
تمثال الحرية... رمز أميركا "الفرنسي": 10 أسئلة
على إثر التوتر الأوروبي ـ الأميركي الذي تصاعد خلال الأسابيع القليلة الماضية حول الحرب في أوكرانيا، برز "تمثال الحرية"، أحد أضخم وأشهر المعالم السياسية في الولايات المتحدة، كقضية خلاف عندما طالب سياسيون فرنسيون باستعادته من الأميركيين، وكان أبرز المطالبين باستعادته السياسي الفرنسي وعضو البرلمان الأوروبي رافاييل غلاكسمان، إذ أوضح أثناء مطالبته بأن الولايات المتحدة أصبحت في ظل إدارة ترمب الجديدة بعيدة من مبادئ الحرية والديمقراطية، وهي المبادئ التي دفعت باريس إلى إهداء هذا النصب التذكاري.
ورفضت واشنطن الاتهامات الفرنسية وأكدت على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أنها لن تعيد "تمثال الحرية" للفرنسيين الذين يجب عليهم أن يظهروا امتنانهم للتدخل الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية، فلولاه لكانت فرنسا حالياً تتحدث الألمانية كلغة رسمية.
الجدل حول التمثال أعادنا للبحث في رمزيته وتاريخه والأسباب التي دفعت فرنسا إلى تقديمه كهدية للولايات المتحدة خلال النصف الثاني من القرن الـ 19.
1ـ من أين جاءت الفكرة؟
أرادت فرنسا أن تقدم هدية للولايات المتحدة في عيد استقلالها المئوي الأول كتأكيد على التحالف التاريخي والصداقة بين الفرنسيين والأميركيين، فطرحت الفكرة على بارتولدي الذي أخذ في عام 1870 يفكر بتصاميم عدة بدءاً من تجسيد امرأة فلاحة مصرية قديمة وصولاً إلى آلهة الحرية الرومانية، وفي عام 1876 أكمل اليد والشعلة وأرسلهما إلى الولايات المتحدة لتعرضان في المعرض المئوي في فيلادلفيا، وفي عام 1878 انتهى من الرأس والكتفين وعرضهما للمرة الأولى في المعرض العالمي في باريس.
وفي عام 1880 صمم غوستاف إيفل إطاراً داخلياً للتمثال بطول 98 قدماً ووزن 120 طناً، وخلال الأشهر اللاحقة استمر تجميع التمثال في باريس بالتزامن مع تجهيز القاعدة في نيويورك.
وفي الرابع من يوليو (تموز) عام 1884 تم الانتهاء من بنائه، وفي عام 1885 جرى تفكيكه وتعبئته في صندوق لشحنه إلى الولايات المتحدة عبر المحيط الأطلسي، وكاد أن يغرق في عاصفة.
وقد كُشف عن التمثال خلال حفل رسمي في الـ 28 من أكتوبر ( تشرين الأول) 1886 بحضور النحات بارتولدي والرئيس الأميركي جروفر كليفلاند، واتخذ قرار بإضاءة الشعلة كهربائياً.
عام 1884 تم الانتهاء من بنائه، وفي عام 1885 جرى تفكيكه وتعبئته في صندوق لشحنه إلى الولايات المتحدة عبر المحيط الأطلسي (أ ف ب)
2ـ ماذا يمثل؟
الاسم الرسمي للتمثال "الحرية تنير العالم" ويبلغ ارتفاعه 93 متراً ووزنه 450 ألف رطل، ويجسد امرأة ترتدي رداء طويلاً يعلو رأسها تاج وتحمل شعلة في يدها اليمنى، وفي يدها اليسرى كتاب نُقش عليه تاريخ الاستقلال الأميركي باللاتينية "4 يوليو 1776"، وكذلك ترمز الأغلال المكسورة عند قدميها إلى كسر قيد الاستغلال والعبودية والخطوة الأولى نحو الحرية، وهي الحرية التي نالتها الولايات المتحدة باستقلالها، أما أسنة التاج السبع على رأس التمثال فهي رمز للبحار السبعة أو القارات السبع في العالم.
3ـ أين موقعه؟
يبعد التمثال مسافة 600 متر عن مدينة جيرسي بولاية نيوجيرسي و 2.5 كيلومتر إلى الجنوب الغربي من مانهاتن، ويستقر على جزيرة الحرية الواقعة عند مدخل خليج نيويورك والبالغة مساحتها 0.05 كيلومتر مربع، وقد جرى إخلاؤها من السكان ليكون التمثال الساكن الوحيد فيها.
