logo
بيتنا أولى بانشغالنا

بيتنا أولى بانشغالنا

بوابة الأهراممنذ يوم واحد

فى الخميس 14 مارس 2018 كتبت فى هذه المساحة من الأهرام مقالًا بعنوان «زيارة ولى العهد.. قراءة مغايرة»، أوجزت فيه بعض الخطوط العريضة التى تضمنها حديث للأمير محمد بن سلمان فى منزل السفير السعودى فى القاهرة- آنذاك- الأستاذ أحمد القطان، وحضره لفيف من الكتاب والمثقفين والصحفيين والإعلاميين، واستمر أكثر من ساعة.
ومما جاء فى ذلك المقال وبالنص: «..ثم إن صميم الأمر عندى هو أن مصر، الشعب والمؤسسات، وأيضًا النخب، خاصة المثقفين وأهل السياسة والمال، ما لم تدرك بكل مكوناتها أن ثمة متغيرًا كيفيًا عميقًا حفر مجراه، ودارت عجلته فى المملكة العربية السعودية، وأنه يتعين أن تواكب مصر هذا المتغير الكيفى الإيجابى، بل فائق الإيجابية، وإلا ستتحول وتائر الإيقاعات وتسارعها من فروق بسيطة تقاس بالخطوات إلى متواليات عددية، وربما هندسية، وإذا حدث- لا قدر الله- ولم يتوافر فى التركيبة المصرية ككل ما يتم تحقيقه للتركيبة السعودية فإن السيناريوهات تحتمل بعض البدائل وخيمة الأثر».
وبالطبع فلست بصدد إعادة نشر مقال 14 مارس 2018 كله، ولا بصدد مدح ذاتى عن نبوءات كاتب، وإنما بصدد عدة أمور أراها مهمة.
أولها حتمية الحفاظ على قوة ومتانة النسيج المصري- السعودى، وهنا أشير إلى ما قاله الرئيس السيسى عندما نشرت بعض السطور التى اعتبرت قدحًا فى شأن إخوتنا، إذ قال الرئيس «لا تنسوا الفضل بينكم»، وفى أكثر من مناسبة مذاعة تليفزيونيًا وعلى الهواء أكد السيد الرئيس ذلك المعنى.
وثانيها أن يدرك البعض أن كل دولة فى العالم حرة فى علاقاتها، وفى استخدام وتوظيف مواردها، وفى التخطيط لمستقبل اقتصادها وعلاقاتها الدولية.
أما ثالث ما أود الإشارة إليه فهو أننا مطالبون اليوم بألا نضيع مزيدًا من الوقت ونهدر الجهد ونرهق الأذهان بأمور لا نستطيع تغييرها، ولا نحن أصلًا جهة تغييرها، وإنما نصرف كل الوقت والجهد والتفكير والعمل لننقل وطننا نقلات كيفية فى كل المجالات، خاصة أننا نعيش وسط إقليم حافل بالمتغيرات الدرامية الحادة، ونواجه تحديات رهيبة فى الداخل والخارج، وليس معقولًا أن تخطو مجتمعات ودول فى إقليمنا خطوات هائلة تجاه التقنيات المتقدمة فى الذكاء الاصطناعى، وفى البحث العلمى، وفى حلول علمية وعملية لمشاكل ندرة الموارد المائية والزراعية، وفى استكمال منظومات التحول الرقمى فى كل المجالات، بينما يتجه البعض منا إلى إعادة إحياء دور «الكتاتيب» وكتب «القراءة الرشيدة» كمدخل وحيد لتطوير التعليم.
