهدف التحوط ضد تقلبات السوق وضمان تدفق نقدي مستقر. إن المشاريع التعاونية التي تجمع بين شركات المرافق، ومزودي التكنولوجيا، وتجار المعادن، والمؤسسات المالية، قادرة على دفع عجلة النجاح الشامل للمشاريع، مما يمهد الطريق لتجريب نماذج متكاملة توازن بفاعلية بين أمن المياه على المدى الطويل والمرونة المطلوبة للتعامل مع ديناميكيات سوق المعادن.
تتمتع منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، التي تحتضن بعضاً من أضخم منشآت تحلية المياه عالمياً، بموقع فريد يؤهلها للاستفادة القصوى من تحويل هذه المحطات إلى مراكز موارد متكاملة. إن تحديث المنشآت القائمة لتضم قدرات استخلاص المعادن في الموقع، لا يقتصر على تحويل مواقع إنتاج المياه إلى مراكز متعددة الاستخدامات تولد عوائد مالية إضافية فحسب، بل يساهم أيضاً بفاعلية في تحقيق أهداف استدامة أوسع، تماشياً مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والمبادرة الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة للحياد المناخي بحلول عام 2050.
تضطلع المشاريع التجريبية ضمن دول مجلس التعاون الخليجي بدور محوري في صياغة نماذج تحويلية لاستخلاص المعادن من المحلول الملحي على نطاق واسع، وتقديم رؤى بالغة الأهمية حول الأطر التقنية والاقتصادية والتنظيمية اللازمة للتبني الشامل. على سبيل المثال، استثمرت المملكة العربية السعودية في استخلاص المعادن من المحلول الملحي عبر برامج تجريبية للمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، بهدف استخلاص معادن قيمة كالمغنيسيوم والليثيوم، مع تقليل الأثر البيئي. وبالمثل، قادت دولة الإمارات العربية المتحدة جهوداً بحثية وتعاونية من خلال مصدر وجامعة خليفة، لاستكشاف تقنيات مبتكرة لإدارة المحلول الملحي واستعادة الموارد. وفي هذا السياق، تُعد التحالفات الاستراتيجية بين الحكومات الإقليمية، ورواد التكنولوجيا، والشركات الصناعية الكبرى، حجر الزاوية لتكييف وتحسين حلول استخلاص المعادن من المحلول الملحي بما يتلاءم مع الظروف البيئية والاقتصادية الفريدة للمنطقة. هذه الشراكات ستسهم في بناء نماذج قابلة للتكرار تعالج التحديات المحلية، وترفع من مستوى المعايير العالمية لاستخلاص الموارد المستدامة.
ويُجسّد التعاون الأخير لإنجي مع نيوم لتطوير حلول تثمين المحلول الملحي نموذجاً رائداً لهذا النهج المتكامل. ستعتمد هذه المبادرة على أحدث الابتكارات التقنية، بما في ذلك عمليات الأغشية المتقدمة وأنظمة التبلور المتطورة، بهدف استعادة المواد القيمة من المنتجات الثانوية لعمليات التحلية.
ختاماً، يمثل دمج استخلاص المعادن من المحلول الملحي في محطات التحلية تحولاً استراتيجياً في نظرتنا للمنتجات الثانوية وكيفية توظيفها ضمن إدارة الموارد، مما يعزز بشكل فعال مبادئ الاقتصاد الدائري. وعبر معالجة للتحديات وبناء التحالفات الاستراتيجية، يقود روّاد الصناعة المسيرة نحو مستقبل يُعاد فيه تعريف العلاقة بين المياه والطاقة، وتصبح إدارة الموارد أكثر شمولية، وأكثر قدرة على التكيف الاقتصادي، وأكثر استدامة بيئياً.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
«أفكاري» تعزز مشاركة موظفي «كهرباء دبي» في رفع الكفاءة
ولفت معاليه إلى أن منصة «أفكاري» الإلكترونية الداخلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي استقبلت 3424 فكرة خلال النصف الأول من عام 2025، بزيادة قدرها 24.8 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وبلغ عدد الموظفين المشاركين في تقديم الأفكار 2056 موظفاً، بزيادة قدرها 7 % مقارنة بنفس الفترة من عام 2024. ووصل إجمالي عدد الأفكار المساهمة في توفير التكاليف إلى 1064 فكرة، وهناك 206 أفكار قيد التنفيذ. ووصل عدد الأفكار التي استقبلتها منصة «أفكاري» منذ إطلاقها عام 2015 وحتى الآن إلى 70858 فكرة. وأشار معالي الطاير إلى أن استجابة الهيئة الإيجابية لترجمة الأفكار الجديدة إلى حلول فعلية، وحرصها على تمكين الموظفين ومكافأتهم على اقتراحاتهم النوعية، أسهمت في إثراء ثقافة الابتكار في الهيئة. وأثنى معالي الطاير على الأفكار المبتكرة التي تركز على استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة لضمان أعلى مستويات التوافرية والكفاءة والاعتمادية في إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء والمياه، وتقديم خدمات عالمية المستوى تتخطى توقعات المعنيين وتعزز سعادتهم. ولفت معاليه إلى أن الهيئة عززت منصة «أفكاري» بتقنية المساعد الذكي «مايكروسوفت 365 كوبايلوت» المعتمد على الذكاء الاصطناعي. ومن خلال مجموعة من التعليمات الممنهجة التي يقوم الموظفون بإدخالها، يعمل «وكيل كوبايلوت أفكاري» على إرشاد الموظفين حول كيفية تحليل الفكرة وتقييم الإيجابيات والسلبيات وتحديد الأشخاص المعنيين والمستفيدين من الفكرة، وتقييم الجدوى، وبلورة الفكرة المبتكرة إلى أن تصبح جاهزة للتقديم. ويشير إقبال الموظفين على طرح أفكارهم واقتراحاتهم الابتكارية إلى حسهم العالي بالمسؤولية، والتزامهم بتحويل التحديات إلى فرص، كي يكونوا جزءاً من خطط دبي المستقبلية، والمساعي الوطنية الهادفة لجعل إمارة دبي الوجهة المفضلة للسكن والعمل والزيارة. وتؤدي منصة «أفكاري» دوراً محورياً في إدارة الابتكار وضمان التحسين المستمر لخدمات الهيئة والارتقاء بأدائها وكفاءتها وخفض النفقات، وتعزيز تميز وريادة الهيئة على مستوى العالم». وتتيح منصة «أفكاري» لموظفي الهيئة، بما في ذلك الإدارة العليا، والإدارة الوسطى، والفنيين، والإداريين، والعمال، تقديم الأفكار وإطلاق الحملات لمواجهة التحديات والفرص المختلفة. وبعد تقديم الأفكار عبر المنصة، تبدأ مرحلة التقييم، ثم عملية المكافأة إن كانت الفكرة تستحق المكافأة، ويسمح النظام بالتصويت على الفكرة المقترحة لإضافة المزيد من الزخم للأفكار والحلول المقترحة، ويتفاعل مقدمو الأفكار على المنصة مع لجان الابتكار لإجراء تقييم شامل وتعديل المقترح بما يتماشى مع احتياجات الإدارة المعنية، وضمان توافقه مع الأهداف المؤسسية العامة.


البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
42.2 مليار درهم حجم التجارة بين الإمارات وروسيا
وتنامي مكانة الإمارات مركزاً دولياً للتجارة السلعية، مع جاذبية الاستثمار، بما يجعلها أحد أفضل الوجهات الاستثمارية لرؤوس الأموال والمستثمرين الروس، وبوابة إقليمية للنفاذية نحو أسواق المنطقة. ومختلف القطاعات الاقتصادية الجديدة، إلى جانب مختلف القطاعات الحيوية، مع تكثيف الجانبين لجهودهما، لرفع مستويات التعاون والتكامل الاقتصادي، وفق رؤية واضحة، ومسارات جديدة، تخدم التطلعات التنموية للبلدين. حيث أوضحت بيانات التجارة الخارجية الصادرة عن وزارة الاقتصاد، والمركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، أن التجارة قد ارتفعت بقرابة 200 % خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة بحوالي 12.8 مليار درهم في عام 2019 «ما يوازي 3.5 مليارات دولار». لا سيما مع جاذبية قوانين الاستثمار، خاصة مع فتح التملك الكامل أمام الأجانب، بما جعل الإمارات تحتضن ما يناهز 4000 شركة روسية، تعمل بالعديد من القطاعات والأنشطة الاستراتيجية في الاقتصاد المحلي، في المقابل، يبلغ عدد العلامات التجارية الروسية المسجلة في الإمارات، 647 علامة تجارية، مع تنوع واضح في السلع والعلامات، يوائم الطلب المتنامي في أسواق الإمارات، بينما تضم الدولة أيضاً 29 وكالة تجارية روسية مسجلة. حيث يتضمن الاستثمار الروسي في الإمارات عدداً من القطاعات والأنشطة الاستراتيجية ذات الزخم والطلب العالي، بمقدمها الأنشطة العقارية، وقدرت مؤسسات بحثية متخصصة في قطاع العقارات، تجاوز مشتريات الروس في عقارات الإمارات حاجز 6 مليارات دولار خلال العامين الماضيين، مع وجود ملاءة كبيرة لدى المستثمرين، وجاذبية واضحة لعقارات الدولة، جعلت الروس بمقدم الباحثين عن الاستثمار العقاري المحلي، حيث كانت الجنسية الأكبر حصة في مشتريات عقارات إمارة دبي على وجه الخصوص. إضافة إلى قطاعات كبرى أخرى، مثل النقل والتخزين، والأنشطة المالية، وقطاع التأمين، فضلاً عن كل من قطاع التعليم والأنشطة المهنية والعلمية والتقنية، وفي المقابل، فإن الإمارات تمثل أكبر الدول العربية المستثمرة في السوق الروسي، حيث تبلغ حصتها التقديرية حوالي 80 % من إجمالي حجم الاستثمارات العربية في روسيا بشكل عام، وتحرص الشركات الإماراتية على النفاذ إلى القطاعات الاقتصادية الأنشط في روسيا. حيث يعد قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، أحدث مجالات التعاون الاستثماري المشترك بين الجانبين، لا سيما في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، وتسييل الكربون وحلول الطاقة المتجددة، ويسعى الجانبان إلى توحيد الجهود، لتطوير تقنيات مستدامة، وتعزيز الاستثمارات في هذا المجال. لذلك، تأتي أكبر الاستثمارات الإماراتية بالسوق الروسي، في مجالات إنتاج النفط والغاز، نظراً لما تملكه الشركات الإماراتية من الخبرة والمحافظ الاستثمارية الضخمة، وملاءة الإنفاق، وهو ما أسهم أيضاً في زيادة الاستثمارات الإماراتية في قطاع البتروكيماويات.


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
«زايد الدولي» يحوز اعتماداً لتجربة المتعاملين من المجلس الدولي للمطارات
ومع تواصل النمو في أعداد المسافرين، تتطور طموحات تجربة المتعاملين في المطار بوتيرة متسارعة أيضاً، ليس فقط لتواكب تطلعات قاعدة المسافرين العالمية المتزايدة، بل لتتجاوزها أيضاً.