logo
الصين تتوقع ظهور نظام نقدي عالمي جديد بحضور الرنمينبي

الصين تتوقع ظهور نظام نقدي عالمي جديد بحضور الرنمينبي

الجزيرةمنذ 9 ساعات

يتوقع محافظ البنك المركزي الصيني، بان غونغ شنغ ظهور نظام نقدي عالمي جديد بعد عقود من هيمنة الدولار الأميركي، إذ يتنافس الرنمينبي (اليوان) في "نظام نقدي دولي متعدد الأقطاب".
وفي كلمته في المنتدى المالي الصيني في شنغهاي، قال بان، إن الدولار "رسّخ هيمنته" بعد الحرب العالمية الثانية و"حافظ على مكانته حتى الآن"، محذرا من "الاعتماد المفرط" على عملة واحدة.
وقال: "في المستقبل، قد يستمر النظام النقدي العالمي في التطور نحو نمط تتعايش فيه بضع عملات سيادية، وتتنافس بينها، وتتوازن بينها"، مشيرًا إلى الدور المتنامي للرنمينبي.
وقال بان، إن التطورات الرئيسية في النظام النقدي الدولي خلال العقدين الماضيين تمثلت في اعتماد اليورو وصعود الرنمينبي منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، حسبما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز.
وأشار إلى أن الرنمينبي كان ثاني أكبر عملة لتمويل التجارة وثالث أكبر عملة دفع في العالم.
الدور المهيمن
جاءت تعليقاته بعد يوم من تصريح كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، بأن "الدور المهيمن للدولار.. لم يعد مؤكدًا"، ما أتاح لليورو فرصةً لاكتساب "أهمية عالمية".
وحسب فايننشال تايمز، فإن تعليقات بان تشير إلى تجدد الحاجة الملحة في مساعي الصين طويلة الأمد نحو نظام نقدي "متعدد الأقطاب"، في ظل خلافات الصين مع الولايات المتحدة بشأن التجارة وفرض دونالد ترامب رسومًا جمركية أعلى.
ودخلت بكين وواشنطن في هدنة هشة خفّضت مستويات الرسوم الجمركية بعد تصعيدها في أبريل/نيسان، لكن التوترات لا تزال مرتفعة في ظل إدارة أميركية جديدة هزّت التجارة الدولية.
وقال بان: "في حالات الصراعات الجيوسياسية، أو المصالح الأمنية الوطنية، أو حتى الحروب، يسهل استغلال العملة الدولية المهيمنة واستخدامها كسلاح".
التقى بان ولاغارد في بكين الأسبوع الماضي لتوقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال البنوك المركزية، تتضمن إطارًا للحوار المنتظم.
إعلان
حقوق السحب
وأشار المسؤول الصيني إلى المناقشات الدائرة حول زيادة استخدام حقوق السحب الخاصة (وهي سلة عملات يحددها ويديرها صندوق النقد الدولي) كبديل محتمل يمكن أن يساعد في "التغلب على المشكلات المتأصلة في عملة سيادية واحدة كعملة دولية مهيمنة".
وتزامنت تعليقاته مع إعلانات متعددة صدرت يوم الأربعاء، تتعلق بجهود الصين نحو نظام عملة أكثر تركيزًا على الرنمينبي، بما فيها إنشاء مركز عمليات دولي للرنمينبي الرقمي في شنغهاي.
كما أعلنت 6 مؤسسات أجنبية، بما فيها بنك أو سي بي سي السنغافوري وبنك إلديك، ثالث أكبر بنك في قيرغيزستان، أنها ستنضم إلى نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود (سيبس) الصيني، وهو بديل من نظام الدفع العالمي (سويفت).
وقّعت سلطات هونغ كونغ وشنغهاي اليوم الأربعاء، أيضًا "خطة عمل" لتعزيز العلاقات المالية، بما في ذلك إدارة وتخصيص الأصول المقومة بالرنمينبي.
وقال تشو هيكسين، نائب محافظ بنك الشعب الصيني ورئيس إدارة الدولة للنقد الأجنبي، إن بكين ستوسّع نطاق برنامج يسمح للمستثمرين المحليين بشراء أصول خارج الصين، مضيفًا أن توسيع نطاق برنامج المستثمر المؤسسي المحلي المؤهل "سيلبي الاحتياجات المحلية المتزايدة للاستثمار الخارجي".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الاحتياطي الاتحادي يواصل تثبيت الفائدة الأميركية
الاحتياطي الاتحادي يواصل تثبيت الفائدة الأميركية

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

الاحتياطي الاتحادي يواصل تثبيت الفائدة الأميركية

ثبّت بنك الاحتياطي الاتحادي الأميركي الفائدة اليوم الأربعاء في نطاق 5.25%-5.5% بعد ارتفاع التضخم في مايو/أيار وانخفاض نمو الوظائف. ولا يزال مسؤولو الاتحادي يتوقعون خفضا بنسبة 50 نقطة أساس في 2025 و25 نقطة فقط في 2026 مقارنة مع 50 نقطة في توقعات سابقة. وذكرت لجنة السوق المفتوحة أن معدل البطالة لا يزال منخفضا وظروف سوق العمل لا تزال قوية، في حين لا يزال التضخم مرتفعا إلى حد ما، وتفيد المؤشرات الأخيرة بأن النشاط الاقتصادي واصل النمو بوتيرة ثابتة. وتوقع الاتحادي تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدل البطالة إلى 4.5% بنهاية 2025 مقارنة مع 4.4% كانت متوقعة في مارس/آذار. وزاد مؤشر أسعار المستهلكين خلال الشهر الماضي 2.4% على أساس سنوي، مقارنة مع 2.3% مسجلة في أبريل/نيسان، وسط توقعات بتسارع وتيرة التضخم في الأشهر المقبلة بسبب الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب. وباستبعاد أسعار السلع الغذائية وأسعار الطاقة المتقلبة، ارتفع التضخم الأساسي في مايو/أيار 2.8%. وارتفعت أسعار المنتجين الأميركيين الشهر الماضي 2.6% بعد ارتفاعه 2.5% في أبريل/نيسان. وقال ترامب، قبل ساعات من إصدار الاحتياطي الاتحادي قراراه، إنه لا يتوقع أن يُخفّض الاتحادي الفائدة. لكنه أضاف أنه يرى أن الفائدة كان ينبغي تخفيضها بنقطتين مئويتين إضافيتين، أي ما يقارب النصف من النطاق الحالي، وهو ما يُنظر إليه على أنه