logo
ثلاثة سيناريوهات محتملة بعد الضربة الأميركية على إيران

ثلاثة سيناريوهات محتملة بعد الضربة الأميركية على إيران

الجزيرةمنذ 5 ساعات

لم تكن الضربة الأميركية الأخيرة التي استهدفت منشآت إيران النووية مجرد تطور عسكري عابر، بل هو تحوّل إستراتيجي في قواعد الاشتباك في المنطقة.
فالهجوم، الذي طال مواقع شديدة الحساسية في نطنز وفوردو وأصفهان، لم يأتِ فقط استجابة للضربات الإيرانية ضد (إسرائيل)، بل مثّل إعلانًا أميركيًا بأن مشروع الردع الصهيوني لم يعد وحده كافيًا، وأن واشنطن باتت مستعدة لتجاوز سياسة "الاحتواء المحسوب" إذا اقتضت الضرورة.
إيران، من جهتها، لم تتعامل مع الضربة كصفعة مفاجئة بقدر ما رأت فيها اختبارًا متوقعًا، وهي التي أعدّت سيناريوهات متعددة منذ بداية التصعيد.
وبرغم حجم التدمير، فضّلت طهران الرد المحدود والمدروس حتى اللحظة، مركّزةً على مسارَين: الأول ميداني عبر قصف مواقع الاحتلال برشقات محسوبة تحمل بصمة تصعيد تقني ورسائل ردعية صاروخية، والثاني قانوني عبر رسائل موجهة لمجلس الأمن الدولي تهدف إلى كسب تعاطف دولي، واستثمار البعد الأخلاقي والسياسي للعدوان.
لكن اللافت أن إيران امتنعت- حتى الآن- عن توسيع المواجهة إلى حدود قصوى. لم تغلق مضيق هرمز رغم أنه واحد من أوراق الضغط الإستراتيجية الكبرى، ولم توجّه ضربات مباشرة للقواعد الأميركية في الخليج، فيما يمكن قراءته كمؤشر على نضج في ضبط النفس، وتجنّب خوض حرب شاملة في توقيت قد لا يخدم مصالحها الإستراتيجية.
طهران تدرك أن الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة لن يصبّ في مصلحتها، خصوصًا مع حالة الإنهاك الاقتصادي الداخلي، وتراجع مستوى الدعم الشعبي بعد سنوات من العقوبات والتقشف.
بيدَ أن القيادة ما زالت تحتفظ بتناغم نسبي مع الشارع، مستفيدة من شعور قومي عام بالتهديد الخارجي. ومع ذلك، فإن استمرار الضغوط قد يفتح الباب أمام أصوات إصلاحية تطالب بإعادة النظر في السياسات الإقليمية، ما يجعل النظام في اختبار مزدوج: الحفاظ على الردع في الخارج، وتفادي التصدّع في الداخل.
لكن التراجع أو الانكفاء قد يُفسَّر كإذعان، وهو ما ترفضه طهران التي تسعى لتكريس معادلة جديدة: الردع بالقدرة لا بالانفجار.
في هذا السياق، تمضي إيران في حرب استنزاف طويلة الأمد ضد (إسرائيل) بالدرجة الأولى، تعتمد على رشقات صاروخية متقطعة، وهجمات سيبرانية، وربما تحرك محدود في العراق وسوريا ولبنان واليمن حسب المتاح.
هذا النمط من الاستنزاف لا يحقق انتصارات سريعة، لكنه يضعف الجبهة الداخلية الصهيونية، ويستنزف اقتصادها، ويعزز صورة إيران كقوة صامدة لا تُكسر بسهولة. كما أنه يمنح محور المقاومة في المنطقة هامشًا معقولًا للمناورة دون انجرار شامل.
