القلق المسيحي يتصاعد في سوريا... هل ينتهي بالتهجير على غرار ما حصل في العراق؟ المطران كفوري لـ"الديار": على الإرهابيين أن يفهموا أننا أبناء هذه الأرض ومُتجذرون فيها
لم تنته تداعيات التفجير الارهابي الذي طال كنيسة مار الياس الارثوذكسية في دمشق، والذي ادى الى سقوط 25 ضحية واكثر من ستين جريحاً في بيت الله، على يد انتحاري "داعشي" أراد تحويل الكنيسة الى ركام واشلاء ودماء منتشرة في أرجائها، بدل التراتيل والصلوات والابتهالات، بهدف إطلاق رسائل في كل الاتجاهات يخطّ المسيحيون دائماً حبرها بدمائهم، فيُقتلون بطرق وحشية من دون اي ذنب، ويدفعون كالعادة الاثمان الباهظة. وتوجَه الرسائل من خلالهم في كل الاتجاهات، ليُردّ عليها بالاستنكارات والبيانات فقط لا غير، من دون ان تتخذ اجراءات أمنية إستباقية لردعها كما يجب، لتبعد عنهم الهواجس والمخاوف والقلق الشديد من دفعهم فاتورة الارهاب دائماً بالدماء، ومن دون الحماية المطلوبة من بعض الدول العربية، فتعاد الجريمة ومعها تزايد القلق من تهجير نهائي للمسيحيين، الباحثين دائماً عن ملاذ آمن في هذا الشرق الساخن امنياً وسياسياً.
فإذا بالمشهد الامني الحاقد يتكرّر دائماً، فكان آخره في كنيسة مار الياس في العاصمة السورية، وسبقه ما جرى في معلولا في شهر آذار الماضي من تهجير مسيحي غير مسبوق، بسبب الاجراءات الامنية المشدّدة والمضايقات التي قام بها عناصر"هيئة تحرير الشام" التابعة للسلطة الحالية، ما جعل معلولا شبه فارغة من المسيحيين، الامر الذي شكّل ضربة سياسية قوية للرئيس السوري أحمد الشرع، نسبة الى المعنى الديني والتراثي الذي ينطبق على بلدة معلولا، أقدم المناطق المسيحية في العالم، التي تضم أديرة وكنائس يعود تاريخها الى العصور الأولى للمسيحية. واللافت انّ سكانها ما زالوا يتكلمون اللغة الآرامية اي لغة السيد المسيح.
الى ذلك، وعلى الرغم من كشف جهاز المخابرات السوري بعد 24 ساعة مدبّر عملية تفجير كنيسة مار الياس، مع عدد من افراد الخلية "الداعشية"، إضافة الى عدد من الخلايا النائمة، ما زالت المخاوف المسيحية حاضرة بقوة من تكرار هذا النوع من العمليات الارهابية، بالتزامن مع أخبار عن حدوث اخرى مماثلة قريباً، للتذكير بأنّ هذا النوع من الخلايا ما زال طرفاً في المعادلة السورية، وقادراً على إستهداف المسيحيين وغيرهم من الاقليات ساعة يشاء، وسط هواجس تتفاقم يومياً من ان يصبح مصيرهم كمسيحيي العراق، وتحديداً مسيحيي الموصل وبغداد وسهل نينوى، اي المناطق التي شهدت العنف والهجومات، ما أدى الى نزوح كبير للمسيحيين العراقيين.
للاضاءة على ما جرى والتداعيات التي نتجت عن تفجير الكنيسة، أجرت "الديار" حديثاً مع راعي أبرشيّة صور وصيدا وتوابعهما للروم الأرثوذكس المطران الياس كفوري، فأشار الى وجود مخاوف جرّاء التهديدات التي سمعنا بها عبر وسائل الاعلام من هؤلاء الارهابيين، الذين فجّروا بيت الله، مستنكراً بشدّة ما جرى، وقال: "هذه الامور ناتجة عن جهل، والجاهل يعتبر انّ الله غير موجود، لكن على هؤلاء ان يفهموا اننا أبناء هذه الارض منذ اكثر من 2000 سنة، والمسيحيون أتوا قبلهم وعليهم ان يحترموا أبناء البلد"، مشدّداً على "ضرورة بقاء المسيحيين في ارضهم لانهم متجذرون فيها"، مذكّراً بما قاله السيّد المسيح: "لا تخافوا انا معكم الى الابد"، لذا لا يجب ان نخاف ممَن يقتل الجسد، فنحن نادينا بالشهادة قبلهم".
