
الشرق الأوسط ترصد وقائع حرب التهجير الي إندونسيا وماليزيا
ما بين قصف وترهيب، وتحفيز وترغيب، تُغلِّف الضبابية الكثيفة مسألة «التهجير» في قطاع غزة.
فإسرائيل تمسك بعصا وجزرة؛ تضرب بالأولى مرة، أملاً في سعي المتضررين «للنفاذ بالأرواح»، وتلوِّح بالأخرى مرات، في صورة دعوات مبطَّنة للمغادرة «الطوعية».
وبين هذا وذاك، يواجه سكان القطاع حالة من «الفوضى» و«الضبابية» في مشهد «التهجير» الذي تحاول إسرائيل فرضه بأساليب وتكتيكات مختلفة، مستغلة حاجتهم الماسة لحياة مستقرة آمنة بعيداً عن القصف والدمار وسفك الدماء المتصل منذ نحو 19 شهراً.
وازداد المشهد غموضاً مع تلقي كثير من سكان غزة رسائل نصية على هواتفهم النقالة من أرقام إسرائيلية، تحثهم على التواصل مع ضباط مخابرات عبر تطبيق «واتساب» بهدف العمل على إخراجهم من القطاع، وبعضها تدعوهم للقاء على محور «نتساريم» في ساعات محددة.
وترافق ذلك مع تأكيد غزيين أنهم تلقوا اتصالات من محامين إسرائيليين، تدعوهم للتوقيع على توكيلات لإتمام أوراق تخص هجرتهم من القطاع.
أحلام ضائعة وآمال منشودة
أحد هؤلاء رجل في أواخر الثلاثينات من العمر، قال إنه تلقى اتصالاً ظهر الخميس الماضي من مكتب محاماة في تل أبيب، عرض عليه توقيع توكيل لاستخراج وثائق واستكمال أوراق، تتيح له السفر إلى خارج قطاع غزة.
لم يقتصر الأمر على هذا؛ بل إن المكتب الذي تواصل معه أكد له أنه سيحصل على 5 آلاف دولار قبل تأمين سفره عبر مطار رامون إلى بلد أوروبي، أو التوجه إلى إندونيسيا أو ماليزيا.
واستطرد الغزاوي الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم ذكر اسمه، قائلاً إنه زار بلداً أوروبياً قبل سنوات، وسعى للبقاء فيه والحصول على إقامة، ولكن ذلك لم يتحقق وعاد إلى قطاع غزة، وربما كان هذا أحد أسباب التواصل معه لتحفيزه على تحقيق أمل كان يوماً ينشده.
وبعدما رفض عرض مكتب المحاماة، وصلته على هاتفه رسائل كثيرة تحثه على التواصل مع ضابط مخابرات إسرائيلي عبر «واتساب» لتسهيل إجراءات السفر.
أما «باسم» -وهو اسم مستعار لأكاديمي من القطاع- فيقول إنه تلقى منذ أيام إشعاراً يدعوه للاستعداد للسفر من قطاع غزة برفقة كثير من زملائه الباحثين العلميين وفنانين -وبصحبة عائلاتهم- ضمن برنامج ترعاه وزارة الخارجية الفرنسية لاستقطاب ودعم العلماء والمتميزين، وتسهيل انضمامهم لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي والمؤسسات الثقافية.
وأوضح أنه طُلب منهم لاحقاً التجمع في نقطة معينة بالقطاع، تمهيداً لنقلهم براً إلى معبر كرم أبو سالم، ومنه عبر مطار رامون إلى باريس.
وقال باسم إنه سيغادر برفقة زوجته وأبنائهما الأربعة، ما يتيح لهم بناء مستقبل جديد يدعم مستقبلهم العلمي، ويفيد لاحقاً المجتمع الفلسطيني، وبخاصة قطاع غزة الذي هو في أمسِّ الحاجة لجهود إعادة الإعمار.
ومن بين المسافرين ذوي الجنسية المزدوجة الذين تواصلت معهم «الشرق الأوسط» عبر الإنترنت، الفلسطيني «فارس» -وهو اسم مستعار- الذي سافر لدولة أوروبية يحمل جنسيتها.
