
كارول سماحة... قلبٌ مكسور وصوتٌ لا ينكسر
في كلّ أغنية أدّتها كانت تداوي نفسها (حسابها الرسمي)
قبل أسابيع فقط، وقفت كارول بجرأة على مسرح «كازينو لبنان» تؤدّي الميوزيكال «كلّو مسموح». بدا المشهد حينها استثنائياً بجميع المقاييس. لم يكُن الجمهور يُصفّق لأدائها وحده. علا التصفيق لقوتها الداخلية التي سمحت لها بالنهوض في عزّ الارتماء. صفّقوا لها لأنها جسَّدت بلحظات ما يعجز كثيرون عن ترجمته: أن نُكمل، ولو مشينا على الزجاج! أن نُغني، ولو امتلأت الحنجرة بالملح. أن نرقُص، ولو جرّنا الحزن من ضفافنا إلى الغرق.
في حفلها الأخير، بدا كلّ شيء كأنّه يُعيد تشكيلها من جديد. دخلت المكان بفستان ذهبيّ اللون وابتسامة بنكهة الغصّة، تماماً كمَن يعرف أنه على وشك مواجهة نفسه أمام جمهورٍ يُشبه الحضن الجماعي. الحضور مُكتمل، والمقاعد ممتلئة، والتنظيم دقيق، والصوت الذي لطالما أحبَّه الناس عاد ليرتفع، معلناً قدرة الحياة على الاستمرار.
A post shared by CAROLE SAMAHA كارول سماحة (@carolesamaha)
لم تُخفِ كارول سماحة التأثُّر ولم تتستَّر تماماً على الحزن. أطلَّ أحياناً من نبرة صوتها، من ارتجافة في يدها، ومن تحيّة الانحناء بين أغنية وأخرى. ولكنها عرفت، مثل عادتها، كيف تمنح الألم شكلاً راقصاً، قابلاً لأن يُعاش علناً بلا خجل. هي لم تأتِ لتبكي. أتت لتُقيم احتفالاً بالحياة بعدما اختبرتها على مستوى الخسارة. أرادت القول إنّ الفَقْد لا يُلغينا، والحبّ لا يموت، فهو يعبُر فينا من رحلة إلى أخرى، أحياناً على هيئة أغنية.
أمام المئات... غنَّت كأنها لم تفقد شيئاً (حسابها الرسمي)
في منتصف الحفل، هتف الجمهور لابنتها تالا، كأنه يرسل قبلة صغيرة لطفلة فقدت والدها قبل أن تفهم تماماً معنى الغياب. لا شكّ أنّ كارول سماحة رأت في الهتاف عزاء آخر، عميقاً ومُبكياً، لكنه يعيد ترتيب شيء في الروح. وهكذا، كانت تتنقّل على الخشبة بخليط من كلّ الأحاسيس، تُغنّي بشغف، تُلوّح بيديها، تملأ المكان بالصوت والحركة. كانت كلَّها، ربما كما لم تكُن من قبل. كأنها أرادت مَنْح تلك الليلة كلّ ما تختزنه من حبّ، وكلّ ما حاولت الأيام أن تُطفئه فيها، فاستعادت عبر الغناء ما يُشبه المعنى.
غنَّت للحضور بإرادة الفنانة والناجية (حسابها الرسمي)
غنَّت القديم والجديد، باحتراف لا يتراجع أمام المِحنة. لم تستسهل. لم تتنازل عن الأداء المُتقَن. والأهم، لم تستدرَّ عطف الجمهور، فقابلته بكبرياء المرأة التي تعرف تماماً ماذا يعني أن تقف وحدها بعد أن كانت نصفاً مكتملاً. تلك الليلة أكّدت أنّ كارول سماحة فنانة من وزن يُحتَسب، وزوجة تحوّلت إلى أرملة ومع ذلك لم تُهزَم، وأمٌّ تحتضن طفلتها وحدها، وإنْ كانت محاطة بالآلاف، لكنهما معاً تستمدّان قوة مواصلة الطريق.