4ـ من بناه؟
صممه وصقله النحات الفرنسي فريديريك بارتولدي في باريس، وعمل على إنجاز هيكله المعدني المهندس غوستاف إيفل الذي صمم لاحقاً برج إيفل، رمز العاصمة الفرنسية اليوم، أما قاعدته فصممها المهندس المعماري الأميركي ريتشارد موريس هانت، وجرى الاعتراف بتصميم وبناء تمثال الحرية في ذلك الوقت باعتباره أحد الإنجازات الهندسية العظيمة خلال القرن الـ 19، وأُشيد به لأنه يجمع في تكوينه بين الفن والتكنولوجيا.
5ـ من المسؤول عنه؟
تملك التمثال حكومة الولايات المتحدة الأميركية وتديره خدمة المتنزهات الوطنية ويشرف على إدارته عدد كبير من الموظفين المحترفين لمرافقة الأعداد الكبيرة من الزوار والسياح من كل أنحاء العالم الذين يرغبون في رؤيته على اعتباره رمزاً عالمياً للحرية والديمقراطية، وكذلك تتبعه مجموعة من المرافق ومنها مركز معلومات الزوار ومعرض دائم عن تاريخه وأهم مراحل بنائه، وجرى تعيينه كنصب تذكاري وطني عام 1924، وفي عام 1984 أُعلن كموقع للتراث العالمي من قبل "يونيسكو".
6ـ ما لون التمثال الحقيقي؟
عندما عرض تمثال الحرية للمرة الأولى عام 1886 ظهر باللون البني اللامع، لكن تفاعل مئات الطبقات من النحاس التي تغطي سطحه الخارجي وهيكله مع الهواء تسببت في تغير لونه إلى الأخضر كنتيجة لظهور طبقة كيماوية يطلق عليها اسم "الزنجار"، والتحول في اللون بدأ مع مرور الزمن، لكن مصادر تذكر أنه أصبح أخضر منذ عام 1906، أي أن التمثال ظل محافظاً على لونه الأصلي لـ 30 عاماً تقريباً.
تفاعل مئات الطبقات من النحاس التي تغطي سطحه الخارجي وهيكله مع الهواء تسببت في تغير لونه إلى الأخضر (أ ف ب)
7ـ هل تعرض للتخريب؟
وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي فقد قام عملاء ألمان خلال الحرب العالمية الأولى وتحديداً في الـ 30 من يوليو عام 1916 بتفجير مليوني طن من الذخائر المخزنة في قطار وسط ساحة سكك حديد بلاك توم، وكان هدفهم وقتها منع وصول تلك الذخائر إلى القوات الإنجليزية، فأسفرت الحادثة عن مقتل أربعة أشخاص بينهم طفل ووصول شظايا التفجير إلى التمثال الذي أصابته بخدوش، وقد تعرض أيضاً على مدى عقود طويلة لتشوهات متعلقة بالتفاعل الجلفاني للمعادن.
8ـ هل جرى ترميمه؟
حافظ التمثال مع مر الزمن على هيئته من دون أي تغيير كبير، وخضع لعمليات ترميم عدة كانت أولاها خلال الذكرى المئوية لافتتاحه عام 1986، فجرى تصحيح التشوهات التي طاولت سطحه الخارجي وأعيد بناء الشعلة الأصلية وهي محفوظة الآن في المتحف الخاصة به، وكانت هناك أيضاً تحديثات دورية للأنظمة الميكانيكية والأمنية الداخلية من أجل سلامة الزوار، فاستبدلت أجزاء من هيكله الداخلي بالفولاذ المقاوم للصدأ وغير القابل للتآكل، وأجريت جميع تلك العمليات والإصلاحات بدقة عالية ولم تؤثر أبداً في الشكل الأصلي للنصب التذكاري.
9ـ كيف تجري حمايته؟
لا توجد منطقة عازلة محيطة بالتمثال لتغطيته أو منع لمسه ويمكن للزوار تسلقه للصعود إلى التاج الذي يعلو رأسه، ولكنه في المقابل يخضع لمراقبة دائمة وثمة برنامج رسمي ومتكامل لهذا الغرض يتضمن مجموعة من الإجراءات والآليات التي تقدم أعلى مستوى ممكن من الحماية لدرء خطر التهديدات المتوقعة، بما في ذلك التلوث والطقس القاسي والأعداد الهائلة من الزوار.