وقال إنه وآخرين وقَّعوا أوراقاً تؤكد خروجهم طوعاً بإرادتهم. وأوضح أنه غادر قطاع غزة بعد أن تقدم منذ نحو عام بطلب لسفارة الدولة التي يحمل جنسيتها، وجاءته الموافقة وسافر برفقة عائلته منذ أيام.
رسائل «خبيثة»
وفي بحر ظلمات الغموض، حذَّرت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة، الثلاثاء، مما وصفتها بأنها «حملات لتضليل المواطنين» ودفعهم للخروج من أرضهم.
وقالت الوزارة في بيان على صفحتها على «فيسبوك» إنها تتابع ما يجري من «حملات تضليل وضغط نفسي على المواطنين، من خلال رسائل تصل إلى هواتفهم ومكالمات صوتية تدعوهم إلى مقابلة أجهزة مخابرات الاحتلال، تحت حجة السماح لهم بالسفر خارج قطاع غزة».
وحذَّرت الوزارة من التجاوب مع أي رسائل أو اتصالات تصل إلى هواتف المواطنين «حرصاً على سلامتهم، وتفادياً لأي أضرار قد تلحق بهم جرَّاء أساليب الاستدراج والتضليل التي تستخدمها أجهزة مخابرات الاحتلال».
ودعت المجتمع الدولي إلى «الضغط على الاحتلال لوقف حملاته الخبيثة تجاه المواطنين الفلسطينيين، الساعية لتهجيرهم من أرضهم التي تمثِّل جريمة ومخالفة لقواعد القانون الدولي».
وجاء في البيان: «ما فشل الاحتلال في تحقيقه خلال شهور طويلة من حرب الإبادة وعدوانه على شعبنا، لن يحققه بأساليب الخداع والتضليل. وشعبنا الفلسطيني بكل مكوناته قادر على إحباط مخططات الاحتلال».
وأنذرت الوزارة التابعة لـ«حماس» بأنها ستتخذ إجراءات قانونية بحق كل من يثبت تجاوبه مع تلك الرسائل.
محاولات سابقة
تعيد تلك الرسائل إلى الأذهان مساعي التهجير الحثيثة التي لا تمل الحكومة الإسرائيلية منها ولا تكل، إما من خلال فرض سياسة «الأرض المحروقة»، وإما بإنشاء إدارة لتسهيل الهجرة الطوعية، وإما بنشر وسائل إعلام تقارير من باب «جس النبض» عن استقبال دول لمهاجرين غزيين، قوبلت بالنفي من جانب البلدان المعنية.
ففي الشهر الماضي، نفت مصر ما تداولته وسائل إعلام إسرائيلية عن قبولها نقل نصف مليون مقيم من غزة مؤقتاً إلى مدينة مخصصة لهم في شمال سيناء، في إطار خطة لإعادة إعمار غزة.
وأصدرت هيئة الاستعلامات المصرية بياناً شددت فيه على رفض مصر «القاطع والنهائي لأي محاولة لتهجير الأشقاء الفلسطينيين من غزة، قسراً أو طوعاً، لأي مكان خارجها، وخصوصاً إلى مصر، لما يمثله هذا من تصفية للقضية الفلسطينية، وخطر داهم على الأمن القومي المصري».
وفي فبراير (شباط) الماضي، اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدى استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض «تهجير الفلسطينيين» من قطاع غزة إلى مصر والأردن، وأن تتولى بلاده السيطرة على القطاع، وتحويله إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»؛ لكن المقترح قُوبل بانتقادات دولية وعربية واسعة، ولا سيما من مصر والأردن.
وفي مواجهة المقترح الأميركي، أعدَّت مصر خطة لإعادة إعمار قطاع غزة اعتمدتها «قمة فلسطين» العربية الطارئة التي انعقدت بالقاهرة في الرابع من مارس (آذار) الماضي.
