logo
من "يحرتق" على سكة الإصلاح في النافعة؟

من "يحرتق" على سكة الإصلاح في النافعة؟

صيدا أون لاينمنذ 8 ساعات

تمثّل مصلحة تسجيل السيارات والآليات والمركبات - نافعة الدكوانة، نموذجاً مصغّراً عن الدولة اللبنانية، كمرفق عام يدرّ ملايين الليرات يومياً للإدارة، وينخره تاريخياً الفساد ونظام الرشى الممنهج. من هنا كانت رمزية زيارة الرئيس جوزاف عون لهذا المرفق العام، توازياً مع تعيين رئيس جديد للنافعة، هو العميد نزيه قبرصلي، مع مسيرة أمنية حازمة كرئيس سابق لتحري بيروت، في إشارة إلى أن عهد الإصلاح ومكافحة الفساد قد بدأ في لبنان بدءاً من النافعة.
الإصلاحات بدأت بالفعل منذ اليوم الأول للإدارة الجديدة، وتمحورت إدارياً حول حماية وتفعيل "مكننة" الإدارة، بدءاً من منصة حجز المواعيد tmo.gov.lb، التي كانت قد ضربت، في زمن الإدارة السابقة، مع فتح خط مواز للمواعيد من خارج المنصة لسماسرة، بالتواطؤ مع موظفين. هذا الإصلاح لم يكن إلا "أول الغيث"، واستتبع بإصلاحات أخرى أضاءت عليها "نداء الوطن" في مقال سابق بعنوان "إقفال مدارس سَوق وتوقيفات وQueueing system".
هذه الإصلاحات، ومع أنها تأتي ضمن الخطة الإصلاحية لرئيس النافعة ببعدها "قصير المدى"، لا "المتوسط" ولا البعيد"، فإنها مع ذلك، بدأت تتسبب بإنزعاج وخوف لدى المنتفعين من فساد النافعة، بدءاً من السماسرة، ما انعكس "حرتقة" و"تشويشاً" على تلك الإصلاحات.
مهاجمة الإصلاحات في الإدارة، لم تقتصر على بث الأجواء التشاؤمية الساخرة من جدواها، إنما حاولت ضربها بالصّميم. في السياق، تكشف "نداء الوطن" في هذا المقال، كيف يحاول المتضررون من المنصة، بدءاً من السماسرة، ضرب فكرة المكننة في الإدارة، وتكشف أيضاً عن حلحلة ملف أكثر 4000 رخصة سوق توقف العمل بها، بإشارة قضائية عام 2022.
تسخيف الإصلاحات: أو الخشية منها؟
منذ أن وضع ملف النافعة تحت مجهر الرئاسة الأولى، باتت معركة الإصلاح فيها، معركة الدولة برمتها، لرمزية هذا المرفق العام كـ"وكر" تاريخي للفساد، إن تم إصلاحه، أثبت أن الإدارة اللبنانية جمعاء، قابلة للإصلاح أيضاً.
من هنا، ليس مستغرباً، إيلاء وزير الداخلية أحمد الحجار اهتماماً كبيراً بهذا الملف، بتخصيصه ورشة مفتوحة لمعالجة ملف النافعة في الوزارة بشكل يومي، وفق ما كان العميد نزيه قبرصلي، رئيس النافعة بالتكليف، قد كشف في مقال سابق لـ "نداء الوطن"، بعنوان "خطّة إصلاحية في النافعة: خدمة "معجّلة" Queueing system وصولاً للمكننة".
هذا الجو الداعم للإصلاح في الإدارة، ترافق بدوره، مع همة إصلاحية استثنائية بوقت قياسي. "الإنجاز الأول" الذي سرعان ما حقّقته الإدارة الجديدة، قبل مضيّ شهر على عملها في النافعة، كان إقفال باب أخذ مواعيد لتسجيل السيارات من خارج منصة المواعيد tmo.gov.lb.
فبعد أن تمّ ضرب المنصة عبر فتح نظام حجز مواز من خارجها، قوامه التواطؤ بين سماسرة وموظفين في الإدارة السابقة للنافعة، وبيع المواطن موعداً مقابل مبالغ وصلت إلى 150 دولاراً من خارج المنصة، لم يعد بإمكان أي مواطن اليوم، حجز موعد إلا عبر خط واحد يمر منه جميع اللبنانيين بالتساوي، هو منصة حجز المواعيد.