مُحفّز للاقتصاد الذي لا يزال يُكافح التضخم. وهاجم ترامب رئيس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول ووصفه بأنه "شخص أحمق". وقال ترامب عن باول في تصريحات للصحفيين "أعتقد أنه يكرهني"، مُلقيًا باللوم على الاحتياطي الاتحادي في زيادة تكلفة تمويل عجز ميزانيته على الحكومة الأميركية. وتمسك اقتصاديون في سيتي بنك بتوقعاتهم بتخفيضات متتالية في أسعار الفائدة 125 نقطة أساس بداية من سبتمبر/أيلول، في حين كان اقتصاديون آخرون أكثر حذرا بشأن توقعات التضخم في الأمد البعيد. وتستمر الهجمات الصاروخية بين إسرائيل وإيران لليوم السادس على التوالي، مع تلميح ترامب إلى احتمال تدخل الولايات المتحدة، وتحذير المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي من ذلك. وعلى صعيد سوق العمل، تباطأ نمو الوظائف في الولايات المتحدة في مايو/أيار بينما استقر معدل البطالة عند 4.2%. وحسب بيانات وزارة العمل، زادت الوظائف في القطاعات غير الزراعية 139 ألف وظيفة في مايو/أيار، بعد أن ارتفعت 147 ألف وظيفة في أبريل/نيسان. وخفض بنك غولدمان ساكس توقعاته لحدوث ركود في الولايات المتحدة خلال 12 شهرا المقبلة من 35% إلى 30%، وذلك في ظل انحسار حالة عدم اليقين بشأن سياسات الرئيس دونالد ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية بعد توصل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق تجاري. وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، اتفق المفاوضون من واشنطن وبكين على إطار عمل للتعامل مع الرسوم الجمركية، وينص الاتفاق على إلغاء القيود الصينية على صادرات المعادن الأرضية النادرة والسماح للطلاب الصينيين بالتسجيل في الجامعات الأميركية. وهدأت الأسواق بعد الاتفاق وتراجعت المخاوف بشأن الركود الاقتصادي بعد أن هزت رسوم "يوم التحرير" التي فرضها ترامب في الثاني من أبريل/نيسان الأسواق المالية العالمية. وقال غولدمان ساكس إن بيانات التضخم الحالية في الولايات المتحدة تعكس تأثيرا أقل حدة للرسوم الجمركية على أسعار المستهلكين، وذلك على الرغم من أنها لا تقدم سوى أدلة محدودة. وأضاف "عادت الظروف المالية بصورة عامة حاليا إلى مستويات ما قبل الرسوم الجمركية تقريبا".

بلومبيرغ تحذر من دوامة مالية قد تعصف بالاقتصاد الأميركي بسبب ترامب
بلومبيرغ تحذر من دوامة مالية قد تعصف بالاقتصاد الأميركي بسبب ترامب

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

بلومبيرغ تحذر من دوامة مالية قد تعصف بالاقتصاد الأميركي بسبب ترامب

في تقرير تحليلي مطول أصدرته وكالة بلومبيرغ، حذّر محللون اقتصاديون ومصرفيون من تداعيات خطيرة تلوح في الأفق على خلفية السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي دونالد ترامب ، والتي دفعت الدولار إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من عقد، وبدأت تثير مخاوف عميقة بشأن قدرة الولايات المتحدة على تمويل ديونها المتزايدة. ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فقد الدولار أكثر من 10% من قيمته أمام عملات رئيسية مثل اليورو والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري، بحسب بلومبيرغ، وواصل الانخفاض أمام جميع العملات الكبرى. وتُعد هذه الخسارة الأكبر من نوعها منذ عام 2010، حين كانت الولايات المتحدة تطبع النقود بكثافة للخروج من الأزمة المالية العالمية. لكن الانهيار هذه المرة ليس بسبب تحفيز نقدي، بل نتيجة مباشرة لمجموعة من الإجراءات المثيرة للجدل، على رأسها زيادات الرسوم الجمركية ، والتخفيضات الضريبية غير الممولة، والضغوط السياسية على مجلس الاحتياطي الفدرالي لخفض أسعار الفائدة ، إضافة إلى استخدام تكتيكات قانونية عدوانية ضد خصوم الإدارة. البيت الأبيض يغض الطرف المثير للدهشة، كما يشير التقرير، هو موقف إدارة ترامب التي تتعامل بلا مبالاة مع تراجع الدولار. فعلى الرغم من التصريحات التقليدية حول دعم "دولار قوي"، فإن السياسات الواقعية تسير في الاتجاه المعاكس، بل وهناك من يرى أن الإدارة تفضل بقاء الدولار ضعيفا لتعزيز تنافسية الصناعة الأميركية. ويعكس ذلك الارتباك الذي شهدته الأسواق في مايو/أيار الماضي عندما انخفض الدولار بنسبة 4% أمام الدولار التايواني خلال ساعة واحدة، بسبب تكهنات بأن الإدارة الأميركية تستخدم مستويات سعر الصرف في مفاوضاتها التجارية، خاصة مع تايوان وكوريا الجنوبية. حلقة مفرغة تهدد التمويل الأميركي وتشير بلومبيرغ إلى أن الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على التمويل الأجنبي، حيث تحتاج الحكومة إلى أكثر من 4 تريليونات دولار سنويا لتمويل عجز الموازنة. ومع تراجع الدولار، تتكبد المؤسسات الأجنبية خسائر عند تحويل استثماراتها إلى عملاتها المحلية، مما قد يدفعها إلى سحب أموالها، ويرفع تكاليف الاقتراض الأميركية، ويزيد من تعقيد الأزمة المالية. في هذا السياق، يقول ستيفن ميلر، المستشار المالي في شركة "جي إي إف إم" الكندية: "ترامب يلعب بالنار. هذه الإستراتيجية قد تفلت من السيطرة في أي لحظة". الذهب بديل والدولار تحت الضغط وفي ظل هذه الأوضاع، بدأ المستثمرون يبحثون عن بدائل، حيث ارتفعت أسعار الذهب بشكل ملحوظ هذا العام. ويقول جيفري غندلاش، الرئيس