وفي حين أعلن الرئيس الإندونيسي، برابو سوبيانتو، في أبريل الحالي، استعداد بلاده لاستقبال فلسطينيين متضررين من الحرب في غزة، أكد أن هذا الإجراء «مؤقت» ويقتصر على الجرحى والمصابين بالصدمات واليتامى، إلى أن يتعافوا ويكون الوضع في غزة آمناً لعودتهم، مؤكداً دعم بلاده لحل الدولتين.
أما إسرائيل، فقد أعلنت في مارس الماضي عن إنشاء مكتب «للهجرة الطوعية» لتسهيل مرور سكان غزة إلى دول ثالثة.
المرضى والجرحى
وفق بيانات الجهات الحكومية بغزة، فإن الحالات القليلة التي غادرت القطاع مؤخراً هي لمرضى وجرحى أتموا إجراءات السفر لتلقي العلاج في الخارج، وليسوا مُهاجرين، مؤكدة أن ما يُشاع خلاف ذلك «هو كذب متعمد وتحريف للوقائع».
وعلمت «الشرق الأوسط» أنه في الأيام الأربعة الأخيرة، خرجت عائلات من غزة تضم جرحى ومرضى وحملة جنسيات أجنبية مختلفة، تم تجميعهم في دير البلح وخان يونس، ومنها خرجوا عبر معبر كرم أبو سالم إلى الأردن أو مطار رامون، وسافروا من هناك إلى دول مختلفة.
ولم تؤكد أي مصادر صحة ما جرى تداوله حول إجبار هؤلاء على التوقيع على أوراق تشترط عليهم عدم عودتهم، وحتى شطبهم من السجل المدني.
ويروي فلسطينيون غادروا غزة خلال الحرب أو قبلها، كيف أن معظم الدول الأوروبية شددت من سياسات الهجرة، حتى قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكيف أن الهجرة باتت بعد صعود اليمين المتطرف في دول كثيرة من أكثر الملفات تعقيداً، حتى أن هناك دعوات لإخراج الفلسطينيين والعرب من تلك الدول، بينما رفضت أخرى حتى استقبال مرضى أو جرحى من غزة.
وتؤكد مصادر مستقلة ومغتربون في دول أوروبية، أن من يُسمح لهم بالسفر من غزة بشكل أساسي هم المرضى والجرحى، بالتنسيق بين إسرائيل ومنظمة الصحة العالمية.
وذكرت تلك المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن بعض الدول الأوروبية كانت تسمح بلم شمل بعض الغزيين المقيمين فيها مع أفراد عائلاتهم الموجودين بالقطاع، وإن هذا كان بأعداد قليلة جداً، ثم توقفت هذه الخطوات تماماً تقريباً.
وأوضحت أن المسموح بسفرهم حالياً أشخاص يحملون جنسيات دول أخرى، بينما سُمح لعدد محدود جداً من الطلاب بالسفر إلى آيرلندا، مشيرة إلى أن هناك قيوداً شديدة تمنع أي فلسطيني من الحصول على تأشيرة رسمية إلى أوروبا.
وما بين الحرب والدمار ومساعي التهجير… تتعالى أنَّات سكان القطاع.