أما رابعًا فهو أن النخب المصرية، خاصة فى مجال الإعلام والصحافة ومؤسسات البحث العلمى والتعليم؛ مطالبة بالخروج تمامًا ونهائيًا من مستنقع المعارك الماضوية، والخلافات الأيديولوجية والفقهية والمذهبية، وتعميق الفجوات الاجتماعية؛ لأن أى عين مراقبة لا تخطئ شيوع تلك السلبيات «المستنقعية»– إذا جاز الاشتقاق– على صفحات الجرائد وفى المقالات وفى اللقاءات التليفزيونية، ولا أريد أن أضرب أمثلة فادحة على ذلك، ويكفى أن أذكر- على سبيل المثال وليس الحصر- موضوعات مثل شريط الحديث الذى دار بين الرئيسين عبدالناصر والقذافى، وقضية العلاقة بين المالك والمستأجر فى المبانى القديمة، وقضية رسوم التقاضى، وقضية طفل دمنهور، وقضية تنظيم الفتوى.. تلك الأمور أخذت وتأخذ حيزًا رهيبًا من تفكير الناس، وتصرف أذهانهم عن الانشغال بما يتعين التفكير فيه، فى مجتمع يواجه تحديات طبيعية كالتصحر والتبحر– أى هجوم البحر– وندرة المياه، وتحديات أخرى فى التعليم والصحة والإنتاج وغيرها.
وهنا أجد لزامًا أن أشير إلى أن مجتمعات أخرى واجهت مشكلة الجهات المنوط بها تطبيقات شرعية ودورها الذى اعتبر هناك معوقًا للتغيير والتقدم، فتم ضربها وتقويض وجودها بغير لجج أو مماحكة، وواجهت مشكلة استفحال ما يطلق عليه فساد الكبار، الذين ظنوا وظن المجتمع أن لا أحد يقدر على مواجهتهم، ولكن المواجهة تمت وعلنًا وعرفتها الدنيا كلها، وتم قطع دابر الظاهرة، وهلم جرا.
دعونا ننشغل وأيضًا نشتغل على حالنا، ونعمل على توظيف إمكاناتنا التى ثبت أن غيرنا لا يمتلك مثلها، ونبدع فى خلق وتطوير إمكانات متجددة فى كل المجالات، لأنه لا يعقل ولا يقبل أن نرى رئيس الدولة وهو يعمل ليل نهار ومعه فريق العمل، خاصة الخارجية المصرية، لمواجهة التحديات الرهيبة المهددة لأمن مصر القومى وترابها واستقرارها وقرارها، ووسط عواصف إقليمية ودولية عاتية، ثم نجلس لنراقب أو ننتقد أو نفتح معارك جانبية ضد آخرين فى الإقليم ولا نقدم شيئًا فيما يجب أن يكون هو عملنا وشغلنا الشاغل.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بيتنا أولى بانشغالنا
بيتنا أولى بانشغالنا