لكن المشهد الإقليمي صار أكثر ضبابية من أي وقت مضى. فالدول العربية، باستثناء بعض المواقف الإعلامية، غائبة عن التأثير الفعلي. تركيا منشغلة في أولوياتها ومتابعة حذرة لتعقد مشهد ليست بمنأى عنه، ويعيش العراق ولبنان انقسامات سياسية مستنزفة، في حين يعيد النظام السوري ترتيب أوراقه ضمن سياق إقليمي جديد. اليمن وحده يبقى صاحب التأثير القابل للتفعيل، بفضل خبرته القتالية وموقعه الجغرافي على خط الملاحة الحيوي.
دوليًا، تكتفي موسكو بالتحذير من الانزلاق إلى حرب كبرى دون إبداء استعداد عملي للتدخل، فيما تعبّر بكين عن قلقها المتزايد من أثر التصعيد على مبادرة "الحزام والطريق" وأمن الطاقة العالمي، ملمّحة إلى أنها لن تبقى محايدة إذا خرجت الأمور عن السيطرة.
هذه الإشارات تؤكد أن الضربة الأميركية قد تتجاوز الطابع الثنائي، وأن تداعياتها تمس النظام الدولي ككل.
وفي الداخل الأميركي، عمقت الضربة انقسامات لا تقل خطورة. فترامب يحظى بدعم واسع من اللوبيات الصهيونية، لكنه يواجه تحذيرات من داخل المؤسسة الاستخباراتية، ومن الرأي العام المعارض لمغامرات عسكرية جديدة.
هذا التناقض يعكس هشاشة الموقف الأميركي أمام استحقاقات المرحلة، ما بين إرضاء الحلفاء الإستراتيجيين، وتجنّب الانغماس في حرب استنزاف غير مضمونة العواقب.
وفي ظل هذا التعقيد، تتراوح السيناريوهات المحتملة بين ثلاثة: استمرار الاستنزاف المحدود دون انفجار شامل، وهو السيناريو الأرجح في المدى القصير، أو انزلاق إلى مواجهة كبرى في حال خطأ في الحسابات أو ضربة نوعية مفاجئة، أو تسوية سياسية غير معلنة بوساطات متعددة تضمن خفض التصعيد مقابل ضبط النفوذ الإيراني.
هذا الخيار الأخير، رغم ضآلته، لا يزال قائمًا إذا ما تبدلت حسابات واشنطن أو تعرضت (إسرائيل) لضغط داخلي غير متوقع.
خلاصة المشهد أن العدوان الأميركي لم يكن حدثًا عسكريًا معزولًا، بل لحظة فارقة في طبيعة الصراع، ونقلة نوعية في اشتباك القوى الإقليمية والدولية.
ومع تعقّد العُقدة، بات من الواضح أن الحسم الكامل لم يعد خيارًا ممكنًا، وأن التراجع ليس مطروحًا.
المنطقة برمّتها اليوم معلّقة على حافة من نار، لن تُطوى إلا بمعادلة جديدة لا تُفرض بالقوة وحدها، بل بصياغة شراكة أمنية وسياسية تُنقذ الإقليم من انفجار قد يُنهي آخر ما تبقى من الاستقرار الهشّ.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إسرائيل تهاجم أهدافا في إيران وتقر بحصيلة لقتلاها خلال الحرب
إسرائيل تهاجم أهدافا في إيران وتقر بحصيلة لقتلاها خلال الحرب

