البحث العلمي من منظور وطني: أزمة رؤية لا أزمة مورد
غير أن واقع البحث العلمي في المؤسسات التعليمية الوطنية يكشف عن فجوة عميقة بين الخطاب والممارسة. إذ يتم تكرار الحديث عن «أهمية البحث العلمي»، لكن دون أن يترجم هذا الاعتراف إلى خطة وطنية حقيقية تُعيد هيكلة العلاقة بين الدولة والمعرفة. في معظم الأحيان، يُترك البحث العلمي لمبادرات فردية داخل الجامعة، أو يُقيّم بآليات محاسبية تنتمي إلى منطق «الإدارة»، لا إلى منطق «النهضة».
المشكلة لا تكمن فقط في محدودية الإمكانات أو ضعف التنسيق، بل في غياب التصور الكلي لمكانة البحث العلمي في البنية السيادية للدولة. لا توجد خريطة وطنية واضحة تُحدد ما الذي يجب البحث فيه ولماذا، ولا كيف تتكامل نتائج البحوث مع السياسات العامة والخطط التنموية. في هذا السياق، يظهر سؤال جوهري: هل يمكن حلّ هذه الإشكالية المؤسسية عبر إنشاء مركز أو صندوق وطني للبحث العلمي؟ أو عبر تأسيس مجالس بحثية وطنية عليا تقود التوجيه والتنسيق؟ وهل هذه الآليات – الإدارية والتنظيمية – تكفي وحدها؟
قد يبدو إنشاء صندوق وطني للبحث العلمي، أو دمج مراكز البحوث في كيان موحد، خطوة مهمة نحو ضبط الإنفاق، وتحسين كفاءة التمويل، وربط البحوث باحتياجات الدولة. وكذلك قد يبدو تشكيل مجلس وطني أعلى للبحث العلمي خيارًا ضروريًا لتنسيق الجهود، وتحديد الأولويات، وضمان المساءلة. لكن الخطر يكمن في اعتبار هذه الحلول كافية بحد ذاتها، دون أن تُرافقها إعادة بناء فلسفة الإنتاج المعرفي، وإعادة الاعتبار لوظيفة البحث العلمي بوصفه أحد أدوات صناعة القرار وليس مجرد نشاط ملحق بالتعليم العالي.
إن أي بنية مؤسسية – مهما بلغت من الرشاقة التنظيمية – ستظل عاجزة إذا لم ترتكز على رؤية وطنية متكاملة، تُحوّل البحث العلمي من عملية منفصلة إلى مكون جوهري في مشروع الدولة. فالمجالس والصناديق والمراكز لن تكون أكثر من هياكل رمزية إذا استمرت في العمل بمعزل عن السياسات العامة، أو إذا بقيت العلاقة بينها وبين الجامعات قائمة على التلقي لا الشراكة.
الربط بين المعرفة والسيادة، بين التعليم وصنع القرار، بين الجامعة والدولة، يجب أن يكون مركز الثقل في أي استراتيجية بحثية وطنية. ويجب أن يتأسس ذلك على إرادة سياسية عليا تعتبر البحث العلمي جزءًا من أمنها القومي الطويل المدى، لا مجرد ملف تنموي أو ثقافي.