التنفيذي لشركة دبلاين كابيتال، إن ارتفاع الفوائد الأميركية يفاقم العجز المالي ، محذرا من أن "ساعة الحساب قادمة". أما بول تيودور جونز، أحد عرّابي صناديق التحوط العالمية، فتوقع أن يواصل الدولار هبوطه بنسبة 10% إضافية خلال العام المقبل. وفي الأسواق، تتزايد المراكز البيعية ضد الدولار، فقد كشف تقرير هيئة تداول السلع الآجلة أن مراكز التحوط البيعية بلغت 15.9 مليار دولار منتصف يونيو/حزيران، وهي الأعلى منذ سنوات. تراجع الثقة عالميا.. ولكن لا بديل واضحا للدولار ورغم تراجع الثقة بالدولار، لا يرى المحللون بدائل قوية في الوقت الراهن. فكل من اليورو، والين، واليوان الصيني تعاني من مشاكل هيكلية. ويقول نائب مدير الاستثمار في شركة "إي إف جي إنترناشونال" في زيورخ، دانييل موراي، "السؤال الحقيقي: ما الذي ستملكه بدلاً من الدولار؟ لا توجد أسواق عميقة وواسعة بنفس القدر". حتى في ظل الاضطرابات الجيوسياسية، مثل الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران الذي أربك أسواق النفط، يبقى الدولار خيارا مستقرا نسبيا. "الانتقام الضريبي" يزيد الطين بلة وضمن مشروع ترامب الضريبي الجديد، تضمّن البند 899 ما وصفه التقرير بـ"الضريبة الانتقامية"، التي ترفع الضرائب على المستثمرين الأجانب من الدول التي تعتبرها واشنطن تمييزية. وترى بلومبيرغ أن هذا البند يعكس بوضوح أن الإدارة الأميركية لا تُبدي قلقا من فقدان ثقة المستثمرين العالميين. وتعليقا على ذلك، يقول ميلر: "الولايات المتحدة أصبحت تعتمد بشكل متزايد على لطف المستثمرين الأجانب، وهذه ليست إستراتيجية يمكن الاستمرار بها إلى الأبد". العجز والدَّين.. أرقام تنذر بالخطر وقدّرت مؤسسة الميزانية الأميركية غير الحزبية أن خطة ترامب الضريبية ستضيف ما يقارب 3 تريليونات دولار إلى العجز خلال العقد المقبل. ومع أو دون هذه الخطة، فإن الأوضاع الحالية مقلقة للغاية: العجز الفدرالي: يتجاوز 6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأعلى خارج فترات الحرب أو الركود الحاد. الدَّين العام: وصل إلى 29 تريليون دولار، أي ما يقرب من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ72% قبل عقد. تخفيض التصنيف: فقدت الولايات المتحدة آخر تصنيف ائتماني ممتاز (إيه إيه إيه) في مايو/أيار الماضي من قبل وكالة موديز. علاقة الدولار والسندات تتفكك ولطالما كانت العلاقة بين الدولار وعوائد سندات الخزانة الأميركية طردية؛ ارتفاع الفائدة يجذب المستثمرين ويعزز الدولار. لكن الآن، كما تشير بلومبيرغ، فإن هذه العلاقة بدأت تنكسر، إذ بات المستثمرون يبيعون السندات والدولار معا، مما يخلق بيئة مالية غير معتادة ويُهدد استقرار الأسواق. إعلان وتقول مديرة المحافظ في شركة "لورد أبيت"، ليا تراوب، "هناك نوع من الحلقة الذاتية. كلما زادت عمليات الابتعاد عن الدولار انخفضت قيمته، مما يعزز المزيد من الابتعاد عنه. وإذا بدأ هذا الاتجاه، من الصعب جدا إيقافه". القوة الاقتصادية الأميركية على المحك ورغم كل التحذيرات، لا تزال الولايات المتحدة تمتلك أدوات مالية ومؤسسات قوية قادرة على التكيف. لكن التقرير يخلص إلى أن "الواقع المالي الجديد" الذي خلقته سياسات ترامب يُشكّل اختبارا غير مسبوق لمكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية، ولقدرة واشنطن على الحفاظ على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية في وقت تتضخم فيه الحاجة إلى التمويل. وبينما لم تُبدِ الإدارة حتى الآن أي مؤشرات على تغيير المسار، فإن الأسواق بدأت بالفعل في إعادة تقييم مستقبل الدولار، وسط تحوّل عميق في موازين القوة الاقتصادية العالمية.

إيران وإسرائيل.. اقتحام العقبة أم الانكسار في عنق الزجاجة؟
إيران وإسرائيل.. اقتحام العقبة أم الانكسار في عنق الزجاجة؟

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

إيران وإسرائيل.. اقتحام العقبة أم الانكسار في عنق الزجاجة؟

يروي الأكاديمي الإيراني الأميركي والي نصر في كتابه الجديد المعنون "استراتيجية إيران الكبرى" حديثًا لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي يقول فيه أمام جمع من السياسيين ورجال الأمن والفقهاء الإيرانيين: "لقد اقتربتْ إيران من تحقيق أهدافها الاستراتيجية، فقد تسلَّقت السُّفوحَ، وأوشكتْ على الوصول إلى قمة الجبل. وعليها أن تستمرَّ في الصعود بإصرار، وألَّا تتعبَ من المسير. فهي كلما اقتربت من قمة الجبل جدَّت أميركا في سدِّ الطريق أمامها". ويقدِّم نصر في ثنايا كتابه أفكارا ثمينة عن الهوية السياسية الإيرانية، وما يشوبها من ذاكرة جماعية قلِقة، وتوجُّسٍ زائد من الجيران، واعتزاز عميق بالذات والتاريخ.. وغيرها من الملاحظات الثمينة التي تستحق التأمل من كل باحث يسعى لفهم الظاهرة الإيرانية. على أن ما يهمنا هو ذلك المجاز المعبِّر في حديث المرشد الإيراني، وهو الإصرار الإيراني على تسلُّق قمة الجبل، والإصرار الأميركي على سدِّ طريق إيران إلى القمة. وفي هذا المقال نستكشف ظاهرة الزِّحام على قمة الجبل بين إيران وخصمها الأميركي الإسرائيلي، لنتَّخذ من ذلك مدخلاً لفهم الحرب الإسرائيلية الحالية على إيران: في خلفياتها الماضية، ومساراتها الحالية، ومآلاتها المتصوَّرة. فهي حربٌ ستترك بصمتها على