وعن مدى وجود خوف على مسيحيي لبنان، أشار المطران كفوري الى وجود مخاوف بعد الذي حصل، لكن اقول لهم: "ارضنا ارض قداسة والمسيح زار ضواحي صيدا وصور وفعلَ العجائب، فنحن أهل الارض واهل البلد، وسنبقى منارة هذا الشرق وبلد الايمان والحضارة".
وعما اذا كان هناك شرق اوسط حضاري من دون المسيحيين؟ يجيب المطران كفوري: "ننحني امام الحضارة الاسلامية، لكن هذه الحضارة بدأت معنا وتفاعلت مع الديانات السماوية، فخلقت انفتاحاً على الآخر وتلاحماً بين المسيحيين والمسلمين، نشأت عنه حضارة العيش المشترك".
في سياق متصل، إعتبر مصدر أمني في حديث لـ"الديار" بأنّ التفجير المذكور ليس رسالة موجّهة فقط الى المسيحيين، بل الى العلويين والدروز الذين نالوا نصيبهم ايضاً، وللقول الى المجتمع الدولي "أننا هنا وقادرون على تحقيق اهدافنا"، لكن من خلال الاوتار الطائفية الحساسة لتأجيج الصراع من جديد في سوريا، وإستهداف الكنائس لبث الخوف في نفوس المسيحيين، الذين باتوا يشعرون انهم غرباء في ارضهم، وبأنهم معرّضون دائماً كي يكونوا كبش محرقة في اي وقت"، ناقلاً انه تم تعليق الصلوات في الكنائس لوقت غير محدّد خوفاً على سلامة المصلّين.
هذا المشهد بدا واضحاً في كلمة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، خلال تشييع ضحايا التفجير اذ قال: "أنّ تعازي الرئيس أحمد الشرع لا تكفي في وقت يتصاعد فيه القلق بين الأقليات الدينية، بشأن قدرتهم على الاعتماد على ضمانات الحكومة الجديدة بالحماية"، محمّلاً الحكومة السورية مسؤولية التقصير في حماية الأقليات وسط تصفيق لافت من الحضور.
في غضون ذلك، إنتشرت احصاءات سورية تشير الى انّ أن المسيحيين كانوا يشكلون نحو 7 بالمئة من السكان قبل الحرب عام 2011، لكن نسبتهم اليوم لا تتجاوز 2 بالمئة، بعد هجرة كبيرة الى لبنان وبعض الدول الاوروبية.
وعلى الخط اللبناني، افيد بانّ إجراءات امنية إستباقية إتخذت على الحدود مع سوريا وفي الداخل، بعد إنتشار أخبار عن إمكانية تفجير بعض دور العبادة في لبنان، لإحداث فتنة مذهبية متنقلة بين المناطق خصوصاً المختلطة منها، لكن الاستنفار الامني منتشر بقوة، وآخر هذه الاجراءات ما اعلنه الجيش اللبناني يوم الثلاثاء الماضي في بيان: "انه تم توقيف قائد تنظيم داعش الإرهابي الملقب بـ" قسورة"، وقد أتى هذا الاعلان بعد يومين على تفجير الكنيسة في سوريا".
