
الطريق إلى 'هاي هولبورن'
بالنسبة لي، يعني شارع 'هاي هولبورن' الكثير. تصوّروا طالباً جامعياً يتخرج من كلية الحقوق بالرباط، ويجد نفسه صحافياً متدرّباً في 'دار الصحافة العربية'، حيث مكاتب تحرير 'الشرق الأوسط'،وصنواها مجلتا 'المجلة' و'سيدتي'، وغيرهما من المنابر الإعلامية التي كانت تصدرها آنذاك الشركة السعودية للأبحاث والتسويق.
قبل أيام، مررت بجانب المقر السابق لجريدة 'الشرق الأوسط'، فوجدت مدخله قد تحوّل إلى مقهى من سلسلة مقاهي Black Sheep، بعد أن كان بناية شاهدة على عصر إعلام عربي زاهر في الغرب. فكم من ملوك ورؤساء دول ورؤساء حكومات وسيدات أوائل ووزراء، وكم من مثقف أو مفكر أو شاعر أو فنان تشكيلي أو مطرب أو ممثل، زاروا المبنى الذي شكّل معلمةً سعودية بارزة لا تخطئها العين في قلب عاصمة الإنكليز.
كانت 'الشرق الأوسط' منجماً غنياً بصحافيين وكُتّاب من مختلف مجالات معادن الكتابة النفيسة. لا يوجد صحافي أو كاتب ذو باع طويل لم يكتب في صفحات الصحيفة الخضراء أو لم يمرّ من مكاتبها، والأسماء كثيرة لا تعد ولا تُحصى.
في عهد رئيس تحريرها المتميّز والألمعي عثمان العمير، أصبحت 'الشرق الأوسط' جريدة العرب الدولية بامتياز، وصار العالم العربي من المحيط إلى الخليج ممثّلاً في قاعات تحريرها بشكل غير مسبوق.
أكثر من ذلك، كان هذا العبد الضعيف أول مغربي يعمل في '184 شارع هاي هولبورن'. وكنت محظوظاً أنني عملت في صحيفة حلم كثيرون بأن يكونوا أعضاء في هيئة تحريرها.
بدا الأمر أشبه بضربة حظ! ففي آب/أغسطس 1987، زار عثمان العمير مدينة أصيلة لأول مرة لحضور فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي، فالتقيته برفقة صديق بجوار 'برج القمرة "البرتغالي.جرى التعارف بيننا وأصبحنا أصدقاء منذ الوهلة الأولى.
وذات صباح مشمس من صباحات آب/أغسطس اللاهب، ذهبت برفقة الأستاذ محمد بن عيسى، الذي كان آنذاك وزيراً للثقافة، والصديق الجديد عثمان العمير، والأخ والصديق الكاتب التونسي حسونة المصباحي – الذي ودّع دنيا الناس هذه قبل أسابيع قليلة – إلى شاطئ في ضواحي أصيلة لأخذ حمام شمس والسباحة في مياه الأطلسي الزرقاء.
ما زلت أذكر أنني انسحبت، تاركاً إياهم يتبادلون أطراف الحديث عن الثقافة والإعلام وقضايا الساعة ، وهرعت للسباحة. وحين عدت، أخبرني المصباحي أن عليّ، العام المقبل، الحصول على شهادة الإجازة الجامعية 'بقوة السيف والسلاح'. وكنت وقتها قد نجحت في السنة الثالثة من شعبة القانون العام/علوم سياسية في كلية الحقوق بالرباط.ولما سألته عن السبب، رد قائلاً: 'تقرّر أن تلتحق بلندن صحافياً متدرّباً في جريدة (الشرق الأوسط)'. ذلك أن الوزير بن عيسى تحدّث مع العمير بشأن رغبتي في أن أكون صحافياً، واقترح عليه استضافتي للتدرّب في مكاتب 'الشرق الأوسط' في لندن مدة سنة، لألتحق بعد ذلك للعمل بمكتب الصحيفة في الرباط كمراسل. فوافق العمير من دون أدنى تردد ، وتغيّر الاتجاه؛ إذ وجدت نفسي أمارس الصحافة في عوالم لندن بعد أن كان حلمي أن أمارسها في باريس.
