logo
سطوة الذكاء الاصطناعي تهدّد بالسقوط في مهب الريح

سطوة الذكاء الاصطناعي تهدّد بالسقوط في مهب الريح

عكاظمنذ 3 أيام
منذ أعلن العالم انطلاق ثورته الرقمية، والشعوب بكافة أطيافها منقسمة على معطيات كل حقبة زمنية، فهناك من يتماهى سريعاً مع كل معطى، وهناك من يحذر ويترقّب، وهناك من يوظّف ويعزز قدراته، بالأحدث من المنجزات الابتكارية، وبحكم (صيحة الذكاء الاصطناعي) التي بدأها (جون مكارثي)، إلى جانب (آلان تورنغ) و(مارفن مينسكي) و(ألن نيويل) و(هيربرت سيمون). وصاغ مكارثي مصطلح (الذكاء الاصطناعي) في عام 1955، ونظم مؤتمر (دارتموث) في صيف 1956. (انضم مينسكي فيما بعد إلى مكارثي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام 1959). وعقب ستة عقود، غدا واقعاً غزا حياة البشر، بمن فيهم الأدباء، وأدخل نخبة الثقافة في جدل حول مستقبل الكتابة، وهل سينجح الذكاء الاصطناعي (بالشات جي بي تي) وغيره من البرامج والتطبيقات، في محاكاة ذكاء الإنسان، والتفوّق عليه؟ أم أن ذكاءه محدود، وهو مرتهن لما يزوده به البشر؟ وماذا عن الكتابة النقدية، وهل سيتحول الناقد البشري إلى ذاكرة؟ وهنا استطلاع رأي لعدد من الأدباء والنقاد، ليسهموا في التصوّر المستقبلي لهذه التقنية التي ملأت الدنيا وأشغلت الناس.
فالناقدة سهام حسين القحطاني، تعدُّ الذكاء الاصطناعي استعماراً جديداً للبشر؛ كونه بدل كل من كل للبشر، مؤكدةً أنه استطاع في مجال الأدب عبر تطبيقاته أن يمثل مرشداً للمبدعين الجدد، إذ ما على أحدهم سوى أن يزوده بعناصر القصة أو أي فن أدبي يريد كتابته «لينُشئ لك نصاً أدبياً كامل الأركان». وأضافت القحطاني: «أما على مستوى النقد فيمكن لهذا الذكاء، تقديم تغذية راجعة منهجية لأدب المبدعين الجدد، بعيداً عن الاحتفاء بالتميز الإبداعي وتصنيف درجات الإبداع، ما يعني أن ورقة تأثير الناقد سقطت في مهب الريح». وترى أن سطوة الذكاء الاصطناعي في مجالي الأدب والنقد يعني أننا سنكون أمام عصر أدبي جليدي أحادي الوجه والوجدان، وأشبه بأقنعة مطموسة الملامح.
فيما ذهب الناقد الدكتور كامل فرحان صالح إلى أن الإجابة عن هذه الإشكالية، لم تعد مغرية في عالم الأدب والنقد؛ كون الذكاء الاصطناعي بدأ فعلاً وفعلياً، يتغلل في كل مفاصل حياتنا، لا سيما منها الدرس التربوي والأكاديمي والثقافي، مشيراً إلى أن النقد الأدبي، ليس بمنأى عن ذلك.
ولفت إلى أن (الكارثة) تكمن في مسلسل الإلهاء عما يحدث فعلاً، والتشويش على من يسعى إلى رصد العلة من جذورها، فنتلهى بمعالجة الغصن فيما الشجرة كلها تحترق، والإنسانية تسقط بما تعنيه من قيم وانفعالات ومشاعر ولغة وعلم وأدب ومعتقدات. وتُقاد البشرية منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، إلغاء وظيفتها على هذه الأرض لمصلحة (ميتافزيقيا الآلة) التي تبسط سلطتها شيئاً فشيئاً، مؤكداً أن «(الآلة) غدت بالمعنى الرمزي، ذكاء، ووظيفة، وردود أفعال، وقرارات، وأعمال تتعلق بالطب والهندسة والأدب والتربية والفنون والاقتصاد، فيما الإنسان يصفق ببلاهة، وسذاجة، وغباء، لتقدمها المرعب، وأخذها لمكانه»، ويرى أن المسألة لم تعد قاصرة على وظيفة النقد، إذ بمقدور الذكاء الاصطناعي، أن ينتج الشعر والحكاية والسيناريو واللوحة والبحث العلمي ويقدم تحليله للأحداث، ويستشرف المستقبل، دون قدرة على الحدّ من سطوة (النقد الاصطناعي) ولا امتلاك معيارية التقييم؛ كوننا لم نعد نمتلك مفاتيح الإبداع الإنساني!
وأوضح الشاعر السمّاح عبدالله، أنه غالباً ما تثار مثل هذه الأسئلة مع كل إنجاز علمي جديد. وقال «أتذكر جيداً وأنا في هيئة تحرير إحدى المجلات الأدبية، كيف كان رئيس التحرير يتشكك في كل المواد المترجمة التي تصلنا، ظناً منه أن المترجم يستعين بـ(Google Translate)؛ الأمر الذي أحدث ارتباكة كبيرة، وسرعان ما تمت تنحية هذا الأمر جانباً، إذ اتضح لنا جميعاً أن الترجمة الآلية لا يمكن لها أن تقوم بالأمر، كما لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتب قصيدة فيها ماء الشعر، ولا قصة محبوكة الحدث، ويصبح الأمر أكثر استحالة إذا ما تعلق بالنقد الأدبي، لأننا نعرف أن النقد له علاقة بالذائقة، والناقد البارع، هو بالأساس صاحب ذائقة خاصة، وصاحب قدرة على تفكيك النص وتحليله والخروج بنتائج هو وحده من يترصد لها. ووصف السمّاح الذكاء الاصطناعي بشديد الغباء في هذا الأمر، كونه مُبَرْمَجاً، ويمنح معطيات موضوعة فيه، وغير قادر على الابتكار. وأضاف «لربما يزيد (الذكاء الاصطناعي)، بغبائه الشديد، من عدد المبدعين والتشكيليين والنقاد، إلا أنه، لن يقدم أي تراكم إيجابي للحركة الأدبية أو الفنية، وسيبقى الحس الإنساني هو كلمة السر الخاصة بأي عمل إبداعي أو نقدي جاد».
