
البنوك وشركات التكنولوجيا المالية تنضم لسباق العملات المستقرة
أكيلا كوينيو - نيكو أسغاري - جورج هاموند
يتسابق عدد من أكبر البنوك وشركات التكنولوجيا المالية في العالم على إطلاق عملاتها الرقمية المستقرة، بهدف الاستحواذ على حصة من سوق المدفوعات العابرة للحدود.
ومن المتوقع أن تعيد العملات المشفرة تشكيل سوق المدفوعات، ففي الشهر الماضي، أشار بنك أوف أمريكا إلى انفتاحه على إصدار عملته الخاصة، لينضم بذلك إلى مقدمي خدمات الدفع المعروفين مثل: «ستاندرد تشارترد» و«باي بال» و«ريفوليوت» و«سترايب»، وهي الجهات التي تستهدف مجال أعمال تهيمن عليه شركات عملات مشفرة مثل «تيثر» و«سيركل».
ويرجع هذا الحماس من جانب هذه الشركات إلى تزايد قبول الجهات التنظيمية في أنحاء العالم فكرة أن العملات المستقرة، المصممة للحفاظ على قيمة ثابتة محددة بدولار أمريكي واحد لكل عملة، قد تصبح جزءاً مقبولاً على نطاق واسع في النظام المالي.
وكان مما عزز هذا التحول، بعد العداء التنظيمي الذي لاقته عملة «ليبرا» المستقرة الخاصة بشركة «ميتا» قبل 6 أعوام، الترحيب الحار من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالعملات المشفرة.
وقال سايمون تايلور، الشريك المؤسس لشركة «11: إف إس» لاستشارات التكنولوجيا المالية إن «الأمر يتعلق بقيام أشخاص ببيع مجارف للحفر في حمى الذهب التي تشهدها العملات المشفرة»، وربط التوجه نحو تبني العملات المستقرة بالخوف من ضياع الفرصة.
وتابع: العامل الآخر وراء هذا التوجه وجود حجم حقيقي لهذه العملات، فيرغب المؤسسون في الحصول على حصة من هذه السوق بسبب علمهم أن الجهات التنظيمية ستعلن قواعد حاكمة للعملات المشفرة. وهكذا، تتضافر كل هذه العوامل معاً.
وعلى الرغم من أن العملات المستقرة لطالما كانت تستخدم تقليدياً في نقل الأموال بين مختلف العملات المشفرة، إلا أنها تشهد زيادة في شعبيتها في الأسواق الناشئة كونها بديلاً عن المصارف المحلية في الدفع، وخاصة في السلع، والزراعة، والشحن. وتعد العملات المستقرة نوعاً من الأموال الرقمية الخاصة التي تعمل كأنها احتياط فعلي لعملة سيادية، وغالباً ما تكون الدولار، ويسمح الدفع بالعملات الرقمية للشركات والمستهلكين بالوصول إلى العملات الصعبة خارج النظام المصرفي وبأسعار أرخص وبصورة فورية.
وتم إصدار عملات مستقرة بنحو 210 مليارات دولار على مستوى العالم، وطبعت شركة تيثر التي تتخذ من السلفادور مقراً لها ما يعادل 142 مليار دولار منها، وطبعت سيركل الأمريكية ما يعادل 57 مليار دولار، وذلك لعملتي USDT وUSDC على الترتيب.
وتستخدم شركة سبيس إكس التابعة لإيلون ماسك هذه العملات للحصول على الأموال التي تجنيها بفضل بيع خدمات أقمار ستار لينك الصناعية في الأرجنتين ونيجيريا، فيما توفر سكيل إيه آي لقوتها العاملة الكبيرة من المتعاقدين الخارجيين خيار الحصول على رواتبهم عن طريق رموز رقمية.
وازدادت أحجام المعاملات إلى 710 مليارات دولار في الشهر الماضي مقابل 521 مليار دولار في الفترة نفسها قبل عام، وارتفع عدد عناوين العملات المستقرة إلى 35 مليوناً بزيادة قدرها 50% في الفترة نفسها، بحسب البيانات الصادرة عن «فيزا».