لم أتحدّث مع أيٍّ كان حول ما سمعته من المصباحي، ولم أُثر الموضوع مع الوزير بن عيسى. وغادر الأستاذ العمير أصيلة، لكنني التقيته بعد أقل من شهر في باريس، برفقة المفكر المغربي الراحل الدكتور المهدي المنجرة.
بعد مرور سنة تقريباً على ذلك، وبمجرد ما أعلنت كلية الحقوق عن نتائج الامتحانات، وحصولي على شهادة الإجازة الجامعية، صرفت مبلغ 200 درهم مغربي إلى قطع نقدية، وتوجّهت إلى مخدع هاتفي لأتّصل بالأستاذ العمير، وأخبرته بأنني تخرّجت من الجامعة، وسألته: 'متى أحلّ بلندن؟'، فقال لي: 'في أي وقت تريد'. ثم تدارك قائلاً: 'يمكنك المرور على مكتب (الشرق الأوسط) في الرباط لاستلام تذكرة السفر'.
عشية سفري، انتظرت الوزير بن عيسى عند مدخل باب 'القصبة' في أصيلة، بعد أن علمت أنه سيغادر إلى الرباط في ذلك المساء. التقيته وأبلغته أنني مسافر إلى لندن، فتمنّى لي التوفيق والسداد، وذهب كلٌّ منّا في حال سبيله.
صباح يوم السبت 16 أيلول /سبتمبر ، أوصلني الصديق عبد الحق الحراق بسيارته إلى مطار 'طنجة ابن بطوطة'. وكان برفقتنا شقيقه صديق وزميل الدراسة الجامعية محمد الحراق، الذي أصبح فيما بعد دبلوماسياً في دول أوروبية عدة وقنصلاً عاماً في خيرونا (إسبانيا ) وأيضا في مدينة باستيا (كورسيكا)، وهناك انتقل إلى رحمة الله تاركا أسرته وأحبته الكثر في حالة وجع كبير . أما عبد الحق، فكان آنذاك يدرس هندسة الاتصالات في المعهد الوطني متعدد التقنيات بتولوز (فرنسا)، والذي سيصبح لاحقاً والياً ومديراً لأنظمة المعلومات والاتصالات بوزارة الداخلية المغربية .
تزامن وصولي إلى لندن مع وصول مجموعة من الشباب السعوديين الرائعين الذين قدِموا بدورهم للتدرّب في 'الشرق الأوسط'، وأصبح غالبيتهم أصدقاء وزملاء أعزاء، من بينهم الراحل هاني نقشبندي، الذي سيصبح رئيساً لتحرير مجلات 'المجلة'،و 'سيدتي'، و 'الرجل'، وعبد الله القبيع، الذي سيصبح مدير تحرير 'الشرق الأوسط'، ومحمد فهد الحارثي، الذي سيصبح رئيساً لتحرير مجلتي 'سيدتي' و'الرجل' قبل أن يصبح رئيساً تنفيذياً لهيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية ورئيساً لاتحاد إذاعات الدول العربية.
هكذا ، بدأنا جميعاً تجربة صحافية جميلة ومفيدة تحت اشراف نخبة من مدراء التحرير والصحافيين ، لم يبقَ منها سوى الذكريات وغنى العلاقات الإنسانية الرائعة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ 2 ساعات
- LBCI
متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: نستعد لنقل سكان غزة إلى جنوب القطاع
أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن الجيش سيزود سكان قطاع غزة بخيام ومعدات إيواء ابتداء من غد الأحد استعدادا لنقل السكان من مناطق القتال إلى جنوب القطاع. وأضاف أدرعي: "سيتم نقل المعدات عن طريق معبر كيرم شالوم (كرم أبو سالم) بواسطة الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية بعد خضوعها لتفتيش دقيق من قبل أفراد سلطة المعابر البرية التابعة لوزارة الدفاع". وذكرت إسرائيل أنها تعتزم شن هجوم جديد للسيطرة على مدينة غزة، وهي أكبر مركز حضري بالقطاع الفلسطيني.


