logo
ثقافة القطيع.. بين التبعية والتميز الضائع

ثقافة القطيع.. بين التبعية والتميز الضائع

صحيفة الشرقمنذ 5 أيام

42
A+ A-
مقال (لابوبو وعقلية القطيع) للكاتبة المبدعة سعدية مفرح المنشور على صفحات (الشرق) الغراء قبل أيام، حفزني ان ادلو بدلوي في ظاهرة مجتمعية مزعجة لم تزل تتنامى حتى باتت تهدد تميزنا وخصوصيتنا، تحول الفرد فينا إلى مجرد إمعّة، يعجبه ما يعجب الآخرين ويرفض ما يرفضونه، حيث يميل الناس إلى تقليد السائد والشائع واتباع الجماعة دون تمحيص أو تفكير نقدي.
ظاهرة أصبحت أحد أبرز معوقات النهوض الحضاري، لأنها تقتل روح الابتكار والتميز في المجتمعات المعاصرة، في زمن يُفترض أن يكون الانفتاح والتنوع والإبداع سمته الأساسية، لا التقليد والاستنساخ دون وعي او ادراك.
جون ستيوارت ميل (فيلسوف بريطاني) انتقد الظاهرة بقوله «إن التقليد هو العدو الأكبر للحرية العقلية، وما يُسمى بالرأي العام ليس إلا سلطة القطيع».
ما ثقافة القطيع؟
مصطلح 'ثقافة القطيع' يُستخدم مجازًا لوصف سلوك الأفراد الذين يندمجون في تيار عام أو توجه جماعي، ليس عن قناعة أو فهم، بل بدافع الانتماء، الخوف من العزلة، أو السعي وراء القبول الاجتماعي. يشبه هذا السلوك تصرفات الحيوانات التي تتحرك كجماعة دون وعي فردي، ويظهر في مجالات متعددة: من الموضة إلى الآراء والمواقف السياسية، ومن الخيارات المهنية إلى أنماط الاستهلاك، المحاكاة دون وعي او ادراك.
لماذا يعزف الناس عن التميز؟
التميز يتطلب شجاعة، تفكيرًا مستقلًا، ومجهودًا مستمرًا. في المقابل، التقليد يمنح شعورًا بالأمان والانتماء، ويُجنب الفرد مشقة اتخاذ القرار أو احتمال الوقوع في الخطأ. وهنا تكمن جذور المشكلة: المجتمع أحيانًا يُكافئ الطاعة و'السير مع التيار' بينما يُعاقب المختلف أو المتميّز بتهم 'الغرور' أو حتى «التمرد' او « الانغلاق». هنا تذكرت مقولة منسوبة إلى سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه «طريق الحق موحش لقلة سالكيه».
كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا في تكريس ثقافة القطيع؛ حيث تُضخّم الاتجاهات السطحية والتافهة وتحولها إلى 'ترندات' يتسابق الجميع لموكبتها ومحاكاتها والانخراط فيها، حتى وإن كانت خاوية لا دسم فيها من مغزى، أو قيمة أو معنى!.
لكن ما آثار ثقافة القطيع على المجتمع؟
1. قتل الإبداع: عندما يصبح التقليد هو القاعدة، يُهمّش كل ما هو جديد أو مختلف.
2. فقدان الهوية: يُصبح الفرد نسخة مكرّرة من الآخرين، ويفقد شخصيته ورأيه الخاص.
3. الجمود الثقافي والفكري: المجتمعات التي تتبنى 'ثقافة القطيع' تتأخر في التقدم لأنها تعادي التغيير والابتكار.
يقول مالك بن نبي (مفكر جزائري): «إن الجهل بالذات يُنتج عقلية التبعية، ويحول الفرد إلى نسخة مكررة من غيره».
ويبقى السؤال كيف نواجه ثقافة القطيع؟
• تعزيز التفكير النقدي منذ الصغر، وتربية الأجيال على السؤال والتأمل والتقييم بدل الحفظ والتلقين.
•تفهم 'المختلف' وربما الاحتفاء به بدل تسفيهه والتنمر عليه، سواء كان في الرأي، أو الذوق، أو نمط الحياة.
•إعادة تعريف النجاح كمفهوم مرتبط «بالأصالة والإبداع» لا باستنساخ النموذج الدارج،
•الوعي بدور الإعلام في تشكيل القناعات، والتمييز بين التأثير الإيجابي والتسويق الجماهيري المضلل.
* اهمية التربية على صناعة القدوة في جميع مجالات الحياة.
بسبب تخلفنا الحضاري، وتعرض أوطاننا للاستعمار، فُرضت علينا عادات وتقاليد ومفاهيم وأفكار وحتى مصطلحات وأسلوب حياة، ورغم اختلاف الكثير منها مع ما نملك من ثقافة او ارث او دين، وفيها الغث والسمين، فقد اعتبرناها، ودون تأمل او تمحيص. وكأنها مسلمات يقتدي بها فكرنا، ويهتدي بها اجتهادنا، ويستدل بها منطقنا، وينطبق عليها موقفنا.
وتبقى الظاهرة ليست بالضرورة قدرًا محتومًا، بل هي نتيجة تربية ومجتمع ومؤسسات تفضّل الراحة على المغامرة، والمألوف الدارج على المختلف المتميز، ورغم أن الطريق إلى التميز ليس سهلًا، فهو يبقى السبيل الوحيد لنهضة فردية وجماعية حقيقية، آن الأوان أن نتحرر من الخوف، ونجرؤ على أن نكون ذواتنا، ولا نكن إمعّة، وقد حذرنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه بقوله «لا تَكُونُوا ‌إِمَّعَةً»، تَقولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تحْسِنُوا، وَإنْ أَسَاءُوا فَلا تَظْلِمُوا».