ولمعالجة الـ Attack أو "هجمة" السماسرة على المنصة، بحيث كانوا يدخلون في وقت واحد، مع فتحها كل يوم العاشرة صباحاً، فيحجزون جميع المواعيد في غضون ساعة، ويحرم المواطن الذي يريد إجراء معاملته بنفسه من الحجز لأيام، خصصت الإدارة الجديدة خانة حجز للمواطن صاحب العلاقة، مستقلة عن خانة الحجز للوكيل، واضعة نظام الـOTP، الذي يمنع الشخص من حجز عدة مواعيد في فترة زمنية محددة، على رقم الهاتف نفسه.
هذا الإنجاز تكمن أهميته، في تثبيت وحماية تجربة المكننة في الإدارة. فغياب - مكننة المواعيد - يعني حكماً، العودة إلى طابور الانتظار واحتكاك المواطن بالموظف، وبمعنى أدقّ، عودة البيئة المحفزة للرشاوى.
لكن لهذه البيئة الفاسدة، عشاقها، من كارهي الإصلاح في الإدارة، الذين بدأوا "يحرتقون" على صرامة الإصلاح، وصولاً للترويج - الوقح - لفكرة عودة الرشى في المواعيد على أنها طريق أسرع من المكننة.
المكننة التي خولت المواطن، أن يضمن وجود موعد له عوض الانتظار يوماً كاملاً بشكل عشوائي قد لا يضمن له دوراً في النافعة، أغضبت الجهات المستفيدة من العشوائية والفوضى والفساد، وكأن اللبناني "مش لابقتلو المكننة!".
أول المتضررين، كان بعض السماسرة، وعلى قاعدة "يللي بيغيّر عادته بتقلّ سعادته"، فقد لجأ إلى أساليب احتيالية جديدة، يستغل فيها انعدام ثقة المواطن بدولته، للكسب المالي، أما المواطنون الذين وقعوا ضحايا هكذا عمليات، فمستمرون بالتذمر على قاعدة أنه "ما بيحلها إلا السمسار". فكيف يحتال هؤلاء السماسرة على المواطنين؟
المنصة وبيع "الموعد المجّاني"
جولة بسيطة حول نافعة الدكوانة، لأي مواطن، يسأل كيف يحجز موعداً على منصة حجز المواعيد، tmo.gov.lb، كفيلة بفضح تكتيكات السماسرة الاحتيالية، ومحاولات خداع المواطن، التي وصلت حدّ بيع الموعد المجاني على المنصة!
"صعب تسجلي موعد على المنصة"، "السمسار بيعرف يسجل أكتر منك"، "بيكلفك الموعد 100 دولار... أنا بعملّك تسعيرة أرخص". هذه ردود بعض السماسرة على سؤالنا "كيف نحجز موعداً على منصة tmo.gov.lb".
أما مكاتب تسجيل السيارات في جوار النافعة، فلم تعد قادرة على التعتيم حول فتح خانة خاصة بالمواطن لحجز المواعيد، وبعضها يرشد المواطن بصدق إلى ذلك، أما البعض الآخر، فيدّعي أن المواعيد للخانة المخصصة للمواطن قد تم إقفالها مبكراً، ليعرض عليه حلّه السحري (ليس شيئاً سوى أن يحجز لك بنفسه)، بتسعيرة تبدأ من 30 دولاراً للموعد الواحد.
ووفق معلومات "نداء الوطن"، فهناك حجوزات تبقى متاحة على المنصة لوقت متأخر من الليل، على عكس ما يدّعي بعض أصحاب هذه المكاتب أو بعض السماسرة، وذلك بحسب نوع المعاملة. علماً أن العدد اليومي لمواعيد المنصة، محدود بسقف القدرة الاستيعابية للنافعة.
رخص السوق "المقفلة"... إلى الحلحلة