وخلال الاعوام الأخيرة أجرت إدارة المتنزهات الوطنية دراسة شاملة عن سلامة الأرواح وإدارة الطوارئ لهذا النصب الأثري، ونفذت كل التوصيات الصادرة عنها.
أوحى التمثال لدول ومدن عدة بتصاميم مشابهة جاءت في كثير من الأحيان نسخة مطابقة له ولكن بأحجام وألوان مختلفة (ا ف ب)
10ـ هل توجد نسخة أخرى من التمثال؟
مذ أعلن افتتاحه رسمياً في نيويورك، أوحى التمثال لدول ومدن عدة بتصاميم مشابهة جاءت في كثير من الأحيان نسخة مطابقة له ولكن بأحجام وألوان مختلفة، وأشهر النسخ المطابقة عددها خمسة وتوجد جميعها في العاصمة الفرنسية باريس، المكان الذي انطلق منه التمثال الأصلي إلى الولايات المتحدة.
أما أشهر النسخ الباريسية وأكثرها مشاهدة للزوار والسياح فينتصب بارتفاع تسعة أمتار فقط ويطل على نهر السين بمحاذاة برج إيفل تقريباً، وقد جرى نحته لمناسبة الذكرى المئوية للثورة الفرنسية، أما بقية النسخ الباريسية فتوجد في حدائق لوكسمبورغ ومتحف أورسيه وساحة الجنرال مورين ومتحف الفنون والحرف اليدوية، وكذلك توجد نسخ مطابقة للتمثال في بوردو ومدينة أوديبا على خليج طوكيو ومدينة فيزنيس النروجية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الناس نيوز
منذ 43 دقائق
- الناس نيوز
نعمة الطوائف ونقمة الطائفية: في العقد الاجتماعي وقلق الهوية السورية…
ميديا – الناس نيوز :: العربي الجديد – د. محمد خالد الشاكر – لم يشهد التاريخ السوري فرزاً دوغمائياً نكائياً طائفياً أكثر مما يشهده اليوم؛ فلم تعد الطائفية في سورية خطاباً شعبوياً على وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، بقدر ما تحولت إلى حالة مرعبة، أصبحت تتسلّل رويداً رويداً إلى الخطاب السوري، إعلامياً، وثقافياً، وسياسياً. قبل تأصيل ظاهرة تصاعد الخطاب الطائفي بسبب عدم تبلور الهوية السورية، تاريخياً، في إطار عقد اجتماعي يعكس تعدّدية المجتمع؛ لابد من التعريج على أسبابه المباشرة التي ولدت من رحم صراع دموي ومدمّر، فالتحوّلات القسرية التي طرأت على المجتمع السوري خلال سنوات الحرب 2012- 2024، دفعت بالشخصية السورية المذعورة إلى الانكفاء على خصوصيّتها ردّ فعل للواقع المحتدم؛ فتحول المجتمع السوري المسالم والمتآلف إلى خاصرة رخوة من الخوف والانقسام والتشظي طائفياً، وإثنياً، ومذهبياً، وسياسياً، وعسكرياً. وكما تفرض التعدّدية السياسية نفسها ميزة لتعزيز قيم العدالة والحكم الرشيد في مواجهة الاستبداد، تشكل المجتمعات المتعددة طائفياً وإثنياً إحدى ميزات المجتمعات المتحضرة اليوم، وذلك من خلال حوكمة مؤسّساتها، التي تضطلع بصهر الهويات الفرعية في بوتقة الدولة الوطنية، فكلما أحسنت السلطات الحاكمة إدارة التنوّع والاختلاف، نجحت في إدارة التنوّع ونقلته من تعدّدية الصراع إلى تعددية التوازن والتكامل. تواجه المؤسّسة الثقافية السورية اليوم المهمّة الأكثر إلحاحاً في طريق بناء الدولة السورية، وذلك في قدرتها على مواجهة الخطاب الطائفي الشعبوي المنفلت، وانتشال العقلية السورية من إرثها الثقيل المحمّل بعقود من القهر والخوف والموت والاستبداد. لقد أصبحت الطائفية وجبة شهية مادتها الكراهية والتشفي والانتقام، فطفت على السطح مفردات الضد من الوطنية، كتسفيه الاعتقاد والخصوصية الدينية، والحديث عن