
الاتحاد الأوروبي لتخزين المعادن النادرة لمواجهة أي اضطرابات في الإمدادات
وهناك 17 نوعاً من المعادن تُعرف باسم المعادن الأرضية النادرة. معظمها ليس نادراً جداً في الواقع، فهي منتشرة بجميع أنحاء العالم، وإن كانت نادراً ما توجد في رواسب خام كبيرة بما يكفي لاستخراجها بكفاءة.
يُطلق عليها «نادرة»؛ لأنه من الصعب جداً فصل بعضها عن بعض. فكسر الروابط الكيميائية التي تربطها في الطبيعة يمكن أن يتطلب أكثر من 100 مرحلة من المعالجة وكميات كبيرة من الأحماض القوية.
وتُعدّ الصين مصدراً لنحو 70 في المائة من المعادن الأرضية النادرة في العالم. أما ميانمار وأستراليا والولايات المتحدة فتُعدّ مصادر لمعظم الباقي. ولكن الصين تقوم بالمعالجة الكيميائية لـ90 في المائة من المعادن الأرضية النادرة في العالم؛ فهي تقوم بتكرير جميع خامها الخاص، وكذلك جميع خام ميانمار تقريباً، ونحو نصف إنتاج الولايات المتحدة.
وجاء في المسودة أن «الاتحاد الأوروبي يواجه توقعات بمخاطر مزدادة التعقيد والتدهور تتسم بتنامي التوتر الجيوسياسي، ومنه الصراعات، مع آثار مزدادة لتغير المناخ والتدهور البيئي وتهديدات متنوعة وإلكترونية».
وأضافت «فاينانشال تايمز» أن الوثيقة حذرت من أن الظروف عالية المخاطر مدفوعة «بنشاط مزداد من ناشطين في مجال القرصنة الإلكترونية ومتسللين إلكترونيين وجماعات ترعاها دول»، دون ذكر أي أسماء أو تفاصيل أخرى.
وذكرت الصحيفة أن مسودة الوثيقة، التي من المقرر نشرها خلال أيام مع احتمال إدخال تعديلات عليها، تشير إلى وجود «تفاهم مشترك محدود حول السلع الأساسية اللازمة للاستعداد لمواجهة الأزمات على خلفية توقعات بمخاطر سريعة تطور».
وكشفت المفوضية الأوروبية في مارس (آذار) الماضي، عن استراتيجية الاتحاد الأوروبي للتأهب، وحثت الدول الأعضاء على زيادة مخزوناتها من المعادن والتجهيزات الحيوية، وتشجيع مواطنيها على الاحتفاظ بإمدادات أساسية كافية لما لا يقل عن 72 ساعة في حالة الطوارئ.
وجرى تصميم هذه الاستراتيجية لإعداد التكتل لمواجهة مخاطر مثل الكوارث الطبيعية والهجمات الإلكترونية والأزمات الجيوسياسية التي منها احتمال وقوع عدوان مسلح على دول الاتحاد الأوروبي.
والأربعاء الماضي، أعلنت الولايات المتحدة إطلاق مبادرة معادن حيوية مع أستراليا والهند واليابان، في إطار جهودها لمواجهة الصين.
وفي بيان مشترك، صدر الأربعاء عقب محادثات في واشنطن، أعلن وزراء خارجية الدول إطلاق مبادرة «الرباعية للمعادن الأساسية» التي وصفوها بأنها «توسع طموح لشراكتنا لتعزيز الأمن الاقتصادي والمرونة الجماعية من خلال التعاون لتأمين وتنويع سلاسل توريد المعادن الأساسية».
وقال الوزراء الأربعة، في بيان مشترك صدر في ختام اجتماعهم، إنهم قرّروا إطلاق مبادرة مشتركة في مجال المعادن النادرة، في إطار «توسعة طموح لشراكتنا... تهدف إلى ضمان أمن وتنويع سلاسل التوريد».
ولم يقدّم الوزراء سوى تفاصيل قليلة بشأن هذه المبادرة، لكنّهم أوضحوا أنّ الهدف منها هو تقليل الاعتماد على الصين التي تمتلك احتياطيات غنية من المعادن الاستراتيجية.