وبالتزامن مع أيام عاشوراء، تشهد المداخل الرئيسية للضاحية الجنوبية في بيروت إجراءات أمنيةً مشدّدةً من قبل الجيش تحسباً لأي طارئ، خصوصاً امام الجوامع والخيم العاشورائية، كما تشهد الكنائس وجوداً عسكرياً امام مداخلها خصوصاً أيام الآحاد، وتبدو الاجهزة الامنية في جهوزية تامة، والتدخل قائم بقوة ضدّ كل من يُخلّ بالأمن، على ان تبقى هذه التوجيهات الحيّز الأكبر لمنع انتشار الخلايا الارهابية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ 30 دقائق
- ليبانون 24
فرقة بريطانية تردد: "الموت للجيش الإسرائيلي" (فيديو)
قال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية ، في تصريحات لموقع The Daily Wire، إن السلطات الأميركية تدرس سحب تأشيرات دخول أعضاء فرقة Bob Vylan البريطانية ، على خلفية هتافات أطلقوها خلال مشاركتهم في مهرجان "غلاستونبري" الموسيقي في بريطانيا. وكانت الفرقة، التي تنتمي إلى نمط "البانك راب"، قد أثارت جدلا واسعا بعدما قاد مغنيها الجمهور في هتافات "حرروا فلسطين" و"الموت للجيش الإسرائيلي (IDF)" أثناء الحفل. كما هتف المغني الرئيسي: "من النهر إلى البحر، فلسطين ستكون حرّة، إن شاء الله". وأضاف المسؤول الأميركي: "نذكّر بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تصدر تأشيرات لأي أجنبي يدعم منظمات إرهابية"، مؤكداً أن الوزارة "تدرس إلغاء التأشيرات" قبل انطلاق جولة الفرقة الأميركية المقررة عبر نحو 20 مدينة من بينها واشنطن العاصمة. في السياق ذاته، قالت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) التي بثّت المهرجان مباشرة إنها تعتبر التعليقات التي صدرت عن Bob Vylan "مسيئة للغاية"، مؤكدة أنها لن تعرض الحفل كاملا عبر المنصّة الخاصة بها. يأتي ذلك في وقت امتنعت فيه BBC عن نقل عرض فرقة الهيب هوب الإيرلندية Kneecap التي عبّرت أيضا عن رسائل مؤيدة لفلسطين، مبرّرة ذلك بـ"إرشادات تحريرية". من جانبها، طالبت منظمة StopAntisemitism الأميركية، وهي مجموعة مناصرة خاصة، السلطات الأميركية بسحب تأشيرات الفرقة قبل انطلاق جولتها المعروفة باسم Inertia Tour. وكتبت المنظمة عبر منصة X: "هذا المعادِي للسامية يجب أن يُحرم من تأشيرته.. لا مكان للكراهية هنا". يُذكر أن جولة Bob Vylan تشمل حفلات في أكثر من عشر مدن أميركية كبرى خلال الأشهر المقبلة، ما قد يضع الفرقة في مواجهة تصعيد قانوني وإعلامي واسع في الولايات المتحدة.


MTV
منذ 37 دقائق
- MTV
30 Jun 2025 09:04 AM محفوض: الدولة وحدها مكلّفة بوظيفة الرعاية والحماية
كتب رئيس حركة "التغيير" إيلي محفوض على منصة "اكس": "تسليم السلاح وحلّ الأجنحة العسكرية الامنية الاستخبارية للميليشيا الصفراء لا يجب أن يقترن بتحصيل مكاسب دستورية ومؤسساتية، وعلى هذه الجماعة الخروج من عقدة أنّ الله كلّفهم انطلاقا مما قاله نصرالله سابقا "انت مين كلّفك أنا الله كلّفني". الدولة وحدها مكلّفة بوظيفة الرعاية والحماية.. ولم يعد جائزًا بعد اليوم حصر وزارة المال بفريق محدد وإلا فَبَاطِلًا يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ".


الشرق الجزائرية
منذ 40 دقائق
- الشرق الجزائرية
الراعي: مجتمعنا متألّم بالأزمات ولبنان بحاجة لمسيحيين ثابتين
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس عيد القديسين بطرس وبولس، وعيد شفيع ومؤسس حبرية «عمل الله» OPUS DEI القديس خوسيه ماريا اسكريفا، على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي «كابيلا القيامة»، وألقى عظة، لفت فيها الى «أنّ العلاقات العائليّة مدعوّة إلى أن تتألّه بالمحبّة الإلهيّة. هذه الرسالة ما زالت ملحّة لغاية اليوم، لا سيّما في مجتمعنا اللبنانيّ المُتألِّم من أزمات اقتصاديّة، واجتماعيّة، وأخلاقيّة. أمام تجربة اليأس والاستسلام (…)»، وقال: «لبنان بحاجة إلى مسيحيّين ثابتين، كفوئين، مشرقيين، أحرار، ومتجذّرين في الإيمان. لبنان بحاجة إلى علمانيّين قدّيسين، متكوّنين، فاعلين، متغذّين من الأسرار والصلاة. لكن كيف يمكن أن نصبح قدّيسين في قلب الحياة اليوميّة؟ وختم متمنيا ان «يمنح الله لبنان مسيحيّين قدّيسين هنا والآن، لا ينتظرون ظروفًا مثاليّة، بل يلتزمون القداسة في العمل والصلاة والخدمة والمحبّة والفرح والرجاء (…)»..