تاريخية هذه الطائفة، وغموض تلك، ووصف هذه الطائفة بالغلو والكفر؛ يؤازرها سرديات لي عنق التاريخ من خلال الحديث عن علاقة هذه الطائفة بالمحتل الفرنسي، وربط تلك الطائفة بالنظام البائد، والأخرى بإسرائيل، قابله انكفاء على الخصوصية، أدّى إلى تصاعد حمّى الهويات الفرعية؛ وكأن السوريين يتجهزون لمرحلة ملوك الطوائف، في مرحلة أحوج ما يكونون فيها إلى وضع اللبنات الأولى لبناء الدولة السورية، وبلورة هويتها الوطنية الجامعة. يرى جان جاك روسو ( 1712- 1778) 'أن البشر مسالمون بطبيعتهم، لكن القوانين والمؤسّسات هي التي تفسدهم' في إشارة إلى طبيعة العقد الاجتماعي أو الدستور الذي يحكم الأفراد والجماعات، وبالأدق قدرة السلطة والقوانين على إيجاد آلية للالتزامات المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، بوصفها علاقة جدلية تؤدّي، في نهاية المطاف، إلى تحقيق الإرادة العامة، وتحقيق المصلحة الوطنية العليا للبلاد، فلا دولة بدون سيادة، ولا سيادة بدون إرادة عامة مشتركة، ولا إرادة عامة بدون عقد اجتماعي يعكس تطلعات الجميع. أدّت التطورات التاريخية لفكرة الدولة بعد مؤتمر وستفاليا (1648) إلى إنهاء الحروب الدينية في أوروبا، وحل المشكلة الطائفية. كما أدّت التطورات التاريخية لمفهوم الديمقراطية والهزات التي عانتها أوروبا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الانتقال من فكرة الدولة القومية إلى دولة المواطنة حلّاً لإشكاليات الهويات الفرعية وصراعاتها، فأصبح الفرد وبغض النظر عن خصوصيته مواطناً له الحق في أن يكون له وطنٌ، لا يعيش فيه فحسب، وإنما يشارك في بنائه. أسّست فكرة المواطنة لتدوين الحقوق الطبيعية، أو ما يسميها بالمفهوم الإيكولوجي عالم العقائد توماس بيري ( 1914- 2009) بـ 'شريعة الأرض'، أي الحقوق التي تولد مع الإنسان وفي بيئته، ومنها الحقّ في الحياة والوجود، والحقّ في الحرية، والحق في التعبير، والحقّ في الكرامة، والحق في الملكية، بوصفها حقوقاً متأصلة في النفس البشرية وموجودة في مراحل ما قبل الدولة، ومن ثم، لا يحقّ لأية سلطة مصادرتها أو النيْل منها. عرفت سورية أولى إرهاصات تشكيل الهوية الوطنية خلال فترة الحكم العثماني، عندما أسّس بطرس البستاني ( 1819- 1883) صحيفة 'نفير سورية' أول صحيفة وطنية، كما أسّس 'المدرسة الوطنية العليا' التي ضمّت طلاباً من جميع الطوائف. منذ تأسيس الدولة 1920، لم تشهد سورية أي حراك جماهيري يعكس الممارسة الفعلية لديمقراطية قادرة على بلورة هوية سورية نابعة من فكرة سيادة الشعب. ولهذا، لم تعرف سورية حكومة وطنية بشرعية شعبية بالمعنى الدقيق للكلمة؛ فقد كانت غالبية الحكومات السورية نتاج تحالفات كولونيالية. على سبيل المثال، ضمّت الوزارة الأولى بعد إعلان الاستقلال في مارس/ آذار 1920 مجموعتين، هما مجموعتا رضا باشا الركابي الموالي للإنكليز وعلاء الدين الدروبي الموالي للفرنسيين، تزامن ذلك مع تشكيل برلمانات بديمقراطية هشّة، أوصلت المتنفذين، والباشوات، والإقطاعيين، والتجار، وشيوخ العشائر من جميع الطوائف والإثنيات. طوال فترة الاحتلال الفرنسي، استمر استنساخ الأزمة البنيوية للهوية السورية نتاجاً كولونيالياً، فتشكّلت هوية سياسية نخبوية هي الأخرى من تجّار المدن، وكبار ضباط