وحذّر الناقد الأكاديمي الدكتور حافظ المغربي، من نتائج الذكاء الاصطناعي وخطره على الإبداع الأدبي، متمثلاً في تغذيته بأساليب لكبار الشعراء والنقاد ليكتب على غرارها، فيتلقفها الأذكياء من أنصاف الموهوبين ويضعون عليها شيئاً من أفكارهم ومعارفهم التي يجيدون تلفيقها حيناً وتنميقها حيناً، فتخرج في حلة مبهرة وزائفة في الوقت نفسه، ليقدموها لجوائز عربية مرموقة الظاهر مشكوك فيها، لتنطلي على نقاد من محكمي هذه الجوائز، ويمنحوا جائزة لمن لم يُخلص لتجربته الإبداعية.
فيما يؤكد الناقد الدكتور جابر الخلف، أنه لا جدال في أن (الذكاء الاصطناعي) تقنية مهمة في حياة البشر، ومن السابق لأوانه القول بأنه سيحيل النقد الأدبي أو دور الناقد إلى ذاكرة الماضي، بحكم استعانة شريحة من الجيل المعاصر بتطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ طلباً لتقييم النصوص الأدبية، وعدّه شكلاً من أشكال الوهن الثقافي، وتراجع الذائقة الأدبية المدربة، إما هروباً من المسؤولية، أو رغبة في سرعة الإنجاز (عصر السرعة). ويرى الخلف أنه ليس من المعيب الاستفادة من أي تقنية، إلا أن المشكلة تكمن في الاعتماد عليها، والركون إلى تقنياتها، وهو يفتقد التدرج الطبيعي في بناء ذائقته، وما يمكن أن نسميه «التراكم المعرفي»، ويرى أن التقنية ربما تتفوق في الإتقان، إلا أن الإتقان المفرط المعتمد على تحليل البيانات، لا يسهم في بناء الذائقة الأدبية؛ وربما يساوي بين مقال نقدي لطالب في المرحلة المتوسطة وطالب جامعي، مع اختلاف المستويات الدراسية. ولفت إلى أن الأدب شعور إنساني، وصياغة أدبية تعبران عن خوالج الإنسان البشري لا الآلي، وربما تتقن الآلة أكثر، ولن تكونَ معبرةً بما يكفي عن كل ما يتصل بالإنسان والمجتمع، مؤكداً أن الإنسانَ في حالةِ تفاوت دَائِمٍ بين قوة وضعف، وصلابة وهشاشة، وفرح وحزن، والانفعالات الإنسانية لا يعبر عنها الإتقان بقدر ما يعبر عنها الانفعال، وأضاف: أن «اتصال النقد الأدبي بالذكاء الاصطناعي يكاد يشبه اتصاله بالأيديولوجيا، تحكمه علاقة نفعية، وليست انفعاليّة، و بينهما تخادم محسوس، سرعان ما يخبو».
ونفى أستاذ الأدب الحديث في جامعة الملك فيصل الدكتور يونس البدر، أن تكون مقدرة (الذكاء الاصطناعي) كافية لخدمة النقد الأدبي، لما يتطلبه النقد من ذوق وأحاسيس وانفعالات بشرية صرفة لا تدركها الآلات والحواسيب، ويراه عوناً للناقد بتوظيفه في استحضار الجهاز المفاهيمي لمنهج من المناهج أو نظرية من النظريات، موضحاً أنه استعان ذات مرة بمحادثة مع (الشات جي بي تي) حول تحرير بعض المصطلحات النقدية، فوجد أن المعلومات التي يمكن أن يضيفها محدودة جداً وفي إطار ضيق من المنهج، وكذلك طلب منه تحليل نموذج سردي، وخرج تحليله سطحياً وتكراراً لا يرتقي ليكون أنموذجاً رصيناً، مشيراً إلى أنه مع الوقت ستكون المادة النقدية أوفر، وذات نطاق أوسع وتخدم الباحثين في الإطار النظري.
ويذهب الشاعر زكي السالم إلى أن من المعيب أن يلجأ أديبٌ في أي فرع من فروع الأدب لاستخدام الذكاء الاصطناعي في نقده، عدا الاستعانة به في البحث عن معلومة أو ما شابهها. وعدّ الاعتماد عليه «تزويراً مع سبق الإصرار والترصد»؛ كونه لا غنى عن الإنسان بكل تجلياته ومواهبه في تجلية النصوص الإبداعية بما أوتي من ملَكة نقدية، وذهنية متوقدة، تفتح له آفاقًا للإبداع النقدي، ليكتمل عقد النص إبداعاً وتجلية من الناقد، كما تألق نظماً وأناقة من الشاعر. وتسامح السالم مع تطويع الذكاء لخدمة النقد برفد العملية النقدية، في البحث عن معلومة، وترتيب فكرة، بجعل الذكاء الاصطناعي مستشاراً لا أكثر، مشيراً إلى أن النقد روح قبل أن يكون علماً، وذلك ما يفتقده الذكاء الاصطناعي.
أخبار ذات صلة
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

