logo
رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية لـ"النهار": صمّمنا برنامجاً لاستقطاب علماء أميركيين من أصول لبنانية

رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية لـ"النهار": صمّمنا برنامجاً لاستقطاب علماء أميركيين من أصول لبنانية

النهارمنذ 2 أيام

منذ وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تشهد الجامعات الأميركية مجموعة من السياسات والقيود التي أثرت سلباً في قدرتها على استقطاب الطلبة والباحثين الدوليين، ما فاقم ظاهرة "هجرة العقول". تمثلت القيود الجديدة في تشديد إجراءات الحصول على التأشيرات، والحد من برامج الهجرة الخاصّة بالطلاب والعلماء، إضافة إلى الخطاب السياسي المتوتر الذي أثار المخاوف بين الأكاديميين الأجانب.
أدت هذه الإجراءات إلى تراجع جاذبية الولايات المتحدة كمركز عالمي للتعليم العالي والبحث العلمي، ودفعت العديد من العقول المتميزة إلى التوجه نحو دول أخرى توفر بيئة أكثر ترحيباً واستقراراً.
عرضت "النهار" جوانب مختلفة من هذه المسألة في لقاء عن بعد مع الدكتور شوقي عبدالله، رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية، فشدّد على ضرورة إيلاء الجامعة الوطنية الاهتمام اللازم، وكشف عن تصميم الجامعة اللبنانية الأميركية برنامجاً خاصاً لاستقطاب الباحثين والأكاديميين الذين يغادرون الولايات المتحدة، وتمنى أخيراً ألا تستمر هذه الحال، لأنها لا تصب في صالح العالم أجمع.
في ما يأتي تفاصيل الحوار.
هل نحن أمام موجة غير مسبوقة من هجرة العقول العكسية؟
نعم، أكيد. ولست الوحيد من يقول ذلك. بحسب إحصاء أجرته مجلة "نايتشر"، 75 في المئة من الأكاديميين الذين سألوهم إن كانوا يريدون مغادرة الولايات المتحدة قالوا نعم. هناك علماء كثيرون يتركون أميركا. ويمكن أن تتحول هذه الهجرة من مشكلة إلى فرصة، بحسب من يستفيد منها. أوروبا تعمل لاستقطاب العديد من هؤلاء، وكندا، والصين، والدول العربية، ودول الخليج. حتى نحن، نبحث إن كان ثمة مجال لاستقطاب باحثين وأكاديميين، وما يساعدنا أنه يبدو أن الأحوال في لبنان تميل نحو التحسن. لبنان بلد صغير، لكن ثمة دول أخرى كبيرة لا يريد مسؤولوها أن يستعيدوا علماء هاجروا إلى أميركا فحسب، إنما يريدون استقطاب باحثين من جنسيات مختلفة. إنها فرصة بالتأكيد.
ما دور الجماعات الأميركية في الاحتفاظ بهذه الكفاءات؟
مشكلة الجامعات في أميركا أنها لا تستطيع فعل الكثير في هذه المسألة. حين كنت في جامعة "جورجيا تك" (Georgia Tech)، كان يصلنا 1,5 مليار دولار دعماً للأبحاث. وكان 1,3 مليار منها يأتي من قطاعات الدولة، وليس من الشركات الخاصة. اليوم، توقف جزء من هذا الدعم، وربما يكون جزء آخر معرضاً للتوقف، وهذه مشكلة كبيرة. فالشركات الخاصة لا تستطيع تعويض هذه المبالغ. الأبحاث تحتاج إلى تمويل طويل المدى، والدولة تستطيع أن تؤمن ذلك، بينما تريد الشركات نتائج فورية أو بعد ستة أشهر أو بعد سنة. ومبلغ التمويل كبير جداً، أكثر من 100 مليار دولار في كل عام، يأتي طبعاً من الدولة. تمويل جامعة هارفرد يقدر بنحو 9 مليارات دولار، وقد توقف جزء منه كما تعلمون. وتمويل جامعة كولومبيا الذي يقدر بنحو 400 مليون دولار، كما جاء في تقرير نشرته "نيويورك تايمز". لذلك لجأت الجامعتان إلى القضاء المختص في الولايات المتحدة، وبالامكان استعادة التمويل، لكن الضرر وقع، وساد شعور بعدم الأمان، إذ فقد الباحثون الثقة باستقرار التمويل الفيديرالي. إلى ذلك، الحكومة بيدها قوة القانون. إن لم يمنحوا شخصاً تأشيرة دخول، أو قالوا لآخر إنه لا يستطيع البقاء، فلا يمكن للجامعات أن تسأل عن السبب. يمكن للجامعات أن تتعاون، أن تتعاضد. ليس بمقدور الجامعات الأميركية أن تقول لا أريد تمويلاً من الدولة، فإن لم تحصل على هذا التمويل، لا تستطيع التعاقد مع الأساتذة والباحثين، ولا توفير منح للتلاميذ.
