السمات الشخصية المظلمة في بيئة العمل
تفسير السمات المظلمة يعتمد على السياق الثقافي والسياسي، ولا يُقصد به تشخيصًا نفسيًا دقيقًا، فقد يحصل تداخل بين الصفات، حيث قد يجمع الشخص بين أكثر من صفة (مثل السيكوباتي والميكافيلي)، والتشخيص المهني يجب أن يُترك لتقييم الأخصائي النفسي، لأن الصفات قد تشبه اضطرابات أخرى. وعند مواجهة مثل هذه الشخصيات؛ لابد من استشارة مختص نفسي للمساعدة في إدارة التعامل معه بشكل آمن. وحينها لابد من الحماية الذاتية، ووضع الحدود الواضحة والابتعاد عن العلاقات السامة هي أفضل استراتيجيات التعامل.
تشير الإحصائيات إلى انتشار مقلق لهذه السمات في الفضاء المهني؛ حيث يشير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) إلى أن 1-6 % من السكان يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية، مع هيمنة الذكور. وفي دراسة من جامعة كامبريدج عام 2019 تشير إلى أن 3-5 % من المديرين يظهرون سمات ميكافيلية عالية، غالبًا في المناصب القيادية. وتقرير BBC Worklife، عام 2021؛ أفاد أن 1 % من الموظفين يحملون سمات سيكوباتية، وترتفع نسبتهم إلى 3-4 % في الوظائف عالية الضغط. وأن 18 % من الموظفين تعرضوا لتنمر ممنهج من مديرين ساديين.
تُظهر الأبحاث تأثيرات مدمرة لهذه السمات؛ ففرق العمل بقيادة نرجسيين تعاني من انخفاض بنسبة 23 % في التعاون بسبب استحواذ القائد على الفضل (Journal of Applied Psychology، 2020)، بينما ترتفع معدلات دوران الموظفين بنسبة 40 % في ظل قيادة ميكافيلية. حتى أن 65 % من حالات الاحتيال المالي في الشركات ترتكب بفعل سمات سيكوباتية أو ميكافيلية.
يؤكد عالم النفس روبرت هير: «القائد النرجسي يبني إمبراطوريته على أنقاض فريقه، فهو يرى الموظفين مجرد أدوات لتحقيق مجده الشخصي». بينما تُلخص مقولة نيكولو ميكافيلي جوهر الميكافيلية: «الغاية تبرر الوسيلة»، وهو مبدأ يُطبق في بيئات العمل التنافسية غير الأخلاقية. ومن ناحية أخرى، يُعرِّف ماركيز دي ساد السادية بأنها: «العنف ليس شرًا إذا كان وسيلة للسيطرة»، مما يعكس نهجًا مدمرًا قد يتسلل إلى الثقافة التنظيمية.
في المقابل، تُبرز السمات الإيجابية مثل التعاطف والنزاهة تأثيرًا معاكسًا، حيث أشارت دراسة علمية بأنها تزيد الولاء الوظيفي بنسبة 50 %. ومع ذلك، تظل السمات المظلمة تحديًا كبيرًا يتطلب وعيًا وسياسات صارمة لتعزيز الشفافية والمحاسبة. وكما قال الفيلسوف آلان دو بوتون: «السمات المظلمة ليست قدراً، لكنها خيار يكشف عن ثقافة المؤسسة».
تُحدث السمات المظلمة آثارًا مدمرة على الأفراد والفرق والمنظمات ككل، تشمل انخفاض الإنتاجية بسبب سلوكيات مثل الاستحواذ على العمل، ورفض التعاون، وخلق صراعات. وترتبط القيادة السيكوباتية بزيادة معدلات الفساد المالي مما يهدد استقرار الشركات. والسمات المظلمة تزيد معدلات دوران الموظفين بسبب التنمر أو الاستغلال، مما يرفع تكاليف التدريب والاستبدال.
الشركات التي تتسامح مع القادة النرجسيين أو السيكوباتيين تفقد ثقة العملاء والمستثمرين. مثال: انهيار شركة إنرون بسبب قيادة استبدادية وفساد مالي. ويتجنب الموظفون العمل مع النرجسيين أو الساديين خوفًا من الاستغلال أو الإذلال، مما يُعطل تحقيق الأهداف الجماعية. وتُحفز السمات المظلمة التنافس غير الصحي والغيرة، مما يرفع معدلات النزاعات الداخلية.