جدية الإدارة الجديدة في تنفيذ الإصلاحات، تجلت في مراحل عدة، إحداها، وعد رئيس النافعة العميد نزيه قبرصلي عبر "نداء الوطن"، باستحداث Queueing system، أو نظام إلكتروني لإدارة انتظار المواطنين، بالدور، في نافعة الدكوانة، لتخفيف الازدحام، وقد بدأ ذلك بالفعل في قسم السيارات السياحية الخصوصية، في أقل من شهر، ما سهّل عملية انتظار المواطنين.
أما في جديد الإصلاحات، فحلحلة ملف "متكدس"، إداريّاً منذ أكثر 3 سنوات، وهو ملف "رخص السوق"، التي أقفلت إبان التحقيقات والتوقيفات في النافعة، بعد فضيحة تزوير رخص سوق في مصلحة الأوزاعي، حيث تم توقيف أكثر من 4000 معاملة رخصة سوق في فروع عدة للنافعة، وذلك بإشارة قضائية، عام 2022.
في السياق، تكشف مصادر "نداء الوطن"، أنّ هذا الملف وضع اليوم على سكة الحل، حيث تعالج كل حالة على حدة، ويمكن لمن علقت رخصهم آنذاك، أن يراجعوا الإدارة اليوم فيها.
محاربة الفساد "إلزامية" لإصلاح الإدارة!
الإصلاحات الإدارية المطلوبة كثيرة، وبعضها ليس سهلاً ويتطلب تمويلاً ووقتاً لوضعه على السكة في إدارة بقيت لعقود في حالة إدارية مهترئة، سيما وأن المنجز من الخطة الإصلاحية لرئيس النافعة إلى اليوم، ما زال ضمن بعدها القصير، أما الفروقات الملموسة بشكل نسبي كبير، فلن يشعر بها المواطن إلا عند التحول إلى المكننة الشاملة في النافعة.
وعلى الرغم من "تصفير" عداد المواعيد من خارج المنصة على قاعدة: زمن الوساطات انتهى، ليس غريباً أن تعاب إدارة النافعة اليوم، بأنها "تتلهى بمكافحة الفساد"، من جهات منتفعة من فساد النافعة السابق، بحجة أن "الأولوية للإصلاح الإداري". فالتشويش على مكافحة الفساد، منبعه الخشية من أن يطال كل الأيادي "المنتفعة" من النافعة على حساب المرفق العام!
لكن الأهم اليوم هو عدم التراخي في توازي الإصلاح ومكافحة الفساد في آن، إذ إن الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد لا يسيران بالتوازي وحسب، بل إن تحديث وتطوير أي إدارة، في بيئة فاسدة، قادر على الإطاحة بأي إنجاز.
وفي سياق مكافحة الفساد، فقد بلغت حصيلة التوقيفات الحديثة حتى اليوم، بملفات فساد في النافعة وفق مصادر مطلعة لـ"نداء الوطن"، 6 أشخاص بين سماسرة وموظفين، علماً أن هذه التوقيفات منفصلة، عن توقيفات قد حصلت قبل أشهر، مع فتح ملف خوة الـ50 دولاراً، التي كان المواطن يحجز فيها موعداً لتسجيل سيارته عبر يوم مخصص لمعارض السيارات المستعملة، مقابل "بونات بنزين" كانت تقدمها لهيئة إدارة السير، وهو ما توقف قبل استلام الإدارة الجديدة مهامها، بمجرد فتح الملف في شعبة المعلومات.
وتبقى العين على الإصلاحات بعيدة المدى، وصولاً للمكننة الشاملة في النافعة اليوم، في ظروف مؤاتية للإصلاح فيها. لكنها في الوقت عينه معركة ليست بالسهلة، فإصلاح ما أفسده حكم المافيا والميليشيا، لا يتم بعصا سحرية. ولعلّ أهم إنجاز يعول على تحقيقه في النافعة اليوم، هو بناء ثقة المواطن اللبنانيّ بالإدارة ودولة المؤسسات!