مصائر الشعوب والدول في العالم الإسلامي لأعوام مديدة. ثمن الإدراك المتأخِّر ونبدأ بالتنويه إلى أن ما عبَّر عنه خامنئي تعبيرا مجازيا مبهمًا، كشفه آخرون بلغة علمية باردة، حيث أوضح عدد من الخبراء النوويين العرب والغربيين أن إيران أصبحت على عتبة القوة النووية، ولم يعد يفصلها عنها سوى القرار السياسي والخطوات التقنية الختامية. ويبدو أن هذا الوصول للعتبة النووية هو السبب الحقيقي للحرب الإسرائيلية الأميركية الحالية على إيران، الساعية إلى منعها من الوصول إلى قمة الجبل. كما أن ما ذكره خامنئي عن العائق الأميركي أمام نهضة إيران وقوَّتها لا يقتصر على إيران، بل هو ظاهرة تتجاوز إيران إلى جميع الدول ذات الشأن في المنطقة. فالحرب الجديدة تدخل ضمن استراتيجية أميركية إسرائيلية ثابتة، وهي منع أي دولة من الدول الإسلامية -خصوصا في إقليم الشرق الأوسط- من امتلاك قوة نوعية، أو بناء مناعة استراتيجية. وقد عبَّر عن ذلك الرئيس الإيراني الحالي مسعود بزشكيان بقوله: "إسرائيل تسعى لضرب المسلمين واحدا تلو الآخر." وكان على إيران وغيرها من دول المنطقة إدراك ذلك السعي الإسرائيلي الأميركي منذ أمد بعيد، وتوسيع المدارك لرؤية الهموم المشتركة بين أهل المنطقة بشكل أكثر رحابة وإنصافا وعمقا وصدقا. فالسياسة الأميركية والإسرائيلية تستهدف جميع دول المنطقة ذات الوزن، وذلك بانتهاج أحد منهجين: منهج التهميش ومنهج التهشيم. أما منهج التهميش فهو هدر للإمكان الذي تملكه الدول، وهو امتداد لمواريث الاستعمار التي ورثتها أميركا عن الإمبراطورية البريطانية، وخلاصته حرمان دول المنطقة من استقلال القرار الاستراتيجي وبناء القوة الاستراتيجية، بالتسلل داخل بِنْيتها الحاكمة، واختراق قرارها السياسي، مما يجعلها تدور في الفلك الأميركي الإسرائيلي حيثما دار، وتكون سلِيبة الإرادة، سلْبية المواقف، منكشفة تماما، مهما كان حجمها وقوَّتها الكامنة. وأقصرُ طريق لذلك هو العبث بالمعادلة الداخلية في الدولة، وضمان ألَّا يصل إلى السلطة فيها إلا كل خانع خاضع، راضٍ بالعبودية الطوعية، فاقدٍ للإحساس بالكرامة الدينية والقومية والوطنية، حتى وإن سُمح له بالتمسُّح بشعارات جوفاء، يغطي بها سوأته، وهي خالية من المضمون العملي. وقد نجحت أميركا في تهميش عدد من الدول العربية، فأهدرت إمكانها. وأما منهج التهشيم فهو هدم بنيان الدول وهدّ أركانها. وخلاصته تحطيم بِنْية الدولة التي خرجت عن طوق التبعية، وأصرَّت على استقلال قرارها، أو سَعَى شعبها إلى تحقيق الحرية والديمقراطية في بلاده. وبهذا التهشيم وتبديد القوة تخرج الدولة من المعادلات الاستراتيجية، فلا يهم -بعد ذلك- من يحكمها، أكان مواليا للهيمنة الأميركية الإسرائيلية أم خارجا عليها، فهو بلا حول ولا طول في الحالتين. وقد نجحت الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية في تطبيق منهج التهشيم على عدد من دول المنطقة التي بدأت شعوبها تشبُّ عن الطوق سياسيا أو عسكريا. ومنها: العراق، وسوريا، وليبيا، والسودان. وأكثر ما ينجح منهج التهشيم في ظروف الثورات والنزاعات الأهلية، وذلك بالدخول من الشُّقوق والتصدُّعات الناتجة عن تلك الصراعات، وتزويد كل الأطراف المتحاربة بوسائل الفناء والإفناء، مع حرمان أيٍّ منها من حسم المعركة، وهكذا تبقى المصهرة الدموية دائرة إلى أن تتلاشى قوة الدولة، وتتفكك بنيتها، وتخرج من معادلات القوة تماما. لكن الإيرانيين والعرب لم يدركوا في الوقت المناسب كيف يفكر الأميركيون والإسرائيليون في إخضاع هذه المنطقة والتحكم بمصائر شعوبها من خلال منهجي التهميش والتهشيم. فتخيَّلَ كل منهم -بسذاجة وأنانية- أنه يستطيع بناء أمجاد على أشلاء أخيه وجاره، وسهَّلوا بذلك مهمة كل عدوٍّ طارق. وهم لا ينتبهون إلى المصير المشترك والعدو المشترك إلا لماما، وفي لحظة وعيٍ عابر ومتأخر عن أوانه. وغالبا ما يكون في أوقات الحروب، بعد أن يقع الفأس على الرأس، كما هو حال قادة العراق خلال الهجوم الأميركي المدمِّر عامي 1991 و2003، وقادة إيران خلال الهجوم الإسرائيلي الحالي.. لكن ثمن الإدراك المتأخر ثمن فادح حقًّا. التدمير بالجُملة والتقسيط وقد صاغ المفكر اليهودي الأميركي أدوارد لوتواك منهج التهشيم باسم نظرية "إعطاء الحرب فرصة" في مقال شهير بهذا العنوان عام 1999، دعا فيه إلى عدم التدخل لإنهاء الحروب في هذه المنطقة، وترْكها تأخذ مجراها الدموي، ثم فرْض حلٍّ أميركي (يقصد حلا إسرائيليا) على الأطراف المتحاربة بعد أن تستنزف قواها. وفي عام 2014 دعا لوتواك إلى تطبيق نظريته على الحرب في سوريا في مقال بصحيفة نيويورك تايمز بعنوان: "في سوريا تخسر أميركا إذا فاز أيٌّ من الأطراف." وفيه كتب لوتواك: "إن الاستنزاف الطويل الأمد في هذه المرحلة من الصراع هو المسار الوحيد الذي لا يضرُّ المصالح الأميركية"، ثم ختم بنصيحة لصانع القرار الأميركي قال فيها: "سلِّحوا المتمردين كلما بَدَا أن قوات السيد الأسد في صعود، وأوقِفوا دعمهم كلما بَدَا أنهم سيكسبون المعركة." ولم يكن لوتواكْ مجرد ناصح للإدارة الأميركية بتبنِّي هذه الاستراتيجية، بل هو يؤكد في مقاله -مُحقاًّ- أن ما أوصى به هو الموقف الأميركي في سوريا. وهو موقف يأخذ بحكمة استراتيجية صينية قديمة توصي بنهب البيت المحترق، سوى أن الأميركيين تجاوزوا