الجيش العثماني السابقين، والإقطاعيين، وشيوخ القبائل، والأشراف، ورجال الدين، والوجهاء، بصفتها تركيبة غير متجانسة هوياتياً بالمعنى الوطني، تجمعها، أفقياً، المصالح وتقاسم السلطة، بينما تغيب، عمودياً، الجماهير السورية؛ في دولةٍ صُممتْ بالأساس بطريقة استعمارية، بحيث يصعب على أية دولة خارجية الانتصار فيها وحدها، كما يصعب على أي طرف سوري الاستئثار بها داخلياً. وهو ما يفسّر بقاءها محكومة بثنائية الانقلابات والاستبداد، كما هشاشتها في مواجهة التحديات الخارجية، بسبب متواليات القضم الجغرافي من أجزائها منذ الاستقلال. مع انقلاب 1970 الذي أسس للمرحلة الأسدية 1970- 2024 جرى من جديد، وبطريقة ما، استنساخ التحالف الكولونيالي ذاته للهوية السورية، بوصف ذلك تركيبة جاهزة للاستئثار بالسلطة، حيث عقدت السلطة في مرحلة الأسد الأب وابنه تحالفاتها مع كبار التجار في تزاوج خبيث بين المال والسلطة، كما أعادت صياغة المشيخة من داخلها على أسس ولائية، وأفرغت العقيدة العسكرية للجيش واستبدلتها بالأجهزة الأمنية؛ فتحوّلت سورية إلى دولة عسكرتارية شمولية، تئن فيها جميع الطوائف والإثنيات تحت وطأة الولاء للسلطة، الذي نقل الهوية السورية من مرحلة القلق إلى الإلغاء، فعاشت سورية حكماً بوليسياً يخفي تحت رماده، جمر الصراعات البينية سياسياً، وطبقياً، ومناطقياً، وطائفياً، وعشائرياً، وهي التصدّعات التي أسّست في مراحل لاحقة لانفجار مجتمعات المخاطر في مارس/ آذار 2011. أدّى تحوّل الثورة السورية إلى صراع طائفي مخيف وبدفع خارجي إلى تصاعد الهويات الفرعية السورية، وبالأخص المذهبية منها، ما دفعها إلى الانكفاء على خصوصيتها حالة طبيعية في النفس البشرية خلال الأزمات. وتصاعدت المسألة الطائفية أكثر مع سقوط النظام، خصوصاً مع رفض آليات إدارة المرحلة الانتقالية، التي رأت فيها باقي الطوائف وبعض الكرد، وكثير من النخب السنية، استئثاراً لسلطة دينية سنّية بعينها، تجافي تطلعات السوريين في التشاركية والمواطنة. وهو الموقف الذي يأخذ بالتزايد بين السوريين يوماً بعد، خصوصاً بين قوى المعارضة من السياسيين والعسكريين والمدنيين المنشقين عن النظام، الذين بدؤوا يشعرون بأنهم فئة غير مرغوب فيها في عقلية الحكم الجديد، ما يضع سورية أمام حالة من اتساع دوائر الانقسام السوري طائفياً، وإثنياً، وسياسياً. يقف السوريون اليوم أمام استحقاقٍ أخير مهم ومفصلي، متمثلاً في الهيئة التشريعية ولجنة صياغة الدستور في مرحلة قلقة وهشّة يقف فيها الجميع أمام خطر وجودي؛ ولحظة تاريخية يجدُر بهم اقتناصها لإعادة صياغة هويتهم السورية من خلال البحث عن مشتركاتهم التاريخية، بدءاً من الأخذ بنعمة التعدّدية في المجتمعات المتحضرة، والتوجه إلى ما هو جامع. فهم عرب من مسيحيين وعلويين ودروز وسنة، وهم مسلمون من كرد وعرب. سورية اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى دستور عصري يؤطّر الهوية السورية، ويصوغ عقدها الاجتماعي في إطار دولة المواطنة، الكفيلة وحدها بإبعاد غول الطائفية الذي يطلّ برأسه على جميع السوريين، وفي أضعف حالاتهم من الجوع، والخوف، والدمار، والانقسام. وهي المهمّة التي تبدأ من ثورة ثقافية بخطاب سوري جامع، يطفئ نار النكايات الطائفية قبل أن يكتوي بها جميع السوريين.