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الرئيس عون التقى وفداً من البنك الدولي.. وهذا أبرز ما تم بحثه!
الرئيس عون التقى وفداً من البنك الدولي.. وهذا أبرز ما تم بحثه!

صوت بيروت

timeمنذ ساعة واحدة

  • صوت بيروت

الرئيس عون التقى وفداً من البنك الدولي.. وهذا أبرز ما تم بحثه!

ناقش رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مع نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عثمان ديون والمدير الإقليمي للبنك الدولي جان-كريستوف كاريه، المشاريع التي سبق أن وافق عليها مجلس إدارة البنك الدولي، والتي لا تزال في انتظار إقرارها في مجلس النواب. وقد تم خلال اللقاء التشديد على أهمية الإسراع في تنفيذ الإصلاحات المرتبطة بالقطاع المصرفي، نظرًا لأثرها المباشر في تهيئة الظروف الملائمة لموافقة مجلس إدارة البنك الدولي على قرض إعادة الإعمار. نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عثمان ديون، والمدير الإقليمي للبنك الدولي جان-كريستوف كاريه، ناقشا مع الرئيس عون المشاريع التي سبق أن وافق عليها مجلس إدارة البنك الدولي، والتي لا تزال بانتظار إقرارها في مجلس النواب. وقد جرى خلال اللقاء التشديد على أهمية… — Lebanese Presidency (@LBpresidency) June 16, 2025

الأصداء الاقتصاديّة العالميّة للحرب في الشرق الأوسط
الأصداء الاقتصاديّة العالميّة للحرب في الشرق الأوسط