لذلك، فإن المسألة ليست في «أي نموذج مؤسسي هو الأنسب؟»، بل في ما إذا كنا نمتلك الجرأة الفكرية والإرادة السياسية لنقل البحث العلمي من موقعه الهامشي إلى قلب القرار الوطني. وكل ما دون ذلك، يظل إعادة ترتيب للهوامش، لا إصلاحًا للجذر.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Amman Xchange
منذ 36 دقائق
- Amman Xchange
الاتحاد الأوروبي لتخزين المعادن النادرة لمواجهة أي اضطرابات في الإمدادات
يعتزم الاتحاد الأوروبي تخزين معادن نادرة، في إجراء احترازي لمواجهة أي اضطرابات محتملة في الإمدادات بسبب التوتر الجيوسياسي. حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» السبت، نقلاً عن مسودة وثيقة للمفوضية الأوروبية. وهناك 17 نوعاً من المعادن تُعرف باسم المعادن الأرضية النادرة. معظمها ليس نادراً جداً في الواقع، فهي منتشرة بجميع أنحاء العالم، وإن كانت نادراً ما توجد في رواسب خام كبيرة بما يكفي لاستخراجها بكفاءة. يُطلق عليها «نادرة»؛ لأنه من الصعب جداً فصل بعضها عن بعض. فكسر الروابط الكيميائية التي تربطها في الطبيعة يمكن أن يتطلب أكثر من 100 مرحلة من المعالجة وكميات كبيرة من الأحماض القوية. وتُعدّ الصين مصدراً لنحو 70 في المائة من المعادن الأرضية النادرة في العالم. أما ميانمار وأستراليا والولايات المتحدة فتُعدّ مصادر لمعظم الباقي. ولكن الصين تقوم بالمعالجة الكيميائية لـ90 في المائة من المعادن الأرضية النادرة في العالم؛ فهي تقوم بتكرير جميع خامها الخاص، وكذلك جميع خام ميانمار تقريباً، ونحو نصف إنتاج الولايات المتحدة. وجاء في المسودة أن «الاتحاد الأوروبي يواجه توقعات بمخاطر مزدادة التعقيد والتدهور تتسم بتنامي التوتر الجيوسياسي، ومنه الصراعات، مع آثار مزدادة لتغير المناخ والتدهور البيئي وتهديدات متنوعة وإلكترونية». وأضافت «فاينانشال تايمز» أن الوثيقة حذرت من أن الظروف عالية المخاطر مدفوعة «بنشاط مزداد من ناشطين في مجال القرصنة الإلكترونية ومتسللين إلكترونيين وجماعات ترعاها دول»، دون ذكر أي أسماء أو تفاصيل أخرى. وذكرت الصحيفة أن مسودة الوثيقة، التي من المقرر نشرها خلال أيام مع احتمال إدخال تعديلات عليها، تشير إلى وجود «تفاهم مشترك محدود حول السلع الأساسية اللازمة للاستعداد لمواجهة الأزمات على خلفية توقعات بمخاطر سريعة تطور». وكشفت المفوضية الأوروبية في مارس (آذار) الماضي، عن استراتيجية الاتحاد الأوروبي للتأهب، وحثت الدول الأعضاء على زيادة مخزوناتها من المعادن والتجهيزات الحيوية، وتشجيع مواطنيها على الاحتفاظ بإمدادات أساسية كافية لما لا يقل عن 72 ساعة في حالة الطوارئ. وجرى تصميم هذه الاستراتيجية لإعداد التكتل لمواجهة مخاطر مثل الكوارث الطبيعية والهجمات الإلكترونية والأزمات الجيوسياسية التي منها احتمال وقوع عدوان مسلح على دول الاتحاد الأوروبي. والأربعاء الماضي، أعلنت الولايات المتحدة إطلاق مبادرة معادن حيوية مع أستراليا والهند واليابان، في إطار جهودها لمواجهة الصين. وفي بيان مشترك، صدر الأربعاء عقب محادثات في واشنطن، أعلن وزراء خارجية الدول إطلاق مبادرة «الرباعية للمعادن الأساسية» التي وصفوها بأنها «توسع طموح لشراكتنا لتعزيز الأمن الاقتصادي والمرونة الجماعية من خلال التعاون لتأمين وتنويع سلاسل توريد المعادن الأساسية». وقال الوزراء الأربعة، في بيان مشترك صدر في ختام اجتماعهم، إنهم قرّروا إطلاق مبادرة مشتركة في مجال المعادن النادرة، في إطار «توسعة طموح لشراكتنا... تهدف إلى ضمان أمن وتنويع سلاسل التوريد». ولم يقدّم الوزراء سوى تفاصيل قليلة بشأن هذه المبادرة، لكنّهم أوضحوا أنّ الهدف منها هو تقليل الاعتماد على الصين التي تمتلك احتياطيات غنية من المعادن الاستراتيجية. وتتجلى هيمنة الصين بشكل أكبر في 7 أنواع من المعادن الأرضية النادرة التي أوقفت تصديرها إلى حد كبير منذ أوائل أبريل (نيسان)، وهي: الديسبروسيوم، والغادولينيوم، واللوتيتيوم، والسماريوم، والسكانديوم، والتيربيوم، والإيتريوم. تُستخرج هذه المعادن بشكل شبه حصري في الصين وميانمار، وهي من الأصعب فصلاً كيميائياً. وبالنسبة لمعادن مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، وهي ما تُعرف بالمعادن الأرضية النادرة الثقيلة المستخدمة في المغناطيسات المقاومة للحرارة، تنتج مصافي الصين ما يصل إلى 99.9 في المائة من الإمداد العالمي. وتمتلك الصين بعضاً من أفضل رواسب المعادن الأرضية النادرة الثقيلة في العالم. وتوجد هذه الرواسب في حزام من الخام غني بشكل خاص في وادٍ بالقرب من لونغنان بجنوب وسط الصين، ويمتد غرباً إلى أقصى شمال ميانمار.