لبنان اليوم
منذ 14 ساعات
- لبنان اليوم
لبنان أمام 'امتحان الثقة': بين وعود الإصلاح وضغوط المجتمع الدولي
ذكرت صحيفة الشرق الأوسط أن السلطات اللبنانية تخوض حاليًا اختبارًا بالغ الدقة لاستعادة ثقة المجتمع الدولي، عبر مسار متشعّب من الإصلاحات السياسية والمالية والقضائية والإدارية. وتُترجم هذه الجهود بإطلاق خطوات متدرجة تبدأ من تطبيق بند أساسي في ورقة الموفد الأميركي توماس برّاك، والمتصل بجدولة تنفيذ 'حصرية السلاح' بيد المؤسسات الشرعية، كمدخل لتثبيت الهدنة مع إسرائيل، وإنهاء النزاعات الحدودية مع كل من سوريا وقبرص، بما يتيح للبنان الاستفادة من ثرواته البحرية. وتضيف الشرق الأوسط أن هذه التحركات ما كان لها أن تنشط لولا تلازم عاملين: ضغوط دولية تتمثل بالخشية من انزلاق لبنان إلى القائمة السوداء في تصنيف مجموعة العمل المالي (FATF)، وما يعنيه ذلك من عزلة خانقة؛ وإغراءات في المقابل تقوم على وعود بانفتاح عربي ودولي، وتدفق استثمارات، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، إضافة إلى رفع التصنيف المصرفي من 'الرمادية' إلى 'البيضاء'. الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام حدّدت ستة ملفات أساسية ضمن أولوياتها، وفق ما أكد الرئيس جوزيف عون، أبرزها: وقف العدوان الإسرائيلي، انسحاب إسرائيل إلى ما وراء الحدود، الإفراج عن الأسرى، بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي، جمع سلاح جميع القوى المسلحة بما فيها 'حزب الله' وتسليمه للجيش، وتأمين تمويل طويل الأمد للمؤسسة العسكرية. كما تشمل الأولويات مؤتمرًا دوليًا لإعادة الإعمار، ترسيم الحدود مع سوريا، حل قضية النزوح السوري، ومكافحة التهريب والمخدرات. وفي موازاة البعد الأمني والسيادي، شددت السلطات على أن مكافحة الفساد هي البوابة الإلزامية لاستعادة الثقة، بدءًا من استقلالية القضاء، إذ سُجّلت توقيفات لوزراء ومسؤولين إداريين ومصرفيين بارزين، بينها ملف رئيس مجلس إدارة 'كازينو لبنان'. كما طالت الإصلاحات إقرار هيئات ناظمة لقطاعات حيوية كـ'الطيران المدني' و'زراعة القنب'، على أن تمتد إلى الاتصالات والكهرباء والنفط. وتشير الشرق الأوسط إلى أن الإصلاحات لم تغفل الملفات المالية الحساسة، إذ أعلن حاكم مصرف لبنان كريم سُعيد عن مشاورات في واشنطن مع وزارة الخزانة الأميركية حول ملف مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، في محاولة لإزالة لبنان من 'اللائحة الرمادية'. وفي هذا السياق، اتخذ المصرف المركزي خطوات صارمة لحظر التعامل مع مؤسسات مالية وجمعيات مرتبطة بـ'حزب الله'، مثل 'القرض الحسن'، بالتوازي مع اتفاقيات تعاون مع شركات دولية لتعزيز الرقابة ومكافحة الجرائم المالية. ومع ذلك، حذّر مسؤول مالي تحدث إلى الصحيفة من أن هذه الإجراءات، رغم أهميتها، لا تزال غير كافية لضمان اعتراف دولي شامل بسلامة الوضع المالي، لكنها تشكل أساسًا للمرحلة المقبلة وتمنع انزلاق لبنان إلى الأسوأ. وترى مصادر معنية أن نجاح لبنان في هذا 'الامتحان' يتوقف على مدى التزامه بالمسار الإصلاحي حتى النهاية، خصوصًا في الملفات الأكثر إشكالية، كـ'حصرية السلاح' والشفافية المالية، بما يحدد ما إذا كان سيتحول مجددًا إلى وجهة آمنة للاستثمار، أو سيبقى عالقًا في دائرة العزلة والضغوط.