وتتجلى هيمنة الصين بشكل أكبر في 7 أنواع من المعادن الأرضية النادرة التي أوقفت تصديرها إلى حد كبير منذ أوائل أبريل (نيسان)، وهي: الديسبروسيوم، والغادولينيوم، واللوتيتيوم، والسماريوم، والسكانديوم، والتيربيوم، والإيتريوم.
تُستخرج هذه المعادن بشكل شبه حصري في الصين وميانمار، وهي من الأصعب فصلاً كيميائياً. وبالنسبة لمعادن مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، وهي ما تُعرف بالمعادن الأرضية النادرة الثقيلة المستخدمة في المغناطيسات المقاومة للحرارة، تنتج مصافي الصين ما يصل إلى 99.9 في المائة من الإمداد العالمي.
وتمتلك الصين بعضاً من أفضل رواسب المعادن الأرضية النادرة الثقيلة في العالم. وتوجد هذه الرواسب في حزام من الخام غني بشكل خاص في وادٍ بالقرب من لونغنان بجنوب وسط الصين، ويمتد غرباً إلى أقصى شمال ميانمار.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Amman Xchange
منذ 9 ساعات
- Amman Xchange
الاتحاد الأوروبي لتخزين المعادن النادرة لمواجهة أي اضطرابات في الإمدادات
يعتزم الاتحاد الأوروبي تخزين معادن نادرة، في إجراء احترازي لمواجهة أي اضطرابات محتملة في الإمدادات بسبب التوتر الجيوسياسي. حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» السبت، نقلاً عن مسودة وثيقة للمفوضية الأوروبية. وهناك 17 نوعاً من المعادن تُعرف باسم المعادن الأرضية النادرة. معظمها ليس نادراً جداً في الواقع، فهي منتشرة بجميع أنحاء العالم، وإن كانت نادراً ما توجد في رواسب خام كبيرة بما يكفي لاستخراجها بكفاءة. يُطلق عليها «نادرة»؛ لأنه من الصعب جداً فصل بعضها عن بعض. فكسر الروابط الكيميائية التي تربطها في الطبيعة يمكن أن يتطلب أكثر من 100 مرحلة من المعالجة وكميات كبيرة من الأحماض القوية. وتُعدّ الصين مصدراً لنحو 70 في المائة من المعادن الأرضية النادرة في العالم. أما ميانمار وأستراليا والولايات المتحدة فتُعدّ مصادر لمعظم الباقي. ولكن الصين تقوم بالمعالجة الكيميائية لـ90 في المائة من المعادن الأرضية النادرة في العالم؛ فهي تقوم بتكرير جميع خامها الخاص، وكذلك جميع خام ميانمار تقريباً، ونحو نصف إنتاج الولايات المتحدة. وجاء في المسودة أن «الاتحاد الأوروبي يواجه توقعات بمخاطر مزدادة التعقيد والتدهور تتسم بتنامي التوتر الجيوسياسي، ومنه الصراعات، مع آثار مزدادة لتغير المناخ والتدهور البيئي وتهديدات متنوعة وإلكترونية». وأضافت «فاينانشال تايمز» أن الوثيقة حذرت من أن الظروف عالية المخاطر مدفوعة «بنشاط مزداد من ناشطين في مجال القرصنة الإلكترونية ومتسللين إلكترونيين وجماعات ترعاها دول»، دون ذكر أي أسماء أو تفاصيل أخرى. وذكرت الصحيفة أن مسودة الوثيقة، التي من المقرر نشرها خلال أيام مع احتمال إدخال تعديلات عليها، تشير إلى وجود «تفاهم مشترك محدود حول السلع الأساسية اللازمة للاستعداد لمواجهة الأزمات على خلفية توقعات بمخاطر سريعة تطور». وكشفت المفوضية الأوروبية في مارس (آذار) الماضي، عن استراتيجية الاتحاد الأوروبي للتأهب، وحثت الدول الأعضاء على زيادة مخزوناتها من المعادن والتجهيزات الحيوية، وتشجيع مواطنيها على الاحتفاظ بإمدادات أساسية كافية لما لا يقل عن 72 ساعة في حالة الطوارئ. وجرى تصميم