يتعرض الموظفون الذين يتعاملون مع قادة مصابين بالسمات المظلمة للإرهاق الوظيفي وأعراض الاكتئاب والقلق المزمن وفقدان الدافع. ويرتبط العمل في بيئة سيكوباتية أو سادية بزيادة أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة بسبب التوتر المزمن. وتُعزز السمات المظلمة ثقافة «البقاء للأقوى» على حساب القيم الأخلاقية، مما يُضعف الابتكار والاستدامة. يقول سيمون سينك: «الثقافات السامة تُنتج موظفين يخشون الفشل أكثر من سعيهم للنجاح». الموظفون المهرة يهجرون الشركات التي تتسامح مع السمات المظلمة، مما يُقلل التنافسية السوقية.
السمات المظلمة قد تهيمن مؤقتًا، لكنها تظل هشة أمام قوة القيم الإنسانية. يقول سيمون سينك: «القائد الحقيقي لا يُطالب بالطاعة، بل يُلهم الولاء عبر الأفعال النابعة من القلب». وبالتزامن مع انتشار حركات مثل القيادة الواعية (Conscious Leadership) والشركات ذات الغرض الاجتماعي، أصبح التحول نحو السمات المضيئة خيارًا استراتيجيًا للبقاء في عالم الأعمال.
والحل يكمن في التكيف الإيجابي، حيث تُصبح المؤسسات مرآةً لقيمها، وتُعيد تعريف النجاح ليشمل ليس فقط الأرباح، بل أيضًا رفاهية الأفراد ونمو المجتمع.. كما لخص آلان دو بوتون: «النجاح الحقيقي هو أن تُغادر مكانًا أفضل مما وجدته».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطن
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- الوطن
4 أنماط للتعلق تشكل علاقاتنا الاجتماعية
تُعد أنماط التعلّق العاطفي من العوامل الأساسية التي تؤثر على سلوك الأفراد في علاقاتهم الشخصية والعاطفية. وفقًا لجمعية علم النفس الأمريكية (APA)، يتشكل نمط التعلّق لدى الإنسان بناءً على تجاربه المبكرة مع مقدمي الرعاية، وهذا التأثير ينعكس بشكل واضح في علاقاته في مرحلة البلوغ، سواء في الصداقات أو العلاقات العاطفية أو الأسرية. أنماط التعلّق العاطفي الرئيسية حدّد علماء النفس أربعة أنماط رئيسية للتعلّق العاطفي: 1. التعلّق الآمن (Secure Attachment): يُعد هذا النوع من التعلّق هو الأكثر صحة في العلاقات العاطفية. الأشخاص الذين ينتمون لهذا النمط يتمتعون بثقة عالية في أنفسهم، ويشعرون بالأمان في علاقاتهم، مما يجعلهم قادرين على التعبير عن مشاعرهم بوضوح دون خوف من الرفض. كما يوازنون بين القرب العاطفي والاستقلالية، ويقبلون الدعم من الآخرين ويقدمونه عند الحاجة. 2. التعلّق القلق (Anxious / Preoccupied Attachment): يتميّز هذا النمط بحساسية مفرطة تجاه العلاقات. يشعر الأفراد الذين يتبعون هذا النمط بعدم الأمان ويبحثون باستمرار عن الطمأنينة والتأكيد من الطرف الآخر. يعانون من الخوف من الهجر وقد يفسرون غياب الاهتمام البسيط على أنه رفض، مما يؤدي إلى علاقات متوترة تتسم بالغيرة والتعلق الزائد. 3. التعلّق التجنبي (Avoidant / Dismissive Attachment): أصحاب هذا النمط يميلون إلى الاستقلالية الشديدة، ويفضلون تجنب القرب العاطفي. يظهرون بمظهر اللامبالاة أو القوة، لكنهم في الواقع يواجهون صعوبة في الثقة بالآخرين وفي التعبير عن احتياجاتهم العاطفية. 