بوابة الأهرام

timeمنذ يوم واحد

  • بوابة الأهرام

بيتنا أولى بانشغالنا

فى الخميس 14 مارس 2018 كتبت فى هذه المساحة من الأهرام مقالًا بعنوان «زيارة ولى العهد.. قراءة مغايرة»، أوجزت فيه بعض الخطوط العريضة التى تضمنها حديث للأمير محمد بن سلمان فى منزل السفير السعودى فى القاهرة- آنذاك- الأستاذ أحمد القطان، وحضره لفيف من الكتاب والمثقفين والصحفيين والإعلاميين، واستمر أكثر من ساعة. ومما جاء فى ذلك المقال وبالنص: «..ثم إن صميم الأمر عندى هو أن مصر، الشعب والمؤسسات، وأيضًا النخب، خاصة المثقفين وأهل السياسة والمال، ما لم تدرك بكل مكوناتها أن ثمة متغيرًا كيفيًا عميقًا حفر مجراه، ودارت عجلته فى المملكة العربية السعودية، وأنه يتعين أن تواكب مصر هذا المتغير الكيفى الإيجابى، بل فائق الإيجابية، وإلا ستتحول وتائر الإيقاعات وتسارعها من فروق بسيطة تقاس بالخطوات إلى متواليات عددية، وربما هندسية، وإذا حدث- لا قدر الله- ولم يتوافر فى التركيبة المصرية ككل ما يتم تحقيقه للتركيبة السعودية فإن السيناريوهات تحتمل بعض البدائل وخيمة الأثر». وبالطبع فلست بصدد إعادة نشر مقال 14 مارس 2018 كله، ولا بصدد مدح ذاتى عن نبوءات كاتب، وإنما بصدد عدة أمور أراها مهمة. أولها حتمية الحفاظ على قوة ومتانة النسيج المصري- السعودى، وهنا أشير إلى ما قاله الرئيس السيسى عندما نشرت بعض السطور التى اعتبرت قدحًا فى شأن إخوتنا، إذ قال الرئيس «لا تنسوا الفضل بينكم»، وفى أكثر من مناسبة مذاعة تليفزيونيًا وعلى الهواء أكد السيد الرئيس ذلك المعنى. وثانيها أن يدرك البعض أن كل دولة فى العالم حرة فى علاقاتها، وفى استخدام وتوظيف مواردها، وفى التخطيط لمستقبل اقتصادها وعلاقاتها الدولية. أما ثالث ما أود الإشارة إليه فهو أننا مطالبون اليوم بألا نضيع مزيدًا من الوقت ونهدر الجهد ونرهق الأذهان بأمور لا نستطيع تغييرها، ولا نحن أصلًا جهة تغييرها، وإنما نصرف كل الوقت والجهد والتفكير والعمل لننقل وطننا نقلات كيفية فى كل المجالات، خاصة أننا نعيش وسط إقليم حافل بالمتغيرات الدرامية الحادة، ونواجه تحديات رهيبة فى الداخل والخارج، وليس معقولًا أن تخطو مجتمعات ودول فى إقليمنا خطوات هائلة تجاه التقنيات المتقدمة فى الذكاء الاصطناعى، وفى البحث العلمى، وفى حلول علمية وعملية لمشاكل ندرة الموارد المائية والزراعية، وفى استكمال منظومات التحول الرقمى فى كل المجالات، بينما يتجه البعض منا إلى إعادة إحياء دور «الكتاتيب» وكتب «القراءة الرشيدة» كمدخل وحيد لتطوير التعليم. أما رابعًا فهو أن النخب المصرية، خاصة فى مجال الإعلام والصحافة ومؤسسات البحث العلمى والتعليم؛ مطالبة بالخروج تمامًا ونهائيًا من مستنقع المعارك الماضوية، والخلافات الأيديولوجية والفقهية والمذهبية، وتعميق الفجوات الاجتماعية؛ لأن أى عين مراقبة لا تخطئ شيوع تلك السلبيات «المستنقعية»– إذا جاز الاشتقاق– على صفحات الجرائد وفى المقالات وفى اللقاءات التليفزيونية، ولا أريد أن أضرب أمثلة فادحة على ذلك، ويكفى أن أذكر- على سبيل المثال وليس الحصر- موضوعات مثل شريط الحديث الذى دار بين الرئيسين عبدالناصر والقذافى، وقضية العلاقة بين المالك والمستأجر فى المبانى القديمة، وقضية رسوم التقاضى، وقضية طفل دمنهور، وقضية تنظيم الفتوى.. تلك الأمور أخذت وتأخذ حيزًا رهيبًا من تفكير الناس، وتصرف أذهانهم عن الانشغال بما يتعين التفكير فيه، فى مجتمع يواجه تحديات طبيعية كالتصحر والتبحر– أى هجوم البحر– وندرة المياه، وتحديات أخرى فى التعليم والصحة والإنتاج وغيرها. وهنا أجد لزامًا أن أشير إلى أن مجتمعات أخرى واجهت مشكلة الجهات المنوط بها تطبيقات شرعية ودورها الذى اعتبر هناك معوقًا للتغيير والتقدم، فتم ضربها وتقويض وجودها بغير لجج أو مماحكة، وواجهت مشكلة استفحال ما يطلق عليه فساد الكبار، الذين ظنوا وظن المجتمع أن لا أحد يقدر على مواجهتهم، ولكن المواجهة تمت وعلنًا وعرفتها الدنيا كلها، وتم قطع دابر الظاهرة، وهلم جرا. دعونا ننشغل وأيضًا نشتغل على حالنا، ونعمل على توظيف إمكاناتنا التى ثبت أن غيرنا لا يمتلك مثلها، ونبدع فى خلق وتطوير إمكانات متجددة فى كل المجالات، لأنه لا يعقل ولا يقبل أن نرى رئيس الدولة وهو يعمل ليل نهار ومعه فريق العمل، خاصة الخارجية المصرية، لمواجهة التحديات الرهيبة المهددة لأمن مصر القومى وترابها واستقرارها وقرارها، ووسط عواصف إقليمية ودولية عاتية، ثم نجلس لنراقب أو ننتقد أو نفتح معارك جانبية ضد آخرين فى الإقليم ولا نقدم شيئًا فيما يجب أن يكون هو عملنا وشغلنا الشاغل.