الوصية الصينية إلى إحراق البيت قبل نهبه. وما كانت المحنة السورية الأليمة لتطول لولا الاستراتيجية الأميركية في "إعطاء الحرب فرصة" خدمة للتفوق الإسرائيلي، وترسيخا للنفوذ الأميركي، وهما وجهان لعملة واحدة من التسلط والظلم والعدوان. وتأتي استراتيجيات التهشيم جملةً أحيانا، وتقسيطاً أحيانا أخرى. فحين يُعِين أهل المنطقة العدو على أنفسهم، بالبلاهة السياسية والأنانية السياسية، وقصر النظر في إدراك المخاطر الجسيمة، يكون منهج التقسيط بالجملة هو السائد، كما كان الحال في الغزو العراقي لإيران عام 1980، والغزو الإيراني لسوريا عام 2015، وما ترتب على كل ذلك من ثمرات مريرة على دول وشعوب عديدة في المنطقة. وتكون طريقة التهشيم جملةً في بعض الأحيان من خلال نكء جراح الماضي، واستغلال التصدُّعات البنيوية في الأمة، بتجلياتها التاريخية والقومية والطائفية، واستثارة عواطف الحمقى والمغفَّلين، المهووسين بخوض حروب الماضي في الحاضر، المولَعين بـ"إحياء الموتى وإماتة الأحياء" حسب تعبير المفكر محمد الأحمري. فمنذ نحو خمسة وأربعين عاما، في أكتوبر 1980، استقبل رونالد ريغان، وهو يومذاك مرشَّح الرئاسة عن الحزب الجمهوري، صديقه هنري كيسنجر، ليستشيره في سياساته الخارجية إذا نجح في سباق الرئاسة. وكان من أسئلة ريغان الملحاحة على عقله يومَها: كيف ينبغي أن تكون الاستراتيجية الأميركية تجاه الحرب العراقية الإيرانية؟ فردَّ كيسنجر بدم بارد: "المصلحة الأميركية هي استمرار الحرب العراقية-الإيرانية، فاحرص على استمرار القتال" بين البلدين. وهكذا كان طيلة تلك الحرب المدمرة التي لا تزال المنطقة تدفع أثمانها حتى اليوم، فقد تقيَّد ريغان -ومن بعده كارتر- بهذه النصيحة الجهنَّمية، فكانت الحكومة الأميركية تزوِّد كلا من إيران والعراق بوسائل الاستمرار في القتال، ومنع كل منهما من حسم الحرب، والخروج من الـمَصْهرة الدموية المهلكة لشعبيهما. وقد لاحظ الفريق أول نزار الخزرجي، قائد أركان الجيش العراقي إبَّان الحرب العراقية الإيرانية، الهوَّةَ السحيقة الذي وقع فيها العراق وإيران خدمةً لإسرائيل، فوصفها بـ"النفق المظلم الذي أُعِدَّ لينزلق فيه العراق، ويتورَّط بحرب استنزاف طويلة تدفع باتجاه هدفين: تحييد قدرة العراق الفائقة باعتبارها عاملا حاسما في المواجهة مع العدو الإسرائيلي من جهة، ثم ترْك الحرب لتأخذ ضريبتها الباهظة من البلدين المتحاربين اللذين كان احتواؤهما وإنهاكهما هدفًا هو الآخر، يصبُّ في مصلحة ذلك الكيان العدواني" (نزار الخزرجي، مذكرات مقاتل). أما منهج التهشيم تقسيطا فيكون باستهداف طرف واحد من أطراف المنطقة، ولمكوِّنٍ واحد من مكونات الأمة، من أجل تخدير حاسَّة التضامن بين شعوب المنطقة ومكونات الأمة. وقد رأينا مثالا مريرا على ذلك، في أعوام تدمير العراق وحصاره الطويل في التسعينيات، ثم احتلاله وتهشيمه ابتداء من عام 2003. ماهية الحرب الحالية بعد هذه التمهيدات العامة، نتجه الآن إلى تشريح الحرب الحالية: ماهيةً ومآلاً. ولفهم ماهية الحرب الحالية نحتاج وضعها ضمن سياق أرحب، يشمل تطورات الوصاية الأجنبية على المنطقة، وآثار طوفان الأقصى على البيئة الاستراتيجية العامة. لقد ورثت أميركا الاستعمار العسكري البريطاني في المنطقة، فحوَّلته استعمارا سياسيا واستراتيجيا مُثمرًا لها لأمد طويل. وتطمح إسرائيل اليوم إلى وراثة الاستعمار السياسي الأميركي، بعد أن بدأت أميركا تتخفَّف من أعباء المنطقة وتنزوي إلى حدودها، أو تركِّز على الصراع الأكبر مع الصين في شرق آسيا. فلا ينبغي فصل الحرب الإسرائيلية على إيران عن هذا الطموح الإسرائيلي الذي لولاه لكانت إسرائيل اكتفت بسياسة الردع النووي في التعامل مع إيران. لكن إسرائيل لا تملك قدرات الإمبراطورية البريطانية أو الأميركية، كما أن هذا العصر غير العصر الذي تسيَّدت فيه تلك الدولتان. لذلك تراهن الاستراتيجية الإسرائيلية -المدعومة أميركيًّا- على "العبودية الطوعية" من طرف بعض قادة المنطقة الذين يحِنُّون إلى وظيفة "أدلاَّء قوافل الاستعمار" القديمة، رغم أنهم ليسوا بحاجة إليها. لكنه اعتياد العبودية، أو "دين الانقياد والتسليم" كما سمَّاه ابن خلدون، وهو أبلغ وصف للاتفاقيات التطبيعية التي وقعتها دول عربية في الأعوام الأخيرة مع إسرائيل إيمانًا واحتسابًا، دون أن تكون في صراع مع إسرائيل، ولا هي قريبة من حدود التماسِّ معها. وهكذا منحت هذه الدول العربية إسرائيل مكاسبَ مجانية، شحذتْ من نرجسيتها، وزادت من مطامحها الخيالية. وتأتي الحرب الإسرائيلية على إيران تتويجًا لهذا الطموح الإسرائيلي لملء الفراغ الاستراتيجي في هذه المنطقة التي ارتضى لها أهلها أن تبقى في حالة رخاوة وضعف مزمن. وأول ما يلفت النظر في افتتاح الحرب الحالية هو الدور الأميركي المبهَم والمراوِغ. ويبدو أن القرار الأميركي كان مع الحرب منذ مدة، لكن الأميركيين اتفقوا مع الإسرائيليين على أن تبقى أميركا في الظل ابتداءً، وتكتفي بالإمداد، ثم بمخادعة إيران، وإيقاعها في الغفلة، إلى أن تتمكن إسرائيل من مباغتتها بالضربة الأولى. وقد أتقن ترامب التمثيل في هذا المضمار، فأقنع الإيرانيين بأنه جادٌّ في توقيع اتفاق نووي جديد معهم، وخدَّرهم باصطناع التفاؤل، وإظهار المرونة. ومن الواضح أن الإيرانيين وقعوا في هوَّة الاستغفال، فلم