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"صوت الخليج" تناقش أهمية النطق بالضاد للأغنية
"صوت الخليج" تناقش أهمية النطق بالضاد للأغنية

صحيفة الشرق

timeمنذ 15 ساعات

  • صحيفة الشرق

"صوت الخليج" تناقش أهمية النطق بالضاد للأغنية

26 شعار إذاعة صوت الخليج برنامج طربيات استضاف برنامج "طربيات" بإذاعة صوت الخليج، د. أحمد يوسف عميد المعهد العالي للموسيقى العربية بالقاهرة، والذي أكد أن الله عز وجل حمّل اللغة العربية أمانة أن يُرسَل عبرها كلامه، وبالتالي فمن الواجب الالتزام بالأداء الذي نزل به القرآن الكريم. جاء ذلك ردا على سؤال الإعلامي عبد السلام جاد الله عن أهمية النطق الدقيق للغة العربية في الغناء. وأوضح د. يوسف أن تاريخ الأغنية العربية شهدت مفارقات عديدة فيما يتعلق بغناء القصائد، فقد واجه كبار الفنانين خطر تغيير المعنى بالكامل لمجرد تغيير نطق حرف واحد فقط، وفي مواقع أخرى استدعت بعض الحالات الغناء بتشكيل خطأ للضرورة الشعرية. وفي كل حلقة يقدم يوسف إضاءة على حياة إحدى الشخصيات الفنية المنسية، حيث تناولت الحلقة الأخيرة الشاعر يونس القاضي وهو شاعر وملحن وصحفي مصري ولد عام 1888 في القاهرة لعائلة عريقة، كان والده قاضيا ومن علماء الأزهر، ودرس الشاعر في الأزهر ثم عمل بالصحافة من عام 1905 حتى 1942، وقام بتأليف العديد من الأغاني المعروفة والتي غناها سيد درويش وأثرت في الشارع المصري وتحولت إلى جزء من التراث المصري. كما ناقشت الحلقة عدة موضوعات أهمها "البحر الموسيقي والشعري" و"الكذب في الغناء" و"دمج نمطي الغناء الشرقي والغربي" و"تاريخ آلة الساكسفون" و"الدولاب والأدليب" و"الإشكالات التلحينية"، و"تطور الآلات الموسيقية" وغيرها من الموضوعات المهمة. يذكر أن البرنامج من إعداد وتقديم عبد السلام جاد الله، وتنفيذ راشد عبيد.