وتزداد ثقة المصارف الكبرى بالانخراط في هذه الصناعة مع توافر القواعد التنظيمية. ويناقش الساسة الأمريكيون مشاريع قوانين في الكونغرس لوضع معايير حاكمة للعملات المستقرة، ما يمنح المصارف والشركات والمستهلكين العاديين ثقة أكبر باستخدام هذه العملات رموزاً. وقال بريان مويناهان، الرئيس التنفيذي لبنك أوف أمريكا عن خطط إدارة ترامب المعلنة في نادي واشنطن الاقتصادي الشهر الماضي: سننخرط في هذه الأعمال إذا أصبحت قانونية.
وأعلن الاتحاد الأوروبي مجموعة قواعد في بداية العام على مشغلي العملات المستقرة في التكتل التزامها. وتعتزم الهيئة الرقابية المالية في المملكة المتحدة التشاور مع السوق في هذا الصدد في العام الجاري. وأفاد مصرف ستاندرد تشارترد الشهر الماضي، بأنه سيقود مشروعاً لإطلاق عملة مستقرة مدعومة بعملة دولار كونغ، بموجب القواعد التنظيمية الجديدة المرتقب إعلانها في الإقليم.
وتأكيداً للزخم الذي تشهده هذه السوق، أنجزت مجموعة سترايب الأمريكية الشهر الماضي أكبر عمليات استحواذ لها في تاريخها، بشراء منصة بريدج للعملات المستقرة بقيمة 1.1 مليار دولار.
وقال جون كوليسون، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لدى الشركة: تعد العملات المستقرة وسلاسل الكتل الأكثر حداثة أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لعالم المدفوعات، وهو ما يشكل أعمالنا. وعالجت شركة التكنولوجيا المالية التي تبلغ قيمتها 91.5 مليار دولار، مدفوعات بقيمة 1.4 تريليون دولار العام الماضي.
وتعتزم «باي بال»، التي توجد لديها عملة مستقرة باسم PYUSD مربوطة بالدولار، إطلاق خدمات المدفوعات على نطاق أوسع في سنة 2025، وترجح أن يكون الإقبال على الخدمة قوياً بين الشركات الأمريكية التي تدفع لمورديها في الخارج على وجه الخصوص.
وفي الشهر الماضي، كتب سيباستيان سيمياتكوسكي، الرئيس التنفيذي لشركة كلارنا المختصة بالبيع بنظام الدفع اللاحق، في منصة إكس للتواصل الاجتماعي: حسناً، أعلن استسلامي. ستعتمد كلارنا العملات المشفرة. وسنعلن المزيد في هذا الصدد تباعاً. نحن آخر كبرى شركات التكنولوجيا المالية اعتماداً لهذه العملات على مستوى العالم، ولا بد من أن يكون هناك شخص أخير، وهو إنجاز من نوع ما.
وعلى الرغم من ذلك، تواجه الأطراف الجديدة الوافدة معركة شاقة لترسيخ نفسها في السوق. فقد عالجت «باي بال» مدفوعات بقيمة 163 مليون دولار فقط هذا الشهر مقارنة بمعالجة تيثر ما يزيد على 131 مليار دولار، بحسب بيانات« فيزا».
ولفتت« فيزا»، إلى وجود 122 مليون معاملة الشهر الماضي على مستوى العالم باستخدام العملات المستقرة. وعلى الرغم من ذلك، أشارت الشركة إلى معالجة 829 مليون معاملة يومياً في المتوسط بوساطة شبكة بطاقات الائتمان لديها.
وقال مارتن ميجنوت، الشريك لدى إندكس فنتشرز والمستثمر في بريدج، إن العملات المستقرة جذابة في أسواق تفتقر إلى بنية تحتية قوية أو سيولة كبيرة ولديها الكثير من الأخطار المرتبطة بالعملات. ومع ذلك، يعتقد ميجنوت بأن حالات استخدام العملات المستقرة ليست واضحة بالقدر الكافي في الأسواق الغربية.
كما حذّر محللون من أن الأسواق من غير المُرجح أن تستطيع الحفاظ على عشرات العملات، مع بدء المستخدمين تمحيص جودة الشركات التي تصدرها.