يظهر منهم في يوم الضربة الإسرائيلية الأولى أي استعداد لها، ولذلك فقدوا أكبر قادتهم العسكريين، وخيرة علمائهم النوويين. وأما علاقة الحرب الإسرائيلية على إيران بطوفان الأقصى فهي علاقة وثيقة وعميقة. إذ يقال في العلوم العسكرية إن لكل حرب ثمارَها غير المقصودة التي قد تفُوق ثمارَها المقصودة. ومن ثمار طوفان الأقصى غير المقصودة التي تفُوق ثماره المقصودة في الأهمية الاستراتيجية أمران: تحرير سوريا من بشار الأسد، وتفجرُّ الحرب الحالية بين إسرائيل وإيران. وقد كان الشهيد يحيى السنوار يتوقع أن يُحدث طوفان الأقصى تغييرا عميقا في البيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين، بما في ذلك سحب إيران إلى المواجهة المباشرة مع إسرائيل. ويبدو أن حَدْسه في هذا الأمر كان في محلِّه، على عكس ما توقعتُ وتوقَّع كثيرون غيري، حيث رأينا الأمر -باديَ الرأي- حُلمًا بعيد المنال. على أن كسب الضربة الأولى المفاجئة لا يعني كسب الحرب. ولو كان الأمر كذلك لكانت اليابان هزمت أميركا بعد هجمة "بيرل هاربر" المميتة. فلم تستمتع إسرائيل طويلا بنجاح ضربتها الأولى -رغم إيلامها لإيران- وسرعان ما بدأت المنازلة والمحاسبة على تلك الضربة. علما بأن الضربة الإسرائيلية المباغتة، وما تلاها من ضربات، فشلت في الوصول إلى قلب البرنامج النووي الإيراني، وهو منشأة "فوردو" الحصينة في قلب جبل. ومخزون اليورانيوم الإيراني المخصَّب. مسارات الحرب ومآلاتها وهنا يمكننا تصور المسارات القادمة للحرب بشكل تقريبي وغير جازم، وقد يتغير هذا التصور مع الزمن بتغير الوقائع. فكل حرب تتدحرج بطريقتها الخاصة، وليس من الممكن الجزم بمساراتها ومآلاتها، نظرا لما قد يطرأ عليها من عوامل لم تكن في الحسبان عند التخطيط لها ابتداءً. وبناء على ذلك، فإن المسارات الكبرى المتصوَّرة للحرب الحالية تتلخص في التالي: المسار الأول: إذعان القيادة الإيرانية، وقبولها بصفقة مع ترامب تتضمن تخليها عن برنامجا النووي والصاروخي، بعد أن إحساسها بالخطر الوجودي المترتب على استمرار الحرب، خصوصا إذا تدخلت أميركا بشكل مباشر في القتال، أو أيقنت القيادة الإيرانية من نية الأميركيين ذلك. وهذا خيار مستبعَدٌ تماما لعدة أمور، منها: أن الإيرانيين أمة ذات ثقافة انتقامية عميقة، واعتزاز بالذات كبير، وهم صُبُرٌ في الحرب الدفاعية والاستنزافية. أن الاستثمار في البرنامج النووي والصاروخي هو رأسمال الاستراتيجية الإيرانية، وليس من الأمور التكتيكية التي يسهل التنازل عنها. أن النخبة السياسية الإيرانية لا تثق بأميركا، وهي لن تسلِّم رقابها تحت أي ظرف، وحتى وإن خاضت صراعا وجوديا مع قوة عظمى. المسار الثاني: أن تنتهج إيران نهج "التقية" السياسية والمراوغة الدبلوماسية لكسب الوقت، إلى حين استكمال بناء الحصانة النووية. وفي هذا المسار قد تعلن إيران أنها مستعدة للتخلي عن تخصيب اليورانيوم، دون تخلٍّ عن برنامجها النووي والصاروخي، مقابل وقف أميركا للحرب. وتوقِّع مع أميركا وحلفائها اتفاقية نووية جديدة بهذا المعنى، ثم تراوغ مستقبلا بالمحافظة على برنامج نووي سرِّيٍّ، إلى أن تحقق حلمها النووي الرادع. وهذا مسار مستبعد أيضا، لأن أميركا وإسرائيل لن ترضيا بغير انتهاك السيادة الإيرانية، والدخول في كل مدخل على أرضها، بذريعة التفتيش والتحقق، كما حدث مع العراق من قبل. ولن يقبل قادة إيران أن تصبح منكشفة تماما، أمنيا وعسكريا وسياسيا. المسار الثالث: مسارعة إيران إلى بناء قنبلة نووية من النوع التقليدي، بما لديها من اليورانيوم المخصَّب الآن بنسبة 60%، وتحت يدها منه الآن نحو 500 كيلوغرام، تكفي لبناء عشر قنابل نووية تقليدية، ذات أثر تفجيري لا يضاهي القنابل النووية المتطورة التي تحتاج يورانيوم بنسبة تخصيب نسبة 93%، لكنه سلاح رادع على كل حال. وهذا خيار ممكن ووارد جدا، كما يرى الدكتور يسري أبو شادي، رئيس مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق. فهو يؤكد -بناء على خبرته العلمية واطلاعه على البرنامج النووي الإيراني – أن إيران قادرة على صناعة قنبلة نووية باليورانيوم المنخفض التخصيب خلال أسبوع أو أسبوعين فقط. وهي تملك الخبرة العلمية، والقدرة الفنية، والأماكن المناسبة، لإجراء الاختبارات النووية. ولا يستبعد ريتشارد نيفيو هذا المسار، وهو باحث في جامعة كولومبيا، ومساعد المبعوث الأميركي الخاص بالشأن الإيراني في إدارة بايدن. المسار الرابع: توسُّع الحريق، وهو إذا تدخَّلت الولايات المتحدة في الحرب، فنجحت في وضع يدها على اليورانيوم الإيراني المخصَّب، أو حرمت إيران من استخدامه في تصنيع قنبلة نووية تقليدية، ودمَّرت قسما مهما من البرنامج الصاروخي الإيراني، أو وضعت بقاء النظام الإيراني في خطر وجودي. ففي هذه الحالة لن يبقى لدى إيران ما تخسره، وستميل إلى توسيع نطاق الحرب، ونشر الحريق باستهداف المصالح الأميركي بيدها أو بأيدي حلفائها، وإحداث أزمة عالمية في الطاقة تحول الصراع من صراع إقليمي إلى صراع دولي. ومن المهم التذكير هنا بأن إيران ذات أهمية حيوية من منظور الجغرافيا السياسية بالنسبة لروسيا، ومن منظور اقتصاد الطاقة بالنسبة للصين. فإيران هي الحدود الجنوبية لروسيا، والتدخل الأميركي المباشر فيها خطر استراتيجي من وجهة النظر الروسية. كما أن الصين تربطها