هل يعود الباحثون من أصول غير أميركية إلى أوطانهم الأصلية؟
كل ذلك مرهون بجواب السؤال: أين؟. في الصين مثلاً، يحاولون استقطاب باحثين من جنسيات مختلفة، وليس من يتحدرون من أصول صينية فحسب. ثمة دول أخرى تقدم تسهيلات. لا تملك الدول العربية رصيداً كبيراً من الباحثين الموجودين في أميركا لاستعادتهم. لكن هذه الدول تستطيع استقدام باحثين أوروبيين أو لبنانيين أو صينيين، أو من الهند، من كل بلدان العالم. هناك باحثون لبنانيون كثيرون في أميركا، ونبحث في إمكانية استقطابهم، لأن ما زال ثمة صلات تربطهم بلبنان. وهناك حالات خاصة ندرسها. الجامعات في لبنان مقيدة لأن القوانين لاتزال قديمة.علؤ سبيل المثال ، إذا قدم شخص ما أو شركة ما منحة مالية لأي جامعة في أميركا، فإنها تُحسم من الضرائب المستحقة. هذا غير متاح في لبنان. هذا أمر مفيد للطرفين، للمانح وللجامعة. لا شكّ في أن الأحوال تتحسّن في لبنان، وكثيرون يريدون العودة إلى الوطن، لكن إذا كان الباحث اللبناني في منتصف مسيرته المهنية، لا في أولها ولا في آخرها، فسيكون رب عائلة، عليه مسؤوليات، يريد أن يكمل مسيرته، ويريد أن يتممّ أبحاثه، لكن هذا صعب من دون تأمينات. يمكننا استعادة بعض هؤلاء اللبنانيين، وإلا سيذهبون إلى الصين، أو إلى بلدان أخرى. في الجامعة اللبنانية الأميركية، صممنا برنامجاً لاستقطاب الباحثين سوف نعرضه قريباً على مجلس أمناء الجامعة كي نطلقه.
ماذا عن الجامعات اللبنانية الأخرى؟
إمكانات الجامعة اللبنانية أقل، طبعاً. لكن الحل يكمن في أن تتعاون الجامعة اللبنانية معنا أو مع أي جامعة خاصة أخرى، لاستقطاب باحثين وأكاديميين يعملون في الجامعتين معاً. إلى ذلك، هناك متمولون كثر في لبنان، وهناك شركات خاصة كثيرة مهتمة. إن استثمار مليون دولار في الخارج يردّ 40 ألف دولار سنوياً. استثمار 5 ملايين دولار أميركي يردّ 200 ألفاً دولار أميركي. هذا المبلغ يكفي لاستقدام باحثين اثنين لمصلحة الجامعة اللبنانية. لكن المشكلة أنك لا تستطيع أن تدفع 100 ألف دولار سنوياً لباحث مُستقدم، بينما تدفع 10 أو 15 أو 20 ألف دولار سنوياً لباحث لبناني مقيم. في رأيي، تعزيز قدرات الجامعة اللبنانية أمر أساسي وأولوية، ففيها 75 ألف تلميذ أو أكثر. إذا صارت جامعة عالمية مثلما يجب أن تكون، وإذا زادت قدراتها المادية واستقطبت الكفاءات العلمية، هناك كثيرون يفضلون أن يرسلوا أولادهم إليها، بدلاً من إرسالهم إلى الخارج. ويجب تقوية العلاقات بين الجامعة اللبنانية والجامعات الأخرى. ويجب أن نفكر في توسيع سوق العمل ليجد الخريجون عملاً بعد تخرجهم. تحدثت مع رئيس الجامعة اللبنانية، وتحدثت مع رؤساء الجامعات الأخرى في لبنان، كي نبذل جهداً جماعياً. ففي جامعات لبنان كلها، مسجَّل 160 ألف تلميذ تقريباً. في أميركا، 18 مليون تلميذ مسجلون في الجامعات.
أتتوقع مزيداً من التصاعد في نزيف العقول الأميركي؟