بيع نسخة من دمية صينية بـ150 ألف دولار
بيع نسخة من دمية صينية بـ150 ألف دولار

صحيفة الشرق

timeمنذ 4 أيام

  • صحيفة الشرق

بيع نسخة من دمية صينية بـ150 ألف دولار

منوعات 0 الدوحة - موقع الشرق بيعت دمية "لابوبو" ضخمة في مزاد علني في بكين بـ150 ألف دولار، وسط طفرة عالمية في الطلب على المنتجات التي تجسد هذه الشخصيات المصنوعة في الصين. وقد صمم الفنان كاسينغ لونغ المتحدر من هونغ كونغ دمى "لابوبو" المحشوة الصغيرة التي يمكن تشبيهها بأرنب بهيئة وحش، وتنتجها العلامة التجارية الصينية "بوب مارت". وبألوانها الجذابة، أصبحت هذه الشخصيات إكسسوارات رائجة في غضون أسابيع قليلة، وحملتها نجمات مثل ليزا من فرقة "بلاك بينك" الكورية الجنوبية والمغنيتان ريهانا ودوا ليبا. A human-sized Labubu figurine sells for over $150,000 at auction in Beijing — Reuters (@Reuters) June 10, 2025 وبيعت الثلاثاء دمية باللون الفيروزي لشخصية "لابوبو"، بجسم ورأس مشعرين وبطول 131 سنتيمترا، بسعر هائل بلغ 1.08 مليون يوان (150 ألف دولار) في مزاد ببكين، وفق دار "يونغلي" للمزادات التي أشارت إلى أن هذه القطعة "الوحيدة من نوعها في العالم" بحسب الجزيرة. الدمية عُرضت إلى جانب منتجات أخرى من "لابوبو"، بينها مجسم صغير بشعر بني بطول 160 سنتيمترا، بيع بمبلغ 820 ألف يوان (114 ألف دولار)، علما بأن لدى "بوب مارت" أكثر من 400 متجر حول العالم. وتحولت دمية "لابوبو" المحشوة -التي تنتجها شركة "بوب مارت" الصينية- إلى ظاهرة عالمية بعد أن استحوذت على اهتمام الملايين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ثقافة القطيع.. بين التبعية والتميز الضائع
ثقافة القطيع.. بين التبعية والتميز الضائع