المدن

timeمنذ 3 ساعات

  • المدن

الأصداء الاقتصاديّة العالميّة للحرب في الشرق الأوسط

منذ يوم الجمعة الماضي، دخل الشرق الأوسط مساراً مجهول المآلات والعواقب، في ظل الهجمات الإسرائيليّة على البنية التحتيّة النوويّة والبتروليّة والعسكريّة الإيرانيّة، وردود طهران على هذه الضربات. حتّى هذه اللحظة، لم يتّسع التصعيد بما يكفي للتأثير جدياً -وبنطاقٍ مؤثّر وواسع- على سلاسل توريد الطاقة العالميّة، ولم يبلغ درجة الضغط المؤلم على خطوط الشحن العالميّة، كما جرى على سبيل المثال في البحر الأحمر منذ الفصل الأخير من العام 2023. ومع ذلك، كان القلق من التداعيات المحتملة كافياً ليترك آثاراً تردّد صداها في جميع أنحاء العالم. في حالة التصعيد الراهن، كان الخوف من المجهول أكثرُ تأثيراً من الوقائع المعلومة اليوم. خوف أسواق النفط عكست أسعار النفط منذ بداية التصعيد هواجس المتداولين. إذ خلال يوم الجمعة وحده، شهدت أسعار النفط ارتفاعات قاربت 13%، ليصل خام برنت إلى حدود 78.5 دولاراً أميركياً في بعض ساعات ذلك النهار. وفي خلاصة ذلك اليوم، كانت حركة الأسعار قد بلغت أعلى مستوياتها منذ العام 2022، الذي شهد بدايات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانيّة. وفي مستهل هذا الأسبوع، واصل سعر النفط الارتفاع بنسبة قاربت 5.5%، في تداولات أولى ساعات صباح اليوم الإثنين. في واقع الأمر، لا يمكن تجاهل حقيقة أنّ الاستهدافات الإسرائيليّة طالت بالفعل مصافي واحتياطات نفط في مناطق مثل بوشهر ومحيط طهران، غير أنّ تأثير هذه الضربات ظلّ محصورًا بإمدادات الطاقة المرتبطة بالسوق المحليّة، ولم يظهر حتّى اللحظة تأثير كبير على عمليّات إنتاج وتصدير النفط الخام. ويبدو أن إسرائيل لم ترغب في فتح الباب على استهدافات أوسع نطاقًا، في ما يخص منشآت إنتاج النفط الخام، خشية التأثير على الموقف الأميركي، الأكثر حساسيّة إزاء أي ارتفاع في أسعار النفط العالميّة. إذ ثمّة ما يكفي من تقديرات للاستنتاج بأنّ الإدارة الأميركيّة قد تكون أكثر استعجالًا لإنهاء المواجهة، في اللحظة التي قد تشعر بأنّ هذه المواجهة سترفع أسعار النفط الخام إلى مستويات خياليّة، وبما يتجاوز الارتفاع القلق والمتوجّس -وأيضًا المحدود نسبيًا- الراهن. لقد كان الارتفاع في أسعار النفط مدفوعًا بالمخاوف إذاً، لا بالتأثير الجدّي على المعروض النفطي الخام. وقد يكون جوهر المسألة مرتبطًا بالخشية من عرقلة خطوط شحن النفط، وخصوصًا تلك التي تعبر بمضيق هرمز، الذي يستوعب خُمس حركة النفط العالميّة، أو نحو 20 مليون برميل من النفط يوميًا. ولعلّ الأسواق تذكّرت شبح ما جرى في البحر الأحمر مع الحوثيين، في أواخر العام 2023، وأدركت التداعيات التي قد تنتج عن تكرار هذا النموذج في مضيق هرمز. ومع ذلك، من المهم التذكير بأنّ منتجي النفط في المنطقة يملكون "خطط باء" لتصدير نفطهم، وإن بكميّات أقل، في حال إقفال مضيق هرمز. ومن هذه الخطط مثلاً، خط النفط الخام الذي ينقل الإنتاج من شرق المملكة العربيّة السعوديّة إلى غربها، وخط النفط الذي يسمح للإمارات العربيّة المتحدة بنقل إنتاجها جنوبًا نحو ميناء الفجيرة، وخط كردستان الذي يسمح بنقل النفط العراقي إلى الشبكات التركيّة. هذه الخطوط، لن تستوعب إلّا جزءًا من النفط الذي يمرّ عبر