نعم. والمشكلة لا تكمن في ما يحدث الآن فحسب، إنما فقدان اليقين بالمستقبل والتوجه للمجهول . حذرنا من هذا الأمر في أكثر من دراسة. لما يجري الآن مفاعيل طويلة الأمد. يجب أن تبقى الولايات المتحدة بلداً مفتوحاً، وأن تستمر في تعليم طلابها. لماذا تذهب الناس إلى أميركا؟ ليس لأنها تمنحهم فقط فرصاً أكثر ، بل لأن ثمة فراغاً بحثياً هناك. الاقتصاد قوي، فيتخرج الأميركي وينخرط تواً في سوق العمل. لا يكمل مسيرته الدراسية في الماجستير والدكتوراه. قلة فقط تستمر في هذا المسار. أغلبية من يكملون الدراسات العليا في الهندسة أو علوم الكمبيوتر في أميركا اليوم هم من الأجانب. وتوقف التمويل يعني خروج 60 في المئة من طلبة الدراسات العليا أو خريجي الدراسات العليا من أميركا، لإكمال تعليمهم، أو العمل في دول الخليج، حيث يبنون مراكز أبحاث خاصة بهم.
هل تكون الصين وجهة فعلية للخارجين من أميركا وفيها قيود أكثر على الحريات؟
قسم كبير من القادمين من الصين في أميركا من طلاب و غيرهم يعود إلى الصين. لكن ثمة أميركيين أيضاً، ومن غير الأميركيين، مستعدون للذهاب إلى الصين، وحجتهم إكمال مسيرتهم العلمية. بطبيعة الحال، ليست الصين الخيار الأفضل، لكن اليوم، الأمور معقدة قليلاً في أميركا، فيما تقول الصين للباحثين: تعالوا واعملوا على ابحاثكم، لكن لا تتحدثوا في السياسة. وكثير من الباحثين والعلماء لا يميلون إلى السياسة، فهم منشغلون بأبحاثهم العلمية، وبالنتائج المنتظرة منها. بالتأكيد، حرية التفكير والتعبير ضرورية، لأنها تساعد الباحث في عمله، إذ يستطيع أن يطرح الأسئلة التي يريد طرحها. في المقابل، الصين كبيرة، والمجال فيها واسع.
هل الدول العربية قادرة على استقطاب هؤلاء العلماء؟
إنهم يبنون مراكز أبحاث. ماذا يريد العلماء؟ يريدون مختبرات وأدوات متطورة، ويريدون اخصائيين يعملون معهم. الدول العربية تبني الآن الفضاء العلمي، بالاتفاق مع شركات عالمية. وهم الآن يجمعون الكفاءات الضرورية (critical mass) لتشغيل هذا الفضاء العلمي. الدول العربية اليوم لديها الخطط وتقدم التسهيلات. لا أقول إنها ستنجح أو لن تنجح. ثمة ثلاثة شروط لإنجاز مشروع كبير: أولاً تحديد الهدف، يجب أن يكون ذات تأثير كبير كمكافحة التلوث العالمي أو علاج السرطان، إذ تريد تأثيراً كبيراً يجمع الناس حوله؛ ثانياً الشراكات، مع شركاء في الداخل وآخرين في الخارج؛ وثالثاً القيادة، وعلى من يقود أن يعرف أن هكذا المشروع قد يدوم 20 أو 30 أو 40 عاماً.
على المدى الطويل، إن استمر هذا النزف العلمي، لن تبقى أميركا مصدراً فعلياً للمعرفة!
أتمنى ألا يستمر هذا الأمر. أميركا قادرة على فعل الكثير ويجب أن تستمر في ذلك. فإن لم تفعلها أميركا، فمن يفعلها؟ فبحجمها وبالاستثمارات التي تملكها والإمكانات المتوافرة لديها، أفادت العالم ككل، من اللقاحات إلى الإنترنت. لقد استثمرت الدولة الأميركية الكثير من المال في هذه المجالات، لكن العالم كله استفاد منها. لكن صار الجميع يفكرون مرتين وثلاث مرات قبل أن يذهبوا إلى أميركا. في رأيي، الأفضل أن تنسج أميركا علاقات مع دول أخرى. ربما اقترب اقتصاد الصين من اقتصاد أميركا، لكن هناك ديناميكية مختلفة في أميركا. الاختراعات التي تظهر الآن هي نتاج استثمارات رصدتها الدولة منذ 20 و30 و50 عاماً. فالناس يعتقدون أن "أوبن آي آي" ظهرت واخترعت الذكاء الاصطناعي و"تشات جي بي تي". هذا اعتقاد خاطئ. هذه أشياء نتجت من تراكم عشرات السنين من الخبرات والابحاث.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"هجرة العقول" من أميركا: حين تغادر النخبة العلمية قاطرة الابتكار
"هجرة العقول" من أميركا: حين تغادر النخبة العلمية قاطرة الابتكار