مدبولي: تفعيل المجلس الأعلى التنسيقي مع السعودية أولوية لتعميق العلاقات
مدبولي: تفعيل المجلس الأعلى التنسيقي مع السعودية أولوية لتعميق العلاقات

فيتو

timeمنذ 2 أيام

  • فيتو

مدبولي: تفعيل المجلس الأعلى التنسيقي مع السعودية أولوية لتعميق العلاقات

استقبل الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مساء اليوم بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة، الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية؛ لبحث عدد من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وذلك بحضور المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، والسفير صالح بن عيد الحصيني، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر، وعددٍ من أعضاء مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية. وفي مُستهل اللقاء أعرب رئيس الوزراء عن سعادته باستقبال رئيس مجلس الشورى السعودي والوفد المرافق له، مثمنًا العلاقات التاريخية الوثيقة على مستوى الشعبين والقيادة السياسية في البلدين. كما أشاد الدكتور مصطفى مدبولي بالجهود المبذولة والحرص على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وذلك من خلال توقيع اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات بين البلدين، بالإضافة إلى تشكيل المجلس الأعلى التنسيقي المشترك، معربًا عن تطلعه لعقد اجتماعات المجلس خلال الفترة المقبلة. وأشار رئيس الوزراء إلى استقبال وفد رجال الأعمال السعودي مؤخرًا، مؤكدًا على الترحيب بالتعاون الثنائي والاستثمارات السعودية في مصر. وأعرب رئيس الوزراء عن تقديره لدور المملكة العربية السعودية على المستوى الإقليمي والداعم للقضايا العربية. كما أعرب الدكتور مصطفى مدبولي عن تطلعه لنجاح زيارة رئيس مجلس الشورى السعودي إلى مصر وأن تسهم في دعم العلاقات الثنائية بين البلدين. وخلال اللقاء، أشاد رئيس مجلس الشورى السعودي، بالجهود التي تقوم بها الحكومة المصرية لتحقيق التنمية الشاملة ودعم العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، مؤكدًا عمق العلاقات بين الجانبين، واهتمام مجلس الشورى السعودي بدعم العلاقات الثنائية. كما أشار الدكتور عبدالله بن محمد ال الشيخ إلى الجهود التي يبذلها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، لتحقيق نهضة شاملة في المملكة ودعم العلاقات مع الدول العربية، ومن بينها مصر. وطلب رئيس الوزراء نقل تحياته لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، مشيدًا بما تشهده المملكة من تطوير ونهضة شاملة في مختلف المجالات، معربًا عن خالص تمنياته بكل التوفيق والرقي والنهضة للمملكة العربية السعودية الشقيقة. وفي نهاية اللقاء، أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن الحكومة المصرية تتطلع لتفعيل المجلس الأعلى التنسيقي المشترك خلال الفترة المقبلة بما يدعم العلاقات الثنائية في كافة المجالات. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