كانت تبني جسراً بين الانكسار والتعافي (حسابها الرسمي)
حين نادت الجالسين في الخلف للقدوم إلى الصفوف الأمامية، لم يكن ذلك مجرّد تنظيم عفوي. كان دعوة إلى الوحدة، إلى التلاحُم، وإلى أن يكون الجميع جسداً واحداً يحتفل بالصمود عوض الأسى، وبالاستمرار رغم الانكسار. وحين تماهى صوتها بأصواتهم، واشتدَّ التصفيق، هدأ شيء في داخلها. يعلم الجميع أنّ الشفاء لا يحلّ فجأة؛ فذلك درب طويل، وقد لا يُكتَب له اكتمال. لكنّ شيئاً من القسوة يلين، وشيئاً من الوحشة يتراجع خطوة إلى الوراء.
الحبّ وحده يفعل ذلك. حبُّ الفنّ، وحبُّ الناس، وحبُّ الحياة رغم كلّ شيء. كأنّ الجمهور أراد أن يقول لها بصوت واحد: «يا كارول، نشعُر بكِ ونُغني معكِ، فلستِ وحيدةً على الإطلاق».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 21 دقائق
- الشرق الأوسط
سيزار ناعسي... «زونيغا» على مسرح بعلبك
تحت ظلال ليل البقاع اللبناني، وبين أعمدة معبد باخوس الصامدة لقرون أمام تحوّلات الزمن، تستعدّ بعلبك لتكون خشبةً لأحد أعظم أعمال الأوبرا العالمية: «كارمن» لجورج بيزيه. في هذا الفضاء التاريخي، يقف الصوت اللبناني الشاب سيزار ناعسي، حاملاً معه الشغف والتحدّي، ومُجسّداً شخصية «زونيغا» ضمن العمل الأوبرالي الخالد. سيزار ناعسي ليس غريباً عن دروب العالم. وُلد على عشق الموسيقى، ووجَّه خطواته نحو الأوبرا؛ هذا الفنّ المُركّب الذي لا يرحم، ولا يقبل سوى الأصوات المُتقنة والحضور الراسخ. درس في كندا، وتعمَّق في إيطاليا، حيث لا تزال المسارح تتنفّس ميراث جوزيبي فيردي وجاكومو بوتشيني. هناك، تعلَّم كيف يُصبح الصوت آلةً كاملة، وكيف يُصاغ التعبير من صميم كلّ نغمة. وبعد سنوات من التمرين والغربة، يعود اليوم إلى لبنان، ويقف على أحد أكثر مسارحه مهابة، ضمن إنتاج أوبرالي من الأضخم في تاريخ مهرجانات بعلبك الحديثة. تحتضن بعلبك أحد أعظم أعمال الأوبرا العالمية: «كارمن» لجورج بيزيه (البوستر الرسمي) في ليلتَي 25 و26 يوليو (تموز) الحالي، وبالتزامن مع مرور 150 عاماً على ولادة أوبرا «كارمن»، تستعيد بعلبك حضورها البهيّ، وتؤكد أنها مكان لا تليق به العروض العادية. الفريد منها فقط، ما يليق. إنتاج كبير يحمل توقيع المخرج جورج تقلا، ويقود أوركستراه المايسترو توفيق معتوق. تُضاف إلى ذلك لمسة بصرية للفنان نبيل نحاس، وتصاميم أزياء لربيع كيروز، ورقصات مُصاغة بأنامل ندى كنعو وأنسيلمو زولا، ليغدو العرض احتفالاً بالعمل من جهة، وبالطاقات الإبداعية اللبنانية من جهة أخرى. ولم يكن المؤلّف الفرنسي جورج بيزيه يعلم أنّ عملاً واحداً سيحمله إلى الخلود. رحل باكراً قبل أن تُنصفه القاعات الكبرى، وقبل أن يتسابق العالم على تأدية موسيقاه. حين كتب «كارمن»، لم يتوقَّع أن تُحدِث تلك الغجرية المتمرّدة انقلاباً في تاريخ الأوبرا، ولا أن تُواجَه موسيقاه المُفعمة بالعاطفة