المركزية
منذ يوم واحد
- المركزية
كواليس القوة.. كيف يتعامل ترامب وبوتين وجها لوجه؟
تجذب القمة المرتقبة، الجمعة، في ألاسكا، بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، أنظار العالم، وقد سبق أن ألتقى الزعيمان، ولكل منهما أسلوبه في الاجتماعات الخاصة. وذكرت شبكة "بي بي سي" أن أول لقاء بين ترامب وبوتين كان في يوليو عام 2017، خلال قمة مجموعة العشرين في ألمانيا، وجاء ذلك اللقاء بعد أشهر فقط من دخول ترامب للبيت الأبيض. وتبادل الزعيمان كلمات دافئة ومصافحة رسمية أمام أنظار العالم، في ذلك اليوم. والتقى ترامب ببوتين وجها لوجه، مرة أخرى في سنة 2017، في المنتدى الاقتصادي في فيتنام، وتم تصويرهما وهما يتحدثان بين القادة العالميين الآخرين. كما التقى الزعيمان في هلسنكي بفنلندا في يوليو 2018 لإجراء محادثات مغلقة، واختتمت هذه المحادثات بإهداء بوتين لترامب كرة قدم من كأس العالم للرجال، التي استضافتها روسيا في ذلك العام. وجمعت قمة العشرين في الأرجنتين في نوفمبر 2018، الزعيمين مرة أخرى، وكانت قمة العشرين في اليابان يونيو 2019، آخر لقاء بين ترامب وبوتين. أسلوب الزعيمين وفقا لمسؤولين سابقين تعاملوا مع أحد الزعيمين أو كليهما، فإن الرجلين يتبعان أسلوبا مختلفا في الاجتماعات الخاصة. ويدرك ترامب قدرة بوتين على السيطرة على المحادثات بخطابات طويلة وسريعة النطق تمنح المتحدث معه فرصا قليلة للرد، بحسب دبلوماسيين وصفوا أسلوب الزعيم الروسي لشبكة "بي بي سي". قال لوري بريستو، السفير البريطاني في روسيا من 2016 إلى 2020: "كل شيء في جميع اللقاءات مع بوتين يتعلق بالسلطة. من يتحكم في التوقيت، والمحتوى، والأجندة، والنبرة، النقطة هي أنك لا تعرف أبدا ما الذي ستحصل عليه". وأشار السفير السابق في روسيا إلى أن المترجمين يجدون صعوبة في مواكبة حديثه، لذلك حرص ترامب على اصطحاب مترجم خاص به. وقالت فيونا هيل، المساعدة السابقة لترامب، في مقابلة مع صحيفة "تلغراف"، إن "بوتين يسخر من ترامب باستخدام اللغة الروسية بطريقة يمكن أن تكون ساخرة وتهكمية للغاية، وهذا يضيع تماما في الترجمة". وأوضح السفير البريطاني السابق في روسيا توني برينتون أن بوتين لم يكن أبدا شخصية عفوية، وأضاف: "كرة القدم، الابتسامات، النكات، هذا النوع من الأشياء.. ليس بطبيعته شخصا ودودا، لكنه يعمل على ذلك عندما يعتقد أنه مهم للعلاقة". من جهته قال جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق لترامب، أن هذا الأخير يتبع أسلوب المؤتمرات الصحفية العامة في الاجتماعات الخاصة. وبين أنه: "لا يستعد لها حقا، إنه لا يعتقد أنه بحاجة إلى ذلك، لا يعتقد أنه بحاجة إلى المعلومات الأساسية. أنا متأكد من أنهم يعدون مواد إحاطة كما فعلنا دائما، وهو لن يقرأها". وأشار بولتون إلى أن بوتين، الذي تلقى تدريبا في جهاز المخابرات السوفيتي، سيستخدم مهاراته لمحاولة التلاعب بترامب، وقال: "لقد فعل ذلك من قبل وسيفعله مرة أخرى".