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

إسرائيل تهاجم أهدافا في إيران وتقر بحصيلة لقتلاها خلال الحرب

أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قصف أهدافا في غرب إيران والعاصمة طهران الأحد، في إطار المواجهة العسكرية غير المسبوقة والمستمرة بين الطرفين منذ 11 يوما، في حين كشفت تل أبيب عن حصيلة خسائرها البشرية في تلك المواجهة. وقال بيان للجيش الإسرائيلي إن سلاح الجو "يقصف مواقع لبنى تحتية عسكرية في طهران وغرب إيران"، وأشار إلى أنه "استهدف بنى تحتية في إيران لتخزين وإطلاق صواريخ معدة لقصف إسرائيل". وأضاف أن سلاح الجو أغار على مواقع رادارات عسكرية للإنذار المبكر في كرمانشاه غرب إيران. وأفاد مراسل الجزيرة في وقت مبكر من فجر الاثنين بتفعيل الدفاعات الجوية في العاصمة الإيرانية طهران وذلك للتصدي لهجمات إسرائيلية جديدة. وذكر موقع نور نيوز الإيراني بأن هجوما جويا إسرائيليا يستهدف موقع بارشين العسكري جنوب شرقي إيران، وأشار إلى أن أنظمة الدفاع الجوي تتصدى لأهداف معادية في مركز طهران ومدينة كرج غربي العاصمة. ولاحقا، أفاد الموقع أيضا بتفعيل الدفاعات الجوية في شيراز جنوبي إيران. في سياق متصل، ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن الدفاعات الجوية الإيرانية أسقطت مسيرة إسرائيلية من طراز هيرمس في محافظة مركزي غرب طهران. حصيلة خسائر في سياق متصل، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي المطلوب للجنائية الدولية بنيامين نتنياهو في بيان الأحد مقتل 24 شخصا في إسرائيل منذ بدء الهجمات على إيران في 13 يونيو/حزيران الجاري، مصححا بذلك حصيلة سابقة للقتلى استندت إلى أرقام قدمتها السلطات المحلية. وجاء في البيان "منذ بدء عملية الأسد الصاعد قُتل 24 شخصا وجُرح 1272 بينهم 14 في حالة خطرة". وبعد هجوم صاروخي إيراني على بات يام جنوب تل أبيب في 15 يونيو/حزيران الجاري، أعلنت بلدية المدينة اسم ضحية جديدة الخميس الماضي، لترتفع حصيلة قتلى الهجوم إلى 9. وبالإضافة إلى القتلى التسعة في بات يام، سُجِّل مقتل 4 أشخاص في طمرة (شمال)، و3 في حيفا (شمال)، و4 في بتاح تكفا، وشخصين في ريشون لتسيون، وواحد في رامات غان، وواحد في بني براك، وهي مدن تقع في وسط إسرائيل، بحسب تعداد لوكالة الصحافة الفرنسية قالت إنه يستند إلى بيانات رسمية. وتم إجلاء نحو 9 آلاف شخص من منازلهم في أعقاب الضربات الإيرانية، وفقا لأرقام أفاد بها مصدر عسكري إسرائيلي الأحد. أما في إيران، فأسفرت الضربات الإسرائيلية عن مقتل أكثر من 400 شخص وجرح 3056 آخرين، معظمهم من المدنيين، بحسب ما أوردت وزارة الصحة الإيرانية السبت الماضي.

سجال بمجلس الأمن بعد الضربات الأميركية على إيران
سجال بمجلس الأمن بعد الضربات الأميركية على إيران