هذه الاستراتيجية لإعداد التكتل لمواجهة مخاطر مثل الكوارث الطبيعية والهجمات الإلكترونية والأزمات الجيوسياسية التي منها احتمال وقوع عدوان مسلح على دول الاتحاد الأوروبي. والأربعاء الماضي، أعلنت الولايات المتحدة إطلاق مبادرة معادن حيوية مع أستراليا والهند واليابان، في إطار جهودها لمواجهة الصين. وفي بيان مشترك، صدر الأربعاء عقب محادثات في واشنطن، أعلن وزراء خارجية الدول إطلاق مبادرة «الرباعية للمعادن الأساسية» التي وصفوها بأنها «توسع طموح لشراكتنا لتعزيز الأمن الاقتصادي والمرونة الجماعية من خلال التعاون لتأمين وتنويع سلاسل توريد المعادن الأساسية». وقال الوزراء الأربعة، في بيان مشترك صدر في ختام اجتماعهم، إنهم قرّروا إطلاق مبادرة مشتركة في مجال المعادن النادرة، في إطار «توسعة طموح لشراكتنا... تهدف إلى ضمان أمن وتنويع سلاسل التوريد». ولم يقدّم الوزراء سوى تفاصيل قليلة بشأن هذه المبادرة، لكنّهم أوضحوا أنّ الهدف منها هو تقليل الاعتماد على الصين التي تمتلك احتياطيات غنية من المعادن الاستراتيجية. وتتجلى هيمنة الصين بشكل أكبر في 7 أنواع من المعادن الأرضية النادرة التي أوقفت تصديرها إلى حد كبير منذ أوائل أبريل (نيسان)، وهي: الديسبروسيوم، والغادولينيوم، واللوتيتيوم، والسماريوم، والسكانديوم، والتيربيوم، والإيتريوم. تُستخرج هذه المعادن بشكل شبه حصري في الصين وميانمار، وهي من الأصعب فصلاً كيميائياً. وبالنسبة لمعادن مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، وهي ما تُعرف بالمعادن الأرضية النادرة الثقيلة المستخدمة في المغناطيسات المقاومة للحرارة، تنتج مصافي الصين ما يصل إلى 99.9 في المائة من الإمداد العالمي. وتمتلك الصين بعضاً من أفضل رواسب المعادن الأرضية النادرة الثقيلة في العالم. وتوجد هذه الرواسب في حزام من الخام غني بشكل خاص في وادٍ بالقرب من لونغنان بجنوب وسط الصين، ويمتد غرباً إلى أقصى شمال ميانمار.


عمان نت
منذ 3 أيام
- عمان نت
جامعة متوسطية من أجل مستقبل مشترك
في عالم يشهد تشرذما وأزمات متزايدة، يظل التعليم الأداة الأقوى التي تسمح بربط الصّلة بين النّاس. بينما يستعد الاتحاد الأوروبي لإطلاق ميثاقه الجديد من أجل المتوسط، نعمل على تنزيل الانسان - وخاصة الشباب – في محور هذا الطّور الجديد من العلاقات الأورومتوسطية إذ لا شيء يوحّد النّاس أكثر ممّا يفعله التعليم الذي سيكتسي نفس الأهميّة التي يكتسيها تعزيز العمل معا في المجالين الاقتصادي والسياسي مثل الطاقات المتجددة والتخفيف من حدة تغير المناخ والاتصال الرقمي والهجرة والأمن. لذلك يدعو الاتحاد الأوروبي لفكرة جريئة تتمثّل في إنشاء جامعة متوسطية في شكل مؤسسة مترابطة من الجامعات والتّحالفات الأكاديمية على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، لتوحيد الطّلبة والباحثين والثقافات من أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لا يتعلّق الأمر بالتّعليم فحسب بل وأيضا ببناء مستقبل مشترك. لطالما كان البحر الأبيض المتوسط بوتقة تنصهر فيها الحضارات وفضاء للتجارة وتبادل المعارف والمصير المشترك. لكنّه في العقود الأخيرة تحوّل إلى مجال للنّزاعات والفرص المهدورة. نريد عكس هذا الاتجاه من خلال الاستثمار في