الوكيل
منذ 43 دقائق
- الوكيل
البراكين السيبيرية وأكبر انقراض عرفه التاريخ .. القصة...
07:06 ص ⏹ ⏵ تم الوكيل الإخباري- قبل حوالي 252 مليون سنة وقعت أكبر كارثة في تاريخ الأرض، وهي "انقراض العصر البرمي الثلاثي"، الذي قضى على ما يصل إلى 94% من الأنواع البحرية و70% من أنواع الفقاريات البرية. اضافة اعلان ويعتبر العلماء الانفجارات البركانية في سيبيريا المسبب الرئيسي، حيث أطلقت كميات هائلة من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، مما أدى إلى احترار حاد وتحوّل الكوكب إلى "بيت زجاجي جحيمي" استمر لملايين السنين. وافترض مؤلفو الدراسة الجديدة أن الأرض ارتفعت حرارتها بسرعة كبيرة، مما أدى إلى انقراض الغطاء النباتي من خطوط العرض المنخفضة إلى المتوسطة، وخاصة الغابات الاستوائية المطيرة. وبعد الكارثة اختفت الغابات الاستوائية المطيرة ومستنقعات الخث التي كانت تمتص الكربون تقريبًا، وحلّت محلها نباتات بدائية. وأدى هذا إلى إبطاء دورة الكربون، وبقيت غازات الدفيئة لفترة أطول في الغلاف الجوي، مما حافظ على درجات الحرارة القصوى. ولم يبدأ المناخ في العودة تدريجيًا إلى طبيعته إلا بعد حوالي خمسة ملايين سنة، عندما بدأت النباتات في التعافي. واتفق العلماء على أن هذا الحدث نتج عن انبعاثات حادة من غازات الدفيئة، مما أدى إلى احترار الأرض بشكل مكثّف وسريع. لكن ظلّ اللغز قائمًا حول استمرار هذه الظروف الحارة بشكلٍ متطرف لملايين السنين. ويأتي حله من دراسة جديدة نُشرت في مجلة Nature Communications. وكان اندلاع كميات هائلة من الصهارة من منطقة البراكين السيبيرية (Siberian Traps) هو الشرارة التي أشعلت فتيل الانقراض الجماعي في العصر البرمي. وثارت هذه الصهارة في حوض رسوبي غني بالمواد العضوية. وكانت ساخنة بدرجة كافية لإذابة الصخور المحيطة وإطلاق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون في غلاف الأرض الجوي خلال فترة زمنية تعتبر قصيرة بالمقاييس الجيولوجية، ربما تراوحت بين 50,000 و500,000 سنة. يُعتقد أن درجة الحرارة على اليابسة ارتفعت بسرعة كبيرة جدًا، مما حال دون قدرة العديد من أشكال الحياة على التطور والتكيّف. ويتطلب تعافي النظام المناخي من كوارث كهذه فترة تتراوح ما بين 100,000 ومليون سنة. ومع ذلك، فإن هذه الظروف المناخية، حيث تجاوز متوسط درجة الحرارة عند خط الاستواء 34 درجة مئوية (أي أعلى بحوالي 8 درجات مئوية من المستوى الحالي) - استمرت لما يقارب الخمسة ملايين سنة.