النهار

timeمنذ 34 دقائق

  • النهار

"هجرة العقول" من أميركا: حين تغادر النخبة العلمية قاطرة الابتكار

لم يعد الحديث عن "هجرة العقول" من الولايات المتحدة مجرّد تحذير نظري أو ظاهرة هامشية، بل صار واقعاً ملموساً يعصف بالجامعات ومراكز البحث الأميركية ويهدد موقع البلاد في قلب خريطة الابتكار العلمي العالمي. فبعدما كانت أميركا طوال القرن العشرين وجهة العلماء والمخترعين من العالم بأسره، تشهد اليوم خروجاً عكسياً للنخب العلمية نحو أوروبا وكندا وأوستراليا والصين والخليج مدفوعة بعوامل سياسية واقتصادية وإدارية متراكمة. في قلب هذه الظاهرة، تأتي سياسات إدارة الرئيس ترامب التي اعتُبِرت، وفق تعبير العديد من العلماء، "حرباً على العلم". لقد أُلغِيت آلاف المنح البحثية، وخسرت مؤسسات بارزة مثل مؤسسة العلوم الوطنية والمعاهد الوطنية للصحة مليارات الدولارات من التمويل. وسُجِّلت خفوضات في التمويل بأكثر من 2.5 مليار دولار منذ كانون الثاني (يناير)، وتوقعت مجلة "إيكونوميست" البريطانية أن يخسر أكثر من 80 ألف باحث وظائفهم. ولا يتوقف الأمر عند التمويل، بل يمتد إلى القيود المفروضة على التأشيرات، وترحيل طلاب وباحثين دوليين، والتضييق على حرية البحوث، وصولاً إلى فرض رقابة على مفردات علمية مثل "النوع الاجتماعي" أو "العدالة الصحية". هذا المناخ الطارد لم يمرّ مرور الكرام. تشير بيانات "سبرينغر نايتشر"، وهي مؤسسة بحثية علمية بريطانية ألمانية، إلى ارتفاع بنسبة 32 في المئة في عدد الباحثين المقيمين في الولايات المتحدة الذين قدموا طلبات عمل خارج البلاد خلال الفصل الأول من العام مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024. وفي استطلاع أجرته مجلة "نايتشر" البريطانية على أكثر من ألف و200 باحث في أميركا، قال 75 في المئة من هؤلاء إنهم يفكرون في المغادرة. كذلك تراجعت طلبات الطلاب الأوروبيين لمتابعة دراسات عليا في أميركا بنسبة 50 في المئة، بينما ازدادت طلباتهم المماثلة في جامعات أوروبية وآسيوية. البلدان المنافسة لم تفوّت الفرصة. أطلقت فرنسا مبادرة "ملاذ العلم" بتمويل يصل إلى 15 مليون يورو لاستقطاب علماء أميركيين. وأعلنت الجامعات الكندية عن عشرات الوظائف الجديدة، وتحدثت المفوضية الأوروبية عن دعم إضافي للباحثين "الفارّين". وفي الصين، ارتفعت نسبة عودة علماء الذكاء الاصطناعي الصينيين من الولايات المتحدة بين عامي 2019 و2022 من أربعة في المئة إلى ثمانية في المئة مع تفاقم التوترات التجارية الأميركية- الصينية. حتى