عكاظ
منذ 3 ساعات
- عكاظ
ضلالات الإرهابيين في المنصات
تابعوا عكاظ على تحاول التنظيمات الإرهابية يائسة تصعيد أباطيلها وضلالاتها على منصات التواصل الاجتماعي؛ لتدمير الشعوب والأوطان، فالمتطرفون يحاولون تحقيق مآربهم الخائبة في سعيهم لنشر القتل والتدمير، ويكيفون مواقفهم التدميرية بما يتناسب مع أفكارهم الضيقة في سبيل بث سمومهم بين الناس، وجرهم إلى العنف. أعلن المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف «اعتدال»، رصد تصاعد ملحوظ لدى عدد من التنظيمات الإرهابية في نشر الرسائل النصية عبر إحدى منصات التواصل. وأوضح أن هذه الرسائل شكّلت 90% من النشاط المتطرف خلال ثلاثة أشهر، مقابل تراجع في استخدام الوسائط المرئية والصوتية. وحققت الجهود المشتركة بين المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) ومنصة (تليغرام) في مجال مكافحة المحتوى المتطرف نتائج جديدة، ليصل إجمالي عدد المحتويات المتطرفة التي تمت إزالتها منذ فبراير 2022م، وحتى نهاية الربع الثالث من العام الحالي، 129,634,467 مليون محتوى متطرف، وإغلاق 14,516 قناة متطرفة على المنصة. وتمكنت الفرق المشتركة خلال الربع الثالث من العام الحالي 2024م، من رصد وإزالة النشاط الدعائي لثلاثة تنظيمات إرهابية: (داعش، هيئة تحرير الشام، القاعدة)، بإجمالي وقدره 35,634,916 مليون محتوى متطرف وإغلاق 323 قناة متطرفة، إذ تَصدّرَ تنظيم «داعش» الإرهابي المنشورات المزالة بـ34,602,606 محتويات متطرفة وإغلاق 189 قناة متطرفة، تلاه تنظيم «هيئة تحرير الشام» الإرهابي بإزالة 768,821 محتوى متطرفاً وإغلاق 87 قناة متطرفة، فيما تذيَّلَ تنظيم «القاعدة» الإرهابي قائمة المحتويات المتطرفة المزالة بـ263,489 محتوى متطرفاً وإغلاق 47 قناة متطرفة. ولوحظ ازديادٌ للنشاط الدعائي لدى تنظيم «داعش» الإرهابي، إذ جاءت ذروة ذلك النشاط في الجمعة 13 سبتمبر 2024م، ببثه 1,283,141 مليون محتوى متطرف. يشار إلى أن الشراكة ما بين المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) ومنصة (تليغرام)، قائمة على تعزيز التعاون المشترك وتوسيع التنسيق فيما بينهما حيال الوقاية ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف (PCVE)، من خلال رصد وإزالة المحتويات الدعائية الإرهابية المنشورة باللغة العربية عبر المنصة. اصطياد الغافلين في المنصات كشف الخبير الأمني اللواء متقاعد محمد عبدالرحمن الغامدي، محاولات يائسة وخائبة للتنظيمات الإرهابية في استخدام منصات التواصل الاجتماعي لتجنيد العناصر لخدمة أطماعهم الإرهابية، بعدما سهلت منصات التواصل الاجتماعي الوصول إلى المجتمعات فالانفراد وبالخلوة بالشخص يسهل عملية إقناعه بما يقدم له من خلالها من أفكار ومعتقدات لإسقاطه في حبالتهم، وبالتالي تنفيذ أجندتهم. وأضاف اللواء الغامدي: إن هذه الجماعات تستخدم بعض المنصات لتمرير سمومها، ومن أبرزها التليغرام والرسائل النصية، التي سهلت لهم نشر محتوياتهم ومعتقداتهم، فيقومون بمخاطبة من يستهدفونهم عبر رسائل معينة من خلالها يتم كشف الفرد الفارغ ذهنيّاً ومن له حاجات يريد إشباعها ومطالب يرغب في تحقيقها، ويسعى جاهداً لتشكيل هوية له يتميز بها عن غيره فيسهل تجنيده وتسخيره لتنفيذ أهداف تلك الجماعات المتطرفة. وأضاف الخبير الأمني اللواء محمد الغامدي: شهدت تلك الجماعات، خلال الفترة الماضية، ضعفاً ملحوظاً في نشاطها واستقطاب عناصر جديدة لصفوفها وأنشطتها، التي شهدت سقوطاً كبيراً، فسعت إلى محاولة استقطاب عناصر جديدة لها فكانت منصات التواصل الاجتماعي أفضل موقع لها، إذ يسهل من خلالها الوصول إلى الأتباع بسهولة. ونبّه اللواء الغامدي، من أغفال خطر