غارة إسرائيلية بترت ذراعه.. العربية ترصد معاناة الطفل الغزاوي أحمد عدوان بين الألم والجوع
غارة إسرائيلية بترت ذراعه.. العربية ترصد معاناة الطفل الغزاوي أحمد عدوان بين الألم والجوع

العربية

timeمنذ 10 دقائق

  • العربية

غارة إسرائيلية بترت ذراعه.. العربية ترصد معاناة الطفل الغزاوي أحمد عدوان بين الألم والجوع

يواجه خريجو علوم الحاسوب الجدد معدلات بطالة تتراوح بين 6.1% و7.5%، أي أكثر من ضعف ما يعانيه خريجو تخصصات الأحياء وتاريخ الفن، وفقًا لدراسة حديثة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. وتُسلّط مقالة صادمة في صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على ما يحدث على أرض الواقع. القصص الفردية سريالية، تخرجت ماناسي ميشرا، البالغة من العمر 21 عامًا، من جامعة بيردو بعد أن وُعدت برواتب ابتدائية من ستة أرقام، لتتلقى مقابلة عمل واحدة فقط في شيبوتلي، (لم تحصل على الوظيفة). تقدم زاك تايلور لنحو 6000 وظيفة تقنية منذ تخرجه من جامعة ولاية أوريغون عام 2023، ولم يحصل إلا على 13 مقابلة عمل ولم يتلقَ أي عرض عمل، حتى أن ماكدونالدز رفضته بسبب "قلة خبرته". ما هو السبب المزعوم؟ برمجة الذكاء الاصطناعي تلغي الوظائف المبتدئة، بينما تُقلص "أمازون" و"ميتا" و"مايكروسوفت" الوظائف. يقول الطلاب إنهم عالقون في "حلقة مفرغة من الذكاء الاصطناعي" - حيث يستخدمون الذكاء الاصطناعي للتقديم بشكل جماعي بينما تستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي لرفضهم تلقائيًا، أحيانًا في غضون دقائق. لحسن الحظ، حصل ميشرا على وظيفة بعد أن نجح طلب توظيف، وساعده في ذلك بعض منشورات "تيك توك" الذكية حول سوق العمل المتعثر.