أوستراليا والنرويج تناقشان تقديم تسهيلات في منح تأشيرات إلى النخب العلمية الأميركية. لكن الهجرة العلمية ليست دوماً سهلة. وفق مجلة "ساينس" الأميركية، تعاني العديد من الجامعات في أوروبا وكندا من نقص في التمويل، وتواجه صعوبة في استيعاب العدد المتزايد من الباحثين الوافدين. فقد أعلنت جامعة ماكغيل الكندية، مثلاً، عن خفض مقداره 45 مليون دولار كندي من ميزانيتها، وتسريح أكثر من 250 موظفاً. وفي بريطانيا، تُظهِر التقديرات أن ثلاثة أرباع الجامعات قد تصبح خاسرة بحلول عام 2026. أما بلدان الخليج، ولاسيما منها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، فتستطيع أكثر من أي بلدان أخرى أن تستفيد من هجرة العقول من أميركا، عبر استقطاب الكفاءات الأكاديمية والعلمية والتقنية لتعزيز مسار التحوّل إلى اقتصادات معرفية. توفر هذه البلدان بيئة جاذبة من خلال تقديم الإقامات الذهبية والحوافز المالية، ما يمكّنها من تسريع تطوير قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والتعليم العالي. وتبرز صروح علمية بارزة في هذا السياق على غرار جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في السعودية، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في الإمارات، ومؤسسة قطر للتربية والعلوم. وعلى رغم الترحيب العالمي بالكفاءات الأميركية، يلحق هذا النزيف أضراراً مباشرة بالاقتصاد الأميركي. تشير بحوث إلى أن مغادرة العلماء الولايات المتحدة تقلل القدرة التنافسية للبلاد، وتؤدي إلى انخفاض كبير في معدلات الابتكار والإنتاجية، وتقلص عوائد الضرائب، في حين تزيد من الضغط على الموارد العامة. وعلى صعيد الأثر العالمي، يترك انسحاب أميركا من قيادة البحث العلمي فراغاً لا يسهل ملؤه، إذ لا تملك البلدان المستقبلة قدرة تمويل مماثلة لتعويض فجوة مالية تصل إلى 40 مليار دولار. وهكذا يتبين أن ما يجري يتجاوز كونه تحولات في السياسات الجامعية أو أزمة تمويل موقتة. إنه تحول في موقع الولايات المتحدة داخل المنظومة العلمية العالمية، وقد يكون بداية تراجع دورها القيادي في إنتاج المعرفة. وإذا استمر هذا المسار، فسيخسر العلم، وسيخسر الاقتصاد الأميركي، وقد يجد العالم نفسه أمام منظومة علمية أكثر تفتتاً، وأقل قدرة على معالجة التحديات الكبرى.

ترامب يعلن سحب ترشيحه لحليف ماسك لتولي رئاسة "ناسا"
ترامب يعلن سحب ترشيحه لحليف ماسك لتولي رئاسة "ناسا"

النهار

timeمنذ 3 ساعات

  • النهار

ترامب يعلن سحب ترشيحه لحليف ماسك لتولي رئاسة "ناسا"