وأشار تايلور من شركة 11: إف إس، إلى أن العملات المستقرة ليست مثلها مثل النقد، ولكنها بديلة عنه، لافتاً إلى أنها تبرز أخطار الائتمان التي تواجه الشركة، إضافة إلى قدرتها على إدارة الأخطار التشغيلية ذات الصلة بإدارة العملة المستقرة. وأضاف: في واقع الأمر، فإن ما تخبرك به العلامة التجارية للعملة المستقرة هو ماهية الشركة المصدرة. لذلك، بما أن الجهة المُصدرة مؤسسة، توجد لديك أخطار ائتمانية، وهو ما لا تواجهه مع الدولار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 35 دقائق
- العين الإخبارية
النفط يصعد بعد تمديد ترامب مهلة المفاوضات التجارية مع أوروبا
ارتفعت أسعار النفط في مستهل التعاملات الآسيوية، الإثنين، عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتمديد مهلة المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، مما ساهم في تهدئة المخاوف من تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي والطلب على الوقود. وصعدت العقود الآجلة لخام برنت 37 سنتا بما يعادل 0.6 بالمئة إلى 65.15 دولار للبرميل بحلول الساعة 0001 بتوقيت غرينتش، فيما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 34 سنتا بما يعادل 0.6 بالمئة ليصل إلى 61.87 دولار للبرميل. وقال توني سيكامور محلل السوق لدى (آي.جي) "شهدنا ارتفاعا جيدا في أسعار النفط الخام والعقود الأمريكية الآجلة هذا الصباح بعد أن مدد الرئيس الأمريكي ترامب المهلة". وأعلن ترامب موافقته على تمديد مهلة المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي حتى التاسع من يوليو/تموز بعد أن أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد بحاجة إلى مزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق. وقال سيكامور إن عناوين الأخبار المتعلقة بالتجارة والرسوم الجمركية، إلى جانب المخاوف المالية المستمرة، عوامل حاسمة تؤثر على معنويات المخاطرة وأسعار النفط الخام خلال هذا الأسبوع. وواصل خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط مكاسبهما بعد أن أغلقا جلسة يوم الجمعة على زيادة بنسبة 0.5 بالمئة، مع تراجع المخاوف بشأن عودة النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية إثر التقدم المحدود في المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، بالإضافة إلى قيام المشترين الأمريكيين بتغطية مراكزهم قبيل عطلة يوم الذكرى التي تستمر ثلاثة أيام. وقفزت الأسعار أيضا مدفوعة ببيانات شركة خدمات الطاقة بيكر هيوز التي أظهرت أن الشركات الأمريكية، تحت ضغط انخفاض أسعار النفط، قلصت عدد منصات التنقيب عن النفط بمقدار ثمانية ليصل إلى 465 خلال الأسبوع الماضي، وهو أدنى مستوى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021. ويعقد تحالف أوبك+، الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها، اجتماعات الأسبوع المقبل من المتوقع أن تسفر عن زيادة أخرى في الإنتاج قدرها 411 ألف برميل يوميا لشهر يوليو/تموز. وأوضحت رويترز هذا الشهر أن المجموعة قد تتخلى عن باقي التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميا بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول، بعد أن رفعت بالفعل أهداف الإنتاج بنحو مليون برميل يوميا لأشهر أبريل/نيسان ومايو/أيار ويونيو/حزيران. aXA6IDgyLjIyLjIxOC4yNDAg جزيرة ام اند امز CR


الاتحاد
منذ 3 ساعات
- الاتحاد
الرئيس التنفيذي لشركة فيرتيغلوب لـ «الاتحاد»: زيادة إنتاج الأمونيا منخفضة الكربون بأبوظبي إلى 7.6 مليون طن سنوياً