الأشخاص والثقة والمعرفة المشتركة. ستكون الجامعة المتوسطيّة حجر الزاوية، في البعدين الإنساني والثقافي، للميثاق الجديد للمتوسّط ورمزا للشراكة والازدهار والسلام. تستند المبادرة إلى ثلاث ركائز. أولا، سنعمل على تطوير برنامج ايرسموس+ لفائدة شركائنا في جنوب المتوسط. نريد المزيد من الطّلبة والباحثين والأساتذة وأعضاء هيئات التدريس للدّراسة والعمل عبر حدود البحر الأبيض المتوسط. لا يقتصر الأمر على التنقّل بل يمتدّ إلى التكامل الأكاديمي الفعليّ من خلال الشهادات العلميّة والمناهج المشتركة والاعتراف المتبادل بالدّرجات العلميّة في المجالات ذات الاهتمام الاستراتيجي مثل المناخ والتكنولوجيا النظيفة والمهارات الرقمية والاقتصاد الأزرق والحوار بين الثقافات. ثانيا، نريد إنشاء تحالف جامعي يشرف على تنسيق التعاون الأكاديمي واتحادات البحث والتبادل الثقافي. سيكون لهذا التّحالف مركزان - أحدهما في الاتحاد الأوروبي والآخر في جنوب المتوسط - لتبسيط الجهود وتجميع الموارد وتوسيع نطاق النّفاذ. نودّ أن تتدفق الأفكار والمواهب بحرية – ليس من الشمال إلى الجنوب فقط، بل أيضا من الجنوب إلى الشمال وعبر المنطقة. أمّا الرّكيزة الثالثة وأكثرها طموحا، فتتمثّل في وضع أسس للجامعة المتوسطيّة يكون لها أكثر من حرم جامعيّ واحد في مختلف أنحاء فضائنا المتوسطيّ المشترك وسيتم الاعتراف بالدرجات العلمية في الاتحاد الأوروبي وفي الدول الجنوبيّة الشريكة. سيتمكن الطّلبة من قضاء فترات في بلدان مختلفة على امتداد دراستهم لاكتساب وجهات نظر جديدة وبناء شبكات ترافقهم مدى الحياة. لن تكون الجامعة المتوسطيّة في مبنى وحيد بل نظاما بيئيّا للتعاون يكون مفعما بالحياة. لا شكّ أنّ المشروع لن يكون خاليا من التحدّيات. لقد عشت فترات من الزّمن كان من غير المعقول فيها أن أتخيّل وجود معايير مشتركة أو التنقل عبر الحدود للتعلّم. بعد أن نشأت في مجتمع مغلق وعانيت من ويلات الحرب في مسقط رأسي، أصبحت أعرف حقّ المعرفة قيمة السّلام - وكيف يمكن للتّعليم أن يحدث تأثيرا تحويليّا في حياتنا. لذلك فأنا أعتبر هذا المشروع مهمّة شخصية بالنسبة لي. يمكننا، من خلال التعليم، رعاية جيل جديد لا تعرقله الحدود أو الخوف في بحثه بكلّ تصميم على الفرص. لا تقتصر مبادرة الجامعة المتوسطيّة على قاعات الدّراسة والشّهادات العلميّة بل تسعى إلى تحقيق الاندماج والنمو والرؤية المشتركة. لقد حان الوقت لتحقيق هذا الطموح. دعونا نغتنم هذه الفرصة – لا فقط كصنّاع سياسات أو أكاديميين، بل كأشخاص يؤمنون بالقوة الدائمة للتواصل البشري عبر بحرنا المتوسّطي الحبيب. دبروفكا سويكا هي المفوضّة الأوروبيّة المكلّفة بالمتوسّط


Amman Xchange
٢٨-٠٦-٢٠٢٥
- Amman Xchange
السيادة ومفاتيح الدولة في عصر الرقمنة
الغد كتب الكثير مؤخرًا عن السيادة الرقمية، غالبًا تقنيًا ضمن دعوات تنسيقية دون التطرق لجذور المشكلة، أو بأسلوب تعليمي لم يركز على الجانب السياسي الوجودي للمسألة. وجميعها بالتأكيد جهود مقدرة في تسليط الضوء على هذه المسألة الحساسة، ومع ذلك لا يجب قصرها على الأمور التقنية والاقتصادية بل يجب علينا هنا وضع التكنولوجيا في قلب القرار السياسي والوطني، وربطها بالسيادة والسيطرة. إن أي دولة بلا سيادة رقمية في عصرنا