4. التعلّق غير المنظّم أو القلق-التجنبي (Fearful-Avoidant / Disorganized Attachment): هذا النمط هو الأكثر تعقيدًا، حيث يجمع بين الرغبة في القرب والخوف من التقرّب في الوقت نفسه. غالبًا ما يرتبط بتجارب صادمة حدثت في الطفولة مثل الإهمال أو سوء المعاملة، مما يجعل الشخص يعاني من صراعات داخلية شديدة ويتصرف بسلوكيات متناقضة تجاه العلاقات. تأثير أنماط التعلّق على العلاقات تؤثر أنماط التعلّق بشكل كبير على طريقة تعامل الأفراد مع الشركاء في العلاقات العاطفية والاجتماعية. وهنا نستعرض كيفية تأثير كل نوع من هذه الأنماط على العلاقات الاجتماعية/ العاطفية : • التعلّق الآمن: الأشخاص الذين يمتلكون هذا النوع من التعلّق ينشئون علاقات مستقرة وصحية. هم قادرون على التعبير عن مشاعرهم بصدق واحترام، ولديهم القدرة على حل الصراعات بمرونة دون تصعيد. كما يشعرون بالأمان في التوازن بين القرب والاستقلالية في العلاقات. • التعلّق التجنّبي: الأشخاص الذين يمتلكون هذا النمط يميلون إلى تجنب القرب العاطفي والابتعاد عن العلاقات الوثيقة. قد يعانون من صعوبة في إظهار مشاعرهم أو التحدث عن احتياجاتهم العاطفية، مما يؤدي إلى علاقات سطحية أو متباعدة. يتجنبون المواجهات وقد تكون علاقاتهم غير متوازنة بسبب صعوبة التعلق. • التعلّق القلق: الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط غالبًا ما يشعرون بعدم الأمان في علاقاتهم، مما يدفعهم للبحث المستمر عن الطمأنينة والتأكيد من شريكهم. في الصراعات، قد يتصرفون بشكل متطلب أو غير منطقي، ما يؤدي إلى تصعيد النزاعات. علاقتهم قد تتسم بالتوتر العاطفي بسبب احتياجاتهم العاطفية غير الملباة. أهمية فهم أنماط التعلّق تُظهر الدراسات أن فهم نمط التعلّق يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو تحسين العلاقات العاطفية والاجتماعية. فهم هذا الجانب النفسي يساعد الأفراد في تعديل أنماط التعلّق غير الآمنة، مما يعزز قدرتهم على بناء علاقات صحية ومستقرة. ويؤكد الخبراء أن العلاج النفسي يمكن أن يكون له دور كبير في معالجة مشكلات التعلّق، من خلال تزويد الأفراد بالأدوات اللازمة لتطوير علاقاتهم وتحقيق حياة عاطفية أكثر توازنًا وصحة. وفي هذا الصدد أشار استشاري الطب النفسي الدكتور وليد السحيباني أن الإنسان في كثير من الأحيان يمرّ بأحد هذه الأنماط خلال فترة من فترات حياته. والأصل أن تكون العلاقات الإنسانية مبنية على الود الاحترام والعطاء وتبادل المنفعة. لكن في بعض الحالات نجد أن نمط التعلق الخاص بهم تحول إلى شكل مؤذي وهنا نجد أن نشأة الشخص وطفولته وطريقة تعامل والديه معه أثّرت بشكل كبير على طريقته في التعامل مع الآخرين. وهنا يؤكد السحيباني على الوالدين أن يحرصوا على بناء أواصر الثقة مع الأبناء إضافة إلى الاستماع والاحتواء حتى تكون نفسياتهم سوية، بالتالي لا ينجرفون في تيارات أنماط التعلق الغير طبيعية في التعامل مع الآخرين. وقال السحيباني : حتى يتجنب الشخص الوقوع في مثل هذه الأنماط في علاقاته ينبغي أن يكون على دراية بأنواع التعلق والتفريق بين الطبيعي والغير طبيعي، حتى يستطيع أن يتدارك نفسه ويعالج الخلل قبل تفاقمه خاصة في حال وصل التعلق بالآخرين في حياته إلى الحد الذي يؤلمه ولا يستطيع التعامل معه .