بإيران معاهدة شراكة استراتيجية، وهي تستورد قسطا مهما من حاجتها للنفط من إيران، وليس من السهل على الصين السكوت على خسارة إيران أو تدميرها. المسار الخامس: اقتناع الولايات المتحدة بأن إسرائيل عاجزة عن تدمير البرنامج النووي الإيراني، بعد أعطتها فرصة المحاولة فلم تستطع، وارتداع أميركا نفسها عن التدخل المباشر، تقديرا للنتائج الخطيرة التي قد تترتب على ذلك، بما فيها توسُّع الحريق، أو الدعم العسكري الصيني النوعي لإيران، أو حتى التدخل الصيني المباشر بناء على "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الصينية الإيرانية.".. وفي هذه الحالة ستفرض أميركا على إسرائيل وقف الحرب، وتعتبر ما حدث حتى الآن كافيا، حيث أوجع كل من الطرفين الآخر، وحصل ردع متبادل، يكفي لضمان هدنة طويلة بينهما. فالراجح من بين هذه الخيارات هو مسارعة إيران إلى بناء حصانة نووية، ولو بطريقة تقليدية. ثم يليه خيار توسع الحريق. أما مسار الإذعان، ومسار "التقية"، فلا يبدو أنهما واردان. وأفضل هذه المسارات بالنسبة للجوار العربي المسار الخامس وسرعة توقف الحرب، ويليه نجاح إيران في تصنيع سلاح نووي، إذ لن يكون سلام في المنطقة، ولن تتوقف المطامح الإسرائيلية للهيمنة على الخليج، دون حصول إيران على حصانة نووية. ثم يليهما في الأفضلية خيار "التقية" السياسية، وإن لم يكن خيارا عمليا في المدى البعيد. أما مسار توسُّع الحريق فهو كارثة على الجوار العربي والإسلامي، وأما مسار إذعان إيران فهو فتحٌ لباب العبودية السياسية للصهاينة، والانكشاف الاستراتيجي الكامل أمامهم. فما هو الحد الأدنى من المواقف الأخلاقية والسياسية المناسبة لظروف الحرب الحالية؟ صخَب النوازل السياسية من الملاحظ أنه كلما جدَّت نوازل سياسية، وكانت إيران طرفا فيها، امتلأ الفضاء العربي بالجدل الصاخب حول الموقف من إيران وسياساتها الماضية والحالية، وتاريخها البعيد والقريب. وهو موضوع إشكالي يمتزج فيه الحق والباطل، والإنصاف والتعصب، وتختلط العواطف الجياشة بالحسابات الاستراتيجية. وأسوأ ما في هذا الجدل أنه ينطلق من ذاكرة مثقوبة، لا تعتبر بما حدث لهذه المنطقة المنكوبة خلال العقود والأعوام القليلة الماضية. لذلك يتعيَّن هنا ترطيب الذاكرة، والتذكير ببعض البديهيات المنسيَّة، وبعِبرة الماضي القريب. ونجمل القول في ذلك بأمور خمسة: أن الواجب المتعيِّن شرعا هو القيام بحق المسلم على المسلم من النصرة إذا ظُلم، سُنِّيا كان أو شيعيًّا، سلفيًّا كان أو خلَفيًّا. وفي الحديث النبوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه قال: "من صلَّى صلاتَنا، واستقبل قِبلَتنا، وأكَل ذبيحتَنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تُخْفِروا الله في ذِمَّته" (صحيح البخاري). فواجب نصرة المسلم على العدو الكافر الصائل، الذي يستهدف عموم الأمة ويعاديها، لا يَسقط إلا بسقوط أصل الإسلام، ولا تؤثِّر فيه الخلافات في دقائق العقائد، أو في مصالح السياسة، ولا حتى المظالم فيما بين أبناء الأمة أنفسهم، مهما عظُمت وضخُمت. لذلك يتعيَّن شرعًا الوقوف مع إيران ضد إسرائيل في هذه الأيام، ولو بالكلمة والدعم المعنوي. أن النظر للصورة الكلِّية بذاكرة طريَّة يدل على أن استهداف إيران عام 2025 لا يختلف عن استهداف العراق عام 2003. والمستهدَف اليوم ليس إيران في ذاتها، والمستهدف أمس ليس العراق في ذاته، بل هو الأمة في كلِّيَّتها وكينونتها. فالمطلوب أميركيا وإسرائيليا هو تحطيم نظام مناعة هذه الأمة، وضرب مقومات قوَّتها الكامنة، سواء كانت هذه القوة عراقية أو سورية أو إيرانية أو تركية أو باكستانية.. أو غيرها. وإنما يتم هذا الاستهداف بالتقسيط، استغفالاً للبُلَهاء الغارقين في اللحظة الحاضرة، ممن لا يتجاوز نظرُهم يومَهم. والذي يستهدف إيران اليوم لا يستهدفها انتقامًا لدماء السوريين أو العراقيين أو اليمنيين، بل إصرارًا منه على أن يظل قادرًا على سفك دماء جميع هؤلاء، وإبقائهم في ذلة وخنوع. أن للمحاسبة والنقد توقيتًا ولغةً وسياقًا، وللمناصرة والدعم توقيت ولغة وسياق. فحين يستبيح العدو ساحة الأمة -كما تفعل إسرائيل مع إيران اليوم- فواجب الوقت دعم إيران، ليس لأنها إيران في ذاتها، بل لأنها جزء من أمَّتنا المستباحة، وأن تهشيم القوة الإيرانية لن يختلف عن تهشيم القوة العراقية من قبل، فهو سيكون فاتحة لتهشيم غيرها من دول الجوار الإسلامي الضيق، والعالم الإسلامي الفسيح، تماما كما كانت ثمرات تهشيم القوة العراقية فاتحة لاستباحة الجزيرة العربية والمشرق العربي، والعبث بمصائر الأمة الإسلامية إلى اليوم. أما تصفية الحساب مع إيران تحت النيران الإسرائيلية، فهو بلاهة سياسية في أحسن الأحوال، وتثبيطٌ مشبوه في أسوئها، وسير في ركاب العدوِّ الصائل، وعونٌ له على تدمير الأمة بالتقسيط في كل الأحوال. أن إيران بعد إخراجها من سوريا، وضرب حلفائها في لبنان، لم تعد في حالة هجوم وتوسُّع على حساب جيرانها. وحتى لو كانت كذلك، فهي في هذه الحرب مع إسرائيل اليوم تقاتل عن وجودها على أرضها، حربا دفاعية مشروعة بكل المعايير الإسلامية والإنسانية، وتسدُّ ثغرة ضد العدو الإسرائيلي الأميركي الصائل على جميع الأمة. وما أعظم الفرق بين من يحارب إيران بسلاحه، وهي صائلة عليه في أرضه، ومن يحاربها بسلاح