أخبار العالم : تحليل.. قطر تعمل كأمم متحدة مصغرة.. وترامب يتمنى أن تكون أمريكا أشبه بالخليج
أخبار العالم : تحليل.. قطر تعمل كأمم متحدة مصغرة.. وترامب يتمنى أن تكون أمريكا أشبه بالخليج

نافذة على العالم

timeمنذ 4 أيام

  • نافذة على العالم

أخبار العالم : تحليل.. قطر تعمل كأمم متحدة مصغرة.. وترامب يتمنى أن تكون أمريكا أشبه بالخليج

الأحد 18 مايو 2025 06:30 مساءً نافذة على العالم - تحليل بقلم الزميل بشبكة CNN، ستيفن كولينسون (CNN)-- من الواضح أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يتمنى أن تكون أمريكا أشبه بدول الخليج التي زارها في أول رحلة خارجية كبيرة له في ولايته الجديدة. حظي باستقبال حافل يليق بالملوك، ففي المملكة العربية السعودية استقبله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بأسلوب فاق كل التقدير الذي حظي به الرئيس الأمريكي من كبار مسؤوليه في الوطن. واستُقبل ترامب بالجمال وشاحنات "سايبرترك" الحمراء وسجادة حمراء في محطته التالية في قطر، الأربعاء، بعد هبوطه بطائرته الرئاسية القديمة - بدلاً من طائرة 747-8الأحدث التي يرغب مضيفوه في إهدائه إياها. Credit:) وقال ترامب في خطاب هام ألقاه في الرياض: "لقد أطلقنا العصر الذهبي لأمريكا، يمكن للعصر الذهبي للشرق الأوسط أن يستمر معنا". وتُعد رحلته، التي شملت أيضًا توقفًا في الإمارات العربية المتحدة، نافذة على ولايته الثانية. إغداق ترامب الاهتمام على دول الخليج يُسلط الضوء أيضًا على صعود المنطقة إلى القوة الجيوسياسية والاقتصادية. فالقوة المالية للسعوديين والقطريين والإماراتيين الأثرياء بالنفط تُهندس تحولًا في موازين القوى من الغرب إلى الشرق. وهذا واضح في قطر، فهذه الدولة الصغيرة (أصغر من ولاية كونيتيكت)، والتي يسكنها 2.5 مليون نسمة، أصبحت الآن محورًا للدبلوماسية، وجعلت نفسها لا غنى عنها في السياسات الخارجية للرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين. إنها تربط بين الدول المتحاربة والجماعات المعادية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران وروسيا وأوكرانيا وحماس وإسرائيل ولبنان والفصائل المنافسة له، طالبان والكونغو ومتمردو حركة إم23. إذا نشبت حربٌ تحتاج إلى إنهاء أو تحرير رهينة، فستكون قطر، التي تعمل كأمم متحدة مصغّرة. Credit: BRENDAN SMIALOWSKI/AFP via Getty Images) كيف جعلت قطر نفسها وسيطًا دبلوماسيًا لأمريكا؟ أسفر بحث ترامب المتواصل عن "مكاسب" عن استثمارات جديدة بقيمة 600 مليار دولار للولايات المتحدة، الثلاثاء، ومن الطبيعي أن تتضخم هذه الأرقام بسبب عدّ الصفقات السابقة والوعود المستقبلية التي لم تتحقق. ولكن كان هناك أيضًا نصر للشعب السوري، حيث أعلن ترامب رفع العقوبات الأمريكية بعد سقوط نظام الأسد العام الماضي - وهو أحدث قرار رئاسي من سلسلة قرارات قد تُثير حفيظة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. واجتمع ترامب صباح الأربعاء مع الزعيم السوري، في تطور لافت بالنظر إلى أن أحمد الشرع كان في السابق جهاديًا، وكانت الولايات المتحدة قد رصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه (ألغت الولايات المتحدة المكافأة في ديسمبر/ كانون الأول بعد أن عمل الشرع على بناء علاقات دبلوماسية مع نظامه الجديد). وانضم إلى ترامب والشرع شخصيًا في اجتماع الأربعاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالإضافة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي انضم هاتفيًا. ويُركّز البيت الأبيض على أن جولة ترامب اقتصادية بالدرجة الأولى. لكن زيارته إلى قطر سلطت الضوء على الترابط بين السياسة الاقتصادية والأمنية الأمريكية. ولضمان أمنها في منطقةٍ مُضطربةٍ تُعاني من صراعاتٍ حدودية، جعلت قطر نفسها لا غنى عنها للولايات المتحدة وحلفائها. ففي قاعدة العديد الجوية الشاسعة، والتي كانت سريةً في السابق، والتي بنتها في الصحراء خارج الدوحة، تمتد مدارج الطائرات والمنشآت العسكرية الأمريكية على مد البصر. ومع تآكل الهياكل الجيوسياسية الدولية، صنعت حكومة الدوحة اسمًا لها كوسيطٍ نادرٍ في النزاعات المُستعصية بين الأعداء، والتي قد تمتد أحيانًا على بُعد آلاف الأميال خارج حدودها. قال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لصحيفة واشنطن بوست في مقابلة نُشرت، الاثنين: "نحن دولة صغيرة، لكن لدينا تواصلًا طويل الأمد. أحيانًا، يُمكّنك كونك دولة صغيرة من التحرك بسرعة والقدرة على التواصل مع الجميع". ولا شك أن قطر لديها واحدة من أكثر وزارات الخارجية انشغالًا في العالم. فقد عملت على إطلاق سراح الرهائن وجهود وقف إطلاق النار في خضم الحرب الإسرائيلية على غزة، وأرسلت مليارات الدولارات كمساعدات للمدنيين الفلسطينيين. ولعبت دورًا كبيرًا في تسهيل إجلاء الولايات المتحدة من أفغانستان. وفي هذا الأسبوع فقط، انضمت قطر إلى مصر في التفاوض مع حماس لتأمين إطلاق سراح آخر رهينة أمريكي على قيد الحياة في غزة، عيدان ألكسندر. وحافظت الدوحة على قنوات مفتوحة مع روسيا التي جعلها غزو أوكرانيا منبوذة دوليًا. وقد ساعدها ذلك في تسهيل إطلاق سراح مجموعات عديدة من الأطفال الأوكرانيين المحاصرين في الصراع. كما توسطت قطر بين إدارة بايدن ونظام مادورو في فنزويلا في عملية أدت إلى إطلاق سراح 10 أمريكيين. وتستضيف محادثات السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ومتمردي حركة إم23 المدعومة من رواندا بهدف إنهاء القتال الذي أودى بحياة الآلاف من الأشخاص وأدى إلى أزمة إنسانية. وأثار استعداد قطر للتعامل حتى مع أكثر الجماعات تطرفًا غضب جيرانها أحيانًا، بمن فيهم السعوديون، الذين شهدت معهم عدة انقسامات دبلوماسية، وفي الولايات المتحدة، اتُهمت قناة الجزيرة، وهي شبكة إخبارية ممولة جزئيًا من الحكومة القطرية، بالتحيز خلال حرب العراق. ودعا المشرعون في واشنطن الإدارات الأمريكية مرارًا إلى قطع العلاقات مع قطر لسماحها للمتطرفين المنتمين إلى طالبان وحماس والإخوان المسلمين بالعيش والعمل هناك. ولكن انفتاحها غالبًا ما أفاد السياسة الخارجية الأمريكية. فبإمكان قطر التحدث إلى أطراف متحاربة لا تستطيع الحكومة الأمريكية التواصل معها. لقد أصبحت قطر أداة دبلوماسية قوية لرؤساء الولايات المتحدة. وقال