سعورس
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- سعورس
مجمع إرادة بالرياض: التدخل والتشخيص المبكران والدعم العائلي تحسن حياة المصابين بالتوحد
وأوضحت استشاري طب نمو وسلوك الطفل بالمجمع الدكتورة فاطمة بنت سعيد الأحمري أن اضطراب طيف التوحد هو اضطراب نمائي عصبي يتميز بوجود صعوبات في التفاعل الاجتماعي لدى المصاب، وصعوبات في التواصل اللفظي وغير اللفظي، وتكرار السلوكيات والاهتمامات بشكل مقيد. وذكرت أن هذا الاضطراب يعد أكثر شيوعًا بين الذكور مقارنة بالإناث، ويؤثر على جميع الفئات العرقية والاجتماعية والاقتصادية، وتعود أسباب الإصابة به إلى ثلاثة عوامل رئيسية تشمل، العوامل الوراثية، حيث أن هناك دور كبير للجينات مع وجود ارتباط بين التوحد وبعض الاضطرابات الوراثية، وكذلك العوامل البيئية، والعوامل البيولوجية فقد يكون هناك ارتباط بين التوحد وبعض المشكلات العصبية أو المناعية، وبينت د. فاطمة أن هناك خرافات قديمة متعلقة بالإصابة بهذا الاضطراب، حيث كان يُعتقد أن التوحد سببه "الأم الباردة عاطفيًا" أو وجود مشاكل في التربية وهذا اعتقاد غير صحيح. وعن كيفية التعرف على التوحد، ذكرت الاستشارية الأحمري أن ذلك يعتمد على التشخيصات الحديثة وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) والتي تتضمن، صعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، والسلوكيات المتكررة أو النمطية، مشيرة إلى أن التشخيص يتم بناءً على سلوكيات الطفل وليس عبر فحص طبي محدد. ونوهت استشاري طب نمو وسلوك الطفل الدكتورة فاطمة الأحمري أنه لا يوجد دواء شافٍ للتوحد، ولكن هناك استراتيجيات فعالة لتحسين حياة الطفل، تشمل العلاج السلوكي والتدخل المبكر، والعلاج الوظيفي وعلاج النطق لتحسين المهارات الحركية والتواصلية، والدعم التعليمي والتكيف المدرسي، عبر برامج متخصصة لمساعدة الأطفال على التعلم والتفاعل الاجتماعي، وأخيرًا العلاج بالأدوية، والتي تستخدم للتحكم في الأعراض المصاحبة مثل فرط النشاط أو القلق.


الرياض
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- الرياض
أكثر شيوعًا بين الذكور.. و3 عوامل تسببهمجمع إرادة بالرياض: التدخل والتشخيص المبكران والدعم العائلي تحسن حياة المصابين بالتوحد
أكد مجمع إرادة والصحة النفسية بالرياض عضو تجمع الرياض الصحي الثالث على أهمية التشخيص المبكر والتدخل السريع في حالات اضطراب طيف التوحد، حيث تساعد في تحسين مهارات الطفل الاجتماعية والتواصلية، ويمكن أن تؤدي إلى تحسن كبير في نوعية الحياة، مشددًا على أهمية دعم الأسرة والمجتمع لمساعدة الأطفال على الاندماج والنجاح، مبينًا أن كل طفل مصاب بالتوحد مختلف عن الآخر فلا توجد طريقة واحدة تناسب الجميع. وأوضحت استشاري طب نمو وسلوك الطفل بالمجمع الدكتورة فاطمة بنت سعيد الأحمري أن اضطراب طيف التوحد هو اضطراب نمائي عصبي يتميز بوجود صعوبات في التفاعل الاجتماعي لدى المصاب، وصعوبات في التواصل اللفظي وغير اللفظي، وتكرار السلوكيات والاهتمامات بشكل مقيد. وذكرت أن هذا الاضطراب يعد أكثر شيوعًا بين الذكور مقارنة بالإناث، ويؤثر على جميع الفئات العرقية والاجتماعية والاقتصادية، وتعود أسباب الإصابة به إلى ثلاثة عوامل رئيسية تشمل، العوامل الوراثية، حيث أن هناك دور كبير للجينات مع وجود ارتباط بين التوحد وبعض الاضطرابات الوراثية، وكذلك العوامل البيئية، والعوامل البيولوجية فقد يكون هناك ارتباط بين التوحد وبعض المشكلات العصبية أو المناعية، وبينت د. فاطمة أن هناك خرافات قديمة متعلقة بالإصابة بهذا الاضطراب، حيث كان يُعتقد أن التوحد سببه "الأم الباردة عاطفيًا" أو وجود مشاكل في التربية وهذا اعتقاد غير صحيح. وعن كيفية التعرف على التوحد، ذكرت الاستشارية الأحمري أن ذلك يعتمد على التشخيصات الحديثة وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) والتي تتضمن، صعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، والسلوكيات المتكررة أو النمطية، مشيرة إلى أن التشخيص يتم بناءً على سلوكيات الطفل وليس عبر فحص طبي محدد. ونوهت استشاري طب نمو وسلوك الطفل الدكتورة فاطمة الأحمري أنه لا يوجد دواء شافٍ للتوحد، ولكن هناك استراتيجيات فعالة لتحسين حياة الطفل، تشمل العلاج السلوكي والتدخل المبكر، والعلاج الوظيفي وعلاج النطق لتحسين المهارات الحركية والتواصلية، والدعم التعليمي والتكيف المدرسي، عبر برامج متخصصة لمساعدة الأطفال على التعلم والتفاعل الاجتماعي، وأخيرًا العلاج بالأدوية، والتي تستخدم للتحكم في الأعراض المصاحبة مثل فرط النشاط أو القلق.