صحيفة الشرق

timeمنذ 5 أيام

  • صحيفة الشرق

ثقافة القطيع.. بين التبعية والتميز الضائع

42 A+ A- مقال (لابوبو وعقلية القطيع) للكاتبة المبدعة سعدية مفرح المنشور على صفحات (الشرق) الغراء قبل أيام، حفزني ان ادلو بدلوي في ظاهرة مجتمعية مزعجة لم تزل تتنامى حتى باتت تهدد تميزنا وخصوصيتنا، تحول الفرد فينا إلى مجرد إمعّة، يعجبه ما يعجب الآخرين ويرفض ما يرفضونه، حيث يميل الناس إلى تقليد السائد والشائع واتباع الجماعة دون تمحيص أو تفكير نقدي. ظاهرة أصبحت أحد أبرز معوقات النهوض الحضاري، لأنها تقتل روح الابتكار والتميز في المجتمعات المعاصرة، في زمن يُفترض أن يكون الانفتاح والتنوع والإبداع سمته الأساسية، لا التقليد والاستنساخ دون وعي او ادراك. جون ستيوارت ميل (فيلسوف بريطاني) انتقد الظاهرة بقوله «إن التقليد هو العدو الأكبر للحرية العقلية، وما يُسمى بالرأي العام ليس إلا سلطة القطيع». ما ثقافة القطيع؟ مصطلح 'ثقافة القطيع' يُستخدم مجازًا لوصف سلوك الأفراد الذين يندمجون في تيار عام أو توجه جماعي، ليس عن قناعة أو فهم، بل بدافع الانتماء، الخوف من العزلة، أو السعي وراء القبول الاجتماعي. يشبه هذا السلوك تصرفات الحيوانات التي تتحرك كجماعة دون وعي فردي، ويظهر في مجالات متعددة: من الموضة إلى الآراء والمواقف السياسية، ومن الخيارات المهنية إلى أنماط الاستهلاك، المحاكاة دون وعي او ادراك. لماذا يعزف الناس عن التميز؟ التميز يتطلب شجاعة، تفكيرًا مستقلًا، ومجهودًا مستمرًا. في المقابل، التقليد يمنح شعورًا بالأمان والانتماء، ويُجنب الفرد مشقة اتخاذ القرار أو احتمال الوقوع في الخطأ. وهنا تكمن جذور المشكلة: المجتمع أحيانًا يُكافئ الطاعة و'السير مع التيار' بينما يُعاقب المختلف أو المتميّز بتهم 'الغرور' أو حتى «التمرد' او « الانغلاق». هنا تذكرت مقولة منسوبة إلى سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه «طريق الحق موحش لقلة سالكيه». كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا في تكريس ثقافة القطيع؛ حيث تُضخّم الاتجاهات السطحية والتافهة وتحولها إلى 'ترندات' يتسابق الجميع لموكبتها ومحاكاتها والانخراط فيها، حتى وإن كانت خاوية لا دسم فيها من مغزى، أو قيمة أو معنى!. لكن ما آثار ثقافة القطيع على المجتمع؟ 1. قتل الإبداع: عندما يصبح التقليد هو القاعدة، يُهمّش كل ما هو جديد أو مختلف. 2. فقدان الهوية: يُصبح الفرد نسخة مكرّرة من الآخرين، ويفقد شخصيته ورأيه الخاص. 3. الجمود الثقافي والفكري: المجتمعات التي تتبنى 'ثقافة القطيع' تتأخر في التقدم لأنها تعادي التغيير والابتكار. يقول مالك بن نبي (مفكر جزائري): «إن الجهل بالذات يُنتج عقلية التبعية، ويحول الفرد إلى نسخة مكررة من غيره». ويبقى السؤال كيف نواجه ثقافة القطيع؟ • تعزيز التفكير النقدي منذ الصغر، وتربية الأجيال على السؤال والتأمل والتقييم بدل الحفظ والتلقين. •تفهم 'المختلف' وربما الاحتفاء به بدل تسفيهه والتنمر عليه، سواء كان في الرأي، أو الذوق، أو نمط الحياة. •إعادة تعريف النجاح كمفهوم مرتبط «بالأصالة والإبداع» لا باستنساخ النموذج الدارج، •الوعي بدور الإعلام في تشكيل القناعات، والتمييز بين التأثير الإيجابي والتسويق الجماهيري المضلل. * اهمية التربية على صناعة القدوة في جميع مجالات الحياة. بسبب تخلفنا الحضاري، وتعرض أوطاننا للاستعمار، فُرضت علينا عادات وتقاليد ومفاهيم وأفكار وحتى مصطلحات وأسلوب حياة، ورغم اختلاف الكثير منها مع ما نملك من ثقافة او ارث او دين، وفيها الغث والسمين، فقد اعتبرناها، ودون تأمل او تمحيص. وكأنها مسلمات يقتدي بها فكرنا، ويهتدي بها اجتهادنا، ويستدل بها منطقنا، وينطبق عليها موقفنا. وتبقى الظاهرة ليست بالضرورة قدرًا محتومًا، بل هي نتيجة تربية ومجتمع ومؤسسات تفضّل الراحة على المغامرة، والمألوف الدارج على المختلف المتميز، ورغم أن الطريق إلى التميز ليس سهلًا، فهو يبقى السبيل الوحيد لنهضة فردية وجماعية حقيقية، آن الأوان أن نتحرر من الخوف، ونجرؤ على أن نكون ذواتنا، ولا نكن إمعّة، وقد حذرنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه بقوله «لا تَكُونُوا ‌إِمَّعَةً»، تَقولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تحْسِنُوا، وَإنْ أَسَاءُوا فَلا تَظْلِمُوا».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store