تابعنا علي منصة جوجل الاخبارية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليوم السابع
منذ 2 ساعات
- اليوم السابع
سعر أونصة الذهب.. تحديث فوري في سعر الذهب اليوم
سجل سعر أونصة الذهب العالمي حالة من الاستقرار عند 3360 دولارًا في ختام تداولات الأسبوع، بعد ارتفاع خلال الأسبوع الماضي بنسبة 4.8% ليسجل اعلى مستوى عند 3366 دولار للأونصة. أسعار الذهب في مصر اليوم - عيار 24 يسجل 5382.86 جنيه. - عيار 21 يسجل 4710 جنيهات. - عيار 18 يسجل 4038 جنيهًا. - عيار 14 يسجل 3133 جنيهات. - الجنيه الذهب 37640 جنيهًا. كما صرح ترامب بأن شركة آبل ستدفع رسومًا جمركية بنسبة 25% على أجهزة آيفون التي تباع في الولايات المتحدة ولكنها غير مصنعة هناك. أدت هذه التصريحات إلى تراجع أسواق الأسهم الأمريكية والأوروبية ليعود الطلب على الذهب كملاذ آمن إلى التزايد من جديد، خاصة وأن الدولار الأمريكي قد وسع من خسائره وسجل أدنى مستوى في 3 أسابيع خلال جلسة الأمس بعد تصريحات ترامب. ضعف الدولار الأمريكي وتراجع مؤشرات الأسهم ساعد على ارتفاع سعر الذهب في ظل العلاقة العكسية التي تربط بينهم. كما ساهم التقدم المحرز في مشروع قانون خفض الضرائب والإنفاق الذي يدعمه الرئيس دونالد ترامب، في تعزيز المخاوف بشأن الوضع المالي. ومن المتوقع أن يضيف مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب بفارق ضئيل يوم الخميس، أكثر من 3 تريليونات دولار إلى الدين العام خلال العقد المقبل وفقًا لبعض التحليلات. شهدت السندات الحكومية الأمريكية عمليات بيع مطولة لسندات الخزانة هذا الأسبوع، مما دفع العائدات إلى الارتفاع بشكل كبير وضغط على الدولار بشكل سلبي، وذلك بعد أن بدأت المخاوف بشأن ديون الولايات المتحدة بالظهور بعد تخفيض وكالة موديز للتصنيف الائتماني للديون السيادية الأمريكية. تقرير التزامات المتداولين المفصل الصادر عن لجنة تداول السلع الآجلة، والذي يظهر وضع المضاربة على الذهب للأسبوع المنتهي في 20 مايو، أظهر انخفاض طفيف في عقود شراء الذهب الآجلة من قبل المتداولين الأفراد والصناديق والمؤسسات المالية بهدف المضاربة بمقدار - 129 عقد مقارنة مع التقرير الماضي، كما انخفضت عقود البيع بمقدار - 2901 عقد. ويعكس التقرير الذي يغطي الفترة السابقة للأسبوع الماضي تقلص في ضعف الطلب على الاستثمار في الذهب بسبب التهدئة الأخيرة في أزمة الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، وقد نشهد من الأسبوع القادم عودة الطلب إلى الارتفاع.


بوابة ماسبيرو
منذ 4 ساعات
- بوابة ماسبيرو
نادى العاصمة" يستعرض نتائج زيارة الرئيس الأمريكي لدول الخليج العربى
أكد الدكتور علاء علي الخبير المصرفى أن هناك مؤشرات عديدة لزيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب إلى الدول الخليجية أبرزها على الصعيد الاقتصادى ، مشيرا إلى أن ترامب نجح فى جلب استثمارات لواشنطن بلغت قيمتها أربعة تريليون دولار وشملت مجالات الطيران والدفاع والذكاء الاصطناعى والعديد من المجالات المختلفة ، موضحا أن الصفقات الامريكية الاماراتية وصلت إلى 200 مليار دولار وكان أبرزها شراء 28 طيارة بيونج وبناء أكبر مركز معلومات للذكاء الاصطناعى. أضاف على خلال لقائه لبرنامج (نادى العاصمة) أن الصفقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية قد وصلت إلى 600 مليار دولار منها 142 مليار دولار صفقات عسكرية تشتمل على تزويد الممكلة العربية السعودية بأحدث المعدات الدفاعية وخدمات القتال وتطوير القوات الجوية ، وقدرات الفضاء، والدفاع الجوي والصاروخي، والأمن البحري والساحلي، وأمن الحدود وتحديث القوات البرية، وتحديث أنظمة المعلومات والاتصالات ، أما بالنسبة لقطر فقد وقع الرئيس الامريكي مع دولة قطر ثلاث اتفاقيات هامة لتعزيز التعاون فى صناعة الطيران وتطوير الأسطول الجوى القطري بجانب اتفاقيتين فى التعاون العسكري وتطوير مجالات تكنولوجيا المعلومات . أوضح علي أن القيادة الأمريكية تسعى بشكل كبير لإنهاء الصراع الروسي الأوكراني الذى استمر لعدة سنوات كما أن الرئيس الامريكي يسعى لزيادة نفوذ دولته فى الشرق الاوسط على حساب النفوذ الصيني ، مشيرا إلى أن إنهاء الصراع الروسي الاوكرانى سيؤثر بشكل مباشر على منطقة الشرق الاوسط ، كما أن إنهاء أزمة قطاع غزة ستؤدى إلى القضاء على الأوضاع الملتهبة فى مضيق باب المندب والذى يؤثر سلبا على الاقتصاد المصرى. " نادى العاصمة " يذاع اسبوعيا على شاشة الفضائية المصرية


بوابة الأهرام
منذ 7 ساعات
- بوابة الأهرام
«العمى العظيم» والمقاومة تحت السيطرة!