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب السبت سحب ترشيحه للملياردير جاريد ايزاكمان، الحليف المقرب من إيلون ماسك، لتولي رئاسة وكالة ناسا للفضاء. وكان ترامب قد أعرب في كانون الأول/ ديسمبر الماضي وقبل عودته إلى الرئاسة عن رغبته بأن يكون ايزاكمان، رائد الأعمال وأول رائد فضاء غير محترف يسير في الفضاء، المدير المقبل للناسا. لكن السبت كتب ترامب على منصته "تروث سوشيال" أنه "بعد مراجعة شاملة لارتباطات سابقة، أسحب ترشيح جاريد إيزاكمان لرئاسة وكالة ناسا". وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في وقت سابق السبت ونقلا عن مصادر لم تسمها، أن ترامب سيسحب هذا الترشيح بعدما علم أن ايزاكمان قدم تبرعات لديموقراطيين بارزين. وقال البيت الأبيض في رسالة بريد إلكتروني إلى وكالة "فرانس برس": "من الضروري أن يكون الرئيس القادم لوكالة ناسا متوافقا تماما مع برنامج الرئيس ترامب أميركا أولاً". وأضافت الرسالة: "مدير وكالة ناسا سيساعد في قيادة البشرية إلى الفضاء وتنفيذ مهمة الرئيس ترامب الجريئة المتمثلة في غرس العلم الأميركي على كوكب المريخ". ويبدو أن هذه الخطوة تمثل تجاهلاً للملياردير ايلون ماسك الذي تنحى الجمعة عن منصبه في قيادة وزارة الكفاءة الحكومية. ووفقاً للتقارير، فقد مارس ماسك ضغوطا مباشرة على الرئيس ليتولى ايزاكمان الذي كانت له تعاملات تجارية مهمة مع شركة سبايس اكس، المنصب الأعلى في وكالة ناسا، ما أثار تساؤلات حول احتمال وجود تضارب مصالح. ومع ظهور الخبر، أكد ماسك على منصة "إكس" أنه "من النادر العثور على شخص بهذه الكفاءة وطيبة القلب". وبرز ايزاكمان مؤسس شركة "شيفت 4 للمدفوعات" البالغ 42 عاماً كشخصية رائدة في مجال رحلات الفضاء التجارية من خلال تعاونه البارز مع سبايس إكس. وقد صنع ايزاكمان التاريخ في أيلول / سبتمبر الماضي عندما خرج من مركبة "كرو دراغون" لينظر إلى الأرض من الفضاء وهو يمسك بالهيكل الخارجي للمركبة، في أول عملية سير في الفضاء يقوم بها مدني ورائد فضاء غير محترف.

من واشنطن إلى بيروت: كيف تُغيّر هجرة العقول ملامح التعليم العالمي؟
من واشنطن إلى بيروت: كيف تُغيّر هجرة العقول ملامح التعليم العالمي؟