ستيفن كوك، من مجلس العلاقات الخارجية، للصحفيين في إحاطة صحفية عُقدت مؤخرًا: "يلعب السعوديون دورًا في التوسط مع الأوكرانيين والروس. وقد لعبت الإمارات دورًا فعالًا في إعادة الأمريكيين المسجونين ظلمًا في روسيا إلى ديارهم". من الواضح أن للقطريين دوراً كبيراً في غزة وفي التوصل إلى وقف إطلاق النار هناك. والآن لدينا العُمانيون، المنخرطون بعمق ليس فقط في المفاوضات النووية، بل أيضاً مع الحوثيين. وأضاف كوك: "يبدو أن إدارة ترامب تنظر إلى شركاء أمريكا في الخليج كمحاورين موثوق بهم، وليسوا حلفاء معاهدات في أوروبا أو شركاء آخرين". ولكن يبدو أن اللمسة القطرية البارعة قد خذلتها في الأزمة الجديدة بشأن طائرة الرئاسة الأمريكية، إذ اعتبر النقاد عرض طائرة 747 جديدة لسد الفجوة ريثما تدخل الطائرات الرئاسية الجديدة الخدمة، محاولةً سافرة للتأثير على ترامب، الذي قال إنه سيكون "غبيا" إن رفضها. لن تبدو هذه الهدية مُخالفةً للدستور فحسب، بل ستُضطر الاستخبارات الأمريكية إلى فحص الطائرة بدقةٍ لضمان عدم تعريضها للخطر من قِبل قوى خارجية، وقد سلط العرض الضوء على جانبٍ مُظلمٍ لقطر: سجلها في مجال حقوق الإنسان، الذي وصفته وزارة الخارجية في عهد بايدن بأنه مُلطخٌ بالاعتقالات السياسية، وقيودٍ على حرية التعبير، ونظامٍ قانونيٍّ مُتداعٍ. ويُبدي بعض الجمهوريين حذرهم من هذه الفكرة، إذ قال السيناتور راند بول، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كنتاكي، على قناة فوكس نيوز، الاثنين: "الكثير من أبناء قطر ممنوعون من المشاركة في الحكومة. وبعض الأقليات الدينية في قطر تُعامل معاملةً سيئة. ولذلك، لم أكن من أشد المُعجبين بها"، مضيفا: "أتساءل إن كانت هذه الهدية الكبيرة ستُؤثر على قدرتنا على تقييم سجلهم في مجال حقوق الإنسان.. لن أقبل، هذا رأيي الشخصي. لا أعتقد أنها فكرة جيدة". Credit:) يُشيد ترامب بـ"التحول" الذي يتمنى محاكاته يسعى ترامب جاهدًا لاستقطاب استثمارات خليجية لموازنة استراتيجيته القائمة على الرسوم الجمركية لإعادة تشكيل الاقتصاد الأمريكي، لكنه انبهر بالتحولات التي أحدثتها دوله المضيفة في أراضيها، والتي لا تُثقلها لوائح التخطيط والقيود البيئية التي غالبًا ما يُبدي تذمره منها في الولايات المتحدة. وبفضل صناديق الثروة السيادية، يُحدثون ثورة في الرياضة والفنون من خلال بناء مدن حديثة شاسعة، وشبكات نقل، وملاعب لضمان مستقبلهم في ظل استنزاف موارد الكربون، إذ استضافت قطر كأس العالم لكرة القدم عام 2022، كجزء من استراتيجية علاقات عامة يُدينها النقاد باعتبارها محاولة "لتلميع" سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، وأطلقت المملكة العربية السعودية حملات إنفاق ضخمة لتمويل الفرق والدوريات الرياضية، وفي لعبة مزدوجة تجمع بين السياسة والرياضة، أسست دوريًا محترفًا للغولف وأقامت فعاليات في منتجعات ترامب، وستقام فيها بطولة كأس العالم في عام 2034. ويتسلل الإعجاب، بل وحتى الحسد، إلى صوت ترامب في منطقة يشعر فيها براحة أكبر بكثير من مباني أوروبا القديمة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store