الصهاينة، وهم صائلون عليها في أرضها. أما الأول فصاحب دين وحق ومروءة، وأما الثاني فهو متجرد من كل ذلك. وإذا كان قادة إيران أغوتهم الأنانية السياسية، أو التحيز القومي، أو التعصب الطائفي، بتبنِّي مواقف سيئة من ملفات إقليمية حيوية، مثل غزو العراق، وثورة سوريا.. فإنهم ليسوا قدوةً لنا في سلوكهم هذا. وليس تبنِّي الأنانية السياسية، والتحيز القومي، والتعصب الطائفي، ضد إيران في محنتها اليوم، بالذي يليق بمن ينصح لله ولرسوله ولأمة الإسلام. أن من ينتظرون هلاك الظالمين بأيدي الظالمين، والخروج من بينهم سالمين، من الذين لا إلمام لهم بالخطاب السياسي الذي يضع القول في سياقه، ولا يملكون الحاسَّة الاستراتيجية التي تضع الجهد في موضعه، إنما ينشرون ثقافة الدروشة والسلبية في الأمة في أوقات الجِدّ والجهاد. أما من لا يتحمَّل قلبُه ولسانُه نصرة إيران ضد إسرائيل، بسبب ثأر له لدى الإيرانيين، أو دماء بين قومه وبينهم، فيسعه السكوت حتى لا يسير في ركاب العدو الوجودي للأمة، ويتحول ظهيرا له بحسن نية وطوية. وهو ليس معذورا إن تجاوز السكوت إلى المجاهرة بالشماتة والتخذيل في معركة كبرى، يدرك كل ذي بصيرة أنها تتجاوز حدود إيران إلى الإقليم كله، بل إلى الأمة الإسلامية كلها، وأن غاية العدو منها هو الاستمرار في استباحة جميع دولنا وشعوبنا، وفرض حقبة جديدة من التسيُّد اليهودي على أمة الإسلام. عِش كلَّ زمانٍ في زمانه ليس من العسير على المراقب البصير، الواعي باستراتيجيات الصهاينة وأولوياتهم، أن يدرك أن أول من ستدور عليه الدوائر في حال انكسار إيران -لا قدر الله- هو سوريا الجديدة المتحرِّرة من حكم السفاح الأسد، المتاخمة لحدود فلسطين، المتحالفة مع تركيا الصاعدة. وليس إغضاء الأميركيين عن الحكم الجديد في سوريا، بخلفيَّته الإسلامية التحرُّرية، وأحلافه الجهادية العالمية، إلا تطبيقا لمنهج التقسيط في تدمير مكونات الأمة، وتحييد أجزائها الأخرى في لحظة استهداف أي جزء مخصوص منها. فمن التقاليد الاستراتيجية الأميركية العريقة تجنُّب القتال في الجبهات العريضة، وعدمُ خوضِ المعارك المتزامنة. فالهدنة الأميركية مع سوريا الجديدة، لا تختلف عن الهدنة الأميركية مع إيران خلال غزو العراق، ولا علاقة للموضوع بتوبةٍ أميركية نَصُوح من العبث الدموي بمصائر الشعب السوري -خدمة للصهاينة-طيلة أربع عشرة من السنين العِجاف. ويجب ألَّا نقَع في خطأ الإدراك المتأخر الذي تدفع إيران ثمنه اليوم، ونكرِّر الخطيئة القاتلة التي وقعت فيها إيران، حين اعتبرت الغزو الأميركي للعراق فرصة للتشفِّي من عدوٍّ مجاور، والعبث بساحته الداخلية، ومدِّ الأذرع في الإقليم بحرية، فكانت العاقبة ما نراه اليوم.. لذلك يتعيَّن على الأمة كلها الوقوف إلى جانب إيران الآن، وبذل كل الجهد لمنع إسقاطها أو تهشيمها. فإن لم يكن ذلك بدوافع الإسلام المبدئية، فليكن بدوافع الحكمة السياسية، والمصلحة البراغماتية، والوعي الاستراتيجي. لقد اختارت إيران الطريق الوَعر، وأصرَّت على مواصلة السير إلى قِمَّة الجبل، كما رأينا في بداية هذا المقال، رغم قوة الأعداء، ووحشة الطريق. فلا يليق بالعالم العربي أن يرضى "العيش أبدَ الدهر بين الحفر" بتعبير شاعر تونس، أبي القاسم الشابي: وَمَنْ يتهيَّبْ صعودَ الجبـال يَعِشْ أبدَ الدَّهر بين الحُفَرْ وتدفع إيران اليوم ثمن إصرارها على بناء المناعة الذاتية، واستقلال القرار الاستراتيجي، ودعم قضية القدس والأقصى. فإن هي أفلحت في الخروج من هذه المحنة قويةً متماسكةً، فاقتحمت العقبة الإسرائيلية الأميركية، وتجاوزت العتبة النووية، فذلك كسبٌ لها وللمنطقة، لأنه سيكون انحسارًا للظِّل الإسرائيلي الأميركي الثقيل. وإن تهشَّمت إيران في وجه العدوان الحالي، فستعيش المنطقة كلها حقبةً قاتمةً من "الرِّق المنحوس" الذي وصف الكواكبي كيف تقع فيه الأمم، حين تسمح لتصدعاتها الداخلية أن تكون مَنفذا "للطامع الأجنبي". في حديث عن مخاطر الحرب بين إسرائيل وإيران منذ بضعة أشهر قال لي صديق تركيٍّ حكيم: "يجب أن نحميَ إيران، ويجب أن نَحميَ أنفسنا من إيران"، ثم شرح لي الآثار السلبية للحرب على تركيا باستفاضة. وتصدُق هذه المعادلة أيضا على الجوار العربي لإيران، فهو بحاجة إلى حماية إيران من التهشيم، وحماية نفسه من أي مجازفات إيرانية مستقبلية. ولعل هذه الحرب تكون درسا أليما لإيران بأن نظرية "الدفاع المتقدِّم"، التي لا تقيم اعتبارا للجوِار، تنتهي تورُّطًا وتوريطًا للجميع، فهي خطر على إيران، بقدر ما هي خطر على الجيران. ويبقى واجب الوقت اليوم هو منع تهشيم إيران، وتوسُّع النيران. وكما كتب الصديق والباحث العراقي الدكتور لقاء مكي، وهو ممن حاربوا إيران باللِّسان والسِّنان أعوامًا مَديدَة: "مهما يكن من أمر إيران، وسلوكِها العدواني في المنطقة، فإن تدميرَها بحِلفٍ إسرائيلي أميركي سيكون كارثةً كبرى، تجعلُنا جميعًا بلا استثناء أمام عصر جديد، هو الأخطر والأكثر إيلامًا منذ مائة عام." فالعاقل من أحسن التسديد، فقام بواجب الوقت في وقته، وعاش كلَّ زمان في زمانه. والأحمقُ من اتَّخذ الماضي ذخيرةً لتدمير المستقبل، واستعرضَ عضلاتِه في معارك في غير وقتها، بينما العدوُّ الغادر يشحَذ سكِّينَه لذبحه بعد ذبْح جاره!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store