النهار

timeمنذ 2 أيام

  • النهار

من واشنطن إلى بيروت: كيف تُغيّر هجرة العقول ملامح التعليم العالمي؟

لطالما اعتُبرت الولايات المتحدة الأميركية مركز الثقل العالمي في البحث العلمي والتعليم العالي. شكّلت جامعاتها ومراكز أبحاثها فضاءً جاذباً للعلماء والباحثين من مختلف الجنسيات، مستندة إلى مناخ من الحرية الأكاديمية، والدعم المالي السخي، والبنية التحتية المتطورة. غير أن السنوات الأخيرة كشفت عن تغيرات بنيوية عميقة تُنذر بانحدار تدريجي في هذه المكانة، مع تصاعد موجة "هجرة العقول العكسية"، إذ بدأ كثير من العلماء الأميركيين أو المقيمين فيها بالانتقال إلى دول توفر بيئة أكثر استقراراً ودعماً لمشاريعهم البحثية. في هذا السياق، أجرت "النهار" مقابلة مع الدكتور نزار المهتار، أستاذ مساعد في التربية في جامعة هايكازيان، سلط فيها الضوء على جذور هذه الأزمة وتداعياتها المستقبلية على النظام العالمي لإنتاج المعرفة، مع إضاءة على التشابه المقلق مع ما حدث في لبنان منذ عام 2019، عندما بدأت أزمته الاقتصادية تُفرغ مؤسساته الأكاديمية من الكفاءات. يؤكد الدكتور المهتار أن ما يجري في الولايات المتحدة لا يمثل مجرد حركة طبيعية في سوق المواهب، بل يعكس تراجعاً مقلقاً في ركائز التفوق العلمي الأميركي . فخروج العلماء لا يعود إلى عوامل فردية فقط، بل إلى اختلالات هيكلية تهدد جوهر الأكاديميا، من التمويل إلى التشريعات، مروراً بسياسات الهجرة، وصولاً إلى اختلال التوازن بين البحث والإدارة في المؤسسات التعليمية. من أبرز الأسباب التي يعددها المهتار: التدخل السياسي المتزايد في شؤون الجامعات، والذي أدى إلى تضييق على حرية التعبير والبحث، وخلق مناخ من الرقابة الذاتية في الحرم الأكاديمي. كذلك يشير إلى الانخفاض الحاد في التمويل الفيدرالي، لا سيما لمؤسسات محورية مثل المعاهد الوطنية للصحة (NIH) والمؤسسة الوطنية للعلوم (NSF)، ما نتج عنه تسريح باحثين، وتقليص المشاريع، بل حتى إغلاق أقسام في جامعات مرموقة. ويضيف أن سياسات الهجرة الجديدة لعبت دوراً حاسماً في تقليص جاذبية الولايات المتحدة، حيث يواجه العلماء الدوليون عقبات قانونية متزايدة تهدد استقرارهم المهني والشخصي. أما من الناحية المؤسسية، فقد تحوّلت الجامعات الأميركية إلى أنماط توظيف غير دائمة، تعتمد على التعاقدات قصيرة الأجل، ما قلّل من الأمان الوظيفي وأضعف نوعية الإنتاج العلمي، خاصة في صفوف الأساتذة الشباب الذين يشكلون نواة التجديد الأكاديمي. هذه التحديات الداخلية، بحسب المهتار، فتحت المجال أمام صعود بدائل عالمية. إذ أطلق الاتحاد الأوروبي برامج جذب باحثين بميزانية تزيد عن 566 مليون يورو، واستثمرت كندا أكثر من 22 مليار دولار منذ عام 2016 في تطوير البحث العلمي، بينما أصبحت الصين في طليعة الدول من حيث حجم الإنتاج العلمي، مدعومة بمبادرات استراتيجية مثل "خطة الألف موهبة". هذا التحوّل لا يعكس فقط تغيراً في التموضع البحثي، بل أيضاً في توازن القوى المعرفية على مستوى العالم. المثير للمفارقة، كما يوضح المهتار، أن ما تعانيه الولايات المتحدة اليوم يشبه إلى حد كبير ما شهدته دول نامية مثل لبنان منذ بدايات أزمته في 2019. فبينما كانت أميركا تنظر آنذاك إلى الهجرة الأكاديمية كرافد لقوتها المعرفية، كان لبنان يعيش نزيفاً حاداً في كفاءاته الأكاديمية والطبية، بسبب الانهيار المالي وغياب الاستقرار المؤسسي. واليوم، تتقاطع المسارات بشكل غير متوقع: الولايات المتحدة تخسر ما كانت تستقطبه، ولبنان يجد فرصة ليكون شريكاً في "تدوير العقول" بدلًا من فقدانها نهائياً. يؤكد المهتار أن لبنان، رغم أزماته المالية والسياسية الخانقة، يمكن أن يستثمر في هذه اللحظة العالمية إذا اعتمد نهجاً ذكياً يرتكز على مفهوم 'تدوير العقول'. ويقترح بناء شراكات مع مؤسسات دولية تتيح للباحثين اللبنانيين في الخارج العمل مع جامعاتهم الأم دون الحاجة إلى العودة الكاملة، مع توفير حوافز بحثية ومهنية جذابة لهم. ويشدد على أن أي استراتيجية فاعلة يجب أن تبدأ من الداخل، عبر إصلاح منظومة التعليم العالي، وتحرير الجامعات من التسييس والبيروقراطية، وتوفير بيئة بحثية قائمة على الاستقلالية والشفافية، وتحديث آليات التمويل والدعم. ختاماً، يرى الدكتور المهتار أن ما نشهده اليوم هو تحوّل في خارطة إنتاج وتوزيع المعرفة على المستوى العالمي. هجرة العقول من الولايات المتحدة لم تعد مجرد ظاهرة محلية، بل هي جرس إنذار لنظام تعليمي عالمي يحتاج إلى إعادة هيكلة جذرية. في هذا الإطار، يصبح التعاون الدولي، وتكافؤ الفرص، وبناء بيئة معرفية مرنة وشاملة، من أولويات المرحلة المقبلة لكل من يسعى إلى مستقبل معرفي مستدام.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store