فى كتابه الذى نشر أول مرة عام 2009، تحت عنوان «العمى العظيم» وأعيد طباعته مؤخرا، يشرح تشارلز إندرلان مراسل التليفزيون الفرنسى فى اسرائيل 25 عاماً، كيف ان بنيامين نيتانياهو شخص يحب اللعب بالنار. ويواصل استراتيجية أسلافه منذ عودته إلى السلطة عام 2009، فى منع إنشاء دولة فلسطينية، وهى سياسة وافقت هوى الراديكالية اليهودية وقادة الاستيطان، وقادت إسرائيل إلى أكبر هزيمة عسكرية وسياسية منذ إنشائها بعد هزيمة السادس من أكتوبر 1973. الكتاب يشمل عددا ضخما من المواقف والقصص الحصرية التى عايشها شخصياً المؤلف توضح الحسابات الخاطئة، و»العمى» الذى أصاب القادة الإسرائيليين فى مواجهة العدو، الذى أسسوا قواعده، وبدأ العمى عندما اعتقد الإسرائيليون أن الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حماس عام 1987، يمكن أن يكون «الترياق لمنظمة التحرير الفلسطينية»، تماماً كما كانت وكالة المخابرات المركزية فى واشنطن مقتنعة بأن أسامة بن لادن وطالبان يمكن أن يكونا بمثابة حصن ضد الشيوعية. وبمنتهى الصراحة فى 2019 أعلن نيتانياهو أمام نوابه أن أى شخص يريد منع قيام دولة فلسطينية عليه أن يدعم تقوية حماس وتحويل الأموال إليها، وعندما اجتمع رئيس مكافحة أموال الإرهاب بوزارة الخزانة الأمريكية مع مسئول الملف بالحكومة الإسرائيلية، وأخبره بأننا نهتم بأموال حماس فيرد المسئول الإسرائيلى بأنه ليس لديه الحق فى أطلاعه على البيانات، لكن الموساد اكتشف عام 2014 أن حماس لديها شركة عقارية عملاقة فى إسطنبول تجنى أموالاً طائلة ومدرجة فى البورصة، ولكن نيتانياهو منعهم من الإعلان عنها، ويأخذ الأمريكيون المعلومة، كما اكتشف الإسرائيليون فى أحد الأنفاق ملايين اليوروهات والدولارات، وأوراقا توضح أن ميزانية بناء نفق خرسانى بطول 1 كم، تبلغ 100 ألف دولار وقتها، وكان يحيى السنوار قد أوضح لاحقاً أن لديه 500 كيلومتر من الانفاق، نيتانياهو ترك كل هذا يحدث على نطاق واسع، فهو بالفعل ومنذ بداية التسعينيات تحالف مع أعداء عملية أوسلو، وفى عام 1994 يغتال الإرهابى جولدشتاين 29 مسلما يصلون فى الحرم الإبراهيمي، وانفجرت حملة انتحارية إنتقامية، وأدت سياسة إسحاق رابين المرنة ضد المتطرفين اليهود، إلى اغتياله على يد متطرف صهيونى عام 1995، وانحدرت عملية السلام إلى الجحيم. وقامت الجماعات الجهادية بهجمات انتحارية حولت الجمهور الإسرائيلى إلى معارضة أوسلو. وأضافت فكرة آرييل شارون الانسحاب الأحادى من غزة، صورة انتصار حماس، من ثم كانت فكرة الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وتساءل الجميع، هل نسمح لحماس بتقديم مرشحين؟ وقال رجال شارون لندع حماس تقدم مرشحين للإنتخابات وكأننا ندعم عملية أوسلو، وسُمح لهم بالتقدم رغم ان استطلاعات وصلت لشارون بأن حماس ستفوز بالانتخابات، لكنه تركهم، بل وساهم فى نجاح انقلاب حماس على السلطة فى غزة 2007 وقُتل مئات من مسلحى فتح والسيطرة على كل مواقع السلطة الفلسطينية. والعقلية الاسرائيلية كانت دائماً تعتبر السلطة الفلسطينية هى العدو وليس حماس، وبالتالى استطاع شارون النجاح فى تعزيز الانقسام. يختتم الكتاب على قدوم 7 أكتوبر لتحدث حالة من الارتباك فى الدولة الإسرائيلية الذى بدأ عام 2018، مع صدور قانون نيتانياهو «إسرائيل أمة الشعب اليهودي» العنصرى ضد المجتمعات غير اليهودية فى إسرائيل، والذى شكل حدثاً كارثيا، كونه يمنع الطوائف غير اليهودية فى إسرائيل من التمتع بنفس حقوق اليهود، ومنها البناء على أرض إسرائيل، وإعطاء الأولوية للمستوطنات فى إسرائيل نفسها، دون التحدث عن الأراضى الفلسطينية، التى اصبحت متاعا بلا صاحب! هذا القانون مر فى صمت عالمى كامل لم تعلق عليه أى حكومة أو مؤسسة حقوقية!. ثم جاءت المظاهرات المضادة للحكومة الراديكالية وتجاوزات نيتانياهو، وجاء دور جنود الاحتياط الذين هددوا بعدم خدمة حكومة اليمين المتطرف الحالية، ضاربين فى عمق فكرة أن تحتفظ إسرائيل بجيش قوي، متعللين بانه فى وقت ليس على الجميع نفس الالتزامات، والجيش يؤثر عليهم بطريق مختلفة، ولا يجب مطالبتهم بالخدمة الالزامية، ومع فقدان الجيش الإسرائيلى منذ بداية الحرب عشرات الآلاف من الرجال، سواء وفيات او إصابات أو أشخاص احتياطيين لا يريدون الانضمام، فالشاب الإسرائيلى على سبيل المثال الذى أكمل 3 أو 4 سنوات من الخدمة العسكرية، والذى يتم تعبئته اليوم 3 أشهر و3 أشهر أخرى يترك عمله جانبًا، وعائلته ويدفع الضرائب، ويرى أن هذا تمييز فى المجتمع الإسرائيلي، على الجانب الآخر هناك 160 ألف من المتشددين الذين لا يخدمون فى الجيش فحسب، بل يدفعون ضرائب قليلة جدًا، بل يساهمون فى انهيار التعليم العلمانى الذى يتلقى ميزانية أقل من التعليم أو الديني، هذا المستوى من التفاوت ربما يكون أحد أكبر المخاطر التى تواجه إسرائيل. كتاب العمى العظيم، كتاب غربي، يعترف بالحقائق والأرقام أن الإرهاب فى المنطقة صناعة إسرائيلية برعاية أمريكية، ويؤكد عدم الاعتقاد بأن إيران وحزب الله وحماس يمثلون تهديدا وجوديا لإسرائيل لكن الوضع الداخلى هو الأخطر، ففى عام 2023، غادر55 ألف إسرائيلى ولم يعودوا، خروج هؤلاء الأشخاص عالى التأهيل من أطباء ومهندسين،من الدولة سيساهم فى تحولها لبلد متدينة صغيرة فى حالة حرب مع الجيران، بالتأكيد هذا الوضع يحتاج استراتيجيات جديدة مع شركاء جدد، لمواجهة هذا الخطر الدائم الذى تظهرلنا اليوم صورته الوحشية الدنيئة أكثر وضوحاً، والأمر لم يعد متروكا للمجتمع الدولى بل لنا نحن أصحاب المواجهة مع هذه الدولة، لوقف هذه المسيرة الحمقاء نحو مآس جديدة. ----------------- ◙ أستاذ ريادة الأعمال