مضيق هرمز، لكنّها ستسمح بامتصاص جزء من الصدمة التي ستتشكّل من إقفال المضيق بشكلٍ كامل. أمّا العامل الآخر الذي قد يمتص جزء من صدمة إقفال المضيق، إذا حدثت، فسيكون توفّر الاحتياطي الاستراتيجي النفطي الأميركي، الذي سيسمح للإدارة الأميركيّة بالتعامل مع جزء من الطلب المحلّي على النفط، في حال حصول خضّات على مستوى المعروض العالمي. وفي الوقت الحالي، يُقارب حجم هذا المخزون حدود 395 مليون برميل، بقدرة سحب قصوى تبلغ 4.4 مليون برميل يوميًا. التأثير على إمدادات الغاز تختلف المسألة بالنسبة لإمدادات الغاز الطبيعي. فأولى تداعيات التصعيد الراهن، كانت وقف الإنتاج في حقلي كاريش وليفياتان في إسرائيل، وهو ما أوقف جزءًا من إمدادات الغاز المحلّي، وعطّل صادرات الغاز المتجهة إلى مصر والأردن. مع العلم أنّ حجم إنتاج الحقلين معًا يقارب 17.1 مليار متر مكعّب في السنة. وبهذا الشكل، انحصرت عمليّات إنتاج الغاز الإسرائيلي بحقل تمار، ما خفّض الإنتاج الإجمالي بنحو النصف. سريعًا، تلمّست أسواق الغاز العالميّة آثار هذا التطوّر. إذ ارتفعت أسعار العقود الأوروبيّة للغاز الطبيعي بنسبة 6.6%، في ما بدا كتلمّس من قبل السوق لأثر انخفاض واردات الغاز الإسرائيلي. ومع المعلوم أن إسرائيل كانت تعمد إلى تصدير فائض هذا الإنتاج عبر الأنابيب إلى مصر، لتسييل جزء من هذا الإنتاج وبيعه في السوق العالميّة. كما كانت مصر تعتمد على هذه الواردات لتلبية جزء من الاستهلاك المحلّي، وتخفيض حاجتها للغاز المُسال المستورد. في مصر، كانت التداعيات أوضح، وخصوصًا بعدما أدّى انخفاض واردات الغاز من إسرائيل إلى خفض الإنتاج في بعض القطاعات الصناعيّة، وخصوصًا في مجال إنتاج الأسمدة. وتكمن مشكلة مصر في أنّ إنتاجها المحلّي من الغاز كان قد انخفض أساسًا إلى 3.3 مليارات متر مكعّب في شباط الماضي، بعدما ناهز حدود 4.6 مليارات متر مكعّب في الشهر السابق، وهو ما فاقم الحاجة إلى الغاز المستورد. وجميع هذه التطوّرات، باتت تضع مصر أمام تحديات كبيرة، تقف في وجه طموحها بالتحوّل إلى مركز إقليمي لإنتاج وإعادة تصدير مصادر الطاقة. في سوق الغاز أيضًا، كان ثمّة خضّة ناتجة عن استهداف حقل بارس الجنوبي في إيران، بمسيّرة إسرائيليّة ضربت منشآت معالجة الغاز في "المرحلة 14". وهذا ما أدّى بدوره إلى تراجع إنتاج الحقل بنحو 12 مليون متر مكعّب من الغاز، وهي إمدادات كانت تغذّي في العادة حاجة السوق المحلّي من هذه المادّة. بطبيعة الحال، لن تؤدّي هذه التطوّرات إلى المسّ بتوازنات العرض والطلب في الأسواق العالميّة بشكلٍ مباشر، طالما أنّ إنتاج الحقل كان موجّهًا نحو الداخل. لكنّ خفض الإنتاج قد يفاقم مشكلة نقص الطاقة الموجودة أساسًا في إيران. في النتيجة، قلبت الأحداث الأخيرة بعض توجّهات السوق العالميّة. فعادت أسعار مصادر الطاقة للارتفاع، بعدما شهد هذا العام انخفاضًا ملحوظاً في أسعار النفط، وسط عدم حماسة كبار منتجي تحالف أوبيك بلاس لخفض الإنتاج. ومن المتوقّع أن يسهم هذا التطوّر بإعادة دفع معدلات التضخّم للصعود، بعدما راهنت المصارف المركزيّة حول أنحاء العالم على مساهمة أسعار النفط المنخفضة في خفض نسبة التضخّم. وقد تستعد المصارف المركزيّة، أمام تحوّل من هذا النوع، لإرجاء بعض خطط التيسير النقدي، أو إبطاء وتيرتها.