تلك المنصات في أيدي الأبناء ويجب مراقبتهم والتنبه لأي تغييرات قد تطرأ عليهم في حياتهم من انعزال أو أفكار متطرفة تستدعي التدخل وتدارك مسارهم قبل السقوط في وحل الجماعات أو تنفيذ أجندتهم المتطرفة. متعاطفون ومؤيدون ومنفذون رئيس قسم الإعلام المتخصص بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور عبدالله عبدالمحسن العساف، قال: إن تكوين الخلايا الإرهابية عبر الإنترنت من أكثر الوسائل التي تلجأ إليها المنظمات الإرهابية في تجنيد الشباب، إذ شكّلت هذه الخلايا 70% من بين وسائل استقطاب الشباب وتهيئتهم لقبول أفكار العنف والإرهاب وتبني أدبيات الجماعات الإرهابية، في شبكات التواصل الاجتماعي؛ لأنها تتميز بتنوع الأساليب والوسائل والاتجاهات، إذ تغطي أغلب الميول والثغرات والشبهات الموجودة لدى الشباب ورغباتهم، ثم تنقلهم إلى منظومات عُنفية مباشرة توجههم إلى أساليب الإرهاب فكريّاً وميدانيّاً. وقسم العساف الفاعلين الرئيسيين في العملية الإرهابية، التي تسعى التنظيمات الإرهابية لكسبهم إلى صفوفها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي إلى ثلاث فئات، هي: المتعاطفون، والمؤيدون، والمنفذون. وبين أن شبكة الإنترنت الواسعة أصبحت معسكر تدريب افتراضيّاً للإرهابيين، وتشير التقارير الأمنية إلى أن 90% من الهجمات الإرهابية كانت بوصفات على شبكة الإنترنت. القانون يطال المتعاطفين والمحرضين كشف المحامي والمستشار القانوني ماجد الأحمري، أن نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله نص على عدد من العقوبات الرادعة لكل حالات الإرهاب والتطرف، إذ نصت المادة الـ31 على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 30 سنة ولا تقل عن 10 سنوات، كل من قام بحَمل أي سلاح أو متفجرات تنفيذاً لجريمة إرهابية. والمادة الـ32 نصت على السجن مدة لا تزيد على 25 سنة ولا تقل عن 15 سنة، لكل من أنشأ كياناً إرهابياً أو أداره أو تولى منصباً قياديّاً فيه، فإن كان الفاعل من ضباط القوات العسكرية أو من أفرادها أو كان قد سبق له تلقي تدريبات لدى كيان إرهابي، فلا تقل عقوبة السجن عن 20 سنة ولا تزيد على 30 سنة. وأوضح المحامي الأحمري، أن المادة الـ33 نصت على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 20 سنة ولا تقل عن ثلاث سنوات، كل من انضم إلى كيان إرهابي أو شارك فيه، فإن كان الفاعل من ضباط القوات العسكرية أو من أفرادها، أو كان قد سبق له تلقي تدريبات لدى كيان إرهابي، فلا تقل عقوبة السجن عن 15 سنة ولا تزيد على 30 سنة. وقال المحامي الأحمري: شددت المادة الـ34 على أنه يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ثماني سنوات ولا تقل عن ثلاث سنوات كل من أيّد أي فكر إرهابي، أو دعا له، أو كيان إرهابي، أو جريمة إرهابية أو منهج مرتكبها، أو أفصح عن تعاطفه معه أو سوَّغ فعله أو جريمته، أو روج لها، أو أشاد بها، أو حاز أو أحرز أي محرر أو مطبوع أو تسجيل -بقصد النشر أو الترويج- أيّاً كان نوعه يتضمن تسويغاً أو ترويجاً لفكر إرهابي أو لجريمة إرهابية أو إشادة بذلك. وبين المحامي ماجد الأحمري أن المادة الـ35 نصت على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 25 سنة ولا تقل عن ثماني سنوات، كل من حرض آخر على الانضمام إلى أي كيان إرهابي، أو المشاركة في أنشطته، أو جنّده، أو ساهم في تمويل أي من ذلك، فإن كان قد عمل على منعه من الانسحاب من الكيان، أو استغل لهذا الغرض ما يكون له عليه من ولاية أو سلطة أو مسؤولية أو أي صفة تعليمية أو تدريبية أو توجيهية أو اجتماعية أو إرشادية أو إعلامية، فلا تقل عقوبة السجن عن 15 سنة. أخبار ذات صلة /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;}