رشا طبيلة (أبوظبي) كشف أحمد الحوشي، الرئيس التنفيذي لشركة «فيرتيغلوب»، عن التوسع في إنتاج الأمونيا منخفضة الكربون، من خلال مشروع الشركة في مصنع الرويس بأبوظبي، عن طريق إنتاج مليون طن من الأمونيا منخفضة الكربون في السنة، حيث يتم حالياً إنتاج 6.6 مليون طن من الأمونيا واليوريا، وسيتم رفعها إلى 7.6 مليون طن سنوياً بحلول عام 2027 عند إنجاز المشروع والبدء بالإنتاج. وقال الحوشي في حوار مع «الاتحاد»، إن الشركة تستهدف، ضمن استراتيجيتها الجديدة، زيادة الأرباح قبل الفائدة والضرائب والإهلاك والإطفاء من 630 مليون دولار العام الماضي إلى أكثر من مليار دولار بحلول عام 2030. وحول توسعات الشركة وأعمالها بين الحوشي: نصدّر إلى أكثر من 50 دولة عالمياً، حيث لدينا مصانع في مصر والجزائر وأبوظبي، فإلى جانب توسعاتنا في مشروع الرويس، نقوم بدراسة مشروع لإنتاج الأمونيا المتجددة في مصر، ومن المتوقع البدء بإنتاج الأمونيا فيه عام 2028. وقال: يوجد مشروع آخر في ولاية تكساس في أميركا، وهو مشروع مشترك بين أدنوك وشركة أميركية، ومن المتوقع البدء بالإنتاج في المشروع عام 2029 وحول الاستراتيجية التي أطلقتها الشركة مؤخراً، قال: إن الاستراتيجية الجديدة لشركة فيرتيغلوب تهدف إلى زيادة الأرباح قبل خصم الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء من 630 مليون دولار العام الماضي إلى مليار دولار في 2030. وأكد أن الاستراتيجية الجديدة مبنية على نقاط قوة الشركة بأنها أكبر مصدر أمونيا ويوريا على مستوى العالم. وقال: ترتكز الاستراتيجية على 4 ركائز، أولها التميز التشغيلي حيث لدينا أحدث المصانع، ولدينا المقدرة على تحقيق طموحاتنا في الكفاءة التشغيلية والتكاليف، أما الركيزة الثانية فتتمثل في القرب من العملاء والمستخدمين. وأضاف: أما الركيزة الثالثة فتتمثل في التوسع في إنتاجنا من المواد النيتروجينية، حيث لدينا قوة في إنتاج الأمونيا واليوريا، وندرس باستمرار إنتاج مواد جديدة مثل آخر منتج تم الإعلان عنه وهو «الديزل إكزوست فلوويد»، وهو عبارة عن يوريا مع الماء، حيث نعد الشركة الوحيدة في الإمارات التي تنتج اليوريا، وندخل في مجال جديد وهو الديزل إكزوست» لاستخدامه في قطاع السيارات. وأشار الحوشي: إلى أن رابع ركيزة، فتتمثل في إنتاج الأمونيا منخفضة الكربون، تماشياً مع الطلب. وقال: نسعى لتحقيق أهدافنا وطموحاتنا، عبر هذه الاستراتيجية الجديدة، بدعم من شركة «أدنوك»، التي هي المساهم الأكبر في الشركة بنسبة 86%. وأشار الحوشي إلى النتائج التي تم تحقيقها في الربع الأول من العام، وهي أفضل أرباح تم تحقيقها منذ أكثر من عام مدفوعة بالقرار الاستراتيجي لتأجيل الشحنات من الربع الأخير من عام 2024. وأعلنت شركة «فيرتيغلوب»، المدرجة في سوق أبوظبي للأوراق المالية، مؤخراً، بلوغ صافي الربح المعدل العائد للمساهمين في الربع الأول من العام 2025، نحو 268 مليون درهم (71 مليون دولار)، بارتفاع 74% على أساس ربع سنوي. نمو قوي وفقاً لنتائج الشركة للربع الأول من العام 2025، ارتفعت الإيرادات إلى 2.55 مليار درهم، بنمو 26% على أساس سنوي و49% على أساس ربع سنوي، مقارنةً بالربع الأخير من عام 2024، فيما وصلت الأرباح المعدلة قبل خصم الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك إلى نحو 940 مليون درهم، بزيادة 45% على أساس سنوي و65% على أساس ربع سنوي. وحققت فيرتيغلوب نمواً قوياً مدفوعاً بارتفاع ملحوظ في أحجام المبيعات، بدعم من تحسينات الكفاءة التشغيلية، وقرار تأجيل بعض الشحنات الاستراتيجية التي كانت مجدولة للربع الأخير من عام 2024 وارتفاع أسعار اليوريا. وحول الدعم من شركة «أدنوك»، أشار الحوشي: تعد أدنوك أكبر مساهم لنا بـ 86% من أسهم الشركة، فهي تقدم لنا الدعم بطرق كثيرة، أبرزها أنها تقلل من التكاليف الثابتة على الشركة بواقع 15 إلى 21 مليون دولار في السنة، ما يمثل 7 إلى 10% من صافي أرباح الشركة. وأضاف: «أدنوك ساهمت في تقليل الفوائد بواقع 10 ملايين دولار، أي ما يمثل 6% من صافي أرباح الشركة». وأكد الحوشي: بالتالي يتم تحقيق بين 13 إلى 16 % نمواً في صافي أرباح الشركة بسبب هذه التخفيضات في التكاليف والفوائد، ما يدعم تحقيق طموحاتنا ضمن استراتيجيتنا الجديدة.