إسرائيل تُربك الاقتصاد العالمي وإغلاق هرمز يهدّد ثلث تجارة النفط العالمية
إسرائيل تُربك الاقتصاد العالمي وإغلاق هرمز يهدّد ثلث تجارة النفط العالمية

النهار

timeمنذ 3 ساعات

  • النهار

إسرائيل تُربك الاقتصاد العالمي وإغلاق هرمز يهدّد ثلث تجارة النفط العالمية

الاقتصاد العالمي في حالة من الذعر بسبب تصاعد الصراع العسكري الإسرائيلي – الإيراني. فدوي الانفجارات تسمع في أسواق النفط والغاز والذهب والفضة والكريبتو، التي شهدت أغلبها ارتفاعات متتالية، وسط مخاوف من تصاعد التوترات السياسية واتساع رقعة الحرب وإغلاق مضيق هرمز. ذهب وفضة وكريبتو ارتفعت أسعار الذهب خلال تداولات الجمعة في أثر الهجوم الإسرائيلي على إيران بنسبة 1.07%، لتصل إلى 3,423 دولاراً للأوقية، مقابل 3,396 دولاراً في ختام تداولات الخميس. ويذكر أن الملياردير المصري نجيب ساويرس توقع أن يصل سعر أوقية الذهب إلى 5 آلاف دولار خلال عام أو عامين من الآن. وعلى صعيد الفضة التي بدأت تلقى طلباً واسعاً من المستثمرين باعتبارها أحد الملاذات الآمنة للاستثمار في ظل التوترات الجيوسياسية، فقد ارتفع بنسبة 0.18% لتصل إلى 36.3 دولاراً للأوقية. وبخلاف المتوقع، انخفضت القيمة السوقية لسوق العملات الرقمية المشفرة 2.51% إلى 3.27 تريليونات دولار، كما تراجع سعر بيتكوين على مدار يوم واحد بنسبة 1.73% ليسجل 105 آلاف دولار، بإجمالي قيمة سوقية 2.08 تريليون دولار. وتوقع مايكل سايلور، رئيس مجلس إدارة شركة "ستراتيجي"، وصول سعر بيتكوين إلى حاجز المليون دولار، كما توقعت مؤسسة "آرك إنفست" أن يتراوح سعر أكبر وأشهر عملة رقمية في العالم بين 1.5 مليون و2.4 مليون دولار بحلول عام 2030. غاز ونفط ارتفعت أسعار العقود الآجلة القياسية 5.7% في أعقاب الهجمات الإسرائيلية على إيران، مسجلة أكبر ارتفاع منذ أكثر من خمسة أسابيع. وارتفعت العقود الآجلة للغاز في مركز TTF الهولندي (المؤشر المرجعي لأوروبا) بنسبة 4.5% لتسجل نحو 34.2 يورو لكل ميغاواط/ساعة، مقابل 32.7 يورو في ختام تداولات الجمعة. وسط توقعات بمضاعفة السعر، خصوصاً في إيطاليا، فرنسا، وإسبانيا في حال أغلق مضيق هرمز. زادت أسعار النفط 13% ثم ارتدت لمستوى يزيد قليلاً على 7% خلال مستهل تداولات الجمعة لتقترب من أعلى مستوياتها في أشهر عدة، وذلك جراء الضربات الإسرائيلية الواسعة النطاق ضد إيران، ما أثار المخاوف بشأن تعطل إمدادات النفط، وتبعات الحرب عقب الرد الإيراني المحتمل. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 5.1 دولارات أو نحو 7.4% إلى 74.43 دولاراً للبرميل مقابل 69.36 دولاراً في ختام تداولات الخميس، كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 5.1 دولارات أو 7.5% إلى 73.15 دولاراً للبرميل. وحذر بنك "جيه بي مورغان تشيس" من قفزة قياسية محتملة لأسعار النفط قد تصل إلى 130 دولاراً للبرميل في السيناريو الأسوأ في الشرق الأوسط وسط مخاوف من شح الإمدادات في الأجل القريب. مسألة هرمز يتوقع خبراء الاقتصاد أن تكون أوروبا أكبر المتضررين إن أغلق مضيق هرمز أو تجنبت الناقلات عبوره، فذلك سيزيد من تكلفة شحن الغاز الطبيعي، خصوصاً أن "القارة العجوز" تعتمد على غاز الشرق الأوسط بعد توقف إمدادات الغاز الروسي جراء حرب أوكرانيا. ويقول خبير الاستثمار الدولي ياسر غريب لـ"النهار": "الصين تأتي على رأس قائمة المتضررين حال إغلاق المضيق، باعتبار أنها أكبر مستورد للنفط في العالم وتستورد أكثر من 40% من احتياجاتها النفطية من السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق، و60% من هذه الإمدادات تمر بمضيق هرمز". يضيف: "الهند تأتي في المرتبة الثانية، فهي تستورد نحو 70% من احتياجاتها النفطية من دول الخليج، وتعتمد على مضيق هرمز في هذه الإمدادات. وثالثاً اليابان التي تستورد نحو 90% من نفطها من الخليج، ورابعاً كوريا الجنوبية التي تعتمد بنسبة تفوق 75% من واردات النفط على دول تمر عبر مضيق هرمز، وخامساً سنغافورة". ويذكّر غريب بأن نحو 17 إلى 20 مليون برميل من النفط الخام تمر بمضيق هرمز يومياً، وهذا يعادل أكثر من 30% من صادرات النفط المنقولة بحراً عالمياً، و20% من إجمالي الطلب العالمي على النفط، "وإذا اعتبرنا أن متوسط سعر برميل النفط يتراوح بين 80 و100 دولار، تصبح القيمة السنوية لصادرات النفط التي تعبر هرمز تتراوح بين 600 و700 مليار دولار سنوياً، ويضاف لها بين 50 و100 مليار دولار سنوياً للسلع غير النفطية التي تعبر المضيق سنوياً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store