الحالي معرضة دائمًا للخطر، مهما كانت رقمية. ففي عصر تتشابك فيه المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية مع البنى الرقمية، لم تعد مسألة السيادة الرقمية خيارًا مؤجلًا. بل أصبحت ضرورة وجودية تفرض نفسها على الدول كما كانت السيادة على الأرض والمياه والحدود في القرن الماضي. فالدولة التي تعتمد بشكل كامل على أنظمة، أو منصات، أو عتاد وبنى تحتية رقمية أجنبية، تسلّم مفاتيح أمنها واستقرارها وقرارها لطرف خارجي، مهما بدا حليفًا. وتتمثل أخطر نتائج غياب السيادة الرقمية في إمكانية التحكم الخارجي بمصير دولة بأكملها عبر التحكم في استدامة خدماتها الأساسية. فأي انقطاع في خدمة سحابية، أو حجب أمني طارئ، أو توقف في تحديث نظام تشغيل قد يشلّ المؤسسات الحكومية والاقتصادية. أضف إلى ذلك خطر تسرب البيانات الوطنية، إما تجسسًا أو استغلالًا تجاريًا أو ضغطًا سياسيًا. أما على المدى الأبعد، فغياب السيادة يمنع الدولة من بناء اقتصاد معرفي مستقل، ويُبقيها رهينة لأنماط إنتاج وأفكار وتحديثات لا تملك أي سلطة عليها. ولقد تنبه البعض مثل الاتحاد الأوروبي، لهذا الخطر مبكرًا. فتبنّى عدة مبادرات لتعزيز سيادته الرقمية، عبر التحول نحو الأنظمة مفتوحة المصدر، وقوننة الذكاء الاصطناعي، ومبادرة (Gaia-X) لبناء بنية تحتية سحابية أوروبية قائمة على مبادئ السيادة الرقمية، وخطة (Chips Act) لتقليل الاعتماد على الرقائق الأميركية والآسيوية. لكن رغم الطموح، يظل التقدم بطيئًا نسبيًا، ويواجه العقبات من قبيل الاعتماد الكبير على التقنية الأميركية، والبيروقراطية التنظيمية. في المقابل، تقدم الصين نموذجًا أكثر جذرية في محاولة الانفكاك التكنولوجي. إذ استثمرت لعقود في تطوير منصاتها ومنتجاتها الرقمية المحلية، من تصنيع عتاد، وأنظمة تشغيل، وتطبيقات، إلى شبكات اتصالات فائقة التطور. لتصبح اليوم من الدول القليلة التي تمتلك منظومة رقمية شبه متكاملة ومكتفية ذاتيًا بدرجة عالية، بينما تتعلق الأنظار هذه الأيام بنظام التشغيل (HarmonyOS) والاختراقات الصينية المتتالية في صناعة الرقائق. وللأسف، عند النظر في واقع الجنوب العالمي لا نجد سوى سيادة شكلية وتبعية رقمية في كثير من النماذج، حيث لا تزال السيادة الرقمية مفهومًا غائبًا أو مغيّبًا. فأي تحول رقمي يُقدّم باعتباره إنجازًا، دون أي مراجعة نقدية لواقع الاعتماد الكلي على أدوات أجنبية. هذا الانفصام بين خطاب الرقمنة وواقع الاحتلال الرقمي الناعم هو ما يعمق الفجوة، ويُضعف المناعة الوطنية السيبرانية. فلا يمكن لأي دولة أن تزعم تحقيق السيادة وهي ما زالت تعتمد على الآخرين في البرمجيات، والمعالجات، والمنصات، وتخزين البيانات، والحماية. فالتحول الرقمي الذي يُروج له حاليًا لا يعني بالضرورة سيادة، بل قد يُعمّق التبعية إن لم يُرافقه إنتاج مستقل، وتوطين حقيقي للتكنولوجيا، وبناء قاعدة معرفية مستقلة. والخروج من هذا المأزق يبدأ بإرادة سياسية واعية تسعى للاستقلال التقني، واستثمار طويل في البحث والتطوير، وتمكين العقول المحلية، وتوفير بيئة تُشجّع الابتكار لا تخنقه، وتنويع الموردين، وتعزيز الاعتماد على التقنيات مفتوحة المصدر، لعل هذا يمهد الطريق نحو سيادة حقيقية في زمن لا يعترف إلا بمن يملك قراره الرقمي.