والتوتّر بالريبة والنفور. لم يُكمل عامه الـ37؛ وكان قد شهد على استقبال فاتر للعمل الذي سيُصبح لاحقاً أحد أكثر الأعمال الأوبرالية حضوراً وتأثيراً. في هذا المسرح المهيب تُختَبر الأصوات وتُصقَل الخطوات (الشرق الأوسط) كان بيزيه، في عمقه، سابقاً لعصره. منح شخصياته أصواتاً حيَّة، ونفخ في نوتاته ما يُشبه النزيف. وحين عزف العالم موسيقاه بعد رحيله، بدا كأنه عاد من موته ليُطالب بحقّه في الاعتراف، وليُمسك بزمام المكانة التي انتزعتها منه اللامبالاة في حياته القصيرة. وشخصية «زونيغا» التي يؤدّيها سيزار ناعسي، تتخطّى حصرها بدور ضابط عاديّ. فهي اختزال لبنية السلطة الذكورية التي تُحيط بكارمن، وتحاول إخضاعها لسطوتها أو لمنظومة الأمر الواقع. هو الضابط الذي يُراقب ويتربّص، ويتعامل مع كارمن (ماري غوترو) بكونها كائناً قابلاً للسيطرة. ولكن، في لحظة ما، تكشف مواجهته مع «دون خوسيه» (جوليان بير) تصدُّع النظام العسكري أمام زخم الحبّ. في أدائه لهذا الدور، يُدرك سيزار ناعسي أنّ الشخصية تقف عند الحدّ الفاصل بين التسلُّط والانهيار، وأنّ صوته ينبغي ألا يكتفي بتمثيل النفوذ، وإنما أن يُجسّد أيضاً الانكسار والخسارة. في صرح بحجم بعلبك لا مجال للخطأ (الشرق الأوسط) التمارين تجري ليلاً بسبب حرارة النهار، والمسرح الخارجي يفرض استخدام الميكروفونات خلافاً للتقليد الأوبرالي المعتاد. وجرى استقدام مهندس صوت من البرازيل لضمان جودة الأداء والانسجام بين الأوركسترا والمُغنّين. كلّ تفصيل في هذا العرض يُدار بدقّة، يؤكد سيزار ناعسي لـ«الشرق الأوسط»، وكلّ عنصر فيه يُعدّ جزءاً من تجربة بصرية وسمعية تُحاكي المستويات العالمية. A post shared by Baalbeck Int. Festival (@baalbeckfestival) في صرح بحجم بعلبك، لا مجال للخطأ. الوقوف على هذا المسرح امتحان، قبل أن يكون تسجيل مشاركة. وسيزار ناعسي يعرف جيداً ثقل التحدّي، ويحمله بكثير من الوعي رغم حداثة عمره، كأنه يقول من خلال حضوره إنّ الفنان اللبناني، حين يُعطَى المساحة والدعم، قادر على الوقوف بين الكبار، وأن يصبح واحداً منهم أيضاً. حضور «كارمن» في بعلبك، كما يتحدّث عنه سيزار ناعسي، هو إعلان واضح بأنّ لبنان، رغم أسوأ الاحتمالات، لا يزال قادراً على الإنجاب الفنّي والتوهّج الجمالي. ومع كلّ طبقة صوت يُتقنها فنّانوه المجتهدون، وكلّ خطوة يخطونها على المسارح، يعود قليلاً إلى صورته التي نعرف، وإلى صوته الذي يجب أن يبقى حاضراً ومدوّياً. وهذا البلد لا يعرف شيئاً عن غده. ذلك يجعل التفكير بإنتاج أوبرالي بحجم «كارمن» أبعد من مسألة ثقافية. إنه مغامرة ضدّ المجهول. وحدهم مَن يؤمنون بمكانة الجمال يجرؤون على خوض هذه المسارات. ومهرجانات بعلبك بثقلها التاريخي تُثبت أنّ الفنّ قادر على ترميم الإيمان بما هو أسمى، وإعادة رسم صورة هذه الأرض، حين تتشوَّه، بالفعل الحيّ على الخشبة.