الاتحاد
منذ 6 ساعات
- الاتحاد
«التعاون الخليجي» يحتفي بـ 44 عاماً من العمل المشترك
أبوظبي (الاتحاد) من عاصمة الرؤى، أبوظبي، حيث عُقد مهد القمم وانبثق فجر الوحدة الخليجية قبل أربعة وأربعين عاماً، تتجدد اليوم ذكرى تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية. هذه المناسبة ليست مجرد تاريخ يُحتفى به، بل هي شاهد على مسيرة استثنائية من التلاحم والتكامل، انطلقت شرارتها الأولى في الخامس والعشرين من مايو 1981، حين أعلنت أبوظبي رسمياً عن ميلاد هذا الصرح الإقليمي، واضعة اللبنة الأولى في بنيان يهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط، وصولاً إلى الوحدة المنشودة. لم يكن تأسيس المجلس مجرد استجابة لظروف راهنة، بل كان تجسيداً لإدراك عميق من قادة دول الخليج «رحمهم الله وأمد في أعمار الحاضرين منهم»، بما يجمع شعوبهم من روابط الدين والتاريخ والمصير المشترك، ورغبة صادقة في تحويل حلم الأجيال إلى واقع ملموس، وتشييد حصن منيع يعزز الهوية الخليجية، ويواكب تطلعات المستقبل. وعلى مدار أربعة وأربعين عاماً، وبفضل حكمة وتوجيهات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، تحول الحلم إلى مؤسسة شامخة، ضاربة جذورها في عمق التاريخ والجغرافيا، تستلهم من إرث الأخوة وقوة الروابط، لتصبح نموذجاً يُحتذى به للتكامل الإقليمي؛ مسيرة حافلة بالإنجازات، من السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي، مروراً بالربط الكهربائي وتنسيق الاستراتيجيات الدفاعية والبترولية، وصولاً إلى تعزيز حرية تنقل المواطنين وتنمية التجارة البينية التي تجاوزت 131 مليار دولار في عام 2023، فيما ناهز حجم التجارة الخارجية 1.5 تريليون دولار، مما يعكس الدور المحوري لدول المجلس كقوة اقتصادية عالمية مؤثرة تمتلك نحو 4.4 تريليون دولار كأصول في صناديقها السيادية. واليوم، إذ يحتفي المجلس بعامه الرابع والأربعين، فإنه يقف كأنجح تجربة تكاملية في المنطقة، وركيزة أساسية للأمن والاستقرار، وصوت للحكمة والاتزان. وتأتي هذه الذكرى والمواطن الخليجي ينعم بثمار هذه المسيرة أمنا ورخاء، ويشعر بالفخر بانتمائه، بينما تتواصل الجهود نحو آفاق أرحب، مسترشدة بمقترح الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، تأكيداً على حيوية المجلس وقدرته على التطور ومواكبة الطموحات. إن مسيرة مجلس التعاون، التي انطلقت من أبوظبي، هي قصة نجاح تُروى، وإلهام للأجيال القادمة، ودليل ساطع على أن الإرادة المشتركة والرؤية الثاقبة قادرتان على صنع مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً لشعوب المنطقة والعالم. ورفع معالي جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في كلمة، خلال حفل أقامته الأمانة العامة لمجلس التعاون، بمقرها في مدينة الرياض، بهذه المناسبة، التهنئة إلى أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية «حفظهم الله». وأكد البديوي أنه رغم كل التحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية، ظلت مسيرة مجلس التعاون مثالاً يُحتذى به في وحدة الصف، والتكامل الفاعل، والتعاون البنّاء، حتى غدت نموذجاً رائداً على المستويين الإقليمي والدولي، وعلى جميع الأصعدة ومختلف المجالات. وأضاف: لقد شهدت المسيرة المباركة لمجلس التعاون، بفضل الله، محطات مضيئة وإنجازات نوعية أسهمت في ترسيخ التكامل الخليجي في شتى المجالات، حتى غدت دول المجلس نموذجاً يُحتذى به في العمل الجماعي، وشريكاً يُعتمد عليه إقليمياً ودولياً.