المدينة الطبية بجامعة الملك سعود تجري أول زراعة لغرسة قوقعة صناعية ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا
المدينة الطبية بجامعة الملك سعود تجري أول زراعة لغرسة قوقعة صناعية ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا

صحيفة سبق

timeمنذ 40 دقائق

  • صحيفة سبق

المدينة الطبية بجامعة الملك سعود تجري أول زراعة لغرسة قوقعة صناعية ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا

حقّق فريق طبي في المدينة الطبية الجامعية بجامعة الملك سعود، ممثلًا بمركز الملك عبدالله التخصصي للأذن، إنجازًا طبيًا يُعدُّ الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا، وذلك بإجراء أول عملية زراعة لغرسة قوقعة صناعية ذكية. وأوضحت استشارية الأنف والأذن والحنجرة الدكتورة مريم الجهني، أن الغرسة تُعدُّ من الجيل الأحدث في أنظمة القوقعة الصناعية، وتتميز بقدرتها على تحليل البرامج الصوتية، وتخزينها داخل الغرسة عبر ذاكرة داخلية، مع إمكانية التحديث المستقبلي، مما يسهم في تحسين تجربة المستخدم، ورفع كفاءة المتابعة الطبية. ويُعدُّ مركز الملك عبدالله التخصصي للأذن الأول من نوعه في المنطقة في مجال الإعاقة السمعية وزراعة أجهزة الأذن، حيث يعتمد على أحدث التقنيات الطبية، ويطبّق أعلى المعايير العالمية في مجاليّ التشخيص والعلاج.

"استدامة" تُطلق النسخة الثانية من برنامج التدريب في إدارة البيوت المحمية
"استدامة" تُطلق النسخة الثانية من برنامج التدريب في إدارة البيوت المحمية

صحيفة سبق

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة سبق

"استدامة" تُطلق النسخة الثانية من برنامج التدريب في إدارة البيوت المحمية

أعلن المركز الوطني لأبحاث وتطوير الزراعة المستدامة، بالتعاون مع شركة نيوم للغذاء "توبيان"، إطلاق النسخة الثانية من برنامج "التدريب في إدارة البيوت المحمية"، في خطوة إستراتيجية تهدف إلى رفع كفاءة الكوادر الوطنية وتأهيلها وفق أحدث الأساليب العلمية والتطبيقات العملية في هذا المجال الحيوي، وذلك استكمالًا لما حققته النسخة الأولى من نجاحاتٍ ملموسة ومخرجاتٍ نوعية. ويستهدف البرنامج إعداد متدربين يمتلكون القدرة على إدارة وتشغيل البيوت المحمية ذات التحكم المناخي بكفاءة عالية، من خلال إكسابهم خبرات متقدمة في تقنيات الري الذكي، وأنظمة مراقبة المحاصيل، والحلول الموفرة للطاقة، فضلًا عن تمكينهم من التعامل مع التحديات الميدانية المرتبطة بندرة المياه، وصحة التربة، والحفاظ على التنوع البيولوجي. ويحظى المشاركون بفرصة للتدريب العملي المباشر تحت إشراف نخبة من الخبراء والمختصين، بما يضمن نقل المعرفة وتوطين التقنيات الحديثة، وإثراء المهارات العملية اللازمة؛ لدعم استدامة الإنتاج الزراعي، وتعزيز الأمن الغذائي. ويؤكد المركز أن إطلاق هذا البرنامج يأتي في إطار التزامه الراسخ بدعم الابتكار الزراعي وتبني الممارسات الزراعية المستدامة، وذلك ضمن إطار برنامج نقل المعرفة، وسعيه للإسهام في تحقيق الكفاءة الإنتاجية والمحافظة على الموارد الطبيعية، بما ينسجم مع مستهدفات الإستراتيجية الوطنية للزراعة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store