مجلة سيدتي
منذ 42 دقائق
- مجلة سيدتي
الخبيرة السعودية في الفنتج ليلى زاهد: القطع في الماضي كانت تُصمَّم لتعيش وتُورَّث
ليلى زاهد ضياء زاهد (27 عاماً)، شابة سعودية، مقيمة في جدة، حيث تمتلك متجراً لبيع التحف وقطع الديكور الفنتج، Baldhead World of Vintage، قصّة جديرة بأن تروى لقرّاء "سيدتي". تتلخص القصّة بالشغف بزمن الستينيات والسبعينيات، الزمن الذي لم تعش فيه، إلا أنها تتابع كل ما يمت إليه من صلة، من أسلوب حياة وفن وموسيقى وأزياء وتصميم وديكور، تراها متحمسة عند المقارنة بين اليوم، والأمس، إلا أن هذا الأمس، هو ما تعشقه من خلال البحوث، والمقتنيات. في حديثي معها، إضافة إلى ملاحظة عمق ثقافتها، بدت لي ليلى المنتمية إلى جيل الألفية، كأنها كائن روائي يتحدث إلى قارئ اليوم عن أحداث ولت، فيما هو يحاول بشتى الطرق أن يقبض عليها. افتتان بحقبة الستينيات من القرن الماضي جئتِ إلى عالم الفنتج من تخصّص لا يمتّ إليه بصلة؛ أخبري القراء عن ذلك؟ صحيح؛ خلفيتي الأكاديمية كانت في هندسة البرمجيات، وكنت دوماً "مدمنة كتب"، كما يُقال، لكن رغم المسار المهني التقليدي، كان هناك شيء آخر يجذبني من بعيد، مُتمثلاً في حقبة الستينيات من القرن الماضي، فقد كنت مفتونة بكل ما فيها، لا سيما ألوانها الجريئة، وتصاميمها، وموسيقاها، وروحها الثورية التي قلبت مفاهيم الموضة، والفن، وحتى نمط الحياة. كانت فترة انفجار إبداعي حقيقي. ومن هنا، بدأت شرارة الفضول: ماذا ضيّعنا من الماضي؟ ما هي الاختراعات، والتصاميم، التي لم تأخذ حقها؟ ومع توسّع بحثي، اكتشفتُ أن الناس من أوائل القرن الماضي (نحو عام 1900)، وحتى أوائل التسعينيات كانوا يعملون بأمانة حقيقية، ويبدعون خارج الصندوق، بدون خوف من الغرابة أو الاختلاف. القطع في الماضي كانت تُصمَّم لتعيش وتُورَّث، لا لتُستهلك بسرعة وتُستبدل مع كل موسم جديد. وهذا ما يجذبني تحديداً إلى الماضي – روح الابتكار الحر والحِرفية الصادقة. في المقابل، نرى كثيراً من التقليد، اليوم، وكأن الجميع يلتفت ليرى ماذا يفعل الآخرون ثمّ "ينسخ مع إضافة لمسة"... تأثيرات والدي وجدي في أحاديث عدة أجريتها مع مهتمين بالتحف الفنتج، لاحظت أن الرابط بهذا العالم يبدأ من الأهل وبيت الطفولة. هل ينطبق ذلك على قصتك؟ كان والدي يصطحبنا منذ صغرنا إلى الأسواق القديمة ومحلات التحف حول العالم، وهو علّمني كيف أقدّر قيمة القطع العتيقة، فأعتقد أن هذا الحس جزء من نشأتي. بالإضافة إلى ذلك، جدي الفنان ضياء عزيز ضياء، رسّام، ونحّات، وموسيقي، وكان يدير مكتب تصميم داخلي لسنوات، أشرف فيه على مشاريع ضخمة في مناطق محتلفة من المملكة العربية السعودية، وتعلمت الكثير من تجاربه ومشاريعه وكتبه السابقة. طفولتي كانت مليئة بالفن النابض بالحياة، ومغذاة بحوارات حول التاريخ، والفن بأنواعه، والاقتصاد، والفلسفة، والاستثمار. أرى أن كل هذه العناصر شكل الأساس، الذي بنيت عليه مشروعي؛ فالفنتج عندي ليس عن الديكور فحسب، بل عن الاستثمار في الجمال والتاريخ، علماً أن قطعاً كثيرة تُعتبر، في الوقت الراهن، أصولاً قابلة لإعادة البيع مستقبلاً، خصوصاً في عصر الإنتاج الجماعي، حيث ستزداد قيمة الكلاسيكيات والقطع النادرة مع الوقت. منزل الطفولة أخبرينا عن قطعة أثاث أو أكسسوار قديمة في منزل الطفولة كانت تعني لك؟ من أكثر القطع التي علقت في ذاكرتي منذ الطفولة، "بوفيه" ضخم بنقوش آسيوية مميزة، مع سطح خشبي غنيّ بالتفاصيل، وإطار مصنوع من الخشب الأسود الثقيل، مزوّد بقطع ذهبية فاخرة، وأبواب زجاجية أمامية مزينة بزخارف آسيوية بيضاء، شفافة تقريباً، وكأنها لوحات مرسومة يدوياً على الزجاج. كانت قطعة فنية بذاتها، وما كان يزيدها جمالاً هو أنها جزء من طقم متكامل: طاولة طعام كبيرة، وكراس خشبية سود أنيقة، مزينة كلها بتفاصيل ذهبية مذهلة، متناغمة تماماً مع البوفيه. المساحة كلها كانت تنطق بالأناقة والذوق العالي، وتركت بصمة عميقة في ذاكرتي عن الجمال الكلاسيكي. كبرتُ وأنا أؤمن أن الأثاث ليس مجرد قطع ذات وظيفة أو شكل، بل لغة تعبير عن الشخصية، والذوق، والزمان. ولهذا، أعتبر كل قطعة فنتج تحمل طاقة خاصة، وقصة تستحق أن تُروى من جديد في منزل مختلف. طريق مغاير عن المجايلين تنتمين إلى جيل منغمس في التكنولوجيا، لكن هواك بالتحف الفنتج غلب على مسارك؛ هل تلاحظين أنك سلكت طريقاً مغايراً عن مجايليك، وحتى عن الزمن الراهن حيث المستقبل محرّك؟ نعم، أشعر أنّي سلكت طريقاً عكسيّاً نوعاً ما. ففي زمن يسير بسرعة نحو المستقبل، استلهمتُ شغفي من الماضي. لكني لا أرى في ذلك تناقضاً، بل على العكس: أستخدم التكنولوجيا كأداة لنقل هذا العالم إلى الجيل الجديد، سواء عبر إنستغرام أو متجري الإلكتروني أو الفعاليات التي أنظمها. وفي عالم يركض وراء الصيحات ويتأثر بسطحية المنظر أحاول خلق ثقافة مختلفة: ثقافة الهوية الشخصية والتفرّد. صار "المميز"، اليوم، هو من يُقلّد، بشكل متقن، لكن أنا أريد الاحتفاء بالذوق المختلف، وبالأفكار التي لا تشبه أحداً. أقول دائماً: كن مختلفاً، كن أنت. قطع خالدة ما الذي يؤهل قطعة ما لحمل صفة "فنتج"؛ هل يرجع الأمر إلى سنوات محددة أو ستايل أو أمور أخرى؟ القاعدة المتعارف عليها هي أن تكون القطعة قديمة بين عشرين إلى مئة سنة، لكن المسألة لا تتصل بالعمر حصراً، فالفنتج يعني أن القطعة تمثّل روح فترة معينة، وفنّها، وأسلوبها، وأن تحمل قيمة تصميمية أو صناعية تميزها عن الإنتاج التجاري السائد اليوم. هناك قطع لم تفقد قيمتها حتى اليوم، مثل: كرسي ايمز Eames Lounge Chair الذي أُطلق في الخمسينيات ولا يزال يُباع بأسعار عالية، أو مثلاً طاولة توليب Tulip Table من إيرو سارينين Eero Saarinen، ومصباح أركو الأرضي Arco Lamp من آشيل كاستيليوني Achille Castiglioni، فهذه القطع تعتبر "فنتج أيقوني"، لأنها لا تزال مرغوبة، وتثبت أن التصميم الذكي المبدع المميز خالد. رفع الوعي بالفنتج يبدو لي أنك من خلال متجرك في جدة، تقومين بدور أكثر من بيع التحف إلى رفع الوعي بهذا العالم؛ حدّثينا عن الإقبال؟ تماماً، فمشروعي لم يكن مجرد افتتاح متجر لبيع الديكور الفنتج، بل مبادرة لخلق ثقافة جديدة. جدير بالذكر أنه حول العالم هناك مجتمعات فنتج متكاملة، وذلك في باريس، وطوكيو، وحتى إسطنبول، حيث متاجر محلية وجمهور وفيّ. أما في السعودية فنفتقد إلى هذا المجتمع أو الجماعة، على الرغم من وجود شغف كبير كامن تحت السطح. بدلاً من افتتاح متجر تقليدي، وجدتُ نفسي أبني مجتمعاً: أوصل إليهم قيمة القطع، أشرح لهم قصتها، وأساعدهم على اختيار قطع مناسبة لأسلوبهم. أحد أهدافي هو نشر الوعي حول قيمة الفنتج وأهميته، والإجابة عن أسئلة، مثل: لماذا بعض التحف سعرها عال، على الرغم من أنها "مستعملة"؟ ولماذا اقتناؤها هو استثمار طويل المدى، لا مجرد ديكور؟ وأضيف أنه من خلال المتجر، Baldhead World of Vintage، لا نبيع فقط، بل نشتري أيضاً القطع النادرة، بعد دراستها، وتقييمها، ثمّ نقوم بإعادة بيعها. الفنتج في جدة من هم المهتمون بالقطع الفنتج في جدة؟ وهل يمكن حصر تواريخها؟ يمتدّ الاهتمام من جيل الشباب المولعين بـ التصميم المستدام والمميز، إلى المصممين والمقتنين المخضرمين. القطع التي أقتنيها ترجع عادة إلى ثلاثينيات القرن الماضي حتى تسعينياته، مع تركيز كبير على فترات الستينيات و السبعينيات لما فيها من جرأة وأناقة. هذه الفترات تمتاز بخطوط تصميمية لافتة، وألوان غير معتادة، ومزج بين الحداثة والفن. متعة البحث من أين تحصلين هذه القطع: من السعودية حصراً أم من العالم؛ وما هي طبيعة هذه القطع؟ حدثينا أكثر عن أسفارك في البحث عن هذه الروائع؟ أبحث دائماً عن القطع المميزة حول العالم؛ من أوروبا، مثل: إيطاليا، وهولندا، وألمانيا، وجورجيا، إلى آسيا، مثل: اليابان، والصين، وتايلند، وسنغافورة، وماليزيا. حتى السوق الأمريكية غنية بقطع مدهشة ونادرة. أبحث في كل مكان؛ الأسواق الشعبية، والمزادات، والمستودعات القديمة، وحتى منازل خاصة. متعة البحث لا توصف، خصوصاً لحظة العثور على قطعة مهملة فيها إمكانيات ضخمة، فأعيد تأهيلها وأجهزها لتعيش قصة جديدة في منزل شخص يقدّرها. نصائح في الديكور هل لديك نصائح لمن تنوي إثراء ديكورات منزلها بهذه القطع؛ هل عليها أن تنظر إلى أمور محددة؟ بكل تأكيد؛ أولاً، لا تفكري أن الفنتج يتعارض مع الطابع العصري، فالعكس تماماً هو الصحيح، والسر في التوازن. إليك بعض النصائح التي أكررها لعملائي: ابدئي بقطعة واحدة مميزة: مثل مرآة بحافة نحاسية، أو طاولة قهوة رخامية، أو إضاءة فنية، واجعليها نقطة تركيز في الغرفة. ادمجي بين الملمس والأسلوب: يضيف الفنتج طابعاً دافئاً، فلا تخافي من مزجه بأثاث عصري بسيط لإحداث توازن بصري. اختاري القطع حسب المساحة: لا تكدّسي، فالقطع الفنتج تحتاج إلى مساحة لـ"تتنفس" وتبرز جمالها. افحصي الخامة والتفاصيل: الخشب الطبيعي، والخياطة اليدوية، والنقوش، وتاريخ الصانع، كلها مؤشرات مهمة لجودة القطعة. فكري استثمارياً: سترتفع قيمة بعض القطع، مع مرور الوقت، خصوصاً إذا كانت من مصمم معروف أو من فترة شهيرة. النصيحة الأهم، هي الآتية: خذي وقتك، ولا تتعجلي. كل قطعة فنتج تختارك كما تختارينها – هناك طاقة خاصة عندما تجدين القطعة التي تشبه ذوقك وتعبر عنك. ___


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
بيروت والبترون تتعانقان في حفل جوزيف عطية