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

سجال بمجلس الأمن بعد الضربات الأميركية على إيران

عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتماعا يوم الأحد لمناقشة الضربات الأميركية على المواقع النووية الإيرانية، في الوقت الذي اقترحت فيه روسيا والصين وباكستان أن يتبنى المجلس المؤلف من 15 عضوًا قرارًا يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في الشرق الأوسط. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمجلس الأمن يوم الأحد، إن قصف الولايات المتحدة للمنشآت النووية الإيرانية يمثل تحولا خطيرًا. وأضاف "يجب أن نتحرك –بشكل فوري وحاسم– لوقف القتال والعودة إلى مفاوضات جادة ومستدامة بشأن البرنامج النووي الإيراني". وكان العالم يترقب رد إيران يوم الأحد بعد أن أعلن الرئيس دونالد ترامب أن الولايات المتحدة "دمرت" المواقع النووية الرئيسية لدى طهران، منضمة بذلك إلى إسرائيل التي تشن منذ أكثر من 10 أيام هجمات على إيران. وقد أدانت روسيا والصين الضربات الأميركية، وقال مندوب الصين لدى الأمم المتحدة فو كونغ "لا يمكن تحقيق السلام في الشرق الأوسط باستخدام القوة. لم تُستنفد الوسائل الدبلوماسية لمعالجة القضية النووية الإيرانية، ولا يزال هناك أمل في حل سلمي". لكن المندوبة الأميركية بالوكالة لدى الأمم المتحدة دوروثي شيا قالت للمجلس إن الوقت قد حان لواشنطن لاتخاذ إجراءات حاسمة، وحثت مجلس الأمن على دعوة إيران إلى إنهاء ما وصفته بسعيها لمحو إسرائيل ووقف طموحها للحصول على أسلحة نووية. من جانبه، استذكر المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا مداخلة وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول في مجلس الأمن عام 2003، حين قدم مبررات لغزو العراق بناءً على مزاعم امتلاك نظام الرئيس الراحل صدام حسين أسلحة دمار شامل. وقال نيبينزيا، "مرة أخرى يُطلب منا تصديق القصص الخيالية الأميركية، لإلحاق المعاناة مرة أخرى بملايين الأشخاص في الشرق الأوسط. هذا يعزز قناعتنا بأن التاريخ لم يُعلّم زملاءنا الأميركيين شيئًا"، وفق تعبيره. تدمير الدبلوماسية وكانت إيران هي من طلبت عقد اجتماع مجلس الأمن يوم الأحد، واتهم مندوب إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني إسرائيل والولايات المتحدة بتدمير الدبلوماسية، وقال إن جميع الاتهامات الأميركية لا أساس لها، وإن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية "تم التلاعب بها وتحويلها إلى أداة سياسية"، وفق تعبيره. وأضاف إيرواني أنه بدلًا من ضمان الحقوق المشروعة للأطراف في امتلاك الطاقة النووية السلمية، تم استغلال المعاهدة كذريعة للعدوان وأعمال غير قانونية. أما مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، فأشاد بالولايات المتحدة لاتخاذها إجراءً ضد إيران، واتهم طهران باستخدام المفاوضات حول برنامجها النووي كغطاء لشراء الوقت لتطوير الصواريخ وتخصيب اليورانيوم، وفق زعمه. ولم يتضح على الفور متى يمكن لمجلس الأمن التصويت على مشروع القرار. وطلبت روسيا والصين وباكستان من أعضاء المجلس إرسال ملاحظاتهم بحلول مساء الاثنين. ويتطلب تمرير القرار 9 أصوات على الأقل دون استخدام حق النقض من الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا أو روسيا أو الصين. ومن المرجح أن تعارض الولايات المتحدة مشروع القرار – الذي قالت رويترز إنها اطلعت عليه– والذي يدين أيضًا الهجمات على المواقع والمنشآت النووية الإيرانية، دون أن يسمي الولايات المتحدة أو إسرائيل. ويأتي ذلك بعد الهجمات الأميركية -فجر الأحد- التي استهدفت 3 منشآت نووية في كل من فوردو و نطنز و أصفهان ، ووصفها ترامب بأنها "ناجحة" وأنها حرمت إيران من القنبلة النووية، في حين نددت طهران بتلك الهجمات وتوعدت بالرد.

احتفاء وجدل في إسرائيل بعد الضربات الأميركية لإيران
احتفاء وجدل في إسرائيل بعد الضربات الأميركية لإيران

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

احتفاء وجدل في إسرائيل بعد الضربات الأميركية لإيران

عكست ردود الفعل الإسرائيلية على الضربات الأميركية ضد منشآت إيران النووية مزيجا من الاحتفاء السياسي والتفاعل الشعبي، في حين لم يخلُ المشهد من جدل وانتقادات داخلية، طالت طواقم صحفية. اقرأ المزيد المصدر: الجزيرة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store