أخبارنا
منذ ساعة واحدة
- أخبارنا
م. مهند عباس حدادين : هل سيتم الاستغناء عن نظام الملاحة العالمي GPS؟
أخبارنا : منذ القدم استعمل الإنسان طريقتين للتنقل في البحار وعلى اليابسة وفي الجو لاحقا وهاتين الطريقتين هما البوصلة والخرائط وذلك قبل أن تدخل الأقمار الإصطناعية لتقديم خدمة الملاحة باستخدام GPS خلال القرن الماضي، والتي أصبحت مهمة في حياتنا من خلال الإستخدامات المدنية في التنقل في البحار وفي الجو وعلى اليابسة، وفي الأغراض العسكرية في ايام السلمية أثناء المناورات، وفي أيام الحرب من خلال تحديد الأهداف لكلا الطرفين. إن منظومة GPS رغم فائدتها إلا أن لها مساوئ، فقد سجلت وقائع في حالات الحرب من خلال التشويش على مستخدميها المدنيين والعسكريين، إضافة إلى ضعف الإشارة تحت سطح الأرض في الأنفاق وكذلك تحت سطح المياه لبعض السفن والغواصات، وكذلك يمكن تتبع الأشخاص في أيام الحرب وكذلك الصواريخ التي تطلق ليتم الرجوع عليهم جميعا واستهدافهم. إن ما تفكر به الدول المتقدمة هو إيجاد بديل عن هذا النظام، وبالفعل بدأت منذ سنوات تلك الدول العمل على نظام الملاحة الكمومية Quantum Navigation لتستخدم بدعم من الذكاء الإصطناعي لمساعدة السفن والطائرات والسيارات خصوصا ذاتية القيادة للوصول الى مبتغاها بدون تشويش او ضعف في الإشارة ورصد من قبل أي جهة تتبع المسار، وكذلك بالنسبة للدول المتحاربة فإن هذا النظام يحمي الطائرات والصواريخ من التتبع والتشويش وضعف الإشارة للوصول الى الهدف بدقة تامة. كيف تعمل الملاحة الكمومية؟ باختصار شديد تعتمد بشكل عام على تبريد سحابة من الذرات قريبة من الصفر المطلق، عند درجة الحرارة هذه، تظهر سحابة الذرات تماسكا كميا، مما يعني أن مواقع كل ذرة مرتبطة ببعضها البعض، ويتم استخدام الليزر لتقسيم السحابة إلى تراكب كمي، حيث يتم توجيه السحابة للتوجه إلى مسارين مختلفين في نفس الوقت، ثم يتسبب هذان الفرعان من التراكب في إعادة التركيب، ويتم قياس التداخل الكمومي الناتج. يحدث التداخل بسبب اختلاف في أطوال المسارات التي يسلكها كل فرع (سحابة) من التراكب بسبب تسارع و/أو دوران المستشعر، وهو حساس للغاية، مما يسمح بتسجيل قياسات دقيق، وعندها تكّون بيانات أثناء حركة أداة التنقل بإستخدام خوادم وكمبيوترات كمومية تستخدم qubit بإعطاء قيمة دقيقة لكل حركة ترتبط بالمكان، وهذه لا يقوم بعملها الكمبيوترات العادية ولا حتى الفائقة السرعة التي تستخدم bit بقيمة 0أو 1، وكذلك من خلال اللجوء الى الذكاء الإصطناعي لتعديل المسارات وربطها بقوة الجاذبية الأرضية عند كل نقطة تمر بها وسيلة التنقل من خلال لوغاريثمات رياضية يتم معرفة قيمة كل حركة من خلال قوة الجاذبية عندها تقدمها تلك المجسات، وهذا النموذج سيكون داخل وسيلة التنقل مع كمبيوتر كمومي، يساعدها للوصول الى مبتغاها بإستخدام تلك الحسابات اللوغاريثمية من خلال برامج الذكاء الإصطناعي، فمثلا الغواصة تقوم بمقارنة نتائج مقياس الجاذبية الخاص بها مع البيانات من خريطة الجاذبية لتحديد موقعها تحت سطح البحر. لقد قطعت الصين شوطا كبيرا في الملاحة الكمومية وقامت مؤخرا بعمل تجربة إطلاق صواريخ من سفن حربية دون استخدام GPS أصابت بدقة أهدافها دون أن ترصد تلك السفن. أضافة الى استخدام السيارات ذاتية القيادة للملاحة الكمومية وهو يعرف ب Atonomous Quantum Navigation حيث بدأت بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة والصين والهند بإجراء تجارب ناجحة على ذلك. إن التطور التقني المتسارع في العالم يضع الدول النامية امام تحديات عديدة سواء في الحرب او في السلم، ففي الحرب لن تتمكن تلك الدول من خوض حروبها أذا تم إلغاء نظام GPS ولن تستطيع القيام بتسيير وسائل النقل الخاصة فيها داخل بلادها على أقل تقدير لأن الملاحة الكمومية Quantum Navigation ستحل محل نظام الملاحة . ــ الراي GPS.