قلب الفنان جوزيف عطية معادلة البداية والنهاية رأساً على عقب في حفله الغنائي ضمن مهرجان «أعياد بيروت». بدايته كانت تُشبه ختام هذا النوع من الأمسيات؛ فبدلاً من أن يكون مشهد وقوف الجمهور والتصفيق الحار في ختام السهرة، شكّل هذا المشهد افتتاحها. وما إن صدح صوته وهو يشق طريقه بين مقاعد الحضور من الخلف، حتى وقف الناس يصرخون باسمه، وبقوا على هذا المنوال للحظات طويلة، معبّرين عن حماسهم للقائه. جوزيف عطية غنّى جديده وقديمه في «أعياد بيروت» (الشرق الأوسط) زحف جمهور عريض بالآلاف من العاصمة ومدينة الفنان الأم، البترون. وعندما توجّه إليهم ملقياً التحية، سألهم عما إذا كانوا يتذكرون أولى أغانيه، وقال: «كنت يومها يافعاً في بداية مشواري، وكان عمري 18 عاماً»، فصرخ الحضور: «لا تروحي»، ليستهلّ بها حفله في مهرجان «أعياد بيروت»، الذي يشارك فيه للسنة الثانية على التوالي. تواصل عطية طيلة الوقت مع جمهوره، مستعيراً من بيروت اسماً له، فكان كلّما رغب في أن يشاركوه أداء أغنية، يتوجه إليهم بالقول: «يللا بيروت». وبالفعل، كان الحضور يشبه العاصمة بنبضه وتفاعله مع عطية، متعطشاً للفرح، ومقاوماً بعمره الفتي، يردد كلمات أغانيه الجديدة والقديمة. وبدا جوزيف عطية سعيداً بلقاء جمهور متنوع تعتز به إدارة المهرجان، الذي تنظمه الشركات الثلاث: «ستار سيستم»، و«غات»، و«تويو تو سي». وعندما سألت «الشرق الأوسط» مجموعة من الحضور عن المدينة التي جاءوا منها، صرخوا بحماس: «مش مبيّن علينا؟ نحن من جبيل والبترون، نلحق بعطية إلى آخر الدنيا لأنه ابن مناطقنا ونحبّه كثيراً». لوّن عطية حفله بأغنيات قديمة بنى عليها شهرته، مثل: «حبيت عيونك»، و«البغددة»، و«تعب الشوق»، وغيرها من ريبرتواره القديم، كما انتقى مجموعة من ألبومه الحديث «فكل مكان». وتفاعل الحضور مع «سلام»، و«جمالا»، و«ألف شخص»، وقدّم للمرة الأولى على المسرح أغنيته الجديدة «ولا ممكن». وفي حين رافقته الفرقة الموسيقية في معظم أغنياته، اختار أن يعزف «دوّر بقلوب الناس» وحده على البيانو، فكانت لحظات رومانسية سطعت خلالها أضواء الهواتف المحمولة التي رفعها الحضور عالياً. كما واكبته فرقة راقصة في أكثر من لوحة غنائية، أضفت على الحفل مشهديّة بصرية جميلة. أغنية «دوّر بقلوب الناس» عزفها عطيّة على البيانو (الشرق الأوسط) تعاطى عطية مع جمهوره أكثر من مرة من خلال النكتة الظريفة وخفة الظل، ومن بينها تلك التي ذكّر فيها بفضيحة حفل «كولدبلاي» في أميركا، والتي نتج عنها استقالة رئيس مجلس إدارة شركة أميركية من منصبه بسبب مقطع فيديو انتشر له وهو يعانق موظفة خلال الحفل. فسأل عطية مازحاً: «هل هناك من رئيس مجلس إدارة بين الحضور؟ هل نوجّه الكاميرات نحو الجمهور أم لا؟». وخصّص عطية في حفله مساحة للفولكلور اللبناني، فقدم مجموعة من أغنيات العتابا والميجانا، واختتمها بـ«عالعين موليتين». وتحلّق الجمهور حول المسرح خلالها يرقص الدبكة اللبنانية، ثم ألحق هذه الوصلة بأغنيته «بوّستك عا خديداتك»، لتشتعل أجواء الحفل حماساً. لم يتعب جمهور عطية طيلة السهرة من الغناء والتفاعل مع أغنياته، وكان في كل مرة يناديهم عطية بـ«يللا بيروت»، فتتفجّر طاقاتهم الشبابية أكثر فأكثر طرباً لصوت فنانهم الأحبّ. وبعد تقديمه «تعب الشوق»، التي أظهرت إمكانيات عطية الصوتية بشكل واضح، وُزِّعت الأعلام اللبنانية على الحضور، في إشارة إلى اقتراب أدائه لأغنية «لبنان رح يرجع والحق ما بموت».