Independent عربية
منذ 7 ساعات
- Independent عربية
هدنة الـ40 عاما كجسر إلى الممكن
منذ أكثر من سبعة عقود، ونحن عالقون في مربع الدم، ندور حول طاولة مفاوضات هشة، ونراوح ما بين "حل الدولتين" الذي شاخ قبل أن يولد، و"الحل البديل" الذي لا يجرؤ أحد على تسميته أو فرضه… وفي ظل حرب غزة المستعرة والانقسام الفلسطيني وتطرف حكومة نتنياهو، تبدو كل الحلول النهائية غير ممكنة أو مؤجلة إلى أجل غير مسمى. ما يمكن التفكير فيه بجدية اليوم هو هدنة طويلة الأمد لمدة 40 عاماً بضمانات أميركية، تجمد فيها الحرب ويجمد فيها أيضاً وهم التسوية السياسية، هدنة لا تنهي الصراع جذرياً، لكنها توقف النزيف وتمنح الأجيال المقبلة فرصة لصياغة واقع جديد أقل توحشاً وأكثر واقعية وتوفر للجميع فرصة النمو والازدهار. ربما تبدو الهدنة الطويلة خيار اليأس من الحلول، لكنها في حقيقتها صيغة للتهدئة العميقة، تشبه إلى حد كبير ما فعله الأوروبيون بعد الحرب العالمية الثانية، حين أدركوا أن الحلول الكبرى مؤجلة، فاختاروا البناء بدلاً من التناحر، والتعاون الاقتصادي بدلاً من ترسيم الحدود… هكذا نشأ الاتحاد الأوروبي، لا من طاولة مفاوضات سلام، بل من مصانع الحديد والفحم. في الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية الراهنة، فإن فكرة الدولتين لم تعُد ممكنة، إذ تنهش المستوطنات الضفة الغربية ويُخنق قطاع غزة تحت الحصار، وحقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تريد دولة فلسطينية ولا تعترف بحق العودة ولا ترى في الفلسطيني إلا رقماً أمنياً قابلاً للمراقبة أو الترحيل أو القتل… والفلسطينيون، على رغم انقساماتهم، لم يتنازلوا عن أحلامهم ولم ينسوا نكبتهم، إذاً لا تسوية عادلة في الأفق، ولا انتصار نهائي يبدو ممكناً. ولعل ما يمنح هذه الفكرة اليوم بعض الجدية أن الولايات المتحدة تعيش إحدى أقوى لحظاتها السياسية في جرأة الطرح وصلابة الموقف، فواشنطن لم تعُد تكتفي بإدارة الأزمة، بل باتت تمتلك، للمرة الأولى منذ عقود، الأدوات والنية للضغط من أجل حلّ خاص بها، ولو على حساب بعض الحسابات التقليدية، فتبدو أميركا اليوم ضامناً لا يستهان به، وربما لا يتكرر لمبادرات كهذه، فهي تملك ما تمنحه وتملك ما تمنعه لكلا الطرفين… وما بين الترغيب والترهيب، يمكنها أن تخلق لحظة نادرة من التوازن الإجباري الذي لا يفضي إلى تسوية نهائية، لكنه يفرض هدنة واقعية طويلة تنقذ ما بقي من الأمل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وفي ظل هذا الانسداد، تصبح الهدنة الطويلة مشروعاً بديلاً للانتقال من اليأس إلى الحياة… ويمكن ربطها بحزمة ضمانات دولية ومشاريع تنموية مشتركة وفتح المعابر ورفع الحصار وتجميد الاستيطان موقتاً وتأمين الحقوق المدنية والاقتصادية لسكان الأراضي المحتلة، من دون الخوض في متاهة الاعتراف أو النفي، ومن دون الحاجة إلى البحث عن صيغة نهائية للحل. وسواء اعترف بعضهم بذلك أو لا، فإن التسريبات تكشف عن أن حركة "حماس"، على رغم خطابها التصعيدي، تبدي انفتاحاً ضمنياً على أي حلّ يخفف عنها وطأة الحصار، فالانهيار الإنساني في غزة والضغوط الداخلية والعزلة الإقليمية وانكسار، وربما تحييد، المشروع الإيراني، جعلت من الواقعية اضطراراً لا خياراً... وهي تؤمن بأن البراغماتية ليست تهمة، بل أحياناً غريزة بقاء، وهي ما ينقذ الحركات قبل أن يبتلعها الانفجار الداخلي. وهذه الهدنة لن ترضي المتشددين من كلا الطرفين الذين يتغذون على العنف، ويخشون من لحظة تعرّي حقيقة أن هذا الصراع لا نهاية له، إن لم نكسر دائرة الدم… وأن 40 عاماً من الصمت أفضل من 40 يوماً من الجنون.